الجهاد والنصر في القرآن الكريم

  جمعية القرآن الكريم للإرشاد والتوجيه - بيروت - لبنان

 

الجزء الأول

الجزء الثاني

الجزء الثالث

الجزء الرابع

آيات الجهاد في سورة النساء 49
آيات الجهاد في سورة المائدة 67
آيات الجهاد في سورة الأنفال 75
آيات الجهاد في سورة التوبة 95

  

 

 

  آيات الجهاد في سورة النساء

 {وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً} (69)

{ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللّهِ وَكَفَى بِاللّهِ عَلِيماً} (70)

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُواْ جَمِيعاً} (71)

{وَإِنَّ مِنكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُن مَّعَهُمْ شَهِيداً} (72)

{وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِّنَ اللهِ لَيَقُولَنَّ كَأَن لَّمْ تَكُن بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيماً} (73)

{فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيماً} (74)

{وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيراً} (75)

{الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً} (76)

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُواْ رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً} (77)

{أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَذِهِ مِنْ عِندِ اللّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ اللّهِ فَمَا لِهَؤُلاءِ الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً} (78)

{مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيداً} (79)

{وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً} (83)

{فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَاللّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنكِيلاً} (84)

{وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيراً} (89)

{إِلاَّ الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ أَوْ جَاؤُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَن يُقَاتِلُونَكُمْ أَوْ يُقَاتِلُواْ قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْاْ إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً} (90)

{سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُواْ قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّواْ إِلَى الْفِتْنِةِ أُرْكِسُواْ فِيِهَا فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُواْ إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّواْ أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُوْلَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُّبِيناً} (91)

{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَئًا وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللّهِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} (92) وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيماً} (93)

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً} (94)

{لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيماً} (95)

{دَرَجَاتٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيماً} (96)

{إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُواْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً} (97)

{إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً} (98)

{فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللّهُ عَفُوًّا غَفُوراً} (99)

{وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيماً} (100)

{وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوًّا مُّبِيناً} (101)

{وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَى أَن تَضَعُواْ أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُواْ حِذْرَكُمْ إِنَّ اللّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِيناً} (102)

{فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاَةَ فَاذْكُرُواْ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتاً} (103)

{وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيماً} (104)

{إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَائِنِينَ خَصِيماً} (105)

{الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً} (139)

لَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ اللّهِ قَالُواْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُواْ أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُم مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} (141)

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ لِلّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُّبِيناً} (144)

 

اللغة والبيان

الصدِّيقين: جمع صدِّيق مبالغة في الصدق والمداومة عليه.

فانفروا: المراد به هنا الخروج للحرب.

ثُباتٍ: جمع ثبة، وهي الجماعة المنفردة.

ليبطئنَّ : المراد بها هنا الحمل على البطء والتأخر.

شهيداً: المراد به الحاضر.

يشرون الحياة الدنيا بالآخرة: يبيعونها بالآخرة.

يستنبطونه: الاستنباط الاستخراج.

حرِّض: الحض التحريض على الشيء.

عسى: في كلام الله واجبة التحقق، وفي كلام غيره متوقعة.

تنكيلاً: المراد بالتنكيل هنا العقاب والعذاب.

شفاعة: مأخوذة من الشفع، وهو أن يصير الانسان شفعاً لصاحبه، اي ناصراً له.

كِفْلٌ: الكفل الحظ والنصيب.

مَقيتاً: المراد به هنا المقتدر.

حسيباً: يأتي بمعنى المحاسب على العمل.

السبيل: الطريق، ويستعمل في الحجة، تقول: لا سبيل لك عليه، أي لا حجة.

الميثاق: العهد.

حصرت صدورهم: ضاقت.

الفتنة: الاختبار، والمراد بها هنا الشرك.

الارتكاس: الرد.

ثَقِفْتموهم: المراد بها هنا وجدتموهم أو ظفرتم بهم.

السلطان: الحجة.

ضربتم: الضرب في الأرض السفر.

فتبينوا: التبين التثبت.

عرض: يعني الشيء الذي يقل لبثه، ويأخذ منه البر والفاجر.

مغنم: يطلق على ما يكتسبه الرجل من مال عدوه في الغزو.

ليستوي: الاستواء المماثلة.

الضرر: المراد به هنا العمى والعرج والمرض وما إليه مما يمنع من الجهاد.

درجة: منزلة.

توفاهم: المراد به هنا قبض الأرواح عند الموت.

تهنوا: الوهن الضعف.

ابتغاء: أي الطلب.

ترجون: الرجاء الأمل، وقيل: المراد به هنا الخوف، والصحيح انه على بابه.

الخصيم: المدافع هنا.

التربص: الانتظار.

تستحوذ: الاستحواذ الغلبة والاستيلاء.

 

التفسير

- رفقاء الجنّة:

{وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً} (69)

يعني من ينقاد لأمره سبحانه وأمر رسوله (ص) باتباع شريعته فأولئك في الجنة مع النبيين والصديقين ومع المقتولين في الجهاد ومع صلحاء المؤمنين فما أحسنهم من رفقاء.

{ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللّهِ وَكَفَى بِاللّهِ عَلِيماً} (70)

اشارة الى ان الكون مع النبيين والصديقين والشهداء تفضّّل به على من أطاعه (وكفى بالله عليماً) بالعصاة والمطيعين وغيرهم.

- ضرورة الحذر الدائم:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُواْ جَمِيعاً} (71)

يعني احذروا عدوكم بأخذ السلاح واخرجوا الى الجهاد جماعات أو مجتمعين في جهة واحدة.

- موقف المنافقين من الجهاد:

{وَإِنَّ مِنكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُن مَّعَهُمْ شَهِيداً} (72)

بين حال المتخلفين عن الجهاد هم منكم يتأخرون عن الخروج مع النبي (ص) (فإن أصابتكم) هزيمة أو قتل (قال) شامتاً (قد أنعم الله عليّ إذ لم أكن معهم) شاهداً حاضراً في القتال فكان يصيبني ما اصابهم.

{وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِّنَ اللهِ لَيَقُولَنَّ كَأَن لَّمْ تَكُن بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيماً} (73)

معناه (لئن اصابكم) فتح أو غنيمة من الله يتحسر ويقول يا ليتني كنت معهم كأن لم تكن بينكم وبينه مودة لا يعاضدكم على قتال عدوّكم ولا يراعي الذمام الذي بينكم يتمنى الحضور لا لنصرتكم وإنما يتمنى النفع لنفسه.

- إعداد المؤمنين للجهاد:

{فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيماً} (74)

معناه فليجاهد في سبيل الله الذين يبيعون الحياة الفانية بالحياة الباقية ومن يجاهد في طريق دين الله وطاعته ومرضاته فيستشهد أو يظفر بالعدو وهذا حث على الجهاد فكأنه قال فائز بإحدى الحسنيين، فسوف نعطيه ثواباً دائماً لا تنغيص فيه.

- الحث على تخليص المستضعفين:

{وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيراً} (75)

أيها المؤمنون أي عذر لكم في ترك القتال في طاعة الله وفي نصرة المستضعفين (من الرجال والنساء والولدان) الذين يقولون في دعائهم ربنا سهّل لنا الخروج من هذه القرية يعني مكة (واجعل لنا) بألطافك وتأييدك من عندك من يلي أمرنا، واجعل لنا من ينصرنا على من ظلمنا فاستجاب الله تعالى دعاءهم عندما فتح رسول الله (ص) مكة جعل الله نبيه لهم ولياً فاستعمل على مكة عتاب بن أسيد فجعله الله لهم نصيراً فكان ينصف الضعيف من الشديد.

- ضعف كيد الشيطان:

{الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً} (76)

معناه (الذين آمنوا يقاتلون) في طاعة الله ونصرة دينه وإعلاء كلمته وابتغاء مرضاته (والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت) وطاعته فقاتلوا اتباع الشيطان (إن كيد الشيطان كان ضعيفا) في جنب كيد الله للكافرين.

- قوم بضاعتهم الكلام دون العمل:

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُواْ رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً} (77)

معناه (ألم تر الى الذين قيل لهم) وهم بمكة أمسكوا عن قتال الكفار فإني لم أؤمر بقتالهم (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فلما كتب) أي فرض (عليهم القتال) وهم بالمدينة اذا جماعة منهم يخافون القتل من الناس كما يخافون الموت من الله بل أشد من ذلك (وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال) هلاّ أخرتنا الى أن نموت (قل) يا محمد لهؤلاء، ما يستمتع به من منافع الدنيا لا يبقى وثواب الآخرة (خير لمن اتقى) الله (ولا تظلمون) أدنى شيء.

- الموت أتيكم لا محالة:

{أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَذِهِ مِنْ عِندِ اللّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ اللّهِ فَمَا لِهَؤُلاءِ الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً} (78)

معناه أينما كنتم ينزل بكم الموت ولو كنتم في قصور وحصون مرتفعة محصنة فلا تنجيكم من ترك القتال (وإن تصبهم) أي اليهود والمنافقين نعمة كالخصب (يقولون هذه من عند الله) (وإن تصبهم) بلية كالجدب (يقولون هذا من عندك) بشؤمك يا محمد (قل) لهم (كل) من النعمة والبلية (من عند الله) (فما لهؤلاء) المنافقين لا يفقهوا قولاً فيعلموا أن القابض الباسط هو الله.

{مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيداً} (79)

خطاب للنبي (ص) والمراد به الأمة، قيل ما اصابهم يوم بدر من النصر فمن الله وما اصابهم يوم أحد من الهزيمة فمن عند أنفسهم وعدم طاعتهم الأوامر، وإنما أنت رسول طاعتك طاعة لله ومعصيتك معصية لله لا يطيّر بك بل الخير كله فيك وحسبك الله شاهداً لك على رسالتك.

- نشر الاشاعات:

{وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً} (83)

معناه وإذا جاء المنافقين او ضعاف المسلمين أمرٌ فيه نصر أو هزيمة تحدثوا به وأفشوه وكان فيه مفسدة ولو سكتوا الى أن يظهره الرسول (ص) وأولى الأمر (لعلمه الذين) يستخرجون تدبيره بأفكارهم (ولولا فضل الله عليكم ورحمته) بالاسلام والقرآن والنبي (ص) وأولي الأمر (لاتبعتم الشيطان) فيما يلقي اليكم من الوساوس والخواطر الفاسدة المؤدية الى الجبن والفشل الموجبة لضعف النية والبصيرة إلا قليلاً من افاضل وأصحاب رسول الله (ص) لا ييأسون من رحمة الله ولا يشكون في نصرته وإنجاز وعده.

- الأمر بالقتال في بدر الصغرى:

{فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَاللّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنكِيلاً} (84)

يخاطب سبحانه النبي (ص) أن يقاتل في سبيل الله لا تكلف الاّ فعل نفسك فلا تهتم بتخلف المنافقين عن الجهاد، وحث المؤمنين على القتال (عسى الله ان) يمنع شدة الكفار (والله أشد) نكاية في الاعداء منكم (وأشد) عقوبة، وهذا التحريض من النبي (ص) كان للخروج الى غزوة بدر الصغرى فخرج معه سبعون راكباً حتى اتى موسم بدر الصغرى فكفاهم الله بأس العدو بإنتصار معنوي.

- الهجرة الى دار الاسلام:

{وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيراً} (89)

المعنى ودّ المنافقون (لو تكفروا) أنتم بالله ورسوله (كما كفروا) هم فتستوون أنتم وهم، فلا تستنصروهم ولا تستنصحوهم حتى يخرجوا من دار الشرك ويفارقوا أهلها في ابتغاء دين الله، فإن أعرضوا عن الهجرة في سبيل الله (فخذوهم) أيها المؤمنون (واقتلوهم حيث) اصبتموهم من أرض الله (ولا تتخذوا منهم) خليلاً وناصراً.

- الترحيب باقتراح السلم:

{إِلاَّ الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ أَوْ جَاؤُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَن يُقَاتِلُونَكُمْ أَوْ يُقَاتِلُواْ قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْاْ إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً} (90)

معناه إلا من وصل من هؤلاء الى قوم بينكم وبينهم موادعة وعهد فدخلوا فيهم بالحلف أو الجوار فحكمهم أن تحقن دمائهم (أو جاؤوكم) وقد ضاقت قلوبهم من قتالكم وقتال قومهم فلا عليكم ولا عليهم، وإنما عنى به أشجع فإنهم قدموا المدينة في سبعمائة يقودهم مسعود بن دخبلة فأخرج إليهم النبي (ص) احمال التمر ضيافة وقال نعم الشيء الهدية أمام الحاجة وقال لهم ما جاء بكم قالوا لقرب دارنا منك وكرهنا حربك وحرب قومنا يعنون بني ضمرة الذين بيننا وبينهم عهد لقلتنا فيهم فجئنا لنوادعك فقبل النبي (ص) ذلك منهم ووادعهم فرجعوا الى بلادهم.

 (ولو شاء الله لسلّطهم عليكم) بتقوية قلوبهم فيجترؤن على قتالكم ولكن حصرت صدورهم أن يقاتلوكم وصالحوكم واستسلموا لكم واذا سالموكم فلا سبيل لكم الى نفوسهم وأموالهم.

- عقاب ذي الوجهين:

{سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُواْ قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّواْ إِلَى الْفِتْنِةِ أُرْكِسُواْ فِيِهَا فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُواْ إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّواْ أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُوْلَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُّبِيناً} (91)

بين سبحانه طائفة أخرى (يريدون أن يأمنوكم) فيظهرون الاسلام (ويأمنوا قومهم) فيظهرون لهم الموافقة في دينهم، كلما دعوا الى الكفر أجابوا ورجعوا إليه فإن لم يعتزلوا قتالكم هؤلاء ولم يستسلموا ويصالحوكم (و) لم (يكفوا أيديهم) عن قتالكم فاسروهم (واقتلوهم حيث) وجدتموهم (وأولئك جعلنا لكم عليهم) حجة ظاهرة وعذراً بيناً في القتال.

- أحكام القتل الناتج عن الخطأ:

{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَئًا وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللّهِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيماً} (92)

معناه ما أذن الله ولا أباح لمؤمن فيما عهد إليه ان يقتل مؤمناً إلا أن يقتله خطأ فمن قتله خطأ فعليه إعتاق رقبة مؤمنة على وجه الكفارة وعليه وعلى عاقلته دية (مسلمة الى) أهل القتيل، إلا أن يتصدق اولياء القتيل بالدية على عاقلة القاتل ويتركوها عليهم، فإن كان القتيل من جملة قوم هم أعداء لكم يناصبونكم الحرب وهو في نفسه مؤمن ولم يعلم قاتله انه مؤمن فعلى قاتله تحرير رقبة (مؤمنة) كفارة وليس فيه دية. (وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق) أي عهد وذمة وليسوا أهل حرب لكم (فدية مسلمة الى اهله) تلزم عاقلة قاتله وكفارة يلزم بها قاتله لقتله فإن لم يقدر على عتق الرقبة فعليه صيام شهرين (متتابعين) ليتوب الله به عليكم ولم يزل الله عليماً بكل شيء.

- عقوبة القتل العمد:

{وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيماً} (93)

يبين سبحانه هنا قتل العمد وحكمه وأن من قتل مؤمناً قاصداً الى قتله عالماً بإيمانه وحرمة قتله وعصمة دمه (فجزاءه جهنم) مقيماً (فيها وغضب الله عليه) وأبعده من الخير وطرده عنه عقوبة (وأعد له عذاباً عظيماً).

- حماية أرواح الأبرياء:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً} (94)

أمر سبحانه المؤمنين بالتثبت والتأني إذا سافرتم للغزو والجهاد في سبيل الله فعليكم أن تميّزوا بين الكافر والمؤمن، ولا تقولوا لمن حيّاكم بتحية الاسلام ليس لإيمانكم حقيقة وإنما اسلمت خوفاً من القتل تطلبون بذلك الغنيمة والمال ومتاع الحياة الدنيا (فعند الله) ثواب كثير لمن ترك قتل المؤمن (كذلك كنتم من قبل) كفار (فمن الله عليكم) بأن جعلكم في زمرة المسلمين فتثبتوا واحتاطوا في القتل إن الله لم يزل عليماً قبل أن تعلموه.

قيل غزت سرية للنبي أهل فدك فهربوا، وبقي مرداس لإسلامه، وانحاز بغنمه الى جبل، فتلاحقوا، فنزل، وقال: السلام عليكم، لا اله الاّ الله محمد رسول الله فقتله أسامة، واستاق غنمه، فنزلت.

- التمايز بين المجاهدين والقاعدين:

{لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيماً} (95)

لا يتساوى المتخلفون عن الجهاد في سبيل الله من أهل الايمان غير المعذورين كالمريض والأعمى وغيرهما والمجاهدون بأموالهم وأنفسهم فقد فضل المجاهدين في سبيل الله على القاعدين وكلاهما وعد سبحانه الثواب على حسن نيته وإن فضّل المجاهدين بالعمل واعطاهم سبحانه أجراً عظيماً مفضلاً إياهم على القاعدين بمنازل بعضها أعلى من بعض من منازل الكرامة.

{دَرَجَاتٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيماً} (96)

اعطى سبحانه المجاهدين أجراً عظيماً مفضلاً إياهم على القاعدين التاركين للخروج الى القتال لخروج الكفاية، (وكان الله غفوراً) لعباده (رحيمأً) بهم.

- وجوب الهجرة:

{إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُواْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً} (97)

يخبر سبحانه عن حال من قعد عن نصرة النبي (ص) وذلك بعد الوفاة عن طريق الملائكة وبأمر الله سبحانه بأنهم بخسوا حق أنفسهم من الثواب ووبخهم لانهم لم يخرجوا من ارضهم ودورهم ولم يفارقوا من يمنعهم من الايمان بالله ورسوله (ص) الى أرض يمكن لهم فيها عبادة الله وتوحيده وطاعة رسوله (ص) فأولئك مسكنهم جهنم (وساءت) جهنم (مصيراً) لأهلها الذين صاروا إليها.

{إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً} (98)

استثنى سبحانه الذين يعجزون عن الهجرة لإعسارهم وقلة حيلتهم ولا يهتدون طريق الخروج الى المدينة (فأولئك) لعلّ الله ان يعفو عنهم لما هم عليه من الفقر ولم يزل الله ذا صفح بفضله عن ذنوب عباده بترك عقوبتهم.

- الهجرة حكم اسلامي بناء:

{وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيماً} (100)

يعني من يفارق أهل الشرك ويهرب بدينه من وطنه الى أرض الاسلام في منهاج دين الله وطريقه يجد متحولاً من الأرض وسعة في الرزق، ومن خرج من بلده مهاجراًً فاراً بدينه الى الله ورسوله (ص) (ثم يدركه الموت) قبل بلوغه دار الهجرة (فقد وقع) ثواب عمله وجزاء هجرته على الله سبحانه (وكان الله) ساتراً على ذنوب عباده بالعفو عنهم رفيقاً بهم.

- حكم صلاة الخائف:

{وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوًّا مُّبِيناً} (101)

معناه إذا سافرتم في الأرض فلا حرج وإثم ان تقصروا من عدد ركعات الصلاة إن خفتم فتنة الذين كفروا في أنفسكم أو دينكم أو أن يقتلوكم فالأعداء ظاهري العداوة لكم.

فالمولى سبحانه لما أمر بالجهاد والهجرة بين صلاة السفر والخوف رحمة منه وتخفيفاً لعباده.

- صلاة الخوف التي تؤدي في ساحة الحرب:

{وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَى أَن تَضَعُواْ أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُواْ حِذْرَكُمْ إِنَّ اللّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِيناً} (102)

بيّن سبحانه صلاة الخوف في جماعة فقال يا رسول الله (ص) إذا كنت أنت فيهم، والحال حال الخوف، فاقمت لهم الصلاة أي صليتهم جماعة فأممتهم فيها، فلا يدخلوا في الصلاة جميعاً، بل لتقم طائفة منهم معك بالاقتداء بك وليأخذوا معهم اسلحتهم، ومن المعلوم أن الطائفة الأخرى يحرسونهم وأمتعتهم، فإذا سجد المصلون معك وفرغوا من الصلاة فليكونوا وراءكم يحرسونكم والأمتعة، ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك، وليأخذ هؤلاء المصلون ايضاً كالطائفة الأولى المصلية حذرهم وأسلحتهم، ولا حرج عليكم ولا إثم ولا ضيق إن نالكم أذى من مطر (او كنتم مرضى) أو جرحى (أن تضعوا أسلحتكم) إذا ضعفتم عن حملها ولكن احترسوا منهم لئلا يميلوا عليكم وأنتم غافلون (إن الله أعد للكافرين عذاباً) مذلاً يبقون فيها ابداً.

- أهمية فريضة الصلاة:

{فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاَةَ فَاذْكُرُواْ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتاً} (103)

معناه إذا فرغتم من صلاتكم (فاذكروا الله) في حال قيامكم وقعودكم وأنتم مضطجعين وفي كل حال فإذا استقررتم في أوطانكم وأقمتم فيها الصلاة فأتموها بحدودها إن الصلاة كانت على المؤمنين واجبة مفروضة.

- قرع السلاح بسلاح يشابهه:

{وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيماً} (104)

عاد الحث على الجهاد فقال تعالى ولا تضعفوا في طلب القوم الذين هم أعداء الله والمؤمنين (إن تكونوا تألمون) مما ينالكم من الجراح والأذى (فانهم) يعني المشركون (يألمون) أيضاً مما ينالهم منكم من الجراح والأذى مثل ما تألمون انتم (وترجون من الله) الظفر عاجلاً والثواب آجلاً على ما ينالكم منهم (ما لا يرجون) هم على ما ينالهم منكم (وكان الله عليماً) بمصالح خلقه (حكيماً) في تدبيره.

- منع الدفاع عن الخائنين:

{إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَائِنِينَ خَصِيماً} (105)

يعني يا رسول الله (إنا أنزلنا إليك) القرآن (بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله) أي بما اعلمك الله في كتابه فلا تكن لمن خان مسلماً او معاهداً في نفسه أو ماله خصيماً،أي لا تخاصم من أجل براءة الخائنين والدفاع عنهم.

- العزة والشرف كله لله:

{الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً} (139)

يصف سبحانه المنافقين بأنهم اتخذوا المشركين وقيل اليهود ناصرين ومعينين وأخلاء (من دون المؤمنين) أيطلبون عندهم القوة والمنعة باتخاذهم هؤلاء اولياء من دون الايمان بالله تعالى، ثم أخبر سبحانه بأن العزة والمنعة له كلها.

- صفات المنافقين:

{الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ اللّهِ قَالُواْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُواْ أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُم مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} (141)

يعني الذين ينتظرون لكم أيها المؤمنون فإن اتفق لكم فتح وظفر على الأعداء (قالوا الم نكن معكم) نجاهد عدوّكم ونغزوهم معكم فاعطونا نصيبنا من الغنيمة فقد شهدنا القتال (وإن كان للكافرين نصيب) أي حظ باصابتهم من المؤمنين قال المنافقون للكافرين ألم نغلب عليكم فاعرفوا لنا هذا الحق عليكم (فالله يحكم بينكم يوم القيامة لن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) لا بالحجة ولا في الآخرة ولا في الدنيا.

- ترك الاعتماد على المنافقين والكفار:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ لِلّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُّبِيناً} (144)

تنهى الآية المؤمنين عن الاتصال بولاية الكفار واتخاذهم أنصاراً وترك ولاية المؤمنين (أتريدون أن تجعلوا لله عليكم) حجة ظاهرة.

 

 

 

  آيات الجهاد في سورة المائدة

{يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ} (21)

{قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ} (22)

{قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} (23)

{قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} (24)

{قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} (25)

{قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} (26)

{إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (33)

{إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (34)

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (35)

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (51)

{فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ} (52)

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (54)

{وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} (56)

{لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ} (82)

 

اللغة والبيان

جبّارين: الجبار المراد بها هنا المتكبر المتعاظم، وإذا وصف ذو الجلال به فالمراد به العالي الذي لا يُنال، حتى العقول تعجز عن إدراك كنهه وحقيقته.

يتيهون: التيه الحيرة

تأس: الأسى الحزن له أو عليه.

تقطيع الأيدي والأرجل من خلاف: معناه إذا قطعت اليد اليمنى تُقطع الرجل اليسرى، والعكس بالعكس.

خزيٌ: معناه الذل والفضيحة.

الوسيلة: الوصلة والقربة، تقول توسلت إليه، أي تقربت إليه.

الدائرة: ما أحاط بالشيء، والمراد بها هنا ما يدور به الزمان من المصائب، يقال دارت عليه الدوائر، أي نزلت عليه النوائب والدواهي.

الفتح: المراد به هنا النصر.

أذلة: الذل بكسر الذال ضد الصعوبة، والمراد به هنا التواضع واللين، وبضم الذال ضد العز، أي الهوان.

قسيسين ورهباناً: الفرق بينهما ان القسيس من أهل العلم بدين النصارى وكتبهم، والراهب المنقطع في دير أو صومعة للعبادة، مع الزهد بالزواج والولد وسائر ملذات الدنيا.

 

التفسير

بنو اسرائيل والأرض المقدسة:

{يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ} (21)

حكاية عن خطاب موسى (ع) لقومه (ادخلوا الأرض المقدّسة) وهي بيت المقدس او دمشق وفلسطين وبعض الأردن او الشام التي كتب في اللوح المحفوظ انها لكم وأمركم بدخولها أو وهبها لهم ثم حرمها عليهم ولا ترجعوا عن الأرض التي أمرتم بدخولها (فتنقلبوا خاسرين) حظكم في دخولها.

{قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ} (22)

فأجابه بنو اسرائيل (يا موسى إن فيها) أي في الأرض المقدسة جماعة شديدي البطش والبأس (وإنا لن ندخلها) لقتالهم (حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا) يعني الجبارين (فإنا داخلون).

{قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} (23)

قال كالب ويوشع وهما من جملة النقباء الذين بعثهم موسى (ع) ليعرف خبر القوم (من الذين يخافون) الله (أنعم الله عليهم) بالتوفيق للايمان وكانا من الجبارين قالا ادخلوا يا بني اسرائيل على الجبارين باب مدينتهم وانما علما أنهم يظفرون بهم إذا دخلوا الباب لما أخبر به موسى (ع) من وعد الله بالنصر (وعلى الله فتوكلوا) في نصرة الله على الجبارين (إن كنتم مؤمنين) بالله وبما آتاكم به رسوله من عنده ثم أخبر عن قوم موسى بأنهم (قالوا يا موسى انا لن ندخلها) أي هذه المدينة (أبداً) ما دام الجبارين (فيها) وإنما قالوا ذلك لأنهم جبنوا وخافوا من قتالهم لعظم اجسامهم وشدة بطشهم (فاذهب) يا موسى (أنت وربك فقاتلا) الجبارين (إنا ها هنا قاعدون) الى أن تظفر بهم.

{قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} (25)

يعني قال موسى (ع) إذ غضب على قومه (رب) لا أملك إلا تصريف نفسي في طاعتك لأنها التي تجيبني إذا دعوت (وأخي) كذلك، فافصل بيننا وبينهم بحكمك وسمّاهم فسّاقاً وإن كانوا قد كفروا بالرد على نبيهم لخروجهم من الايمان الى الكفر والفسق والخروج من الطاعة الى المعصية، والكفر من أعظم المعاصي.

{قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} (26)

المعنى ان الأرض المقدّسة قضينا ان لا يوفقوا لدخولها أربعين سنة، يسيرون فيها في الأرض متحيرين، فلا تحزن على القوم الفاسقين من نزول هذه النقمة عليهم.

- جزاء مرتكب العدوان (حكم قطاع الطريق):

{إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (33)

المعنى (إنما جزاء الذين يحاربون) أولياء الله والمحارب هو كل من شهر السلاح وأخاف الطريق (ويسعون في الأرض فساداً) إنما جزاء المحارب على قدر استحقاقه فإن قتل فجزاؤه أن يقتل وإن قتل وأخذ المال فجزاؤه أن يقتل ويصلب وإن أخذ المال ولم يقتل فجزاؤه أن تقطع يده ورجله من خلاف وإن أخاف السبيل فقط فإنما عليه النفي لا غير (ذلك) أي فعل ما ذكرناه (لهم) فضيحة وهوان (في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم) زيادة على ذلك.

{إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (34)

يعني من يتوب قبل ان يؤخذ ويقدر عليه فإن الله يقبل توبته ويدخله الجنة.

- حقيقة التوسل الى الله والجهاد في سبيله:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (35)

المعنى إتقوا معاصيه واجتنبوها واطلبوا إليه القربة بالطاعة (وجاهدوا) في طريق دينه مع أعدائه، أمر سبحانه بالجهادفي دين الله لأنه وصلة الى ثوابه والدليل على الشيء طريق العلم به والتعرض للشيء طريق الى الوقوع فيه واللطف طريق الى طاعة الله والجهاد في سبيل الله قد يكون باليد واللسان والقلب وبالسيف والقول والكتاب، لكي تظفروا بنعيم الأبد.

- الحذر من بعض التحالفات:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (51)

نهى سبحانه المؤمنين عن موالاتهم والاستنصار بهم ومن استنصر بهم واتخذهم انصاراً فإنه محكوم له حكمهم في وجوب البراءة منه وأنه من أهل النار فلا يهديهم الى طريق الجنة لكفرهم واستحقاقهم العذاب الدائم، ولا يحكم بهم بحكم المؤمنين في المدح والثناء والنصرة على الأعداء.

{فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ} (52)

يعني (فترى) يا رسول الله (ص) (الذين في قلوبهم) شك ونفاق كعبد الله بن أبي (يسارعون) في موالاة اليهود ومناصحتهم، قائلين (نخشى أن تصيبنا) دولة تدور لأعداء المسلمين على المسلمين فتحتاج الى نصرتهم (فعسى الله أن يأتيهم بالفتح) يعني فتح مكة (أوامر من عنده) فيه اعزاز للمؤمنين وإذلال للمشركين وظهور الاسلام، فيصبح أهل النفاق على ما كان منهم من نفاقهم وولايتهم لليهود ودس الاخبار إليهم نادمين.

- صفات من يتحمل مسؤولية الدفاع:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (54)

المعنى من يرجع منكم الى الكفر بعد إظهار الايمان فلن يضر دين الله شيئاً وسيأتي سبحانه بقوم يحبهم الله ويحبون الله رحماء على المؤمنين غلاظ شداد على الكافرين يقاتلون لإعلاء كلمة الله وإعزاز دينه (ولا يخافون لومة لائم) فيما يأتون من الجهاد والطاعات.

- حزب الله المنصور:

{وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} (56)

يعني (من يتولَّ الله) بالقيام بطاعته (ورسوله) باتباع أمره (والذين آمنوا) بالموالاة والنصرة فإن جند الله وانصاره (هم) الظاهرون على أعدائهم والظافرون بهم.

- حقد اليهود ومودة النصارى:

{لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ} (82)

الآية نزلت في النجاشي وأصحابه، وقد وصف سبحانه اليهود والمشركين بأنهم اشد الناس عداوة للمؤمنين (ولتجدنّ أقربهم مودة للذين آمنوا) الذين قدمنا ذكرهم وهم النجاشي ملك الحبشة واصحابه (ذلك بأن منهم) أي من النصارى (قسيسين) أي عباداً (ورهبانا) أي أصحاب الصوامع، وأن هؤلاء النصارى الذين آمنوا لا يستكبرون عن اتباع الحق والانقياد له كما استكبر اليهود وعباد الاوثان وأنفوا عن قبول الحق.

 

 

 

  آيات الجهاد في سورة الأنفال

{كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ} (5)

{يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ} (6)

{وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ} (7)

{لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ} (8)

{إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ} (9)

{وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (10)

{إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاءِ مَاءً لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ} (11)

{إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} (12)

{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِقِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (13)

{ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ} (14)

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ} (15)

{وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} (16)

{فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (17)

{ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ} (18)

{إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِن تَنتَهُواْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَعُودُواْ نَعُدْ وَلَن تُغْنِيَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ} (19)

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} (24)

{وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (25)

{وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (26)

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} (27) وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} (28)

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} (29)

{وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} (30)

{قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِن يَعُودُواْ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينِ} (38)

{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (39)

{وَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَوْلاَكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} (40)

{وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (41)

{إِذْ أَنتُم بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُم بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدتَّمْ لاَخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِن لِّيَقْضِيَ اللّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ} (42)

{إِذْ يُرِيكَهُمُ اللّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَّفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَلَكِنَّ اللّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} (43)

{وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولاً وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ} (44)

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ} (45)

{وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} (46)

{وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَاللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} (47)

{وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ إِنِّيَ أَخَافُ اللّهَ وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (48)

{الَّذِينَ عَاهَدتَّ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لاَ يَتَّقُونَ} (56)

{فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} (57)

{وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ} (58)

{وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَبَقُواْ إِنَّهُمْ لاَ يُعْجِزُونَ} (59)

{وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ} (60)

{وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (61)

{وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللّهُ هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ} (62)

{وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (63)

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (64)

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ} (65)

{الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} (66)

{مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (67)

{لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ اللّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (68)

{فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلاَلاً طَيِّبًا وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (69)

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُم مِّنَ الأَسْرَى إِن يَعْلَمِ اللّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (70)

{وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُواْ اللّهَ مِن قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (71)

{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُواْ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (72)

{وَالَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} (73) وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} (74)

{وَالَّذِينَ آمَنُواْ مِن بَعْدُ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ مَعَكُمْ فَأُوْلَئِكَ مِنكُمْ وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (75)

 

اللغة والبيان

الطائفتان: هما العير والنفير، والنفير ذات الشوكة، والعير غير ذات الشوكة.

الشوكة: المراد بها هنا القوة.

دابر القوم: آخرهم.

مُردفين: من أردفه إذا ركب وراءه.

الرجز: الشيء المستقذر حساً أو معنى.

ليربط على قلوبكم: الربط على القلب الاطمئنان.

فوق الأعناق: الرؤوس.

البنان: أطراف الأصابع من اليد أو الرجل.

شاقوا الله ورسوله: خالفوهما.

الزحف: الدنو قليلاً قليلاً.

الأدبار: جمع دبر، وهو الخلف، والمراد به هنا الهزيمة.

المتحرف للقتال: هو الذي يكر بعد أن يفر يرى عدوه أنه منهزم، ثم يعطف عليه.

متحيزاً الى فئة: منحازاً الى جماعة من المسلمين.

المأوى: الملجأ.

الموهن: المضعف.

للفتنة معان: منها العذاب، وهو المراد بها في قوله تعالى: {واتقوا فتنة}

يجعل لكم فرقاناً: أي هداية ونوراً تفرقون به بين الحق والباطل.

يمكر: إذا نسب المكر الى الانسان فمعناه الحيلة والخداع، وإذا نسب الى الله فمعناه إبطال المكر.

ليثبتوك: أي يمنعوك من الحركة بالحبس أو شد الوثاق.

الفتنة: المراد بها هنا الكفر.

الغنيمة: لغة الفوز بالشيء، وشرعاً ما يأخذه المسلمون بالقتال من أموال الكافرين ولكن عندنا أعم.

الفيء فيه قولين / الأول أنه الغنيمة، والثاني المال الذي يؤخذ بغير قتال.

ذي القربى: المراد بهم قرابة الرسول (ص).

اليتيم: من الانسان من مات أبوه قبل أن يبلغ الحلم.

المسكين: المحتاج.

إبن السبيل: المسافر المنقطع في سفره.

العدوة: بتثليث العين،وهي جانب الوادي.

الدنيا: مؤنث الأدنى وهو الأقرب.

القصوى: مؤنث الأقصى وهو الأبعد.

البيِّنة: الحجة الظاهرة.

بذات الصدور: المراد بها ما يختلج في القلوب.

ريحكم: أي قوتكم وهيبتكم.

البطر: الطغيان في النعمة وصرفها الى غير وجهها.

الرئاء: الرياء.

جار لكم: ناصر لكم.

تراءت: الفئتان: التقتا ورأت كل منهما الأخرى.

نكص: رجع القهقري.

أدبارهم: أي ظهورهم.

الدأب: العادة.

الثقف: الظفر.

التشريد: الابعاد.

النبذ: الطرح.

رباط الخيل: حبسها واقتناؤها.

جنحوا: مالوا.

السلم: ضد الحرب، ويشمل الصلح والمهادنة.

حسبك: كافيك.

التحريض: الحث.

التخفيف: رفع المشقة.

الضعف: بكسر الضاد من المضاعفة أي زيادة الشيء مثله في المقدار، وبفتحها ضد القوة المادية والمعنوية، والضم يختص بضعف العقل.

الاثخان: الشدة، يقال: أثخنه إذا اشتد عليه.

العرض: ما يعرض ولا يدوم.

مسّكم: أصابكم.

الهجرة: فراق الوطن.

آواه: أسكنه منزله.

الولاية: المراد بها النصرة في قوله: بعضهم أولياء بعض، والميراث في قوله {أولوا الأرحام} بعضهم أولى ببعض.

 

التفسير

- الجهاد حقَّ من الله سبحانه:

{كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ} (5)

أي كما أخرجك سبحانه من المدينة الى بدر بالحق الذي وجب عليك وهو الجهاد، وإن طائفة من المؤمنين (لكارهون) للمشقة التي لحقتهم.

{يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ} (6)

معناه يجادلونك في القتال يوم بدر بعدما تبين صوابه وأنه مأمور به، كأنهم يساقون الى الموت وهم يرونه عياناً وينظرون إليه والى أسبابه.

- غزوة بدر أول مواجهة مسلّحة بين الاسلام والكفر:

{وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ} (7)

الآية تشير الى غزوة بدر، والمعنى: واذكروا إذ يعدكم الله أن إحدى الطائفتين لكم تستعلون عليها بنصر الله إما العير وإما النفير، وأنتم تودون ان تكون الطائفة هي العير بما تعلمون من شوكة النفير، وقوتهم وشدتهم، مع ما لكم من الضعف والهوان، والحال ان الله يريد خلاف ذلك وهو أن تلاقوا النفير فيظهركم عليهم ويستأصل الكافرين ويقطع دابرهم.

{لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ} (8)

إنما وعدكم الله ذلك وهو لا يخلف الميعاد، ليحق بذلك الحق ويبطل الباطل ولو كان المجرمون يكرهونه ولا يريدونه.

- دروس مفيدة من ميدان بدر:

{إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ} (9)

يعني تستجيرون بربكم يوم بدر من أعدائكم وتسألونه النصر عليهم لقلتكم وكثرتهم فلم يكن مفزع إلا التضرع إليه والدعاء له في كشف الضر عنكم فأغاثكم وأجاب دعاءكم (إني) مرسل إليكم مدداً لكم (بألف من الملائكة) متتابعين.

{وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (10)

معناه وما جعله الله الإمداد بالملائكة إلا بشرى لكم بالنصر ولتسكن به قلوبكم ولم يكن النصر من قبل الملائكة وإنما كان من قبل الله لانهم عباده ينصر بهم من يشاء كما ينصر بغيرهم.

{إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاءِ مَاءً لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ} (11)

 (المعنى) ان النصر والامداد بالبشرى واطمئنان القلوب كان في وقت يأخذكم النعاس، للأمن الذي أفاضه الله على قلوبكم فنمتم ولوكنتم خائفين مرتاعين لم يأخذكم نعاس ولا نوم، وينزل عليكم المطر ليطهركم ويذهب عنكم وسوسة الشيطان وليربط على قلوبكم ويشد عليها – وهو كناية عن التشجيع – وليثبت بالمطر اقدامكم في الحرب بتلبد الرمل أو بثبات القلوب.

{إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} (12)

أي أني معكم بالمعونة والنصرة فثبتوهم بأشياء تلقونها في قلوبهم يقوون بها (سألقي في قلوب الذين كفروا) الخوف من أوليائي (فاضربوا) الرؤوس لأنها فوق الاعناق (واضربوا) الأطراف من اليدين والرجلين.

{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِقِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (13)

أي ذلك العذاب لهم والأمر بضرب الأعناق والأطراف وتمكين المسلمين منهم بسبب انهم خالفوا الله ورسوله ومن يفعل ذلك فعقابه شديد من الله في الدنيا بالإهلاك وفي الآخرة بالتخليد في النار.

{ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ} (14)

أي هذا الذي اعددت لكم في الدنيا من الأمر بالقتل فذوقوه عاجلاً ولكم في الآخرة عذاب النار.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ} (15)

ينهى سبحانه عن الفرار عند مواجهة العدو فلا تنهزموا ولا تجعلوا ظهوركم مما يليهم.

{وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} (16)

أي من يجعل ظهره إليهم يوم القتال ووجهه الى جهة الانهزام إلا تاركاً موقفاً الى موقف آخر أصلح للقتال من الأول ويرى أنه يفرّ ثم يكر والحرب كذلك أو منحازاً منضماً الى جماعة من المسلمين يريدون العود الى القتال ليستعين بهم (فقد) احتمل غضب الله واستحقه، ومرجعه الى جهنم (وبئس) المرجع هي.

{فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (17)

نفى سبحانه أن تكون وقعة بدر وما ظهر فيها من استئصال المشركين والظهور عليهم والظفر بهم، جارية، مجرى العادة، وكيف يسع لقوم هم شرذمة قليلون أن يستأصلوا جيشاً مجهزاً، إلا أن الله تعالى بما أنزل من الملائكة ثبت أقدام المؤمنين وأرعب قلوب المشركين وألقى الهزيمة بما رماه النبي (ص) من الحصاة عليهم فشملهم المؤمنون قتلاً واسراً.

{ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ} (18)

معناه الأمر ذلكم الانعام الذي ذكرت بإلقاء الرعب في قلوبهم وتفريق كلمتهم إني قد أوهنت كيد عدوكم حتى قتلت جبابرتهم وأسرت أشرافهم.

- إن سألتم النصر من الله يستجيب لكم وينصركم:

{إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِن تَنتَهُواْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَعُودُواْ نَعُدْ وَلَن تُغْنِيَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ} (19)

معناه إن طلبتم الفتح وسألتم الله أيها المشركون أن يفتح بينكم وبين المؤمنين، فقد جاءكم الفتح بما اظهر الله من الحق يوم بدر، فكانت الدائرة للمؤمنين عليكم، وإن تنتهوا عن المكيدة على الله ورسوله فهو خير لكم، وإن تعودوا الى مثل ماكدتم نعد الى مثل ما أوهنا به كيدكم، ولن تغني عنكم جماعتكم شيئاً ولو كثرت، كما لم تغنِ في هذه المرة وإن الله مع المؤمنين ولن يغلب من هو معه.

- دعوة للحياة:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} (24)

معناه أجيبوا الله والرسول فيما يأمرانكم به إذا دعاكم للجهاد والشهادة فإن الشهداء أحياء عند ربهم (واعلموا ان الله يحول بين المرء) وبين الانتفاع بقلبه بالموت فلا يمكنه استدراك ما فات. واعلموا انكم تجمعون للجزاء على أعمالكم يوم القيامة.

{وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (25)

تحذير عامة المسلمين عن المساهمة في أمر الاختلافات الداخلية التي تهدد وحدتهم وتوجب شق عصاهم واختلاف كلمتهم، ولا تلبث دون ان تحزّبهم أحزاباً، ويكون الملك لمن غلب والغلبة لكلمة الفساد، فهذه فتنة تقوم بالبعض منهم خاصة وهم الظالمون، غير ان سيء أثرها يشمل الجميع (والله شديد العقاب)

{وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (26)

ذكر سبحانه حالتهم السالفة من القلة والضعف حيث كان يستلبهم المشركون فجعل لهم مأوى يرجعون إليه يعني المدينة دار الهجرة فأنعم عليهم بالنصر وقوّاهم واعطاهم من الأطعمة اللذيذة لكي يشكروا.

- أمر سبحانه بترك الخيانة:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} (27)

كأن بعض أفراد المسلمين كان يفشي أموراً من عزائم النبي (ص) المكتومة الى المشركين أو يخبرهم ببعض أسراره فسماه الله تعالى خيانة ونهى عنه وعدّها خيانة لله والرسول والمؤمنين وأماناتهم.

{وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} (28)

أي تحققوا وأيقنوا (إنما أموالكم وأولادكم) بلية عليكم ابتلاكم الله سبحانه بها (وإن الله عنده أجر عظيم) لمن أطاعه وخرج الى الجهاد ولم يخن الله ورسوله.

- الايمان ووضح الرؤية:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} (29)

يعني إن تتقوا الله ولم تخالفوه فيما أمركم به من الجهاد يجعل لكم هداية ونوراً في قلوبكم ويعفو عنكم (ويغفر) لكم ذنوبكم والله ذو الفضل العظيم على خلقه.

- قصة دار الندوة وسر بداية الهجرة:

{وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} (30)

وليذكروا إذ يمكر بك الذين كفروا من قريش لابطال دعوتك إن يوقعوا بك أحد أمور ثلاثة: إما أن يحبسوك وإما أن يقتلوك وإما أن يخرجوك (ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين)

- الاسلام يجب ما قبله:

{قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِن يَعُودُواْ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينِ} (38)

أمر النبي (ص) أن يبلغهم ذلك، وهذا تطميع وتخويف، وحقيقته دعوة الى ترك القتال والفتنة، ليغفر الله بذلك ما تقدم من قتلهم وإيذائهم للمؤمنين، فإن لم ينتهوا عمّا نهوا عنه فقد مضت سنة الله في الأولين منهم بالهلاك والابادة وخسران السعي.

- الهدف من الجهاد وبشرى كريمة:

{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (39)

هذا خطاب للنبي (ص) والمؤمنين بأن يقاتلوا الكفار حتى لا يكون شرك ويجتمع الجميع على الدين الحق فإن رجعوا عن الكفر وانتهوا عنه فإن الله يجازيهم بأعمالهم مجازاة البصير بها.

{وَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَوْلاَكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} (40)

معناه (إن تولوا) عن دين الله وطاعته (فاعلموا) ايها المؤمنون (إن الله مولاكم) أي ناصركم وسيدكم وحافظكم نعم السيد والحافظ فلا يخذل من نصر.

- الخمس فرض إسلامي مهم:

{وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (41)

المعنى ان خمس ما غنمتم: فهو لله ولرسوله ولذى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل فردوه الى أهله إن كنتم آمنتم بالله وما انزله على عبده محمد (ص) يوم بدر، وهو ان الانفال وغنائم الحرب لله ورسوله لا يشارك الله ورسوله فيها أحد، وقد أجاز الله لكم أن تأكلوا منها واباح لكم التصرف فيها، فالذي أباح لكم التصرف فيها يأمركم أن تؤدوا خمسها الى أهله.

- الأمر الذي كان ينبغي أن يكون:

{إِذْ أَنتُم بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُم بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدتَّمْ لاَخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِن لِّيَقْضِيَ اللّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ} (42)

أيها المسلمون إذ أنتم نزول بشفير الوادي الأقرب الى المدينة، والمشركون نزول بالشفير الأقصى من المدينة (والركب) يعني أبو سفيان واصحابه (أسفل منكم) الى ساحل البحر (ولو تواعدتم) ثم بلغكم كثرة عددهم لتأخرتم فنقضتم الميعاد، ولكن قدّر الله التقاءكم وجمع بينكم على غير ميعاد منكم ليقضي الله أمراً كان كائناً (ليهلك من هلك) عن حجة واضحة قامت عليه (ويحيا من حيّ) عن حجة والله سميع لأقوالهم وعليم بما في ضمائرهم.

{إِذْ يُرِيكَهُمُ اللّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَّفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَلَكِنَّ اللّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} (43)

الله سبحانه أرى نبيه رؤيا مبشرة رأى فيها ما وعده الله من إحد الطائفتين أنها لهم، وقد أراهم قليلاً لا يعبأ بشأنهم، وأن النبي (ص) ذكر ما رآه للمؤمنين ووعدهم وعد تبشير فعزموا على لقائهم. والدليل على ذلك قوله: (ولو أراكهم كثيراً لفشلتم).

{وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولاً وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ} (44)

كأن الله سبحانه أرى المؤمنين قليلاً في أعين المشركين في بادىء الالتقاء ليستحقروا جمعهم ويشجعهم ذلك على القتال والنزال حتى إذا زحفوا واختلطوا، كثّر المؤمنين في أعينهم فأوهن بذلك عزمهم وأطار قلوبهم فكانت الهزيمة.

- ستة أوامر في شأن الجهاد:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ} (45)

يأمر سبحانه في هذه الآية بالقتال والثبات في أرض المعركة وكثرة ذكر الله سبحانه فهذا وما قبله من عوامل النصر.

{وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} (46)

أيضاً هنا يكمل عناصر الانتصار وهي: الطاعة لله وللرسول (ص) وترك الاختلاف والصبر على قتال الاعداء، (إن الله) بالنصر والمعونة مع الصابرين.

{وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَاللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} (47)

نهى سبحانه عن اتخاذ طريقة هؤلاء البطرين المرائين العادين عن سبيل الله، وهم على ما يفيده سياق الكلام في الآيات كفار قريش.

- المشركون والمنافقون ووساوس الشيطان.

{وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ إِنِّيَ أَخَافُ اللّهَ وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (48)

واذكروا إذ زين الشيطان للمشركين أعمالهم وقال لا يغلبكم احد من الناس لكثرة عددهم وقوتكم (واني) ناصر لكم ودافع عنكم السوء (فلما) التقت الفرقتان رجع القهقري منهزماً وراءه (وقال إني) رجعت عما كنت ضمنت لكم من الأمان والسلامة لأني ارى من الملائكة الذين جاءوا لنصر المسلمين ما لا ترون (إني) أخاف عذاب الله (والله) لا يطاق عقابه.

- مواجهة من ينقض العهد:

{الَّذِينَ عَاهَدتَّ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لاَ يَتَّقُونَ} (56)

المعنى الذين عاهدت من بين الذين كفروا ينقضون عهدهم في كل مرة عاهدتم وهم لا يتقون الله في نقض العهد.

{فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} (57)

معناه إن ظفرت بهم في الحرب فنكل بهم تنكيلاً وأثر فيهم تأثيراً لكي يتذكروا ويتعظوا وينزجر من خلفهم عن نقض العهد.

{وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ} (58)

يعني إن خفت من قوم بينك وبينهم عهد ان يخونوك وينقضوا عهدهم ولاحت آثار دالة على ذلك، فالقِ إليهم عهدهم وأعلمهم إلغاء العهد لتكونوا أنتم وهم على استواء من نقض العهد، أو تكون مستوياً على عدل، فإن من العدل المعاملة بالمثل والسواء، لأنك إن قاتلتهم بغير إعلام إلغاء العهد كان ذلك منك خيانة والله لا يحب الخائنين.

{وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَبَقُواْ إِنَّهُمْ لاَ يُعْجِزُونَ} (59)

معناه ولا تحسبن يا محمد اعداءك الكافرين قد سبقوا أمر الله وأعجزوه وأنهم قد فاتوك فإن الله سبحانه يظفرك بهم كما وعدك ويظهرك عليهم فلا يعجزون الله سبحانه.

- المزيد من التعبئة العسكرية والهدف منها:

{وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ} (60)

هذا أمر منه سبحانه بأن يعدوا القوة الحربية من السلاح وغيره وذكر الخيل هنا باعتبار أنه كان من أقوى عدد الجهاد، تخوفون بما تعدونه عدوكم وهم مشركي مكة وترهبون أعداء آخرين قيل أنهم بنو قريظة لا تعرفونهم لأنهم يصلون ويصومون ويقولون لا إله إلا الله محمد رسول الله ويختلطون بالمؤمنين (الله) يعرفهم لأنه المطلع على الأسرار (وما تنفقوا من شيء) في الجهاد في سبيل الله يوفر عليكم ثوابه في الآخرة ولا تنقصون شيئاً منه.

- الاستعداد للصلح:

{وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (61)

يعني وإن مالوا الى الصلح والمسالمة وترك الحرب فمل إليها وتوكل في ذلك على الله وفوض أمرك إليه إن الله لا تخفى عليه خافية.

{وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللّهُ هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ} (62)

معناه أنه من الجائز ان يكون جنوحهم للسلم خديعة منهم يضلون بها المؤمنين ليغيروا عليهم في شرائط وأحوال مناسبة، فأجاب سبحانه بأنّا أمرناك بالتوكل فإن أرادوا بذلك أن يخدعوك فإن حسبك الله، فإنه ايدك بنصره وبالمؤمنين الذين ينصرونك على اعدائك.

- إيجاد الالفة والاتحاد:

{وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (63)

معناه الف الله بين قلوب الحيين من الأوس والخزرج حتى صاروا متحابين ببركة نبين (ص) (لو انفقت ما في الأرض جميعاً) لم يمكنك جمع قلوبهم على الالفة وإزالة ضغائن الجاهلية (ولكن الله) بلطفه وتدبيره وحكمته (ألف بينهم) فإنه سبحانه لا يمتنع عليه شيء يريد فعله ولا يفعل الا ما تقتضيه الحكمة.

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (64)

تطييب لنفس النبي (ص) والمراد: يكفيك الله بنصره وبمن اتبعك من المؤمنين.

- رفع المعنويات وشحذ الهمم:

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ} (65)

معناه ابعث المؤمنين ورغبهم (على القتال) (إن يكن منكم عشرون صابرون) على القتال (يغلبوا مائتين) من العدو (وإن يكن منكم مئة يغلبوا ألفاً من الذين كفروا) ذلك النصر من الله تعالى لكم والخذلان للكفار بأنكم تفقهون أمر الله تعالى وتصدقونه فيما وعدكم من الثواب فيدعوكم ذلك الى الصبر على القتال والجد فيه.

- لا ترتقبوا تساوى القوى:

{الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} (66)

معناه خفف سبحانه الحكم في الجهاد من وجوب قتال العشرة على الواحد وثبات الواحد للعشرة (وعلم أن فيكم ضعفاً) في البصيرة والعزيمة (فإن يكن منكم مائة صابرة) على القتال (يغلبوا مائتين) من العدو (وإن يكن منكم ألف) صابرة (يغلبوا الفين) منهم بعلم الله سبحانه وهو معين الصابرين.

- اسرى الحرب:

{مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (67)

معناه ليس له (ص) ولا في عهد الله اليه (أن يكون له أسرى) من المشركين ليفديهم أو يمن عليهم، حتى يبلغ في قتلهم وقهرهم ليرتدع بهم من ورائهم (تريدون) ايها المؤمنون حطام الدنيا بأخذ الفداء، والله يريد لكم ثواب الآخرة بقتلهم وقهرهم والله غالب لا يغلب حكيم في تدبيره.

{لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ اللّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (68)

معناه: لو لا ما مضى من حكم الله ان لا يعذب قوماً حتى يبين لهم ما يتقون وأنه لم يبين لكم ان لا تأخذوا الفداء لعذبكم بأخذ الفداء.

{فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلاَلاً طَيِّبًا وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (69)

هذه إباحة منه سبحانه للمؤمنين أن يأكلوا مما غنموه من أموال المشركين.

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُم مِّنَ الأَسْرَى إِن يَعْلَمِ اللّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (70)

يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى الذين تسلطتم عليهم وأخذت منهم الفداء: إن ثبت في قلوبكم الايمان وعلم الله منكم ذلك، يؤتكم خيراً مما أخذ منكم من الفداء ويغفر لكم والله غفور رحيم.

{وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُواْ اللّهَ مِن قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (71)

وإن أرادوا خيانتك والعود الى ما كانوا عليه من العناد والفساد، فإنهم خانوا الله من قبل فأمكنك منهم وأقدرك عليهم وهو قادر على أن يفعل بهم ذلك ثانياً، والله عليم بخيانتهم لو خانوا حكيم في إمكانك منهم.

- طوائف مختلفة:

{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُواْ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (72)

المعنى (إن الذين امنوا) بالله ورسوله (ص) (وهاجروا) من مكة الى المدينة وقاتلوا العدو (بأموالهم وانفسهم) في طاعة الله واعزاز دينه (والذين آووا) الرسول والمهاجرين بالمدينة، ونصروهم هؤلاء بعضهم أولى ببعض في النصرة (والذين آمنوا ولم يهاجروا) الى المدينة، ما لكم من ميراثهم من شيء حتى يهاجروا فحينئذٍ يحصل بينكم التوارث، وإن طلبوا يعني المؤمنين الذين لم يهاجروا منكم النصرة على الكفار فعليكم النصر والمعونة إلا أن يطلبوا منكم النصرة لهم على قوم من المشركين بينكم وبينهم أمان وعهد يجب الوفاء به ولا تنصروهم عليهم لما فيه من نقض العهد والله بأعمالهم عليم لا يخفى عليه شيء منها.

{وَالَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} (73)

ذكر سبحانه حكم الكافرين أن بعضهم أنصار بعض إلا تفعلوا ما أمرتم به (تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) على المؤمنين الذين لم يهاجروا.

{وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} (74)

ثم عاد سبحانه الى ذكر المهاجرين والانصار وأثنى عليهم ومدحهم ووصفهم بأنهم هم الذين حققوا إيمانهم بالهجرة والنصرة ووعدهم بالمغفرة والرزق الكريم.

{وَالَّذِينَ آمَنُواْ مِن بَعْدُ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ مَعَكُمْ فَأُوْلَئِكَ مِنكُمْ وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (75)

يعني الذين امنوا من بعد فتح مكة (وهاجروا) بعد هجرتكم (وجاهدوا معكم) أيها المؤمنون (فأولئك) مؤمنون مثلكم، وذوو الأرحام والقرابة بعضهم احق بميراث بعضهم من غيرهم، والآية تنسخ ولاية الإرث بالمواخاة التي أجراها النبي (ص) بين المسلمين في أول الهجرة.

 

 

 

  آيات الجهاد في سورة التوبة

{وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} (3)

{إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} (4)

{فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (5)

{وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ} (6)

{كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ اللّهِ وَعِندَ رَسُولِهِ إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُواْ لَكُمْ فَاسْتَقِيمُواْ لَهُمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} (7)

{كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ} (8)

{اشْتَرَوْاْ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} (9)

{لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ} (10)

{فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} (11)

{وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ} (12)

{أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَؤُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤُمِنِينَ} (13)

{قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ} (14)

{وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللّهُ عَلَى مَن يَشَاءُ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (15)

{أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ اللّهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} (16)

{أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ اللّهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (19)

{الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} (20)

{يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ} (21)

{خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} (22)

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (23)

{قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} (24)

{لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ} (25)

{ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ} (26)

{ثُمَّ يَتُوبُ اللّهُ مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَن يَشَاءُ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (27)

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاءَ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (28)

{قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} (29)

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ} (38)

{إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (39)

{إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (40)

{انْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} (41)

{لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لاَّتَّبَعُوكَ وَلَكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} (42)

{عَفَا اللّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُواْ وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ} (43)

{لاَ يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ} (44)

{إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ} (45)

{وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَكِن كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ} (46)

{لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} (47)

{لَقَدِ ابْتَغَوُاْ الْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ وَقَلَّبُواْ لَكَ الأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ} (48)

{وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ} (49)

{إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُواْ قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِن قَبْلُ وَيَتَوَلَّواْ وَّهُمْ فَرِحُونَ} (50)

{قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} (51)

{قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ اللّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُواْ إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُونَ} (52)

{وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ} (٥٦)

{لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَّوَلَّوْاْ إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ} (57)

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} (73) {يَحْلِفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ وَمَا نَقَمُواْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْرًا لَّهُمْ وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الأَرْضِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ} (74)

{فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ اللّهِ وَكَرِهُواْ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ} (81) {فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} (82)

{فَإِن رَّجَعَكَ اللّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِّنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُل لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَدًا وَلَن تُقَاتِلُواْ مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُم بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُواْ مَعَ الْخَالِفِينَ} (83)

{وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ} (84)

{وَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ} (85)

{وَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَجَاهِدُواْ مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُوْلُواْ الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُواْ ذَرْنَا نَكُن مَّعَ الْقَاعِدِينَ} (86)

{رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ} (87)

{لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ جَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (88)

{أَعَدَّ اللّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (89)

{وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (90)

{لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (91)

{وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّواْ وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنفِقُونَ} (92)

{إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} (93)

{يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُل لاَّ تَعْتَذِرُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (94)

{سَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ لَكُمْ إِذَا انقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُواْ عَنْهُمْ فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} (95)

{يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْاْ عَنْهُمْ فَإِن تَرْضَوْاْ عَنْهُمْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} (96)

{الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (97)

{وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (98)

{وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ اللّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (99)

{وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (100)

{وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ} (101)

{وَآخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (102)

{إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (111)

{لَقَد تَّابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} (117)

{وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} (118)

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ} (119)

{مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ اللّهِ وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} (120)

{وَلاَ يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً وَلاَ يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} (121)

{وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَافَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} (122)

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} (123)

 

اللغة والبيان

انسلخ: انسلاخ الأشهر انقضاؤها.

احصروهم: الحصر المنع من الخروج.

مرصد: المراد به هنا الممر والمجاز الذي يرصد فيه.

ظهر عليه: غلبه وظفر به.

يرقبوا: المراد بالمراقبة هنا المحافظة.

إلاّ: الإلُّ الجوار وقيل القرابة.

ذمّة: الزمام والعهد.

وليجة: الرجل خاصته وبطانته من دون الناس والمراد بها هنا بطانة السوء.

السقاية: تطلق على الآلة تتخذ لسقي الماء، وأيضاً تطلق على سقي الناس الماء، وهذا المعنى هو المراد هنا.

استحب واحب: بمعنى واحد، مثل استجاب وأجاب.

الاقتراف: هنا الاكتساب.

التربص: الانتظار.

المراد بأمر الله: هنا عقوبته.

مواطن: جمع موطن، وهو مقر الانسان ومحل إقامته، واستوطن بالمكان اتخذه موطناً.

حنين: وادٍ بين مكة والطائف.

الرحبة: السعة.

السكينة: الطمأنينة.

النجس: القذر.

العيلة: الفقر.

الجزية: الضريبة على الرؤوس والأشخاص.

الصَّغار: الذل.

انفروا: النفر من الشيء الفرار منه، والى الشيء الاقدام عليه، وهذا المعنى هو المراد هنا.

التثاقل: التباطؤ ضد التسرع.

يستبدل: الاستبدال جعل أحد الشيئين بدلاً من الآخر مع طلبه.

السكينة: سكون النفس واطمئنانها.

خفافاً: الخفة هنا استعارة لمن يمكنه السفر بسهولة.

ثقالاً: لمن يمكنه السفر بصعوبة، والمراد بهما النفر على كل حال.

العرض: ما يعرض للانسان من متاع غير دائم.

السفر القاصد: الهين من القصد وهو الاعتدال.

الشقة: الطريق التي يشق سلوكها.

العدّة: الأهبة.

انبعاثهم: خروجهم.

فثبطهم: أوهن عزمهم.

الخبال: الاضطراب في الرأي.

خلالكم: بينكم.

الفتنة: المراد بها هنا التشكيك في الدين والتخويف من الأعداء.

قلبوا لك الأمور: أي دبروا لك المكايد من كل وجه.

العدن: الاقامة والخلود.

الرضوان: مصدر رضى.

الغلظة: الخشونة في المعاملة.

المخلَّفون: جمع مخلّف، وهو المتروك، اي أن الرسول (ص) هو الذي تركهم.

بمقعدهم: أي بقعودهم.

فاقعدوا مع الخالفين: أي مع القاعدين أو الباقين، وهم النساء والصبيان والعجزة.

الطول: بالفتح والتشديد الغنى والقوة.

الخوالف: النساء لتخلفهم عن الجهاد.

المعذرون: جمع معذر، وله معنيان: الأول المعتذر من اعتذر، سواء أكان له عذر أم لم يكن، الثاني التعذير، وهو التقصير أي يريك العذر، ولا عذر له.

الأعراب: سكان البادية.

نصحوا: أخلصوا.

نبأنا: عرفنا.

التربص: الانتظار.

الدائرة: المصيبة.

قُرُبات: جمع قربة، وهي طلب الثواب والكرامة من الله بحس الطاعة.

المراد بالصلاة آية (99): الدعاء.

مَرَدُوا على النفاق: أي ثبتوا عليه، واتقنوا أساليبه يقال: شيطان مارد ومريد أي عاتٍ وعنيد.

العُسرة: الشدة والضيق.

الزيغ: الميل.

خلفوا: تخلفوا وتأخروا.

الرحب: السعة ومنه مرحباً أي وسعك المكان.

النصب: التعب.

المخمصة: المجاعة.

الموطىء: الأرض.

النفر: الخروج للجهاد.

الفرقة: الجماعة الكثيرة.

الطائفة: الجماعة القليلة.

يلونكم: أي من كانت بلادهم قريبة لبلدكم.

الغلظة: الشدة.

 

التفسير

- العهود المحترمة:

{وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} (3)

معناه أن الله سبحانه بين وجوب إعلام المشركين ببراءة منهم لئلا ينسبوا المسلمين الى الغدر.

{إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} (4)

هنا استثناء من عموم البراءة من المشركين، والمستثنون هم المشركون الذين لهم عهد لم ينقضوه فمن الواجب الوفاء بميثاقهم وإتمام عهدهم الى مدتهم.

- الشدة في العمل المصطحبة للّين:

{فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (5)

بين سبحانه الحكم في المشركين بعد انقضاء المدة وهي من الأشهر الحرم المعروفة ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب فاذا انقضت فضعوا السيف فيهم حيث كانوا في الأشهر الحرم وغيرها في الحل أو الحرم وهذا ناسخ لكل آية وردت في الصلح والإعراض عنهم، فخذوا المشركين حيث وجدتموهم واقتلوهم واحبسوهم وضيقوا المسالك عليهم،فإن رجعوا من الكفر وانقادوا للشرع وقبلوا اقامة الصلاة وإيتاء الزكاة فدعوهم يتصرفون في بلاد الاسلام (إن الله غفور رحيم)

{وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ} (6)

يعني ان طلب منك بعض هؤلاء المشركين الذين رفع عنهم الأمان أن تأمنه في جوارك ليحضر عندك ويكلمك فيما تدعو إليه من الحق الذي يتضمنه كلام الله فأجره حتى يسمع كلام الله وترتفع عنه غشاوة الجهل، ثم ابلغه مأمنه حتى يملك منك أمناً تاماً كاملاً، فهؤلاء قوم لا يعلمون الايمان.

- المعتدون الناقضون العهد:

{كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ اللّهِ وَعِندَ رَسُولِهِ إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُواْ لَكُمْ فَاسْتَقِيمُواْ لَهُمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} (7)

يعنى كيف يكون لهؤلاء عهد صحيح مع اضمارهم الغدر والنكث، باستثناء (الذين عاهدتم عند المسجد الحرام) فإن لهم عهداً عند الله لأنهم لم يضمروا الغدر بك والخيانة لك، فما داموا باقين معكم على الاستقامة فكونوا معهم كذلك (إن الله يحب المتقين) للنكث والغدر.

{كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ} (8)

معناه كيف يكون للمشركين عهد عند الله ورسوله، والحال أنهم إن يظهروا عليكم ويغلبوكم على الأمر، لا يحفظوا ولا يراعوا فيكم قرابة ولا عهداً من العهود، يرضونكم بالكلام المدلّس، وتأبى ذلك قلوبهم وأكثرهم فاسقون.

{اشْتَرَوْاْ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} (9)

معناه اعرضوا عن دين الله وصدّوا الناس عنه بشيء يسير نالوه من الدنيا، بئس العمل عملهم.

{لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ} (10)

سبق معناه، فهذا تكرار للتأكيد.

{فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} (11)

معناه فإن ندموا على ما كان منهم من الشرك وقبلوا الاسلام (وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة) فهم اخوانكم في الدين نبين لكم الآيات (لقوم) يتفكرون.

{وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ} (12)

يعني إن نقضوا عهودهم من بعد أن عقدوها وعابوا دينكم (فقاتلوا أئمة الكفر) أي رؤساء الكفر والضلالة لأنهم لا يحفظون العهد واليمين.

{أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَؤُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤُمِنِينَ} (13)

معناه هلا تقاتلونهم وقد نقضوا عهودهم التي عقدوها وهم بدؤكم بنقض العهد أتخافون ان ينالكم من قتالكم مكروه فإنه سبحانه احقُّ ان تخافوا عقابه في ترك أمره بقتالهم إن كنتم صادقين.

{قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ} (14)

ثم أكد سبحانه ما تقدم بأن أمر المسلمين بقتالهم وبشرهم بالنصر والظفر عليهم.

{وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللّهُ عَلَى مَن يَشَاءُ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (15)

معناه ويكون ذلك النصر شفاء لقلوب المؤمنين التي امتلأت غيظاً لكثرة ما نالهم من الأذى من جهتهم، ويقبل سبحانه توبة من تاب منهم (والله) عليم بتوبتهم إذا تابوا حكيم في أمركم بقتالهم.

- جلالة موقع الجهاد:

{أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ اللّهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} (16)

معناه أظننتم أيها المؤمنون أن تتركوا من دون ان تكلفوا الجهاد في سبيل الله مع الاخلاص ولمّا يظهر ما علم الله منكم ولم يعلم الله الذين لم يتخذوا سوى الله وسوى رسوله والمؤمنين بطانة وأولياء يوالونهم ويفشون اليهم أسرارهم، والله عليم بأعمالكم فيجازيكم عليها.

- مقياس الفخر والفضل:

{أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ اللّهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (19)

الآيات نزلت في العبّاس وشيبة وعليّ (ع) حين تفاخروا فذكر العباس سقاية الحاج، وشبيبة عمارة المسجد الحرام، وعلي (ع) الايمان والجهاد في سبيل الله، فنزلت الآيات.

{الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} (20)

معناه الذين صدقوا واعترفوا بوحدانية الله وهجروا أوطانهم الى دار الاسلام وتحملوا المشاق في ملاقاة اعداء الدين وبذلوا أموالهم وأنفسهم في سبيل الله هؤلاء اعظم درجة عند الله من غيرهم من المؤمنين (وأولئك هم) الظافرون بالبغية.

{يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ} (21)

بشارة منه سبحانه للمجاهدين بأموالهم وانفسهم (برحمة منه ورضوان) في الآخرة (وجنات) دائمة لا تزول ولا ينقطع التنعم فيها.

- كل شيء فداء للهدف ومن أجل الله:

{خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} (22)

أي دائمين فيها لا ينقطع خلودهم بأجل ولا أمد مع عظيم النعمة لهم.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (23)

- نهى عن تولي الكفار ولو كانوا آباءً وإخواناً:

{قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} (24)

عدّ الله تعالى اصول ما يتعلق به الحب النفساني من زينة الحياة الدنيا، وهي الاباء والأبناء والاخوان والأزواج والعشيرة، والأموال التي اكتسبوها وجمعوها والتجارة التي يخشون كسادها والمساكن التي يرضونها، وذكر سبحانه أنهم إن تولوا اعداء الدين وقدموا حكم هؤلاء الأمور على حبّ الله ورسوله والجهاد في سبيله، فليتربصوا ولينتظروا حتى يأتي الله بأمره، ويبعث قوماً لا يحبون إلا الله ولا يوالون أعداءه ويقومون بنصرة الدين والجهاد في سبيل الله أفضل قيام، فإنكم إذاً فاسقون لا ينتفع بكم الدين.

- كثرة الجمع وحدها لا تجدي نفعاً (غزوة حنين):

{قَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ} (25)

أقسم سبحانه بأنه نصر المؤمنين وأعانهم على أعدائهم في مواضع كثيرة على ضعفهم وقلة عددهم، من هذه المواطن (يوم حنين) سرّتكم وصرتم معجبين بكثرتكم فكان ذلك سبب انهزام المسلمين في البداية، مع سعتها (ثم وليتم) عن عدوّكم منهزمين.

{ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ} (26)

 اي انزل رحمته التي تسكن اليها النفس ويزول معها الخوف وأنزل جنوداً من الملائكة لتقوية قلوب المؤمنين وتشجيعهم (وعذب) بالقتل والأسر (الذين كفروا) ذلك العذاب جزاء الكافرين على كفرهم.

{ثُمَّ يَتُوبُ اللّهُ مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَن يَشَاءُ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (27)

معناه ثم يقبل الله سبحانه توبة من تاب عن الشرك ورجع الى طاعة الله والإسلام وندم على ما فعل من القبيح (الله) ستّار للذنوب (رحيم) بعباده.

- لا يحق للمشركين ان يدخلوا المسجد الحرام:

{يا أيها الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاءَ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (28)

أمر سبحانه المؤمنين بمنع المشركين عن دخول المسجد الحرام، سنة تسع من الهجرة، وإن خفتم في إجراء هذا الحكم أن ينقطعوا عن الحج وتتعطل أسواقكم وتذهب تجارتكم، فتفتقروا وتعيلوا، فلا تخافوا فسوف يغنيكم الله من فضله ويؤمنكم من الفقر الذي تخافونه.

- مسؤوليتنا إزاء اهل الكتاب:

{قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} (29)

 (المعنى) قاتلوا اهل الكتاب لأنهم لا يؤمنوا بالله واليوم الآخر إيماناً مقبولاً غير منحرف عن الصواب، ولا يحرِّمون ما حرّمه الله مما يفسد إقترافه المجتمع الإنساني، ولا يدينون ديناً منطقياً على الخلقة الإلهية قاتلوهم واستمروا على قتالهم حتى يصغروا عندكم ويخضعوا لحكومتكم، ويعطوا في ذلك عطية مالية مضروبة عليهم تمثل خضوعهم وتصرف في حفظ ذمتهم وحقن دمائهم وحاجة إدارة امورهم.

- عتاب المتثاقل عن الجهاد (في معركة تبوك):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ} (38)

يعني (يا أيها الذين آمنوا مالكم إذا) قال لكم الرسول (ص) إخرجوا الى القتال أبطأتم كأنكم لا تريدون الخروج أقنعتم بالحياة الدنيا راضين بها من الآخرة، فما متاع الحياة الدنيا بالنسبة الى الحياة الآخرة الا قليل.

{إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (39)

معناه إن لا تخرجوا الى القتال الذي دعاكم اليه الرسول وتقعدوا عنه يعذبكم الله عذاباً اليماً مؤلما في الاخرة (ويستبدل) بكم (قوماً غيركم) لا يتخلفون عن الجهاد ولا تضروا الله بهذ القعود شيئاً وهو القادر على الإستبدال بكم وعلى غير ذلك من الأشياء.

- نصرة الله سبحانه لنبيه (ص)

{إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (40)

يعني إن لم تنصروه أنتم أيها المؤمنون، فقد أظهر الله نصره إياه في وقت لم يكن له أحد ينصره ويدفع عنه، وقد تظاهرت عليه الأعداء وأحاطوا به من كل جهة، وذلك إذ همّ المشركون به وعزموا على قتله، فاضطر الى الخروج من مكة في حال لم يكن الا احد رجلين اثنين، وذلك إذ هما في الغار إذ يقول النبي (ص) لصاحبه وهو أبو بكر: لا تحزن مما تشاهده من الحال إن الله معنا بيده النصر، فنصره الله، حيث أنزل سكينته على رسوله (ص) وأيده بجنود غائبة عن ابصاركم، وجعل كلمة الذين كفروا مغلوبة غير نافذة ولا مؤثرة، وكلمة الله هي العليا العالية القاهرة والله عزيز لا يُغلب، حكيم لا يجهل ولا يغلط فيما شاءه وفعله.

- الكسالى الطامعون:

{انْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} (41)

يعني الامر بالنفر خفافاً وثقالاً شباناً وشيوخاً وهما حالان متقابلان، في معنى الامر بالخروج على أي حال، وعدم إتخاذ شيء من ذلك عذراً يعتذر به لترك الخروج، فالخروج للجهاد بالنفس والمال خير لكم ان كنتم تعلمون الخير.

{لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لاَّتَّبَعُوكَ وَلَكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} (42)

المعنى لو كان ما دعوتهم اليه غنيمة حاضرة، وسفراً قريباً هيناً، (لإتبعوك) طمعاً في المال (ولكن بعدت) المسافة يعني غزوة تبوك، وسيعتذرون اليك في قعودهم عن الجهاد ويحلفون لو قدرنا الخروج لخرجنا معكم (يهلكون انفسهم) بما أسرّوه من الشرك (والله يعلم انهم لكاذبون) في هذا الإعتذار والحلف.

- السعي لمعرفة المنافقين:

{عَفَا اللّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُواْ وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ} (43)

أي (عفا الله عنك لم أذنت لهم) في التخلف والقعود ولو شئت لم تأذن لهم حتى يتميز عندك كذبهم ونفاقهم.

{لاَ يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ} (44)

بين سبحانه حال المؤمنين والمنافقين في الاستئذان فقال لا يطلب منك الاذن في القعود عن الجهاد معك بالمعاذير الفاسدة، فالمؤمن لما كان على تقوى من قبل الإيمان بالله واليوم الآخر كان على بصيرة من وجوب الجهاد في سبيل الله بماله ونفسه.

{إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ} (45)

يعني لكن المنافق لعدم إيمانه بالله واليوم الآخر فقد صفة التقوى فارتاب قلبه ولا يزال يتردد في ريبه فيحب التطرف ويستأذن في التخلف والقعود عن الجهاد.

- عدم وجودهم خير من وجودهم:

{وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَكِن كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ} (46)

هم كاذبون في دعواهم عدم استطاعتهم الخروج، بل ما كانوا يريدونه، ولو أرادوه لأعدّوا له عدّة (ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم) جزاء بنفاقهم وامتناناً عليك وعلى المؤمنين لئلا يفسدوا جمعكم.

{لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} (47)

يعني لو خرج هؤلاء المنافقون معكم الى الجهاد مازادوكم بخروجهم إلا شراً وفساداً وغدراً ومكراً ولأسرعوا في الدخول بينكم بالتضريب والإفساد والنميمة، ويطلبون لكم المحنة بإختلاف الكلمة والفرقة، وفيكم عيون للمنافقين ينقلون اليهم ما يسمعون منكم (والله عليم بالظالمين) أي بهؤلاء المنافقين الذين ظلموا انفسهم لما اضمروا عليه من الفساد.

{لَقَدِ ابْتَغَوُاْ الْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ وَقَلَّبُواْ لَكَ الأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ} (48)

أقسم سبحانه لقد طلبوا المحنة واختلاف الكلمة وتفرّق الجماعة من قبل هذه الغزوة كما في غزوة أحد حين رجع عبد الله بن أبي سلول بثلث القوم وخذل النبي (ص) وقلّبوا لك الأمور بدعوة الناس الى الخلاف وتحريضهم على المعصية وغير ذلك، حتى جاء الحق وظهر امر الله تعالى، وهم كارهون لجميع ذلك.

- المنافقون المتذرعون:

{وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ} (49)

المعنى ومن المنافقين (من يقول ائذن لي) في القعود عن الجهاد (ولا تفتني) ببنات الأصفر، الا في العصيان والكفر وقعوا بمخالفتهم امرك في الخروج والجهاد، وستحيط بهم نار جهنم فلا مخلص لهم منها.

- إحدى صفات المنافقين:

{إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُواْ قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِن قَبْلُ وَيَتَوَلَّواْ وَّهُمْ فَرِحُونَ} (50)

يعني ان هؤلاء المنافقين هواهم عليك، إن غنمت وظفرت سائهم ذلك، وإن قتلت أو جرحت او أصبت بأي مصيبة أخرى قالوا: قد احترزنا عن الشر من قبل وتولوا وهم فرحون.

{قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} (51)

يعني ان ولاية أمرنا إنما هي لله سبحانه فحسب، لا إلى انفسنا ولا الى شيء من هذه الأسباب الظاهرة، بل حقيقة الامر لله وحده، فعلينا إمتثال أمره، ولله المشية فيما يصيبنا في ذلك من حسنة او سيئة، فعلينا بالتوكل عليه سبحانه والرضا بتدبيره وتقديره.

- في قاموس المؤمنين لا وجود للهزيمة:

{قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ اللّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُواْ إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُونَ} (52)

يعني نحن وانتم كل يتربص بصاحبه، غير أنكم تتربصون بنا إحدى خصلتين كل واحدة منهما خصلة حسنى وهما: الغلبة على العدو مع الغنيمة، والشهادة في سبيل الله، ونحن نتربص بكم أن يعذبكم الله بعذاب من عنده كالعذاب السماوي او بعذاب يجري بأيدنا كأن، يأمرنا بقتالكم، فنحن فائزون على أي حال

- علامة اخرى من علائم المنافقين:

{وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ} (٥٦)

أي يقسم هؤلاء المنافقون انهم لمن جملتكم ايها المؤمنون وليسوا مؤمنين بالله (ولكنهم قوم) يخافون القتل والأسر إن لم يظهروا الايمان.

{لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَّوَلَّوْاْ إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ} (57)

أي لو يجد هؤلاء المنافقون حرزاً او حصناً او غيراناً في الجبال او موضع دخول يأوون اليه لعدلوا إليه وهم يسرعون في الذهاب إليه.

- جهاد الكفار والمنافقين:

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} (73)

أمر سبحانه النبي (ص) أن يجاهد الكفار بالسيف والقتال واختلفوا في كيفية جهاد المنافقين فقيل ان جهادهم باللسان والوعظ والتخويف وقيل بإقامة الحدود عليهم وقيل بالوعظ والتخويف وقيل بالانواع الثلاثة بحسب الإمكان وأسمعهم الكلام الغليظ ومنزلهم ومقامهم ومسكنهم جهنم، وبئس المرجع والمأوى.

- مؤامرة خطرة:

{يَحْلِفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ وَمَا نَقَمُواْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْرًا لَّهُمْ وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الأَرْضِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ} (74)

سياق الآية، يشعر بأنهم أتوا بعمل سيء وشفعوا بقول تفوهوا به عند ذلك، وأن النبي (ص) عاتبهم على قولهم مؤاخذاً لهم فحلفوا بالله ما قالوا، والله سبحانه يكذبهم في الأمرين جميعاً ثم بيّن الله سبحانه لهؤلاء المنافقين أن لهم مع هذه الذنوب المهلكة أن يرجعوا إلى ربهم، وبيّن عاقبة هذه التوبة وعاقبة التولي والإعراض عنها.

- إعاقة المنافقين مرة اخرى:

{فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ اللّهِ وَكَرِهُواْ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ} (81)

أخبر سبحانه في هذه الآية ان جماعة من المنافقين الذين خلفهم النبي (ص) ولم يخرجهم معه الى تبوك استأذنوه في التأخر فأذن لهم ففرحوا بقعودهم عن الجهاد لمخالفتهم النبي (ص) (وكرهوا ان يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله وقالوا) للمسلمين ليصدّوهم عن الغزو، لا تخرجوا الى الغزو سراعاً في هذا الحرّ (قل) يا محمد لهم (نار جهنم) التي وجبت لهم (أشد حراً) من هذا الحرّ (لو كانوا يفقهون) أوامر الله تعالى.

 {فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} (82)

فمن الواجب بالنظر الى ما عملوه وكسبوه ان يضحكوا ويفرحوا قليلاً في الدنيا وأن يبكوا ويحزنوا كثيراً في الآخرة.

{فَإِن رَّجَعَكَ اللّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِّنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُل لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَدًا وَلَن تُقَاتِلُواْ مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُم بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُواْ مَعَ الْخَالِفِينَ} (83)

أي فإن ردّك الله من غزوتك هذه (الى طائفة) من المنافقين الذين تخلفوا عنك (فاستأذنوك للخروج) معك في غزوة اخرى (فقل لن تخرجوا معي أبداً) الى غزوة (ولن تقاتلوا معي عدواًَ) ثم بين سبحانه سبب ذلك (انكم رضيتم بالقعود أول مرة) أي عن غزوة تبوك (فاقعدوا مع الخالفين) في كل غزوة.

- أسلوب أشد في مواجهة المنافقين:

{وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ} (84)

نهى سبحانه عن الصلاة لمن مات من المنافقين والقيام على قبره وفي الآية إشارة الى ان النبي (ص) كان يصلّي على موتى المسلمين ويقوم على قبورهم للدعاء.

{وَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ} (85)

الخطاب للنبي (ص) والمراد به الأمة (إنما يريد الله ان يعذبهم بها في الدنيا) بما يلحقهم فيها من المصائب والغموم (وتزهق انفسهم) أي تهلك بالموت وهم في حال كفرهم.

- وضيعو الهمة والمؤمنون المخلصون:

{وَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَجَاهِدُواْ مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُوْلُواْ الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُواْ ذَرْنَا نَكُن مَّعَ الْقَاعِدِينَ} (86)

المعنى (وإذا أنزلت سورة) من القرآن على رسول الله (ص) بأن آمنوا واخرجوا الى الجهاد مع النبي (ص) طلب الاذن منك في القعود أولوا المال والقدرة والغنى وغيرهم (منهم) أي من المنافقين (وقالوا) دعنا مع المتخلفين عن الجهاد من النساء والصبيان.

{رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ} (87)

أي رضوا لنفوسهم ان يقعدوا مع النساء والصبيان والمرضى والمقعدين (وطبع على قلوبهم) بحيث ماتت قلوبهم (فهم لا يفقهون) أوامر الله ونواهيه ولا يتدبرون الأدلة.

{لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ جَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (88)

 (لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم) ينفقونها في سبيل الله ومرضاته (وانفسهم) يقاتلون الأعداء (أولئك لهم الخيرات) من الجنة ونعيمها (وأولئك هم) الظافرون بالوصول الى البغية.

{أَعَدَّ اللّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (89)

أي هيّأ لهم هذا النعيم والفوز بالجنّة والنجاة من الهلكة الى حال النعمة العظيمة الدائمة.

- واقع بعض المتخلفين عن الجهاد:

{وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (90)

أي جاء المقصّرون الذين يعتذرون وليس لهم عذر وقيل هم المعتذرون الذين لهم عذر وهم نفر من بني غفّار، وقعدت طائفة من المنافقين من غير أن يعتذروا وهم الذين كذبوا الله ورسوله، (سيصيب الذين كفروا منهم عذاب اليم) وهو القتل والنار.

- المعذورون الذين يذرفون الدموع عشقاً للجهاد:

{لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (91)

يعني هؤلاء مرفوع عنهم الحرج والمشقة أي الحكم بالوجوب الذي لو وضع كان حكماً حرجياً، وكذا ما يستتبعه الحكم من الذم والعقاب على تقدير المخالفة يرفع عنهم ذلك فيما (إذا نصحوا لله ورسوله) واخلصوا من الغش والخيانة.

{وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّواْ وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنفِقُونَ} (92)

أي ولا حرج على الفقراء الذين إذا ما أتوك لتعطيهم مركوباً يركبونه وتصلح سائر ما يحتاجون اليه من السلاح وغيره قلت: (لا أجد ما أحملكم عليه تولّوا) والحال أن أعينهم تمتلئ وتسكب دموعاً للحزن من أن لا يجدوا – أو لأن لا يجدوا- ما ينفقونه في سبيل الله للجهاد مع أعدائه.

{إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} (93)

يعني إنما الطريق بالعقاب والحرج على الذين يطلبون الإذن منك يا رسول الله (ص) في المقام وهم مع ذلك أغنياء متمكنون من الجهاد في سبيل الله (رضوا بأن يكونوا مع) النساء والصبيان ومن لا حراك به (وطبع على قلوبهم فهم لا يعلمون)

- لا تصغوا الى أعذارهم وأيمانهم الكاذبة:

{يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُل لاَّ تَعْتَذِرُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (94)

أي يعتذر المنافقون اليكم عند رجوعكم من الغزوة اليهم، قل يا محمد لهم: لا تعتذروا إلينا لأنا لن نصدقكم فيما تعتذرون به لأن الله قد أخبرنا ببعض أخباركم مما يظهر به نفاقكم وكذبكم فيما تعتذرون به، وسيظهر عملكم ظهور شهود لله ورسوله، ثم تردون الى الله الذي يعلم الغيب والشهادة يوم القيامة فيخبركم بحقائق أعمالكم.

{سَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ لَكُمْ إِذَا انقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُواْ عَنْهُمْ فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} (95)

أي سيقسم هؤلاء المنافقون والمتخلفون أنهم إنما تخلفوا لعذر لتصفحوا عن جرمهم ولا توبخوهم ولا تعنفوهم (فاعرضوا عنهم) إنهم كالشيء المنتن الذي يجب الإجتناب عنه، ومصيرهم ومآلهم ومستقرهم جهنم مكافأة على ما كانوا يكسبونه من المعاصي.

{يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْاْ عَنْهُمْ فَإِن تَرْضَوْاْ عَنْهُمْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} (96)

المراد: إنكم إن رضيتم عنهم فقد رضيتم عمن لم يرضى الله عنه، أي رضيتم بخلاف رضى الله، ولا ينبغي لمؤمن ان يرضى عما يسخط ربه فهو أبلغ كناية عن النهي عن الرضا عن المنافقين.

- الأعراب قساة:

{الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (97)

يبين الله تعالى حال سكان البادية وأنهم أشد كفراً ونفاقاً لأنهم لبعدهم عن المدينة والحضارة، وحرمانهم من بركات الإنسانية من العلم والأدب أقسى واجفى، فهم أجدر وأحرى أن لا يعلموا حدود ما أنزل الله من المعارف الأصلية والأحكام الشرعية من فرائض وسنن وحلال وحرام.

{وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (98)

أي ومن سكان البادية من يفرض الإنفاق في سبيل الخير أو في خصوص الصدقات غرماً وخسارة وينتظر نزول الحوادث السيئة بكم عليهم دائرة (حادثة) السوء – قضاء منه تعالى او دعاء عليهم – والله سميع للأقوال عليم بالقلوب.

{وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ اللّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (99)

أي (ومن الاعراب من يؤمن بالله) فيوحده من غير شرك ويؤمن باليوم الآخر فيصدق الحساب والجزاء ويتخذ إنفاق المال لله وما يتبعه من صلوات الرسول ودعواته بالخير والبركة، كل ذلك قربات عند الله وتقربات منه اليه، ألا إن هذا الإنفاق وصلوات الرسول قربة لهم، والله يعدهم بأنه سيدخلهم في رحمته لأنه غفور للذنوب رحيم بالمؤمنين به والمطيعين له.

- السابقون الى الاسلام:

{وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (100)

ليس مدلول الآية أن من صدق عليه أنه مهاجر أو أنصاري أو تابع، فإن الله قد رضي عنه رضاً لا سخط بعده أبداًَ وأوجب في حقه المغفرة والجنة سواء أحسن بعد ذلك أو أساء، إتقى او فسق فالحكم بالآية مقيد بالإيمان والعمل الصالح، بمعنى ان الله سبحانه إنما يمدح من المهاجرين والأنصار والتابعين من آمن به وعمل صالحاً.

{وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ} (101)

أي ممن حولكم أو حول المدينة من الأعراب الساكنين في البوادي، منافقون مرنوا على النفاق، ومن اهل المدينة منافقون معتادون على النفاق لا تعلمهم انت يا محمد نحن نعلمهم، سنعذبهم مرتين ثم يردون الى عذاب عظيم.

- التوابون:

{وَآخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (102)

يعني ومن الأعراب جماعة آخرون مذنبون لا ينافقون مثل غيرهم، بل اعترفوا بذنوبهم، لهم عمل صالح وعمل اخر سيّئ خلطوا هذا بذلك من المرجو ان يتوب الله عليهم إن الله غفور رحيم.

- تجارة لا نظير لها:

{إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (111)

الله سبحانه يذكر في الآية وعده القطعي للذين يجاهدون في سبيل الله بأنفسهم وأموالهم بالجنة ويذكر أنه ذكر ذلك في التوراة والإنجيل كما يذكره في القرآن، وقد جعله في قالب التمثيل، فصور ذلك بيعاً، وجعل نفسه مشترياً والمؤمنين بائعين، وأنفسهم وأموالهم سلعة ومبيعاً، والجنة ثمناً، والتوراة والإنجيل والقرآن سنداً للمبايعة، وهو من لطيف التمثيل، ثم يبشر المؤمنين ببيعهم، ويهنئهم بالفوز العظيم.

- درس كبير في غزوة تبوك:

{لَقَد تَّابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} (117)

المراد بالتوبة على النبي (ص) محض الرجوع اليه بالرحمة، ومن الرجوع اليه بالرحمة، الرجعة الى امته بالرحمة، فالتوبة عليهم توبة عليه فهو (ص) الواسطة في نزول الخيرات والبركات الى أمته وفي المجمع ذكر أن الآية نزلت في غزوة تبوك وما لحق المسلمين فيها من العسرة حتى همّ قوم بالرجوع ثم تداركهم لطف الله سبحانه.

{وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} (118)

الآية نزلت في شأن كعب بن مالك ومرارة بن الربيع، وهلال بن أمية، وذلك انهم تخلفوا عن رسول الله (ص) ولم يخرجوا معه الى تبوك لا عن نفاق ولكن عن توان، فلما قدم النبي (ص) المدينة جاءوا إليه واعتذروا فلم يكلمهم النبي (ص) وهجرهم الناس فضاقت عليهم المدينة وخرجوا الى الجبال يتضرعون الى الله ويتوبون اليه فقبل الله توبتهم.

- كونوا مع الصادقين:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ} (119)

الآية تأمر المؤمنين بالتقوى واتباع الصادقين في أقوالهم وأفعالهم وجهادهم.

- مصاعب المجاهدين لا تبقى بدون ثواب:

{مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ اللّهِ وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} (120)

الآية تسلب حق التخلف عن النبي (ص) من أهل المدينة والأعراب الذين حولها، ثم تذكر أن الله قابل هذا السلب منهم بأنه يكتب لهم في كل معصية تصيبهم في الجهاد من جوع وعطش وتعب وفي كل أرض يطأونها فيغيظون به الكفار او نيل نالوه عملاً صالحاً فإنهم محسنون والله لا يضيع اجر المحسنين.

{وَلاَ يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً وَلاَ يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} (121)

ثم ذكر تعالى ان نفقاتهم صغيرة يسيرة كانت او كبيرة خطيرة، وكذا كل واد قطعوه، فإنه مكتوب لهم محفوظ لأجلهم ليجزوا به أحسن الجزاء.

- محاربة الجهل وجهاد العدو:

{وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَافَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} (122)

لا يجوز لمؤمني البلاد ان يخرجوا الى الجهاد جميعاً، فهلاّ نفر وخرج الى النبي (ص) طائفة من كل فرقة من فرق المؤمنين ليتحققوا الفقه والفهم في الدين، فيعملوا به لأنفسهم ولينذروا بنشر معارف الدين قومهم إذا رجعت هذه الطائفة اليهم لعلهم يحذرون ويتقون.

- تهيؤوا واستعدوا للعدو الأقرب:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} (123)

أي قاتلوا من قرب منكم من الكفار الأقرب منهم فالأقرب في النسب والدار وليحسوا منكم الشجاعة (واعلموا ان الله مع المتقين) يعينهم وينصرهم ومن كان الله سبحانه ناصره لم يغلبه احد.