110 أسئلة من آثار آية الله

الشهيد مطهري (قدس سره)

 جمعية القرآن الكريم للتوجيه والإرشاد - بيروت - لبنان

الطبعة الأولى، صفر 1432هـ // 2011م

 

 يقول الإمام الخميني (قدس سره) بحق الشهيد مطهري (قدس سره):

 

لقد كان المرحوم السيد مطهري (قدس سره) شخصاً واحداً اجتمعت فيه الجوانب المختلفة، فالخدمة التي قدمها المرحوم المطهري للجيل الشاب وللآخرين، لم يقدمها أحد من قبله إلا نادراً. فالمؤلفات التي خلفها جيدة جميعها دون استثناء. وأنا لا اعرف شخصاً آخر أستطيع أن أقول بشأن آثاره ان جميعها جيدة دون استثناء. فآثاره جميعها جيدة دون استثناء ومن شأنها أن تربي الإنسان؛ لقد خدم هذا الرجل الكبير البلد، وقدم خدمات جليلة في أجواء الإرهاب تلك. فنسأل الله سبحانه بحق الرسول الأكرم (ص) أن يحشره مع الرسول الأكرم (ص)(1).

 


 الإهداء


إلى معلّم البشرية الأوّل، الهادي البشير، السراج المنير.

الرسول الأكرم (ص) وأهل بيته الأطهار (ع) إلى روح الله الموسوي الخميني (قدس سره) باني دولة الإسلام في القرن العشرين.

الى قائد الأمة الاسلامية السيد علي الخامنئي (زيد عزه).

إلى روح الشهيد الأستاذ مرتضى مطهّري وأرواح الشهداء الذين سقوا شجرة الدين وأحيوا الاسلام بدمائهم الطاهرة.

 


 المقدمة


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف خلق الله محمد وعلى آله الطاهرين وأصحابه المنتجبين.

{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} (2). إن أعظم حدث في هذا الوجود هو الخلق، وعصارة هذا الخلق هو الإنسان الذي جعله الله عز وجل خليفته في الأرض، ومصداقه قول أمير المؤمنين علي (ع) : «أتزعم أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر».

إن الله تعالى خلق الإنسان وكرَّمه وفضَّله على جميع الخلق، بحيث يمكنه أن يسمو فيحلِّق فوق مقام الملائكة (ع) في القرب من الله تعالى، فيصل إلى مقام {قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} (3) ويصبح الله تعالى عينه التي يرى بها وأُذنه التي يسمع بها ويده التي يبطش بها ويقول للشيء كن فيكون.

وقد ينحط هذا الإنسان إلى أسفل سافلين، فيسقط في بئر الظلمات المادية والنفسانية، ويهبط إلى أسفل من مقام الأنعام، {بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} (4) ويصبح عبداً للغرائز الحيوانية والشهوات الجسدية البهيمية التي لم يخلق لأجلها.

إن الهدف من خلق الإنسان بهذه الصورة وهذه الاستعدادات والمؤهلات الفكرية والجسدية التي استودعت فيه، إنما لأجل العبادة. والقرآن الكريم يصرِّح بذلك {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} (5) لكن أي عبادة يريدها الله جل جلاله؟.

إن العبادة الحقيقية والصحيحة إنما تقوم على المعرفة، فهل من الصواب أن يعبد الإنسان موجوداً لا يعرفه؟! أم أن المعرفة مقدمة لصحة العبادة؟.

يقول أمير المؤمنين (ع) في جوابه لذعلب لما سأله: «هل رأيت ربك يا أمير المؤمنين»، قال (ع) : «أفأعبد ما لا أرى» (6).

والمعرفة بشكل عام لها أبعاد كثيرة، من أهمها معرفة الإنسان لنفسه، لأنه «من عرف نفسه فقد عرف ربه»، (7) كذلك معرفة أبعاده الوجودية والسلوكية. ويمكن القول أن هدف الوصول إلى مجتمع سليم ومتسامٍ يعيش فيه جميع البشر بأمان وسعادة، لا يتيسر في ظل انعدام المعرفة الصحيحة والعمل بهذه المعرفة.

والإنسان بطبيعته يملك المؤهلات والاستعدادات اللامتناهية، وينشد الكمال بفطرته، ولا كمال من دون المعرفة.

من هذا المنطلق انبرى العلماء وجرّدوا أقلامهم، وسعى كل واحد منهم أن يضيء شمعة في محفل هذا الوجود البشري، كل ذلك في سبيل المعرفة الإنسانية، فحاولوا سبر أغوارها اللامتناهية لإضاءة الطريق أمام البشر في ضوء نظرة الدين الإسلامي وكلام الوحي، الذي هو كلام خالق هذا الإنسان.

والشهيد مرتضى مطهري كان من السابقين في هذا المضمار، فقد كان نجمة وضَّاءة في عالم المعرفة البشرية، ومنبعاً لا يزال طلاب العلم والحقيقة يغترفون من معين علمه ومعارفه.

إن أفكار الشهيد مطهري هي انعكاس لروحه الطاهرة التي حباها الله تعالى بلطفه، وشملها ببركته، ففاضت للورى معارف إلهية لم تعطَ إلى الآن حقها في البحث والتحقيق.

وما هذا الكتاب سوى محاولة متواضعة للإضاءة على بعض أفكار الشهيد مطهري حول مسائل مختلفة، تدور جميعها في فلك وجود الإنسان الفردي والاجتماعي، وعلاقته مع نفسه والله سبحانه العالم، وذلك في نمط جديد طرحت فيه المواضيع في إطار أسئلة افتراضية، بنيت على ما تركه الشهيد مطهري (قدس سره) من آثار.

نتوجه الى وزارة الأوقاف لإحياء التراث في الجمهورية الاسلامية الايرانية بالشكر الجزيل لموافقتها على ترجمة هذا الكتاب ونشره في لبنان، كما ونشكر المترجم الحاج أحمد عودة على جهده. ونسأل الله تعالى أن يكون هذا العمل المتواضع حجراً في بناء المعرفة الإنسانية الإلهية، وشمعة في كتاب التربية والتعليم، في سبيل الوصول إلى مجتمع إنساني يحمل الصفات الحقيقية للإنسان الذي يليق «بخليفة الله» في أرضه.

والله وليّ التوفيق

 

جمعية القرآن الكريم

محرم 1432 هـ.ق.

الموافق كانون الأول 2010م.

 


 الشهيد الشيخ مرتضى مطهري (قدس سره) في سطور


ولد آية الله الشيخ مرتضى مطهري في مدينة فريمان التابعة لمحافظة خراسان شمال شرق الجمهورية الاسلامية الايرانية في عام 1920م.

تربى الشهيد في حجر والده المرحوم الشيخ محمد حسين مطهري الذي قضى عمره في ترويج الدين وإرشاد الناس، و كان عالماً و زاهداً ‏و مخلصاً و تقياً، و بلغ مقامات معنوية رفيعة. توفي عن عمر ‏يناهز المائة عام.

امتاز الشهيد مطهري في طفولته عن أقرانه، فكان محباً للطهارة والتقوى، يتجنب الاعمال المشينة، تواقا للعلم والمعرفة، ذكيا ونافذ البصيرة، وكان يتلهف لدارسة العلوم الدينية وهو في مرحلة الصبا.

أكمل دراسته الابتدائية عند والده، ثم هاجر الى مدينة مشهد المقدسة وكان عمره 12 سنة. درس هناك المنطق والفلسفة والحقوق في الاسلام والأدب العربي، بعد ذلك ذهب إلى مدينة قم المقدسة بهدف إكمال دراسته، فدرس الفلسفة والفقه والأصول على يد الإمام الخميني (قدس سره)، وحضر دروس الفلسفة والحكمة الإلهية عند العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي (قدس سره)، والشيخ مهدي المازندراني (قدس سره)، ودرس الأخلاق على يد الشيخ علي الشيرازي الإصفهاني (قدس سره). في عام 1944م، ذهب الى مدينة بروجرد لحضور الدروس التي كان يلقيها آية الله العظمى السيد حسين البروجردي (قدس سره) آنذاك.

في عام 1946م، عاد إلى مدينة قم مع أُستاذه السيّد البروجردي بدعوة من أساتذتها، لكن بسبب بعض المشكلات المعيشية التي واجهها الشيخ المطهَّري في مدينة قم، اضطرَّ إلى السفر إلى طهران، واتَّجه هناك نحو التأليف والتدريس في الجامعة.

كان الشهيد آية الله الشيخ مرتضى مطهّري عالما و وفيلسوفا إسلاميا، وأحد الأعضاء المؤسسين في شورى الثورة الإسلامية في إيران إبان الأيام الأخيرة من سقوط نظام الشاه، وصاحب المؤلفات الكثيرة؛ العقائدية والفلسفية الإسلامية، وأحد أبرز تلامذة المفسر والفيلسوف الإسلامي الكبير آية الله السيد محمد حسين الطباطبائي (طاب ثراه).

توسع النشاط السياسي للشيخ مطهري في الحركة الثوريه الاسلامية التي قادها الامام الخميني (قدس سره)، وقد كان من أوائل المؤيّدين لهذه الثورة، فالقى أزلام الشاه القبض عليه بسب تحركاته السياسية الواسعة، واحتجزوه لمدة 43 يوما، ثم أطلق سراحه بسبب الظغط الجماهيري.

استشهد هذا العالم الديني والفيلسوف والمجاهد في طهران على يد جماعة إرهابية انحرفت عن النهج الثوري الاسلامي، وأطلقت على نفسها اسم «فرقان» في 12 أيار من عام 1980م. وقد بكاه الامام الخميني (قدس سره) عند استشهاده بما لم يبك به ابنه، و كان يقول في مأتمه: «خذني معك فأنا مستعد للشهادة، لقد فقدت ابني العزيز قطعة من جسدي»، ووصفه بأنه لا نظير له في طهارة الروح و قوة الإيمان و القدرة على البيان، وأعلن الحداد العام لشهادته، و جلس في المدرسة الفيضية يتلقى العزاء.


من أقوال الامام الخميني (قدس سره) في حقه:

أتقدم من الأولياء العظام والأمة الاسلامية، خصوصا الامة الايرانية، بأحر التعازي والتبريكات بشهادة المفكر العظيم والشهيد الكبير والفيلسوف والفقيه المرحوم الحاج الشيخ مرتضى مطهري (قدس سره). إن كل العزاء لفقد هذه الشخصية الفذّة التي قضت عمرها الشريف في سبيل أهداف الاسلام المقدسة، وفي محاربة الانحراف والضلال، وكل العزاء لشهادة رجل قلّ مثيله في معرفة الاسلام والقرآن وفنونه المختلفة.

لقد فقدت ابناً عزيزاً على قلبي، وجلست في عزائه وحزنه، فهو من الشخصيات التي أعدها حاصل عمري. كل التبريكات لهذه الشخصية المخلصة المفادية التي شعت نورا في حياتها وتشع بتجليها ضياء بعد مماتها.

أنا على الرغم من فقدي ابناً عزيزاً على قلبي وقطعة من كبدي، غير أنّي أفتخر بوجود هكذا أبناء في الاسلام.

كان مطهري لا نظير له في طهارة الروح وقوة الايمان وقدرته على البيان، لقد رحل والتحق بالملأ الاعلى، لكن ليعلم أصحاب الأفكار المحرفة، أن برحيله لن تذهب شخصيته الاسلامية والعلمية والفلسفية، فآثار الشهيد كلها تربوية ومفيدة وتبعث الحياة والبهجة في الروح، وجميع مواعظه ونصائحه عظيمة الفائدة وتبعث في النفوس البهجة والسرور.

لقد كان مطهري إبنا عزيزا وسندا قويا للحوزة الدينية، وخادما عظيم الفائدة للأمة والوطن، أسأل الله تعالى أن يتغمده برحمته ويحشره مع خدام الاسلام العظماء.

إني أوصي الطلاب والمفكرين والمتنورين، بأن لا يسمحوا أن تضيع كتب هذا المعلم والمفكر الكبير، أو تُنسى بسبب دسائس أعداء الاسلام ومكائدهم.


من أقوال الامام الخامنئي (دام ظله) في حقه:

لا شك أن الشهيد مطهري شخصية بارزة مهمة ومعروفة، ترك مئات الآثار المكتوبة والمنطوقة، وهو في نظر أهل العلم والدراية والبصيرة عالم متبحر في الاسلام، ومفكر كبير ومحقق وفيلسوف، ليس بحاجة الى تعريف أو توصيف.

كان مطهري صاحب لسان فصيح، وعلم واسع، وبصيرة نافذة، ودراية كاملة، أحاطت بجميع التيارات الفكرية المعاصرة في المجتمع، واستطاع بعقله النير وفكره المتبصر أن يستخرج الاسلام الصافي والأصيل، ويعرضه، ويميزه من الأفكار التي يشوبها الانحراف، والتي كانت تطرح باسم الدين.

إنّي أعد الشيخ مطهري من الشخصيات الفريدة التي أبرزت تعاليم الاسلام بالاعتماد على المنابع الأصيلة والمعتبرة، وكان يتجنب الاجتهادات التي ليس لها أي مستند، والتي تعتمد فقط على الاستحسان والذوقية الناشئة من تطبيق الاسلام المبني على أسس المدارس الرائجة وعاداتها المختلطة بالخرافات الشعبية وجمود العوام.

لقد تميز الشهيد مطهري بالشجاعة وعدم مسايرة التيارات المختلفة، ووقف في مقابل جميع التيارات المنحرفة يواجهها بصلابة منقطعة النظير، كما تميز بالفطنة الحادة واليقظة في تشخيص الأخطار وتمييزها من حيث الأهمية في الخطر، فكان يواجه أخطرها وأجرأها. أنا لم أعرف شخصاً أشد شجاعة واعتماداً على النفس من مطهري في مواجهة المخالفين والمنحرفين.

لا شك أن روح الشهيد مطهري اللطيفة والصافية، وقلبه الخاضع النّقي، وفكره الكبير النوراني، وشخصيته الفعالة والمثابرة في العمل والجهد العلمي والثقافي، وتحصيله العلمي العميق، وعلمه الوافر، وفكره الذاخر، ويقظته وإحاطته بالتيارات الفكرية والسياسية والاجتماعية، وفطنته في تمييز ومعرفة المصالح الاسلامية، وقوت استدلاله، ومهارته في الكتابة والمقال، والتنور في الفكر والفلسفة، والإخلاص والعرفان والمعنويات، كلها أبعاد في شخصية الشيخ مطهري، بحيث لا يمكن معرفة هذه الشخصية من دون معرفة أبعادها.


مؤلفاته:

للشهيد مطهري مؤلفات عديدة في اللغة الفارسية، ترجم بعضها الى العربية، وله كتب ومقالات عديدة غير منشورة.

 أهم ما خلفه من آثار:

الامدادات الغيبية في حياة البشر.

نظام حقوق المرأة في الاسلام.

مسألة الحجاب.

الخدمات المتبادلة بين الاسلام وإيران.

العدل الالهي.

مرور على نهج البلاغة.

الانسان والمصير.

جذب الامام علي (ع) ودفعه.

ثورة الامام المهدي (ع) من جهة نظر الفلسفة والتاريخ.

ختم النبوه.

النّبي الأمّي.

الحركات الاسلامية في القرن الرابع عشر الهجري.

التكامل الاجتماعي للانسان.

الانسان والإيمان.

تفسير الكون.

الوحي والنبوة.

أصول الفلسفة.

المجتمع والتاريخ.

أسباب التمايل نحو المادية.

طهارة الروح.

النبوة.

التوحيد.

شرح المنظومة.

الحركة والزمان.

المعاد.

مقالات فلسفية.

حول الثورة الاسلامية.

عرفان حافظ.

معرفة الله.

الامامة والقيادة.

الملحمة الحسينية.

الفطرة.

النصائح والمواعظ.

التعليم والتربية في الاسلام.

الأخلاق الجنسية.

الانسان الكامل.

السيرة النبوية.

 



س 1: حضرة الأستاذ مطهري! ما هو الهدف الأساس والأهم من تأليفكم للكتب، وبالتالي من سائر كتاباتكم المختلفة، وما هو المعيار الذي تتبنونه في اختياركم للموضوعات مورد البحث في كتبكم؟

ج: عندما أتناول قلمي، وأبدأ بكتابة مؤلف أو مقال ما، فإن هدف كتاباتي الوحيد يكون حل المشكلات المطروحة، والجواب على التساؤلات التي تتناول المسائل الإسلامية في عصرنا الحاضر. إن كتاباتي بعضها يدور حول المواضيع الفلسفية والاجتماعية، والبعض الآخر حول المواضيع الفقهية والتاريخية؛ علماً بأن مواضيع هذه المؤلفات مختلفة. غير أن الهدف الأساس منها جميعا شيء واحد.

و لا أدّعي مطلقاً أن المواضيع التي أختارها، وأجرّد لها قلمي هي الأهم بين الموضوعات. وما يمكن تأكيده أن الأستاذ مطهري لم يتجاوز هذا الأصل «انتخاب الأهم» بحسب تشخيصه لأهمية المواضيع. من هنا، فإنه وبحدود المقدور تناول المسائل الإسلامية المعقّدة وحلّ معضلاتها، وبحدود الإمكان، أبرَزَ الحقائق الإسلامية كما هي، وأظهرها على حقيقتها. فهو لا يستطيع- على سبيل الفرض- أن يمنع الانحرافات العملية، لكنه واجه الانحرافات الفكرية وفنّدها، وكان سداً منيعاً في وجهها، خصوصاً، المسائل التي يتخذها المخالفون للإسلام حججاً ومستمسكات. من هنا، فإن الشهيد مطهري وبحسب تشخيصه للمسائل قد راعى «الأهم فالأهم». (8).

 

س 2: إذا تفضلتم أوضحوا لنا كيف يرتسم السؤال في ذهن الإنسان وكيف يطرح؟

ج: إن السؤال يعدُّ من الغرائز الأولية للبشر، وهو السبيل لرشد آلة الفكر وعلوّها، فالسؤال يولد من الجهل الممزوج بالعلم؛ يعني أن مجهولاً ما يبرز نفسه ويظهرها في مقابل البشر؛ فالإنسان من جهة لا يعلم المجهول، و من جهة أخرى يدرك أنه يواجه مجهولاً ما؛ أي أنه يدرك جهله، لذلك يبادر إلى السؤال، فإن كان المجهول معلوماً له، لا يسأل عنه، وإن كان المجهول غير معلوم له واقعاً، وهو غير ملتفت إلى جهله، وغير مدرك لعدم علمه، فإنه لا يبادر إلى التفحص والتحقيق والسؤال. لذلك فإن الإنسان يكون في صدد التحقيق والتفحص، والمبادرة إلى التساؤل عندما يكون جاهلا بالموضوع، أي أنه «لا يعلم» و «يعلم أنه لا يعلم». وهذا ما يعبر عنه العلماء بالامتياز الكبير للإنسان على سائر المخلوقات، وهو ما يسمى بالجهل البسيط، أي أنه ملتفت إلى جهله ومدرك أنه جاهل، ويعلم أنه لا يعلم، وفي المحصلة يتوجه بالسؤال ويشرع بالتحقيق والتمحيص، وهذا بخلاف سائر الحيوانات (العجماوات)، فإن جهلها جهل مركب، أي أنها في مقابل الجهل «لا تعلم أنها لا تعلم»، وبالتالي فهي لا تبادر إلى التحقيق والسؤال. (9).

 

س 3: الإنسان مجبول بالفطرة على التساؤل والاستفسار، فلماذا نهى الدين الإسلامي الناس عن كثرة السؤال؟.

ج: السؤال أمرٌُ جيد في ذاته، ومظهر رشد لكمال الانسان، وهو مقدّمة لشيء آخر، أو مقدّمة للتحقيق أو العمل. فالأشخاص الذين يقدمون على التحقيق في موضوع علمي أو تاريخي أو حتى ديني، لا بد لهم أن يسألوا أصحاب الاطّلاع والمعرفة في هذا المجال؛ إذن تكون علّة السؤال أحياناً تعلُّم عملٍ ما، أو معرفة سبيل الاستفادة الصحيحة، كسؤال المريض من طبيبه حول كيفية الاستفادة من الدواء، وطرق العلاج الصحيحة.

إذا لم يكن السؤال مقدمة لتحقيق علمي أو معرفة سبيل عملي، فإن مجرد الجهل بالشيء ليس كافياً ولا مجوزاً للإنسان لأن يهدر وقته ووقت الآخرين بالبحث عن المجهولات، لأن الجهل البشري ليس له نهاية.

وإذا أراد الإنسان أن يسأل عن كل شيء يجهله، فلن يصل إلى مكان. من هنا يتوجب السؤال عن المسائل اللازمة والضرورية والمفيدة لعلم أو عمل.

وكثيراً ما يبتلى الناس، فيما يتعلق بالسؤال، فيصلون إلى حدّ الإفراط أو التفريط، فبعض الأشخاص يصبح عملهم السؤال، خصوصاً حول مسائل الدين والمواضيع المتعلقة به، وفي ظنهم الإطلاع على خصوصيات كل شيء وعلى كمّها وكيفها، غافلين عن أن البشر لا يمكنهم ادّعاء الإحاطة بالمحسوسات والمشهودات الطبيعية، فكيف الحال بالنسبة إلى الدين الحنيف ومنبعه وهو ممّا وراء الطبيعة.

أمّا البعض الآخر فهم في حالة تفريط، تتملكهم حالة من اللامبالاة وعدم الإهتمام ؛ بحيث لا يسألون حتى عن أهم المسائل وأوجبها.

بين الإفراط والتفريط هناك الحد الوسط، الإنسان عليه أولاً تحديد ما يجب معرفته، ما يلزمه وما لا يلزمه، وتشخيص ما يمكنه وما لا يمكنه، من هنا يتوجب على المرء مراعاة «الأهم فالأهم» في السؤال عن المسائل الضرورية الواجب معرفتها، إمّا للعلم بها أو للعمل، كذلك يجب أن يتوجه بالسؤال إلى أهل العلم والمعرفة، وفي نفس الوقت، عليه تجنب الإنغماس في كثرة الأسئلة، وأن يصبح طرح الأسئلة عنوانه الأساس وشغله الشاغل.

من هنا يصبح نهي الإسلام عن كثرة طرح الأسئلة، وجعل السؤال تسلية أو مشغلة أمراً منطقياً. فالإسلام من جهة يأمر بمعرفة الحقائق الضرورية واللازمة التي يجهلها الإنسان، فيكون السؤال عنها واجباً وضروريا،ً بحيث لا يمكن التساهل فيها، وينهي عن التشاغل بكثرة الأسئلة من جهة أخرى.

بعض الأسئلة الدينية واجبة، والجواب عنها أيضاً واجب؛ لكن هناك أسئلة محرمة في الشرع، مع أن عنوانها ديني، والإجابة عنها وهدر الوقت لأجلها له نفس الحكم أيضاً. فالحكم الديني في هذه الحال يوجب السكوت وترك السؤال، و ينهي عن التوجه إلى هذه المسائل. (10).

 

س 4: يرتسم هذه الأيام في ذهن جيل الشباب سلسلة من الأسئلة والتشكيكات حول المسائل الدينية، بحيث تكون نتائجها المباشرة إيجاد الشك والقلق والاضطراب، وعدم الاستقرار في هذه الطبقة من المجتمع. برأيكم ما هو طريق الخروج من هذه الأزمة، وبالتالي ما هو حل المسائل الموجدة لهذا القلق والاضطراب، أوليس هكذا شك وتشكيك يعتبر أمراً خطيراً؟.

ج: يُعدّ عصرنا الحاضر، من الوجهة الدينية والمذهبية، عصر الاضطراب والشك والتردد، وعصر الأزمات، خصوصاً لجيل الشباب. هناك مجموعة من التشكيكات والأسئلة حول مسائل مستحدثة، وكذلك أسئلة قديمة يتم طرحها من جديد، كل ذلك في إطار مقتضيات هذا العصر، فهل نواجه هذه المسائل والتشكيكات التي تصل أحيانا إلى حد الإفراط بالتأسف والانزعاج؟! أنا أعتقد أنه لا يجب التضجّر والانزعاج، فالشك مقدمة اليقين، والسؤال مقدمة الوصول، والاضطراب مقدمة السّكينة والهدوء.

الشك معبرٌ جيد ولازم، حتى لو كان هناك بعض المنازل والمواقف الغير مناسبة. إن الإسلام الذي يدعو إلى التفكّر ويؤكد على التيقّن، يُفهمنا بشكل ضمني أن حالة البشر الأولية هي الجهل والشك والتردد، وأنه بالتفكر وإعمال العقل بشكل صحيح، يجب أن يصل الانسان إلى منزلة اليقين والاطمئنان.

عندما ترتسم حالة السؤال في الذهن، بالنسبة إلى مطلب ما، فإن الذهن يصير في حالة من الشك والتردد، وهذه الحالة تنمّ عن نوع من الرُّشد والرفعة. والشك هو نوع من عدم الاستقرار وعدم السكون، لكن ليس كل استقرار وسكون يكون مرجّحا على هذا النوع من عدم الاستقرار والسكون أو مفضّلا عليه. بمعنى أن الحيوان لا يملك الشك، أي ليس عنده عدم استقرار، لكن هل يعني هذا أنه وصل إلى مرحلة الإيمان واليقين؟ فهذا النوع من الاستقرار والسكون أدنى من الشك، وهذا بخلاف سكينة أهل اليقين التي هي أعلى من الشك.

لكن ما يبعث على الأسف أن شك بعض الاشخاص لا يدفعهم إلى التحقيق، أو أن الشكوك الاجتماعية قد لا تحثُّ الأفراد على الإجابة على أسئلة المجتمع وتلبية حاجاته في هذا المضمار. (11).

الشك في الدين أمر سيء، والشك إشارة إلى خُبث الطّينة وسواد القلب وهو أمر غير جيد، لأن الهدف هو اليقين؛ إذن الهدف- سواء في العلم والفلسفة أو في الدين- ان يكون الإنسان من أهل اليقين، أما الشك فهو التزلزل وعدم الاطمئنان. في مسألة الدين يجب على الإنسان أن يملك الإيمان واليقين.

نحن لا نجد بين طيّات القرآن الكريم، دعوة للناس إلى الشك. كل القرآن يدعو إلى الإيمان، غير أنه في بعض الحالات قد يكون الشك أمراً جيداً ومطلوباً، بل وفي بعض الأحيان يكون الشك مقدساً.

عندما يأتي الإنسان إلى هذه الدنيا، لا يولد معه اليقين والإيمان، فاليقين أمرٌ يعرضُ للإنسان ويظهر له، وما دام الإنسان لا يشك فلن يندفع نحو اليقين، فالشك معبر جيد للإنسان للوصول إلى الإيمان واليقين، والشك أمر جيد للبشر على أن لا يكون هدفاً جيداً بحدّ ذاته، فمقام الشك مقام سيء.

القرآن الكريم عندما يدعو إلى رفض التقليد، وفك العنق من رهن هذا القيد، إنما يدعو إلى نوع من الشك؛ يعني الشك والتردد فيما أخذ من الآباء والأمهات والمحيط، وفي الهدف أيضاً.

التردد والشك مطلوب من أجل التحقيق، شكّوا حتى تتحققوا، فهو يدعوكم إلى التردد والشك في صحة ما تعلمتموه من آبائكم وأخذتموه عنهم على نحو التقليد حتى تتمكنوا من التحقيق. أنا أسمّي هذا النوع من الشك «بالشــك المقدس» ؛ أي الشك الذي يكون مقدمة التحقق أو لأجل التحقيق. (12).

 

س 5: ما دام الدين الإسلامي يملك اليقين بقوة منطقه واستدلاله، فلماذا يحذّر الناس من السؤال حول حقيقة الوجود والذات الإلهية، حتى أنه يمنع التفكير في هذا الموضوع؟.

ج: الإسلام يعتمد على منطقه ويثق به، وهو لم يأت ليخوِّف الناس، أو ليقول لهم لا تفكروا في الله تعالى؛ بل قال لهم فكروا في أي شيء شئتم، لكن اشترط أن يكون التفكير مبنيا على المنطق، وعلى أسس عميقة وواضحة وفي حدود إمكان البشر. فهل استطاع الإنسان -على سبيل المثال- الوصول إلى حقيقة مخلوق واحدٍ من المخلوقات حتى يصل إلى حقيقة الله عز وجل. هل تمكّن البشر من وضع اليد على حقيقة هذا النّور الحسّي الموجود؟. اليوم نرى هذا التطور العلمي الكبير وهذا التقدم التقني، لكن مع ذلك، فإن العلم يتجنب الدخول في البحث في حقيقة بعض الأشياء، ويعترف أنه لم يتوصل إلى كنه كثير منها، لكن هذا لا يعني أننا ننكر وجودها. فلو سُئِلنا ما هي حقيقة الكهرباء؟ لقلنا لا نعلم، أو ما هي حقيقة المادة؟ لا نعلم، لكن لا يمكننا إنكار وجود هذه الأشياء.

ما هي حقيقة الحياة؟ لا يوجد إنسان منذ العصور الأولى إلى زماننا هذا يدّعي أنه يعلم حقيقة الحياة، أو أن يخبرنا ما هي هذه الحقيقة؟ لكن لا أحد ينكر وجود الحياة، لأننا نرى آثارها في الواقع.

في هذه الحدود، يمكن للجميع أن يحصّلوا المعرفة بالله تعالى، إن الله موجود؛ الذات الأزلية الأبدية موجودة؛ الذات الغنية عن الجميع والتي هي مبدأ الأشياء كلها، العالمة بمخلوقاتها، القادرة على كل شيء موجودة. في هذه الحدود يستطيع البشر تحصيل المعرفة به تعالى. في علاقة الإنسان بالله جلّ جلاله ليس هناك مجال للشك والتردد: {أَفِي اللّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} (13).

إذن، المسألة ليست استدلالية أو نظرية، كأن يختار كل إنسان نظرية ما؛ لكن المسألة إذا طرحت بشكلها الصحيح، لا يمكن لأحدٍ أن يعتريه الشك. فإذا شك إنسان ما فهذا يعني أن المسألة لم تطرح بصورتها الصحيحة، أو أنه شك في غير الله تعالى، لكنه سمّاه الله وهذا عناد وجحود. (14).

 

س 6: نحن نعلم أن التقليد في أصول الدين لا يصح، بمعنى أن كل فرد مكلف شخصياً بالتحقيق في أصول الدين، والوصول إلى نتيجة، لكن المشكلة أنّني إذا أردت الدخول في التحقيق والتفحص حول مسألة أصل التوحيد مثلا، أو سائر أصول الدين، فسوف تخطر في ذهني أفكار ومسائل قد لا أتمكن معها من الحصول على اليقين القلبي لفترة زمنية قد تطول، وبالتالي لن أحقق اليقين في أصول الدين، وهذا الأمر يبعث على الاضطراب والقلق. برأيك وأنت المتخصص في الأمور الدينية ما هو طريق الحل الأنسب لمشكلتي هذه وأمثالي من الناس؟.

ج: إن الدين الذي يتطلب من البشر التحقيق في أصوله، (والتحقيق يعني الوصول إلى المطلب من طريق التفكر والتعقل)، لا بد أن يقول بحرية الفكر، وأن يمنح البشر هذه الحرية. الدين الذي يقول أنا لا أقبل منك «لا إله إلا الله» من دون أن تفكر فيها، ولا أقبل منك النبوة والمعاد الذي لم تختره من طريق الرشد الفكري، ولم تصل إليه من دون تعقل، هذا الدين لا بد أن يمنح البشر حرية الفكر، ولا يمكنه تخويف الناس عن طريق عقولهم وأرواحهم.

إن الدين لا يقول لك إياك والتفكر في المسألة الفلانية لأنها من وسوسات الشيطان، وإذا داخلتك وسوسة الشيطان، فمصيرك إلى جهنم. هناك أحاديث كثيرة حول هذا الموضوع، وأن الله لا يعذب الانسان اذا تفكر حول الله والخلق والعالم وان داخله شيء من الوساوس. يقول رسول الله (ص) : «وضع عن أمتي تسع خصال: الخطأ، والنسيان، وما لا يعلمون، وما لا يطيقون، وما اضطّروا إليه، وما استكرهوا عليه، والطّيرة، والوسوسة في التفكر في الخلق، والحسد ما لم يظهر بلسان أو يد». (15).

إذن ما دام الإنسان في حالة من التحقيق والتفحص، فإن الله تعالى لن يعذبه إن داخله شيء من الشك في قلبه، ولن يحسب ذلك من الذنوب.

في الخبر عن أبي عبد الله (ع) قال: جاء رجلٌ الى النبي (ص) فقال: يا رسول الله هلكت، فقال له (ع) : أتاك الخبيث. فقال لك: مَنْ خَلَقَك؟ فقلت: الله، فقال لك: الله من خلقه؟ فقال: أي والذي بعثك بالحقّ لكان كذا، فقال رسول الله (ص) : «ذاك والله محض الايمان». (16).

إن الشك منزل سيّء لكنه معبرٌ جيد ولازم، والسّيئ فيه إذا بقيت في هذا المنزل، هذا شك الكسالى المهلك، لكنك أيها الآدمي لم تمكث في هذا المنزل، وعندما اعتراك الشك، لم توار وجهك خجلاً من الناس وخوفاً من أن يقولوا إيمانك غير كامل، بل ذهبت إلى نبيك (ص) وعندك مسألة وطلبت منه ماذا أفعل؟ (هذا عين الإيمان). فلماذا تخاف أيها الإنسان من هذه الأشياء؟. (17).

 

س 7: برأيكم ما العمل من أجل تجنب الوساوس في الأمور الدينية والمذهبية؟

ج: لدينا نوعان من الشك؛ شك مقدس وشك غير مقدس. فبعض الأفراد كثيرو الشك، و هذا الشك نوع من المرض، ونرى مثال هذا النوع من الشك في العبادات والصلاة والطهارة والنجاسة.

نرى بعض الأشخاص كثيري الشك في الصلاة، بحيث يطلق على هؤلاء اصطلاحاً «كثير الشك» وقد يصل أحيانا شك هؤلاء إلى حد الوسواس بحيث يشكون كثيرا في الطهارة والنجاسة.

هذا النوع من الشك ليس له أساس. الإنسان السليم الذي يملك اليقين في موضوع ما ويشك، فشكه هذا فاسد وخبيث، وعلى الإنسان معالجة نفسه لأن الإسلام لا يقبل كثير الشك أن يبقى على حاله.

كثيرو الوسواس ليسوا بقلّة وهم موجودون، فالبعض لديهم وساوس في مسألة الطهارة والنجاسة، والبعض الآخر لديهم وساوس في القراءة، والأفكار المريضة لديها جهوزية للوسواس، وهذا النوع من المرض هو من خفة العقل أو ضعفه. وعلاج الوسواس عدم الاعتناء به، وتعاليم الإسلام تؤكد على عدم الاعتناء بهكذا نوع من الوساوس، فإذا ظن شخص كثير الوسوسة أن بدنه نجس، عليه القول أن الإسلام يقبل صلاتي بهذا البدن النجس.

البعض ممن لديهم حالة الشك في فروع الدين، يشكون أيضاً في أصول الدين «والعياذ بالله». لديهم شك في كل شيء لكن على شكل وساوس. هذا الشك ليس مقدساً، إنه وسوسة، وطريق العلاج لمثل هؤلاء الأفراد ذكره العلماء، فقالوا:

إذا كان المرء من أهل العلم والفكر والبرهان، عليه الاشتغال لمدة بعلوم الرياضيات، كالهندسة مثلا، هذا النوع من العلوم برهاني، وهو أبسط أنواع علوم البرهان. هذه العلوم نافعة في علاج انحراف أذهان هذا النوع من البشر.

أما إذا كان من عامة الناس وابتلى بالشك والوسوسة، فإن علاجه يكون في الأذكار؛ الإكثار من قراءة القرآن الكريم، وذكر الله عز وجل؛ كأن يكثر من قول «لا حول ولا قوة إلا بالله»، «توكلت على الحي الذي لا يموت»، «الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك، ولم يكن له وليٌّ من الذل وكبّره تكبيراً».

وفي كل الأحوال إذا اشتغل قلب الإنسان وروحه بكثرة ذكر الله سبحانه وتعالى، فإن هذه الوساوس والشكوك ستزول بإذن الله عز وجل، لأن هذه الوساوس وساوس شيطانية، ومتى ذكر الله زالت وساوس الشيطان. (18).

 

س 8: من المسلّم به أن الإسلام لم يبين في تعاليمه السامية أحكاماً شفافة، أو قوانين واضحة حول بعض الإبهامات أو الموضوعات الخاصة في بعض الميادين المختلفة، أفليس السكوت مقابل هذه المسائل مغايرا لشمولية الإسلام وبالتالي مخالفا لها؟

ج: إن شمولية الدين الإسلامي تقتضي في كثير من الاحوال والمسائل عدم فرض أي نوع من الأحكام أو القوانين، وهذا الأمر ليس من باب أنه لا يملك أحكاماً، بل الحكم فيه أن يترك الناس أحراراً، أي إنه لا يُوجد تكليفاً في هذه المسائل بالمعنى الاصطلاحي للتكليف.

إن الله تعالى يريد أن يكون الناس أحراراً في المسائل التي ترك لهم الحرية فيها، أي الحرية في اختيار «المسائل الحرة»، وحرية التعامل معها. يوضح أمير المؤمنين (ع) هذه المسألة كالتالي: «إن الله افترض عليكم فرائض، فلا تضيعوها، وحدّ لكم حدوداً، فلا تعتدوها، ونهاكم عن أشياء، فلا تنتهكوها، وسكت لكم عن أشياء ولم يدعها نسيانا، فلا تتكلّفوها». (19) إذن، الله سبحانه وتعالى سكت عن بعض المسائل، لا بمعنى أنه نسِيَها، بل سكت عنها لأنه أراد للناس في هذه الأمور الحرية والاختيار، ففي هذه المسائل لم يكلف الناس بتكليف معين.

هناك سلسلة من الآداب والعادات بين الناس، فإن قام بها الناس وأدوها « لا يُعمَّرُ شيءٌ ولا يُهدَّمُ شيءٌ» كذلك الأمر إن تركوها، وهذه الأمور هي التي سكت الله عنها. (20).

 

س 9: إذا كان الدين الإسلامي دين الفطرة، وقوانينه تحاكي فطرة الإنسان وتناسبها، فلماذا نرى إعراض بعض الناس - خصوصاً الطبقة المتعلمة- عن الدين والمذهب؟

ج: إن تلوث المحيط والبيئة بالفساد، وانغماس الناس في الشهوات والأهواء الشخصية والنفسية واحدة من أهم موجبات إعراض البعض ونفورهم من الله والدين والمسائل الروحية، فالمحيط الملوث بالفساد كان ولا يزال موجباً لتحريك الشهوات، وموجداً لأرضية التوجه إلى ملذات الجسد والانحدار نحو الصفات الحيوانية، ومن البديهي أن الانغماس في الشهوات الحيوانية الوضيعة يتنافى مع الاحساسات الروحانية المتعالية المتمثلة بالتدين والأخلاق السامية، بالإضافة إلى المسائل العلمية والفنية والذوقية، بل ويقتلها في نفس الإنسان. فالإنسان الغارق في الشهوات لا يمكنه أن يربي الاحساسات الدينية والأخلاقية في نفسه فقط، بل يفقد الإحساس بالعزة والشرف والكرامة والسيادة، إن أسير الشهوة لا يتأثر كثيرا بالجاذبات المعنوية والروحية، ناهيك عن المسائل الدينية والأخلاقية والعلمية والفنية والذوقية.

في لغة الدين يعبّر عن هذه المسألة بالتالي: عندما تقسو القلوب وتملؤها الكدورة والظلمة، لا تهتدي إلى نور الإيمان: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} (21).

من هنا، فإن الإنغماس في الشهوات الحيوانية عامل أساسي في تضعيف الدين والأخلاق في وجود البشر، وبالتالي النفور منه.

أمر آخر من موجبات الإعراض وعدم التوجه إلى الدين، النزاع والجدال الذي يوجده بعض المبلّغين والمدّعين الحمقاء، بين الدين من جهة، والغرائز الفطرية والطبيعية للبشر من جهة أخرى، فبدل أن يظهروا الدين على أنه مصحح وموجّه للغرائز الطبيعية، يعرّفونه على أنه يخالف سائر الفِطَر البشرية ويعاديها.

بعض من يدّعي القداسة والتبليغ يحاربون كل شيء باسم الدين الحنيف؛ وشعارهم: إن كنت متديناً فعليك برفض كل شيء، لا تقترب من المال والثروة، أترك الحيثية والمقام، اهجر المال والولد، اهرب من العلم لأنه الحجاب الأكبر وأصل الضلال، إياك والسعادة والسرور، تبرّأ من الخلق وعش منزويا، وغيرها من المسائل... وبالنتيجة على الإنسان أن يحارب كل شيء إذا أراد أن يتّبع الغريزة الدينية، وهذا ما يجعل الناس ينظرون إلى الدين نظرة تشاؤمية.

إن دين الإسلام المقدس بحاجة إلى تبيان صحيح، وحقائق هذا الدين تنعكس في أذهان الناس تدريجياً، ولعل العلة الأساس لهروب بعض الناس ونفورهم من الدين، هي التعليمات الخاطئة التي تعطى لهم باسم الدين، وفي أيامنا هذه نجد كثيرا ممن يدّعون حماية هذا الدين، يسيئون إلى الدين باسم الدين أكثر من غيرهم.

من المسلّم به، أن إعراض الكثيرين من المتعلمين والمثقفين عن الدين، يرجع سببه إلى المفاهيم الدينية الخاطئة التي وصلت إليهم، ولم تشرح لهم بشكل صحيح. والحقيقة أن ما ينكرونه هؤلاء ليس المفهوم الواقعي لله والدين، إنما مفهومٌ لشيء آخر. (22).

 

س 10: برأيكم، ما هي أهم المسائل التي تتوجب على العلماء والمبلغين، من المعنيين بتبليغ أصول الدين وعقائد المذهب، أن يلتفتوا إليها في هذا الإطار؟

ج: أولا:ً يتوجب على المبلغين والعلماء أن يجتهدوا في التحقيق ومعرفة الدين بشكل عميق وصحيح، لكي يصبحوا علماء ومحققين، وأن لا يزرعوا باسم الدين المفاهيم الخاطئة والمعاني الغير المعقولة في أذهان الناس، فإن المفاهيم والمعاني الغير المعقولة هي منشأ الحركات المخالفة للدين.

ثانيا: أن يجهدوا في إصلاح محيطهم الاجتماعي، ويحدّوا- ما أمكنهم- من التلوث والفساد فيه.

ثالثا: أن لا يعمدوا باسم الدين إلى مواجهة الفطرة عند الناس ومعارضتها، عند ذلك سوف يرون الناس {يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً} (23).

إن الأشخاص أمثالي ممن يواجهون أسئلة الناس حول المسائل الدينية، يدركون حقيقة أن أكثر الناس هم تحت تأثير المعارف والمفاهيم الخاطئة التي تلقوها من آبائهم، أو من المبلغين الجاهلين، وأن أفكاراً خاطئة تتعلق بالمسائل الدينية ترسخت في أذهانهم، من هنا فإن آثار هذه الأفكار هي منشأ السوء عند الناس، وهي الدافع الأساس إلى الشك، وأحياناً إلى إنكار حقيقة الدين والمذهب.

من هذا المنطلق، يجب أن نجتهد جميعاً من أجل إيصال العقائد وأصول الدين ومبانيه بصورة صحيحة وواقعية إلى أذهان الأشخاص المتلقين (24).

 

س 11: كيف نقيّم علاقة الدين بسائر الأسس والأركان الأساسية للمجتمعات البشرية؟

ج: الركن الأساس في المجتمعات البشرية هو الأخلاق والقانون. فالمجتمع بحاجة ماسّة إلى الأخلاق والقانون، والقاعدة الأساس للأخلاق والقانون فقط وفقط الدين. لا تصدّقوا من يقول أن الأخلاق من غير قاعدة دينية يمكنها أن تتحصّن وتستحكم، مثلها كمثل النقود المسكوكة، ليس لها اعتبار من غير رصيد، أو كمثل إعلان حقوق البشر من قبل الغرب، يبلغونه وهم أول من يعملون على ضرب أسسه، لماذا؟ لأن هذا الإعلان لم يعتمد على الإيمان المنبعث من أعماق البشر، كذلك القانون، والحرية أيضاً.

 إن جميع المقدسات في المجتمع البشري مثل: العدالة،المساواة، الحرية، الإنسانية والمواساة، وغيرها من الفضائل، إذا لم يكن الدين محركها فلن تجد لذاتها حقيقة، فالإنسانية مساوية في مفهومها للدين والإيمان، فإذا لم يكن دين وإيمان، لم تكن إنسانية (25).

 

س 12: برأيكم كيف ستكون عاقبة العلم من دون الدين؟

ج: ليس هناك من شيء يعني البشرية أقبح وأكثر شؤماً من فصل الدين عن العلم. هذا الفصل يفقد المجتمع البشري توازنه، ويخل في اعتداله.

إن المجتمعات في الزمن الغابر والحاضر قد ابتليت بعدم التوازن، واختلّ اعتدالها بسبب هذا الفصل. وفي التاريخ يوجد أمثلة كثيرة على هذا النوع من المرض، كذلك في زماننا الحاضر هذا المرض يتمثل في بعض الأشخاص الذين ينقادون خلف العلم ويهملون الدين.

أكثر الانحرافات والمصائب التي تصيب البشرية اليوم، وتهدد كيانها، ناشئة من فصل العلم عن الدين؛ ولن يبسط طائر السعادة جناحاه فوق رؤوس البشر إلاّ حين يدرك الجميع أنهم بحاجة إلى هذين الأصلين المقدسين معاً «الدين والعلم»، ويعلموا أن الطائر بحاجة إلى جناحين، جناح من العلم وجناح من الإيمان (26).

 

س 13: ما هو الأسلوب الصحيح والقاعدة الواقعية للمطالعة، وما هي المسائل التي يجب مراعاتها من أجل الوصول إلى أفضل النتائج في مطالعاتنا؟

ج: إن الأفراد الذين يطالعون كتباً متفرقة المواضيع، كتاب في التاريخ اليوم، وغداً كتاب في علم النفس، وبعد غد في السياسة، و... لن يستفيدوا أبداً، ولن يصلوا إلى مبتغاهم.

أما القاعدة الصحيحة للمطالعة فهي التالي:

أولاً: أن ينتخب الإنسان الكتاب الذي ينوي مطالعته بحسب الحاجة، عارفاً ماذا يريد، بحيث لا يدع الاختيار للمصادفة، كأن يقع كتاب في يده كيفما اتفق فيطالعه.

ثانياً: أن يستودع المطالب التي قرأها، ويستوعبها في ذهنه، ويحاول حفظها بالمفهوم الواقعي للحفظ؛ أي أن يسترجع المطالب التي طالعها من حافظته ويرى هل استوعبها أم لا.

ثالثاً: أن لا يكتفي القارىء بمطالعة الكتاب مرة واحدة مهما كانت ذاكرته متوقدة الذكاء؛ بل يطالع الكتاب مرتين متتاليتين على الأقل، لمن حافظته حادة وقوية، وأكثر من مرتين للأشخاص العاديين أو ذوي الحافظة الضعيفة.

رابعاً: انتخاب المواضيع التي ينوي مطالعتها والتفكر حولها، وكتابة الملاحظات والخلاصات، ثم النتائج بشكل موضوعي، بعد ذلك حفظها في ذاكرته بشكل مرتب ومناسب، عندها يكون قد استفاد من حافظته بالشكل المطلوب. ويمكن القول بعدها أنه -من الناحية الشخصية- قد تحكم بقسم من قواه الذاتية والشخصية، ووضعها موضع الاختيار لنفسه، وملك استعداد القائد والمدير. (27).

على أن الأفراد مختلفون من جهة الفهم والاستعداد وحدة الذكاء والحافظة، فالإنسان العاقل والرشيد يتنبّه إلى الاستفادة من حافظته بالشكل المناسب، وأول ما يقوم به حُسن الاختيار؛ أي أنه يقدس حافظته، فهو ليس مستعداً للانزلاق في أي شيء وكيف ما اتفق، بل تكون حساباته دقيقة في اختيار المفيد من غير المفيد من الكتب والمواضيع، بل ويصنف المفيد، فينتخب الأكثر إفادة ويستودع معارفها ومعلوماتها في ذاكرته.

إن الإنسان الرشيد والعاقل يجمع الكتب والمطالب المفيدة اللازمة له، فيطالعها مراراً ويصنفها، ثم يلخصها ويكتب خلاصتها ويحفظها، بعد ذلك ينتقل إلى موضوع آخر. فإن كان الشخص ضعيف الحافظة يعمل على الاستفادة من الحد الأكثر. (28).

 

س 14: هل التحصيل العلمي في الفروع التالية: العلوم، الطب و الهندسة وغيرها من العلوم العصرية، وفي الظروف الحالية للمجتمع، أكثر إفادة، أم الالتحاق بالحوزات العلمية وتحصيل العلوم الدينية والإسلامية؟

ج: في الأصل هذا النوع من التقسيم «علوم عصرية وعلوم دينية» هو تقسيم خاطىء، فقد يتوهم البعض في التقسيم المذكور «علوم دينية وعلوم غير دينية» أن العلوم المصطلح عليها «بالغير دينية» غريبة عن الدين. والواقع أن المجتمع الإسلامي والدين الخاتم يقتضي أن كل علم مفيد ونافع وهو لازم وضروري للمجتمع الإسلامي فهو علم دينيّ، إذن فكل علم نافع لحال المسلمين والإسلام وضروري لهم يجب أن نعدّه من العلوم الدينية، فإن كان المرء خالص النية، وحصّل العلم من أجل خدمة الإسلام والمسلمين، فإنه مشمول بالأجر والثواب، وهو من العلوم التي تشملها الأحاديث الشريفة «إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم حتى يطأ عليها رضاً به» (29)، أما إذا لم يكن خالص النية في تحصيل العلم حتى ولو كان تعلّم آيات من القرآن الكريم، فإنه لا ينال على عمله أجراً وثواباً. (30).

 

س 15: كيف يُقيّم عدم اهتمام شخص الرسول الأكرم (ص) بالقراءة والكتابة، علما بأن الإسلام يؤكد على ضرورة تحصيل العلم ويدعو الى التعلم والقراءة والكتابة؟

ج: من المسلم به وما هو متفق عليه بين جميع العلماء المسلمين، أن الرسول (ص) لم يكن عنده أدنى علم بالكتابة والقراءة قبل البعثة المباركة بالرسالة، أما مرحلة ما بعد البعثة فهذا الأمر ليس قطعياً، وما يستفاد من مجموعة الأدلة والقوانين، أنه (ع) لم يقرأ ولم يكتب في زمن الرسالة الشريفة.

النصوص التاريخية القديمة والمعتبرة التي وصلت إلينا، تقول أن الرسول (ص) كان يتخذ في المدينة مجموعة «كَتَبَة». هؤلاء الكتبة هم الذين كانوا يكتبون الوحي وأحاديث النبي (ص) والعقود والمعاملات بين الناس، كذلك كتابة العهود والمواثيق التي يقيمها الرسول (ص) مع المشركين واليهود وأهل الكتاب، بالإضافة إلى تسجيل الغنائم والأخماس، وكتابة الرسائل التي يرسلها الرسول (ص) إلى الأطراف والأكناف والقبائل.

والمعروف أن الرسول (ص) لم يكتب بخط يده الشريفة أياً من هذه الرسائل والعهود والمواثيق، ولم نر في مكان ما أنه قيل أن الرسول كتب الرسالة الفلانية بخط يده؛ وأكثر من ذلك، لم يصلنا أنه كتب آية من آيات القرآن الشريف بخطه المبارك، في حين أن «كتّاب الوحي» كل واحد منهم قد كتب قرآناً. فهل يعقل أن الرسول الأكرم (ص) كان يكتب، ثم أنه لم يكتب بخط يده قرآناً أو سورة أو حتى آية واحدة من القرآن الكريم، أو كيف يمكن أن الرسول كتب شيئاً ولو سطراً واحداً، وأن المسلمين لم يحفظوا هذا الأثر المبارك، مع علمنا بعنايتهم العجيبة في حفظ الآثار، خصوصاً، آثاره المباركة، فكيف لم يبق هذا الأثر؟!

القرائن والعلامات تشير إلى أن الرسول الأكرم (ص) لم يثبت أنه كتب أثناء البعثة، أما بالنسبة إلى القراءة، فلا يمكن النفي بشكل قاطع أنه (ع) لم يقرأ، مع وجود أدلة وقرائن كثيرة تشير إلى أنه (ع) لم يقرأ في هذه المرحلة.

لكن السؤال الذي يطرح، أن الرسول (ص)، وفي جميع تعاليمه وأوامره، كان أول من يعمل بهذه التعاليم، فكيف يعقل أنه لم يعمل بهذه المسألة «القراءة والكتابة».

إن مثال هذه المسألة، ينطبق على الطبيب الذي يصف الدواء للمريض، فهل يجب على الطبيب أن يتناول الدواء أولاً؟ من البديهي أن الطبيب إذا كان مريضاً فهو بحاجة إلى الدواء، وعليه تناوله قبل الآخرين، أما في حال لم يكن مريضاً فالمسألة مختلفة.

علينا أن ندرك، أولاً، هل كان الرسول (ص) بحاجة إلى القراءة والكتابة، كما يحتاجها الآخرون ليكون امتلاكها سبباً في الكمال وفقدها نقصاً. هل أن الرسول (ص) لم يفعل ذلك، أم أن لديه وضع خاص ولم يكن بحاجة إلى هذه الصفة، فالرسول (ص) كان السبّاق في العبادات، في الإيثار والتضحية، في التقوى والزهد، والاستقامة والثبات، وحسن الخلق والتواضع، وسائر الأخلاق والآداب الحسنة، والكمالات كافّة، وكان المثال الذي يحتذى، لأن هذه الصفات كانت كمالا له وعدمها يُعدّ نقصاً، أما مسألة عدم «الكتابة والقراءة» فليست من هذا القبيل.

إن القيمة الحقيقية والفضلى للتعلم «القراءة والكتابة»، تكمن في أنها وسيلة لاستفادة البشر بعضهم من بعض، فيما يتعلق بالمعلومات والمعارف، هذا فيما يخص البشر؛ لكن هل الإنسان يجب أن يتعلم من البشر حتماً؟، هل عليه أخذ العلم من مثيله الإنسان؟، وهل عليه امتلاك جميع العلوم التي يعرفها الآخرون والتي تدعى «العلم»؟

أليس للإنسان أن يكون مبتكراً ومبدعاً؟ ألا يمكن للإنسان أن يستغني عن البشر الآخرين، فيقرأ في كتاب الخلقة والطبيعة؟ أليس للإنسان من المقام ما يمكّنه أن يتصل بعالم الغيب والملكوت، فيكون معلمه المباشر وهاديه هو الله تعالى؟

القرآن الكريم يقول {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى}. (31).

 

س 16: ما هو العشق؟ وما هي آثاره في حياة الإنسان؟ وهل في القرآن الكريم كلمة عشق أو إشارة إليها؟

ج: شعراء اللغة الفارسية يُسمّون العشق «الإكسير». والكيميائيون كانوا يعتقدون أن في العالم مادة باسم «الإكسير» أو «الكيمياء»، تُمكّن العلماء من تحويل بعض المواد إلى مواد أخرى، من هنا فالعشق هو الإكسير وله خاصية الكيمياء.

من آثار العشق أنه يحوِّل القلوب إلى قلوب حقيقية، ومن دون العشق ليست القلوب إلاّ ماء وطين، ومن جملة آثاره، أنه يمنح القوة والقدرة والمحبة والصداقة، ويجعل من الجبان شجاعاً، ومن المتكاسل والمتثاقل نشطاً وصاحب همّة عالية، ومن الأحمق فهيماً عاقلاً، والعشق يجعل البخيل جواداً، ومن قليل الصبر والتحمل صبوراً متجلداً، والعشق يمنح النفس كمالاً ويظهر لها القابليات الباطنية المحيّرة.

والعشق يؤثر في الروح والبدن، فيُحِلُّ في الروح عمرانا وفي البدن خرابا، وأثره في الجسم عكس أثره في الروح، فهو يضرم في البدن نار السُّقم ويبعث الشحوب والصفرة في الوجه، والنحول والضعف في الجسم والأعضاء، والاختلال والاضطراب في الهاضمة والأعصاب، ولعل آثاره في كل البدن مدمّرة، لكن في الروح ليست كذلك.

عندما يشتد التعلق بشخص أو بشيء ما، ويصل إلى أوجه بحيث يسخِّر كيان الإنسان ويصبح الحاكم المطلق عليه، يسمى عندها العشق؛ فالعشق هو ذروة العلاقة والإحساس، وأوج الشعور.

إن لشعور الإنسان واحساساته أنواع ومراتب، فبعضها تكون من باب الشهوة، خصوصاً الشهوة الجنسية، وهي من الوجوه المشتركة بين الإنسان والحيوان.

وليس العشق منحصراً بالعشق الحيواني- الجنسي، أو الحيواني- النسلي، بل يوجد نوع آخر من العشق والجذب، هو خارج حدود المادة، ومنبعه ما وراء غريزة بقاء النسل. وفي الحقيقة، هو الفاصل الذي يميز عالم الحيوان وعالم الإنسان، وهو العشق المعنوي الروحي الإنساني. هو عشق الفضائل والسجايا الإنسانية السامية، وحب جمال الحقيقة، عشق كل ما هو حسن وجميل. في هذا النوع تتملك الإنسانَ أحساسيسُ مغايرة من حيث الماهية والحقيقة عن الشهوة.

وأرى من الأفضل أن نسمي هذا العشق بالعاطفة، أو بتعبير القرآن الكريم {مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً} (32).

 القرآن يشير إلى العلاقة الزوجية بعبارة «المودة» و «الرحمة»، وهذه الإشارة مهمة جداً ؛ فهي تشير إلى أن عامل الشهوة ليس العامل الوحيد في العلاقة الطبيعية والحياتية الزوجية، الرابطة الأصيلة هي العلاقة التي يسودها الصفاء والتفاهم والإخلاص وإتحاد الروح، العلاقة المفعمة بالمحبة والمودة والرحمة، وبتعبير آخر، كل ما يجعل من الزوجين واحداً في الفكر والروح، وليس الشهوة الموجودة في الحيوان فقط. (33).

 

س 17: هل يمكن أن تنطفىء شعلة العشق المتّقدة في وجود الإنسان؟

ج: حدّث شخص عائد من الخارج، أنه زار إحدى المتاحف، ومن الأشياء التي رآها هناك، مجسّم لامرأة شابة وحسناء، مستلقية على سريرها، وإلى جانبها شاب يضع إحدى رجليه على الأرض، ووجهه معرض عنها، وكأنه يهم بالابتعاد عنها. من المعلوم أنه كان إلى جانبها، غير أنني لم أفهم ما معنى هذه المجسمات وإلى ما ترمز، عندها توجهت إلى المرشد السياحي، وسألته عما توحيه هذه المجسمات، جاوبني المرشد قائلاً: هذا المجسم هو تجسيد لفكر أفلاطون الفيلسوف، فالفلاسفة يقولون أن الوصال مدفن العشق، وأن العشق إذا انتهى إلى الوصال يتبدل إلى ضيق وملل وسأم، وينقلب المعشوق إلى منفور منه.

والأصل الذي بيّنه العرفاء والحكماء، أن الإنسان يعشق شيئاً لا يملكه، وأن المرء عاشق لهذا الشيء ما دام لا يملكه، فإذا وصل إليه تبدلت حرارة العشق إلى برودة، ومال العاشق يبحث عن معشوق غيره. (34).

 

س 18: هل العشق الشهواني (الأرضي المادي) دائماً مذموم ومرفوض؟

ج: يمكن للعشق الشهواني أن يقع موقع النفع والإفادة إذا اتّحد مع التقوى والعفاف؛ أي أن يظهر الطهارة والعفاف من جهة، والفراق وعدم المنال من جهة أخرى، عندها يكون للاحتراق بنار الهجران، والذوبان في العشق، والنحول، والقلق، والاضطراب، والتحمل، والضغط الشديد الذي يَرِد على الروح آثار نافعة. والعرفاء في هذا المجال يقولون: أن العشق المجازي (الوهمي) يتحول إلى عشق حقيقي؛ يعني عشق الذات الأحادية، وفي هذا يروون: «من عشق فكتم، وعفَّ فمات فهو شهيد» (35). لكن يجب أن لا ننسى أن هذا النوع من العشق- ومع كل الفوائد التي يوجدها أحياناً، وفي ظروف خاصة- ليس من النوع الذي نوصي به. إنه وادٍ خطير، مثله كمثل المصيبة التي تصيب الإنسان، فإذا واجهها بالتحمل والصبر، كانت مكملاً للنفس مطهرة لها، تصقلها وتصفي كدرها، لكن لا أحد يوصي بالمصيبة، لا أحد يخلق لنفسه مصيبة من أجل تكميلها وتربيتها، أو أن يوجدها لغيره بهذه الذريعة.

ما نعرفه أن في الإسلام إشارات كثيرة إلى فوائد المصائب والبلايا، وقد عرّفها باللطف الإلهي، غير أنه لم يجز لأحد أن يوجد لنفسه، أو لغيره، مصيبة تحت هذه الذريعة. وعلى كلٍ فإن الآثار المفيدة لمطلب ما شيء، والتجويز بالإقدام عليه شيء آخر. (36).

إذن العشق ليس من الأمور التي يوصى بها أو يجوز سلوك واديه، ما يوصى به في مسألة العشق هو كيفية التصرف في حال الوقوع فيه، لعلة خارجة عن إرادة الإنسان واختياره، وكيف للمرء أن يستفيد إلى الحدود القصوى من هذه المسألة، ويصون نفسه من الآثار المخربة للعشق في حال وجد. (37).

 

س 19: هل تتفاوت نظرة الغرب إلى العشق وسلوكهم في هذا الوادي مع نظرة عالم المشرق وسلوكه؟ وما هو وجه الاختلاف في النظرة إليه بين العالمين» الغربي والشرقي»؟.

ج: الغرب يمجد العشق ويمدحه كما الشرق، لكن هناك اختلاف في النظرة إليه، فعالم الغرب يعتبر أن الوصال في ذاته مرغوب وجميل، والعشق في حده الأكثر يبعث على اضمحلال الذات الفردية التي تكدر الحياة، والإتحاد في الروح مع الآخر، بحيث تذوب الشخصيتان في شخصية واحدة، وتعيش كأنها كيان واحد، وهمُّ الغرب هو التّمتُّع بلطف الحياة وأنسها إلى حدِّه الأقصى.

أما الشرقيون فيعدون العشق في حد ذاته مطلوباً ومقدساً، فهو يمنح الروح عظمة وسمواً، ويعطي المرء شخصية قوية، وينظرون إلى العشق على أنه الملهم والمكمِّل، وله أثر الكيمياء بحيث يصفّي النفس، ليس من باب أن العشق يتبعه وصال جميل وممتع، أو أنه مقدمة لحياة مشتركة تفعم الروح الإنسانية باللطف.

إذا كان عشق الإنسان للإنسان في النظرة الشرقية مقدمة عشقية، فهي أسمى وأرقى من الإنسان نفسه، وإن كان مقدمة للإتحاد والوحدة، فهي مقدمة للإتحاد والوصول إلى حقيقة سامية وعالية، ترقى على أفق الإنسانية وتسمو فوقها.

والنتيجة أن مسألة العشق مثل كثير من المسائل الأخرى، تختلف النظرة إليها بين الشرق والغرب، في حين أن الغرب في حدّه النهائي، يفصل العشق عن أنه شهوة بسيطة عادية، ويمنحه نوعاً من الصفاء والرقة الروحانية، فإن الغربيين لا يعدّونه خارج إطار المسائل الحياتية، وينظرون إليه بعين أحد المواهب الاجتماعية، أما الشرقيون فيحسبون العشق ما فوق المسائل الحياتية العادية. (38).

 

س 20: الغرب -في عصرنا الحالي- يقدس الحرية المطلقة، ويرفض أي نوع من القيود في العلاقات الجنسية، وغير ذلك من المسائل...، برأيكم ما هي الأصول والمباني التي يعتمدها المفكرون والعلماء الغربيون في إبداء آرائهم ونظرياتهم هذه، وبالتالي وصولهم إلى هذه النتيجة؟

ج: الغرب في زماننا المعاصر انحرف 180 درجة عما كان عليه في القديم؛ فجل حديثهم اليوم- فيما يرتبط بمسألة الأخلاق الجنسية- حول تقديس العلاقة الجنسية واحترامها، وعدم المس بالحرية، ورفع جميع الموانع والقيود من أمامها. ما كان يقال في القديم كان باسم الدين، أما اليوم ما يطرح فباسم العلم والفلسفة، والمنحازون إلى نظرية الأخلاق الجنسية المعاصرة «الحرية الجنسية وانعدام القيود» يبنون نظرياتهم على أسس ثلاث:

1- بقاء حرية الفرد محفوظة ما دامت لا تخل بحرية الآخرين.

2- إن سعادة المرء رهن تربية جميع المؤهلات والقابليات الموضوعة في وجوده، أما الأنانية وحب الذات، والأمراض الناشئة منها مرتبطة باختلال الغرائز واضطرابها، أي عدم انتظامها من حيث الإرضاء والإشباع؛ بمعنى إرضاء بعض الغرائز وإشباعها وعدم إرضاء الأخرى، بناء عليه، يجب تربية القابليات والاستعدادات، وتنشئتها بشكل متساوي ومتوازي حتى يصل الإنسان إلى السعادة في هذه الدنيا.

3- إن رغبة البشر بشيء ما تقل على اثر اشباعها به، أما في حال المنع والحرمان فإنها تزداد، لذلك يجب إزالة جميع الموانع والقيود من أمام البشر، وإعطائهم الحرية المطلقة من أجل صرفهم عن التوجه الدائم إلى المسائل الجنسية والعوارض الناشئة منها، أي إعطاء الحرية من أجل الإشباع، وبالتالي الانصراف عن الرغبة، فجميع الأحقاد والشرارات والانتقام ناشئة من الأخلاق الجنسية القاسية والعنيفة.

على هذه الأسس والأصول بنيت الأخلاق الجنسية الجديدة، هناك بعض الأشخاص ممن ليس لديهم إطلاع كافٍ يعتبرون أن مثل هذه الأبحاث ليست مفيدة كثيراً؛ لكني أرى أن بحث هذه المسائل في عصرنا الحاضر ضروري جداً، وهذا الأمر ليس فقط من جهة الإطلاع على أفكار الفلاسفة والمفكرين المعروفين والمشهورين؛ بل من ناحية أن هذه الأفكار والمباحث في حالة انتشار واسع بين طبقة الشباب، في زماننا الحاضر، فلعل الكثيرين من شبابنا، ممن لم يختمر فكرهم بشكل جيد، خصوصا المراهقين، يقعون تحت تأثير هذه الأفكار وأصحابها من الشخصيات الشهوانية، بحيث تترسخ هذه الأفكار في أذهانهم، فيحسبونها واقعية ومطابقة للمنطق.

أعتقد أنه يجب اطلاع القرّاء الأعزاء على هذه المباحث، فالأفكار الجديدة الواردة من الغرب والتي تستهوي شبابنا، ممن لم يطّلعوا على هذه الأفكار بشكل كامل، ولا يعرفون منها إلا القشور والمبادىء البسيطة، وقد تغرهم عناوينها المقدسة، مثل: الحرية، والمساواة، فيقبلون عليها من أعماق قلوبهم؛ لكن إلى أين ينتهي هذا الخط، والى اين يوصل هذا المسير؟ هل المجتمع البشري سيكون قادراً على السير في هذا الخط إلى النهاية، وأن يستمر في الخطى؟، أو أنه شيء يحاك؟!، لكنه أكبر من قياس البشر، هو خط سوف يؤدي الاستمرار فيه حتماً إلى سقوط البشرية وفنائها. (39).

 

س 21: ما توصل إليه علم الاجتماع يقول: «إن الحرمان وعدم تحقيق الرغبات التي تسببها القيود الاجتماعية، وإيجاد حيّز بين الذكر والأنثى، يزيد من الحرص والولع، إضافة إلى الاشتياق والوله والهيجان فيما يتعلق بالرغبة الجنسية» برأيكم أليس من الأفضل ترك الحرية - ما أمكن- للغريزة الجنسية في المجتمع؟

ج: صحيح أن الحرمان والفشل في تحقيق الرغبة، خصوصاً الجنسية له عواقب وخيمة وقاسية، وأن مواجهة ما تقتضيه الغريزة في حدود الحاجة الطبيعية خطأ كبير، لكن رفع القيود الاجتماعية لا يحل المشكلة أبداً، بل يزيدها تعقيداً. إن رفع القيود فيما يتعلق بالغريزة الجنسية، وبعض الغرائز الأخرى يقتل العشق بمفهومه الواقعي، ويدمره، لكنه أيضاً يجعل الطبيعة عبثية من غير ضوابط أو قوانين، بحيث تكون القاعدة في هذه المسألة: «كلما كان العرض أكثر كان الهوس والرغبة إلى التنوع أكبر».

يقول البعض: «إذا أجزتم نشر الصور المنافية للحشمة والعفة، فإن الناس بعد مدة، سوف تتشبع رغباتهم فيتعبون ويملون، وبالتالي لن ينظروا إليها فيما بعد». إن هذا القول فيما يخص صورة بعينها، أو نوع ينافي العفة بحد ذاته، صحيح؛ لكن فيما يخص مطلق الأمور والمسائل المخالفة للعفة ليس صحيحا، بمعنى أن الملل قد يحدث في نوع خاص ومحدد من الأمور المنافية للحشمة، لكن هذا لا يعني أن الرغبة في العفاف والحشمة سوف تحل مكان الرغبة المنافية، بل بمعنى أن لهيب التعطش الروحي «في المسائل الجنسية و... سوف تمتد شراراته لتطلب أنواعاً أخرى غير التي عرضت، وهذا الطلب ليس له نهاية. من هنا يجب التّنبه أن الحرية في المسائل الجنسية سبب في اشتعال الشهوات بشكل يسيطر عليها الحرص والطمع.

للغريزة الجنسية بُعدان، بعد جسدي وبعد روحي. فالوجه الجسدي فيها محدود، بحيث أن امرأة أو امرأتين تكفي لإشباع غريزة الرجل، لكن من ناحية طلب التنوع والعطش الروحي فإن المسألة تتخذ شكلاً آخر قد لا ينتهي.

وهكذا بالنسبة للحرمان فإنه يصبح سبباً للطغيان والتهاب الشهوات، كذلك فإن الانقياد والطاعة العمياء والتسليم المطلق، كل ذلك، يصبح سبباً للطغيان واشتعال الشهوات.

أنا أعتقد أن تهدئة الغريزة وإخماد لهيبها يحتاج إلى أمرين: الأول: إرضاء الغريزة في حدود الحاجة الطبيعية، والثاني: الحد من تهيُّجها وعدم إثارتها. أما أن يقوم المجتمع بإنتاج الوسائل السمعية والبصرية والحسية، والتي توجب جميعها تهييج الغرائز وتحريكها، ثم يريد تسكين هذه الغريزة المجنونة بإرضائها، وذلك برفع القيود، فهذا لن يكون ممكناً، لا يمكن إرضاء الغريزة وتسكينها بهذه الوسيلة؛ بل سيزيدها اضطرابا وتلاطماً وعدم رضا، مما ينعكس على النفس آلاف العوارض والاختلالات السلبية. كذلك فإن تهييج الغريزة الجنسية، وتحريكها بغير قيد ولا قاعدة سيخلق عوارض أخرى وخيمة؛ كالبلوغ المبكر، وإسراع الشيخوخة والعجز.

نحن لا ننكر أن عدم الحصول على المرأة يوجب الانحراف، وأنه يجب تسهيل شروط الزواج وقواعده القانونية والاجتماعية، لكن مما لا شك فيه، أن هذا الكم والنوع من التبرج وإظهار مفاتن المرأة في المجتمع، والاختلاط الحر، سبب أصلي في الانحراف الجنسي، وضرر يبلغ أضعاف ما يسببه الحرمان. (40).

 

س 22: لماذا يُحرّم الإسلام النظر إلى غير المَحْرم ويذمّه بشدة؟

ج: فلسفة ستر المرأة وحجابها تحمل عدة أبعاد، فبعضها ذات بعد نفسي، وبعضها أُسري ومنزلي، والبعض الآخر اجتماعي، وبعد آخر يتعلق باحترام المرأة ورفعتها وحمايتها من الابتذال.

الإسلام خص اللذة الجنسية، سواء البصرية، أو اللمسية، أو غيرها، بالمحيط الأسري، وضمن قالب الزواج الشرعي والقانوني، أما المجتمع فيختص بالعمل والنشاط.

والدين الإسلامي أكد على أن المحيط الأسري والمنزلي هو المحيط الجاهز والكامل والمناسب ليظفر الزوجان أحدهما بالآخر. من جهة أخرى فإن الإسلام ذمّ حتى النظرة الصغيرة (بشهوة) لغير المحارم، سواء أصدرت من المرأة أو الرجل، وجعلها في مقام الحرمة والتحقير، وأكد على أن المجتمع محيط للعمل والجد والاجتهاد، وحارب أي نوع من أنواع التواصل الجنسي فيه خارج عنوان الزواج والأسرة. هذه هي فلسفة الإسلام في تحريم النظر بريبة وتمتّع إلى غير الزوجة القانونية، من جهة، وفلسفة حرمة التبرج وإبداء مفاتن المرأة للرجل الأجنبي، من جهة أخرى.

كيف يمكننا أن نتصور أو نفهم أن في كثير من الأحيان، نرى اتحاد روح الزوجان وعواطفهما الصادقة، ونرى تبادل الشعور بالمحبة والرحمة يستمر ويبقى حتى آخر عمرهما، مع انعدام الفعالية الجنسية من الطرفين، وعدم الشعور بالرغبة فيها، وهذا ما يمنح الحياة قيمة أكبر وأسمى، أو نتصور اللذة والشعور الذي يرافق مصاحبة الرجل لزوجته الشرعية الوفية، واختلافها مع اللذة المُصاحِبَة لمقاربة الرجل مع امرأة غير زوجته الشرعية، والمقارنة بينهما تظهر، من دون شك، أن العلاقة الجنسية في القالب الزوجي القانوني يبعث على المسرّة والطمأنينة أكثر من العلاقات الأخرى، من هنا يجب أن تكون حدود هذه العلاقة ضمن الأسرة، أما المجتمع الخارجي فهو فقط للعمل والنشاط.

إن انتقال العلاقات الجنسية في المجتمعات الغربية من إطارها الأسري إلى المحيط الاجتماعي لجريمة، وظلم كبيران، ونحن نرى ونسمع اليوم صيحات المفكرين عندهم كيف بدأت تعلو. (41).

 

س 23: لماذا الزواج في الإسلام أمرٌ مقدس؟

ج: الزواج في الإسلام له بُعد أخلاقي، مع أنه أمر شهواني، وهذا الموضوع الوحيد الذي أساس طبيعته شهوانية، لكنه يملك بُعداً أخلاقياً، بخلاف سائر المواضيع، فتناول الطعام مثلا، ليس له بعد أخلاقي، لكن الزواج يملك هذه الصفة، ذلك أن الغرائز الشهوانية الإنسانية إذا تم إشباعها، فإنها لا تؤثر في روحية الإنسان ومعنوياته، باستثناء الغريزة الجنسية، لذلك، نظر الإسلام إلى الزواج كأمر مقدس وسنة مستحبة.

ومن هذه الأسباب، أن الزواج يعد أول خطوة في العبور من الذات إلى الغير، ومن الأنانية وحب الأنا إلى حب الآخر. فقبل الزواج كانت «الأنا» فقط، ولم يكن معها شيء، كل شيء لها وملكها، ثم تأتي مرحلة أولى لهدم جدار الأنانية هذا، فيأتي موجود آخر ليستقر جنباً إلى جنب مع «الأنا»، ويصبح له معنى، ويعمل لأجله ولأجل خدمته، ويقدم له الغالي والنفيس، ليس «للأنا»، بل «لهو» في إطار الزواج، ثم في مرحلة تالية يأتي الأولاد فيأتي «هو» و «هو» و «هو»، وهذه كلها خطوات في كسر الإنية الذاتية والخروج من حالة حب الذات إلى حب الآخر، فيصبح «هو» موضع اهتمام ومحبة «الأنا».

التجربة تشير إلى أن الأشخاص الذين قضوا عمرهم من دون زواج في سبيل الأهداف الروحانية والمعنوية، ممن يعدُّون الزواج والإنجاب مانعا من الوصول إلى هذه الأهداف، فإن هؤلاء كانوا يشعرون بنوع من النقص والفقدان، ولو جزئياً، وهذا يعني أن هذا النقص الجزئي لا يرتفع إلاّ في إطار الزواج وتشكيل الأسرة. (42).

 

س 24: أكثر علماء الاجتماع في العالم الغربي يعترفون أن أكبر مشكلة في المجتمعات الغربية اليوم قلة المحبة، والنقص في الإحساس بالعاطفة الإنسانية ضمن أفراد العائلة الواحدة، إلى ما يرجع أصل نقطة الضعف هذه؟

ج: يقولون أن في الغرب يوجد عدالة إلى حد كبير، لكن عواطف وإحساسات قليلة، وهذا الأمر واضح حتى بين الاخوة والآباء والأبناء، فقلة العواطف واندثار المودة والأحاسيس بين أفراد العائلة شيء ظاهر، بخلاف الناس في الشرق. والسبب يرجع إلى أن هكذا عواطف وأحاسيس تولد وتترعرع في أجواء من الحنان العائلي والمودة والصفاء والمعاشرة الحسنة. أما في الغرب فهذه الصفات «الاتحاد والصفاء بين الزوجين ليست موجودة في الأسرة الغربية، وذلك لأن العواطف والأحساسيس الجنسية بين الزوجين لا تختص بهما وحدهما؛ بل تتعداهما إلى المجتمع؛ بمعنى أن كل واحد منهما يحاول أن يشبع أحاسيسه وغريزته من طريق المتعة الحسية، أو النظرية، أو اللمسية، خارج إطار الأسرة؛ أي تتعداها إلى المجتمع الكبير المحيط.

لقد حان الوقت أن يتعلم الغرب فلسفة الحياة من الشرق- كما في العصور الغابرة- مع وجود هذا التطور الكبير في العلوم والصناعة والتكنولوجيا لديه. (43).

 

س 25: من الذي يؤثر في تشكيل شخصية الآخر أكثر، المرأة أم الرجل، ومن يلعب الدور الأهم في شخصية الآخر في شتى الميادين؟

ج: للمرأة دور مهم في التاريخ لا ينكره أحد، وهو دورها الغير مباشر في صناعة التاريخ. يقولون أن المرأة تصنع الرجال، والرجال يصنعون التاريخ؛ يعني أن تأثير المرأة في صناعة الرجل أكثر من تأثير الرجل فيها.

والمسألة هنا، هل الرجل يصنع شخصية المرأة وروحها، بالإضافة إلى كونها عنواناً للأم والزوجة، أم لا، المرأة هي التي تصنع الأولاد وحتى الرجال؟ وهل الزوج هو من يتدخل أكثر في صناعة الزوجة أم الزوجة لها الدور الأكبر في صناعة الزوج؟

سوف تتعجبون، عندما تعلمون أن التحقيقات والملاحظات التاريخية والنفسية، أثبتت أن المرأة تؤثر في صناعة شخصية الرجل أكثر مما يؤثر الرجل في صناعة شخصيتها. من هنا لا يمكن إنكار شخصية المرأة، وتأثيرها بصورة غير مباشرة في صناعة التاريخ. (44).

س 26: هناك فكرة تقول أن المرأة هي عنوان الإثم والإغواء، من أين منبع هذه الفكرة، وما هي نظرة الإسلام حول هذا الموضوع؟

ج: هناك فكرة خاطئة أوجدها المسيحيون وأدخلوها إلى المجتمع، وهي فكرة كانت في الحقيقة خيانة كبيرة، وهي مسألة عدم زواج المسيح من امرأة، وتركه الزواج، والعيش من غير زوجة؛ وهذا ما فعله الكرادلة والرهبان والبطاركة، بحيث أوجدت فكرة خاطئة، أن المرأة هي عنصر الذنب والخطيئة والإغواء؛ وبالتالي هي شيطان صغير، وأن الرجل لا يذنب من تلقاء ذاته، ولا يخطىء بحق نفسه، إنما هي المرأة الشيطان الأصغر توسوس له وتجبره على ارتكاب الآثام. ويقولون أن قصة آدم وحواء (ع) هكذا بدأت، وأن الشيطان لم يستطع أن ينفذ إلى آدم (ع)، غير أنه استطاع أن يغوي حواء (عليها السلام) ويخدعها، ثم هي بدورها أغوت آدم (ع). وهكذا عبر التاريخ، الشيطان الكبير يوسوس للمرأة الشيطان الصغير، وهي بدورها توسوس للرجل.

هكذا يتناقل المسيحيون قصة آدم وحواء والشيطان عبر التاريخ، لكن القرآن يدحض هذه المقولة، ويصرح بخلاف ذلك، وهذا أمرٌ عجيب.

فالقرآن الكريم عندما يورد قصة آدم وحواء (ع)، لا يقول بأصالة آدم (ع) وتبعية حواء (ع)، بل القرآن يقول لهما {لاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ}. فالتكليف لهما معاً {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ}، فالشيطان لم يوسوس لها من دونه بل لهما معاً، و {قَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ}، {فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ} (45)، توجيه الكلام للمثنى. وبالتالي فزلة قدم آدم بمقدار زلة قدم حواء (ع)، والعكس صحيح، إذن الإسلام أزال هذه الفكرة الخاطئة والكاذبة التي ألقيت بعنق التاريخ. ولعل القرآن، من أجل ذلك، اهتم إلى جانب ذكر القديسين، بذكر القدّيسات وتجليلهنّ وتكريمهنّ. فحيثما ذُكِرْنَ إلى جانب القديسين كُنَّ أعلى شأناً وأكرم ذكراً.

 

س 27: نشاهد في نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية - والذي يجب أن يكون مهد الحريات واحترام حقوق البشر- الفصل في المجالس، وفي جميع الميادين الاجتماعية بين الرجال والنساء، بنظركم، أليس هذا النوع من العمل يعتبر سوء ظن وعدم ثقة بالناس؟

ج: إعلم أن الصراط المستقيم دقيق جداً، فإن ملنا قليلاً يميناً أو يساراً سقطنا، فإن ضيقنا قليلا باسم العفة والعصمة والحشمة على المرأة، وحبسناها في أركان الغرف سقطنا، وإن سمحنا لها أن تتدخل- ولو قليلا- في المسائل الاجتماعية والأنشطة العامة بحيث نكسر القاعدة أيضاً سقطنا.

لقد أجاز الرسول (ص) للنساء أن يأتوا إلى مسجد المدينة، كذلك أجاز للرجال، ولم يمنع النساء، لكنه قال مرة، ليت يكون للنساء باب غير هذا الباب؛ إذن الرسول الأكرم (ص) لم يكن يرغب في أن يدخل النساء والرجال من باب واحد، فيتزاحموا عند الباب، وتحتك أبدانهم ببعضها. ومن هنا يبدأ الفساد، لذلك تم بناء باب خاص للنساء، وإلى الآن يوجد في ذلك المكان باب يدعى باب النساء، وهو خاص بالنساء، إذن منطق الإسلام منطق معتدل.

دخول المرأة إلى المجتمع ليس بمعنى أن يصبح المجتمع محيطا للشهوة، ولن يكون كذلك، لكنه بمعنى أن المرأة والرجل كلاهما من البشر، ومتساويان في الإنسانية، لكن في الوقت ذاته الرجل ذكر والمرأة أنثى. إذن هناك اختلاف بين الرجل والمرأة في ذات الطبيعة. المرأة تملك مؤهلات وقدرات خاصة، واستعدادات جسدية، وأحاسيس وعواطف، وأسلوب خاص في التفكير لا يملكها الرجل، بينما يملك الرجل خصوصيات لا تملكها المرأة، وفي الوقت ذاته، الرجل والمرأة متشابهان في الإنسانية، ومتساويان. وهنا لا يجب أن ننسى، أن في الخلقة والفطرة مدار المرأة ومدار الرجل مختلفان.

نحن لا يجب أن نتأثر بالغرب، فنغمض أعيننا عن الاختلافات والفروقات التي أودعتها الخلقة الربانية في الرجل والمرأة، ليكمّل أحدهما الآخر. (46).

 

س 28: هل الإنسان محكوم بالجبر الاجتماعي؟

ج: يجد الإنسان نفسه أحيانا مثل قشة يتقاذفها السيل يميناً وشمالاً، ولا شك أن المجتمع له حكم السيل، فيأخذ افراده حيثما يشاء، لكن ليس بمعنى أنه يملك جبراً مطلقاً يحكم الإنسان. فالمحيط والمجتمع والأوضاع الاجتماعية المختلفة لا تتحكم بالإنسان تحكماً جبرياً مطلقاً، بمعنى، أن الإنسان لا يمكنه أن يتخذ لنفسه قراراً في هذا السيل الجارف، أو يتحكم بموقعه فيغيِّره، أو حتى أن يختار مسيراً خلاف مسير التيار! القضية ليست كذلك. الإنسان يستطيع أن يتخذ لنفسه حركة مخالفة لمسار السيل الاجتماعي الجارف، فيسير خلاف مسار مائه، بل وأحياناً كثيرة قد يؤثر في مصير هذا السيل واتجاه سيره، فيعيِّن له مسيراً مخالفاً.

وتعاليم الإسلام السّمحاء مبنية على هذه النظرة، وعلى هذا الأساس من الاختيار؛ وإلا فلا معنى للمسؤولية والتكليف، ولا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا الجهاد، وأمثال ذلك، ولا معنى أصلا حتى للعقاب والثواب.

فإن كان الأساس هو الجبر المطلق للإنسان، وأن الفرد في مقابل المجتمع مجبور مطلقاً، ومقيد اليدين؛ إذن، فما معنى الحسن والقبح، والعقاب والجزاء، سواء في الدنيا أو الآخرة. هذه المسائل لا معنى لها بالنسبة للإنسان، وتعاليم الدين الإسلامي مخالفة لهذا الفكر أصلاً. (47).

 

س 29: نشهد في مجتمعنا الحاضر أمواجاً متلاطمة من الفساد والانحراف، وزماننا هذا مليء بأنواع المعاصي والحيل والمغريات المغلّفة بمظاهر جذّابة تفوق الوصف. فهل يُنتَظَر من الشباب في هكذا مجتمعات وهكذا ظروف غير ملائمة، أن يتوجهوا إلى المسائل الروحية والمعنوية والأخلاقية؟

ج: في المجتمعات التي يظهر فيها الفساد أو يكثر إلى حد بعيد، تكون أسس التكامل الروحي والأخلاقي عند الإنسان مهيأة أكثر، يجب أن لا نخطىء بأن التكامل الروحي والأخلاقي للإنسان، إنما يأتي نتيجة لمقاومة التيارات المخالفة، ففي البيئة التي تحتضن تيارات فاسدة كثيرة، تكثر فيها التضحية، ويولد فيها افراد وشخصيات تحمل من التكامل الروحي والأخلاقي الشيء العظيم.

وأستطيع القول، أنه في حدود تجربتي الحياتية والشخصية، حيث انتقلت بين عدة محافظات، ونشأت في عدة أقضية ومدن، ومن بينها العاصمة طهران، وأعتقد أن طهران هي أكثر المدن فساداً وإخلالاً بالأخلاق، ومع ذلك رأيت أكثر الناس تديناً، وأكملهم من الناحية الروحية والأخلاقية، في هذه المدينة؛ أي طهران الملوثة بالفساد.

فإذا كانت حركة المجتمع مبنيّة دائماً على السير باتجاه الصلاح، يكون مثله كمثل نهر يجري باتجاه معين، وعلى صفحة مائه يسبح إنسان وينجرف مع جريان مائه وبنفس السرعة، وكأنه ميت يطفو على الماء، والنهر يأخذه حيثما يسير. إن عمل الإنسان هذا ليس فيه احتراف أو فنّ أو مهارة، الاحتراف والفنّ عندما يسبح الإنسان بخلاف جريان ماء النهر، إذن الكمال هنا يظهر ويتجلى أكثر (48).

 

س 30: هل مجرد التفكير بارتكاب المعصية يُعدّ ذنباً؟

ج: لا ينحصر الذنب فقط بالوصول إلى مرحلة الإقدام والعمل، فالذنب بالتصور والخيال (شكل من أشكال) الذنب أيضاً. يعني التفكير بارتكاب المعصية هو نوع من الذنب، بالطبع مجرد التفكير بالذنب إذا لم يصل إلى مرحلة العمل فهو ليس الذنب بحد ذاته، بخلاف التفكير بالعمل الصالح فإذا لم يصل إلى مرحلة العمل لمانع ما، فهو عند الله سبحانه بمنزلة عين العمل الصالح.

الفرق بين عمل الخير وعمل الشر، أن الإنسان إذا صمم على فعل الخير ولم يوفق له بسبب مانع يكتب له ثواب، أما إذا فكر في عمل الشر ولم يصل إلى مرحلة الإنجاز لم يكتب عليه إثم، وهذا نوع من العفو الإلهي.

لكن هناك مسألتان، المسألة الأولى: هل مجرد التفكير بارتكاب الذنب لا يعد شيئاً سيئاً وقبيحاً، أم لا؟ والمسألة الثانية: هل التفكير بارتكاب المعصية أو الذنب، ولو أنه لم يصل إلى مرحلة العمل قهراً أو لمانع، هو مثل الذنب عينه؟- وهذا ما لم نقل به سابقاً-، أما أنه سيّء من حيث أن النية بالهموم به أمر سيّء فهذا أمر قطعي. لا شك أن النية السيئة بذاتها أمر سيّء، بالإضافة إلى أن النية السيئة تدفع الإنسان نحو السيّء، وبالتالي نحو ارتكابه، لأن بداية كل عمل التفكير به، ثم الإقدام عليه في مرحلة تالية.

كل فكرة أو خاطرة تجرّ الإنسان إلى الغفلة عن الله تعالى سيئة، فما بالك بالفكرة إذا كانت النية بارتكاب المعصية. (49).

 

س 31: ما هي التوبة الحقيقية، وكيف تكون؟

ج: التوبة هي رجوع العبد إلى الله عز وجل، والندامة على ارتكاب المعاصي والتصميم على ترك الذنوب هي عماد التوبة وركنها الأساس. والندم على ارتكاب الآثام، والتصميم على تركها نوعان: نوع كاذب بحيث يخطىء الإنسان فيندم ويتمنى لو لم يقدم على فعل القبيح، وذلك عندما يواجه العقاب وعصا القانون، وفي هذه الحالة تكون الندامة والرجوع عن الذنب بسبب تجرع كأس العقاب وإقامة حدّ القانون.

ترك المعصية بسبب تجسد العقاب أمام العين، شيء يشبه الإجبار والاضطرار، وهو بمنزلة الأمر الخارج عن حد الاختيار. إنما يعدّ ترك الذنب توبةً وتصميماً واختياراً حيث ينظر الإنسان إلى الذنب باعتباره حاضراً وإلى العقاب باعتباره غائباً؛ أي أن ارتكاب الذنب ممكن الآن مع علمه أن العقاب مؤجل، فيتركه بلحظ العقاب المؤجل، أو بلحظ الأجر والثواب في المستقبل، أو لإحساسه بقبح العمل وسوء ارتكاب الذنب لقبح الذنب بعينه والسوء الذي ينطوي عليه.

والتوبة الحقيقية تعني صرف النظر كلياً عن ارتكاب المعصية، والرجوع عنها إلى الصلاح والرشاد، فإذا جعل الانصراف والرجوع الجدي المبني على عدم اعتبار العقاب حاضراً وواقعاً حالاً، بل باعتباره مؤجلاً، فمن البديهي أن يقبل الله تعالى عبده ويدخله في رحمته الواسعة. (50).

 

س 32: برأيكم لو كانت اللذة الروحية والمعنوية تضاهي اللذة المادية والجسدية في منح النشاط والقوة والمتعة، ألم يكن من الممكن أن يتوجه أكثر الناس، وخصوصاً الشباب، نحو الأمور والمسائل المعنوية؟

ج: الإحساس البشري باللذة نوعان، نوع من اللذة يرتبط بحواس الإنسان، بحيث تحصل على أثر إقامة نوع من العلاقة بين عضو من الأعضاء مع مادّة خارجيّة حسّية، كاللذة التي تحصل بمشاهدة العين، أو الأذن عن طريق السمع، أو الفم واللسان عن طريق التذوق، أو الملامسة عن طريق التّماس.

نوع آخر من اللذة، يرتبط بعمق روح الإنسان ووجدانه، ولا يتعلق بأي عضو من الأعضاء، ولا يحصل على اثر إقامة أي نوع من العلاقة مع المادة الخارجية، كالشعور باللذة عند تقديم خدمة، أو عند إحسان إنسان، أو الإحساس باللذة عند الشعور بالحب أو الاحترام، أو النجاح والتوفيق، سواء للفرد أو لأحد أبنائه مثلا، وهذه الأمور لا تتعلق بعضو خاص، وليست تحت تأثير مباشر لأي عامل مادي خارجي.

إن اللذات المعنوية أقوى من اللذات المادية وأكثر أصالة منها، ولذة العبادة الحاصلة للإنسان المؤمن العارف حق العبادة، هي من هذا النوع من اللذات. العابدون العارفون الذين تترافق عبادتهم مع الحضور والخضوع والخشوع والاستغراق، يشعرون بنوع من لذة العبادة ليس فوقها لذة، وقد عبر عنها في لغة الدين «بلذة الإيمان» و»حلاوة الإيمان» إن للإيمان حلاوة لا تضاهيها حلاوة أبداً، فاللذة المعنوية تصبح مضاعفة إذا كانت الأعمال، من قبيل: كسب العلم، الإحسان، الخدمة، النجاح والفوز، ناشئة من الحس الديني، وخالصة لوجه الله تعالى، وفي إطار العبادة. (51).

 

س 33: من المعروف أن عباداتنا يجب أن يرافقها نوع من النشاط الروحي حتى تكون مثمرة وحسنة النتائج، لكن في كثير من الأحيان، ولأسباب مختلفة، لا نشعر بالاستعداد والنشاط لإقامة الأعمال المعنوية، فما هو العمل في هكذا مواضع؟

ج: يجب أن نعترف أننا لا نعرف حقاً طريق العبادة، بمعنى أننا غير قادرين على إدارة أنفسنا بشكل جيد وصحيح من الناحية العبادية، فالناس يعتقدون غالباً، وبما أن العبادة جيدة، لذلك كلما أكثرنا منها يكون أفضل، لكنهم لا يعلمون أن العبادة في هكذا مواضع تفقد أثرها في جذب الروح، ولا تمنحها آنذاك الغذاء المعنوي الصحيح، مثلها كمثل الطعام الجيد، فليس كل طعام جيد ومغذٍ يجب الإكثار منه، وكلما أكثرنا منه كان أفضل، معنى الاستفادة من العبادة ليس كذلك أيضاً.

العبادة يجب أن تترافق مع النشاط الروحي، وليس المقصود بالترافق أنه يجب أن يشعر الإنسان بالنشاط أولا حتى يبدأ بالعبادة تاليا، فكثير من الأشخاص لا يشعرون بالنشاط مطلقاً، النشاط يظهر تدريجياً مع العبادة والأنس بذكر الله تعالى، والمقصود أن طاقة الإنسان وسعة نفسه للعبادة محدودة. لنفترض أن شخصاً بدأ عبادته بالنشاط، بعد مدة يتعب بدنه ويذهب نشاطه، وتصبح العبادة بعدها نوعا من الفرض الواجب، ويصبح حكمها حكم الطعام الذي لا تهضمه البطون، ولا تشتهيه الأنفس، ولا تستسيغه الأذواق.

التّعبد بشكل جيد وصحيح، والتّمتع بمواهب العبادة، إنما يكون طبق القاعدة والحسابات الصحيحة، ويرتبط بحسن الإدارة للنفس البشرية، بمعنى إدارة الإنسان لذاته وإحساساته وعواطفه وغرائزه، ثم في النهاية إدارة قلبه وفؤاده إدارة جيدة وصحيحة، فالقلب والأحاسيس والعواطف والغرائز أكثر ما تحتاج إليه هي الإرادة والتوجيه الصحيحين. (52).

 

س 34: هل يمكن لإنسان في زماننا الحاضر أن تتهيأ له الظروف المناسبة فيشتغل بعبادة الله في جميع ساعات أيامه ولياليه دون انقطاع؟

ج: في الإسلام نوعان من العمل، نوع يقولون له اصطلاحاً «عبادة محضة» يعني ليس فيها أي مصلحة غير العبادة كالصلاة. ونوع آخر من العمل فيه مصلحة الحياة ومنافعها، بحيث يمكننا أن نجعل هذا النوع من العمل عبادة، ويجب أن نفعل.

يقول الفقهاء أن أي عمل إذا قام به الإنسان بداعي رضا الله سبحانه، أي الدافع والهدف منه هو رضا الله تعالى، يصبح عبادة، فأي عمل فيه صلاح، وهو جيد بحد ذاته، وفيه منفعة ومصلحة، إذا قام به الإنسان يدفعه إلى ذلك رضا الخالق تعالى فهو عبادة، لذلك يمكن أن يكون نوم الإنسان عبادة.

يقولون أن الإنسان إذا نظّم حياته وأدارها بشكل صحيح، ووضع كل عمل في مكانه ووقته المناسب، وربّى نفسه على ذلك، بحيث تكون جميع أعماله حقا في سبيل رضا الله جل جلاله، فإنه يكون في حال عبادة (ليله ونهاره)، فمنامه عبادة، ويقظته عبادة، طعامه عبادة، لباسه عبادة، وجميع حركاته وسكناته عبادة، لأن القاعدة هي وجه الله تعالى ورضاه.

إذن معنى أن يكون الإنسان دائما في حالة عبادة هو هذا المعنى، لكن بشرط أن لا يجعلنا هذا الأمر نغفل عن حاجتنا للعبادة -التي أصلها التوجه إلى الله والاستغفار- أو الاستغناء عنها. فالعبادة بهذا المعنى الحقيقي لا تجعل الإنسان مستغنياً عن التوجه والاستغفار، وحتى رسول الله (ص) لم يعد نفسه يوما مستغنيا. (53).

 

س 35: ما هو «بناء الذات»، هل عندك من توصيات ونصائح في هذا المضمار حتى نقتدي بها، ونعمل بنصائحك في طريق «تربية النفس»، علنّا نكسب بعضا من الكمالات الروحية والمعنوية، خصوصاً، وأنك معلم أخلاق؟

ج: إذا أراد شخص أن يربي نفسه في ضوء الرؤية الإسلامية، عليه أولا «بالمراقبة». والمراقبة يجب أن تكون مرافقة للإنسان في جميع حالاته؛ أي يكون حال الإنسان دائما حال مراقبة، ثم يأتي بعد المراقبة ما يسمّيه أهل السلوك» المحاسبة» هكذا جاء في المتون الإسلامية.

جاء في نهج البلاغة: «عباد الله، زنوا أنفسكم من قبلِ أن توزنوا، وحاسبوها من قبل أن تحاسبوا» (54).

يقولون أن قبل المراقبة والمحاسبة هناك شيء، وبعدهما هناك شيء أيضا، فقبلهما يوجد «المشارطة» يعني على الإنسان أولا أن يشرط على نفسه، ويعاهدها، فيعقد معها معاهدة ويوقع عليها، وغالباً ما تكون مكتوبة على ورقة، فيشترط المرء على نفسه شروطا، ويلزمها بعهود محددة، لأن الإنسان بداية إذا لم يتعاهد مع نفسه، ولم يحدد لها العهود والبنود، ويضع لها المقررات والضوابط، فلن يستطيع أن يراقبها بعد ذلك.

فمثلا يحدد لنفسه ضوابط، فيعدها بأن يكون النوم على هذا المنوال، والطعام على ذاك المنوال، والتعامل مع خلق الله على تلك الطريقة، وغير ذلك من الأمور والمسائل، فيحدد كل هذه المسائل في ذهنه، أو يكتبها على ورقة ويوقع على بنودها وشروطها، ويعقد مع نفسه عهداً وميثاقاً حول تلك البنود والشروط، ثم بعد ذلك يبدأ بمراقبة نفسه حول العمل بهذه البنود والمواثيق، يراقبها في الليل والنهار، ثم يأتي الحساب فيحاسب نفسه؛ هل عملت طبق المواثيق والبنود، أم لم تعمل، هل راقبت نفسها أم لم تراقب؟

فإن عملتْ يأتي بعد ذلك الشكر والامتنان لله تعالى، مع سجدة الشكر، وإذا لم تعمل تأتي المعاتبة، أي يعاتب نفسه ويلومها على عدم العمل بالعهد، فإذا تخلفت عن العمل بشيء قليل تأتي «المعاقبة» أي يعاقبها على التخلف، فإن كان التخلف كبيراً عاقبها بالتشديد عليها، كأن يفرض عليها العقوبة الشديدة والأعمال القاسية في الأيام الصعبة، كالصيام مثلاً، هذه المسائل من أصول الأخلاق ومسلماتها في التربية الإسلامية.

يعتقد بعض الأشخاص أن محاسبة النفس هي عمل المتريضين وأرباب السير والسلوك، أما الأفراد العاديون فلا معنى لمحاسبتهم أنفسهم، إن هذا النوع من التفكير خاطىء، فالقرآن الكريم والأنبياء والأولياء هم الذين ابتكروا هذا النوع من العمل، لم يخصّوا هذا الفعل بفئة معينة من الناس، فالمؤمن بالحساب والكتاب في هذا العالم، والمعتقد أن ما من عمل يضيع، يجب أن يحاسب نفسه، فهل كُتِبَ الحساب في الآخرة فقط على المتريضين وأهل السير والسلوك، كلا، الحساب كتب على جميع الخلق، محاسبة الذات في الأصل تكليف عقلاني عام قبل أن يكون تكليفا شرعيا ودينيا. (55).

س 36: ما هي نصيحتكم للشباب فيما يخص اكتساب الفضائل والسجايا الأخلاقية والقيم الإنسانية السّامية؟

ج: هناك طرق عديدة ومشارب مختلفة في الإصلاح الأخلاقي وتهذيب النفس. من هذه الطرق، الطريق السقراطي، الذي يقول أن على الإنسان أن يصلح نفسه من طريق العقل والتدبير، بحيث يجب على الإنسان بداية أن يؤمن بفوائد تزكية النفس، ومضرات الرذائل، والتشتت الأخلاقي إيماناً كاملا، ثم يجد الصفات المذمومة واحدة واحدة، وذلك بإعمال آلة العقل، وطبقاً لهذا الأسلوب يتوجب إزالة المفاسد الأخلاقية والرذائل، تدريجيا، بالصبر والحسابات الدقيقة وإعمال الفكر، فالفلاسفة يريدون إصلاح الأخلاق من طريق الفكر والحساب.

لا شك أن هذا الطريق صحيح، وهذه الوسيلة ناجعة، أما بالمقايسة مع الوسائل الأخرى، وتقييمها مع الطرق المختلفة فهناك كلام. فأهل العرفان والسير والسلوك يتوسلون طريق المحبة والإرادة بدلا من طريق العقل والاستدلال، فيقولون: جد شخصية كاملة وضع سلسلة المحبة والإرادة بعنق القلب» جد الكامل ودع البقية برهن القلب» (أي أن القلب عندما يتعرف إلى الكمال فإنه يتبعه ويقلده عن طريق المحبة والإرادة والتعلق)، وهذا السبيل أسرع وأقل خطراً من العقل والاستدلال.

إن تأثير قوى العقل، في إصلاح المفاسد الأخلاقية، يشبه إلى حد بعيد عمل شخص يريد جمع ذرات معدن الحديد من التراب بيده. إن هذا العمل مضني ومتعب، وكم يستغرق من الوقت؟ أما إذا كان في يده مغناطيس قوي فمن الممكن جمع ذرات الحديد بمجرد تمريرها فوق التراب!

إن قوى الإرادة والمحبة تشبه قوى المغناطيس، فهي تجمع الصفات القبيحة والرذائل، وتلقيها بعيدا بسرعة وأقل مشقة.

أجل، إن هؤلاء الذين سلكوا هذه الطريق، يريدون إصلاح الأخلاق من طريق قوى المحبة، ويعتمدون على قدرة العشق والإرادة. وقد دلت التجربة أن قراءة مئات المجلدات والكتب الأخلاقية لا تؤثر في الروح، وليس لها وقع على النفس، كما هو الحال في تأثير مصاحبة الفضلاء والطيبين ومحبتهم وإرادتهم.

وكثيرا ما نرى فضلاء وأشخاص كبار وطيبون، ونرى أن مريديهم ومحبيهم يقلدونهم في مشيتهم وطريقة لباسهم، وحتى في حركاتهم وكلامهم. هذا التقليد ليس اختياراً، بل طبيعياً وذاتياً، وهذا تأثير الكبار في مريديهم.

إن قوة المحبة والإرادة تؤثر في جميع أركان وجود المحب، وفي كل أعضاء بدنه؛ بحيث تجعل جميع أحواله مشابهة لأحوال المحبوب ومطابقة لها، وهذا ما يوجب على كل إنسان- من أجل إصلاح نفسه- أن يبحث عن حقيقة ويتبع كاملاً، فيريده ويعشقه حتى يتمكن بحق أن يصلح ذاته.

إذا همَّ الإنسان لإنجاز عمل خير، أو صمَّم على عبادة، فإن الكسل والوهن يثبطان من همته، فيدخلها الضعف، لكن عندما تأتي المحبة والإرادة، فإن الوهن يذهب، والرخاوة تستحيل شدة، والعزم يصبح راسخاً، والهمة قوية وشديدة. (56).

 

س 37: كيف نقيّم مكانة التفكر في الأعمال والأخلاق الفردية والاجتماعية؟

ج: لدينا ثلاثة أنواع من العبادة، العبادة الجسدية «كالصلاة والصوم» والعبادة المالية بالإنفاق «كالزكاة والخمس»، والعبادة الفكرية «عبادة روحية صرفة»، وهذا النوع من العبادة «التفكر» هو أفضل أنواع العبادة، لكن التفكر بماذا؟

في الإسلام أنواع مختلفة من التفكر، وقد اهتمت المتون الإسلامية بخصوصيات هذه الأنواع، منها التفكر في عالم الخلق لمعرفة الله عز وجل، وفي الواقع هو اكتشاف العالم من أجل معرفة الرب عز وجل. نوع ثانٍ من التفكر أيضا جاء في القرآن المجيد، هو التفكر في التاريخ، ونوع آخر يعد عبادة، تفكر الإنسان في ذاته وأحواله؛ أي تفكر الإنسان في نفسه، بحيث يكون الإنسان هو موضوع التفكر، لأن التفكر شرط أساسي للإنسان ما دام مسلطاً على مصيره ومجتمعه وحاكما عليهما.

أما التفكر الأخلاقي فهو نظير «محاسبة النفس»، بمعنى أن يعطي الإنسان نفسه- في الليل والنهار- فرصة تمنحه أن ينقطع عن كل شيء، ويميل إلى الاشتغال بنوع من الإصلاح الباطني، أي أن يعمّر داخله ويصلحه، بأن يرجع إلى نفسه ويغوص في أعماق ذاته فيفكر في أحواله وأوضاعه، وفي القرارات التي اتخذها ويتخذها، والأعمال التي أنجزها وينجزها، كذلك في تقييم الكتب التي قرأها، ورفقاء المعشر أيضا. وبالتالي تقييم كل أحواله وأوضاعه وأفعاله في الماضي والحاضر والتفكر حولها.

فإذا قرأ كتابا ما، على سبيل المثال، عليه أن يجلس ويفكر، ماذا قرأ؟ ماذا جنى من ذلك الكتاب؟ ما الأثر الذي تركه في نفسه؟ ثم ينطلق إلى اختيار كتاب آخر بعد التفحص والتدقيق في اختياره، بناء عليه، يتوجب على الإنسان أن يختار، وبتمعن، حتى الكتاب الذي يقرأه والصديق الذي يعاشره. والاختيار ليس له معنى من دون فكر وتفكر. والمهم في أي عمل يقدم عليه الإنسان أو يصمم على فعله، أن يفكر به أولاً ثم يقرر ثانياً، وهذا الأمر يشمل جميع الأمور والمسائل حتى الشخصية منها.

التفكر بالنسبة للإنسان يجب أن يصبح عادة، فيعطي نفسه فرصة ليفكر في أحواله الشخصية، والأعمال التي يجب أن يتخذ حولها القرارات المختلفة، فالتفكر للإنسان بمثابة النور الذي يضيء أمامه، والعبادة من غير تفكر يمكن أن تكون لغوا وعبثاً. (57).

 

س 38: لقد طرح الإسلام موضوع» الإنسان الكامل» وشرح خصائصه وفصّل مسائله بشكل واضح، لكن من المسلم به، أن الإنسان لا يمكنه بشكل من الأشكال أن يصل إلى مقام «الإنسان الإلهي الكامل»، بالتالي، لماذا طرح الإسلام قضيه بعيدة المنال، وما الهدف من ذلك؟

ج: لا يمكن للإنسان أن يصبح إنساناً كاملاً من دون عبادة. إن الإنحرفات التي تعترض سلوك الإنسان نوعان، النوع الأول: الانحرافات التي تقابل القيم وتعارضها، انحرافات «ضد القيم» مثل: الظلم في مقابل العدل، الاستعباد والقيد مقابل الحرية، إنكار الله تعالى والتّفلت مقابل العبادة ومعرفة الله، السفاهة والحماقة مقابل العقل والفهم والحكمة.

ولعل أكثر انحرافات البشر ليست من نوع «اللا قيم» في مقابل «القيم» لأن هذا النوع يهزم بسرعة، إن أكثر الانحرافات ناشئة من عدم التوازن والتعادل، تماما كالبحر الذي له مدّ وجزر. فأحيانا تنمو إحدى القيم الإنسانية وتكبر لكن تنمو بشكل سرطاني، بحيث تمحى جميع القيم الأخرى وتذوب فيها، فالزهد والتقوى مثلا، من القيم والمعايير الإنسانية السامية؛ لكن نرى أحيانا أن شخصاً ما أو حتى مجتمعاً ما يذوب في الزهد ويمحى في التقوى، بحيث يصبح كل شيء بالنسبة إليه «زهد»، تماماً كالشخص الذي ينمو فيه عضو واحد ويكبر دون سائر الأعضاء، كأن ينمو أنفه ويكبر دون بقية الأعضاء.

إذن، تكامل الإنسان في التعادل والتوازن، فالإنسان الذي يسعى إلى التكامل عليه أن لا ينمّي موهبة أو استعدادا واحداً من المؤهلات التي يملكها، ثم يهمل الاستعدادات الأخرى، بل يضعها جميعها في موضع متعادل ومتوازن، وينميها معا، فالعلماء يقولون أن حقيقة العدل ترجع إلى التوازن والتناغم.

إذا نظرنا إلى الإمام علي (ع) وجدناه إنساناً كاملاً، لأنه امتلك كل القيم الإنسانية، ونمّاها بشكل متناغم ومتناسق، وأوصلها إلى حدها الأعلى، يعني امتلك الشروط الثلاثة.

فالإنسان الكامل يعني الإنسان الذي يكون بطلاً في جميع ميادين الإنسانية، بطلُ جميعِ القيم الإنسانية، إذن، ما هو الدرس الذي نتعلمه؟

يجب أن نتعلم فلا نخطىء في الميل إلى قيمة واحدة أو مكرمة واحدة، ونترك القيم والمكرمات الأخرى. والحقيقة أننا لا نستطيع أن نكون أبطال جميع القيم، ولكن، في حدود المستطاع، أخذ جميع القيم وتنميتها بالتعادل والتوازن، فإذا لم تستطع أن تكون «إنساناً كاملاً» فلا أقل أن تكون «إنساناً متعادلاً» وبذلك تكون في جميع الميادين على شاكلة المسلم الواقعي. (58).

 

س 39: بأي معنى يكون الخوف من الله؟ ولماذا الخوف منه تعالى، فهل الله هو موجود موحش ومخيف؟

ج: إن الذات الإلهية ليست موجبة للخوف والوحشة، أما القول بوجوب الخوف من الله سبحانه، فالمقصود الخوف من قانون العدل الإلهي.

العدالة بدورها ليست موجبة للخوف والوحشة، والإنسان الذي يخاف من العدالة، إنما يخاف نفسه التي ارتكبت المعاصي والذنوب في الماضي، أو يخاف من التعدي على حقوق الغير، وتجاوز حدوده إلى حدود الآخرين وحقوقهم، لهذا، المقصود من مسألة الخوف والرجاء التي يجب على المؤمن أن يكون بينهما، مؤمِّلا من جهة، وخائفاً من جهة أخرى، متفائلاً في ناحية، وقلقاً من ناحية أخرى، أن يكون المؤمن خائفاً على الدوام لجهة طغيان النفس الأمّارة ورغباته المتمردة، فلا تفلت زمام الأمور من يد العقل والإيمان، ومعتمدا كلياً على الذات الإلهية واثقاً بها مؤملاً أن المدد الإلهي والعون الرباني سوف يوافيه دائماً.

الإمام علي بن الحسين (ع) : في الدعاء المعروف، دعاء أبي حمزة الثمالي يقول: «اذا رأيت مولاي ذنوبي فزعت وإذا رأيت كرمك طمعت». (59).

 

س 40: ما هي التقوى؟ وهل يوجد آثار سلبية في مراعاتها؟

ج: التقوى هي حفظ النفس وصيانتها من الذنوب وارتكاب المعاصي، ويمكن أن تتجلى بصورتين، أي أننا لدينا نوعان من التقوى: التقوى الناشئة من الضعف، والتقوى الناشئة من القوة.

النوع الأول: كأن يفر الإنسان من موجبات الفساد والتلوث، فيحفظ نفسه من المعاصي بالابتعاد عن محيط الفساد، والنأي بنفسه بعيداً عن مغرياته.

النوع الثاني: هو وجود تلك القوة أو الحالة في روح الإنسان، بحيث تمنحه مناعة روحية وصونا أخلاقيا، فإذا تواجد في محيط ملوث وفاسد، حيث موجبات ارتكاب المعاصي فيه مهيأة، فإن هذه الملكة والحالة من المناعة تحفظه وتمنعه من الانغماس في الفساد.

أكثر الناس في زماننا الحاضر يعتقدون أن التقوى هي من النوع الأول، «تقوى الضعف» فإذا قيل فلان رجل تقي، يعني إنسان محتاط، قد اختار التقوقع والانزواء، ونأى بنفسه عن الذنوب والشبهات. ولعل السبب في هذا النفور عند الناس يعود إلى أنه، ومنذ البداية، ترجمت كلمة التقوى بمعنى» الاجتناب» من ثم تدرّج هذا المصطلح بحيث صار تعبير «اجتناب الذنوب»، بمعنى اجتناب «المحيط وموجبات الذنوب»، ومع مرور الزمن ترسّخ هذا المصطلح وصارت كلمة التقوى في نظر العامة تعني الانزواء والابتعاد عن المجتمع.

وقد نرى هذا المعنى في الأدبيات، شعراً أو نثراً، بحيث جاءت صورة التقوى على صورتها الأولى، أي الناشئة من الضعف والعجز؛ حيث يقول (بابا ظاهر) :

إني لأشكو من عيني وقلبي

فما تراه العين يذكره القلب

سأطعن العين بخنجر مسنّنٍ

من الفولاذ فيتحرر القلب

 لا شك أن العين أينما نظرت، تلحق بها الرؤيا فيتأثر القلب، لكن ما هو الحل؟ أهو بإزالة حاسة البصر بفقأ العين؟ أم أن هناك حلول أخرى، كتقوية القلب ومنحه حالة تمنعه من اللحاق بالعين والتأثر بها، فإن كان تخلص القلب وتحرره من العين يحتاج إلى خنجر يوضع في العين فيزيلها، إذن نحن بحاجة إلى تهيئة خناجر أخرى، للسمع والذائقة والشامة واللامسة لأنها تؤثر جميعها في القلب.

نعم، إن هذا النوع من التقوى وحفظ النفس هو ضعف وعجز، فليست الفطنة والمهارة بعدم ارتكاب المعاصي بالهروب من المجتمع الفاسد؛ بل الفطنة في التقوى الحقيقية أن نحفظ أنفسنا ونصونها من الفساد ونحن نعيش في قلب هذا المجتمع الفاسد والمحيط الملوث. (60).

 

س 41: هل يجب طلب العون من المولى تعالى لاكتساب التقوى، أو بوسيلة التقوى يمكننا أن ننال مقام القرب الإلهي؟

ج: الجواب هو الإثنان معاً، فبالتقوى نستطيع التقرب إلى الله سبحانه، وكذلك يجب طلب العون من المولى لكي يوفقنا أكثر لإحراز التقوى.

لكن يجب التنبه إلى الأخطار التي تزلزل بنيان التقوى، في كثير من المسائل الدنيوية نرى أن التقوى هي الوثيقة الضامنة لعدم ارتكاب الكثير من المعاصي والآثام المعروفة؛ ولكن بالنسبة إلى بعض الذنوب والمعاصي ذات التأثير الكبير والجاذبية القوية، فإن ضمانة التقوى تضعف أمامها، ولا بد من حكم الدفاع عن «حريم التقوى» والتشدد بالأحكام والأوامر، فالمقررات الدينية لم تقل بعدم الاختلاء مع أدوات الخمر، أو السرقة، أو القتل مثلا، فليس من مانع من جهة الشرع والدين أن يختلي الإنسان بنفسه في بيته، بحيث إذا أراد شرب الخمر استطاع إلى ذلك سبيلاً، لأنه لا يوجد رادع ولا مانع ظاهري من ارتكاب هذه المعصية سوى وجود التقوى التي، في الواقع، هي الضامن الأساسي والرادع الحقيقي لمثل هذه المعصية.

لكن في مسألة الجنس مثلاً، هذه الغريزة الموجودة في الإنسان بحكم تأثيرها القوي وتحريكها الشديد، ترتفع أمامها ضمانة التقوى، وقد تسقط لشدة قوة هذه الغريزة وتأثيرها على الإنسان، هنا يأتي حكم المنع والتحريم بالاختلاء مع وسيلة الرذيلة والفحش، لأن خطرها كبير وقد تتمكن أحيانا من كسر مناعة قلعة التقوى، وهدم حصانتها وفتحها والنفوذ إلى الداخل مهما كانت تلك القلعة منيعة ومستحكمة. (61).

 

س 42: يُنقل عن أمير المؤمنين علي (ع) في حديث عن التقوى أنها «شفاء مرض أجسادكم»، هل التقوى عبارة عن دواء حسي حتى تشفي الأبدان من الأسقام؟

ج: نعم، يقول الأمير (ع) أن التقوى: «شفاء مرض أجسادكم» (62)، من المؤكد أن التقوى ليست قرص دواء أو «سرنك»؛ لكن إذا لم تكن التقوى فليس هناك من دواء جيد، ولا طبيب جيد ولا مشفى جيد أو ممرض جيد، إذا لم يكن هناك من تقوى فالإنسان غير قادر على حفظ سلامته وسلامة بدنه، لأن الإنسان المتقي القانع بحقه وحق غيره، والراضي بما قُسِم له ولغيره، حتما يملك روحاً مطمئنة وأعصاباً هادئة وقلباً سليماً، ففكر هذا الشخص ليس مشغولاً بالمأكل والمشرب والملبس، وبالتالي لا يحدث اضطراب الأعصاب جروحا في أمعائه ومعدته، والإفراط في الشهوة لا يجعله ضعيفا وعاجزاً، فيطول عمره؛ إذن، فسلامة البدن والروح وسلامة المجتمع كل ذلك مرتبط بكلمة «التقوى».

والقرآن الكريم يذكر أثرين مهمين للتقوى، الأول: يتعلق بالتفاؤل والبصيرة، في سورة «الأنفال» الآية 29: {إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً}.

والأثر الثاني: يتعلق بحل المشاكل، وتسهيل الأمور والخروج من المصاعب والمضائق، في سورة «الطلاق» الآية 2: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً}.

وفي نفس السورة أيضا، بعد آيتين يقول: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً}. (63).

 

س 43: هل يوجد مظاهر خارجية لمسائل مثل «المدد الغيبي» في الحياة الفردية والاجتماعية للإنسان بشكل عام؟

ج: المدد الغيبي يتجلى أحياناً على شكل تهيئة ظروف التوفيق وشروط النجاح، وأحياناً أخرى على صورة إلهامات، أو هداية، أو تنوير وتبصُّر، لكن يجب أن لا ننسى أن هكذا أنواع من الألطاف الإلهية الغيبية لا تأتي مجانا أو جزافا، كأن يجلس الإنسان في بيته واضعاً يداً على يد، منتظراً المدد الغيبي أن يفعل له شيئاً، كلا إن هكذا نوع من التوقعات خلاف ناموس الخلقة وطبيعتها.

سأذكر آيتين من القرآن الكريم، واحدة تتكلم عن المدد الغيبي الذي يهيئ ظروف التوفيق وشروط النجاح، وواحدة أخرى حول المدد الذي يأتي على شكل إلهامات وهدايات معنوية. ولنرى كيف أن القرآن الكريم يذكر الشروط المطلوبة، وأن المدد لا يحدث بصورة عبثية، أو مجانية، أو جزافاً.

في النوع الأول: الآية 7 من سورة «محمد» (ص) : {إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}، إن النصر من قبل الله تعالى في مقابل الخدمة والعمل والجهاد في سبيل الخير العام، وفي سبيل الله عز وجل، على الخصوص؛ يعني يكون «لله وفي الله»، أي أن العمل والمجاهدة والجهد شرط من جهة، وشرط آخر الإخلاص وحسن النية أيضاً.

في النوع الثاني: الآية 69 من سورة «العنكبوت»: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}.

في هذه الآية كذلك شرط المجاهدة والعمل في «في سبيلنا»، وأيضاً شرط آخر بذل الطاقة والجهد الجسدي، وأيضاً الطاقة والجهد الروحي. في هذه الحال، تأتي في المقابل الهداية الباطنية والتنوير الروحي الداخلي من قبل الله تعالى فيمدّ بها الإنسان.

إن الأنبياء (صلوات الله تعالى عليهم) جاؤوا حتى نؤمن بمثل هذه الإمدادات الغيبية، فإذا انعقد هكذا إيمان في قلوبنا فنحن عملياً دخلنا مع الله سبحانه في تجارة ومعاملة، فمن جهة: نشعر أننا نحسن ونفعل الخيرات. ومن جهة ثانية: يجزينا الله تعالى خير الجزاء، ويحفظنا بحفظه، ويشملنا بعطفه وبألطافه. أما إذا فعلنا العكس فهناك العقاب. (64).

 

س 44: إذا تفضلتم، بيّنوا لنا بإيجاز شخصية حافظ وديوانه والطريق إلى معرفته؟

ج: حافظ هو زهرة من بستان المعارف الإسلامية، ومن يريد المطالعة حول حياة حافظ عليه المطالعة حيث البستان الذي ترعرع فيه.

ديوان حافظ، إضافة إلى المسائل الفنية والأدبية، عرفاني الأشعار والمنبع، جرت أشعاره على الألسن وملأت الآفاق. ولكي نتعرف على شخصية صاحب الديوان يجب أن نعرف ثقافته معرفة جيدة، وهذا غير ميسر إلاّ إذا قرأنا العرفان الإسلامي وتعرفنا إليه، وإلى لغته العرفانية.

يوجد منبعان يمكن أن نستعين بهما في التعرف إلى حافظ الشيرازي، وهذان المنبعان يكملان بعضهما البعض، التاريخ؛ أي كيف قدم التاريخ حافظ الشيرازي وعرّفه لنا؟ كيف عُرف حافظ في زمانه وعصره، وكيف كانت شخصيته على ألسن الناس في ذلك العصر والعصور القريبة منه، كيف كانت شخصيته وحياته؟ والمنبع الثاني: ديوان أشعاره، بحيث يمكننا التعرف إلى شخصية حافظ من خلال الأشعار، فالمرء يُعرف من خلال كتاباته وكلماته.

هذان المنبعان جيدان لمعرفة تلك الشخصية، لكن هذين المنبعين يتفقان في بعض الأقسام والحوادث المتعلقة بحياة حافظ وشخصيته، ويختلفان في البعض الآخر، فالمسائل التي ترتبط أكثر بتفاصيل حياته وجزئياتها يمكن فهمها من التاريخ، وهناك مسائل أخرى يمكن فهمها من الديوان، ولم يأت التاريخ على ذكرها، فتألق العرفان عند حافظ وأوجه لا يمكن للتاريخ أن يشرحه، ولا يستطيع أي كاتب تاريخ أن يبيّن عرفان حافظ في حقيقته وأعماقه، وهنا يسكت التاريخ، وما دمنا لم نعش أحوال حافظ وفضاءاته، ولم نُحط بأخباره العلمية وبالمحيط الذي عاش وتربى فيه، فإننا لن ندرك حقيقة شخصيته الفذة، ولا معانيه العرفانية العميقة؛ ولا يمكن لأي أديب أو كاتب مهما كان فذا وعظيماً أن يُظهر أو يشرح شخصيته وشعره، إلاّ إذا كان عارفاً وأديباً معاً؛ وأديباً بمعنى أن يكون جامعاً لعلوم عصر حافظ وزمانه، أي أديب زمان حافظ. (65).

 

س 45: لماذا يتكلم أهل العرفان عادة بلغة رمزية؟

ج: العرفان بالإضافة إلى كونه كالعلوم الأخرى، له مصطلحات خاصة به، فلغته لغة «الرمز»، وأهل العرفان قد بيّنوا معاني هذه الرموز ومفاتيحها في كتبهم ومؤلفاتهم.

أنا أعتقد أن لهذه المسألة دليلين. الدليل الأول: لم يأت في كلمات العرفاء ولم يشيروا إليه، لكنه حتما لم يكن عديم الأثر، وهو أن الشعر والأدب، والفصاحة والبلاغة، وحلاوة البيان، كل هذه المسائل بحد ذاتها وسيلة لإيصال المطلب أو الموضوع بشكل أفضل، مهما كان الموضوع، حتى في السياسة يكون عادة جيدا،ً ولهذا الأمر، أي الشعر والأدب تأثير يفوق مئات الكتب. والقرآن الكريم استفاد من هذا المعنى، فالإعجاز القرآني في الفصاحة والبلاغة وجمال اللغة وحلاوة البيان، كلها كانت في خدمة الرسالة الإلهية، بمعنى أن القرآن جعل «الفن» الأدبي والإعجاز وسيلة لخدمة هذه الرسالة السماوية، وهذا سبب جعل تأثير القرآن غير محصور بزمان أو مكان محددين، بل دائم التألق والتجدد.

أهل العرفان أيضا، استفادوا من الجمال الأدبي من أجل رسالتهم العرفانية، فاستعملوا التشبيه والتمثيل والكناية، واستفادوا من «الرمز» في أدبهم وأشعارهم، وهذا ما جعل مطالبهم أجمل وأحلى من أن تكشف بلغة عادية، فالرمز أعطاها ذلك اللطف وتلك الحلاوة، لذلك اختاروا هذه الوسيلة.

الدليل الثاني: أن هذه المعاني «العرفانية» في الأصل ليس لها ألفاظ، وألفاظ البشر قاصرة عن أن تفيد تلك المعاني، بحيث لا يمكن فهم أو درك هذه المعاني سوى من يدخل دنيا العرفان، ويعيش عالم العشق، وبتعبير العارفين أنفسهم، إن العشق لا يقبل الشرح والبيان، إن لغة العشق ليست لغة بيانية:

قد قصرت لغة اللسان عن حديث العشق

أيها الساقي أدر الكأس وأقصر الحديث

هذه المعاني العرفانية لا يمكن بيانها بالكلام الصريح، هذا ما يعتقدونه، لذلك يجب أن يقال فقط بالرمز، وأهل الطريقة والسلوك هم من يستطيعون فهم هذه المعاني وإدراكها، والآخرون لا يمكنهم دخول حريم هذا الوادي أو إدراك معانيه، من هنا، ليس من لغة عادية للتعبير عن مكنونات العرفان ومعانيه سوى اللغة الرمزية التي اختاروها، ومن يعبّر بغير تلك اللغة فقد سلك طريق الضلال والخطأ. فهم يعتقدون أن طريقهم لا يمكن طيه بقدم الفكر والعقل ولا يقرره بيان الفكر والعقل. (66).

 

س 46: هل يمكن تصور خلق عالم أفضل من هذا العالم أو نظام آخر أحسن من نظام هذا العالم؟

ج: من المباحث التي تطرح في الرؤية العرفانية للعالم، أي «العالم من وجهة النظر العرفانية»، مسألة عبر عنها الفلاسفة «النظام الأحسن» وليس معنى النظام الأحسن، أنه يوجد نظام آخر في مقابل هذا النظام، وهذا أحسن أم ذاك؟ الأمر ليس كذلك، بل بمعنى أنّ هذا النظام الموجود هو أفضل نظام ممكن، أو أنه في حد الإمكان نظام أفضل منه؟!

الفلاسفة يقولون وبأدلة قاطعة أنه لا يمكن وجود نظام أفضل وأكمل من النظام الموجود حالياً، ومن المحال أن يوجد هكذا نظام، مهما افترض الإنسان من «الأحسن»، وهذا ليس أكثر من خيال، وفرضه أمر محال. ينقل عن الغزالي أنه قال: «ليس في الإمكان أبدع مما كان» (67).

 

س 47: ألا يعدُّ التمييز الاجتماعي وعدم المساواة بين الناس، من قبيل: التفاوت بين الأغنياء والفقراء، وبين الأصحّاء والمرضى الخ... خلاف العدل الإلهي؟

ج: العدل عند الشيعة أصل من أصول الدين. والعدل الإلهي يعني الاعتقاد بأن الله تعالى يحكم بالحق، ولا يظلم لا في النظام التكويني، ولا في النظام التشريعي. في عصرنا الحالي يتبادر إلى أذهان البعض سؤال يتعلق بالعدل الإلهي، حول التفاوت الاجتماعي وعدم المساواة بين الناس، وجذور هذا السؤال أو الإبهام، يعود إلى مسألتين. الأولى: عدم الإلتفات إلى كيفية جريان القضاء والقدر الإلهي، حيث يتخيل السائل أن القضاء والقدر يعملان بشكل مباشر، ودون وساطة سبب من الأسباب أو علة من العلل، أو تدخل عامل ما، فيُحمل الرزق بشكل مستقيم من خزانة الغيب الإلهية، ويقسم على بيوت الناس، كذلك الأمر بالنسبة إلى السلامة، والجمال، والقدرة، والرئاسة والمحبوبية والأولاد وسائر المواهب والعطايا، ولم يلتفتوا إلى مسألة مهمة، وهي أن أي نوع من أنواع الرزق، سواء المادية منها أو المعنوية لا يقسم من خزانة الغيب السماوية بشكل مباشر، ودون تدخل عوامل أخرى؛ بل إن القضاء الإلهي أوجد نظاماً هو المنشأ لسلسة من السنن والقوانين، بحيث أن أي شخص يريد شيئاً ما، لا بد له أن يطلبه، ويعمل على كسبه طبقا لهذا النظام، وعبر مسالكه وسننه وقوانينه.

المسألة الثانية: عدم التنبّه إلى مقام الإنسان وموقعه بعنوان موجود مسؤول وفعّال، يجهد باتجاه تحسين حياته، ومواجهة عوامل الطبيعة من جهة، ومواجهة العوامل الاجتماعية السيئة، والظلم من قبل أفراد البشر من جهة أخرى. فإذا كان في المجتمع بعض من مظاهر عدم المساواة الاجتماعية، فليست من مسؤولية القضاء الإلهي، بل الإنسان نفسه مسؤول عن هذا الاختلاف. (68).

 

س 48: بناء على الأحاديث والأخبار الواردة، فإن المهدي (عج) لا يظهر حتى تمتلىء الأرض ظلماً وجوراً، وعلى هذا الأساس، ألا يُعدُّ قيام بعض الناس بمواجهة الظلم والفساد، وقمع التمييز، وسعيهم لإقامة العدالة مساهمة في تأخير ظهوره (ع)، وبالتالي، هل من الصحيح القول أن المنتظرين الحقيقيين لظهور الإمام (عج) يجب أن يسعوا من أجل زيادة الفساد والظلم، لتعجيل فرجه (عج)، ما هو رأيكم في هذه المسألة؟

ج: إن فهم فئة من الناس قضية المهدوية، والثورة الموعودة عند ظهروه (عج) بأنها محض قضية ذات ماهية انفجارية مبنية على ردة الفعل، وأنها ناشئة فقط من انتشار الفساد وإشاعته في المجتمع، وترويج عدم المساواة، وخنق الحريات، والقتل بغير حق، وغير ذلك من الفساد الاجتماعي، هو نوع من التبسيط والفهم الخاطىء لقيام الحجة (عج). أو أقل ما يقال أنه قائم على قياس خاطىء وقاعدة غير منتظمة؛ فعندما يعود الصلاح إلى نقطة الصفر، بحيث تصبح الحقيقة من دون أنصار، ويغدو الحق من غير حامٍ ولا مطالب، ويمسي الباطل هو الحاكم، والظلم هو المنتشر والسائد، فلا يعثر على فرد صالح في العالم، عندها يحدث الانفجار، وتحصل الثورة، وتمتد يد الغيب لمساعدة الحقيقة ونجاتها، لا لمساعدة أهل الحقيقة والحق، لأن الحق لم يعد له أنصار، وبناء عليه، فإن أي نوع من الإصلاح مرفوض ومدان؛ لأن كل إصلاح هو نقطة مضيئة، وما دام في صفحة المجتمع نقطة من الإصلاح، فإن يد الغيب لن تظهر، وبالتالي فإن كل ذنب وفساد، وكل ظلم وقتل و...، بحكم أنه مقدمة للإصلاح الكلي، والتعجيل في وقوع الانفجار (الظهور)، فهو جائز ومشروع؛ لأن «الغايات تبرر المبادىء» (والغاية تبرر الوسيلة).

بناء على هذه القاعدة الخاطئة، فإن أفضل تعجيل للظهور، وأفضل أنواع الانتظار هو ترويج الفساد وإشاعة الظلم، بحيث تصبح المعصية فأل حسن، والذنب ممتع ومحبب، وفي نفس الوقت يساعد في تهيئة الثورة الخاتمة المقدسة!

من المؤكد، أن هذه المجموعة من الناس تنظر إلى المصلحين والمجاهدين والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر نظرة بغض وعداوة، لأن هؤلاء بنظرهم يؤخرون ظهور القائم (عج)، وينظرون من جهة أخرى إلى العاصين والعاملين على إشاعة الظلم والفساد نظرة الرضا، لأنهم يحسبونهم يهيئون مقدمات الظهور، علماً بأن هذه الفئة قد لا تكون من أهل المعاصي والفساد، لكنهم في عمق ضميرهم وفكرهم يميلون بنوع من الرضا نحو هؤلاء الظالمين، باعتقادهم أنهم يساعدون في تهيئة مقدمات الظهور.

إن آيات القرآن الكريم تشير إلى عكس هذا الفهم الخاطىء، فتعد ظهور الحجة حلقة من حلقات مواجهة أهل الحق مع أهل الباطل، بحيث تنتهي بانتصار الحق على الباطل، ومساهمة أي فرد في تحقيق هذه السعادة، تكون عمليا الوقوف مع فئة أهل الحق.

والآيات التي تستند إليها الروايات الإسلامية، في هذا الشأن، تشير إلى أن المهدي الموعود (عج) هو مظهر الاستبشار الذي يُمنح لأهل الإيمان والعمل الصالح، هو مظهر النصر النهائي لأهل الإيمان، ظهوره (ع) منّة للمستضعفين والمحرومين في الأرض، ووسيلة لجعلهم أئمة، ومقدمة ليرثوا الأرض ويكونوا خلفاء فيها.

إن ظهور المهدي الموعود (عج) هو وعد إلهي حتمي التحقق، بشر الله سبحانه وتعالى به الصالحين والمتّقين في الكتب السماوية منذ العصور القديمة، وأن الأرض لهم وملكهم، وأنها في النهاية تعود إليهم، فهي حق لهم.

إن الحديث المعروف «يملأ الله به الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً»، هو الشاهد على ما ندّعي، لا على ما تدّعي تلك الفئة، ففي هذا الحديث، يتحدث عن الظلم والظالم، وهذا يستلزم وجود مجموعة مظلومة، ويوصل إلى النتيجة التالية: إن قيام المهدي (عج) هو من أجل حماية المظلومين الذين يستحقون الحماية، فلو كان الحديث «يملأ الله به الأرض إيماناً وتوحيداً وصلاحاً بعدما ملئت كفراً وشركاً وفساداً»، فمن البديهي أن لا يستلزم وجود مجموعة تستحق الحماية، وفي تلك الحالة يستنبط أن قيام المهدي الموعود (عج) هو من أجل خلاص الحق المسلوب ونجاته، أي العودة إلى الصفر، وليس من أجل فئة أهل الحق، ولو بصورة أقلية في الأرض.

ينقل الصدوق رواية عن منصور قال: قال لي أبو عبد الله (ع) : «يا منصور إن هذا الأمر لا يأتيكم إلاّ بعد أياس، ولا والله حتى تَميَّزُوا، ولا والله حتى تمحّصوا، ولا والله حتّى يشقى من يشقى ويسعد من يسعد». (69).

إذن، الحديث يتكلم عن فئة سعيدة وفئة شقية، وأن كل فئة ستبلغ منتهاها وغايتها.

في الروايات، حديث عن مجموعة من المؤمنين وهم «الخلاصة»، خلاصة الناس ممن يلتحقون بالإمام المهدي (عج) فور ظهوره، والبديهي أن هذه الخلاصة من المؤمنين لا يُخلقون فجأة، بل هم يعيشون بين الناس، ومعلوم أن في وسط المحيط الفاسد وفي عين إشاعة الظلم وترويج المنكرات، هناك روضة محصنة تربَّت فيها تلك المجموعة الخالصة، ونشأت نشأة إيمانية منزهة، وهذا لا يدل فقط على أن الحق والحقيقة لم تصل إلى حالة الصفر، بل تستلزم وجود أهل الحق، وإن لم يكن من ناحية الكمية، إنما من جهة الكيفية، فهي تحمل قيمة عظيمة، إنهم أهل الإيمان وفي صف أصحاب سيد الشهداء (ع). (70).

إن ظهور الإمام الموعود (عج) منّة على المستضعفين، ومقدمة حتى يرثوا الأرض، ويقيموا خلافة الله عليها، وانتظار الفرج يعني أن نكون في ركاب الإمام المهدي (عج) عند ظهوره، وفي خدمته لإصلاح الدنيا. (71).

 

س 49: هل يمكن قبول الفكرة القائلة بأن الإنسان قد يتحول إلى حيوان، وبشكل عام قبول فكرة «المسخ»، وكيف تصبح صورة الإنسان؟

ج: من بين الأمم السالفة هناك أقوام مسخوا على اثر ارتكابهم ذنوباً كثيرة، وتعرضهم لغضب أنبياء عصرهم ولعنتهم، فتبدلوا إلى حيوانات، كالقرود والذئاب، والدببة، وهذا ما يسمى» بالمسخ»، لكن السؤال هل تبدلت أجسادهم فعلاً إلى أجساد حيوانات؟ وبأي صورة تمّ المسخ واقعاً؟

من المسلم به أن الإنسان إذا لم يتبدل إلى حيوان من الناحية الجسدية فرضاً، فإنه من الناحية الروحية والمعنوية ممكن من دون شك، فتحول الإنسان معنوياً إلى حيوان أمر مؤكد، بل إنه يتبدل إلى نوع من الحيوانات لا يوجد مثيل له في العالم الحيواني، من جهة الدناءة والقذارة والانحطاط النفسي.

القرآن الكريم يعبّر بـ {بَلْ هُمْ أَضَلُّ} (72) أي أسوأ من البهائم، إذن يمكن أن يتحول الإنسان من الناحية الروحية إلى حيوان؟ نعم، هذا أمر مؤكد، لأن شخصية الإنسان إنما ترسمها وتحددها خصائصه الأخلاقية والنفسية، فإن كانت خصائص الإنسان الأخلاقية والنفسية خصائص أخلاق حيوان ضارٍ، وخصائص نفس بهيميّة، عندها تكون حقيقة» المسخ»، أي تمسخ روحه إلى حيوان، فجسم الخنزير مثلا تتناسب مع روح الإنسان في تلك الحالة، بحيث يمكن أن تكون جميع خصاله وخصائصه النفسية خصال الخنزير وخصائصه، فإذا وصل الإنسان إلى هذا المستوى من التدني الروحي عندها يمسخ من إنسانيته وآدميته، ففي المعنى وحقيقة الباطن، وفي العين التي ترى الحقيقة، وفي الملكوت أيضاً، ليس سوى خنزير.

إذن، الإنسان الناقص قد يصل أحيانا إلى درجة الإنسان الممسوخ، قد نكون سمعنا القليل عن هؤلاء، وقد يظن البعض أن هذا الأمر ليس سوى خيال، وأن المسخ أمر محض مجاز وغير قابل للتصديق، لكنه في الواقع حقيقة.

ينقل عن ابن شهر آشوب أنه قال: قال أبو بصير للباقر (ع) : ما أكثر الحجيج وأعظم الضّجيج؟، قال (ع) : بل ما أكثر الضجيج وأقلّ الحجيج، أتحب أن تعلم صدق ما أقوله وتراه عياناً؟، فمسح بيده على عينيه ودعا بدعوات فعاد بصيراً، فقال: أنظر يا أبا بصير الى الحجيج. قال: فنظرت فإذا أكثر الناس قردة وخنازير والمؤمن بينهم كالكوكب اللاّمع في الظلماء، فقال أبو بصير صدقت يا مولاي، ما أقلَّ الحجيج وأكثر الضَّجيج، ثمَّ دعا بدعوات فعاد ضريراً، فقال له أبو بصير: في ذلك. فقال (ع) : ما بخلنا عليك يا أبا بصير، وإنّ الله تعالى ما ظلمك، وإنما اختار لك وخشينا فتنة الناس بنا، وأن يجهلوا فضل الله علينا، ويجعلونا أرباباً من دون الله، ونحن له عبيد لا نستكبر عن عبادته، ولا نسأم من طاعته، ونحن له مسلمون.

المسألة في نظر أهل الباطن والمعنى واضحة وضوح الشمس، فإذا لم تتقبل أذهان البعض هذه القضية، فإنهم خاطئون. نعم، هناك في زماننا الحاضر أشخاص كانوا وما زالوا يستطيعون رؤية حقيقة البشر وإدراكها.

إن الإنسان الذي يشبه البهيمة، ولا يفكر سوى بطعامه ومنامه وشهواته الجنسية، ولا يحمل فكراً آخرا سوى هذا الهوس تكون روحه بهيمية ليس أكثر. وحقيقة الأمر أن باطن هكذا إنسان يمسخ وتمسخ فطرته أيضا، بمعنى أن خصاله البشرية والإنسانية قد سلبت منه كلياً، وكسب بدلاً منها- وبإرادة ذاتية- خصال الحيوان.

في سورة النبأ نقرأ أن الناس يوم القيامة يبعثون ويحشرون فرقاً فرقاً، ومجموعات مجموعات، {يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً} (73). ويقول علماء الدين أن مجموعة واحدة تحشر يوم القيامة على هيئة بشر، وبقية الفرق تحشر على هيئة حيوانات، فرقة بصورة عقارب، وفرقة بصورة أفاعي، وأخرى بصورة ذئاب. (74).

 

س 50: كيف ينظر الإسلام إلى مسألة «أيام السعد وأيام النحس» وبشكل عام السعد والنحس؟

ج: لم نجد أبداً أن الرسول (ص) وأئمة أهل البيت (ع) استفادوا- عمليا ولو بمقدار ذرة- من هكذا أحاديث، بل نرى عكس ذلك.

ويمكننا أن نفهم من مجموعة الأحاديث الشريفة التي وصلتنا من أهل البيت (ع)، أن هكذا مسائل «السعد والنحس» ليس لها أثرٌ أساساً، وإن كان لها أي أثر فبالتوكل على الله سبحانه والرسول وأهل بيته (ع) يزول أثرها، بناء عليه، فإن الإنسان المسلم الشيعي لا يجب أن يعتني بهذه الأمور مطلقاً، فإن كان على سفر تصدَّق وتوكل على الله عز وجل وتوسل بأولياء الله تعالى ولم يتوجه إلى هذه المسائل أبداً.

الإنسان المسلم لا يجب أن يتعب فكره بمثل هذه الموهمات والترهات، وإلا فلماذا التوكل؟ فنحن نلهج بالتوكل والتوسل ثم نخاف من قطة سوداء. الإنسان المتوكل والمتوسل، خصوصاً، من يقول بالتوسل والولاية لا يمكن أن يهتم بأمثال هذه الأحاديث والأوهام، من يقول بالتوسل لا يقول بهذه المهملات. (75).

 

س 51: هل القول بالحظ والإقبال يعد من الاعتقاد بالخرافات؟

ج: إذا كان البشر واقعيين حقيقة، ونظروا إلى المسائل من باب العلة والمعلول، وأدركوا العلاقة بينهما وبين الحوادث والقضايا التي تحصل في العالم، وإذا تفكروا قليلاً في قضايا العالم بشكل علمي، وأعملوا عقولهم وأفكارهم لأدركوا أن مسألة الحظ «البخت» ليست سوى خيال ووهم شيطاني، فالعقل لا يعترف بالحظ، وكذلك الدين. والله تعالى لم يخلق أحداً بالذات سعيد الحظ أو سيء الحظ.

لا يوجد إنسان معروف الحظ مسبقاً، أو إنسان أبيض الحظ غير قابل للسواد، أو أسود الحظ غير قابل للبياض، فحظ الإنسان هو نفس صفحة روحه ومرآة قلبه؛ هذه الصفحة قابلة لأن تصقل وتكون بيضاء، أو تكدّر وتكون سوداء، فالعلم والمعرفة والإيمان والتقوى والمداومة على العمل الصالح يجعل هذه الصفحة بيضاء نقية مصقلة نورانية، والجهل والخرافات والتعصب والفسق والفجور يجعلها مظلمة وسوداء ومكدّرة. (76).

 

س 52: نرى في بعض المحافل والأماكن صوراً أو مجسمات تمثل الإمام علي (ع) وسيف ذي الفقار و غير ذلك، ما هو رأيكم فيما يتعلق بهذه الصور؟

ج: الامام علي (ع) شخص بهذه العظمة، أصبح في نظر البعض منا شخصية عجيبة محرّفة، فبعض الناس يعرفون أمير المؤمنين (ع) فقط بعنوان البطل الشجاع، وأحياناً نرى بعض الصور المنتشرة- لا نعرف على يدي من لكن حتماً هم مغرضون- تمثل الإمام (ع) أو صوراً تمثل سيف «ذو الفقار» على شكل لسان الأفعى ذي الشعبتين، أو سواعد وهيئة... بحيث لا يدري الإنسان من أين اقتبست هذه الصور؟

أولاً: صورة الإمام علي (ع) والرسول (ص) أو مجسمهما لم يكن في العالم مطلقاً.

ثانياً: الإسلام حارب هذه المسائل من أجل مواجهة عبادة الإنسان للإنسان، فالمسلمون لم يقدموا على هذا العمل، والعالم الأوروبي الذي ترونه اليوم لم يكن حينها بهذا التقدم؛ بل كان في أدنى التخلف والوحشية. إذن أين كانت صورة علي (ع) حتى أخرجوها لنا اليوم؟ هذه الصورة بهيئتها العجيبة التي تطل علينا، بحيث أن الإنسان لا يمكنه أن يصدق أن هذه صورة علي (ع)، ذاك الرجل العابد، صورة علي (ع) ذلك الرجل الذي يقضي ليله باكياً من خشية الله تعالى، لأن صورة الرجل العابد، الرجل المتهجد والحكيم والقاضي والأديب شيء آخر، وليست تلك الصور التي نراها في زماننا الحاضر. وإذا تناولنا علماءنا الكبار، على سبيل المثال، فإنهم قد رسموا في أذهانهم صوراً وهيئة مغايرة كلياً عن تلك الموجودة. (77).

الإسلام ليس من أنصار شعار الصورة، وهذه الصور الموجودة في الأسواق والمحافل، والتي تمثل الرسول (ص) والأئمة (ع) وتباع على هذا الأساس، ليس لها أساس من الصحة في الإسلام، والإسلام من البداية لم يرغب بهذه المسألة، ولم يكن لديه أي ميل تجاهها، بل كان مخالفاً لها. (78).

 

س 53: من هو الشهيد؟ وهل هناك من أشخاص قدموا للمجتمع والبشرية خدمة أكبر من خدمة الشهداء؟

ج: الشهيد هو الشخص المضحي الذي يفدي الآخرين بنفسه، بحيث يحترق كالشمعة، ويجعل من عظامه رماداً في سبيل المساعدة في إيجاد محيط مناسب لغيره.

الشهيد هو شخص يملك روحاً كبيرة، روحاً تضع أمامها هدفاً ساميا ومقدساً، وهو الشخص الذي يقدم نفسه في سبيل العقيدة، هو الانسان الذي يجاهد ويناضل في سبيل الحق والحقيقة والفضيلة، ولا يريد شيئا لنفسه، ولم يعمل لها.

الشهيد هو الذي يمنح دمه قيمة حقيقية، هو الذي يعطي ثروته قيمة كبيرة، وبدلاً من ادخارها في البنوك فإنه يصرفها في طريق الخير.

هناك شخص يمنح فكره قيمة، فيتعب ويجهد ويؤلف كتاباً مفيداً، أو يوجِدُ أثراً علمياً يكون ذا فائدة وقيمة كبيرة، وآخر يعطي لدمائه قيمة، ويفدي البشرية بدمه، فمن يقدم خدمة أكثر؟ لعل البعض يعتقد أن العلماء والمخترعين والمكتشفين وأصحاب الثروات هم أكثر من يقدم للبشرية الخدمات، أبداً، لا يوجد شخص يقدم للبشرية خدمة أكثر وأكبر من الشهداء، أو حتى بحجم خدمتهم، فهؤلاء هم الذين يفتحون الطريق ويمهدونه للآخرين، ويقدمون الحرية هدية للبشر، هم يوجدون العدالة حتى يستطيع العالِمُ أن يشتغل بعلمه، والمخترع أن يعمل باطمئنان وراحة بال، والتاجر ليتاجر بأمان، والطالب أن يدرس من غير قلق، وكل فرد أن ينجز عمله، فالشهيد هو من يهيئ المحيط المناسب للآخرين.

الشهيد مثل شمعة مشتعلة مميزة، خدمته من نوع الاحتراق والفناء، يمنح النور في مقابل الفناء، يعطي الآخرين الضوء مقابل الاحتراق والعدم لكي يجلس الآخرون براحة، ويعملون باطمئنان، نعم إن الشهداء هم شموع محافل البشرية، إنهم يحترقون ويضيئون محفل الوجود.

ومنطق الشهيد هو ذاك التركيب العجيب الذي يتألف من شوق العارف العاشق لله سبحانه وتعالى إذا امتزج وتآلف مع منطق المصلح، منطق الشهيد منطق الاحتراق والنور، منطق الحل والجذب في المجتمع من أجل إحياء المجتمع، منطق نفخ الروح في أعضاء القيم الإنسانية الميتة، منطق الحماسة. إن أكبر ميزة للشهيد هي إيجاد الحماسة، الشهيد إذا سقط فإن كل قطرة من دمه تتبدل إلى عشرات القطرات وآلاف القطرات، بل إلى بحر من الدماء وتضخ الحياة في عروق المجتمع وبدنه.

الشهادة تكسب قدسيتها من أنها فداء وتضحية في سبيل هدف مقدس، لكنها تضحية تنبع من وعي الشهيد وإدراكه بتمام وجوده وكيانه، من هنا تأتي قدسية الشهادة.

والشهادة من منطلق أنها عمل واع واختياري، وفي سبيل هدف مقدس ومنزهة من أي دافع لمنفعة شخصية، ومبرّأة من أي نوع من الأنانية، فهي عمل بطولي وممجد ومحل للاكبار والافتخار.

إن الشهداء هم الشعاع الساطع، والشمع المضيء في حياة المجتمع، ولو لم يكن شعاعهم ونورهم وضاءً في ظلمات الاستبداد، لما استطاع البشر من الوصول إلى مكان. بعد الأنبياء والأوصياء، وبعد العلماء السائرين حقاً على نهج الأنبياء والأوصياء يأتي الشهداء الذين نجّوا البشر على امتداد التاريخ، وأوصلوهم إلى الصراط القويم، والطريق المنير، وما البكاء على الشهيد إلا مشاركة في تلك الحماسة الجهادية، والتوافق مع روحه، والتناغم مع حركة أمواجه. (79).

 

س 54: أيٌّ فرع أو أصل في الدين يعدُّ ضمانة لبقاء الدين وحفظه؟

ج: الأصل الوحيد لبقاء الدين هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهو السبب الأهم لحفظ الإسلام وبقائه، والحقيقة أنه لو لم يكن هذا الفرع لما كان هناك دين إسلامي، لكن ماذا يعني الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يعني المواساة، التوحد، التعاون، التضامن، التوافق، التعرّف، اليقظة، الفطنة والقدرة.

إن الذي طرح هذا الأصل، ومنذ اليوم الأول، كان يعلم أن هذا الدين هو دين اجتماعي، وليس ديناً فردياً، ولا دين الصومعة والدير.

والجدير ذكره أن من عاشوا دهراً في الصوامع والأديرة هم اليوم يتوحدون ويتشكلون ويبحثون عن المواساة، أما نحن الذين ندين بدين اجتماعي حياتي يقول بالتوحد والتعاون والتسامح والإلفة، نميل اليوم إلى الانفراد والانفصال والتفرق.

من هنا كيف يمكننا أن نعود إلى قيمنا، ونعيش كأمة لها قيمها، ونعيد لها الاعتبار والعزة والحيثية؟.

إن جواب هذه المسألة يطرحه القرآن الكريم، {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} (80)، إذن أنتم أفضل الأمم وأقيمها لكن بشرط: {تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ} (81)، إن كنت تريد أن تعطي نفسك قيمة، وتجد لها العزة والقيمة عند الرسول الأكرم (ص) فعليك بالعمل بهذا الأصل.

إن كنت تريد كسب احترام الأمم الأخرى، وتجد لذاتك قيمة عندها، فاعمل بهذا الأصل «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»، شارك الآخرين في آلامهم، تضامن مع الآخرين، أحْيِ الأخوّة والتآخي، تجنب الضعف واللامبالاة والغفلة، فإن الغفلة تعني أن تكون من غير يقظة وفطنة، تعني أن تكون أحمقاً وجاهلاً، واللامبالاة تعني أن تكون ضعيفا من غير قدرة. (82).

 

س 55: أيهما أكثر تأثيرا في إطار القيام بأصل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، العمل الفردي أم الجماعي؟

ج: من المعروف إلى الأمر بالمعروف يكون إما باللفظ وإما بالعمل، فاللفظي منه أن يقوم الإنسان بشرح الأعمال الحسنة، وبيان المسائل الجيدة للناس، وتفهيمهم ما هو عمل الخير. أما القسم العملي منه، فإن الإنسان لا يجب أن يكتفي بالقول، لأنه غير كاف، مع أن القول هو شرط لازم، لكن ليس كافياً بل يجب العمل.

على أنه يجب الالتفات إلى مسألة مهمة، فبالإضافة إلى القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإدخال العمل الاجرائي في هذا الأمر، فإن العمل الفردي ليس بذي فائدة كبيرة خصوصاً في أيامنا الحاضرة.

هناك مشكلة في حياتنا الاجتماعية، لأن أهل العمل لا يهتمون بالعمل الاجتماعي، وهم ينظرون إلى المسائل نظرة أحادية فردية، لا يمكن الاعتماد على العمل الفردي، ولا على الفكر الفردي، ولا على التصميم الفردي، ومن اللازم القيام بالعمل الاجتماعي والمشاركة والتعاون وتوحيد الأفكار والآراء.

إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، سواء اللفظي منه أو العملي، يكون على نحوين: مستقيم، وغير مستقيم. فتارة يكون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بشكل مباشر، فتقوم بالتكلم مع الشخص مباشرة، وتارة يكون بشكل غير مباشر، فتقوم بتفهيم الشخص بأسلوب التمثيل أو الكناية أو الإشارة من دون التكلم مباشرة، وهذا النوع أكثر إفادة وتأثيراً من النوع الأول.

على أن أفضل الطرق لمن يريد القيام بهذا النوع من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر «الغير مباشر»، أن يكون الفاعل انسانا صالحاً ونقياً، و من أهل العمل والتقوى، عندما تكونون كذلك، سوف تجسّدون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتكونون المثال والأنموذج. (83).

 

س 56: هل يجوز توسل العنف والقوة سبيلا لتحقيق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟

ج: ورد في الأخبار والأحاديث أن للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ثلاث مراتب: مرتبة القلب، مرتبة اللسان، ومرتبة اليد والعمل.

نحن عادة، بدل أن نفهم من مرحلة القلب الإخلاص وحسن النية والعلاقة بمصير المسلمين، ندرك الغضب والعصبية والهيجان الغير مناسب، وفي مرحلة اللسان، بدل أن نفهم الكلام الحسن والواضح والبيان المنطقي، حيث يقول القرآن: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} (84)، نفهم موعظة التحكم ونصيحة التسلط، وفي مرحلة اليد والعمل، بدل أن ندرك التبليغ العملي وحسن العمل والتدابير العملية، فإنا نتوسل القوة والعنف.

إن أول درجة من مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: الهجر والإعراض؛ فعندما ترى شخصاً يرتكب المنكرات والأعمال القبيحة، وتريد منعه ومواجهة أعماله القبيحة، اهجره واقطع العلاقة والمودة معه، وأعرض عنه، ففي بعض الموارد قد يبتلى الإنسان بعادات قبيحة، فإن كانت صداقتك له بمنزلة الترغيب والتشجيع على ارتكاب هكذا أفعال، عليك قطع هذه الصداقة، وهذا من باب الزجر الروحي والمعنوي وبمثابة التأديب، وبالتالي فقطع العلاقة والهجر والإعراض، يكون واجباً وهذه الدرجة الأولى.

الدرجة الثانية: التي ذكرها العلماء مرتبة اللسان، وهي مرحلة النصيحة والموعظة والإرشاد.

أما الدرجة الثالثة: وهي مرتبة العمل، في هذه المرحلة يجب المباشرة بالمنع عمليا، لأنه في بعض الموارد قد لا يؤثر الهجر والإعراض، ولا يمكن للمنطق والبيان أن يردع الإنسان من ارتكاب المعاصي والمنكرات، ولا بد من العمل.

إن الدخول في العمل، لا يعني إعمال العنف والقوة فقط، ولا الضرب والجرح، وهذا لا يعني أيضا أنه لا يمكن الاستفادة من التأديب العملي.

إن الإسلام من أنصار الحد والتعزير، أي أنه دين يعتقد بالمراحل والمراتب، بحيث يتدرج في المراتب إلى مكان لا يمكن فيه ردع المجرم إلا بالتأديب العملي، ولا يمكن لغير التأديب أن يردّه عن غيّه.

غير أن الإنسان لا يجب أن يقع في الخطأ، فيتصور أن جميع المسائل بحاجة إلى إعمال العنف والقوة. (85).

 

س 57: هل لباب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حد مرسوم، وبشكل عام هل لهذا الأصل المهم والمتدرج في المراتب حدود واضحة ومحددة؟

ج: كلا إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يعرف حدوداً؛ بل حدّه وشرطه المفسدة، فمن يقول أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مشروط بعدم المفسدة إنما يقول الصواب، وإذا عدّ الضرر بمعنى المفسدة فأيضاً صحيح. وقد يجلب القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر- الذي هو خدمة للإسلام- مفسدة على الإسلام، لا مفسدة على الشخص؛ مفسدة تكون أكبر من الخدمة التي يراد تقديمها للإسلام من هذا الطريق.

نعم أنا أقبل مسألة ترتُّب المفسدة، لكني لا أقبل الضرر الشخصي كحد للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولو تعلق بأي موضوع، والدليل أن الإمام الحسين (ع) لم يقبل ذلك. في نهضة الإمام الحسين (ع) لا يبقى لهكذا كلام من معنى أو مكان، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يعرف حدوداً. (86).

 

س 58: إن واقعة عاشوراء منبرٌ من نور، برأيك ما هي العناصر الأساسية والدلائل الأصلية في تشكّل هذه الواقعة؟

ج: تدخل في بناء نهضة الإمام الحسين (ع) المقدسة، ثلاثة عناصر أساسية، هي عوامل أصلية شكلت هذه الحادثة العظيمة.

العامل الأول: طلب يزيد بن معاوية بعد موت أبيه مباشرة البيعة من الإمام الحسين (ع) ولو بالقوة؛ لكن الإمام امتنع عن بيعة يزيد. من هنا بدأت المواجهة العلنية والشديدة بين الحق المتمثل بالإمام الحسين (ع) من جهة، والباطل المتمثل بيزيد من جهة أخرى.

العامل الثاني: هي هجرة الإمام (ع) إلى مكة بعدما وُضِع في موقع أخذ البيعة منه، بحيث كان يزيد يصر على أخذها والإمام (ع) ينكرها.

بعد وصول الإمام (ع) إلى مكة، وإقامته فيها لنحو شهرين، وصل الخبر إلى أهل مكة فرجعوا إلى أنفسهم، ودعوا الإمام (ع). وبعكس ما نسمع غالباً أن دعوة أهل الكوفة هي السبب في ثورة الإمام الحسين (ع)، هذا خطأ، والصواب أن قيام الإمام الحسين (ع) ونهضته هي السبب في دعوة أهل الكوفة، وليس صحيحاً أن الإمام (ع) قام بعد دعوتهم له.

الإمام (ع) قام وثار في وجه يزيد، وتحرك نحو مكة، وأعلن مخالفته ليزيد، وقد اطلع أهل الكوفة على هذه النهضة، وبما أن الأسباب في الكوفة كانت مهيأة نسبياً، تجمع الناس وتحركوا ودعوا الإمام (ع).

العامل الثالث: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فالإمام (ع) كان يكرر باستمرار، ومن دون ذكر مسألة بيعة يزيد أو دعوة أهل الكوفة، أن هذا العنوان أصل مستقل وعامل أساسي، وقد استند الإمام (ع) إلى هذا المطلب. (87).

 

س 59: ما هو دليل إصرار الإمام الحسين (ع) على حضور أهل بيته الأطهار في كربلاء ومشاركتهم مصابه الدامي؟

ج: من الواضح أن جميع من حضروا مع الإمام (ع) في كربلاء ومن لم يحضروا كانوا يعلمون الأخطار المحدقة بهذا السفر، لذلك يمكن القول، أن جميع من أتوا الإمام (ع) قبل سفره، وأبدوا آراءهم في مسألة سفره وإخراجه لأهله وعياله معه، كانوا يعدّون حضور عيال الإمام وأهل بيته (ع) وسفرهم برفقته إلى أرض كربلاء خلافاً للمصلحة، فبحسب تشخيصهم للمصلحة، وبحسب مستوى منطقهم العادي، وعلى أسس حفظ النفس وحفظ الإمام وأهله (ع) من الهلاك، اتفقت آراؤهم جميعاً على أن ذهابه إلى العراق خطر كبير، وليس فيه مصلحة؛ أي أن روح الإمام (ع) في خطر، فكيف بخروجه مع عياله وأهل بيته (ع) ؟ لكن جواب الإمام (ع) كان قاطعاً لجهة حملهم معه.

إن جواب الإمام (ع) لم يترك لهم كلاماً آخراً، بحيث بيّن لهم المسألة بوضوح، وأظهر جانبها المعنوي والروحي. نحن نعلم جميعاً أنه استند إلى رؤيا بالغة الوضوح، وكانت بحكم الوحي القاطع؛ رأيت في عالم الرؤيا جدي يقول لي: «إن الله شاء أن يراك قتيلاً». إذن لماذا تأخذ معك أهل بيتك، فكان الجواب وقال لي أيضاً: «إن الله شاء أن يراهنّ سبايا». يعني أن المصلحة ورضا الله تعالى اقتضيا أن أكون شهيداً، وأهل بيتي يكونوا أسرى وسبايا، ورضا الله تعالى دائما في المصلحة، والمصلحة تعني في هذه الجهة كمال الفرد والبشرية. في مقابل هذا الكلام لم يبق كلام آخر، ولم يستطع أحد أن ينطق بحرف، فإن كان جدك قال لك هذا الكلام في عالم المعنى والرؤيا، فليس لنا أي كلام في مقابله.

لقد سمع الجميع هذه الكلمات من الإمام الحسين (ع)، ولم يسمعوا أن الإمام (ع) قال أن هذا الأمر مقدرٌ محتوم، ولا يمكنني التمرد عليه. عندما كانوا يسألونه لما تخرج معك عيالك وأهل بيتك، لم يكن جوابه أني لا أملك الخيار في ذلك، بل كان يقول، لقد حددت الأمر بناء لإلهام جاءني في عالم الرؤيا، وأنا أقوم بذلك بكل اختياري بناء للمصلحة والرضا الإلهي. (88).

 

س 60: لقد صارت دماء الإمام الحسين (ع) وأصحابه منارة، وقبلة لأهل السماء والأرض، لكن برأيكم ما الهدف الأصلي من إقامة مجالس العزاء والبكاء على الحسين (ع) في أيام عاشوراء؟

ج: إن عاشوراء هي يوم تجديد حياتنا، في هذا اليوم نريد أن نغتسل ونتطهر في ماء الكوثر الحسيني، ونجدّد الحياة، أن نغسل أرواحنا ونطهّرها ونُحيي أنفسنا. في يوم عاشوراء نستقي من جديد تعاليم الإسلام ومبادئه، وتتدفق روح إسلامية جديدة في أبداننا، في هذا اليوم لا نريد أن ننسى أو يغيب عن ذاكرتنا حسّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا الإحساس بالشهادة والجهاد، ولا التضحيات العظام التي قدمها الإمام (ع) وأصحابه في سبيل الحق، لا نريد أن تموت فينا هذه الإحساسات والقيم.

وفلسفة عاشوراء لا تعني ارتكاب المعاصي، ثم التوسل بالإمام الحسين (ع) وطلب الشّفاعة والمغفرة، لا تعني مطلقاً أن نعصي الله تعالى ونرتكب الآثام، ثم نحضر مجالس أبي عبد الله (ع) ونقول جيد لقد غفرت ذنوبنا وآثامنا وبالتالي تعلقت أرواحنا بروح الإمام الحسين (ع). (89).

 

س 61: هل يمكن أن تكون وقائع ثورة الإمام الحسين (ع) قد تعرضت إلى التحريف أثناء شرحها وإقامة مجالس العزاء وتناقل أخبارها بين الأجيال؟

ج: يقول المرحوم الحاج ميرزا حسين نوري «أعلى الله مقامه» أستاذ المرحوم الحاج الشيخ عباس القمي وهو أستاذ محدّث متبحّر في العلوم: من أراد البكاء على الحسين (ع)، ومن أراد ذكر مصيبته، فليبك على مصائب الحسين (ع) الجديدة، فليبك على تلك الأحاديث والأحداث الملفقة التي تُنسب إلى الحسين (ع). إن المصائب الجديدة هي كل تلك الأحداث الغير صحيحة التي تنقل في مصائب أبي عبد الله الحسين (ع)، ولا يكذبها أحد مهما كان شأنه.

من أهم القضايا المعروفة والتي لم يشهد عليها التاريخ قصة ليلى أم علي الأكبر (ع) ؛ طبعا علي الأكبر (ع) كان له أم تدعى ليلى، لكن لم يذكر المؤرخون أنها كانت في كربلاء، وفي الواقع، ليلي لم تحضر إلى كربلاء، ولم تشهد تلك الواقعة، لكن كم من القارئين والمحدثين يقرأون مصيبة ليلى وعزاءها بولدها، كم يقرأون مجالس مجيئها إلى مضجع ولدها ومصابها به.

وأكثر من ذلك، يقولون أنه في حر كربلاء، حيث لا مجال حتى لإقامة الصلاة في تلك الظروف، وحتى أن الإمام الحسين (ع) صلّى فيها صلاة الخائف، يطلب الإمام (ع) عقد قران القاسم وإقامة مراسم العرس المعروفة «بعرس القاسم». نعم ينقلون أن الإمام في ذلك الموقف العظيم أراد عقد قران إحدى بناته على القاسم (ع)، والقاسم ما زال فتى (13 سنة) من العمر.

بالله عليكم هل تقبل امرأة مزارعة في قرية نائية هذا الكلام؛ نعم إن هذه المسألة هي من الأشياء التي تقرأ في مجالسنا القديمة، ولا يمكن فصلها عن واقعة كربلاء، في حين أن هذه الحادثة لم تنقل في أي من كتب التاريخ المعتبرة، لكن الناس يتناقلون هذه القضية، وأن الإمام (ع) في حر تلك الواقعة أراد إقامة تلك المراسم وعقد قران ابن أخيه القاسم.

جاء في كتاب أسرار الشهادة، أنه اجتمع في ساحة كربلاء مليون وستماية ألف شخص من أنصار عمر بن سعد لقتال الحسين (ع) من أين أتى هؤلاء، وهؤلاء كانوا من الكوفة، أيُعقل هذا الأمر؟.

وينقل نفس الكتاب، أن الإمام الحسين (ع) يوم عاشوراء قتل بنفسه ثلاثماية ألف من الأعداء، في حين أن القنبلة الذرية التي ألقيت على هيروشيما لم تقتل أكثر من ستين ألفاً. لقد قمت بعملية حسابية، فلو فرضنا أن شخصاً يحمل سيفاً، ويقتل في كل ثانية شخصاً، فإنه بحاجة إلى ثلاثة وثمانين ساعة وعشرين دقيقة لكي يستطيع قتل هذا العدد من الأشخاص. (90).

 

س 62: يقول أحد العلماء المعروفين أن ما جرى في أربعين الإمام الحسين (ع)، وما يتناقله المحدثون من عودة الأسرى من الشام إلى كربلاء ليس صحيحاً، في حين أن هذه الأحداث مذكورة في كتاب اللهوف للسيد ابن طاووس، وهو من كتب المقاتل المعتبرة، ما هو نظركم في صحة مسألة الرجوع في الأربعين؟

ج: في الأربعين يجتمع كل الموالين ويستمعون إلى المجالس الحسينية، ويحيون مجالس الأربعين بعودة الأسرى إلى كربلاء وملاقاتهم جابر هناك، ويروون أن الإمام زين العابدين (ع) لاقى جابر الأنصاري عند قبر الإمام الحسين (ع).

صحيح أن الكتاب الوحيد الذي ينقل هذه الأخبار هو كتاب اللهوف للسيد ابن طاووس، لكن ابن طاووس نفسه يكذب هذه الأحداث، أو على أقل تقدير لا يؤيدها، وهي غير موجودة في أي كتاب آخر ولا يقبلها دليل عقلي.

الموضوع الوحيد الذي يطرح في يوم الأربعين هي زيارة الإمام الحسين (ع)، لأن أول من زار الإمام الحسين (ع) هو جابر الأنصاري، وقد أصبحت زيارة الحسين (ع) سنّة في هذا اليوم. إذن في الأربعين زيارة الإمام ولا شيء غيره، لا عودة أهل البيت (ع) إلى كربلاء ولا تجديد العزاء، وفي الواقع طريق الشام ليس من كربلاء، وطريق الشام إلى المدينة ينفصل من نفس الشام. (91).

 

س 63: إن البكاء حياة للقلوب وقتيل العبرات استشهد لكي نبكي، برأيكم ما العمل لكي نستفيد الاستفادة المطلوبة معنوياً وروحياً من مجالس العزاء الحسينية؟

ج: لدى عامة الناس نقطتا ضعف في مسألة العزاء ومجالس الحسين (ع).

 النقطة الأولى: أن أصحاب المجالس الحسينية والمؤسسين لها، سواء في منازلهم أم في المساجد، يريدون جمع العدد الأكبر من الناس، ويكونون راضين إذا شاهدوا حشداً كبيرا في مجالسهم، وإذا لم يجتمع هذا العدد الكبير فإنهم لا يكونون راضين، هذه نقطة ضعف مهمة عند الناس.

إن هذه المجالس ليست لازدحام الناس، وهي ليست استعراضاً عسكرياً، إنما الهدف منها شيء آخر، الهدف هو معرفة الحقائق وإظهارها ومواجهة التحريفات.

نقطة الضعف الثانية عند الناس: هي إظهار العويل والنواح والولولة على مصاب الإمام الحسين (ع)، وفي آخر المجالس يجب إقامة (ذكر المصيبة)، ليس فقط للبكاء وسكب الدموع، فهذا ليس كافياً، بل إقامة المجلس من مكانه والنهوض بالعويل والنواح والواويلاه، أنا لا أقول بعدم النواح والبكاء والنهوض باللطم والتحسر، لكن أن لا يكون هذا هدفاً بحد ذاته.

أنا أقول: أن الشخص إذا كان في المسير الصحيح، وأظهر الحقائق وبيّن الوقائع من دون أن يقرأ مصيبة كاذبة، أو أن يزوِّر الوقائع، ومن دون تحريف، بل بكى بصدق وذرف الدمع من عين ترى الحقيقة، وأقام العزاء والنواح، وعقد مجلسا كربلائياً واقعياً فهذا أمر جيد ومقبول، لكن إذا لم يكن كذلك، فنحن عندها نواجه الإمام الحسين (ع) ونحاربه، نختلق الأكاذيب ونحيكها خلافاً للواقع.

هذه نقطة الضعف عند عامة الناس، لكن ماذا يتوجب علينا في المقابل؟ الجميع مسؤولون في مواجهة هذه المسألة، وأمام الناس مسألتان هامّتان:

المسألة الأولى: واجب الناس جميعا النهي عن المنكر، فعندما يفهم الجميع ويعلمون أنه كَذِب، فعليهم ساعتئذ عدم الجلوس في تلك المجالس، لأنها حرام، لا بل يجب عليهم مواجهة تلك المجالس وإنكارها.

المسألة الثانية: السعي لإقامة مجالس كربلائية حقيقية، فقرّاء العزاء عندما يرون أنهم مهما يقولون من الحقائق لا يرضي المجلس ولا يبكي الحاضرين، وبالتالي لن يرغب الناس بقراءته ولن يَدْعوه إلى مجالسهم، يصبح مضطراً إلى إضافة أشياء غير صحيحة، واختلاق الأحداث المبكية والمحرّكة لمشاعر الناس. يجب على الناس أن يقلعوا عن هذه الأفكار، ويُخرجوا من رؤوسهم هذه التوقعات.

لكن ماذا يعني أن يكون المجلس كربلائياً؟ يعني أنكم يجب أن تستمعوا إلى مجلس عزاء حقيقي وواقعي، حتى يرتقي مستوى التفكير لديكم بشكل يمكن لروحكم أن تهتز لمجرد سماع كلمة واحدة، يعني الذوبان في روح الإمام الحسين (ع) والتآلف معها، فلو ذرفتم دمعة واحدة صادقة مع الحسين (ع) وروحكم متآلفة مع روح الحسين (ع) محلّقة معها، فقد حصّلتم مقاماً رفيعاً، أما الدموع التي تذرف عن طريق قراءة (الجزارين) - ولو كانت بمقدار البحر- فلا قيمة لها، فلماذا الصراخ والولولة، وماذا تعني؟! (92).

 

س 64: الشائع في عُرفنا أن «كلام الحق مرّ» لكن أليس في وجود الإنسان وكيانه ميول فطرية للحق والحقيقة، إذن لماذا الحقيقة في نظر الكثيرين من الناس مُرّة وصعبة، وبالتالي غير مرغوبة؟

ج: ليس من شيء حلو أو مرّ في ذاته، قبيح أو جميل، حسن الرائحة أو قبيح الرائحة، هذه أمور تخلقها أذهاننا، لكن لم تخلقها جزافا أو من دون أسس وحسابات؛ فالمقصود من الحلو والمر، الجميل والقبيح و...، أن هذه الأمور ترتبط ارتباطاً وثيقاً ببنائنا الروحي والجسدي، وما يتعلق بهما من أوضاع وأحوال وطبع ومزاج، هذا من جهة. ما يقال، من جهة أخرى، أن الحقيقة حلوة ولذيذة، فإنها كذلك لمن طبعه وروحيته سليمة، ومن غير غرض خبيث، ويرغب بالواقعية التي هي حقيقة؛ لكن بالنسبة لأصحاب الروحية المريضة والملوثة بالأغراض الدنيئة، تكون الحقيقة أحياناً أمرُّ من المرِّ ذاته، بحيث لا يمكن تحملها.

سئل الإمام علي (ع) أن يصف الإسلام، فقال «الإسلام هو التسليم» إن هذه العبارة لعظيمة حقاً، يعني أن حقيقة الإسلام ليست العناد والتعصب واللجاجة، الإسلام هو تسليم البشر في مقابل الحقيقة. (93).

 

س 65: ما هي الأسباب التي أدّت إلى قبول الإمام الحسن (ع) الصلح مع الحكومة الأموية الظالمة؟

ج: إن الأحداث التي جرت في زمن أمير المؤمنين علي (ع) من جهة، وحالة الضعف والوهن التي أظهرها أصحاب الإمام الحسن (ع) من جهة أخرى، وهذا السبب هو الأهم، بحيث لو أن الإمام (ع) أعلن المقاومة لقتل، لكن قتلة غير مشرفة، على عكس ما حصل للإمام الحسين (ع) من شهادة يفخر بها العالم. لقد استشهد الإمام الحسين (ع) مع 72 شخصاً من أصحابه وأهل بيته شهادة مشرّفة، أصبحت منارة لأهل السماء والأرض في ظروف خاصة أحيا بها الإسلام وسقاه ماء الحياة.

 في عصر الإمام الحسن (ع) سيطر الوهن والضعف على شيعته، بحيث لو استمر الوضع كذلك، وأظهر الإمام (ع) مقاومة، أو قام بثورة في وجه معاوية لسلموه إلى معاوية مقيد اليدين، لقد حكم معاوية عشرين سنة والمغيرة بن شعبة وزياد بن أبيه يفتكون بالناس قتلاً ونهباً، بعد ذلك فهم الناس أنهم كانوا على خطأ، وأنهم لم يجيبوا أمير المؤمنين علي (ع) إلى دعوته، وقيدوا حركة الإمام الحسن بن علي (ع) ولم ينصروه، لذلك، نرى أن حركة التوابين ظهرت بعد حادثة كربلاء، وأظهر نفر غير قليل من الناس الندامة والتوبة، وهؤلاء هم من اجتمعوا مع المختار لاحقاً.

هذه اليقظة وهذا التنبّه إلى ما كان يدور في حكومة بني أمية، كانت من العوامل التي هيأت الظروف المساعدة لثورة الإمام الحسين (ع).

إضافة إلى ذلك، فإن وضع يزيد كان يختلف عن وضع معاوية، فمعاوية كان يعمل بلباس النفاق، أما يزيد فعمل بلباس الكفر، كان معاوية يستر أعماله القبيحة ويخفيها، لم يكن يشرب الخمر جهاراً، ولم يلاعب الكلاب والقردة ظاهراً، فكان يجهد في حفظ ظاهره ويخدع الناس؛ لكن يزيد كان شاباً مجنونا ولم يستر أعماله بحجاب الظاهر، والناس يعدونه خليفة الرسول، وهو لا يتورع من شرب الخمر حتى الثمالى وفي حضور الناس، وكان يتجرأ على الرسول الأكرم (ص).

والحقيقة، لو أن الإمام الحسين (ع) لم ينهض في وجه حكومة يزيد الظالمة، ولو تيسر ليزيد أن يحكم عشرين عاماً كما حكم أبيه معاوية لانقرض الإسلام، ولما بقي منه لا إسم ولا رسم.

من هنا فإن الظروف كانت مختلفة، لذلك فإن ما قام به الإمام الحسن (ع) هو عينه ما قام به الإمام الحسين (ع)، وما فعله الإمام الحسين (ع) هو عين ما فعل الإمام الحسن (ع)، فقط الاختلاف في شكل العمل. (94).

 

س 66: الحق يُعطى أم يُؤخذ من وجهة نظر الدين؟

ج: هناك بعض المدارس تقول بأن الحق يُعطى؛ يعني أن الحق الذي سُلب من قِبَل الظالم يجب أن يُعاد، فإن لم يُعط لا يُؤخذ، لأن الحق يُعطى ولا يُؤخذ. وعلى هذا الأساس قامت الكنيسة المسيحية. يقال للظالم ارجع إلى الحق، ولصاحب الحق لا شأن لك بالظالم، ولا تقوم من نفسك لاسترجاع الحق، لأن ذلك بخلاف شأن الإنسانية والأخلاق، فالحق في نظر هؤلاء يُعطى.

أما البعض فيقول أن الحق يؤخذ فقط، فهل يعقل أن من يغتصب حق الناس يرجع إليهم فيعيد لهم حقهم؟ وهؤلاء يُنكِرون العاطفة والضمير والوجدان الإنساني.

لكن الأمر في نظر الإسلام يختلف، فالحق في نظره يعطى ويُؤخذ معاً؛ بمعنى أنه يجب العمل على الجبهتين من أجل الوصول إلى الحق، والمدرسة الإسلامية بنيت على هذا الأساس، فإن سلب أحدٌ حق الآخرين، يأتي الإسلام فيؤدبه ويعلمه ويربيه، وبالتالي يعدُّه لإعادة الحق، لكنه لا يقف عند هذا الحد، ففي المقابل يقول للمسلوب حقه، الحق يؤخذ ويجب عليك النهوض لاسترجاع حقك. فالإسلام لا يعترف بالشخص الضعيف الذي لا يستطيع حتى بالمطالبة بحقه ولا يقيم له وزناً، والمجتمع الذي يحوي أناساً ضعفاء النفوس إلى حد لا يمكنه المطالبة بحقوقهم، مجتمع لا يمُتُّ إلى الإسلام بصلة. (95).

 

س 67: لماذا قامت السيدة الزهراء (ع) شخصياً- مع علو مقامها و عظمة شأنها وكرامتها الرفيعة- للمطالبة بفدك والتدخل في هذه المسألة مع أنها مادية دنيوية؟

ج: يوجد موقفان في هذه المسألة وفي المسائل المشابهة لم يتم الفصل بينهما، فتارة يكون النهوض والمطالبة بالحق لأجل استنقاذه من يد غاصبيه، وهذا موقف عظيم ومكرمة رفيعة، وتارة أخرى ينهض الإنسان بسبب الجوع وملء البطن، بمعنى أن الدافع يكون صرفاً حيوانيا، فهذه مسألة أخرى.

قد يُؤْثِرُ الإنسانُ أحياناً الآخرين على نفسه ويتفضّل عليهم بحقه، وهذا أمر ذو قيمة عالية، أما من جهة أخرى، قد يغتصب الآخرون حق الإنسان بالقوة، فإذا لم ينهض الشخص المغصوب حقه لإحقاق الحق واسترجاعه، ويقعد كأن شيئاً لم يكن، ويدّعي أنه يؤثر الآخرين بحقه على نفسه، فهذا العمل منافٍ للأخلاق، ومخالف للقيم الإنسانية والدين. (96).

إن فدكاً بالنسبة إلى السيدة الزهراء (ع) لم تكن تمثل الثروة والمال، ولم تعنِ لها القيمة من الناحية المادية، لكن فدكاً كانت عنواناً لحقٍ مسلوب ومغصوب بالقوة، ويجب إحياء هذا الحق واسترجاعه، ولهذا السبب كانت فدك بهذه القيمة، بحيث تنهض الزهراء (ع) وتذهب إلى المسجد وتخطب بتلك الخطبة الغرّاء في حضور الخليفة وتدافع عن حقها، لقد دافعت عن الحق بعنوان الحارس والمحافظ على الحق، ولا يمكن إغماض العين والتسامح في الحق، بحيث يصبح الحق مسحوقاً، والتعدّي على الأموال والأرواح سنّة، لذلك فإن دفاع الإنسان عن حقه يُعد من كمال الشجاعة والمروءة. (97).

 

س 68: ألا يُعدّ التمتع بالإرث والاستفادة من التركات؛ كالأموال وغيرها مما يتركه المورث أرضية مناسبة لعدم اهتمام بعض الأفراد بالعمل، وبالتالي القعود وعدم بذل النشاط والاجتهاد لبناء عمل مثمر؟

ج: الإرث عند الغرب يتعلق عادة بالوصية، فهو يدخل في باب الوصية، في حين أن الإرث في الإسلام مختلف عن الوصية، فالوصية حق المالك، أما الإرث فهو حكم فرضي إلهي، خارج اختيار المورِّث.

عند الغرب يمكن للشخص أن ينقل جميع ممتلكاته بعنوان الإرث إلى من يرغب من الناس، حتى إلى الحيوان، كالكلب والقطة المحببة إليه مثلاً، أما في الإسلام، فلا يوجد مثل هذه الحرية في انتقال الإرث فالثروة- شاء المورّث أم لم يشأ- تقسم بين الورثة والأبناء والوالدين والزوجة بنسب معينة ومحددة.

قد يعتقد البعض إن الإرث هو مال مجاني ساقه الله تعالى، وبالتالي يصبح الوارث عطّالاً بطّالاً من دون عمل بسبب سوء التربية والتعليم، وهذا الأمر مبني على فكرة خاطئة بأن العامل الوحيد والمحرّك لنشاط الإنسان واجتهاده هو الحاجة والفاقة؛ فالإنسان يجب أن يبقى محتاجاً إلى لقمة العيش حتى يعمل ويجد، وبغير ذلك يجلس من دون عمل، وتكون النتيجة الكسل والفساد.

لكن الحقيقة أن الإنسان الفعّال واللائق للعمل ينشأ من التربية الصالحة، والمحيط السليم، والرغبة بالملكية الشخصية، والإحساس ان محصول أتعابه وإنتاجه يتعلق به شخصياً.

قد نرى الكثيرين في المجتمع من الأشخاص المحتاجين، لكنهم كسالى وفاسدون أخلاقياً وعملياً، وقد نرى في المقابل أشخاصاً آخرين من الأغنياء لكنهم يعملون بجد واجتهاد. إن من الخطأ جعل الحياة تبدأ من الصفر، لا من عدد ما «أو مكان ما» من أجل دفع الناس إلى العمل والجد والنشاط.

إن الخطأ يبدأ من هنا، حيث نرى في بعض المجتمعات الفاقدة للتربية والتعليم الصحيحين، ان غالب الورثة يصبحون تعساء، كسالى، وسيئي الحظ، فيعتقد البعض أن هذه التعاسة سببها الإرث وعدم العمل، متجاهلين أن السبب الحقيقي هو فقدان التربية والتعليم الصحيحين؛ لذلك نرى أن هكذا أحداث لا تحصل في المجتمعات التي تنعم بتربية وتعليم كافيين. (98).

 

س 69: كيف ينظر الإسلام إلى المسائل الاقتصادية وبأي عنوان يراها؟

ج: الاقتصاد السليم هو الاقتصاد القائم بالذات لا بالغير، ومن دون نقص. من الأصول الأولية للاقتصاد السليم قابلية الحياة ونموّ الثروات وتطورها.

من وجهة نظر الإسلام، فإن الأهداف الإسلامية غير قابلة للتأمين من دون اقتصاد سليم، فالإسلام يرفض أن يتسلط غير المسلم على المسلمين، أو يكون متنفّذاً في البلاد الإسلامية. وهذا الهدف يكون ميسراً عندما لا تكون الأمة الإسلامية محتاجة في الاقتصاد، ويدها ليست ممدودة إلى الأجانب من غير المسلمين، وإلاّ فالحاجة ملازمة للتبعية والعبودية ولو لم يأت أحد على ذكر العبودية.

إن أي أمة تمد يد الحاجة إلى غيرها من الأمم اقتصادياً فهي حتماً ستكون أسيرتها وبمثابة العبد المطيع لها، ولا يوجد هنا أي اعتبار للمجاملات والاعتبارات الدبلوماسية.

الإسلام من أنصار البنية الاقتصادية القوية، لكن ليس بعنوان أن الاقتصاد بحد ذاته هدف أو هو الهدف الوحيد، لكن بعنوان أن الأهداف الإسلامية لا تتحقق من دون اقتصاد سليم وقويّ ومستقل. ويعدُّ الإسلام الاقتصاد ركناً من أركان الحياة الاجتماعية الأساسية، لذلك فإن ضعف الاقتصاد يضرّ بسائر الأركان، وضربه يعدّ ضربة لها. ونظرية الإسلام في الاقتصاد لا ترتبط بالرغبات والميول فيما يتعلق بمنابع الدخل، بل يجب وضع الرغبات في إطار المصالح العليا للمجتمع بالإضافة إلى الجوانب الأخرى للبشرية وتطبيقها على هذا الأساس؛ من هنا وجد فصل مهم في الإسلام بعنوان «المكاسب المحرمة». فالدخل المشروع في نظر الإسلام هو الدخل الذي يكون محصولاً للاجتهاد والعمل الفعّال من جهة، أو على الأقل أن لا يأخذ جانب الاستثمار، ومن جهة أخرى أن تكون وجهة الاستهلاك مشروعة ومفيدة، وعلى حد تعبير الاشتراكية، أن يكون الهدف منفعة الناس والمجتمع وليس ملء الجيوب. (99).

 

س 70: لماذا ذمّ الإسلام جمع الأموال وادّخارها، في حين أن شعار كل إنسان هو الثراء والرغبة بالتّمول والعيش في راحة وبحبوحة؟

ج: إن من الخطأ الاعتقاد أن الإسلام بالأساس ينبذ الثروة والمال، ويعتبره أمراً حقيرا،ً وبالتالي اجتنابه.

الأموال والثروات لم تكن محقرة في يوم من الأيام في الإسلام، لا الإنتاج، ولا المبادلة والمقايضة، ولا التجارة، ولا الصرف والاستهلاك؛ بل على العكس إن هذه المسائل كانت على الدوام محلاً للتأكيد والتوصيات، وقد وضع لها شروط وموازين ومقررات. ليست الثروة في نظر الإسلام منبوذة، بل المذموم هو» الإسراف والتبذير وتضييع الثروة دون فائدة»، وهذا حرام قطعاً.

والإسلام قد خالف جعل الثروة هدفاً بحدّ ذاته، أو أن يضع الإنسان نفسه وحياته فداء للمال، وقد واجه الدين هذه القضية بشدة. وبعبارة أخرى إن الإسلام يخالف عبادة المال، أو أن يصبح الإنسان عبداً للثروة، من هنا كان الفهم الخاطىء وعدم التمييز بين جمع المال وإنتاج الثروة، وحب المال إلى درجة الهوس والحرص والعبادة. فالإسلام لا يذمّ جمع الثروة، ولا ينبذ المال، بل يخالف جمع المال لأجل المال، وينبذ جمع المال من أجل ملء البطون كيف ما اتفق، بحيث يصل إلى درجة اللهث خلف الشهوات، وفي هذه الحالة يصبح طلب المال مساوياً للدناءة والضِّعة ومحو الشخصية الإنسانية في المال، وبالتالي يفقد الإنسان بذلك شخصيته البشرية وشرفه المعنوي.

في المقابل فإن الإنسان يطلب المال تحت عنوان العمل والجد والفعالية والتسهيل والإنتاج، وفي هذه الحال يصبح المال تابعاً لتلك الأهداف الكلية وهذا مشروع ومطلوب.

إن مَثَلَ المال والإنسان، أشبه ما يكون بالبحر والسفينة، فالسفينة إذا لم يحسن قائدها توجيهها غرقت وهلك ركابها، وإذا أحسن إدارتها أوصلته إلى شاطىء الأمان، والإنسان إذا غرق في حب المال وجمعه وذابت شخصيته فيه أصبح عبداً له، وبالتالي هلك؛ وأما إذا أحسن التصرف، وجعله وسيلة للعيش المشروع أوصله إلى مقصده.

يقول القرآن الكريم في بيان فساد الشخصية الإنسانية، ودور المال في ذلك {إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى (6) أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى} (100).

إذن الإسلام لم يشجب المال والثروة، بل نبذ عبادة المال والحرص عليه. وذلك بالنظر إلى المباني التالية:

ألف- التوصية بإنتاج الثروات: الزراعة، المواشي، الصناعة، وغير ذلك.

ب- مقايضة الثروات والمبادلات التجارية.

ج- التأكيد على الاستهلاك وصرف الأموال في حدود الحاجات الفردية والاجتماعية، بحيث تخلو من التّجملات والكماليات الغير ضرورية والإسراف المفسد.

د- منع التبذير والإسراف وتضييع الأموال.

هـ- وضع ضوابط وتشريعات قضائية صارمة لجهة اتباع الميول الشخصية الغير شرعية والتعديات والسرقات والخيانة و...

و- اعتبار الدفاع عن المال بحكم الجهاد، والقتل في هذا السبيل شهادة.

ز- وجوب إخراج الحقوق الشرعية المالية بالنسبة للإنسان.

ح- إطلاق كلمة {خَيْرٍ} (101) صراحة من قبل القرآن الكريم على الثروة. (102).

 

س 71: برأيكم ما هي الخصوصيات والمسائل التي يجب على الشباب مراعاتها والتنبّه إليها في اختيار نوع العمل في المستقبل، بصرف النظر عن المشكلات اليومية التي تواجههم في العمل؟

ج: يتوجب على كل شخص أن يختار العمل الذي يناسبه بحسب استعداده الشخصي والفكري والمهني، لكي ينجذب إليه ويرغب به، فإن كان العمل غير مطابق لاستعداد الشخص ورغبته، بل تمّ اختياره بناء للأجر المرتفع والدخل الكبير، فمن المؤكد أن هذا العمل ليس فيه أثر تربوي، ويمكن أن يفسد الروح.

لا يوجد شخص فاقد لأي نوع من أنواع الاستعداد أو المؤهلات الفردية، لذلك، من الضرورة بمكان انتخاب نوع العمل على هذا الأساس من الأهلية والرغبة والاستعداد.

قد يكون المرء جاهلاً بنوع الاستعداد الذي يملكه، لذلك نراه يفتش عن العمل الغير مؤهل له، وقد لا يرغب به، وبالتالي يقضي حياته بهذا العمل من دون الإحساس بالسعادة والفرح.

لنضرب مثلا، الامتحانات الطلابية لدخول الجامعات في إيران، ما يسمى «كونكور»، هذا الوضع شاذ وخلاف القاعدة، فالطالب يريد الدخول إلى الجامعة كيفما اتفق، ومن دون اختيار التخصّص المناسب، انما الهدف هو التّهرب من الخدمة العسكرية الإلزامية، أو بسبب دخله المادي المرتفع في المستقبل، دون النظر إلى الاستعداد الذي يملكه و الميل إليه والرغبة به، وقد يكون أحياناً كثيرة بخلاف ذوقه الشخصي ورغبته، وهذا الأمر يجعل مصيره- إلى آخر العمر- مبنياً على اختيار الصدفة؛ وبالتالي لن يكون سعيداً طوال حياته.

على الإنسان أن يختار العمل الذي يجذبه ويجذب ميوله ورغبته، وأن يصرف النظر عن الأعمال التي لا يرغب بها ولا يميل إليها، حتى ولو كان مدخولها المادي مرتفعاً.

في مسائل العمل يجب مراعاة الاستعداد والرغبة والميول الشخصية للفرد، حتى يستطيع الإنسان أن يحلِّق بخياله وإبداعه، وينجذب إلى العمل، ويبدع في الابتكارات والخلاّقية؛ فالإنسان يجب أن يعشق عمله. (103).

 

س 72: كيف يمكننا توجيه المجتمع والأفراد في مواجهة انخفاض نسبة الإنتاج الناشىء من صيام شهر رمضان لمدة 30 يوماً كاملاً، مع التوجه إلى أهمية التأثير المباشر للقوة والنشاط البشري في عملية الإنتاج الصناعي، وحركة مساره في المجتمع اليوم؟

ج: أولا: إن الموجودات الحية، سواء النبات أو الحيوان أو الإنسان، كلما شملته بالرعاية والاهتمام أكثر كلما صار أوهن وأضعف في مواجهة العوامل الأخرى، وكلما أظهرت رعاية أقل ازدادت لديه المناعة واشتد عوده في مواجهة المشكلات والعوامل المختلفة، فلنقم بعملية مقايسة بين شجرة الغابة والشجرة التي تعيش في حديقة المنزل حيث تشملها رعاية الإنسان، أو بين الأعشاب والنباتات التي تنمو في الصحاري والبراري، وبين النباتات التي تزرع في الحدائق والجنائن حيث تتمتع باهتمام المزارع ومراقبته، الإنسان كذلك الأمر لا يشذّ عن هذه القاعدة.

الإنسان لا يجب بالضرورة أن يتناول الطعام ثلاثة مرات في اليوم، فإذا لم يأكل مرض، كلا الأمر ليس كذلك، إذن فلندع الإنسان يواجه المصاعب فيشتد ساعده وتقوى إرادته.

من أسس فلسفة الصيام خروج الإنسان قليلاً عن مسار التنعم والدلال، لذلك نرى أن الفرد الصائم في أيام الصيام الأولى وفي بداية خروجه عن قاعدة التنعم والعيش الرغيد يواجه بعض الضعف، فيصيبه الكسل والانحطاط الجسدي، لكن بعد تقدمه في الصيام في الأيام الأخيرة نراه لم يعد يجد فرقاً بين الصيام وغيره من الأيام العادية. إن القول بأن الصيام ينقص من قوى العمل ويخفض النشاط الإنتاجي ضرب من الحماقة.

الأمر الثاني: هل البشر فقط وجدوا للعمل والإنتاج، هل البشر هم كالآلة يجب الاستفادة من قواهم حتى أقصى الحدود؟ أو أنهم حيوانات لنقل الأحمال والأثقال؟ أليس للبشر قلوب؟ ألا يحتاجون للتقوى؟ هل حاجة البشر فقط للعمل؟ إلا يحتاجون للآدمية؟ ألا يجب تطويع التمرد عند البشر؟ أليس الإنسان بحاجة إلى ردع شهواته وحَدِّها؟، أليس بحاجة إلى تقوية الإرادة العقلانية والإنسانية لديه؟ أم يجب النظر إلى جميع المسائل والشؤون الإنسانية من باب العمل فقط؟ أنظروا عدد الجرائم والارتكابات المنحرفة كم تنخفض في شهر رمضان المبارك، أنظروا كم قلّت أعمال القتل والتخريب والفساد في هذا الشهر الفضيل، وفي المقابل كم ارتفعت الأعمال الإنسانية الخيّرة، كم تضاعف الإحسان وصلة الأرحام، يجب أن نأخذ كل هذه الأمور في عين النظر، ولا نقول فقط العمل ثم العمل!.

إن من أهم خصوصيات الدين الإسلامي الاعتدال والوسطية. والقرآن يعبر عن ذلك صراحة، ويدعو الأمة الإسلامية بالأمة الوسط، وهذا تعبير عظيم وعجيب، فالأمة التي تتربى حقاً على نهج القرآن الكريم وبين طيات صفحاته بعيدة كل البعد عن الإفراط والتفريط، عن التهور والإحجام، أنا أسمي التسرع والتهور جهل، وأسمي التباطؤ والإحجام جمود، وخطر الجمود لا يقل عن خطر الجهل. الدين يلزمه الاعتدال، والدين وسطية واعتدال. أما فيما يتعلق بالتطابق ومماشاة مقتضيات الزمان فلا يجب التصرف أو التدخل في مسائل الدين، ولا يجب الاعتماد- باسم الدين- على مواضيع ليس لها أساس ولا جذور، وذلك بحجة أن الزمان يقتضي هذا أو ذاك، أو أن الوقت أصبح كذلك أو كذا. (104).

 

س 73: نرى في بعض المجتمعات أن كثيراً من الأعمال والوظائف والمواقع تُشغل على أساس «المحسوبيات» وكما يعبر عنها العامّة (بالواسطة)، برأيكم ماذا يفعل الأشخاص الذين ليس لهم من يوصي بهم، أو «يدعمهم» وهل يمكن أن يكون لديهم أمل بالوصول إلى مبتغاهم، ويوفقون في نيل بعض المناصب والأعمال؟

ج: بعض الأشخاص ممن يبحثون عن وسائل النجاح والتوفيق في أعمالهم، يدركون أنه لا يمكن الاستناد إلى عوامل الوهم أو العوامل غير الواقعية، ويعتمدون فقط على العوامل الموجودة؛ لكن من بين العوامل الموجودة، ينسون أنفسهم ذاتها كعامل موجود وأساس، ويستندون فقط إلى الغير، يطمعون بتوصيات المتنفِّذين والمسؤولين في أعمالهم ووظائفهم، وأهم شيء لا يقيمون له حساباً هو شخصيتهم.

يوجد في المجتمع مجموعة من الناس يترقّون في مناصبهم بتوصية ودعم من الآخرين، لكن يبقى هناك مجموعة ولو قليلة مستقلة تعتمد على نفسها. فإن كان صحيح ما يقال أن «المحسوبيات» و «الواسطة» منتشرة في المجتمع إلى هذا الحد الكبير، وبالتالي هي الحاكمة في المجتمع، فلماذا لا يسعى الإنسان لأن يكون من هذه الأقلية المستقلة المعتمدة على ذاتها، ولا يكون من الأكثرية المعتمدة على الغير.

الوسيلة الناجعة أن لا ينسى الإنسان شخصيته ومواهبه واستعداداته المكتومة، صحيح أن العالم مبني على الأسباب، لكن على الإنسان أن يعلم أن في عالم الأسباب هذه هناك سبب أهم موجود دائما في شخصيتنا.

الله تعالى خلق كل موجود وجهّزه بقابليات واستعدادات هي جزء من شخصيته، وهذا الأمر لا يختص بالإنسان فقط، بل يتعداه إلى جميع الموجودات، فكل موجود مجهز بتجهيزات ذاتية هي وسيلة لسعادته. (105).

 

س 74: هل يجوز الاستفادة من أي وسيلة في سبيل الوصول إلى الأهداف والطموحات المشروعة والمحض إسلامية؟

ج: يجب الاستفادة من الحق لأجل الحق، معنى هذا الكلام أني لو علمت أن كلاماً باطلاً أو كاذباً أو حديثاً ضعيفاً أعلم عدم صدقه أحدّثكم به الآن، بحيث أن المذنبين يتوبون والناس ينهضون إلى صلاة الليل، فإن الإسلام لا يجوّز هذا الكلام إطلاقاً. هل يجوّز الإسلام الكذب واختلاق الأحاديث لكي يبكي الناس على الإمام الحسين (ع) ؟، أبداً، الإسلام لا يحتاج إلى الكذب مطلقاً.

إن خلط الحق بالباطل يذهب الحق، والحق لا طاقة له أن يبقى مع الباطل.

القرآن الكريم وجميع الأنبياء والأئمة (صلوات الله تعالى عليهم أجمعين) والأوصياء ممن تربّوا في هذه المدرسة، لا يمكن أن يستفيدوا من أمر ليس مقدّساً، أو أمر باطل غير واقعي ولا حقيقي ولو بشكل تمثيلي من أجل هدف مقدس.

لو نظرنا إلى سياسة أمير المؤمنين علي (ع)، لرأيناها غير قابلة للانحراف أو الانعطاف، من دون شك، كان هدفه مقدساً ووسيلته مقدسة. هذا المغيرة بن شعبة الذي أصبح فيما بعد من أصحاب معاوية ومعادياً لأمير المؤمنين (ع)، قدم على الإمام (ع) في بداية خلافته، ونصحه بأن لا يحرّك ساكناً تجاه معاوية وأن يدعه مطمئناً، حتى إذا استقرّت أمور الخلافة، واشتدّ ساعد الإمام في ولايته، أزاح معاوية من منصبه، لكن جواب الإمام علي (ع) كان الرفض وعدم المساومة، لأن قبول معاوية في ولاية الشام ولو لمدة مؤقتة، يعني أن الإمام (ع) يعدّه صالحاً لهذه الفترة الوجيزة، في حين أن الإمام (ع) لم يره صالحاً على الإطلاق ولو لهذه المدة البسيطة، وهذا يعني أن الإمام (ع) لا يكذب على الناس ولا يفرض عليهم غير الصالح والمناسب.

قد يقول البعض أن فلانا كان نابغة، إن هذا النبوغ الذي يدّعيه البعض هو الاستفادة من كل وسيلة من أجل بلوغ الأهداف، لماذا لا يريد البعض تقبل سياسة أمير المؤمنين (ع) ؟ نعم، لأنهم يرون أن سياسته غير قابلة للتحول والانحراف أو المساومة. كان عنده هدف ووسائل، لكن كان هدفه الحق ولا يرى سوى الحق.

عندما أراد الأمير (ع) بلوغ هذا الحق، كان يتوسل الحق في جميع خطواته من أجل الوصول إليه، لكن الآخرين- لو فرض أن الحق كان هدفهم- غير أنهم لم يعطوا للوسائل أهمية، ولم يتلمسوا وسائل الحق. لقد كان منطقهم أن الهدف صحيح وهذا يكفي. (106).

 

س 75: تعتقد بعض الأحزاب السياسية أن رجل السياسة لا يمكنه أن يكون سياسياً موفقاً إذا جعل التعاليم الإسلامية نصب عينيه، وبالتالي إذا عمل بها، فما رأيك بهذه المقولة؟

ج: إن نفس هذا العيب كان يؤخذ على أمير المؤمنين (ع)، كان البعض يقول أن جميع صفات الأمير جيدة، أنه رجل علم وتقوى وعاطفة صادقة وإنسانية، رجل حكيم عادل خطيب، لكن عيبه الكبير أنه لم يكن سياسياً (محنّك) لماذا لم يكن سياسياً؟ لأن سياسته لا تقبل الانحراف أو الانعطاف أو المسايرة على حساب الدين، بل كان يظهر الصلابة والاستقامة، ولم يأخذ المصالح السياسية بعين النظر.

إن السياسي في بعض الأحيان يجب أن يكون كاذباً؛ أن يَعِد ولا يفي، أو في بعض الأحوال أن يوقّع معاهدة، ثم بعد أن يقضي عمله يضع توقيعه تحت قدمه. السياسي الجيد يجب أن يتملق للغير ويظهر لهم مودته وبشاشته، حتى إذا سلّموا له وتملك من ناصيتهم سحقهم وأزالهم من أمامه.

لقد جاء الإسلام ليواجه هذا النوع من السياسة، جاء من أجل خدمة البشرية. الإسلام هو حامي الإنسانية وحارسها، فلو أن الإسلام قابل للإنحراف والانعطاف بهذا الشكل الخطير الذي يريدونه، لما كان إسلاماً، بل شَيْطنة. فالإسلام بحق، حارس الحقيقة والعدالة والاستقامة، والواقع أن فلسفة الإسلام يجب أن تكون قوية وصلبة ومحكمة ومقاومة في مثل هذه المسائل وهذه والتوجهات.

إن سلوك أمير المؤمنين علي (ع) في الحياة والسياسة كان على منوال الدين الحق، بحيث صار حاكماً على قلوب الناس طيلة هذه القرون. علي (ع) حمل فكراً ودافع عنه وحماه في زمانه، وبقي هذا الفكر عنوانا خالدا وأصلا لقاعدة باقية تحتذى في الحياة الدنيا، من هنا بقي سلوكه وأسلوبه الفكري والسياسي عند الناس بصورته الإيمانية، وحافظ على هذه الصورة؛ لذلك لم يهزم علي (ع) في السياسة ولم يتراجع، فلو كانت سياسته وأهدافه التنعم في الحياة- ولو لأربعة صباحات يعيشها- (وجيهاً متنعماً بنعم الدني) كما كانت سياسة معاوية، حيث يقول «أنا منغمس في نعم الدنيا وملذاتها» لخسر حينها وانهزم؛ لكنه كان رجل الإيمان والعقيدة والهدف، لذلك لم يخسر ولم يهزم.

من هذا المنطلق، فإن توقعات البعض ورغباتهم الواهية في باب مسايرة العصر والتطورات الآنية والزمنية، هي هذه الظاهرة القديمة الجديدة عند رجال السياسة من الذين يعتمدون سياسة التحايل والخداع، أو كما يسمونها بخداع الثعالب، وهؤلاء موجودون في كل زمان وعصر، وبألوان وأشكال مختلفة، يتلونون ويميلون مع كل ريح، ويسايرون الأحوال والظروف العصرية ويحاولون التطابق معها بكل لون وصورة، ويسمون ذلك بالتذاكي والفطنة، وهم يتوقعون أن الدين الإسلامي يوافق هذه السياسة؛ ولأن الإسلام لا يوافق، يقولون هذا هو عيب الإسلام، أنه يمنع مسايرة الإنسان لزمانه ومماشاة شروط العصر والتطابق معها. (107).

 

س 76: علي (ع) هو جوهرة خالدة على مرّ العصور، ما هو سرّ هذا الخلود؟

ج: لو أن شخصية أمير المؤمنين (ع) لم تتعرض اليوم للتحريف، وأُظهرت على حقيقتها، لرأينا أن الكثيرين ممن يدعون حبه اليوم في عداد أعدائه.

أمير المؤمنين (ع) لم يكن يخاف في الله عز وجل لومة لائم، ولم يدارِ أحداً أو يراعِهِ على حساب الدين، فإن فعل، كان في سبيل الدين ولأجل الدين ومرضاة الله تعالى، لذلك نجد أن هذا السلوك أوجد الأعداء، وجعل النفوس المليئة بالحقد والطمع والمتعطشة إلى الرغبات والميول الدنيئة تعيسة، معذبة، ومتألمة.

لم يكن في أصحاب الرسول (ص) شخصية فدائية ومضحية كشخصية علي (ع)، كذلك لم يكن من انسان له ذلك الكم الهائل من الأعداء الجسورين والخطرين، وهو الرجل الذي تعرضت جنازته للاعتداء حتى بعد موته، لقد كان يعلم هذا الأمر، لذلك أوصى أبناءه أن يكون قبره مستوراً لا يعلم مكانه أحدٌ سواهم.

لقد ظل قبر الإمام علي (ع) مستورا لأكثر من قرن من الزمن، ولم يفصح عن قبره الشريف إلاّ بعد انقراض الدولة الأموية وضعف الخوارج واضمحلالهم، وبعد انخفاض منسوب الحقد والضغينة في القلوب، عندها أفصح الإمام الصادق (ع) عن مكان قبره الشريف.

لقد كان علي (ع) بكل وجوده، بتاريخه وسيرته وطبيعته، بخَلْقِهِ وخُلُقِهِ، بلونه وريحه، بصورته وكيانه، بحركته وسكونه، بعلمه وعمله، درساً وأمثولة للورى، وأنموذجا لا يرقى إليه أحد في التعليم والقيادة؛ فعليّ (ع) كما أنه بالنسبة إلينا درسٌ وأنموذج يحتذى في الجذب (القبول)، كذلك الأمر في الدفع (الطرد)، وعلي يرفض نوعين من الناس:

1- المنافقين الحاذقين.

2- الزاهدين الحمقى.

وهذان الدرسان كافيان للمدعين التشيع والحب لأمير المؤمنين (ع) بأن يفتحوا أعينهم وبصائرهم فلا ينخدعوا بالمنافقين، ويتمتعوا بالبصيرة النافذة واليقظة، ويَدَعوا النظرة الظاهرية أيضاً.

لقد خرج علي (ع) من كونه فرداً وصار مدرسة ونهجاً، وعلى هذا الأساس كان يقبل البعض ويرد آخرين، نعم لقد كان علي (ع) شخصية تتمتع بقوّتين (الجذب والدفع) أي (القبول والرد).

علي (ع) هو رجل إلهي وصبغته إلهية، ولو لم يكن كذلك لأصبح في طيات النسيان، علي (ع) مثل قوانين الفطرة وأنظمتها يبقى خالداً، علي منبع فياض لا ينتهي، بل يزداد فيضاً وتألقاً يوماً بعد يوم، علي (ع) هو الهادي والقائد على الدوام. (108).

 

س 77: ما أبرز ما يميز كتاب نهج البلاغة للأمير (ع)، وبالتالي ما هي الخصائص التي جعلت هذا الأثر النفيس أن يكون مورد عناية العلماء والمحققين الكبار وتوجههم بعنوان كتاب خارق للعادة؟

ج: لقد امتازت كلمات أمير المؤمنين (ع)، منذ القديم، بخصوصيتين وعرفت بهما؛ الأولى: الفصاحة والبلاغة؛ والثانية: تضمنه لأبعاد وجوانب مختلفة. وكل واحد من هذين الامتيازين يكفي لإعطاء كلمات الإمام علي (ع) قيمة عظيمة، غير أن توأمة هاتين الخصوصيتين، بمعنى أن الكلام في مضامين مختلفة ومواضيع مختلفة وأحياناً متضادة، وفي نفس الوقت الحفاظ على الفصاحة والبلاغة، جعل من كلام أمير المؤمنين علي (ع) قريب الإعجاز، ولهذا قالوا أن كلامه (ع) ما فوق كلام البشر وما دون كلام الله عز وجل «فوق كلام المخلوقين ودون كلام الخالق».

ما يمتاز به نهج البلاغة لا يحتاج إلى شرح وتوضيح لمن يدرك جمال الكلام ويملك معرفة باللغة والأدب. والأصل أن الجمال يدرك ولا يوصف، فنهج البلاغة بعد أربعة عشر قرناً من الزمن له من الحلاوة واللطافة والطلاوة عند القارىء والمستمع، على السواء، بمقدار تلك الحلاوة والجاذبية التي كانت له عند الناس في ذلك الزمن.

الامتياز الآخر الذي يتمتع به كلام أمير المؤمنين علي (ع)، والذي جمع في كتاب «نهج البلاغة» هو الجانب الغير محدود وفي غير موضوع معين أو ميدان محدد، فهو صال وجال في ميادين مختلفة، وسلك سبلا شتّى بعضها متضاد أحياناً، وكان السبّاق والمقدام في جميع هذه الميادين، لذلك يمكن القول أن نهج البلاغة قمة العمل الإبداعي في الأدب والفصاحة والبلاغة والبيان، وفي شتى الميادين.

إن القول «قمة العمل والإبداع» لكن في ميدان محدد فهذا موجود، لكن لا يتعدى عدد أصابع اليد، والقول بالعمل العادي في ميادين مختلفة فهذا موجود أيضاً وكثير، لكن القول «بقمة العمل والإبداع» ولا ينحصر في ميدان محدد، فهذا من خصوصيات نهج البلاغة فقط.إذا نحّينا القرآن جانباً، لأن القرآن معجزة أخرى وقصة أخرى، فأين نجد عملاً يشبه نهج البلاغة أو يجاريه.

نحن الشيعة يجب أن نعترف أننا ظلمنا علياً (ع)، أو على الأقل قصّرنا في حق شخص نفتخر أننا نواليه ونتبعه، أكثر من ظلم الآخرين وتقصيرهم، إن تقصيرنا يعد ظلماً بحقه، فنحن لم نُرِد أو لم نستطع أن نعرف علياً (ع)، وأكثر ما ينصب جهدنا في معرفة نصوص الرسول (ص) في حقّه، أو شتم من خالفوا هذه النصوص وردّوها، ولم نسْعَ بأي حال لمعرفة شخصيته بعينها، غافلين عن أن المسك الذي عند ذاك العطار الإلهي يحمل بذاته عطراً يجذب القلوب ويأسرها، لا يجب أن نقنع بتعريف العطار ونكتفي عند هذا الحد، بل على مشامِّنا ومسامعنا أن تدرك ذاك العطر الإلهي وتتعرف إليه، لأن تعريف العطّار الإلهي لذاك العطر المسكي يهدف إلى إدراك العطر ومعرفته، لا أن تصرف أوقاتنا بتعريفه والحديث عنه غير آبهين بمعرفة ذاته. (109).

 

س 78: هل يمكن أن نجد في زماننا الحاضر أشخاصاً يعيشون في مجتمعاتنا يشبهون الخوارج في زمن أمير المؤمنين (ع)؟

ج: يحتمل أن مذهب الخوارج قد مات واضمحل، لكن الظاهر أن روح هذا المذهب ما زالت تعيش في ذهنية بعض الناس ممن لا يتبعونه ظاهرياً، بل يحسبون أنفسهم من المخالفين له.

مذهب الخوارج في أيامنا الحاضرة ليس موجوداً؛ بمعنى أنه لا يوجد على وجه الكرة الأرضية مجموعة من الناس باسم الخوارج، أو متبعة لهذا النوع من المذاهب، لكن هل ماتت روح هذا المذهب؟ ألا يوجد بيننا- خصوصاً الطبقة التي تدّعي القداسة- من حلت فيه روح هذا المذهب!؟.

البحث في موضوع الخوارج وماهية أعمالهم بالنسبة إلينا وإلى مجتمعنا درس مهم، لأن مذهبهم انقرض من الوجود، لكن روحه لم تمت بعد. (110).

الخوارج وبحسب وصف أمير المؤمنين (ع) لم يكن لديهم سوء نية، بل كانوا منحرفين في الذوق والقريحة، كان لديهم انحراف فكري، وعلي (ع) بعدما فرغ من قتال الخوارج قال هذه العبارة: «أيها الناس، فإنّي فقأت عين الفتنة، ولم يكن ليجترىء عليها أحدٌ غيري بعد أن ماج غيهبها، واشتد كَلَبُها. (111).

إذا أردنا أن نشكر الله تعالى- في موضوع بعينه- على أننا لم نكن في زمن أمير المؤمنين (ع)، والحق معنا في ذلك، لأنّا لو كنا في زمانه لما امتلكنا الإيمان الكافي ولزلّت أقدامنا.

من المحتمل أنه لو كنا آنذاك لشاركنا إلى جانب الأمير في حرب الجمل وصفين، ولكن لا تصدقوا أنه كان لدينا الشجاعة الكافية أن نشارك إلى جانبه في حربه ضد الخوارج، لأن علياً (ع) خرج في تلك الحرب في مواجهة أشخاص كانوا من العبّاد والزهّاد، كانوا يصومون نهارهم ويقومون ليلهم، وآثار السجود في جباههم، فمن ذاك الذي يتجرأ أن يحارب أمثال هؤلاء القوم. الرجل الوحيد الذي ملك الجرأة والشجاعة هو الإمام علي (ع)، لأنه نظر إلى الباطن ولم ينظر إلى الظاهر، فلو كانوا من المنافقين لكانت المسألة أقل أهمية، لكنهم كانوا من المصلّين ليلاً والصائمين نهاراً، غير أن وجودهم كان خطراً على الإسلام وضررهم أكثر من الأعداء.

لو أن علياً (ع) ما استلّ سيفه في ذاك اليوم وخرج لحرب الخوارج، لما كانت نصوص الرسول (ص) فيه، ولما كانت الخصال؛ من تقوى وورع، وبالتالي ذاك المقام. لو لم يكن فعل عليّ (ع) لما تجرأ أي خليفة بعده على حرب الخوارج، ولما خرج أي جندي لمحاربتهم، لكن علياً (ع) حاربهم وقاتلهم لأنه كان المقدام والسّباق، لذلك حاربوهم من بعده. (112).

 

س 79: نلاحظ دائماً أن بعض الأحزاب تتخذ مواقف مخالفة لبعضها، وأحياناً يكون الاصطفاف حاداً إلى درجة الخلاف الشديد في ميدان المنافسة السياسية والاجتماعية، فنرى أن حزبين أو شخصيتين من الوجوه العاملة في خدمة الثورة والغيورة على مصالح الناس تقفان في مواجهة بعضها، ومما لا شك فيه، أن هذه الأحزاب والشخصيات لها تاريخها في خدمة الثورة والإسلام، وتعمل من أجل استقرار النظام واستمراره، من هنا، كيف يمكننا تقييم مواقفها، ومن هو المحق فيها وصاحب الموقف السليم، وبالتالي، قابل للدعم والحماية؟

 ج: في موقعة الجمل جاء الحارث بن حوط الى أمير المؤمنين (ع) فقال: «أتراني أظن أصحاب الجمل كانوا على ضلالة»؟ فقال (ع): «يا حارث، إنك نظرت تحتك ولم تنظر فوقك فحِرْتَ، إنك لم تعرف الحق فتعرف من أتاه، ولم تعرف الباطل فتعرف من أتاه».

فقال الحارث: «فإني أعتزل مع سعيد بن مالك وعبد الله بن عمر»، فقال (ع): «إنّ سعيدا وعبد الله بن عمر لم ينصرا الحق، ولم يخذلا الباطل». (113).

يقول طه حسين في جواب علي (ع) لهذا الرجل: «ليس من كلام أعظم وأقطع من هذا الكلام بعد أفول الوحي وانقطاع نداء السماء».

من هنا فإن علياً (ع) قد جعل الحق معياراً للحقيقة، وليست روح التشيع سوى هذا المعيار. والحق أن فرقة الشيعة مولودة هذه النظرة الخاصة وتولي الأهمية للأصول الإسلامية، وليس للأفراد أو الأشخاص.

إن أية شخصية ما دامت تحترم الحق والحقيقة فهي محترمة عندنا، أما عندما نرى أن الأصول الإسلامية تسحق بيد هؤلاء الأشخاص، وإن كانوا من السّابقين، فلا احترام لهم، وبالتالي نحن أنصار الأصول لا الأفراد. (114).

 

س 80: كيف نكون في مأمن من ضرر آفة التكذيب والتصديق المذمومين في التعامل مع مسائل الحياة المختلفة؟.

ج: إن الله تعالى قد منع من الكذب وترك الصدق المذمومين في موضعين في القرآن الكريم: {أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مِّيثَاقُ الْكِتَابِ أَن لاَّ يِقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقَّ}. (115).

في هذه الآية ميثاق على الإنسان في الكتب السماوية، أن لا يقول على الله تعالى إلا ما هو حق وثابت، فلا ينسب إلى الله سبحانه سوى الحق، ولا يقول الانسان من عنده هذا حلال وهذا حرام، وأن يسكت في المواضع التي سكت الله عز وجل عنها ولم يكلف فيها، فلا يضع البدع من عند نفسه، ثم يقول هذا من عند الله العزيز، هذا ميثاق أخذه الله حتى لا يتقوّل من ليس عنده علم ولا يقين، ثم ينسبه إلى الله تعالى، فيدّعي أنه من تعاليمه جل جلاله.

أما المكان الآخر ففي الآية التالية: {بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ} (116).

بعض الأشخاص يدّعون معرفة المسائل التي لا يدركونها ولا يحيطون بها، و ذلك من باب الغرور والإعجاب بالنفس والتكذيب، وبدل أن يقولوا عقولنا لا تصل إلى فهم هذه المسائل، لا ندرك باطنها وظاهرها، تراهم لا يقبلون أن فهمهم قاصر عن إدراك حقائقها فيميلون الى الكذب والادّعاء.

يتوجب على الإنسان، قبل أي شيء، أن يختبر حدود فكره ويقيمه من الناحية النوعية، أي من جهة أين يقف حد فكر البشر، كذلك من الناحية الشخصية، أي من جهة ميزان المعلومات الشخصية التي يملكها والتي يحصلها، وبالتالي يختبر حدود قدراته الفكرية، وفي هذه الحدود ينفي أو يثبت، يصدّق أو ينكر، عندها يمكن أن يكون في مأمن من الخطأ والاشتباهات. (117).

 

س 81: من أين تنبع الجذور الأصلية للخطايا والإنحرفات الفكرية للبشر؟

ج: وردت في القرآن الكريم سلسلة أمور تعدّ عنوانا لموجبات الخطايا و وعلل الانحرافات:

1- الاعتماد على الظن بدلاً من العلم واليقين:

 القرآن الكريم في الكثير من آياته يخالف بشدة اتباع الظن، فما دمت لم تحصّل العلم واليقين بالشيء فلا تخوض فيه.

2- الميول والأهواء النفسية:

إذا أراد الإنسان أن يحكم على المسائل بشكل صحيح، عليه أن يكون حيادياً بالكامل حين يفكر بها، بمعنى أن يجهد في طلب الحقيقة، ويُسْلِم نفسه للأدلة والمستندات، فإذا لم يحافظ الإنسان على حياده في النفي والإثبات في تفكره، وتدخلت ميوله النفسية كطرف فيها، فإن مؤشر فكره – من حيث يدري أو لا يدري- سوف يميل إلى جهة ميوله ورغباته النفسية، وهذا ما يشير إليه القرآن الكريم، حيث يعدّ هوى النفس من العوامل التي تجعل الإنسان يسقط وينحرف كمثل الاعتماد على الظن.

3- التسرع بالحكم:

إن أي إبداء للرأي أو الحكم على مسألة يلزمه مقدار معين من الأدلة والمستندات، وما دامت لم تجمع المستندات الكافية فإن أي نوع من إبداء الرأي يعدّ تسرعاً، وبالتالي موجباً للسقوط.

4- اتّباع العادات والتقاليد القديمة:

الإنسان بحكم طبعه الأولي، عندما يرى فكراً أو عقيدة خاصة مقبولة عن قوم أو ملّة قديمة، نراه يتقبل هذه العقيدة وهذه الأفكار تلقائياً، من دون أن يعطي نفسه فرصة التفكر فيها.

والقرآن يذكر بأن التصديقات والمقبولات والعقائد عند الماضين لا تُقْبَلْ ما دامت لم تخضع لتقييم العقل ولم تطابق معياره.

5- اتّباع الآخرين:

من موجبات سقوط الفكر وانحرافه اتباع الأشخاص، لأن هناك أشخاصاً كباراً في التاريخ أو في الزمن المعاصر لها موقع كبير في النفوس، وبالتالي فهي تؤثر على تفكير الآخرين وإرادتهم وتصميمهم، وبذلك تسّخر فكر الآخرين وإرادتهم، فيصبح تفكير هؤلاء كتفكير تلك الشخصيات، وهذا ما يفقدهم استقلالية الفكر والإرادة. (118).

إن القرآن الكريم يدعونا إلى الاستقلال الفكري، وعدم الإتباع الأعمى للشخصيات الموجبة للسقوط والشقاء الأبدي، حيث يقول القرآن على لسان هؤلاء الذين أضلوا الطريق: {رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا}. (119).

 

س 82: من أكبر الوظائف وأهمها لدى العقلاء والمفكرين في كل مجتمع توجيه الناس وإرشادهم، وبالتالي إطلاعهم على المحاسن والمعايب الأساسية التي تتعلق مباشرة بحياتهم الاجتماعية والثقافية وتحكمها، برأيكم كعالم واسع الإطلاع والمعرفة، ما هي نقطة الضعف الثقافية الأساسية عند الشعب الإيراني المسلم، وما هو العيب الذي يعتريه؟

ج: نحن الشعب الإيراني عندنا حسنٌ ولدينا عيبٌ، فحسننا أننا شعب قليل التعصب مقابل الحقيقة، ويمكن القول، أننا غير متعصبين أصلاً؛ بمعنى أننا عندما ندرك الحقائق ونثبتها نسلّم بها أسرع من أي شعب آخر، لكن بالمقابل لدينا عيب كبير، فبموازاة هذا التسليم للحقائق فنحن نفرّط بالأركان الأساسية لشخصيتنا وهويتنا وشعائرنا بسرعة، وبالتالي لا نتعلق بهذه الهوية كما يجب، ونلتزم بها و نحافظ عليها، بحيث نجد أنفسنا غير مهتمّين بشعائرنا وتقاليدنا، وفي المقابل نسلِّم بالكامل في مقابل تقاليد الأجانب ولغاتهم أكثر من الأمم الأخرى.

لو نظرنا إلى الشعب الهندي نرى أن علماءه بتلك العمامة و اللباس الخاص بهم- (نهرو) مثلا- كان سياسياً كبيراً وشخصية لها وزنها في العالم، وكان يجول العالم بزيّه ولباسه الهندي فلم يغيّره. كان يقول للعالم بأسره أنا هندي وسأبقى هندياً، لكن في المقابل لست متعصباً مقابل العلم والصناعة والتكنولوجيا، لأن العلم والصناعة لا ترتبط بأمة بعينها، بل تخصّ جميع البشر، كان يريد القول أني لست متعصباً في مقابل العقائد والفلسفات العالمية الكبرى، ولا مقابل الأديان الكبرى في العالم، لكن فيما يتعلق بالشعائر والهوية الوطنية فكل واحد يلتزم بشعائره ولا عيب في ذلك. لماذا علينا قبول شعائر الأمم الأخرى وشعاراتهم، فإذا عقد أجنبي زناراً على خصره نعقد زنارين، علماً بأنه إنما يفعل ذلك انطلاقاً من تقاليده وشعائره، لكن هذا ليس في حساباتنا!.

إن مسألة الإحساس بالهوية الوطنية والشعور بالشخصية مسألة في غاية الأهمية، ولا يوجد في المجتمع أي رأس مال أكبر من هذا الشعور، لأن هذا الإحساس هو الشعور بالكمال المطلوب والمطلق عند الأمم أو الأشخاص، والشعور أيضاً بالاستغناء عن الأمم الأخرى. إن الأمم تفتخر أن لديها فكراً وفلسفة خاصة بها في الحياة وهي تعيش هذه الفلسفة المستقلة الخاصة وتباهي بها.

إذا فقد المجتمع هذه الشخصية وهذه الطبيعة ولم يشعر أن لديه فلسفة حياة مستقلة يعتمد عليها، ولم يكن يؤمن بها، فإنه سوف يفقد كل ما لديه؛ أما إذا كان يملك هذه الفلسفة وهذه الشخصية المستقلة، فإنه سوف يقف على قدميه مجدداً حتى ولو سلب منه كل شيء، وبعبارة مختصرة، يمكن القول، أن القوة الوحيدة التي تمنع انجذاب وذوبان أمة في أمة أخرى، أو فرد في فرد آخر، هو هذا الإحساس بالشخصية والهوية والطبيعة الفلسفية الخاصة. (120).

 

س 83: ما هو الدليل على انتشار مذهب التشيع في إيران أكثر من أي بلد مسلم آخر، وما هو سبب تعلق الإيرانيين وعلى مدى التاريخ بأهل بيت العصمة والطهارة (ع)؟

ج: منذ بداية العهد الهخامنشي قبل 2500 سنة، دخلت إيران الحالية بالإضافة إلى أقسام من دول الجوار تحت حكم واحد، وعاشت إيران أكثر من 14 قرناً في ظل الإسلام، بحيث دخل هذا الدين في أدبياتنا وفي صلب حياتنا وجزئياتها، لقد ترعرعنا منذ نعومة أظافرنا على آداب هذا الدين وتعاليمه، وعبدنا الله سبحانه ودفنا أمواتنا على أسسه ومبادئه. إن كل ما لدينا من تاريخ وأدبيات وسياسة وقضاء ومحاكم وثقافة وتمدن وحضارة وشؤون اجتماعية خرج من رحم هذا الدين، أضف إلى ذلك، وباعتراف جميع المطلعين، أننا في هذه المدة قدّمنا للحضارة الإسلامية خدمات جليلة وقيّمة، وجهدنا في ترقّي وتسامي هذا الدين ونشره بين سائر الأمم أكثر من الجميع، وأكثر حتى من العرب أنفسهم، بحيث لا يوجد أمة تضاهينا في نشر علوم هذا الدين وترويجه وتبليغ مضامينه وعقائده وتعاليمه بين الأمم.

إن المسائل المشتركة بين إيران والإسلام هي مفخرة للإسلام ولإيران. للإسلام، بعنوان أنه دين غنيّ استطاع بمحتواه وتعاليمه الشريفة أن يجعل من أمة فطنة ذات حضارة عريقة وثقافة عميقة تعشق هذا الدين، ولإيران، بعنوان أنها أمة تطلب روح الحقيقة، وتبحث عنها من غير تعصّب، أمة محبّة للثقافة، تخضع للحقيقة، وتنحني أمامها أكثر من أي أمة أخرى، بل وتضحّي في سبيلها.

إن الانسان الإيراني يرى أن الإسلام توأم روحه، لقد وجد ضالته في هذا الدين. إن الشعب الإيراني ملتزم بالروح الإسلامية والمعاني الدينية أكثر من أي شعب مسلم آخر، من هنا، كان اهتمام الإيرانيين وتوجههم نحو آل الرسول (ص)، بحيث لا نرى أمة أو شعباً يحب أهل البيت (ع) ويتمسك بهم أكثر من الشعب الإيراني، لهذا نرى أن التشيع قد نفذ إلى قلوب هذا الشعب وروحه أكثر من غيره، وبمعنى آخر، يمكن القول أن الإيرانيين قد وجدوا روح الإسلام ومعناه الحقيقيين في أهل بيت العصمة والطهارة (ع)؛ وأهل بيت الرسول (ص) هم الجهة الوحيدة التي منحت روح هذا الشعب الجواب الكافي والشافي على تساؤلاته وحاجاته الروحية والمعنوية الواقعية. (121).

 

س 84: ما هو رأي الإسلام في «القومية» و «العالمية» وهل الشعور بالقومية مذموم في الإسلام؟

ج: كلمة «الملّة» كلمة عربية تعني الطريقة والأسلوب، والملة في القرآن الكريم تعني الأسلوب والطريقة التي يعرضها القائد الإلهي على البشر، أما في المصطلح الفارسي اليوم، فهذه الكلمة تستخدم بمفهوم مغاير كلياً، فالملة «ملت» بمعنى «الأمّة» تعني مجتمعاً يتشكل من أمة واحدة. هذا المجتمع الواحد له تاريخ واحد وقانون واحد وحكومة واحدة، وفي أكثر الأحيان له آمال وأماني وشعارات واحدة، فنحن اليوم نطلق على الشعب الألماني أو الإنكليزي أو الفرنسي بالأمة الألمانية والأمة الإنكليزية والأمة الفرنسية الخ...، وأحيانا نطلق كلمة أمة على طبقة معينة من الناس، حيث نقسم شعوب الدول إلى طبقتين، الطبقة الحاكمة والطبقة المحكومة، فنطلق على الطبقة الحاكمة كلمة الدولة أو الحكومة، ونسمي الطبقة المحكومة «بالأمة».

في اللغة الأوروبية تطلق كلمة «ناسيوناليسم» أي «القومية» على ما يسمى بالشعور القومي أو الانتماء إلى الأمة، بحيث ترجمها بعض العلماء الإيرانيين إلى اللغة الفارسية بـ «ملّت برستي» أي «الشعور القومي».

ناسيوناليسم «القومية» تعتمد على العواطف والاحساسات القومية، لا على العقل والمنطق، لكن لا يمكننا إدانة القومية بشكل مطلق، فإذا كانت القومية لها وجه إيجابي، بحيث تثبّت التعاون والتعاضد والوحدة بين أفراد الشعب، وتزيد من العلاقات الحسنة والإحسان وتقديم الخدمات المختلفة بين الأفراد الذين تربطهم حياة مشتركة، فهذا ليس منافياً للعقل والمنطق، وليس مذموماً في نظر الإسلام، بل على العكس فإن الإسلام يعطي الأشخاص الذين لهم أولوية في الحقوق أكثر من غيرهم، كالجيران والأقرباء، حقوقاً قانونية واجتماعية إضافية.

أما القومية بمعناها السلبي فإنها مذمومة عقلاً. عندما تكون القومية عاملاً في ابتعاد البشر عن بعضهم، وتجزؤهم تحت عنوان القوميات المختلفة، وتخلق فيما بينهم خصومات وعداوات، ولا ترى لغيرها من الأمم والقوميات الأخرى حقوقاً مشروعة، أو تتغاضى عن حقوق غيرها من الأمم، فإنها بهذا المعنى تكون مذمومة ومرفوضة.

التعبير المقابل «للناسيوناليسم» (القومية) هو «انترناسيوناليسم» (العالمية)، بحيث تنظر إلى القضايا من منظار عالمي، وتخالف الشعور القومي، لكن كما قلنا فإن الإسلام لا يذمّ جميع الإحساسات القومية، فقط يخالف الشعور القومي السلبي لا الشعور الإيجابي. (122).

 

س 85: ما هو تاريخ فلسطين، وما هو الدليل على ادّعاء اليهود لملكيتها، و تاليا ما هو المنطق الذي يعتمدون عليه في وصفهم أرض فلسطين بالأرض الموعودة؟

ج: إن القضية الفلسطينية ليست قضية متعلقة بدولة إسلامية، بل تتعلق بأمة بأسرها. اليهود يدّعون أن شخصين منهما (داوود وسليمان) قد أسسوا حكماً مؤقتاً في أرض فلسطين منذ ثلاثة آلاف سنة. إقرأوا التاريخ، متى كانت أرض فلسطين لليهود في طوال هذه المدة؟ متى كانت فلسطين تابعة للأمة اليهودية طوال فترة ثلاثة آلاف عام؟. قبل الإسلام لم تكن هذه الأرض لليهود، ولم تكن لهم بعد الإسلام أيضاً. عندما فتح المسلمون فلسطين كان المسيحيون يسكنون تلك البلاد، ولم تكن لليهود إطلاقاً، والمسيحيون آنذاك عقدوا اتفاق صلح مع المسلمين، وقد اشترطوا في المعاهدة أن لا يفتحوا الطريق لليهود، وقالوا نحن نعيش معكم، لكن لا يمكننا العيش مع اليهود، إذن كيف أصبحت أرض فلسطين فجأة وطناً لليهود؟!.

لقد جعلت هذه القضية تاريخ هذا القرن وسيرته مظلماً، هذا القرن الذي يطلق عليه كذباً وافتراءً قرن (حقوق البشر، والحرية والعدالة والإنسانية).

أنظروا إلى هؤلاء اليهود من أين جاؤوا، يدّعون أن أرض فلسطين لهم، فهل الهدف فقط تشكيل دولة صغيرة لهم في تلك الأرض؟ نحن مخطئون، الجميع مخطىء.

إنهم يعملون على أن تكون أطراف دولتهم تصل حتى إلى إيران، وعلى حدّ قول (عبد الرحمن فرامرزي) هذه إسرائيل التي أعرفها غداً ستدّعي أن شيراز تابعة لها، وشعراؤهم يذكرون دائما اسم شيراز في شعرهم، إنه «ملك سليمان»، ثم يقولون هذا تشبيه في الشعر، أقول هل تريدون سنداً أقوى من هذا؟ ألم يدّع اليهود ملكية خيبر؟! (قرب المدينة المنورة) ألا يدّعون ملك العراق والأراضي المقدسة؟!.

أقسم بالله سبحانه أننا مسؤولون أمام هذه القضية، أقسم بالله تعالى أننا غافلون وسوف نُسأل عن هذه المسألة! والله إن هذه القضية هي التي تُدمي قلب الرسول (ص)، لقد كذبوا وأوهمونا أنها قضية داخلية، أوهمونا أنها مسألة ترتبط بالعرب وإسرائيل فقط. يقول (عبد الرحمن فرامرزي): «إذا كانت مسألة داخلية وليست مسألة دينية، إذن لماذا يُرسل يهود العالم الأموال إلى الكيان الصهيوني»؟!.

إني أقسم بالله تعالى، أن الرسول الأكرم (ص) يرتعد في قبره من اليهود، هذه المسألة حقيقة واقعية، ومن لم يقل بذلك فإنه مذنب. (123).

 

س 86: لماذا أكثر وسائل الإعلام العالمية تحت سيطرة النفوذ اليهودي؟.

ج: القرآن الكريم استخدم كلمة «تحريف»، خصوصاً، في مسألة اليهود الذين هم أبطال التحريف والتزوير في العالم، وهذا ليس من اليوم بل منذ أن وجدت اليهودية في التاريخ.

لست أدري ما نوع هذا الجنس البشري الذي يملك في طبعه ميل عجيب إلى قلب الحقائق، وتحريف الوقائع، وتزوير التاريخ، لذلك نراهم يختارون دائماً المسائل والمواضيع التي تمكّنهم من قلب الحقائق والتحريف، فبعض وسائل الإعلام ووكالات الأخبار المعروفة ملك اليهود حصراً، لماذا؟ لكي يستطيعوا من خلالها قلب الأوضاع وتصوير القضايا في العالم بالصورة التي يرغبون بها.

لقد عبّر القرآن الكريم عن هذه الحقيقة اليهودية بشكل عجيب، وخصّ اليهود بهذه الخصوصية بعبارة (التحريف) وجعلها مختصة بالجنس اليهودي نسلاً بعد نسل. (124).

 

س 87: ما هي الوسائل والأدوات التي يستفيد منها الغرب في هجومه الثقافي على العالم الإسلامي؟.

ج: إن الشعوب والأمم التي تصمم على سلب روح التدين والأخلاق والشهامة والشجاعة والمروءة من أمة أخرى، فإنها تتّبع سبل الإغراء والشعارات البرّاقة، فتأتي من باب إدخال وسائل العيش والمرح والتسلية النفسية؛ من مرح ومجون ووسائل شهوانية، وكل ما يشغل الجسد والحواس بعيداً عن الروح والمعنويات.

إذا نظرنا إلى تاريخ الأندلس (اسبانيا اليوم)، نستطيع أن نقرأ ونعرف بوضوح الخطط والمؤامرات التي حاكها المسيحيون لإخراج المسلمين من هذا البلد؛ لقد تسللوا من باب الصداقة وتقديم الخدمات المعيشية اللاّهية الماجنة، لقد أوقفوا الجنائن والبساتين وجعلوها حكراً لصنع الشراب والمسكرات للمسلمين، وجلبوا الفتيات الجميلات المدللات والمغنيات والراقصات الماجنات، وأدخلوهنّ إلى كل شارع وقصر وبيت من بيوت المسلمين، وأمّنوا الوسائل الشهوانية من كل حدبٍ وصوب، فماتت روح المروءة والرجولة والشهامة عند المسلمين، وسلبت منهم روح الإيمان وانغمسوا في مجالس الأنس والمجون، وهكذا استطاع المسيحيون سلب الأندلس من أيدي المسلمين.

الاستعمار الغربي في القرون الأخيرة، وفي عصرنا الحاضر، يستخدم الأساليب ذاتها وينفذها في البلاد الإسلامية.

من المعروف أن المحيط الملوث بالفساد يكون دائماً محركاً للشهوات الجسدية والحيوانية، ويؤمّن لها الأرضية المناسبة، والاستغراق في الشهوات الجسدية الوضيعة ينافي الشعور بالمسائل المعنوية السامية؛ من إحساسات دينية والتزام أخلاقي وعلمي وفني، إنها تميت كل هذه الإحساسات. والإنسان الذي يتبع الشهوات، ليس فقط لا يمكنه أن ينمّي ذاك الشعور الديني المتسامي في روحه وكيانه، بل إنه يفقد كل إحساس بالعزة والشرف والكرامة والسيادة، وينسى الشعور بالمروءة والشجاعة والتضحية. من كان أسير شهواته لا تؤثر فيه الجاذبات المعنوية؛ دينية كانت أم أخلاقية، علمية أو فنية. (125).

 

س 88: هل هناك فرق بين الثورة الإسلامية والإسلام الثوري؟.

ج: هناك فرق بين من يعدّ الإسلام هدفاً ويجعل المواجهة والجهاد وسيلة لإقامة القيم الإسلامية وإحيائها، وبين من يجعل المواجهة بحدّ ذاتها هدفاً، بانياً منطقه على أن الإسلام إنما جاء من أجل المواجهة، وبالتالي عليّ أن أكون دائما في حالة مواجهة. يجب القول لأصحاب هذا المنطق، أنه خلافاً لما تتصورون، صحيح أن في الإسلام عنصر المواجهة، لكن ليس بمعنى أن الإسلام إنما جاء فقط من أجل المواجهة ولا هدف له سوى هذا. في الإسلام تعاليم وأحكام لا تعدّ ولا تحصى، والمواجهة واحدة من هذه التعاليم.

فكرة أن المواجهة أصل، إنما هي ناشئة من نوع من التفكير الذي يملكه الماديون حول مسائل المجتمع والتاريخ، فهم يعتقدون أن التاريخ والطبيعة يجريان على النمط الديالكتيكي (نوع من علم المنطق يقوم على الجدال والمناظرة بحيث يوقع الطرف الآخر بالتناقض وهو أسلوب محاورة سقراط، وقد اتخذه كارل ماركس مدرسة له) ويعبران من خلال الأضداد، فالدنيا قائمة على حرب الأضداد، وحرب الأضداد هذه تسير بشكل ديالكتيكي (ما يعبر عنه حديثاً بالجدلية).

فالمواجهة في منطق هؤلاء لا تتوقف ولا تنتهي، ولا يجب أن تتوقف، وأي شكل من أشكال المواجهة، وفي أي لحظة، هو في اعتقادهم أنه الحق. وعلى هذا الأساس من التفكير يجتهد عدد من الأشخاص ليكون الإسلام ثورياً، لا أن نجعل الثورة إسلامية. إنهم يعرّفون معيار الإسلام بالمواجهة في كل مكان. (126).

 

س 89: لقد كنتم من أوائل الشخصيات التي أدركت قدرة «الدكتور شريعتي» على البيان وإبداء النظر في المسائل الدينية المختلفة، ودعوتموه للتعاون في برامج «حسينية الإرشاد»، لكن المعروف أنه فيما بعد انحدرت آراؤكم في أفكاره ومؤلفاته، وسارت سيراً تنازليا،ً حتى وصل الأمر بأن توصوا بإعادة النظر في مؤلفاته قبل نشرها وإصلاح بعض الأفكار فيها، فلماذا تبدل رأيكم فيه من النظرة التفاؤلية والأمل في أفكاره وآرائه إلى نظرة تشاؤمية انحدارية؟

ج: بعد التباحث مع بعض الأشخاص من (الأصدقاء المشتركين) تقرر عدم تدخلي في المسائل المتعلقة بشخصية شريعتي من ناحية صداقاته والتزاماته العملية، على أن أتدخل وأذكِّر في حال وجد انحرافات في كتاباته ومؤلفاته، وذلك من باب المحبة وطلب الخير؛ لكن فيما بعد، رأيت أن عدداً من أصحاب الأفكار المنحرفة والعقائد الغير متجانسة مع الإسلام، اتجهوا إلى تكبير شخصية شريعتي وجعلها صنماً وقبلة، بحيث لا يتجرأ أي عالم أن يبدي نظره في أقواله ومؤلفاته، تحت عنوان أن هذه الشخصية هي المجددة للإسلام بعد السيد جمال الدين والسيد إقبال، وأن شريعتي هو المحيي للإسلام والشريعة والمزيل للخرافات، وعلى الجميع الالتصاق بأفكاره وتأييدها.

والعجيب، أنهم يريدون تجديد الإسلام وبنائه على أسس وأفكار ومعتقدات مترشحة من أفكار «ماسينيون» مستشار وزارة مستعمرات فرنسا في شمال أفريقيا وراعي الإرساليات المسيحية التبشيرية في مصر، وأفكار «كورويج» اليهودي الماتريالي (المادي)، وأفكار (جان بول سارتر) اكزيستانسياليت (الملحد) لا يعترف بالله والدين، وعقائد «دوركهايم» عالم الاجتماع المخالف للأديان.

إنهم يريدون بناء الإسلام الجديد على هذا الأساس، «وعلى الإسلام السلام».

في الأشهر الأخيرة من عمر شريعتي، أرسلت إليه تكراراً - بواسطة أشخاص عدّة - رسالة مفاهدها أن الكثير من مؤلفاتك وأفكارك مخالفة للإسلام، ويجب إصلاحها، وأنا مستعد وفي حضور أشخاص من أصحاب النظر والرأي أو من دونهم، وبأي وسيلة تشاء، أن أثبت لك ذلك، فإن ثبت هذا الانحراف أقدمت باسمك لا باسمي على إصلاحها، وفي ذلك رفعة لشأنك وسمواً لمقامك، وإلاّ فإني مجبرٌ على انتقادك عنوة، وطرح المسائل بشكل منطقي واستدلالي، وهذا مكلف لك.

الشخص الأخير الذي جاءني من طرفه قال لي أن شريعتي مستعد لقبول شخصيتين هما «السيد محمد رضا حكيمي» و «السيد محمد تقي جعفري»، لمراجعة آثاره ونقدها، فكان جوابي أن هذا الأمر جيد، لكن بشرط أن يكون مكتوباً.

فيما بعد علمت أنه لم يجز إلا لشخص واحد منهما «السيد حكيمي» بأن ينقد كتاباته ويعلق عليها، وأنه لن يشتغل بأي شيء لمدة سنة كاملة سوى إصلاح مؤلفاته «في أوروبا»، وأن أحد المقربين من السيد الإمام روح الله الخميني (قدس سره) نقل عنه: «أنا أنتظر فلاناً ليأتي إلى أوروبا لأتشاور معه في كيفية إصلاح كتاباتي». طبعاً أنا أيدت هذه المسألة، وحملت المسألة على دليل حسن نيته وسوء نية المقربين منه في إيران. من هنا، كان يتوجب إصلاح مؤلفاته من قبل السيد حكيمي المجاز من شريعتي خطياً، وذلك قبل طباعتها أو نشرها، لكن الظاهر أن بعض الأشخاص قرروا أن يجعلوه مجدداً للدين، وفتحوا له باباً لإظهار آرائه ونظرياته في أصول الدين وفروعه، وذلك بالشروع بطباعة مؤلفاته ونشرها على نطاق واسع. (127).

أما ما ينسب إلى شريعتي من قبيل أنه سنّيُّ الميول أو وهّابي، فهذا الأمر ليس له أساس من الصحة، لكن بالنّظر إلى أن علومه وتحصيله وثقافته كانت غربية، جعل من كتاباته يشوبها الكثير من الأخطاء والاشتباهات في المسائل الدينية، وحتى في مسائل الأصول، والسكوت عن هذه الأخطاء غير جائز، ويعدّ نوعاً من كتمان الحقيقة والذي يشمله قوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّه} (128) (129).

 

س 90: هل يوجد ضرورة لنقد أفكار (الدكتور شريعتي) ومؤلفاته، وما هي الأساليب المفيدة التي يمكن الاستفادة منها في نقد آثاره وكتبه؟.

ج: النقد بمعناه الواقعي، هو توضيح نقاط القوة ونقاط الضعف عند المؤلف والإضاءة عليها، وإظهار الصورة الواقعية لمؤلفٍ أو شخصية ما.

وضرورة هذا العمل يبتنى على دليلين:

ألف: شيوع هذه الأعمال وانتشارها بشكل ملفت وغير طبيعي.

ب: ترصُّد مجموعة من الشخصيات تجهد في جعل نقاط ضعف الأعمال المبنية على استنباطات خاطئة عن الإسلام وتعاليمه، أنها تجديد إسلامي تحت عنوان تدوين ونشر ثقافة الثورة الإسلامية.

من الضروري القول، أن نقد كتب شريعتي وأفكاره نقداً علمياً بعيداً عن أي غرض يدفع بأفكار هذا الجيل إلى الأمام ويفتح للفكر آفاقاً جديدة.

ويمكن التحقيق في مؤلفات الدكتور شريعتي وأفكاره على صورتين: الصورة الأولى: التحقيق في كتبه المهمة كلٌّ على حدى، ونقدها ثم تحديد الموضوعات المشتركة فيها، بالإضافة إلى تشخيص أسس أفكاره والتناقضات في المطالب التي تحويها المؤلفات، بحيث يمكن رفع النقص في كتاب أو مطلب ما وجبره من كتاب آخر، أو على الأقل إخراج المسائل الغير صحيحة وإبعادها من الآثار، كنظرية البنية الأساسية للاقتصاد والفلسفة والتاريخ.

النوع الثاني: التحقيق على أساس موضوعي، فالسيد شريعتي تحدث عن مواضيع كثيرة ومختلفة، بعضها إسلامية بشكل مباشر، وبعضها الآخر تناولها على أنها إسلامية ولو بشكل غير مباشر من قبيل:

أ- العقائد الإسلامية: التوحيد، العدل، النبوة، الإمامة، المعاد، الملائكة، الكتب والرسل، ضروريات إسلامية؛ وهي مسائل إما ألزم القرآن بالإيمان بها، أو من باب أنها جزء من الضروريات الإسلامية، فالإيمان بالنبوة يستلزم الإيمان بها، وبالتالي لا يمكن لإنسان مسلم أن يكون وفياً لدينه وهو يفكر خارج إطار هذه الضروريات.

ب- الثقافة الإسلامية: ماذا استنبط السيد شريعتي من الثقافة الإسلامية، هل يقول بأصالتها؟ هل هو من أنصار إحيائها؟ هل يعد ماهية هذه الثقافة إسلامية؟ وفي النهاية ما رأيه في مسائل؛ الفقه، الحديث، التفسير، المنطق، الفلسفة، العرفان، والأدب الإسلامي، وما هو نظره؟

ج- النظرة الإسلامية إلى العالم من وجهة نظر شريعتي، أية رؤية كونية يحملها؟ أي نوع من الرؤية ومن أي منظار يرى هذه المسألة؟ ألم يخطىء في تشخيصه في النظرة الإسلامية إلى العالم، ورؤية الكون من منظار إسلامي.

د- ما هي الإيديولوجيا الإسلامية التي يحملها فيما يتعلق بالهدف، والوسيلة، والتكتيك، وما هو طرحه في هذه المواضيع، ما هي أفكاره؟

هـ- الأخلاق الإسلامية، ما هي الأخلاق وما هي الماهية التي يقول بها؟

و- ما هي المباني والأصول التي تقوم عليها التربية والتعليم؟

ز- ما نوع معارفه حول الإسلام، هذه المعارف تحت تأثير أي أشخاص وأفكار ومدارس بنيت؟

ح- المسائل اليومية الحادّة المطروحة والتي تتعلق قهراً بالإسلام، كيف يفكر بها ما رأيه فيها؟؛ الرأسمالية، الشيوعية، الاشتراكية، الصهيونية، المادية، القومية، العالمية، الحكومات الإسلامية اليوم، العلماء والروحانيون، وكل هذه المسائل المطروحة.

إن آراءه في بعضها ممتازة وله مواقف جيدة، لكن بعض مواقفه قابلة للانتقاد. (130).

 

س 91: بعيدا عن أفكار النظرة العبثية التي قدمت «صادت هدايت» بعنوان «كاتب متشائم» لا يثني على شيء، يجب أن نقبل أنه كان يرى حقيقة مجتمعه ويصوره بقلمه، وقد آمن حقاً بأفكاره وعقائده، وبذلك طوى طريق الموت. بناء عليه، هل يجوز تكفيره إلى هذا الحد والاعتراض عليه لأنه قام بالانتحار؟

ج: لا يخطئنّ أحد، فأمثال «هدايت» قد أساؤوا إلى مجتمعنا وإلى الإنسانية وأهانوهما. إنهم يستخدمون منطق الملائكة ذاته مع الله تعالى عندما اعترضوا على «جعل الله في الأرض خليفة»، هؤلاء لم يروا في مجتمعاتهم غير القبح والفساد، لم ينظروا إلى المسائل الجميلة والحسنة، لقد كانوا ينظرون إلى المجتمع نظرة أحادية الجانب، وهذا الأمر خطأ فادح وسوء في التعليم، فالنظرة الصحيحة إلى المجتمع إنما تكون بالتجرد من أي حبّ أو بغض مسبق، عليهم أن يروا سيئات المجتمع وحسناته معاً، فإن نظرنا فقط إلى المسائل السيئة، ولم نر الجانب الإيجابي الآخر، وبالتالي أنكرناه، فهذا نوع من خيانة المجتمع، وسينجر إلى خيانة النفس.

عندما يلقّن الإنسان نفسه دائماً أنه لا يوجد في المجتمع سوى الشر والفساد والسوء و القبح والمسائل السلبية، فهذا سيدفع بصاحب هذه النظرة إلى اليأس ومن ثم إلى الانتحار.

إن الأشخاص الذين لا يملكون في وجودهم شعلة من نور أو أبعاداً جيدة، فإنهم ينظرون إلى أنفسهم أولاً- و لأن الإنسان عادة يرى الدنيا من منظاره- فإنهم لا يرون في المجتمع أي جهة حسنة أو بُعدٍ جيد. وإلاّ فالإنسان إذا لم يكن لديه نموذج من الخصال الإنسانية الكريمة، فهذا ليس دليلاً على أن الآخرين لا يملكون هذه الخصال، وإذا لم ير في نفسه أموراً جيدة، يقول الآخرون أيضاً لا يملكون هذه الأمور. (131).

 

س 92: ألا يجب على علماء الإسلام أن يقبلوا أن إجراء قانون الإعدام والقصاص وأمثال ذلك في عالم اليوم المتحضر، وعلى أساس جميع الفلسفات القائمة، يعد عملاً من مصاديق العنف والقساوة؟ أوليس هكذا قوانين جزائية قاسية وعنيفة لا تتناسب مع المفاهيم المعاصرة الجميلة، «حقوق البشر» و» محبة الإنسان»؟. برأيك ألم يحن الوقت لكي يعاد النظر في بعض الأحكام الإسلامية، وبالتالي التوجه إلى معالجة المسائل بالمحبة والصداقة والرحمة التي يقول بها جميع الناس بدلاً من إعمال وسائل العنف والردع القاسية؟

ج: من المسائل المطروحة في الإسلام، فيما يتعلق بالتعليم والتربية، مسألة المحبة، ويقابلها مسألة القساوة. بالتأكيد إن ما يقابل المحبة هو البغض، لكن أثر المحبة هو الإحسان والليونة، وأثر البغض هو الخشونة والقساوة. نعلم أن البعض ينظرون إلى التعليم والتربية الإسلامية بعين الانتقاد، يقولون: إن الإسلام لم يعتمد بالقدر الكافي على مسألة المحبة وأثرها اللين والإحسان، فلو أن الإسلام طرح مسألة المحبة، والإحسان إلى الإنسان، والرفق واللين، في مقابل العداوة والقساوة وإعمال العنف؛ وبمعنى آخر، الإساءة إلى الإنسان!.

إن التوافق مع الرغبات في السلوك، هو غير التطابق مع المصلحة في السلوك. فلا يجب أن تكون «الرغبة» أو «الميول» مقياساً؛ بل المقياس هو «المصلحة»، كذلك يجب أن تكون مصلحة الجماعة هي المقياس وليس مصلحة الفرد، وهذا ما يكون في بعض الحالات التي يفدى فيها بمصلحة الفرد في سبيل مصلحة المجتمع.

من هنا فإن بعض الحالات تقتضي- ومن باب المحبة نفسها والتي قلنا أن أصلها قصد الخير والإحسان إلى الإنسان- إجراء القساوة وعدم التسامح واللين، وبالتالي توجب وضع مصلحة المجتمع مقدمة على مصلحة الفرد؛ فمثلاً أكثر ما يتصوره الإنسان من القساوة؛ الإعدام، الذي يعدّه الفرد شيئا سيئا بالنسبة إليه، وهذا إنما يكون في مصلحة الجماعة.

في التعبير القرآني عبارة جامعة فيما يتعلق بمسألة القصاص!

{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (132)

نعلم أن القرآن الكريم في قانونه الجزائي يميل إلى القصاص، ففي مسألة قتل العمد، بحيث يقدم الفرد من دون أي عذر على قتل بريء أو نفس محترمة، فالإسلام هنا يجيز القصاص بالإعدام.

لا يجب أن يؤخذ هذا النوع من القصاص على أنه قتل أو إماتة، بل يُتلقى على نحو الحياة والإحياء، لكن ليس حياة الفرد، بل حياة الجماعة؛ يعني أن في الاقتصاص من فرد متعدّي حياة لأفراد المجتمع وحفظ للجماعة، فإذا لم يُمْنَع القاتل ولم يوضع له حدٌّ، فإنه غداً سيقتل شخصاً آخر، وبعد غد سيقتل أشخاصاً وأشخاصاً، وسيتجرأ غيره على القتل، وبالتالي سنجد مجتمعاً مليئاً بالأفراد القتلة ولا من يحاسب، لذلك لا يجب حمل القصاص بالإعدام على أنه نقص في أفراد المجتمع، بل فيه حفظ الجماعة والأفراد، وبالتالي، فإن القصاص لا يعني العداوة للإنسان، بل المحبة والحياة.

يقولون:«محبة الإنسان»، هذا كلام صحيح، لكنه مصطلح ملتبس بحاجة إلى تبلور أكثر؛ فمرة نقول: «الإنسان» يعني هذا الهيكل الظاهري المشترك في جميع الأشخاص، و«محبة الإنسان» تعني حب كل إنسان من نسل آدم (ع)، والمقصود منه الإنسان الذي هو ضمن نطاق «علم الأحياء»؛ أي الإنسان الحي الذي يعيش ويأكل ويشرب، فهل هذا هو المقصود؟ أو أن المقصود هو الإنسان بما هو إنسان؛ يعني الإنسان بما يحمل من قيم إنسانية، الإنسان من أجل إنسانيته، ومحبة الإنسان تعني محبة الإنسانية؟

إذا أصبح الإنسان ضد أخيه الإنسان، وبالتالي ضد الإنسانية، فإنه يصير مانعاً وعائقاً في طريق الإنسان والتكامل الإنساني، فهل يجب علينا أن نحب هذا الإنسان أو نصادقه حقاً، وهو الذي في الشكل اسمه إنسان لكنه في المعنى والحقيقة ليس إنساناً، بل ضد الإنسانية، أو هل نخون الإنسانية ونعاديها باسم «محبة الإنسان» أو «صداقة الإنسان»؟

عموماً، فإن أساس مسألة «محبة الإنسان» هي محبة الإنسانية بصرف النظر عن مسألة أن المحبة ليست مراعاة الرغبات والميول؛ بل عبارة عن مراعاة المصلحة والخير والسعادة في المجتمع، وبصرف النظر عن أن مصلحة الفرد ليست معياراً، بل مصلحة الجماعة هي المعتبرة.

عندما تكون محبة الإنسان هي محبة الإنسانية، ومحبة الإنسانية تعني مراعاة المصالح الإنسانية، وليس فقط مراعاة الرغبات والميول، عندها يصبح معلوماً أن هذا التفسير لقانون «محبة الإنسان»، بأنه نوعٌ من السلوك بحسب الرغبة والميول، هو منطق خاطىء، بل المحبة المنطقية هي في إزالة الأفراد الذين يُعدّون أشواكاً في درب الإنسانية، ولو أدّى ذلك إلى تنفيذ قانون يحمل في طيّاته القساوة والمواجهة والجهاد وحتى القتل. (133).

 

السؤال 93: لماذا تهتم التربية الإسلامية بالعقوبات والمجازاة والتأديب أكثر مما توجه إلى التربية؟ فمثلاً في مسألة السرقة، القانون الإسلامي توجه مباشرة إلى قطع اليد، في حال أنه يمكن الاستفادة من وسائل التربية المختلفة، بدلاً من إعمال العقوبات القاسية؟.

ج: لماذا قطع أصابع الخائن والسارق ليست جائزة؟!. الجواب لا يخلو من عدة مسائل. فإما أن نقول، السرقة ليس لها عقوبة وذلك من باب أن المسألة ليست مهمة؛ فالسارق ليس لأحد شأن به. أو أحياناً نعاقبه بشكل يجعله يكرر فعلته وبالتالي نشجعه على ذلك. أو أن نقول أن السارق لا يجب أن نعاقبه، بل يجب تربيته وإعطائه فرصة النجاة، فهذا الكلام لا يصدّقه سوى العوامّ والسذّج وفيه من الخداع الكثير، لكن الكلام ليس في مسألة: «إما التربية وإما العقوبة»، بل الكلام في مسألة: «إذا لم تنفع التربية، أو في المواضع التي لا تلائم التربية فيها ولا تؤثر ماذا نفعل»؟

أوليست العقوبات هي آخر دواء التربية، أو نقول أن قطع أصابع السارق عمل قاسٍ ويجب أن نكتفي بعدة جلدات؟!

الجواب حول هذه المسألة بالقول ما هو ملاك القسوة والليونة؟. السرقة إضرارٌ بالأمانة، وضربة لناموس المجتمع، وكثيراً ما نرى السرقة تجر إلى القتل، أو الضرر الجسدي الكبير أو التشوهات الجسدية.

يجب أن نرى أي عقوبة يمكن أن تلعب دور «آخر الدواء». التجربة تفيد أن في الأماكن التي لم تنفذ العقوبات فإن السرقات تزداد أضعافاً، ويكثر السارقون، فتسرق البيوت، و تسقط العائلات، و تقتل الناس، وكثير منهم يصابون بإعاقات في أعضاء أجسادهم، أما في الأماكن التي تنفذ فيها العقوبات، وتقطع فيه أصابع من يد السارق، نرى أن باب السرقة وكل تبعاته السلبية يقفل. إن قطع أصابع خائن واحد ليس قساوة ولا خشونة؛ بل هو سدٌّ لباب القساوة والخشونة، ومنعٌ لسلسلة من الاعتداءات الأشد والأصعب بدرجات.

بالطبع يجب القول أن القوانين الجزائية من وجهة نظر الإسلام، إنما تنفذ بعد الإعلان عنها صراحة. النقطة الثانية؛ أن العقوبات في النظرة الإسلامية هي آخر الدواء، وهي عامل تربوي اجتماعي، والإسلام لا يقول بانحصار إجراء العقوبات لمنع انتشار الفساد أو السرقة أو الاعتداءات بشكل عام، بل الإسلام يستفيد من جميع العوامل ومن جملتها العقوبات. (134).

 

السؤال 94: كلمة «الحرية»؛ هذه الكلمة الجميلة التي يمدحها جميع المفكرين، يراها البعض أنها نوع من الكمال المنحصر بالفرد، ويراها آخرون وسيلة لبلوغ الكمال البشري. برأيكم هل هي كمال أم وسيلة؟

ج: الحرية كمال الإنسان، لكنها «كمال وسيلة» وليست «كمال هدف». ليس هدف الإنسان أن يكون حراً، لكن الإنسان يجب أن يكون حراً لكي يصل إلى كماله، فالحرية تعني الاختيار والإنسان هو الموجود الوحيد الذي يختار طريقه بنفسه ويملك حرية الاختيار، وبتعبير أدقّ، على الإنسان أن يختار ذاته بذاته.

إذن، الإنسان حرٌّ ومختار، أما إذا كان حراً فهل هذا يعني أنه وصل إلى كماله؟ أو بما أنه مختار يختار كماله؟يمكن للإنسان مع الحرية أن يصل إلى أعلى المراتب والكمالات، ومع هذه الحرية ذاتها يمكنه أن يسقط إلى أسفل السافلين.

إن الحرية بذاتها ليست كمال البشرية، إنها وسيلة لكمال البشرية، بمعنى أن الإنسان إذا لم يكن حراً لا يستطيع أن يحصل على الكمالات البشرية.

والحرية تعنى انعدام المانع، وانعدام الجبر، وعدم وجود أي قيد في الطريق. إذن فأنا حرٌّ وأستطيع أن أطوي طريق الكمال، وليس لأني حرٌّ فهذا يعني أنّي وصلت إلى كمالي.

فهل الحرية كمال؟. لا شك في ذلك؛ لأنه إذا لم تكن الحرية موجودة لا يمكن للإنسان أن يصل إلى كماله.

الإسلام يعترف بأن الحرية قيمة مهمة من قيم البشر، لكنها ليست قيمة منحصرة بالفرد، ولا بذاك المعنى والتفسير المصطنع، بل بمعناها الواقعي. (135).

 

السؤال 95: هل في النظام الإسلامي في إيران حدود أو قيود «للحرية الفكرية»؟

ج: هناك فرق بين حرية الفكر، وحرية العقيدة. فحرية الفكر تنبع من الاستعداد الإنساني للبشر بحيث يمكنه التفكير في المسائل. هذا الاستعداد البشري يجب أن يكون حراً، وتقدم البشرية وتكاملها رهن هذه الحرية. أما حرية العقيدة فلها خصوصية أخرى، أنتم تعلمون أن ليس جميع العقائد تنبع من فكر صحيح، بل هناك عقائد كثيرة منشؤها سلسلة من العادات والتقاليد والعصبيات، والعقيدة بهذا المعنى، ليست فقط، لا يمكنها فتح آفاق أمام طريق البشرية، بل تصبح نوعاً من تعقّد الفكر وجموده، بحيث يصير فكر الإنسان في هذه الحالة مقفلاً وجامداً بدل الانفتاح والفعالية، ومن ثمّ تصبح هذه القوة التي تفعّل الفكر وتقوّيه أسيرة داخل الإنسان، محبوسة في باطنه بسبب هذا الجمود والانغلاق.

إن حرية العقيدة بمعناها الأخير، هي غير مفيدة، بل أكثر من ذلك، لها أسوأ الأثر على الفرد والمجتمع. فهل من المنطق والعقل أن يقال أن الإنسان إذا توصّل بحسب عقيدته ومنطقه إلى عبادة الحجر، يجب القول أنه ما دام توصل إلى هذا الأمر بالفكر والمنطق، ولأن العقيدة محترمة، فيجب احترام عقيدته، ولا يمكن الاعتراض على عبادة الأصنام والأحجار؟ أم أن المسألة غير ذلك، يجب أن نسعى ونعمل من أجل تحرير عقله وفكره من أسر هذه العقيدة؟

أما بالنسبة إلى مسألة حرية الفكر، فكما أسلفت، لا يجب أن نخطىء في حرية انعقاد الفكر، فكل مدرسة تؤمن بايديولوجيا خاصة بها، وتعتقد بأفكارها وتثق بعقائدها. من هنا يجب أن نكون من أنصار حرية الفكر، وكل مدرسة لا تؤمن بنفسها ولا تثق بها فإنها تقف عائقاً أمام حرية الفكر.

الإسلام من جهته يعتقد بحرية الفكر، فالكل يجب أن يكونوا أحراراً، ويعرضوا ما توصلوا إليه من أفكار أصيلة، لكن يجب أن نذكّر أن هذا الأمر لا يعني الرياء والمؤامرة، فالتآمر ممنوع، أما أن تعرض الأفكار الأصيلة فأنت حرٌّ.

من هذا المنطلق، يمكن القول، أن ماهية هذه الثورة هي ماهية تطلب العدالة وتعمل لأجلها، وتكليفنا جميعاً احترام الحريات بمعناها الواقعي، لأنه إذا كان نظام الجمهورية الإسلامية أرضية للقمع وخنق الحريات فسوف يهزم حتماً ويسقط، لكن بالطبع الحرية لا تعني الهرج والمرج والفوضى، وقصدنا بالحرية بمعناها المعقول. (136).

 

السؤال 96: ما الفرق بين نظرة الإسلام ونظرة الغرب الى أصل بعض المفاهيم ومنشئها، مثل: الحرية والديمقراطية؟

إذا اعتبرنا أن منشأ الحرية والديمقراطية هي الميول والرغبات عند الانسان، فإنه سوف تتولد تلك المسائل التي نشهدها اليوم في مهد الديمقراطية الغربية. كيف توضع القوانين في الدول الغربية وعلى أية أسس؟ إنها الأكثرية، الأكثرية العددية هي التي تحدد أصول ومباني القوانين والأنظمة في هذه الدول. وعلى هذا الأساس، نرى أن الشذوذ الجنسي وممارسة الجنس المثلي؛ «الرجل مع الرجل» و «المرأة مع المرأة» بحكم احترام الديمقراطية ورأي الأكثرية، يصبح قانوناً مشرعاً.

إن واضعي القوانين والمشرعين يستدلّون على وضع هكذا قوانين (الجنس) وغيره...برأي الأكثرية ومطلبهم، وأن الأكثرية موافقة على الجنس المثلي وترغب به، لذلك فالديمقراطية توجب أن يوضع هذا المطلب في قالب قانوني، وبالتالي يلزم إجراؤه. ولو سألناهم هل يوجد للإنسان صراطٌ مستقيم يوصله إلى التكامل المعنوي؟ فإن كان الجواب بالإيجاب، يجب أن يقبلوا بضرورة المراقبة والهداية والإرشاد من أجل عدم الانحراف عن المسير والسقوط؛ لكنهم يجيبون بالنفي، فهم يعتقدون أن لا وجود للصراط المستقيم، بل الطريق عندهم هو ما يختاره الإنسان لنفسه ويقرره ويسير فيه.

وفي مقابل هذا النوع من الديمقراطية، هناك ديمقراطية إسلامية، مبنية على أساس حرية الإنسان، لكن هذه الحرية لا تخلص بالتأكيد إلى الشهوات، بل غايتها كمال الإنسان في الإنسانية، والإحساسات المرهفة العالية. هذا ما يعبر عنه بالديمقراطية في الإسلام، فالإسلام يريد الحرية الواقعية التي تقيّد الحيوانية في الإنسان وتطلق الإنسانية فيه. (137).

 

السؤال 97: نشاهد في السنوات الأخيرة بعض الأشخاص الجامعيين يتحدثون بشكل علني ضد الدين، أو يكتبون مقالات في الجرائد والمنشورات تخالف أصول الإسلام المسلّم بها، ولا نرى أي تحرك يمنع هؤلاء المشكّكين من قبل المسؤولين المعنيين، برأيكم هل يعد انتشار هذه المسائل في المجتمع أمراً خطيراً؟

ج: أنا لست قلقاً من ظهور أمثال هؤلاء المشكّكين الذين يطعنون في الإسلام بأحاديثهم ومقالاتهم في المجتمع، بل لعلي من جهة ثانية مسرورٌ لأني أعلم أن ظهور أمثال هؤلاء الناس يجعل صورة الإسلام أكثر ظهوراً وإشراقاً. نعم، إن وجود هؤلاء يصبح خطراً عندما يصل المدافعون عن الدين والذّابّون عنه إلى درجة الموتى وانعدام الروح لديهم في مقام المواجهة بالأجوبة المناسبة؛ يعني عندما لا يبدون أي ردة فعل في مقابل المهاجمين على الدين. أما ما دامت الحياة والروح موجودة في الأمة الإسلامية إلى درجة إظهار ردود فعل مناسبة في مواجهة المشكّكين والمرتابين، فإني مطمئن لهذا الأمر، لأنه في الخلاصة يعود بالفائدة على الدين الإسلامي.

لقد رأينا في العقود الأخيرة الماضية أمثال «كسروي» يكتب مقالات ضد التشيع، وأحياناً، مخالفة للدين الإسلامي بشكل عام، أو ظهور أفكار وأحاديث «الحزب الشيوعي» حزب «توده» في المسائل المادية واعتراضهم على أساس الإسلام، وآخرين ممن يتكلمون بخلاف الدين بدعوة حماية الأمة والقومية الإيرانية، هؤلاء خدموا الإسلام من حيث لا يدرون، فعندما كتب «كسروي» تلك الكتب، نهض عدد من العلماء وتناولوا تلك الشكوك والاعتراضات التي لم تكن موجودة لقرون عدة، وكشفوا الستار عنها وأوضحوا ابهاماتها، وبيّنوا خرافاتها، وشرّحوا أوهامها؛ وبذلك ظهرت صورة الإسلام نقيّة من دونها.

إن ديناً حياً لا يخاف من هكذا ترهات وإن ظهرت؛ الدين الحي يخاف عندما تكون أمته ميّتة إلى درجة لا تحرِّك ساكناً في وجه هؤلاء، ولا تظهر أي ردة فعل معاكسة.

إن ديناً منطقه مبنيٌّ على الفكر والعقل، وعلى أسس الحساب والفلسفة وسلسلة من المصالح الواقعية لا يمكن أن يكون قلقاً، وعلى هذا الأساس، فإن الحرية الفكرية التي منحها الإسلام للمسلمين وللأمم الأخرى حول الإسلام، ومنذ بداية ارهاصاته في صدر الإسلام، لم تمنحه أمة أخرى ولم يمنحه دين آخر، وهذا من افتخارات الإسلام. (138).

 

السؤال 98: من أكبر نقاط الضعف عند مؤيدي الأصول الإسلامية والمدافعين عن قيمه أنهم يحدّون من الحرية الفكرية- وإن كانت تنبع من سوء النية- وتمنع إبراز آراء المخالفين وإظهارها؛ وذلك بحجة منع إشاعة الانحرافات الفكرية في المجتمع. فهل تؤيدون أسلوب الدفاع عن المعتقدات والأفكار الإسلامية هذا؟.

ج: إني أحذّر الشباب والمدافعين عن الإسلام، فلا يظنوا أن طريق حفظ المعتقدات الإسلامية يكون بمنع الآخرين من إظهار عقائدهم، فحفظ الإسلام ومعتقداته يكون بالاعتماد على قوة واحدة؛ ألا وهي؛ العلم وإعطاء الحرية للآخرين لإظهار عقائدهم، وإن كانت مخالفة، ومن ثم التصدي الصريح والواضح لهؤلاء.

أين شاهدتم في تاريخ هذا العالم أمة تدين جميعها بدين واحد، ولديها إحساسات وشعور ديني واحد، تعطي الأشخاص من غير مذهبها هذا القدر الكبير من حرية إبداء الرأي والفكر، حتى أنهم يأتون المساجد ويأتون مكة، يجلسون فيها وفي مساجد الرسول (ص) ويظهرون كل ما يشاءون، وكل ما في قلوبهم وعقولهم وضمائرهم، فينكرون الله عز وجل وينكرون الرسول والرسل (صلوات الله تعالى عليهم أجمعين) ولا يقبلون الصلاة ولا الحج، ثم تتعامل معهم أمة هذا الدين بكل احترام؟

إن النماذج المضيئة في التاريخ الإسلامي كثيرة، والأمثلة لا تعد ولا تحصى، وهذا هو السبب الذي جعل الإسلام حياً وأبقاه شعلة مضيئة.

فلو كان جواب الامة للمخالفين والمعاندين في صدر الإسلام، ممن لم يقبلوا هذا الدين الحنيف، هو الضرب والقتل لما كان اليوم من وجود للدين.

إن السبب في بقاء دين الإسلام حياً هو اعتماد الصراحة والشجاعة في مواجهة الأفكار المختلفة، وفي المستقبل أيضاً، إنما تتوقف حياة الدين وبقاؤه على المواجهة الصريحة والشجاعة في مقابل العقائد والأفكار المختلفة والمخالفة.

كل فرد يجب أن يكون حراً في فكره وبيانه وقلمه. فقط في هذه الحال يمكن لثورتنا الإسلامية أن تستمر في طريقها المنتصر والصحيح، وقد دلّت التجربة فيما مضى على أن المجتمع- في أي زمان ومكان- إذا تمتع بنوع من الحرية الفكرية، ولو «بسوء نية»، فهذا الأمر لا ينتهي بالضرورة إلى ضرر الإسلام، بل كان دائماً بنفع الإسلام، وهذا ما يحصل في مجتمعنا، فالإسلام ينمو وينتشر أكثر فيما لو تمتع الجميع بحرية الفكر، فالمخالفون يمكنهم إظهار آرائهم وأفكارهم وطرح عقائدهم في محيط من الحرية الفكرية من جهة، وفي المقابل نحن نطرح أفكارنا ونبين نظرياتنا، فقط في هكذا أرضية سليمة وصالحة ينمو الدين ويرتقي. (139).

 

السؤال 99: في الإسلام قوانين تحرّم أنواعاً معينة من البيع والشراء، و لا تجوز انتشار بعض الكتب التي تحمل في طيّاتها مواضيع خاصة و تمنعها. من جهة ثانية أنتم تدّعون أن الإسلام يحترم الأفكار والعقائد. أوليس هذا النوع من القوانين الصريحة ينافي الأصول الأولية للحرية، أوليس هذا مصداقٌ واضحٌ للحد من إظهار العقائد المختلفة أو منعها من الانتشار؟

ج: لعل هذه القوانين في نظر البعض مسألة غريبة وغير مقبولة وتنافي أصول الحرية، لكن إذا أمعنّا النظر جيداً نرى أن هكذا قوانين ليست فقط تخلو من أي إشكال بل هي ضرورية ولازمة؛ فمن المهم معرفة الجيد والسيئ من آثاره التي يتركها، يجب أن نعلم أي أثر سيتركه كتاب ما في روح قارئه وفكره، هل يقبله أو يدعه؟ كما لو سئلنا عن الطعام الجيد والطعام الفاسد، سوف نجيب بنفس الجواب.

فالكتاب الذي تكون نتيجته التشاؤم وفساد الروح، أو تحريك الشهوات والغرائز، ومخالفة العفّة والأخلاق والدين، والدعوة إلى الفوضى وعدم النظم، فهذا كتاب لا شك مضلّ وسيء.

وكما يوجد كتاب ضلال فهناك نطق ضلال، وحديث ضلال، وفيلم ضلال أيضاً، وفي هذه المسائل كلها يجب النظر إلى الآثار التي تتركها في روحية البشر، وتقييمها على هذا الأساس، ثم نصل إلى نتيجة تفيد أن كل فرد، بما انه مسؤول عن سعادته الشخصية وعن وجوده وحياته الخاصة، فهو مكلف بمراقبة الأفكار التي يريد أن يستقيها من المصادر المختلفة ويدخلها إلى عقله. كذلك الأمر فيما يتعلق بالقيّمين على المجتمعات، فهم مكلفون بمراقبة الغذاء الروحي لمجتمعهم بما أنهم يديرون شؤونا عامة ويحملون على عاتقهم مسؤوليات ترتبط بأمور الناس وحياتهم، أضف إلى ذلك، أننا من منطلق الإسلام، يتوجب علينا مراقبة بعضنا الآخر فيما يخص الأفكار والعقائد التي نوردها عقولنا خصوصا اذا علمنا أن كل مسلم مسؤول عن سعادة إخوانه من المسلمين الآخرين. (140).

 

السؤال 100: ما هي منزلة العدالة الاجتماعية في النظام الإسلامي؟

ج: لا يوجد مدرسة أو نهج في العالم يظهر حساسية كالإسلام فيما يتعلق بالعدالة الاجتماعية وعلاقتها بالروحية الإسلامية والامتزاج بينهما، فالإسلام ليس له نظير ولا عديل في هذه المسألة، لأن العدالة الاجتماعية إذا فقدت من المجتمع سوف تتزلزل المعنويات الروحية. ومنطق الإسلام هو توأمة العدالة الاجتماعية مع المعنويات الروحية في المجتمع، وثورتنا في المستقبل تحتاج إلى معنويات روحية أوسع وأشمل إلى جانب العدالة الاجتماعية بالمقياس الإسلامي.

في المجتمع الذي تنتفي فيه العدالة سنجد آلاف المرضى النفسيين، إن الحرمان يولد العقد النفسية، والعقد النفسية تولد الانفجار، وبتعبير أمير المؤمنين علي (ع)، المجتمع الذي تعيش فيه مجموعة جائعة ومجموعة متخمة لن يبقى على حاله، بل ستظهر مئات حالات الفساد، إلى جانب هذا الوضع سيكون مجتمعاً مبتلى بفئة من الناس يشوبها مرض التفرعن والتكبر والغرور من جهة، وفئة أخرى يسودها الضعف والحرمان من جهة أخرى.

إني أؤكد أن ثورتنا إذا لم تسر في طريق إقامة العدالة الاجتماعية، وتتقدم في هذا المجال، فإنها لن تصل إلى نتيجة، وهناك خطر أكيد من أن تقوم ثورة أخرى بماهية أخرى مكان هذه الثورة. (141).

 

السؤال 101: ما هي الوسائل التي يجب أن يعتمدها المسؤولون في النظام كي يتمكنوا من مواساة الفقراء والضعفاء؟.

ج: يقول أمير المؤمنين (ع) في جوابه لعاصم بن زياد لمّا قال له: «يا أمير المؤمنين، هذا أنت في خشونة ملبسك وجشوبة مأكلك» فقال (ع) :«ويحك إنّي لست كأنت، إنّ الله تعالى فرض على أئمة العدل أن يقدِّروا أنفسهم بضعفة الناس، كيلا يتبيّغ بالفقير فقره». (142).

جاء في سيرة أحوال الأستاذ الفقيه وحيد بهبهاني، أن أحد أبنائه «محمد إسماعيل» شاهد زوجته «العروس» تلبس لباساً ملوناً ومزركشاً، وهو من نوع اللباس الذي يلبسه الأعيان والأشراف، فلامها على ذلك، فأجابته: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ}. (143).

فقال لها: أنا لا أقول أن الطعام والشراب واللباس الجيد مما أنعم الله سبحانه حرام، لكن المسألة تختلف، فنحن أئمة الناس ولنا موقع متقدم فيما يتعلق برعاية شؤونهم وحاجاتهم، لنا وضع خاص وتكليف مختلف، فعندما يرى الفقراء أن الأغنياء يتمتعون بكل شيء لن يكونوا سعداء مطلقاً، والشيء الوحيد الذي يسكّن آلامهم، هو أن تظهر عائلات السادة الأثرياء والأغنياء بمظهر الفقراء لا بمظهر الأغنياء والأثرياء، نحن قد لا نستطيع تغيير هذا الوضع، لكن على الأقل يمكننا مواساتهم في هذه المسائل وعدم اثارة احاسيس البغضاء والكراهية لديهم. وما نراه بوضوح أن الزهد الذي ينبع من مواساة الناس ومشاركتهم في أحزانهم ومسائلهم المختلفة، لا يتفق إطلاقاً مع الرهبانية، ولا يبنى على الهروب من المجتمع والعيش في الصومعات، بل هو طريق من أجل تسكين آلام المجتمع. (144).

والشيء الأصيل في الإسلام هو المداراة والمواساة، وهذا يعني أن على المسلم أن يملك أحاسيس المواساة ومشاركة الفقراء والمحرومين في شعورهم بالفقر والحرمان، فالمواساة والاهتمام بشؤون الفقراء شيء أصيل في الإسلام. (145).

 

السؤال 102: على أية أسس يعتقد الإسلام أن جميع المجتمعات تحتاج إلى قيادة؟

ج: القيادة في حقيقة أمرها عبارة عن تعبئة قوى البشر والاستفادة الصحيحة من القوى الإنسانية، وأهمية القيادة مبنية على أصول ثلاث:

الأصل الأول: يتعلق بأهمية الإنسان والقوى والاستعدادات الكامنة فيه والتي لا يتنبّه الإنسان إليها عادة. يتحدث القرآن المجيد فيقول تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ}. (146) فيشير سبحانه وتعالى الى تقدم آدم (ع) على الملائكة (ع) في موضوع تعلم الأسماء الإلهية. فيا أيها الإنسان لا تظنن أنك عبارة عن قبضة من الماء والتراب، بل فيك أشياء وأشياء فلا تقس نفسك مع الموجودات الأخرى.

الأصل الثاني: يتعلق بالفرق بين الإنسان والحيوان. برغم أن الإنسان من جنس الحيوان، الا أنه مختلف عنه من جهة إيداع الغرائز والتجهُّز بها، بمعنى أنه أضعف من الحيوان من هذه الجهة. أما الحيوانات فهي مجهزة بسلسلة من الغرائز، وليست بحاجة إلى إدارة وقيادة من الخارج، لأن غرائزها وأعمالها مسيرة ومقادة بنحو ذاتي لا تحتاج معه إلى مدير وقائد. أما الإنسان وعلى الرغم من أنه من أكثر الموجودات تجهيزاً بالقوى والاستعدادات، غير أنه من أضعف الموجودات وأفقرها من حيث ايداع الغرائز التي تقوده من الداخل، فإن كان مبنياً على الانقياد بالغريزة، كان يجب أن يجهز بالغرائز أكثر من الحيوانات بأضعاف مضاعفة، لذلك فهو بحاجة إلى القيادة والإدارة والدليل من الخارج، وهذا هو الأصل والمبنى لفلسفة بعث الأنبياء.

الأصل الثالث: يتعلق بالقوانين الخاصة بحياة البشر. فالسلوك البشري تحكمه سلسلة أصول، بحيث إذا أراد إنسان أن يقود البشر ويهديهم ويديرهم، لن يتيسّر له ذلك إلاّ من طريق معرفة القوانين التي تحكم حياة البشر وأنماط سلوكهم المعيشية.

إن مسائل القيادة لها علاقة وثيقة بنفوس البشر، تتعامل معها وتعالجها، لذلك فإن جذب النفوس وتحريكها لتتعاون وتمضي باتجاه الهدف المقدس السّامي بحاجة إلى مهارة خاصّة وظرافة غير عادية، وهذا ليس عمل أي انسان. (147).

 

السؤال 103: ما هي الضرورة من وجود «رئيس الجمهورية» مع الادعاء بلزوم «ولاية الفقيه» في رأس النظام؟

ج: ولاية الفقيه ليست بمعنى أن يكون الفقيه شخصياً على رأس الدولة فيباشر الحكم عملياً. إن دور الفقيه في بلد إسلامي ما، يعني أن البلد الذي يعيش فيه الناس قد قبل الإسلام بعنوانه الإيديولوجي، وبالتالي، فإن الناس يعتقدون بالإسلام ويلتزمون به، فدوره إيديولوجي فكري عقائدي، وليس حاكماً. ووظيفة الإيديولوجي هي النظارة على إجراء هذه الإيديولوجية بصورة صحيحة والإشراف على تنفيذها، وتطبيقها على أرض الواقع، فالفقيه يملك صلاحية الإشراف والنظارة والمراقبة على من يجري القانون وعلى رئيس الدولة، وبالتالي مراقبة كل من ينفذ الأعمال ويطبق القوانين في قالب هذه الإيديولوجية.

كان تصور الناس ولا يزال حول ولاية الفقيه طوال هذه القرون، أن أي مجتمع إسلامي يقول الناس فيه بالإسلام ويعتقدون به، فإن صلاحية أي حاكم فيه- فيما يتعلق بقابلية تنفيذ قوانين الأمة والقوانين الإسلامية أم عدمها- يجب أن تأخذ الموافقة والتأييد من الفقيه؛ من هنا كتب الإمام الخميني { في رسالة إلى رئيس الوزراء المؤقت آنذاك ما يلي: بموجب الحق الشرعي «لولاية الفقيه» وبموجب أصوات أكثرية الناس الممنوحة إليك والتي عرضت عليّ، فإني أعينك رئيساً للدولة. إذن ولاية الفقيه هي ولاية إيديولوجية، وبالأساس الفقيه ينتخبه الناس وهذا الأمر هو عين الديمقراطية. (148).

 

السؤال 104: هل من الضروري أن تكون قيادة الثورة دائماً بعهدة علماء الدين؟

ج: عندما تكون أوضاع العصر مشوشة، بحيث تصعب فيه معرفة الحق من الباطل، فإن الوظيفة الأساسية للقيادة الدينية إظهار الصراط المستقيم، ومواجهة الانحرافات، وتوجيه الناس. فلو أن الإمام الحسين (ع) عاش في زمان الإمام الصادق (ع) أو الإمام الرضا (ع) لفعل ما فعله هذان الإمامان في عصرهما. كذلك الأمر بالنسبة إلى مستقبل ثورتنا حيث تُعرض الأفكار وتطرح المسائل بشكل كبير ومثير في المجتمع، من هنا، يتوجب على المؤسسة الدينية تجهيز نفسها والاستعداد أكثر من ذي قبل لمواجهة هذه الأفكار وتنفيذها؛ فالثورة الإيرانية إذا أرادت أن تصل إلى نتيجة إيجابية وجيدة في المستقبل، وتتقدم إلى الأمام عزيزة ومنتصرة، عليها أن تعتمد على علماء الدين، وتقوم على عاتق المؤسسة الدينية؛ لأنه، وفي هكذا ظروف، إذا انتزعت راية القيادة من يد العلماء واستقرّت في يد الاصلاحيين المتنوّرين فإن الإسلام بعد جيل واحد سوف يُمسخ. (149).

 

السؤال 105: هل يمكن لثورة إسلامية أصيلة أن تقع تحت تأثير الأفكار الأجنبية؟

ج: إن الأفكار الأجنبية الغريبة يمكن أن تدخل عبر طريقين:

 الأول: طريق الأعداء؛ فعندما تتألق ثورة اجتماعية ما، وتلقى جاذبية وقبولاً لدى الشعوب، وتسلط الضوء على الأفكار والمدارس الأخرى، فإن اتباع المدارس هذه تبدأ بإدخال وترويج أفكارها المخالفة لروح تلك الثورة من أجل ضربها من الداخل، وإيجاد ثغرات تفتتها من باطنها، فتفقد بذلك أثرها وخاصيتها، أو على الأقل تقلل من آثارها.

الطريق الثاني: يكون عبر الأتباع والأصدقاء؛ فأحياناً كثيرة ينجذب اتباع مدرسة فكرية تابعة لثورة ما إلى نظريات وأفكار أجنبية، وذلك بسبب عدم اطلاعهم الصحيح على أفكار مدرستهم، والنتيجة أن هذه النظريات والأفكار الأجنبية- من حيث يعلمون أو لا يعلمون- تُصبغ بلون الثورة وتتلبس بلباسها وتعرف على هذا الأساس وتنتشر.

الثورة الإسلامية الإيرانية في أيامنا وصلت إلى أوجها، ووضعت المدارس والمذاهب الفكرية الأخرى تحت الضوء، فرأينا الفريقين؛ تيّار يؤمن بالمدارس الفكرية الأخرى، خصوصاً المادية، ويعلم أنه لا يستطيع جذب الشباب الإيراني بأفكاره المادية، لذلك نراه يقدّم أفكاره في قالب إسلامي، أو مغلف بشعارات إسلامية، كذلك نشاهد من جهة أخرى أشخاصاً مسلمين، لكنهم غير مطلعين على المعارف الإسلامية، منجذبين إلى الأفكار الأجنبية، يكتبون في الأخلاق ويبلغون باسم الإسلام، لكنهم يبلغون الأخلاق الأجنبية ويكتبون في فلسفة التاريخ وفلسفة الدين والنبوة...

من منطلق أني شخص مسؤول وأحمل على عاتقي مسؤوليات إلهية، أحذّر القادة المحترمين القيمين على الثورة الإسلامية، والذين أحترمهم وأجلّهم كثيراً- وذلك من باب إتمام الحجة- أن نفوذ الأفكار الأجنبية ونشرها باسم الأفكار الإسلامية وبشعارات إسلامية، سواء من باب سوء النية أم عدمها، هو خطر كبير يهدد الكيان الإسلامي؛ على أن مواجهة هذا الخطر لا يكون بالمنع والتحريم، لأنه، هل يمكن منع العطاشى- الذين يلهثون خلف جرعة ماء- من شرب الماء الموجود بحجة أنه ملوث؟!.

نحن هنا مسؤولون، فنحن لم نقدم لهؤلاء الناس ما يكفي من الكتب التي تتحدث بلغة العصر في المجالات الإسلامية المختلفة، فلو قدمنا لهم الماء القراح لما ذهبوا خلف الماء الملوث. (150).

 

السؤال 106: جميعنا نعلم أن الثورة الإسلامية في إيران انتصرت بالمدد الإلهي الغيبي وجهاد الشعب المسلم، والجلي أن جميع الصعاب والمشقات كانت من البداية على كاهل المصلحين المؤمنين الغيارى الذين أخلصوا في شتى المجالات وضحّوا في سبيل الثورة، لكن اليوم وبعد تفتح براعم الثورة نشاهد جماعة من الأشخاص الانتهازيين يسعون بشتى الطرق والوسائل من أجل إبعاد الثوريين المضحين من الساحة وأخذ مكانهم، برأيكم ما هي أنجع الوسائل لمنع هؤلاء الأشخاص من تحقيق مآربهم، وبالتالي مواجهة ظاهرة الشؤم هذه؟

ج: من المشاكل المهمة والآفات الأساسية التي تواجه كل ثورة محاولة نفوذ الانتهازيين إلى داخل الثورة، لذلك فإن تكليف القادة هو سد الباب أمام طريق هؤلاء، ومنعهم من النفوذ إلى عمق الثورة وباطنها، وعدم إحداث اختراق.

إن أي ثورة في العالم، بعد أن يتحمّل أعباءها أشخاص مؤمنون مخلصون، وتطوي المراحل الصعبة الأولية من تاريخها، وتزهر براعمها وتثمر أشجارها، فإن الأشخاص الانتهازيين يطلّون برؤوسهم، ثم عندما يقترب موعد القطاف وجني ما زرعه المخلصون، ترى هؤلاء الانتهازيين يأخذون شعارات الثورة على عاتقهم بقوة، ويشتد ساعدهم ويصبحون (كأم الولد) حتى يتمكنون في النهاية من إخراج الثوريين المؤمنين والمضحّين من ميدان التصدي ويحلّون مكانهم.

هناك مقولة تقول: «الثورة تأكل أبناءها» كأن خصوصية الثورة أنها عندما تصل إلى هدفها، وتشرع في اكتساب النتائج، يبدأ أبناؤها بالاضمحلال واحداً بعد واحد، وتبدأ الثورة بإزالتهم واحداً تلو الآخر، لكن هذا ليس صحيحاً؛ الثورة لا تأكل أبناءها مطلقاً، لكن الغفلة عن نفوذ الانتهازيين والإغماض عن تغلغلهم داخل الثورة يجعل الفاجعة تحل بالمجتمع.

إن التأثير المشؤوم للانتهازيين واضح في التاريخ، ففي فترة من الزمن أخذ هؤلاء (الانتهازيون) مكان الشخصيات الإسلامية المؤمنة بأهداف الاسلام، بحيث أصبح «المطرودون» وزراء، و«كعب الأحبار» مستشاراً، أما «أبو ذر» و «عمار» وغيرهم فأبعدوا إلى خارج البلاد أو سحقوا وشردوا.

المصلحون دائماً يبدأون بالثورة وليس الانتهازيون، لذلك يمكن للمصلحين الاستمرار بأهداف الثورة والتصدي لشؤونها.

من هنا، فإن مواجهة الانتهازية والانتهازيين، على الرغم من تظاهراتهم الخادعة والمزيفة، شرط أساسي لاستمرار الثورة في مسيرها الأصلي.

إن المحافظة على بقاء الأفكار والنيّات وصفائها في مراحل النفي والإنكار (مراحل الثورة) تكون أسهل أثناء مواجهة الأعداء الخارجيين، لكن عند بلوغ الثورة مرحلة الإثبات (مرحلة الأهداف) وحلول موسم جني الثمار وتوزيع الغنائم، فإن حفظ الإخلاص يكون أصعب بمراتب كثيرة. (151).

 

السؤال 107: هل العدو الداخلي أخطر على الإسلام أم العدو الخارجي؟

ج: يقول القرآن الكريم: {الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ}. (152).

لا يجب الخوف من الأعداء الخارجيين الغرباء عن دنيا الإسلام، بل يجب الخوف من الداخل، هذا الخوف لا ينحصر فقط بالأشخاص أصحاب الشهوات والفسق والفجور، بل النفاق الداخلي من الأشخاص والقوى التي لا تجرؤ على مواجهة الإسلام بشكل علني فيتقمصون الإسلام ويتقمصون صورته، ويعملون على تحقيق أفكارهم وأهدافهم الخبيثة تحت عباءة الإسلام وشعاراته، يجهدون بشعارات «شديدة وغليظة» لتفريغ الإسلام من محتواه الحقيقي من داخله والإبقاء على ظاهره فقط، وتغيير مسير أهدافه وشعاراته، وفي النهاية الوصول إلى نوع من التحريف المعنوي لمحتواه وتعاليمه؛ علينا أن نخاف من هؤلاء المنافقين المخادعين الذين يغرّون البسطاء بشعاراتهم. يجب الحذر منهم بشدة. (153).

 

السؤال 108: هل يمكن أن تستجدّ بعض الظروف بحيث تجعل من سقوط الثورة الإسلامية في إيران أمراً حتمياً؟.

ج: إذا بحثنا في التاريخ يتّضح لنا أن مسير الثورة الإسلامية الذي أوجدها الرسول الأكرم (ص) قد تبدل بعد وفاته، لقد تغير شكل تلك الثورة ومضمونها إلى حد بعيد على أثر الفجوة التي أحدثها الانتهازيون وأعداء الإسلام فيها، هؤلاء الذين كانوا إلى الأمس يحاربون الرسول (ص) ودعوته، ثم إنهم بدلوا سَحْنَتهم، وتلبسوا ثوب الدين، ودخلوا في صفوف المسلمين، وأسقطوا القيم التي رسخها نبي الأمة (ص).

لقد ورث الرسول (ص) قومٌ اعتقدوا أن الثورة المحمدية وماهيتها عربية قومية، وهم أصحاب الميراث فيها، فراحوا يقاتلون غير العرب ويهزموهم، بدل أن يحافظوا على مكتسبات الثورة ومنجزاتها والثبات على معاييرها وقيمها التي أرساها النبي محمد (ص) والتي انتصرت وانتشرت بها. هذا العمل يكفي لإيجاد شرخ كبير في قلب الأمة الإسلامية والمجتمع الإسلامي. في مقابل هذا التيار، كان هناك مجموعة تدّعي، بحق، أن ما يُطرح بعنوان الإسلام ليس إسلاماً حقيقياً، لأن الإسلام الواقعي لا يقول بالمسائل القومية والعرقية ولا يؤمن بها.

واقعنا اليوم يشبه إلى حد بعيد واقع الأمة في آخر أيام الرسول (ص) وأوضاعنا شبيهة بتلك الأوضاع عندما نزلت الآية الشريفة {الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ} (154)، هذه الآية إنما المقصود بها جميع الأزمنة، إن هذه الرسالة موجهة إلينا، اليوم نحن انتصرنا على العدو الخارجي وشتّتنا قواه، ولم نعد نخاف منه، لكننا يجب أن نخاف من أنفسنا، علينا أن نخاف من انحراف الثورة.

إذا نحن اليوم لم نواجه المسائل الفعلية والعملية للثورة بنظرة واقعية ودقة متناهية، وأدخلنا فيها العصبيات والتعصب والأنانية، فإن هزيمة ثورتنا على أساس القاعدة }واخشونِ{ والقاعدة {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ} (155) حتمية الوقوع والسقوط أيضاً، تماماً كما واجهت الثورة الإسلامية والدعوة المحمدية في صدر الإسلام تلك الظروف، وواجهت الهزيمة على أساس هذه القاعدة.

إن حفظ المكتسبات والمواهب الممنوحة في كثير من المسائل تكون أصعب من اكتسابها، وهذا أمر أقوله بصدق، إن صناعة الثورة وإيجادها أسهل من الاحتفاظ بها وبمكتسباتها. (156).

 

السؤال 109: ما هي الوسيلة الأنجع والأكثر تأثيراً للدفاع عن الثورة وحفظها حتى ظهور الحجة القائم (عج) وتشكيله الحكومة الإلهية العالمية؟.

ج: إنّ أشدّ وأقوى حربة دفاعية عن هذه الثورة وأكثر الأسلحة تأثيراً وتقدماً إيمان الأمة بقواها الذاتية، والرجوع إلى القيم الإسلامية الأصيلة، فالغرب الذي يملك أكبر قوة يخاف من شيء واحد، هو يقظة الأمة الإسلامية، إذا استيقظ الشرق واكتشف حقيقة الإسلام وذاتيته ورجع إليها، في تلك الحالة لن تكون حتى «القنبلة الذرية» شيئاً في مقابل هذه القوة الهائلة والجمع العظيم الناهض على قدميه، على أن طريق هذه الصحوة يكون بالعودة إلى القيم الإسلامية، ومعرفة التاريخ والثقافة والإيديولوجيا الخاصة بنا.

في إحدى المؤتمرات سأل أحد الطلاب: لماذا لم يستطع الإسلام وعلى فترة أربعة عشر قرناً أن يوجد حضارة مع أنه يحمل إيديولوجيا، وقادر على أن ينجي الأمة ويبني تلك الحضارة والمدنية؟ فأجبته: الدليل على ذلك هو عدم اطلاعي وإطلاعك على التاريخ الإسلامي وجهلنا به، فأنت وأمثالك لا تعلمون أن الإسلام قد بنى واحدة من أهم الحضارات وأعظمها على الاطلاق في تاريخ البشر وعلى مدة خمسة قرون متتالية، وهذا الجهل من جملة العوامل التي جعلت هذه القيم عقيمة. فلو أن الأمة لم تقطع ارتباطها بتاريخها وثقافتها الأصيلة، لما وصلت إلى هذه الحالة من الضعف وتسلط الأقوياء عليها، ومما لا شك فيه أن جهد الدول الاستعمارية كان وما زال ينصبّ على تقطيع أوصال الأمة عبر تمزيق كل ما يربط ثقافتها الحاضرة بميراثها الثقافي وقطع حاضرها عن تاريخها وقيمها.

لقد قلت له: «لو أن الإسلام لم يوجِد في بدايته وفي طول التاريخ أية حضارة لكان كلامك صحيح، لكنا كنا أسياد العالم لخمسة قرون في العلم والثقافة، وما نراه اليوم في عالم الغرب ما هو إلاّ من تلك القبسات النورانية للحضارة الإسلامية، فالغرب مديون للحضارة الإسلامية».

إن انتصار ثورتنا في المستقبل، يرتبط بإيماننا بذواتنا وإحياء القيم الإسلامية الأصيلة، فإن نحن تابعنا طريقنا على أساس الضوابط والتعاليم الإسلامية، وصبرنا وملكنا الإيمان والتقوى وروحية الجهاد، وأمرنا بالمعروف ونهينا عن المنكر، في تلك الصورة سوف ننتصر حتما.

إني أعتقد أن الوقت قد حان للرجوع إلى الثقافة الإسلامية الحقيقية، ليس فقط في مجتمعنا، بل يجب أن يدوي صوت الإسلام في جميع أنحاء العالم الإسلامي، عندها لن يكون بعيداً أن نشاهد قدرة المسلمين تعود مجدداً، ونسمع صوت تكسير أقفال أغلال العبودية وقيود الخضوع والرقّ. (157).

 

السؤال 110: كيف سيكون مستقبل المجتمع البشري؟

ج: إني أعتقد أن حركة الإنسانية والمجتمعات البشرية بشكل عام تسير أكثر فأكثر نحو الاستقلال الفكري والحرية وتنفك من قيود المحيط الطبيعي والاجتماعي، وتتوجه أكثر نحو التعلق بالإيمان والإيديولوجية. أنا أتصور أن مستقبل البشرية هو مستقبل المجتمع التوحيدي، والمجتمع التوحيدي بالمفهوم الفكري والاعتقادي، وكذلك بالمفهوم الاجتماعي.

إنسان المستقبل إنسان العقيدة والإيمان، ليس إنسان البطن والفرج، فمستقبل البشرية فقط في التسليم للإيمان، وليس هناك من حل آخر. (158).

 

نسأل الله سبحانه وتعالى لكل من يقرأ هذا الكتاب أن يستفيد منه ويوفقه للإتباع والعمل الصالح إنه سميع مجيب.

والحمد لله رب العالمين

 




 فهرس المصادر

 

1- القرآن الكريم.

2- نهج البلاغة.

3- أصول الكافي.

4- شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد.

5- ميزان الحكمة.

6- الكافي.

7- اكمال الدين.

8- عدل الهی، استاد مطهری، چاپ هشتم، بهار 1374، انتشارات صدرا.

9- بيست كفتار، استاد مرتضی مطهری، چاپ هفتم، پاييز 1370، انتشارات صدرا.

10- پيرامون جمهوری اسلامی، استاد مرتضی مطهری، چاب یازدهم، فروردين 1377، انتشارات صدرا.

11- فطرت، استاد مرتضی مطهری، چاپ دهم، بهار 1377، انتشارات صدرا.

12- امدادهای غيبی در زندكی بشر، استاد مرتضی مطهری، چاپ ششم، بهار 1372، انتشارات صدرا.

13- مقدمه ای بر جهان بينی اسلامی (2) : جهان بينی توحيدی، استاد مرتضی مطهری، چاپ دوازدهم، اسفند 1377، انتشارات صدرا.

14- پيامبر امّی، استاد مرتضی مطهری، چاپ هشتم، تابستان 1372، انتشارات صدرا.

15- جاذبه ودافعة علی (ع)، استاد مرتضی مطهری، چاب سی ام، ارديبهشت 1379، انتشارات صدرا.

16- قيام وانقلاب مهدی، استاد مرتضی مطهری، چاپ هجدهم، دی 1376، انتشارات صدرا.

17- معاد، استاد مرتضی مطهری، چاپ چهاردهم، مرداد 1376، انتشارات صدرا.

18- ده كفتار، استاد مرتضی مطهری، چاپ یازدهم، بهار 1375، انتشارات صدرا.

19- عرفان حافظ، استاد مرتضی مطهری، چاپ پانزدهم، بهمن 1377، انتشارات صدرا.

20- حماسة حسينی، استاد مرتضی مطهری، چاپ سی ام، بهمن 1377، انتشارات صدرا.

21- اخلاق جنسی، استاد مرتضی مطهری، چاپ یازدهم، آذر 1376، انتشارات صدرا.

22- تعليم وتربيت در اسلام، استاد مرتضی مطهری، چاپ سی ويكم، مهر 1377، انتشارات صدرا.

23- حكمت ها واندرزها، استاد مرتضی مطهری، چاپ هشتم، آذر 1376، انتشارات صدرا.

24- انسان كامل، استاد مرتضی مطهری، چاپ هجدهم، تیر 1377، انتشارات صدرا.

25- پيرامون انقلاب اسلامی، استاد مرتضی مطهری، چاپ چهاردهم، فروردين 1377، انتشارات صدرا.

26- مقدمه ای بر جهان بينی اسلامی (1) : انسان وايمان، استاد مرتضی مطهری، چاپ بيست وپنجم، شهريور 1383، انتشارات صدرا.

27- تكامل اجتماعی انسان، استاد مرتضی مطهری، چاپ دوازدهم، اسفند 1377، انتشارات صدرا.

28- نظری به نظام اقتصادی اسلام، استاد مرتضی مطهری، چاپ سوم، ارديبهشت 1372، انتشارات صدرا.

29- سيرة نبوی، استاد مرتضی مطهری، چاپ دهم، پاييز 1371، انتشارات صدرا.

30- خدمات متقابل اسلام وايران، استاد مرتضی مطهری، چاپ شانزدهم، بهار 1370، انتشارات صدرا.

31- استاد مطهری وروشنفكران، استاد مرتضی مطهری، چاپ ششم، مهر 1377، انتشارات صدرا.

32- بررسی اجمالی نهضت های اسلامی در صد سال اخير، استاد مرتضی مطهری، چاپ بيست وچهارم، بهمن 1377، انتشارات صدرا.

33- اسلام ومقتضيات زمان (جلد اول)، استاد مرتضی مطهری، چاب يازدهم، زمستان 1374، انتشارات صدرا.

34- امامت ورهبری، استاد مرتضی مطهری، چاپ چهارم، بهار 1365، انتشارات صدرا.

35- سيری در نهج البلاغه، استاد مرتضی مطهری، انتشارات صدرا.

36- پانزده كفتار، استاد مرتضی مطهری، چاپ سوم، بهمن 1382، انتشارات صدرا.

37- مسأله حجاب، استاد مرتضی مطهری، چاپ چهل وششم، خرداد 1376، انتشارات صدرا.

38- سيری در زندكانی استاد مطهری، چاپ چهاردهم، مرداد 1376، انتشارات صدرا.

39- مجموعه أثار.

40- فلسفه اخلاق.

41- آزادى معنوى.

 




فهرس المحتويات

 

الإهداء........................................................ 7

المقدمة........................................................... 9

الشهيد مطهري (قدس سره) في سطور................................ 13

من أقوال الامام الخميني (قدس سره) في حقه........................ 14

 من أقوال الامام الخامنئي (دام ظله) في حقه...................... 15

مؤلفاته:...................................................... 16

1- الهدف من تأليف الكتب................................. 19

2- كيف يرتسم السؤال في ذهن البشر..................... 20

3- الإنسان يسأل بالفطرة، لماذا نهى الإسلام عن كثرة التساؤل؟ 20

4- التشكيك والتردد في المسائل الدينية عند الشباب....... 22

5- التفكر في ذات الله وحقيقته.............................. 24

6- التحقيق في أصول الدين................................ 25

7- تجنب الوساوس في المسائل الدينية..................... 26

8- سكوت الإسلام عن أحكام بعض المسائل............... 28

9- سبب إعراض بعض الناس عن الدين.................. 29

10- مسائل مهمة تتوجب على العلماء والمبلغين........... 31

11- علاقة الدين بسائر أركان المجتمع البشري........... 31

12- عاقبة العلم من دون الدين............................. 32

13- أسلوب المطالعة الصحيح............................. 33

14- تقسيم العلوم ( ديني وغير ديني)...................... 34

15- القراءة والكتابة عند الرسول الأكرم (ص)........... 35

16- العشق وآثاره.......................................... 37

17- هل تنطفىء شعلة العشق؟............................. 38

18- هل العشق الشهواني مذموم دائماً؟.................... 39

19- نظرة الشرق والغرب إلى العشق..................... 40

20- الحرية المطلقة عند علماء الغرب.................... 41

21- حرية الغرائز الجنسية في المجتمع................... 42

22- تحريم النظر إلى غير المحارم....................... 44

23- قدسية الزواج في الإسلام............................. 46

24- قلّة المحبة في المجتمعات الغربية..................... 47

25- دور الرجل والمرأة في صناعة شخصية كل منهما... 47

26- هل المرأة عنصر الإغواء والخطيئة؟!............... 48

27- الفصل بين الرجال والنساء........................... 49

28- هل الإنسان محكوم بالجبر الاجتماعي؟.............. 50

29- الشباب بين الفساد والمسائل الروحية................. 51

30- هل التفكير بالذنب يُعدّ ذنباً؟........................... 52

31- التوبة الحقيقية......................................... 53

32- الفرق بين اللذة المعنوية واللذة المادية................ 53

33- النشاط الروحي وأثره في العبادة..................... 54

34- هل يمكن للإنسان أن يكون في حالة عبادة كل أوقاته؟ 55

35- ما هو «بناء الذات» ؟.............................. 56

36- الطريق إلى كسب الفضائل الأخلاقية................. 58

37- مكانة التفكُّر........................................... 59

38- خصوصية الإنسان الكامل............................ 61

39- ما معنى الخوف من الله؟.............................. 62

40- أنواع التقوى........................................... 63

41- التقوى ومقام القرب................................... 64

42- آثار التقوى............................................ 65

43- المدد الغيبي وتجلياته.................................. 66

44- شخصية حافظ الشيرازي............................. 67

45- لغة أهل العرفان الرمزية............................. 68

46- هل يمكن تصور عالم أفضل من هذا العالم؟.......... 69

47- التمييز الاجتماعي والعدل الإلهي..................... 70

48- هل يُعدّ زيادة الفساد من قبل المنتظرين لظهور القائم (عج) مساهمة في تعجيل فرجه الشريف؟!.......... 71

49- كيفية «مسخ البشر»................................. 74

50- السعد والنحس في نظر الدين......................... 76

51- الاعتقاد بالحظ والإقبال؟!............................. 76

52- صور الإمام علي (ع) وتماثيله....................... 77

53- مقام الشهيد............................................ 78

54- أي من الفروع يُعد ضمانة الإسلام؟................... 80

55- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بين الفرد والجماعة 81

56- إعمال العنف في مسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 82

57- حدود العمل بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.... 83

58- كيفية تشكل واقعة عاشوراء........................... 84

59- إحضار الحسين (ع) لأهل بيته إلى كربلاء........... 85

60- الهدف الأصلي من إقامة مجالس العزاء الحسينية.... 86

61- التحريف في السيرة الحسينية الكربلائية............... 87

62- ماذا حدث في الأربعين؟.............................. 89

63- الأسلوب الصحيح للاستفادة المعنوية من المجالس الحسينية 89

64- لماذا يُعد «كلام الحق مرّ» ؟........................ 91

65- صلح الإمام الحسن (ع)................................ 92

66- الحق يؤخذ أم يُعطى؟................................. 93

67- لماذا تدخلت الزهراء (ع) شخصياً في مسألة فدك؟.. 94

68- الإرث وتأثيره في عدم الإهتمام بالعمل............... 95

69- نظرة الإسلام إلى المسائل الاقتصادية................ 96

70- جمع الثروات المذموم في الإسلام..................... 97

71- خصوصيات اختيار العمل المناسب................... 99

72- الصوم ومشكلة انخفاض الإنتاج.................... 100

73- « المحسوبيات والوساطة» في العمل............... 102

74- هل « الغاية تبرّر الوسيلة» لبلوغ الأهداف الإسلامية؟ 103

75- رجل السياسة بين التدين والمصالح السياسية....... 104

76- سر خلود الإمام علي (ع)........................... 106

77- معجزة نهج البلاغة.................................. 107

78- الخوارج وعصرنا الحاضر......................... 109

79- الميزان في أحقية المجموعات والأحزاب السياسية. 110

80- الأمان من آفة «التكذيب والتصديق».............. 111

81- منبع الخطايا والضلال الفكري عند البشر........... 112

82- نقاط الضعف الثقافية عند الشعب الإيراني.......... 114

83- التشيع في إيران..................................... 115

84- نظر الإسلام حول «القومية» و «العالمية»...... 117

85- اليهود والادعاء بأرض فلسطين...................... 118

86- سيطرة اليهود على وسائل الإعلام.................. 119

87- وسائل الغرب في الهجوم الثقافي على الدول الإسلامية 120

88- اختلاف الثورة الإسلامية الإيرانية عن سائر الثورات 121

89- رأي الشهيد مطهري في أفكار الدكتور شريعتي.... 122

90- النقد العلمي لآثار الدكتور شريعتي................. 124

91- الاعتراضات حول «صادق هدايت».............. 126

92- القصاص في الإسلام: الإعدام والقساوة............ 127

93- التربية ومقولة العقاب............................... 130

94- الحرية؛ كمال أم وسيلة؟.......................... 131

95- حدود حرية الفكر في إيران الإسلام................ 132

96- الاختلاف بين نظرة الإسلام ونظرة الغرب إلى «الحرية والديموقراطية» 133

97- انتشار المطبوعات المخالفة للدين وأثرها.......... 134

98- المخالفون للدين والحد من حرية أفكارهم........... 136

99- تحريم نشر بعض الكتب وتعارضها مع مبادىء الحرية الفكرية 137

100- مكانة العدالة الاجتماعية في النظام الإسلامي..... 138

101- مواساة المسؤولين للشعب المظلوم والفقير........ 139

102- لماذا الإنسان بحاجة إلى قيادة؟................... 140

103- دور ولاية الفقيه في النظام الإسلامي............. 141

104- قيادة الثورة من قبل العلماء........................ 142

105- إمكانية وقوع الثورة الإسلامية الأصيلة تحت تأثير الأفكار الغريبة 143

106- نفوذ الانتهازيين إلى قلب الثورة.................. 144

107- خطر العدو الداخلي والعدو الخارجي على الإسلام 146

108- هل يمكن للثورة أن تسقط وتنهزم؟................ 146

109- أهم الوسائل للدفاع عن الثورة.................... 147

110- مستقبل المجتمعات البشرية........................ 149

فهرس المصادر........................................... 151

فهرس المحتويات......................................... 154

 



 (1) - صحيفة الإمام: ج‏16 ص.183

 (2) - سورة البقرة: 30.

 (3) - سورة النجم: 9.

 (4) - سورة الفرقان:40.

 (5) - سورة الذاريات: 56.

 (6) - نهج البلاغة، تحقيق مؤسسة نهج البلاغة، المستشارية الإيرانية، سوريا، ط3، 1996، ص 213.

 (7) - شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج20، ص 292.

 (8) - العدل الإلهي، ص 14- 15.

 (9) - بيست كفتار (عشرون مقال)، ص 269-270.

 (10) - بيست كفتار (عشرون مقال)، ص268-276.

 (11) - العدل الإلهي، ص 13-14.

 (12) - بانزده كفتار (الخمسة عشر مقال)، ص 228- 232.

 (13) - سورة ابراهيم: 10.

 (14) - فطرت (الفطرة)، ص 246.

 (15) - أصول الكافي، ج2، ص 463.

 (16) - أصول الكافي، ج2، ص 403.

 (17) - بيرامون جمهورى اسلامى (حول الجمهورية الإسلامية)، ص 123-125.

 (18) - بيست كفتار (الخمسة عشر مقال)، ص 239-243.

 (19) - نهج البلاغة، قصار الحكم، 105.

 (20) - اسلام ومقتضيات زمان (الإسلام ومقتضيات الزمان)، ص 291-292.

 (21) - سورة المنافقون: 6.

 (22) - امدادهاى غيبى در زندكي بشر (المدد الغيبي في حياة البشر)، ص، 47 - 51. وعدل الهي (العدل الهي)، ص 14.

 (23) - سورة النصر: 2.

 (24) - امدادهاى غيبى در زندكي بشر (المدد الغيبي في حياة البشر)، ص 47 و 51.

 (25) - امدادهاى غيبى در زندكي بشر (المدد الغيبي في حياة البشر)، ص 43 - 45.

 (26) - امدادهاى غيبى در زندكي بشر (المدد الغيبي في حياة البشر)، ص 100.

 (27) - امامت ورهبرى (الإمامة والقيادة)، ص 223- 224.

 (28) - مجموعه آثار (مجموعة الآثار)، ج3، ص 315-316.

 (29) - بحار الأنوار، ج1، ص 177.

 (30) - ده كفتار (المقالات العشرة)، ص 172 - 173.

 (31) - سورة النجم: 3 - 5.

 (32) - سورة الروم: 21.

 (33) - جاذبة ودافعة علي (ع) (جذب الامام علي (ع) ودفعه)، ص 42 - 58.

 (34) - حماسه حسينى (الملحمة الحسينية)، ص 382.

 (35) - ميزان الحكمة، ج6، ص331.

 (36) - جاذبة ودافعة علي (ع) (جذب الامام علي (ع) ودفعه)، ص 54 - 57.

 (37) - اخلاق جنسى (الأخلاق الجنسية)، ص 56 - 57.

 (38) - اخلاق جنسى (الأخلاق الجنسية)، ص 155.

 (39) - اخلاق جنسى (الأخلاق الجنسية)، ص 14و20 - 22.

 (40) - مسألة الحجاب، ص 113 - 122.

 (41) - اخلاق جنسى (الأخلاق الجنسية)، ص 34 - 35.

 (42) - تعليم وتربيت در اسلام (التعليم والتربية في الإسلام)، ص 248 - 249، 397 - 398.

 (43) - اخلاق جنسى (الأخلاق الجنسية)، ص 28 - 36.

 (44) - حماسه حسينى (الملحمة الحسينية)، ص 400.

 (45) - الآيات على التوالي: سورة الأعراف: 19 - 20 - 21 - 22.

 (46) - بيرامون جمهورى اسلامى ايران (حول الجمهورية الإسلامية الإيرانية)، ص 62 - 65.

 (47) - تعليم وتربيت در اسلام (التعليم والتربية في الإسلام)، ص 381 - 382.

 (48) - تكامل اجتماعى انسان (التكامل الاجتماعي للانسان)، ص 33 - 34.

 (49) - تعليم وتربيت در اسلام (التعليم والتربية في الاسلام)، ص 404 - 406و 419.

 (50) - حكمت ها واندرزها (الحكم والمواعظ)، ص 79 - 81.

 (51) - إنسان وإيمان (الانسان والإيمان)، ص 43 - 44.

 (52) - امدادهاى غيبى در زندكي بشر (المدد الغيبي في حياة البشر)، ص 107 - 109.

 (53) - تعليم وتربيت در اسلام (التعليم والتربية في الاسلام)، ص 347 - 348.

 (54) - نهج البلاغة: (الخطبة، 90).

 (55) - تعليم وتربيت در اسلام (التعليم والتربية في الاسلام)، ص373 - 376؛ حكمتها واندرزها (الحكم والمواعظ)، ص 72 - 73.

 (56) - جاذبه ودافعه علي (ع) (جذب الامام علي (ع) ودفعه)، ص 70 - 73.

 (57) - تعليم وتربيت در اسلام ) التعليم والتربية في الاسلام)، ص 379و 386.

 (58) - انسان كامل (الانسان الكامل)، ص 41، 43و59.

 (59) - ده كفتار (المقالات العشرة)، ص 10 - 11.

 (60) - ده كفتار (المقالات العشرة)، ص 20 - 23.

 (61) - ده كفتار (المقالات العشرة)، ص 32 - 31.

 (62) - نهج البلاغة: (الخطبة، 198).

 (63) - ده كفتار (المقالات العشرة)، ص 37 و40.

 (64) - امدادهاى غيبى در زندكي بشر (المدد الغيبي في حياة البشر)، ص 70 - 72.

 (65) - عرفان حافظ، ص 20،21و52.

 (66) - عرفان حافظ، ص 56 - 57.

 (67) - عرفان حافظ، ص 107 - 108.

 (68) - جهان بينى توحيدى (رؤية الكون التوحيدية) أو (تفسير الكون في النظرة التوحيدية)، ص 101 - 104.

 (69) - رواه الصدوق (قدس سره) في إكمال الدين، والكليني (قدس سره) في الكافي: ج1/ص431.

 (70) - قيام وانقلاب مهدى (عج) (نهضة الامام المهدي (عج) وثورته)، ص 54 - 58و 65.

 (71) - آزادى معنوى (الحرية المعنوية)، ص 177.

 (72) - سورة الفرقان: 44.

 (73) - سورة النبأ: 18.

 (74) - انسان كامل (الإنسان الكامل)، ص 29 - 31.

 (75) - سيرى در سيره نبوى (السيرة النبوية)، ص 82 - 85.

 (76) - حكمتها واندرزها (الحكم والمواعظ)، ص 20- 21.

 (77) - حماسه حسينى (الملحمة الحسينية)، ص 119.

 (78) - بانزده كفتار (خمسة عشر مقال)، ص 208.

 (79) - حماسه حسينى (الملحمة الحسينية)، ص 33-34؛ وقيام وانقلاب مهدي (عج) (نهضة الامام المهدي (عج) وثورته)، ص 66 - 71.

 (80) - سورة آل عمران: 110.

 (81) - سورة آل عمران: 110.

 (82) - حماسه حسينى (الملحمة الحسينية)، ص 234و 285 - 287.

 (83) - حماسه حسينى (الملحمة الحسينية)، ص 248و256؛ وده كفتار (عشرة مقالات)، ص 87.

 (84) - سورة النحل: 125.

 (85) - ده كفتار (عشرة مقالات)، ص 82 ؛ وحماسه حسينى (الملحمة الحسينية)، ص 245 - 247.

 (86) - حماسه حسينى (الملحمة الحسينية)، ص 269.

 (87) - حماسه حسينى (الملحمة الحسينية)، ص 210 - 211.

 (88) - حماسه حسينى (الملحمة الحسينية)، ص 397 - 398.

 (89) - حماسه حسينى (الملحمة الحسينية)، ص 187 - 188.

 (90) - حماسه حسينى (الملحمة الحسينية)، ص43 - 71.

 (91) - حماسه حسينى (الملحمة الحسينية)، ص 71.

 (92) - حماسه حسينى (الملحمة الحسينية)، ص 64 - 65 و 123 - 125.

 (93) - حكمت ها واندرزها (الحكم والمواعظ)، ص 247- 248.

 (94) - اسلام ومقتضيات زمان، ج 1، ص 226 - 227.

 (95) - انسان كامل (الانسان الكامل)، ص 269 - 270؛ ويانزده كفتار (خمسة عشر مقال)، ص 285.

 (96) - پیرامون انقلاب اسلامی (حول الثورة الاسلامية)، ص 135 - 136.

 (97) - تعليم وتربيت در اسلام (التعليم والتربية في الاسلام)، ص 179- 180.

 (98) - نظری به نظام اقتصادی اسلامی (نظرة الى نظام الاقتصاد الاسلامي)، ص 163 - 174.

 (99) - نظری به نظام اقتصادی اسلامی (نظرة الى نظام الاقتصاد الاسلامي)، ص 21 - 26.

 (100) - سورة العلق: 6.

 (101) - سورة البقرة: 272.

 (102) - نظری به نظام اقتصادی اسلامی (نظرة الى نظام الاقتصاد الاسلامي)، ص 17 - 20.

 (103) - تعليم وتربيت در اسلام (التعليم والتربية في الاسلام)، ص 419 - 421.

 (104) - اسلام ومقتضيات زمان، ص 70-80.

 (105) - حكمتها واندرزها (الحكم والمواعظ)، ص 211 - 212.

 (106) - سيرى در سيره نبوى (السيرة النبوية)، ص 125،131،132و 138.

 (107) - اسلام ومقتضيات زمان، ج1، ص 63 و 66.

 (108) - جاذبه ودافعه علي (ع) (جذب علي (ع) ودفعه)، ص 37، 39، 102، 103، 166، 167.

 (109) - سيرى در نهج البلاغه (في رحاب نهج البلاغة)، ص 7، 26، 38، 39.

 (110) - جاذبه ودافعه علي (ع) (جذب علي (ع) ودفعه)، ص 121 و127.

 (111) - نهج البلاغة، الخطبة 93.

 (112) - اسلام ومقتضيات زمان، ج1، ص119 - 120.

 (113) - نهج البلاغة، قصار الحكم، 262.

 (114) - جاذبه ودافعه علي (ع) (جذب علي (ع) ودفعه)، ص 123- 126.

 (115) - سورة الاعراف: 169.

 (116) - سورة يونس: 39.

 (117) - بيست كفتار (عشون مقال)، ص 380 - 386.

 (118) - إنسان وإيمان (الانسان والإيمان)، ص 66 - 71.

 (119) - سورة الأحزاب: 67.

 (120) - حماسه حسينى (الملحمة الحسينية)،ص 44 - 47.

 (121) - خدمات متقابل اسلام وإيران (الخدمات المتقابلة بين ايران والإسلام)، ص 15، 49 ،50، 136.

 (122) - خدمات متقابل اسلام وإيران (الخدمات المتقابلة بين ايران والإسلام)، ص 56 - 62.

 (123) - حماسه حسينى (الملحمة الحسينية)، ص 288 - 291.

 (124) - حماسه حسينى (الملحمة الحسينية)، ص 59.

 (125) - امدادهای غيبی در زندكی بشر (المدد الغیبی في حياة البشر)، ص 48 - 49.

 (126) - پيرامون انقلاب اسلامی (حول الثورة الاسلامية)، ص 57 - 58.

 (127) - سيری در زندكانی استاد مطهری (حول حياة الشهيد مطهري)، ص 221 - 226.

 (128) - سورة البقرة: 159.

 (129) - اعلاميه استاد مطهری در سال 1356 (بيان الشهيد مطهري عام 1977م).

 (130) - استاد مطهرى وروشنفكران (الشهيد مطهري والمتنوّرون)، ص 62 - 66.

 (131) - تكامل اجتماعى انسان (التكامل الاجتماعي للانسان)، ص 61 - 62.

 (132) - سورة البقرة: 179.

 (133) - تعليم وتربيت در اسلام (التعليم والتربية في الاسلام)، ص 352 - 360.

 (134) - امدادهاى غيبى در زندكى بشر، ص 143- 145.

 (135) - انسان كامل (الانسان الكامل)، ص 346 - 350.

 (136) - پيرامون انقلاب اسلامی (حول الثورة الاسلامية)، ص 7 - 13 و62.

 (137) - پيرامون انقلاب اسلامی (حول الثورة الاسلامية)، ص 101 - 102.

 (138) - پيرامون انقلاب اسلامی (حول الثورة الاسلامية)، ص 134 - 136.

 (139) - پيرامون انقلاب اسلامی (حول الثورة الاسلامية)، ص 18 - 19 و 63.

 (140) - حكمت ها واندرزها (الحكم والمواعظ)، ص 244 - 245.

 (141) - پيرامون انقلاب اسلامی (حول الثورة الاسلامية)، ص 60 - 153، 173 و 175.

 (142) - نهج البلاغة، الخطبة: 209.

 (143) - سورة الأعراف: 32.

 (144) - سيرى در نهج البلاغة (في رحاب نهج البلاغة)، ص 228 - 230.

 (145) - اسلام ومقتضيات زمان، ص 221.

 (146) - سورة البقرة: 31 - 32.

 (147) - امدادهای غيبی در زندكی بشر (المدد الغيبي في حياة البشر)، ص 113 - 115.

 (148) - پيرامون انقلاب اسلامی (حول الثورة الاسلامية)، ص 85 - 86.

 (149) - پیرامون انقلاب اسلامی (حول الثورة الاسلامية)، ص 182 - 184.

 (150) - بررسی اجمالی نهضت های اسلامی در صد ساله اخير (دراسة اجمالية حول الحركات الاسلامية في المائة عام الأخيرة)، ص 87 - 89.

 (151) - بررسی اجمالی نهضت های اسلامی در صد ساله اخير (دراسة اجمالية حول الحركات الاسلامية في المائة عام الأخيرة)، ص 93 - 98.

 (152) - سورة المائدة: 3.

 (153) - إمامت ورهبرى (الامامة والقيادة)، ص 26 - 27.

 (154) - سورة المائدة: 3.

 (155) - سورة الرعد: 11.

 (156) - پيرامون انقلاب اسلامی (حول الثورة الاسلامية)، ص 27 - 29.

 (157) - پيرامون انقلاب اسلامی (حول الثورة الاسلامية)، ص 122 - 124.

 (158) - پيرامون انقلاب اسلامی (حول الثورة الاسلامية)، ص21؛ انسان وإيمان (الانسان والإيمان)، ص 17؛ فلسفه أخلاق (فلسفة الاخلاق)، ص 246.