الكتاب أنواع القلوب ورفع حجب الذنوب

(دراسة قرآنية موضوعية)

تأليف الشيخ عارف هنديجاني فرد
إعداد ونشر جمعية القرآن الكريم
الطبعة الأولى: 1436هـ 2015م - لبنان - بيروت
موقع جمعية القرآن الكريم www.qurankarim.org
بريد جمعية القرآن الكريم info@qurankarim.org

 

لتحميل الكتاب كاملاً بصيغة HTML

 

فهرس الكتاب

الجزء الأول

الجزء الثاني

 

الباب الثاني : أنواع القلوب في القرآن

تمهيد الباب

 الفصل الأول: القلب المريض في القرآن

  أولاً: صفات القلب المريض

 أ- القلب المريض والنفاق
 ب- القلب المريض وتنوع الصفات

  ثانياً: أفعال القلوب وحجب الذنوب

 أ- أفعال القلوب وآثار التربية والاعتبار
 ب- القلوب وحجب الذنوب

 الفصل الثاني: القلب الكافر (الميت) في القرآن الكريم

 أ- صفات القلوب الكافرة

 ب- القلوب الكافرة (الميتة) وحُجب الأعمال

الفصل الثالث: القلب السليم في القرآن الكريم

  أ- صفات القلب السليم
  ب- تجليات القلب السليم وأحواله

خاتمة : القلوب بين عالم الأمر وعالم الخلق

المصادر والمراجع

 

 

 


الباب الثاني : أنواع القلوب في القرآن


 

تمهيد الباب

الفصل الأول: القلب المريض في القرآن

الفصل الثاني: القلب الكافر (الميت) في القرآن الكريم
الفصل الثالث: القلب السليم في القرآن الكريم
خاتمة: القلوب بين عالم الأمر وعالم الخلق
المصادر والمراجع

 

 

تمهيد الباب

 


بعد ما تقدّم من تأسيسات في معنى المفردات القرآنية، وما توارد بشأنها من أقوال في المجاز والترادف والاختلاف بات ممكناً الحديث عن أنواع القلوب وأوصافها في القرآن الكريم، نظراً لكون القرآن قد انطوى على مئات الآيات التي تتحدث عن حقيقة القلوب وما يكون لها من تحولات وتبدلات، فضلاً عمّا يكون لها من انقلابات في الأعمال والأحوال. إذ نجد القرآن يُعطي لكل قلب حالته، مميزاً بين القلوب في ضوء ما يكون لها وعندها من إيمان وكفر، وموت وحياة، لكون هذه القلوب المُستَكِنّة في الصدور لم تترك هملاً ولم تُخلق سُدى، بل كان لها منذ جعلها وإنشائها ما تختلج به في صيرورة نبضها، حيث قال تعالى: ﴿ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدىً فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [1] .

وهكذا، فإنّ الهبوط كان على وقع القلوب، فاحتدم فيها العقل والتفكير، واستوت على نفخة الروح فيها منازع التدبير، فكانت لها الحياة بعد الموت، والعلم بعد الجهل، بما حُقِّقت به من وحي وإلهام لتخرج عن كونها أسيرة الهوى، فتكون قلوباً موحدةً، وعقولاً مستنيرة، وأرواحاً مستقرّة في الصدور، تنزعُ إلى أن تكون حيّة في ملكها وملكوتها، وحاكمة في مبادئء تحولها وتبدُّلها، فلا تعمى عن الحق والنور، ولا تكون هواءً في مسالك العبور، بل تحيا بذكر ربّها، وتصدر عن سرّ فطرتها، فتشهد لخالقها كما جرى لها في سابق عهدها، حيث قالت: ﴿ بَلَى ﴾ في جوابها على سؤال ربّها، ﴿ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ... [2] ؟.
إنها القلوب والأرواح التي بيّن القرآن الكريم ما لها من حالات وتبدّلات، حيث جعل لها أبواباً تنفذ فيها إلى سرّ الحياة، حتى لا يستبدّ بها كفر ونفاق، ولا يأخذ بها مرض إلى هوان وشِقاق، فأوحى لها ما أوحى لتهتدي إلى سبل النجاة، وتخرج من الظلمات إلى النور، كما قال الله تعالى: ﴿ أَوَمَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا ... [3] .

ذلكم هو معنى أن تهتدي القلوب بأمر ربها وسرّ وحيها، أن تتجلّى في الحياة فتقيم وجهها لله تعالى الذي خلقها وسوَّاها، فألهما فجورها وتقواها، وأخرجها من عهدة فطرتها لتكون شاهدة لربها بما أودعه فيها من أسرار الخلقة في حركة وجودها، وامتداد نورها، إذ هي الشاهدة على نفسها في حركة الوجود نحو معبودها، شهادة التجلّي بالحق فيما يكون منها ولها في كل لحظة تستوي على سرّ نشأتها، وتبدّل حالاتها، وكما يقول مطهّري (قده) : «إنّ حركتنا في كل لحظة هي بنفسها «أشهد»، إنها شهادة على ذي الجلال السرمدي. إن دوران الرحى» هو «أشهد» على وجود ساقية الماء، وكما يقول الشاعر:

يا خفي الذات محسوس العطا     أنت كالماء ونحن كالرحى [4]

لقد بيّن القرآن الكريم في كثير من الآيات القرآنية أن القلوب هي مركز الهدى، وقد خصّها بكثير من الآيات لكونها مبعث الحياة، وسرّ النجاة، ومهبط النور، هذا فضلاً عن كونها سرّاً ربّانياً شريفاً، لا بما هي قلوب مادية ومركز للروح الحيوانية، بل بما هي روح ونفس وعقل تتجلّى فيها نفخة الروح في الحياة، التي هي من أمر الله تعالى، وقد جاء في الحديث عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) حينما سئل: يا رسول الله: أين الله في الأرض أو في السماء؟ فقال: في قلوب عباده المؤمنين» [5] .
وفي الحديث القدسي، قال الله تعالى: «لم يَسَعْنِي أرضي ولا سمائي، ووسعني قلب عبدي المؤمن ...» [6] .
ولئن كان القرآن الكريم قد نوّع في المفردات، واختار للقلب أوصافاً وحالات، فيما يكون للقلب من تحولات وانقلابات، فإنّ ذلك لا يستفاد منه، كما بينّا في التأسيس لهذا الباب، أنّ هناك قلوباً متمايزة من حيث الفطرة والوجود، أو من حيث نفحة الروح، وإنما هو تمايز في تحققات الأعمال، واختلاف في مصائر الأحوال...

كما تبيّن أيضاً أن القرآن لم يأتِ بالمفردات على سبيل الترادف، باعتبار أن ما خُصّت به القلوب، أو العقول، أو الصدور، فهو كلّه ناظر إلى ما تعنيه كل مفردة في سياقها القرآني، إذ إنّه ما من مظروف إلاّ وله ظرف، وقد جاءت الاستعارات القرآنية لتوضيح معنى التمايز، بحيث يفهم الباحث أن المجاز في اللغة، أو التوسعة في إطلاق الكلمات، إنّما يهدف إلى تبيان حقيقة المعنى في ما يؤول إليه من تحوّل وتبدّل، فإذا كانت القلوب قد وصفت بالرقّة، والأفئدة باللين، فذلك لا ينفي التجذّر اللغوي، بل يفيد المزيد من المعنى في دائرة اللفظ. ولهذا، فإنّ القرآن قد خصّ كل حالة بما يتّسع لها من الكلمات لتفيد تمام المعنى فيما يكون للقلب، أو الصدر، أو الفؤاد من تبدّل وتحوّل في الباطن والظاهر، لكون القلب هو الذي يؤاخذ بما يكون له من كسب، ويستجمع حالات الوجدان والتفكير، والكفر والإيمان، وما إلى ذلك مما فصّلنا الكلام فيه مراراً وتكراراً، وخاصة في مجال كلامنا عن الصدور، حيث رأينا أن القلوب التي في الصدور لا يستفاد منها التأكيد وحسب كما زعم ابن منظور في لسان العرب، بل هي تعني تمام التجلّي ومظهريّة القلوب، فإذا كانت القلوب قد خصّت بالعمى والختم والقفل.. إلخ، فإنّ الصدور قد خصّت بالشفاء والوسوسة، وغيرها من الآيات التي توضح أن القرآن لم يهدف إلى التأكيد وحسب، وإنما إلى التوسعة أيضاً في المعنى للتدليل على إضافة في المنطوق والمفهوم [7] ، إذ إنّ هذه التوسعة لا تجري في الأحكام وحسب، بل تجري على غيرها أيضاً ...

إنّ تمهيدنا في هذا الباب يقتصر على الإشارة إلى اختلاف العلماء في مباحثهم حول القلوب وأوصافها وأعمالها وحالاتها الداخلية والخارجية، إذ إن منهم من تحدّث عن القلوب وأنواعها بما يتجاوز ما بيّنته الآيات في المجموع [8] ، ومنهم مَن اقتصر على الإيجاز فيها إلى حدّ اعتبارها قلوباً ثلاثة، ولا شكّ في أن مقتضى المنهجية الموضوعية في دراستنا هذه أن نضمّ الآيات بعضها إلى بعض لاستخلاص موقف إسلامي لا لبس فيه، لأنّ الآيات القرآنية الخاصة بالقلوب، ومن خلال السياقات المختلفة التي جاءت فيها. تظهر أن المرض القلبي يمكن استفادته من الآيات التي تتحدّث عن مرض القلوب، وهناك آيات تتحدّث في مضمونها وسياقاتها عن القلب الميت أو الكافر، إضافة إلى ما خصّه القرآن بالمدح وهو القلب السليم الذي تشير إليه آيات كثيرة في القرآن، وهذا ما سنتوقف عنده ملياً في فصول هذا الباب.

ثمّ، إنّ ما ذهب إليه العلماء في أنواع القلوب لم يكن منهم حسماً لموقف قرآني جامع، وإنّما جاء منهم على سبيل التقسيم للآيات بحسب ما تأتي به من تعبير ومفردات، وقد رأينا بعض الباحثين يأخذ المفردة ويجعل منها نوعاً من أنواع القلوب، فهذا الغزالي مثلاً قد جعل القلوب ثلاثة [9] ، في حين نجد الروايات عن الأئمة (عليهم السلام) تتحدّث عن أربعة قلوب [10] ، وفي رواية أخرى عن ثلاثة قلوب، كما عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: القلوب ثلاثة: قلب منكوس لا يعي شيئاً من الخير وهو قلب الكافر، وقلب فيه نكتة سوداء، فالخير والشرّ فيه يعتلجان فأيهما كانت منه غلب عليه، وقلب مفتوح فيه مصابيح تزهر ولا يطفأ نوره إلى يوم القيامة وهو قلب المؤمن [11] . وغير ذلك كثير ممن اختار أن يجعل القلوب بحسب أوصافها القرآنية. أما نحن في بحثنا هذا، فإنّنا نريد أن نتحدّث عن أنواع القلوب من خلال الإشارة إلى القلوب المريضة، والقلوب الميتة، أي الكافرة، والقلوب السليمة، جامعين بين القلب المريض بالنفاق والقلب المطبوع على اعتبار أن القرآن قد ميّز بين القلب الكافر، والقلب المريض بالنفاق أو بالشهوات والشبهات، كما ميّز بين هذين القلبين والقلب السليم، جاعلاً لكل قلب من هذه القلوب أوصافاً وأعمالاً، هذا فضلاً عمّا خصّ به القلب السليم من مدح حيث قال تعالى: ﴿ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [12] ، وهذا يعني فيما يعنيه أن القلب الوافد على رحمة ربه هو قلب واحد هو القلب السليم، وقد جعلت لهذا القلب أوصافٌ في القرآن، أما القلوب الأخرى، كالقلب الكافر، والقلب المريض بالنفاق، فقد ذمّهما القرآن وأعدّ لهما عذاباً وسعيراً. مما يؤكّد لنا أن القرآن الكريم يكشف عن ثلاثة أنواع من القلوب لكون الروايات قد جمعت بين القلب الأزهر والقلب السليم، وبين القلب المريض بالنفاق والقلب المريض بالذنوب والشهوات والشبهات كما في قول المعصوم: «قلب فيه نفاق وإيمان».

إنّ منهجنا في هذا البحث سيأخذ بالآيات التي تتحدّث عن مرض القلوب، وليس جميع الآيات، وإنما استخلاص الآيات التي تتمايز بهدف استخلاص موقف ورؤية قرآنية كاشفة عن هذا النوع من القلوب، والذي يحدونا إلى ذلك هو وضوح النص القرآني فيما يخص القلوب من أوصاف وحالات، هذا فضلاً عن ملاحظة حقيقة الأوصاف بحسب ما تأتي فيه من سياق قرآني، كما في قوله تعالى: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [13] ، فهذا القلب المقفل، أو المطبوع، أو المختوم، وهي أوصاف تتناسب رغم اختلاف معانيها بحسب السياق، ما يعني أن الباحث يمكنه، بحسب المنهج الموضوعي، أن يلحظ هذا التمايز في سياق واحد لاستحالة أن يستوفي هذا البحث كامل المعنى في القرآن، إلاّ أنه يمكن الإشارة من قريب إلى تحققات هذه الأوصاف وما تندرج فيه من سياق يخصّ الإنسان الكافر، أو المشرك، أو المنافق، وقد بيّن العلماء أن هناك العشرات من الآيات التي تخصّ كل قلب من هذه القلوب، باعتبار أن القلب هو جوهر الإنسان، وهو مركز الروح فيه، وحساب الإنسان إنما يكون بحسب ما يكون عليه في قلبه، فإن كان مريضاً ـ وقد بيّن القرآن أسباب وحالات مرض القلب ـ كان له ما يستحقه يوم تفد القلوب على ربّ العالمين، وإن كان كافراً أو مشركاً، فإنّه يكون له بحسب ما اختاره لنفسه، وإن كان قلبه سليماً، فله ما بحسبه أيضاً، ومن خلال ملاحظة الأوصاف يمكن للباحث أن يتوقف مليّاً عند النصوص وسياقاتها ليستخلص الموقف المناسب حول كل قلب من القلوب، وهذه منهجية يمكن الاستفادة منها، كما رأى العلاّمة الشيرازي في نفحات القرآن، شرط أن نلحظ الآيات من خلال المفهوم أيضاً، لأنه توجد الكثير من الآيات المستنبطة لمعنى القلوب وصفاتها، وهذا ما يمكن للباحث ملاحظته لما أشار إليه الشيرازي في منهجه الموضوعي أن الآية الواحدة في التفسير الموضوعي فيها أبحاثٌ عديدة من جهات مختلفة، وفي كل بُعد من أبعادها يجب بحث فصل خاص به، في حين تفسير الآية في التفسير الترتيبي يأخذ تفسيراً واحداً فقط [14] .

وهنا تجدر الإشارة إلى أن هذه الدراسة يمكن الاقتصار بها على مبحث القلب المريض في القرآن نظراً لما تنطوي عليه الآيات الكثيرة من دلالاته، ولكننا اخترنا إجمال القول في القلوب على النحو الذي يؤدي بنا إلى ملامسة بعض الحقائق القرآنية، التي نرى أنها ذات دلالات مفيدة بعدما سبقنا كثير من العلماء إلى مثل هذه المباحث، وكلنا أمل أن نوفّق لاستخلاص مواقف ورؤى جديدة، أو على الأقل إلى تبويب بعض المباحث لتكون أكثر فائدة، ويكفينا للتدليل على ما نذهب إليه من صعوبة القول وعقبات البحث أن نلفت أنظار الباحثين إلى ما أجاد وأفاد فيه العلاّمة «جوادي آملي» في مبحث ختم القلوب وأقفالها [15] ، حيث إنه أظهر عبقرية فريدة في تناول هذا المبحث، لكونه استوفى البحث في جملة من الآيات القرآنية، بالشكل الذي يؤكد حقيقة ما ذهب إليه الشيرازي بأنّ للآيات أبعاداً كثيرة قد لا يستطيع الباحث أن يتوقف عندها، وخاصة إذا كان لهذه الآيات أبعادها العقائدية والعلمية، وهذا ما أفاده «الآملي» لجهة تأكيده على أن القفل على القلوب والصرف لها وجعل الكنان عليها، إنّما يكون لها بجعل إلهي، كما قي قوله تعالى: ﴿ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ ... [16] ... وكذا ختم قلب الإنسان، فإنّه رغم ختمه، إنما هو مختوم بختم إلهي [17] .. لا على نحو الجبر أو الظلم، بل على نحو تحقق الأسباب والمسببات التي مقاليدها بيد الله تعالى، وهذا ما سيكون مدار بحث وتدبّر في فصول هذا الباب... إن شاء الله تعالى.

 


 

 

الفصل الأول: القلب المريض في القرآن

 


 

أولاً: صفات القلب المريض

 


انسجاماً مع ما ذكرنا في تمهيدنا، نستعرض جملة من الآيات التي تتحدّث عن القلب المريض، لنرى أن مواصفات هذا القلب في جميع الآيات تلتقي عند وصف يميّز هذا القلب، مع تسليمنا المطلق أنه ما من آية تكرر ذاتها، أو تظهر المدلول ذاته، وخاصة في الآيات التي تأتي على ذكر الكافرين والمنافقين، حيث إنّ ما يميّز هؤلاء بعضهم عن بعض هو أن الكافرين بعضهم أولياء بعض [18] . والمنافقين بعضهم من بعض [19] ، ولا شكّ في أن لهذا الكلام القرآني مدلوله الخاص، وانعكاسه الحقيقي في تعبيرات وسلوكيات أهل الكفر والنفاق، هذا فضلاً عن أن صفات القلوب المريضة تختلف باختلاف التقلّبات التي تتعرّض لها، فتارةً يكون الوصف بلحاظ العقيدة، وتارةً يكون بلحاظ الالتزام الأخلاقي والعملي للناس، إلى غير ذلك مما يختلف معناه ومدلوله في سياق الآيات القرآنية، كما في قول الله تعالى: ﴿ قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَكِن قُولُواْ أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ... [20] . فالآية ناظرة إلى قضية أساسية تتعلق بتحقيق الإيمان في القلوب، إذ لا يكفي أن نقول أسلمنا، وإنما لا بدّ من الإيمان الذي مركزه القلب، والذي لا بدّ أن يكون متحققاً بالإيمان على نحو يجعل باطن الإنسان وظاهره مسلماً لله تعالى، كما قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ ... [21] .

إذاً، يمكن لمتدبّر بصير أن يلحظ الآيات القرآنية المتعلقة بمرض القلوب على نحو مجمل بهدف استخلاص الموقف والرؤية التي تحدّد ما يكون لهذا القلب من تحوّلات وتبدّلات في الظاهر والباطن، وهذا ما سنحاول القيام به في مبحثنا هذا لعلّنا نوفّق إلى ما استكناه حقيقة الموقف، فنقول: إنّ جملة الآيات القرآنية الناظرة إلى القلب المريض، تفيد بأنّ صاحب هذا القلب هو الذي تأسره الشهوات والملذات، ويتلهّى عن ذكر الله تعالى، ويكون له حالات من التقلب تجعله موصوفاً بكثير من الصفات التي تدلّ على مرض في قلبه، كأن يكون معلناً بخلاف ما في قلبه، أو شاكّاً، أو مستنكفاً عن الدعوة إلى الله سبحانه ورسوله(صلى الله عليه وآله وسلم)، كما في قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا دُعُواْ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ (48) وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُواْ إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49) أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُواْ أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [22] ، فهذه الآية استجمعت صفات وحالات ثلاث تؤدي بهم في النهاية إلى الظلم، لكونهم أعرضوا وشكّوا وخافوا، وهذه صفات تنمّ عن أنّ هؤلاء لا إيمان حقيقي في قلوبهم يدعوهم إلى التسليم بحكم الله تعالى، وإلى اليقين والاطمئنان بأن الله تعالى لن يحيف عليهم ورسوله، ما أدّى بهم إلى أن يكونوا على حالة من المرض تكشف حقيقة ما هم عليه في الباطن، وهم وإن أظهروا خلاف ما في باطنهم، فإنّ حالهم ستؤول إلى النفاق، وهو مرض، كما يبين في القرآن، ويستجمع الكثير من الآيات، وهو لا يقتصر على عقائد هؤلاء في باطنهم، وإنما يتجاوزه إلى السلوكيات والأعمال والأخلاق. ومن هنا نلاحظ كيف أن القرآن يوصّف حالة هؤلاء على النحو الذي يُمكِّن الباحثَ من استخلاص رؤية كاشفة عن حقيقة هؤلاء في العلم والعمل...
نعم، يمكن للباحث أن يقتصر في الكلام على ما سبق للعلماء أن درجوا عليه في بحوثهم بأن يقسم القلوب إلى ثلاثة أنواع، كما فعل الغزالي في إحياء علوم الدين، فيقول: «والقلوب في الثبات على الخير والشرّ والتردّد بينهما ثلاثة:
«قلب عُمِر بالتقوى، وقلب مخذول ، مشحون بالهوى، ومفتوح فيه أبواب الشياطين، وقلب: تبدو فيه خواطر الهوى، فتدعوه إلى الشرّ، فيلحقه خاطر الإيمان فيدعوه إلى الخير...» [23] .

ولكن بما أن هذا التقسيم ينسجم مع منهجية التفسير الموضوعي، فإنّ مبحثنا سينحو بالبحث إلى مزيد من التفصيل من خلال التفسير الموضوعي أيضاً، بحيث نعرض لجملة من الآيات، ثم يأتي التعقيب والتفسير لها بحسب ما يقتضيه المنهج من تبيان قواعد، وجمع معلومات نخلص منها إلى نتائج واضحة ومحدودة في أنواع القلوب وفق ما جاء عن الإمام الباقر (عليه السلام) بأنّ القلوب أربعة، وقد أردنا الجمع بين القلب المريض بالنفاق والقلب المطبوع، لأن مؤدّى النفاق وتراكم الذنب أن يختم ويطبع على القلب، لا ابتداءً، وإنّما مجازاة ومعاقبة، وبالله التوفيق.

 



 

 


قلنا في تمهيدنا إن القرآن الكريم يميز بين الكافر والمنافق، ويرشد في كثير من الآيات إلى أن المرض القلبي ليس هو الكفر فقط، بل قد يجتمع مرض القلب مع الإيمان، حيث قال الله تعالى: ﴿ لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ [24] . وقال الله تعالى: ﴿ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً [25] فالآيات المباركة تبيّن أن المسلمين الذين في قلوبهم مرض ذكروا منفصلين عن الكافرين والمنافقين، وتظهر أيضاً أن الإنسان قد لا يكون كافراً، ويكون مبتلى بالأمراض النفسية، وقد أرشده القرآن إلى السبل الكفيلة بمعالجته، حيث وصف له الدواء لشفاء عقله وقلبه وصدره، وهو القرآن من خلال اتباع تعاليمه، والاهتداء به لتحقيق السلامة النفسية والروحية والعقلية، كما في قوله تعالى: ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ... [26] ، وهذه الهداية ليست منحصرة في الهداية إلى سلامة الأعمال، بل هي ناظرة إلى القوامية في مجال القلوب أيضاً، لكون الأعمال، هي في الحقيقة، ترجمة لما في القلوب من هداية، ولهذا جاء التعبير بأقوم على وزن أفعل، أي أنّه قد توجد سبل للهداية، ولكن القرآن يبقى هو الوسيلة المثلى لتحقق الهداية في الباطن والظاهر، وفي القول والعمل...

كما نلاحظ من السياق القرآني أنّ جملة الآيات التي تتحدّث عن مرض القلوب، وعن النفاق فيها، هي في الكثير منها تتعلق بالتجربة الإنسانية، لكون المنافقين قد خرجوا من باطن قلوبهم إلى واقع الحياة واختاروا أن يكون النفاق مسلكاً إلى الفوز بالدنيا، فكانوا يتلوّنون في حالاتهم لنيل رضى المسلمين في الوقت الذي كانوا يظهرون فيه الميل والمودّة لأعداء المسلمين، ويقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم، كما في قوله تعالى: ﴿ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُواْ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُواْ قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لَّاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ [27] .

فقوله تعالى: ﴿ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ ﴾ مرشد إلى أن هؤلاء قد تجاوز بهم المرض القلبي حدّ الخطّ الأحمر الذي يؤدي بالمنافق في كثير من الأحيان إلى أن يكون كافراً، فإذا كان معنى القلب المريض أنه القلب الذي له شيء من الحياة، ومحكوم للتجاذب بين أن يكون مؤمناً أو كافراً، فإنّ الأمر قد يصل به إلى حدّ الموت، بحيث لا يبقى له معنى الحياة في شيء من الأقوال والأفعال، فضلاً عمّا يكون له في باطنه من تحولات تخرجه إلى الكفر، تماماً كما بيّن القرآن في الآية المباركة، حيث إن المنافقين قالوا للمؤمنين لا يكون بينكم وبين أعدائكم قتال، «ولو علمنا أنه يكون قتال لخرجنا معكم، وأضمروا في باطنهم عداوة النبي، والمؤمنين، فقال الله تعالى: ﴿ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ لأنهم بهذا الإظهار إلى الكفر أقرب منهم إلى الإيمان، إذ كانوا قبل ذلك في ظاهر أحوالهم إلى الإيمان أقرب حتى هتكوا أنفسهم عند مَن كانت تخفى عليهم حالهم من المؤمنين الذين كانوا يحسنون الظنّ بهم، وليس المراد أنّ بينهم وبين المؤمنين قرباً يوجب دخول لفظة أفعل بينهم... وإنما هو مثل قول القائل ـ وهو صادق ـ لمن هو كاذب، أنا أصدق منك، وإن لم يكن بينهما مقاربة في الصدق» [28] .
قال الله تعالى في محكم كتابه: ﴿ يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُم بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِؤُواْ إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ [29] .
قال الله تعالى: ﴿ فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ [30] .

نلاحظ أن الآيات تتحدّث عن مرض القلب والنفاق في سياقات متعددة، منها ما يظهر حالة المرض والنفاق في دائرة قبول القرآن أو في رفضهم له، وقد حذّرهم القرآن أن تنزّل سورة تنبئهم بما في قلوبهم، ثم نرى الآية الثانية تتحدّث عن إخلاف الوعد، والتكذيب، بعد أن أشار القرآن إلى حالة الاستهزاء التي كان يعبر بها المنافقون عن قلوبهم، سواء بحق القرآن أم بحق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فهم في جميع حالاتهم القلبية الظاهرة والباطنة ﴿ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ [31] ، في حين نرى سياق الآية الثانية يشير إلى أن أهل النفاق بخلوا بما آتاهم الله من فضله،.. فأعقبهم نفاقاً، أي أورثهم البخل نفاقاً متمكناً في قلوبهم إلى يوم يلقونه، ففي الآية المباركة إشارة إلى عمل قلبي وآخر سلوكي، لأنّ الاستهزاء والتكذيب ناشئان عن كون مرضى القلوب والمنافقين يعبّرون عن اعتقاد راسخ لديهم أنّ الله تعالى ليس مطلعاً على ما يكتمونه، أما البخل، فهو ناشئ عن كونهم لا يعتقدون بالمعاد، فأورثهم البخل نفاقاً إلى يوم يلقونه، كما جاء في تفسير الصافي، حيث بيّن أن مرضى القلوب ليسوا فقط منحصرين بأعمالهم القلبية، وإنما لمرضهم آثار اجتماعية وسياسية لكونهم منعوا حقّ الله منه، وتولّوا معرضين عن طاعته [32] ، وقيل كما عن الطبرسي (قده) ، فأعقبهم الله بذلك حرمان التوبة كما حرم إبليس، وأراد بذلك أنه دلّنا على أنّه لا يتوب، كما دلّنا من حال إبليس على أنه لا يتوب، لأنه سلب عنه قدرة التوبة [33] . وإلى مثله ذهب الطباطبائي في الميزان، إذ رأى أن هؤلاء على نفاقهم إلى أن يموتوا، دون أن يقال: فهم على نفاقهم إلى أن يبعثوا إذ لا تغيّر لحالهم فيما بعد الموت على أي حال [34] .

إن هذا المرض، كما بيّن القرآن، فيما لو انتشر في المجتمع البشري، سواء في ما ينطوي عليه من اعتقاد في القلب أم في السلوك، لا بدّ أن يكون من مؤدّياته الهلاك للمجتمع، ولهذا قيل: إن الكافر مفضوح بكفره، وأما المنافق، فهو الذي يظهر الإيمان ويستبطن الكفر، وهذا ما يُخشى منه على المجتمع، لأنه يؤدي إلى تلبيس الأمور على الناس في دينهم ودنياهم، بل في حربهم وسلمهم، وفي كل شأن من شؤون السياسة والاقتصاد والاجتماع، لكون أهل النفاق هم أخطر الأمراض التي يمكن أن يتعرض لها مجتمع إنساني لما عرفناه عنهم فيما خصّوا به من مواصفات في القرآن، ويكفي أن نشير إلى أن ما أورده العلماء في تفاسير القرآن عن مرض القلوب فهم يؤكّدون أن الشيطان هو لسان هؤلاء وقلبهم، وقد أعقبهم نفاقاً إلى يوم يلقونه لما هم عليه من ثبات في مرض قلوبهم... كما قال الله تعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ [35] . فالآيات، كما نلاحظ، تستجمع صفات هؤلاء في العلم والعمل، في الاعتقاد وفي السلوك، وتؤكّد على أن صفات هؤلاء في الكذب والخداع، هي أهم ما يميّز هؤلاء عن الناس، هذا فضلاً عمّا تنفيه الآيات عنهم من إيمان، وتنسبه إليهم من إفساد في الأرض، فهم مرضى العقول والقلوب، ومتميّزون في إدراك أفعالهم من حيث كونهم واعين بالأهداف، وهذا من أهم ما يمكن استنطاقه من الآيات المباركة أن مرض هؤلاء ليس مجرّد مرض نفسي، وإنما يتجاوز ذلك ليكون مرضاً لا تزيده الأقوال والأفعال إلاّ مرضاً، كما قال الله تعالى: ﴿ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً [36] ، أي زادهم شكّاً إلى شكّهم، فكان لهم العذاب الأليم في الدنيا والآخرة بما كانوا يكذبون. وهنا تجدر الإشارة في سياق الرؤية الموضوعية التحليلية أن نشير إلى أربعة مظاهر من مظاهر النفاق في الآية، فهم يدّعون الإيمان مع إخفاء نقيضه، ويخدعون أنفسهم ظنّاً منهم أنهم يخادعون الله تعالى والمؤمنين، وثالثاً: إنّ الله يعلم بحالة المنافق وأنه مصاب بحالة مرضية في قلبه، فزاده مرضاً حتى يتناسب مع العقوبة التي يستحقها مرض النفاق، ورابعاً: نرى التوصيف الحقيقي لحالة المرض بما هي كذب على الله ورسوله والمؤمنين إذ نرى الآية تجعل من النفاق والكذب توأمان وعقوبتهما واحدة.

وكيف كان، فإن هذا المرض الذي يرى العلماء أنه قابل للشفاء، ويجعلون منه حالة وسطية، بمعنى أنه قد يشتدّ، وقد يضعف بحسب ما يكون للإنسان من قوة في قلبه وإيمانه لمواجهة الأهواء والشهوات، ولكن القرآن يتحدّث عن هذا المرض بلغة أخرى، وذلك من خلال تأكيده على أن مرض النفاق هو في كثير من الأحيان ليس قابلاً للشفاء، وقد جاءت سورة «المنافقون» في القرآن لتؤكّد هذا المعنى، وقد استشرى هذا المرض لدرجة أنه جعل من الأمة الإسلامية في تاريخها أمة تائهة ضائعة ومنحرفة في كثير من قضاياها المعنوية والمادية، فضلاً عن سائر شؤونها الاجتماعية والسياسية والحضارية... والحديث ذو شجون.

فالقول بأنّ هذا المرض، مرض متذبذب بين السلامة والفساد، يعلو حيناً ويهبط حيناً، وتتجاذبه حالات الإيمان والكفر، وأنه مما يمكن شفاؤه، هو غير مرض النفاق الذي تحدث عنه القرآن في آيات كثيرة، لأن القرآن يُبْرِز هذا المرض، ويدعو العباد إلى الوقاية منه بالاستجابة لله تعالى ورسوله فيما أمر به ونهى عنه، وتطهير القلوب على النحو الذي يؤدّي بها إلى العقل عن الله تعالى، وقد بلغ القرآن في توصيفه لهذا المرض حدّ القول فيه إنه من أشدّ الأمراض التي تفتك بالمجتمعات الإنسانية، لما يؤدّي إليه هذا المرض من شرور وآثام، كما قال الله تعالى: ﴿ وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً [37] ، حيث نلاحظ أن الآية قد فصلت بين المنافقين والذين في قلوبهم مرض، ما يعني أن المرض القابل للشفاء، والذي يمكن أن يؤول أمر أصحابه إلى السلامة والإيمان، هو الذي لا يكون على حدّ الشرك والكفر والنفاق، أما المرض الذي يكون على حدّ ذلك، فهو قلب مختوم ومطبوع ومنكوس على حدّ تعبير الفقهاء، وهذا ما ينبغي التمييز بينه في بحوث العلماء والباحثين، لكون القرآن قد فصل الكلام في كثير من الآيات عن حالات المنافقين، وقد لاحظنا فيما عرضنا له من آيات كيف ميّز القرآن بين القلب المريض بالأعراض والأمراض والخطايا والذنوب، والقلب المريض بالنفاق، مبيّناً أن مرض النفاق هو أخطر على الناس من كل الأمراض الأخرى، وقد ابتليت به جميع الأمم قديماً وحديثاً، وإذا كان القرآن قد وضع إلى جانب مرض النفاق صفات وحالات أخرى تساوي هذا المرض أو تترتّب عليه، كما في قوله تعالى: ﴿ أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُواْ أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [38] ، فإننا نقول بأن القرآن يقدّم مرض القلب دائماً على سائر الأوصاف الأخرى، وخاصة القلب المريض بالنفاق الذي يستتبع كل الصفات الرديئة والقبيحة من شك، وريب، وخوف، وحيف، وغير ذلك مما يلحق بهذا المرض وينشأ عنه. أما إذا كان منشأ الأمراض هو الشهوات والملذّات، فإنّ كثيراً من المسلمين والمؤمنين قد تلحق بهم هذه الأمراض، وقلّما نجد إنساناً مسلماً قد تطهّر من مرض التلوّث وعدم الثبات في طريق العبودية والميل للباطل واتباع هوى النفس، كما قال الله تعالى: ﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللَّهِ إِلَّا وَهُم مُّشْرِكُونَ [39] ، وكما روي عن الباقر(عليه السلام) أنّ المراد بالشرك في هذه الأمة، الشرك في الطاعة وليس شرك عبادة، وهو يعني أن الناس يعبدون الله بالوحدانية، ويطيعون الشيطان ويتبعون أوامره في ارتكاب الذنوب [40] .

إذاً، لا بدّ من التمييز بين القلوب الكافرة والمنافقة والقلوب المريضة بالتلون وعدم الثبات، وهذا ما خصّص له القرآن الكثير من الآيات، فإذا قلنا: إنّ القلب تتجاذبه حالات الإيمان والكفر، فليس بالضرورة أن نعني به القلب المريض بالنفاق، بل هو القلب الذي يعبد الله بالوحدانية ويطيع الشيطان. أما القلب المنافق والمريض بكل ما يستتبعه النفاق من أوصاف، فهو قلب غلبت عليه الشقوة، واستبدّت به القسوة حتى قالوا: ﴿ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً [41] ، وخطورة هذا القلب أن الشيطان بلغ منه مبلغاً أدّى به إلى أن يكون على حدّ الكفر بالله ورسوله، وإذا ما بلغت القلوب هذه الحال، فإن الشيطان لم يعد له أثر في هذا القلب لكونه قد استحوذ عليه، ولم يعد له مطمع فيه، ذلك أن القلوب المريضة إذا آل أمرها إلى القسوة، فلا تلبث أن تموت، وإذا ماتت هجرها الشيطان لقسوتها وموتها، ولهذا نجد القرآن في بعض آياته يعرض لأقاويل الشيطان في سياق المجادلة مع الذين وقعوا في شراكه، إذ يقول لهم، كنت قد أمرتكم فاستجبتم لي، مظهراً الخوف من الله تعالى أمام الذين كفروا، حيث قال الله تعالى: ﴿ كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ [42] ، وقوله تعالى: ﴿ وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ [43] .

إن الشيطان يستمر في مهاجمة القلوب المريضة، فإذا قست وماتت، فلا يبقى له ما يعمل عليه من إغواء وتضليل، بل هو في شغل شاغل مع تلك القلوب المريضة التي لا يزال فيها أمل الشفاء والحياة، وقد أجمع المسلمون على أن الشيطان لا يقترب من قلوب الأولياء والصدّيقين، لأنه يحترق باعتبار أن هذه القلوب محروسة بحقائق الإيمان التي تشكّل درعاً واقعياً للحيلولة دون نفوذ الشيطان إليها...

يبقى أن نشير إلى أن هذا النوع من القلوب المريضة، والتي يمكن إيجاد الشفاء لها، قد ميّزها القرآن عن النفاق والكفر، وهذا ما سيكون موضوع بحثنا في الدراسات المقبلة، على اعتبار أن القلب المريض القابل للشفاء، هو القلب الذي يأخذ بالقرآن ويهتدي به للخلوص من شوائب ما يرد إليه من ملذات وشهوات. القلب الذي تأخذ منه الدنيا حيّزاً، وكما فصلنا الكلام سابقاً بأن القلوب ليست مجرّد عواطف ووجدانيات، بل هي بالإضافة إلى ذلك عقول وأرواح ونفوس، فهي عقل وتفكير إلى جانب كونها مركز الوجدان والأحاسيس، وبما أن المرض الذي يطال القلب ويتعرض له، لا يأخذ حيّزاً من القلب دون آخر، بل يطاله في وحدته وذاتيته، فيكون له الاستحكام عليه، سواء في العاطفة والوجدان أم في العقل والتفكير، باعتبار أن الأمراض نوعان، نوع يتعلق بالجوارح وهي الشهوات، وآخر يتعلق بالعقول، وهي الشبهات، وقد جاء عن أئمة أهل البيت في الحديث الصحيح، قولهم: «إنما نخشى عليكم شهوات الغي في بطونكم وفروجكم ومضلات الهوى» [44] ، والمضلات هنا هي الشبهات التي تعرض للعقول، وقد بيّن القرآن معنى أن تكون الشبهة سبيلاً إلى المرض العقلي، داعياً إيّاهم، أي الناس، إلى أن يكونوا على منهاج واضح فيما يتعلّق بأمور دينهم ودنياهم، بحيث لا يقولوا من غير علم، وأن لا يعبدوا الله من حيث يُعصى، وأن يكونوا على بيّنة من دينهم بحيث يعرفوا أن الحرام بيِّن والحلال بيِّن، وبينهما شبهات، وأن لا يحوموا حول الحمى، لأن مَن حام حول الحمى أوشك أن يقع فيه [45] .


 


إذا كان مرض النفاق هو أخطر مرض يمكن أن تصاب به القلوب، فإنّ هناك أمراضاً أخرى قد تتعرّض لها القلوب في معترك الحياة، ومخاضات الأحداث، وقد بيّن القرآن الكريم جملة من هذه الصفات فيما عرض له من آيات مختلفة تنوعت فيها الأوصاف، واختلفت في تظهيرها المفردات، وتكاد تبلغ هذه الصفات مستوى أن يكون القلب جامعاً لها لما تتوارد عليه من أحوال وأهوال، وملذّات وشهوات ومضلات، ويكفي هذا القلب أن يكون عرضة للشيطان، الذي يعده ويمنّيه، وهو ما يعده إلاّ غروراً، إضافة إلى ما تقدّم، فإنّ الصفات التي يذكرها القرآن الكريم بخصوص هذا القلب المريض ليست محصورة به، وإنّما تتعدّاه لتكون مواصفات عامة لكل القلوب التي تتّبع الشيطان من دون الله تعالى، وتعطيه مقاليدها وزمامها ليكون ناطقاً بلسانها، ومستحكماً على قلوبها حتى ينتهي به الحال إلى الفراغ منها بالموت....

ونظراً لكون حالات الإنسان القلبية تتفاوت بين إنسان وآخر، بين إنسان يتجاذبه الإيمان والكفر، وآخر يتغلّب فيه الإيمان على الكفر، وثالث يتغلّب فيه الكفر والنفاق على الإيمان، فإنّه يمكن للباحث المتدبّر أن يعرض لمجموعة من الآيات التي تخصّ القلوب المريضة، التي تراوح أمرها بين أن تكون على مرض قابل للشفاء، وأخرى لا شفاء لها، وهذا ما يدعونا أيضاً إلى أن نربط بين الآيات على النحو الذي يمكننا من استخلاص موقف ورؤية حول صفات القلوب، باعتبار أن الآيات القرآنية ترشد إلى أن منافذ القلوب من أسماع وأبصار وأفئدة، فضلاً عن الصدور، التي هي مجلى ومظهر هذه القلوب، ليست هي التي تعمى، أو تصمّ لكونها تشكّل حواساً ظاهرة تعضدها حواساً باطنة، تخرج بها العقول والقلوب إلى حدود الفعل والعمل، بحيث يكون البصر بصيرة، والسمع إصغاءً إلى نداء باطني رغم التعبير عن ذلك بحاسة ظاهرة، وهي قوله تعالى: ﴿ أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا [46] . فالقرآن يتحدّث عن القلوب، فيقول: ﴿ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ [47] ، ويقول: ﴿ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ [48] ، إلى غيرها من الآيات الكثيرة التي تتحدّث عن ختم الأسماع والأبصار والقلوب، وهذه كلها أوصاف لا تطال الحواس الظاهرة وحسب، وإنما هي تلحظ حقيقة القلب كمركز وجوهر تصدر عنه حالات الإنسان، فيما يكون له من تحققات في العلم والعمل، وفي الحلال والحرام والشبهات...

لقد ظهر لنا أن القرآن في صفات القلوب المريضة يركّز على صفة المرض القلبي بما هو داء معنوي يصيب الإنسان ويحملهُ على الكذب والاستهزاء وغير ذلك مما عرض له القرآن من صفات هذه القلوب، ولعل أكثر الآيات قد جاء بهذه المفردة، مفردة المرض، كما في قوله تعالى: ﴿ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً ... [49] ، إضافة إلى صفات أخرى من قبيل الإشارة إلى القلوب اللاهية [50] ، أو الزائغة [51] ، أو الغافلة [52] ، أو المصابة بالعمى [53] ، أو بالغلظة [54] ، أو بالتفرقة [55] ، أو بالحسرة [56] ، أو المخالفة [57] ، والمرتابة [58] ، ويأتي في طليعة هذه المواصفات، أنها قلوب مصروفة عن الحق [59] ، وهذا غيض من فيض مما جاء من مواصفات لهذا القلب المريض، وكما يقول الشيرازي: «ومما يلفت النظر أن جملة ﴿ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ تكررت اثنتي عشرة مرة في القرآن، مما يكشف الأهمية التي أولاها الله تعالى لهذه المسألة، مع الالتفات إلى أن أغلب هذه الآيات عنت المنافقين...» [60] .

وعلى أية حال، فإنّ المستفاد من الآيات هو أن الإنسان كما يصاب جسمه بأمراض، كذلك روحه، فإنها تصاب بأمراض سببها «النفاق» تارةً، والأهواء والميول تارةً أخرى، وقد عرضنا لهذا المعنى سابقاً، إلاّ أنه ينبغي الإشارة أيضاً إلى أن هذه المواصفات للقلوب ليست مجرّد أحوال القلب الجسماني أو الروحاني، وإنما هي تتعداه إلى الحياة العملية، لأنّ مَن تُغيّر مزاجه الأمراض فهو مثلما أنه لم يعد قادراً على الاستواء على مذاق نفسه بحيث يميز بين ما هو كريه وما هو لذيذ، فكذلك هو قد يُصاب بالأمراض النفسية والقلبية التي تحول بينه وبين أن يكون له سلامة في عقله وروحه ونفسه، فلا يعود قادراً على إدراك الحقائق ووعي الأمور، لأنّ تغيّر المزاج الروحي نتيجة المرض لا بدّ أن يُحدِث تقلبات في ذات الإنسان، وممّا لا شكّ فيه أن هذه المواصفات للقلوب ليست مقيّدة بحالة الإنسان المادية، لكون الغلظة، أو الغفلة، أو الزيغ، أو الحسرة،... إلخ، هي مما تنفعل فيه القلوب، وتؤدّي إلى انفعال الإنسان عنها لتكون له حالات مختلفة ومتباينة في إدراك الحقائق وفهمها، وقد يبلغ الأمر بالإنسان المريض، وخاصة بالنفاق، إلى أن يعبّر عن ذاته بالانحراف عن فطرته، سواء بالتكذيب أم بالتأمر أم بالكيد، وهذه الصفات بجملتها تعني أن الإنسان المريض لا يعقل عن الله تعالى، ولا يستثير دفائن عقله بالوحي، بل يتنكّر لذلك، ويدعو إلى عبادة الهوى فيما يتّخذه لنفسه من آلهة سواء بالقول أم بالفعل، كما قال الله تعالى: ﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً [61] .

كما نلاحظ أنّ الآية المباركة قد قدمت الختم على السمع والقلب، لكون السمع هو الذي تعرف به العلوم النقلية، وتسمع بها الآيات الرحمانية (الإلهية) من خلال الإصغاء إلى الأقوال، ثم ذكرت القلب بعد السمع لكون القلب هو الذي يدرك به الحقائق غير المحسوسة، ثم جاء البصر الذي به يميز بين الأشياء بعد مشاهدتها، وقد قلنا سابقاً إن الفؤاد هو العقل عند نضوجه، فهو أعلى درجة من العقل [62] ، وقد جاء القلب هنا والختم عليه ليُفيد معنى الفؤاد الذي يؤدي الختم على السمع إلى أن يكون غشاء القلب قاسياً فلا تعلق به الشوائب على ما أفاد العسكري في معجم الفروق اللغوية، ومثله قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (6) خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [63] ، يقول ابن شهرآشوب: «ليس فيها أنه يفعلها الله تعالى في القلب أو يصدّ بها عن الإيمان، وإنّما أراد بالغشاوة الفهم للكفر ومحبتهم له، ولم يقل تعالى إنه جعل على قلوبهم غشاوة بل أخبر أنه كذلك [64] ، فهم لما عدلوا عن الحق جعلت الأكنّة على قلوبهم والوقر في آذانهم أن يفقهوا عقوبة لهم لاختيارهم ذلك، ولم يقل لئلا يفقهوه، وهذا عدول عن الظاهر» [65] .
أما قوله تعالى: ﴿ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ [66] ، فهو مفيد لحقيقة ما علمه الله تعالى من أنه لا يستحق الثواب ولا يهتدي، كما أفاد ابن الجوزي في تفسيره [67] .

وهكذا، نلاحظ أن تنوّع الصفات للقلوب هي أحوال باطنة لها ويمكن أن تكون لها تمظهرات خارجية بأن يتحول الإنسان ويتقلب بحسب ما تكون الغلبة للهوى أو للعقل، باعتبار أن كلاهما فيه، يقول الغزالي: «فهو معترك الفكرين، الهوى وجنوده، والعقل وجنوده، فهو أبداً بين محاربتهما وتقاتلهما وتناقضهما، وحقّ للثغر أن يُحرس ويُحصّن ولا يغفل عنه، لأن الآفات إليه أسرع، والانقلاب إليه أقرب، ولقد قيل: «إنّ القلب أسرع انقلاباً من الْقدْر في غليانها، ثم إن زلّ القلب، فَزَلُلُهُ عظيم ووقوعه أصعب، أدناه قسوةٌ وميلٌ إلى غير الله تعالى، ومنتهاه ختم يكفر بالله تعالى..» [68] .

لقد بيّن العلاّمة الشيرازي في تفسيره الموضوعي لجملة من الآيات القرآنية التي تعرض لمرض القلب مؤكداً على أنّ الآيات التي تجمع صفات القلوب، هي في الحقيقة حجب المعرفة، فالرين والزيغ، والقسوة، والطبع، والختم، وعدم الفقه، وجعل الأكنّة، وغيرها من الصفات لم تأتِ في القرآن لتفيد وحدة المعنى والمفهوم، وإنّما جاءت لتؤكّد على أن القلوب المريضة تتقلّب، وتؤول إلى الهواء تدريجيّاً، لتكون حجباً، باعتبار أن الخواطر للقلوب المريضة كالسهام، بل كالمطر، لا تزال تمطُرُ عليه ليلاً ونهاراً لا تنقطع، فهو بخلاف العين التي بين جفنين تغمّض وتستريح،... بل القلب غرض للخواطر، لا تقدر على منعها والتحفظ عنها بحال، ثم النفس مسارعة إلى اتباعها، وقد بيّن الشيرازي أن هذا النفوذ التدريجي للحجب على القلوب، في ظلّ سهام الخواطر، هو دائماً يلحظ في القرآن في ضوء رؤية عامة لما خصّت به القلوب والصدور والأفئدة، فإذا ما أراد الإنسان أن يتعرّف إلى حقيقة الرؤية القرآنية، فلا يسعه إلاّ أن يتبصّر بمراد القرآن من هذا التنوع في الصفات على النحو الذي يؤدّي به إلى الكشف عن حقيقة الموقف.
لقد ذكرنا سابقاً من أن الإنسان هو الذي يختار ما يؤول إليه حاله القلبية والنفسية والروحية، وهو ليس بملجأ إلى أي شيء من ذلك قهراً، أما تسمع قوله تعالى: ﴿ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ [69] ، فكان الكبر في قلبه، فحمله على الإباء والكفر بظاهره، وكذلك قوله تعالى: ﴿ وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ [70] . فكان الميل واتباع الهوى بقلبه، فحمله على ذلك الذنب المشؤوم بنفسه. وكذلك قوله تعالى: ﴿ وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ [71] ، ولهذا المعنى، كما يرى الغزالي، خاف عباد الله تعالى الخواص على قلوبهم، وبكوا عليها وصرفوا عنايتهم إليها، كما قال الله تعالى في وصفهم: ﴿ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ [72] .

غاية القول: إنّ القلوب المريضة في كل حالاتها، وفي ظلّ ما يتحقق لها من أوصاف في أعمال القلب وتقلّباته، وبالأخص منها القلوب المصابة بمرض النفاق، هذه القلوب إنما يكون لها ذلك، أي أوصافها المختلفة، وأحوالها المباينة بما تتقلّب فيه في الباطن، فيكون لها الختم والقفل والطبع... إلخ، وهذه المفردات التي استعملها القرآن هي لم تأتِ إلاّ لفائدة في المعنى والمفهوم. وبما أنّ القلب فيما يكتسبه من الذنوب والآثام، أو فيما يصلح به حاله، هو دائماً في تعبير عن ذاته، فإن صلح كان الصلاح في الظاهر والباطن، وإن فسد كان الفساد في الظاهر والباطن، لأن القلب هو ترجمان كل تحوّل إنساني في النفس والواقع معاً، وقوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ [73] ، هو ناظر إلى حقيقة الوحدة في ذات الإنسان لجهة تقلّب القلب في حالاته وأحواله، وما لم يصلح الداخل، فإنّ الخارج سيكون تعبيراً وانعكاساً لعدم صلاحه، فالقلب هو موضع نظر ربّ العالمين [74] ، فضلاً عن كونه ملك مطاع ورئيس متّبع، فالأعضاء كلها تبع له، فإذا صلح المتبوع صلح التبع، وقد روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: «إنّ في الجسد لمضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب»، وإذا كان صلاح الكل في ذلك وجب صرف العناية إليه على حدّ تعبير العلاّمة الغزالي [75] .



 

ثانياً: أفعال القلوب وحجب الذنوب

 


إنّ الله تعالى خلق الإنسان في أحسن تقويم، وسوّاه ونفخ فيه من روحه، ثمّ هداه النجدين، إمّا شاكراً وإمّا كفوراً، وكلّفه بما يحقق له سعادة الدنيا والآخرة، فكان له نورٌ يهتدي به في الناس، وإيماناً يخرج به من الظلمات إلى النور، ومن الموت إلى الحياة، كما قال الله تعالى: ﴿ أَوَمَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا ... [76] ، هذا فضلاً عمّا خصّ به الإنسان من إرادة واختيار ليكون مسؤولاً عن فعله، وشاهداً على نفسه، فلو لم يكن الإنسان مختاراً في أفعاله، صالحة أم طالحة، وفي انتخاب طريقة حياته، إيماناً أو كفراً، لما صحّت نسبة الفعل والمسؤولية إليه، كما في قوله تعالى: ﴿ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً [77] ، وقال الله تعالى: ﴿ مَّنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ [78] ، وقد أرشد الأئمة (عليهم السلام) إلى هذه الحقيقة مؤكّدين على مسؤولية الإنسان وحريته في اختيار طريق حياته، كما قال الإمام الرضا (عليه السلام): «ألا أعطيكم في هذا أصلاً لا تختلفون فيه، ولا يخاصمكم عليه أحداً إلا كسرتموه؟ قلنا: إن رأيت ذلك، فقال: إنّ الله عزّ وجلّ لم يطع بإكراه، ولم يُعصَ بغلبة، ولم يهمل العباد في مُلكه، هو المالك لما ملكهم، والقادر على ما أقدرهم عليه، فإن ائتمر العباد بطاعة، لم يكن الله عنها صادّاً، ولا منها مانعاً، وإن ائتمروا بمعصية، فشاء أن يحول بينهم وبين ذلك فعل، وإن لم يحل وفعلوه فليس هو الذي أدخلهم فيه، ثم قال (عليه السلام): من يضبط حدود هذا الكلام، فقد خصم من يخالفه،...» [79] .

لقد سبق الكلام في البحوث السابقة عمّا خصّ به هذا الإنسان من عقل وحواس وقلب يهتدى من خلاله إلى بناء حياته وتنظيم معاشه، وقد أثبتت التجارب أن الحسّ والعقل عاجزان عن تعيين منهج وثيق للحياة، وكما يقول اليزدي في معارف القرآن: «إنّ الحواس والعقول ليست قادرة بشكل عام على إصدار أي حكم فيما يخصّ عالم الآخرة وعلاقاته بهذا العالم، لأنّ عالم الآخرة هو خارج عن نطاق الحسّ والتجربة... والحكمة الإلهية تقتضي أن يكون الله تعالى قد جعل للإنسان طريقاً يهتدي من خلاله ليس إلى نظم علاقاته الدنيوية وحسب، وإنّما إلى تحقيق كماله، وهذا الطريق ليس هو إلاّ طريق الوحي...» [80] .
وهذا ما يطالعنا به القرآن في لحظة الهبوط الآدمي إلى الأرض التي أراد الله تعالى أن يكون الإنسان خليفته فيها، فقال له: ﴿ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدىً فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [81] وفي آية أخرى: ﴿ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى [82] ، وقد جاء هذا الهدى لهدي القلوب وإرشاد العقول إلى سبل السعادة والكمال، فمن أخذ به فقد أخذ بحظّ وافر ونال شرف الانتماء للسماء فيما اختاره لنفسه من دين قيّم، وتعاليم سمحاء ليفوز بالسعادة في الدنيا والآخرة...

إذاً، الإنسان لم يُخلق سدى، ولم يترك هملاً، وإنما اختير له أن يكون خليفة في الأرض، وحاملاً للأمانة، مميّزاً عن سائر الكائنات بما خصّ به عقل وقلب وحواس، حيث أراد الله تعالى له أن يتربّى ويصنع على عينه تعالى فيما أوحاه إليه من دين، وفطره عليه من توحيد، فكانت له تربيته الخاصة، وهدايته التشريعية بعد التكوينية لأجل أن لا يخاف ولا يحزن، ولا يضلّ ولا يشقى، بل يسعد في دينه ودنياه وآخرته.

وهنا تجدر الإشارة إلى أن قلوب الناس وعقولهم لم تترك لتكون كالنبات ليس لها زارع ولا لاختلاف أحوالها صانع، بل عهد إلى الأنبياء والرسل تربيتها لإخراجها من الظلمات إلى النور، وهدايتها إلى سبيل الرشاد من خلال إثارة دفائن عقولها حتى تهتدي إلى نور ربها فتتحقّق به؛ لما أجمع عليه العلماء وأهل الحكمة بأن القلب هو خزانة كل جوهر للعبد نفيس، وكل معنى خطير، أولها العقل، وأجلّها معرفة الله تعالى التي هي سبب سعادة الدارين... وهذا القلب ما كان ليترك دون عناية ولا هداية لكي تستبدّ به الأهواء، وتأخذ به المضلات إلى حيث لا سعادة ولا منازل ولا درجات، فجاء الوحي مع الأنبياء لتتميم مكارم الأخلاق، وتربية العقول والقلوب وتطهيرها لإجلاء الشياطين عنها، ولهذا نجد أن أكثر آيات القرآن فيما خوطب به الإنسان تأتي بمفردة «ربّك»، كما في قوله تعالى: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ [83] ، وقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ [84] وقوله تعالى: ﴿ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا ... [85] ، إلى غير ذلك من الآيات التي تستوقف الباحث طويلاً لاستكناه معنى التربية في خط الهداية للقلوب والعقول لكي لا يطالها الختم، والطبع، والقفل، وغير ذلك مما وصفت به القلوب المريضة بسبب هجرانها لأسباب حياتها، يقول العلاّمة مطهّري (قده) في كتابه التربية والتعليم في الإسلام: «إنّ التربية هي عبارة عن التنمية، أي إظهار القابليات الكامنة في باطن الإنسان، والموجودة بالقوة فيه إلى مرحلة الفعلية، ولذا تصدق التربية فقط على ذات الأرواح، وإن استخدمنا هذه الكلمة في غير ذات الأرواح، فيكون ذلك مجازاً...» [86] ، وإلى مثل هذا ذهب العلاّمة مغنية في فلسفة الأخلاق [87] ، وسيّد قطب في معالم الطريق [88] ، حيث رأوا أن الدين يوفّر التربية الصحيحة للإنسان لتكون له السلامة في الباطن والظاهر...

 


 


قال الله تعالى في محكم كتابه: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [89] .
وقال الله تعالى: ﴿ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [90] .
وقال الله تعالى: ﴿ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ [91] .
وقال الله تعالى: ﴿ أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُواْ أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [92] .

إنّ منهجنا في التفسير الموضوعي يفرض علينا أن نلحظ الآيات وفق سياقها القرآني، وكما أشرنا سابقاً إلى أن ضرورات المنهج تقتضي أن نؤسّس لقواعد عامة ننطلق منها في استخلاص النتائج، وقد آثرنا أن نعرض لجملة من الآيات التي نرى أنه يمكن من خلالها الاستدلال على أفعال القلوب المريضة التي لم تتربَّ على هدى الإسلام، واختارت أن تكون العقول والقلوب فريسة لجنود الهوى، ومطية للشيطان يأخذ بها إلى حيث الهوان والعذاب، ويجعل منها شرّ الدواب، كما قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ [93] ، وقوله تعالى: ﴿ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ [94] .

فالآيات المباركة، كما نلاحظ في أدنى تأمّل، تدعو إلى التدبّر في القرآن لكونه سبيل الهداية إلى الحق، بحيث يفهم الإنسان عن الله تعالى ويعقل عنه، هذا فضلاً عن كونه ـ أي القرآن ـ كتاب هداية وتغيير وحياة، ومن شأن الاستجابة لما أمر الله تعالى أن يخضع الإنسان قلبه وروحه وعقله لهتاف الحق، الذي يؤدّي به في النهاية إلى أن يكون له الفوز والسعادة بما يحققه لنفسه من تربية قلب وهداية عقل، فلا يكون ممن أقفلت قلوبهم، وصمَّت أسماعهم، إلى غير ذلك من مواصفات تحقّ على أهل الضلالة والهوى. ولهذا، فإنّ ما تشير إليه الآيات بحسب الرؤية الموضوعية، هو أن العمى الحقيقي إنما يكون للقلوب التي في الصدور، لأنها لم تتدبّر في القرآن، كما يمكن الإشارة أيضاً إلى أن آية: ﴿ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا ... ﴾ ، قد أسند القلب فيها إلى فعل العقل، إذ لم تقل الآية «لهم عقول لا يفقهون بها»، بل قالت قلوب، ما يؤكّد حقيقة احتواء القلب للعقل، وبأنه مركز الحواس الظاهرة والباطنة لدلالة السياق على جامعية القلب مع الحواس، وخاصة الحواس التي تشكّل العمدة في حواس الإنسان وهما السمع والبصر، ومثلما أن القلب في الآية قد أسند إلى فعل العقل، كذلك نجد أن السمع قد أسند إلى فعل ونداء باطني رغم التعبير عنه بحاسة ظاهرة وهي الأذن، وهكذا البصر، فكل هذه الحواس التي جاءت مع القلب في سياق واحد، هي تؤكّد على معنى البصيرة والرؤية القلبية، لأن الاعتبار الحقيقي هو للقلب بما هو مركز النور والإشعاع، ويستجمع كافة القوى، وإذا كان القرآن قد أرشد في بعض الآيات إلى أن القلب هو العقل، كما في قوله تعالى: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ [95] ، والتي فسّرت بأنها العقل، فذلك لا يدلّ على عدم احتواء القلب للعقل، بدليل أن كل شيء، بل كل فعل قد أسند حقيقة إلى القلب باعتباره جوهر الروح، واللطيفة الربّانية المدركة، وهناك جملة من الآيات القرآنية التي تفيد هذا المعنى وتنسب العقول إلى القلوب، كما في قوله تعالى: ﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [96] ، فهذه الآية ناظرة إلى أن الإنسان قد يمرّ على كثير من الآيات والدلائل على القدرة الإلهية ولا يحسّ بها ولا يدرك حقيقتها، لأن بصيرته مظلمة، وقلبه أعمى، وقد تتكشّف الحقائق فيراها أمامه جليّة واضحة، يراها بقلبه وبصيرته التي هي في أعماق نفسه. إنّه القلب الذي سبق لنا أن تحدّثنا عن مكانته، وما يتميز به من كليّة وذاتية فيما يؤديه من دور ووظيفة، سواء بالمعنى المادي أم بالمعنى الروحي، ومن شأن تربية هذا القلب وهدايته أن تجعل منه قلباً واعياً وعاقلاً، بحيث لا يكون غافلاً، وهنا نتلمّس حقيقة مهمة جداً تكمن في الاستعمال القرآني لمفردة «الغافلون» في سياق الحديث عن القلوب التي لا تعقل ولا تفقه والأبصار والأسماع، حيث ختمت الآية بقوله تعالى: ﴿ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ﴾ . أما في قوله تعالى: ﴿ أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُواْ أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ ، فقد جاء القرآن بمفردة ﴿ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ ، وهنا يبدو السؤال ملحّاً، فما هو الفرق بين أن يكون الإنسان غافلاً، وأن يكون ظالماً؟

إنّ الإجابة على السؤال كامنة حتماً في القرآن، حيث قال تعالى: ﴿ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ [97] ، فالغفلة هنا، هي غفلة عمّا يراد بهم، وعن النظر في الآيات، غفلة تؤدّي بهم إلى أن يكونوا الخاسرين في الآخرة، كما قال تعالى: ﴿ لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ [98] ، لأنّ مطلع الآية جاء بالطبع على قلوبهم ثم ختمت بالخسارة في الآخرة، فإذا ما ضمّت آية: ﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ [99] ، إلى هذه الآية، آية الطبع، فيكون المعنى الذي نستخلصه، هو أن هؤلاء فقدوا هويتهم الإنسانية، وأغلقوا أبواب الرجوع على أنفسهم، باعتبار أن الآية تلمّح إلى فريق من أهل النار وكأنهم خلقوا لأجلها لا لشيء آخر، كما أفاد العلاّمة الشيرازي في تفسيره [100] ، أما آية: ﴿ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ فيما جاءت فيه من سياق، فهي تلمّح إلى العناد والكفر، لكونها أتت للتوبيخ والتقريع ﴿ أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ ﴾ ، ودلّت على أن ما كان منهم أكان بسبب النفاق الكائن في قلوبهم أم بسبب الريب، أم الخوف أن يحيف الله عليهم ورسوله، والحيف هو: الميل في الحكم، يقول الشوكاني في فتح القدير: «ثم أَضْرَبَ عن هذه الأمور التي صدّرها بالاستفهام الإنكاري، فقال: ﴿ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ أي ليس ذلك لشيء مما ذكر، بل لظلمهم وعنادهم...» [101] .

وعليه، فإن مما تمتاز به آية الغفلة عن آية الظلم، هو أن آية الغفلة مخصوصة بالطبع، في حين إن آية الظلم مخصوصة بالنفاق، فيكون محصّل الكلام أن القلب المريض في كلا الحالتين مآله إلى الخسران في الآخرة، ومن تتحقّق له الخسارة بسبب غفلته أو ظلمه، فلا بدَّ أن يكون عادماً لعقله، وخاتماً وطابعاً على قلبه، لكونه اختار أن يكون كالأنعام أو أضل، سواء في الدنيا أم في الآخرة، وهذا ما دلّ عليه القرآن الكريم بقوله تعالى: ﴿ إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْاْ مُدْبِرِينَ [102] .

إذاً، أقفال القلوب، هو تبع لحالاتها، وما تتربّى عليه، لأن التربية، كما ذكرنا، هي أساس كل تحوّل إيماني في حياة الإنسان، وهي التي تؤدّي به إلى أن يكون له قلب وبصر وسمع وفؤاد، وهي التي تنعكس في حياة الإنسان العملية أفعالاً مختلفة يؤدّيها الإنسان بوحي من إيمانه، وقد جاءت النبوات تترى وأنزلت الرسالات السماوية لإحياء القلوب والعقول وإثارتها باتجاه الحق ليكون لها أفعالها المتناسبة وهيأتها، سواء في الدين أم في الدنيا، فإذا ما انعدمت هذه التربية، أو أُديت على غير وجهها بأن سلك الإنسان سبلاً شتّى لتحصيلها [103] ، فإنّه لا يلبث أن يقسو قلبه وفعله المترشّح عن حالة قلبه وقسوة فؤاده، وضيق صدره، ولا شكّ في أنه من مؤدّيات قسوة القلب، نسيان الآخرة لقول الإمام علي (عليه السلام): «أيها الناس، إنَّ أخوف ما أخاف عليكم اثنان: اتباع الهوى وطول الأمل، فأما اتّباع الهوى فيصدّ عن الحق، وأما طول الأمل فينسي الآخرة» [104] .

فإذا ما أدت التربية إلى رقّة القلب ولين الفؤاد وشفاء الصدر، فإنّ ذلك من شأنه أن يبقي للإنسان حالته الروحية، ويُسهِّل عليه إمكانية التحول الإيماني بحيث يكون ثابتاً في قول الحق، وفي فعل القلب، وقد أرشد القرآن فيما دعا إليه من تربية وذكر ودعاء وتفكّر وتعقّل إلى السبل الكفيلة باستحضار الآخرة في كل عمل أو فعل دنيوي، فقال: ﴿ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ [105] ، وأن الدنيا دار لهو ولعب وتكاثر في الأموال والأولاد، إلى غير ذلك مما ميّز به بين الدنيا والآخرة، فجعل السبيل إلى الحياة الآخرة رقّة القلب ولين الفؤاد وجعل السبيل إلى الخسران قسوة القلب ونسيان الآخرة، وهذا ما شرحه الإمام الغزالي في منهاج العابدين، بقوله: «إنّما رقّة القلب وصفوته بذكر الموت والقبر والثواب والعقاب وأحوال الآخرة، وإذا لم يكن شيء من ذلك فمن أين يكون لقلبك رقّة وصفوة؟ قال الله تعالى:
﴿ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ [106] ، فإذن أنت، والكلام للغزالي، إذا طولت أملك، قلّت طاعتك، وتأخرت توبتك، وكثرت معصيتك، واشتدّ حرصك، وقسا قلبك، وعظمت غفلتك عن العاقبة، فذهبت آخرتك، فأي حال أسوأ من هذا؟ وأي آفة أعظم من هذه، وكل هذا بسبب طول الأمل...» [107] .

لقد ربط القرآن بين فعل القلوب والعقول والسير في الأرض، فقال تعالى: ﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [108] ، وهذا الربط هو دليل ساطع على ضرورة أن يكون العالم مجلى قلب الإنسان وعقله، يسير فيه ويعتبر منه لما في هذا السير من تربية للإنسان، وهذا الأخير بقدر ما يكون له من اعتبار وانعكاس إيجابي، بقدر ما يكون سيره في الأرض مثمراً. ذلك أن الموعظة وحدها ليست كافية لإثارة قلب الإنسان وعقله، وإنما هي معضودة بآيات التكوين لتكون كل من آيات التشريع والتكوين مجالاً لاعتبار الإنسان، بحيث يعقل عن الله تعالى بقلبه وعقله وروحه، وتكون له البصيرة والرؤية القلبية في كل ما يتحول فيه العالم من حوله، وقبل ذلك في كل ما تتحوّل فيه نفسه ويتقلّب فيه قلبه، لأنّ الآية تلحظ معنى أن يكون فعل الإنسان نتيجة لتأمّله وتدبّره، فضلاً عن حياة قلبه وعقله، ولهذا قال الله تعالى: ﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ ﴾ ، حيث إنه ردّ العماية إلى القلوب التي في الصدور، لأنّ الأبصار قد تعمى، وكل الحواس الظاهرة قد لا تفيد في حقيقة الاعتبار، ولولا أن الله تعالى قد مَنَّ على الإنسان بالوحي والرسالات لما اهتدى إلى سبل كماله، ولا تحقق في معارفه وعلومه. وبما أن القلوب هي مستودع كل تحوّل، وملاك كل اعتبار، وسبب كل معرفة ورؤية، فقد جاء الوحي لإثارتها وهدايتها إلى ما ينبغي أن تكون عليه من نور وهدى، كما قال الله تعالى: ﴿ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ [109] . فالآية، كما نلاحظ بدأت بالناس، وانتهت بالمؤمنين، لأنهم يحسنون العقل عن الله تعالى، ويسيرون في الأرض، ويعتبرون بآيات الله تعالى في التكوين والتشريع، ولهذا، أمر الله تعالى بالسير في الأرض، والنظر في الخلق، كما في قوله تعالى: ﴿ قُلْ سِيرُواْ فِي الْأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ... [110] . وهذه دعوة، فيما لو تدبّرنا فيها، إلى السير العلمي في الأرض بقلوب تعقل وآذان تسمع وبصائر حيّة، وصدور مشروحة، وإذا كانت هذه الآية تبدأ في الناس، إلاّ أنها فيما ختمت به، تخصّ المؤمن والمسلم الذي يأمره القرآن بالسير في الأرض والعلم والمعرفة، لأن الاعتبار المنطلق من حياة القلوب وشفاء الصدور لا بدّ أن يؤول إلى معرفة حقائق الوجود، لقوله تعالى: ﴿ كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ﴾ . فهذه الآية ناظرة إلى حقيقة نشأة الوجود، وكيف بدأ الخلق، وكيف علّم الإنسان ما لم يعلم، آية تبدأ بالإنسان كونه المخاطب بها، وتنتهي بالوجود، بمعنى أن الآية تخاطب القلب والروح والنفس، بل وحدة الإنسان في ذاته، وما نفخ فيه من روح الله تعالى، وتنتهي بالعالم الأكبر الذي يحيط بالإنسان، وكل فعل إنساني لا بدّ أن يكون صادراً عن وعي بحقيقة هذه الوحدة التي لها وجوه ووجوه مع التوحيد الذاتي والصفاتي والأفعالي، لأن روح الإنسان في الحقيقة هي من تجلّيات الوحدة في الألوهية والربوبية، كما ذكرنا سابقاً في وجوه التماثل والتشابه فيما تتمايز به الروح الإنسانية... [111] .

ثمّ إنّ معنى السير في الأرض والنظر في الخلق ليس بهدف الاعتبار وحسب، وإنما هو دعوة، كما قلنا، للعلم والمعرفة بحقيقة الإنسان والكون والوجود، علماً يبدأ بالفلسفة الإلهية والتوحيد والفطرة الإنسانية، وينتهي بعالم الأرض وما ينجزه عقل الإنسان في طريق اعتباره، وتحولات قلبه وروحه فيما يكون لهذه الروح من وعي بحقائق الأمور، ولكن للأسف نقول: إن المسلمين لم يفعلوا شيئاً بوحي من حياة القلوب والعقول، ولم يسيروا في الأرض، ولم يعتبروا من النظر في الوجود والخلق، فكان لهم التخلّف في الدين والدنيا، في الدين لأنهم لم يثاروا على مستوى الموعظة بالقلوب والعقول، وفي الدنيا لأنهم لم ينظروا في الخلق ولم يسيروا في الأرض على النحو الذي يؤدي بهم إلى الاعتبار بحقاق الوجود في ضوء معارف القلوب، فكان لهم انحصار الصدور وضيق الصدور، فضلاً عمّا تحقق لهم من موت معرفي وقلبي وروحي، فحقّ القول في أكثرهم إنهم لا يهتدون سبيلاً.
لقد أدّى بهم انعدام النظر في الظاهر والباطن إلى التخلف عن ركب الحضارة، فوقعوا في الخسران المبين في الدنيا والآخرة، ولو أنهم ساروا في الأرض ونظروا إلى الخلق بوحي من فطرتهم وحياة قلوبهم، لأبصروا بعيون القلوب، وأدركوا حقائق الأمور، وفازوا بهدى الفطرة والنور، وفعلوا كل شيء يؤدّي بهم إلى السلامة في الدين والدنيا، ولكنهم أخفقوا في السير والنظر، فوقعوا أسرى الغرور والترف والبطر، واستحال أمرهم إلى مزيد من الغفلة عمّا يُراد بهم فيما جعل لهم من قلب وسمع وبصر.. إلخ.

 


 


تقدّم الكلام في أن الله تعالى قد جعل للمعرفة مصادرها التي تُستقى منها، وقد احتوى القرآن الكريم على كثير من الآيات التي تتحدّث عن العقل والحواس والتاريخ، إضافة إلى مركزية الوحي في هذه المصادر، لكونه السبيل الوحيد لتحقيق الكمال بعدما عجز العقل والحواس وسائر المصادر الأخرى عن تأمين كل ما يلزم الإنسان للفوز بسعادة الدارين، وقد أوضح علماء التفسير أن هذه المصادر المعرفية يمكن أن تلحق بها الغشاوات، فلا تهتدي إلى سبيل ربها، لما قد يكتنف القلوب والعقول من التباسات وحجب تحول بين الإنسان وبين أن يكون له تواصله مع الله تعالى في طريق كدحه إليه. وبما أنه قد سلف القول منّا في معنى حياة هذه المصادر فيما عزّزت به من وحي، فقد باتَ لزاماً علينا أن نتحدّث عن حجب المعرفة التي هي في الحقيقة حجب على القلوب طالما عرفنا أن القلب هو مركز الحياة، سواء في المعنى المادي أم في المعنى الروحي، وأن كل ما يلحق به من طبع وختم وأقفال ورين وزيغ... إلخ، إنما يكون له بسبب ما يُحدثه الإنسان لنفسه، كما قال ابن شهرآشوب في متشابه القرآن: «الختم في الشاهد غير مانع من الإيمان لأنه يفك المختوم من الكتب... وإنما هو علامة يُعرف بها تناول المختوم عليه، والمختوم على قلوبهم، إمّا أن يكونوا قادرين على الإيمان قبل الختم أو غير قادرين، فإن كانوا غير قادرين استحال المنع، وإن كانوا قادرين عليه قبل فهم من حال الختم قادرين، وقيل ﴿ خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ أي تشهد به وتصدّقه، وقد ختمت عليك بأنك لا تعلم أي تشهد، ويحتمل أن يكون المراد بختم أنه سيختم ويكون الماضي بمعنى المستقبل كقوله تعالى: ﴿ وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ ﴾ ، وقيل المعنى في ذلك إنه ذمهم بأنهم كالمختوم عليها في أنه لا يدخلها الإيمان ولا يخرج عنها الكفر، كما قال الشاعر:

لقد أسمعت لو ناديت حياً     ولكن لا حياة لمن تنادي» [112]

لقد التبس الأمر في الختم والطبع على الكثير ممن ادّعوا العلم وليسوا به، فقالوا بالجبر ظنّاً منهم أن الإنسان مجبور على فعله، ومخلوق مع عمله، وهذا ما أودى بالكثيرين إلى مزالق شتّى، رغم أن الآيات القرآنية في سياقاتها المتعددة ومن خلال ضمّ الآيات بعضها إلى بعض، يمكن أن نهتدي إلى حقيقة الموقف القرآني من استعمال هذه المفردات، لأن القرآن يشهد بعضه على بعض، ويصدّق بعضه بعضاً على حدّ تعبير أئمة أهل البيت ، ولعل من أهم الأدلة على أن الختم أو الطبع، أو الأقفال إنما يكون من اختيار الإنسان، هو ما جاء به القرآن من آيات تفسّر معنى الختم على القلوب والطبع عليها، كما جاء في قوله تعالى: ﴿ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ [113] ، وهذه الآية تدلّ على أن الطبع وقع بنفس الكفر، والخصم لا يقول بذلك، على رأي ابن شهرآشوب، وبهذا يكون معنى الطبع والختم العلامة المميزة بين الكافر والمؤمن، والمنع إنّما يصحّ في القادر لأن من ليس بقادر على الشيء غير معقول [114] .
انطلاقاً مما تقدّم، نرى أن حجب الذنوب على القلوب لم يعرض لها القرآن في سياق واحد، بل جاءت مختلفة باختلاف المواضيع والعناوين التي عرضت لها، فمن هذه الحجب الذنب الذي يُعمي الإنسان ويصمّه [115] ، ومنها حجاب الكفر [116] ، كما سلف القول، ومنها حجاب الاعتداء والعدوان [117] ، ومنها حجاب الارتداد [118] ، ومنها حجاب الكذب والافتراء، وغيرها كثير.

وبما أنه لا يسعنا أن نعرض لكل هذه الحجب لما تحتاج إليه من توسعة في اللغة والاصطلاح والمفهوم، وفي كل ما يلزم لتفسيرها في سياق موضوعي واحد، إضافة إلى ما يحتاج إليه الوقوف عندها من ملامسة لحقيقة التجارب الإنسانية، وخاصة التجربة الإسلامية، فقد رأينا أن نشير فقط إلى ما يوضّح مطلبنا في هذا المبحث الجزئي على أمل أن نوفق لهذه المباحث في بحوث لاحقة إن شاء الله تعالى، كما لا يفوتنا أيضاً أن نذكر الحجب الخارجية التي تحول في كثير من الأحيان دون حياة القلوب بالعلم والمعرفة، كحجاب القادة الضالين والمفسدين، وهذا ما أجاد وأفاد فيه العلاّمة الشيرازي في تفسيره الموضوعي، حيث رأى أن هذا الحجاب له تأثير قوي على قلوب الناس لكونه يحول بينهم وبين الحق والمعرفة بما يلجأ إليه الطغاة من وسائل في التضليل والدعاية، وغير ذلك مما يشكل قوام كل سلطة ظالمة ومفسدة [119] .

لذا، فإن ما نقتصر على بحثه هنا، هو حجاب الذنوب على القلوب، لكونه الحجاب الذي يتسبب به الإنسان لنفسه من خلاله علمه ومعرفته، أو من خلال سلوكه، هذا فضلاً عمّا يُوَفِّره الذنب من أجواء ومناخات للسلطات الظالمة لتزيد من ظلمها وإفسادها في المجتمع، تماماً كما ذكر الإمام الصادق بقوله: «لولا أن بني أمية وجدوا من يكتب لهم ويجبي لهم الفيء ويقاتل عنهم ويشهد جماعتهم لما سلبونا حقنا...» [120] .

إنّ الذنب الذي يرتكبه الإنسان لا بدّ أن يكون له أثر في قلبه وانعكاس في سلوكه، ونحن في هذا المبحث سنعرض لجملة من الآيات والروايات، بحسب المنهج الموضوعي، الذي يبيّن معنى أن يكون الذنب حجاباً وريناً وختماً وقفلاً على قلب الإنسان، فنقول: إنّ فصل الكلام عن الحجب هو مما تقتضيه المنهجية العلمية لكون القرآن الكريم يأتي بالآيات بلحاظ سياق كاشف عن حقيقة الحدث، فهو إمّا أن يكون عقائدياً، وإمّا أن يكون اجتماعياً، أو سياسياً، أو اقتصادياً، أو غير ذلك مما اشتملت عليه الآيات من مواضيع تتعلق بالدنيا والآخرة والمعاد.. كما يقتضي المنهج أيضاً أن نتوقف مليّاً عند حجاب الذنب الذي يؤسّس لكل التحولات القلبية والعقلية والمعرفية في المجتمع، باعتبار أنه يُفسد على الإنسان حياته، ويُحدث على القلب ريناً وغلافاً، هذا فضلاً عمّا يؤدي إليه الذنب من معاصٍ في العلم والعمل، وكل ذلك إنما يكون من القلب الذي يؤدي به الذنب فيما لو تراكم وتتابع إلى أن يكون مختوماً ومقفولاً، وقد جاء في الرواية عن الإمام الصادق(عليه السلام) أنه قال: «إنّ لك قلباً ومسامع وإنّ الله إذا أراد أن يهدي عبداً فتح مسامع قلبه ، وإذا أراد به غير ذلك ختم مسامع قلبه فلا يصلح أبداً، وهو قول الله عزّ وجلّ: ﴿ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [121] » ، وهذه الرواية نرى أنها تتكامل تماماً مع ما جاء في حديث الإمام الرضا في تعليمه للناس أن يقولوا القول الذي يُبهت الخصم، وهو قوله: «فإن ائتمر العباد بطاعة لم يكن الله عنها صاداً ولا منها مانعاً، وإن ائتمروا بمعصيته، فشاء أن يحول بينهم وبين ذلك فعل، وإن لم يحل وفعلوه فليس هو الذي أدخلهم فيه» [122] .

لقد بيّن القرآن الكريم أن الذنوب التي يرتكبها الإنسان باختياره لا بدّ أن تقفل مسامع قلبه، وكلما ازداد هذا الذنب، كلما أودي بصاحبه إلى مزيد من المهاوي حتى يكون منكوساً، أو مطبوعاً، أو مختوماً، وخاصة إذا كان هذا الذنب محققاً في ما ينبغي أن يعتقده الإنسان وينطوي عليه قلبه من توحيد وعدل ونبوة وإمامة ومعاد، فإذا ما بلغ الأمر بالإنسان إلى حدّ الذنب في العقيدة بحيث يتنكر لربّه، أو يكذّب بيوم الدين، أو يشمئزّ من ذكر الله تعالى [123] ، فهذا مما يؤدّي بالإنسان إلى الطبع الذي هو نفس الكفر، كما أفاد ابن شهرآشوب، وهذا ما لحظه القرآن الكريم في كثير من الآيات نخصّ منها قوله تعالى: ﴿ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (11) وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (13) كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ [124] .

لقد سلف القول منّا أن الكذب والنفاق توأمان، ولهما عقوبة واحدة فيما لو آلت الأمور إلى الحساب من دون توبة، وهذا الذنب الذي هو الكذب والتكذيب، هو الذي يتسبّب به الإنسان لنفسه بعمى قلبه وضيق صدره، وقسوة فؤاده، بل هو تكذيب ناشئ عن رين القلوب، الذي لخص معناه الراغب في مفرداته، وتوسع فيه العلاّمة الشيرازي في تفسيره جامعاً لمعانيه، ومعرّفاً إيّاه بأنه الصدأ الذي يستحوذ على الأشياء ويعلوها، ثم أطلقت هذه المفردة على غلبة كل شيء على شيء آخر، يقول: «ونستشفّ من هذه الآية أن الإثم يعكّر صفاء القلب بحيث يمنع انعكاس الحقائق في هذه المرآة الإلهية، وإلاّ فإنّ آيات الله تعالى خصوصاً في المبدأ والمعاد واضحة لا تقبل للإنكار..» [125] .

 

إذاً، الذنب هو الحجاب الذي يؤسس لتراكم الرين على القلوب لتصدأ وتموت، لأن الإنسان عندما يكرر عملاً، سواء في مجال القول أم في مجال الفعل، فإنّ ملكة نفسانية لذلك العمل ستحصل عنده تدريحياً، إلى أن ينتهي حال الإنسان إلى التقلُّب بحيث يصير أعلاه أسفله، كما في الرواية عن الصادق(عليه السلام)، قال: «كان أبي يقول: ما من شيء أفسد للقلب من خطيئة، إن القلب ليواقع الخطيئة فما تزال به حتى تغلب عليه فيصير أعلاه أسفله» [126] .
وهذا الانقلاب في حقيقة الإنسان الروحية، لا المادية، وإن كان لذلك تأثير في هذه، أكثر ما يتجلّى في انعدام القدرة على التمييز عند الإنسان بين الحق والباطل، والخير والشر، ما يؤدي بالعقل أيضاً إلى أن يكون فيما فطر عليه من قوانين وبديهيات مأسوراً للذنوب وآنساً بها على النحو الذي يؤدي به إلى أن يأخذ الحق باطلاً، والباطل حقاً والعياذ بالله ...» [127] .

وكيف كان، فإنّ ما جاءت به الآيات القرآنية في سياق الحديث عن الآثام والذنوب، سواء في مجال الاعتقاد أم في مجال العمل والسلوك والأخلاق، أم في أي ميدان من ميادين الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية للناس، ليس ناظراً إلى الواقع وما يلابسه من أحداث، وإنما إلى حقيقة ما يعنيه القلب والروح والفؤاد والصدر من إنسان له وحدة حقيقية تؤثر بها الذنوب وتخرجها من مجال الطاعة إلى مجال المعصية بإرادة واختيار، فيكون الذنب نتيجة لا سبباً، خلافاً لما يزعمه بعض الباحثين قديماً وحديثاً، من أهل الجبر والتفويض من أن الإنسان مأخوذ من نفسه، محال بينه وبين قلبه على النحو الذي يؤدي به حتماً إلى الطاعة أو إلى المعصية. والحق يُقال: إنّ مدرسة أهل البيت أوضحت سبل السلامة للإنسان في جميع قضايا الحياة، في الاعتقاد قبل العمل بالأحكام، وفي الدنيا والآخرة، وأرشدت الإنسان إلى أن نفسه التي هي أقرب الأشياء إليه هي التي عليها الخيار بين الفجور والتقوى، وهذا ما أجمع عليه كثير من المفسرين من أن الأعمال القبيحة توجد نقوشاً وصوراً في نفس الإنسان، وأن هذه الصور والنقوش تحول دون إدراك الحق، وأن روح الإنسان، حسب طبيعتها الأولية، صافية وشفّافة، وتدرك الحقائق، وتميز بين الحق والباطل، وبين التقوى والفجور، كما قال الله تعالى: ﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا [128] .

غاية القول: إن حجاب الذنوب يحول دائماً بين الإنسان وبين أن تكون له معرفة صافية، ويخرج الإنسان عن كونه إنساناً مفطوراً على التوحيد ليكون منكوساً ومطبوعاً ومختوماً على قلبه، هذا فضلاً عمّا يؤسس له هذا الذنب من كفر ونفاق، وخاصة فيما لو جاء به الإنسان ذنباً على ذنب [129] ، كما في الخصال عن رسول الله في حديث جاء فيه: «أربع خصال يُمتن القلب: الذنب على الذنب...» [130] ، فالذنب يؤسس لموت اجتماعي وسياسي وحضاري، فضلاً عن موت القلب الروحي والمادي بما يُحدثه من معاصٍ وذنوب، وقد سلف القول بأن موت القلب ليس له مجرّد انعكاسات فردية على المجتمع، بل يُحدث حجاباً على كل تحولات الإنسان المادية والروحية، ويبعث في الإنسان روح الهزيمة، فيتخلى عن الجهاد، ويمكّن الظلمة من الفجور والاستبداد، وقد لحظ القرآن هذا المعنى بقول الله تعالى: ﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُواْ فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُواْ أَرْحَامَكُمْ (22) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ [131] ، وقال الله تعالى: ﴿ أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِن بَعْدِ أَهْلِهَا أَن لَّوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ [132] ، وقوله تعالى: ﴿ ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاؤُواْ السُّوأَى أَن كَذَّبُواْ بِآيَاتِ اللَّهِ ... [133] ، وغيرها من الآيات التي تنظر إلى ما تعكسه الذنوب في الحياة الإنسانية من أهوال ومصائب على الاجتماع الإنساني كله. فلا يُقال بأن هذا الذنب أو ذاك هو حجاب على قلب الإنسان، بل يُقال إنه حجاب الذنوب على قلوب الناس، ما يؤدّي بهم إلى أن يكونوا أسرى الطواغيت بما أقدموا عليه من خنوع وتواكل، وقد قال أمير المؤمنين في حقّ الذين تركوا الجهاد: «فمن تركه رغبة عنه ألبسه الله ثوب الذلّ ... ، وضُرِبَ على قلبه بالإسهاب وأُديل الحق منه بتضييع الجهاد» [134] .
وهكذا، فإنّ معنى حجاب الذنوب على القلوب، أن تفسد القلوب وتمتلئ بالشهوات والملذات وحب الدنيا بما يُزيّنه الشيطان فيها للإنسان بهدف إماتة قلبه، كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «قد خرقت الشهوات عقله، وأماتت الدنيا قلبه وولِهت عليها نفسه فهو عبد لها» [135] .

هناك الكثير من الآيات القرآنية التي تتحدّث عن الحُجب على القلوب والنفوس، ولكن بما أن البحث هو عن أنواع القلوب، فقد اكتفينا بالإشارة إلى حجاب الذنوب بما يجعلنا قادرين على تقديم رؤية تكون بمثابة القاعدة والتأسيس للبحوث القادمة، على اعتبار أن القلوب المريضة، هي في الأصل مريضة بالذنوب، التي تنقسم بين ذنوب الكبائر، وذنوب الصغائر، وذنوب اللمم [136] ، وطالما أن القلب المريض يتراوح أمره بين أن يكون مريضاً بالنفاق، أو مريضاً بالشهوات، فإنه يمكن للباحث أن يوجز البحث على النحو الذي يستطيع معه أن يقدّم رؤية واضحة، مفادها أن أقفال القلوب وما ينشأ عنها من تحولات، وكذلك حجب الذنوب، وما تؤدّي إليه من أزمات على مستوى النفس والواقع، كل ذلك من شأنه أن يوفّر للباحث رؤية موجزة عمّا يقدمه القرآن من توصيف لهذا القلب المريض. ولعلّنا وفّقنا إلى شيء من هذا على أمل أن نقدم رؤية شاملة حول القلوب في القرآن في البحثين المقبلين، لأننا لم نشأ الخلط بين القلب المريض والقلب الميت، والقلب السليم، إذ إنّ لكل قلب من هذه القلوب أحواله وتقلباته وانعكاساته في الاجتماع الإنساني.

 

إن رؤية قرآنية جامعة لن تكون ممكنة لباحث بمفرده كون المبحوث فيه هو القرآن الكريم، إلاّ أنه يمكن أن نقدم خلاصة في البحث نكشف من خلالها عن أن القلب المريض، هو في الأصل، قلب مريض بالذنوب، ولولا خوفنا من إطالة البحث في هذا الجانب لكان من الممكن التوفر على رؤية توحيدية توائم بين النص والتجربة على اعتبار أن الأمة الإسلامية كانت ولا تزال مشكلتها هذه القلوب المريضة بما توفرت عليه من حجب، وتحققت به من معاصٍ ومفاسد، حيث إنّ هذه الأمة، وبسبب هذه الحجب قد آل أمرها إلى أن تكون أمة محكومة للقلوب المريضة بعد أن أصلح الله شأنها بالقلوب السليمة، ولو أن الأمة استجابت لأمر ربها، وأحيت قلبها لما كان حيل بينها وبين أن تكون خير أمة أخرجت للناس، ولعلنا لا نخطئ القول إننا أردنا من هذا المبحث المتواضع أن نبيّن أن حجب الذنوب على القلوب ليست سبباً في انهيار منظومة الأمة الإسلامية وحدها، بل هي سبب ضمور واغتراب كل الأمم عن ذاتها منذ أن خلق الله الخلق، ولا شكّ في أن كل نبيّ وكل رسول كان دوره إحياء القلوب بمكارم الأخلاق، وتعزيز الأمة بفرص النجاح في الدين والدنيا، وكانت دائماً الذنوب، سواء في الاعتقاد أم في العمل، أم في السلوك، أم في أي ميدان من ميادين الحياة الاجتماعية أو السياسية، أو الحضارية، هي السبب في تخلّف الأمم وانهيار الحضارات [137] ، وما لم تعد الأمة الإسلامية إلى إحياء قلبها بالاستغفار، فإنّ الله تعالى سيحول بينها وبين حياتها، كما قال الله تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [138] .


 

الفصل الثاني: القلب الكافر (الميت) في القرآن الكريم

 


ظهر لنا مما تقدم أن القلب المريض هو الذي تؤدّي به الذنوب إلى أن يكون على مستوى الكفر، أو النفاق، بعدما أوضحنا معنى الفصل القرآني بين الذين في قلوبهم مرض والمنافقين، وبينهم وبين الكافرين، كما في قوله تعالى: ﴿ لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ ... [139] .
وفي هذا المبحث سنتحدّث عن القلوب الميتة أو الكافرة، وهو بحث مهم على مستوى الرؤية القرآنية، لكونه، أي القرآن، يُميّز بين الكفر الذي هو بمعنى الجحود والإنكار، والكفر الذي هو بمعنى المعصية وترك الطاعة، أو الكفر الذي يأتي بمعنى عدم الشكر، وقد فصل علماء التفسير القول في أنواع الكفر بما لا يدع لنا المجال لمزيد بحث وتحقيق، ذلك أن طبيعة هذا المبحث تقتضي منّا أن نتحدّث عن القلب الكافر الذي يؤدي به الذنب التدريجي إلى الكفر والجحود، أو القلب الكافر الذي يعلم ويتنكّر للحق واليقين، وهو الكفر المقارن للمعرفة واليقين كما جاء في قوله تعالى: ﴿ وَجَحَدُواْ بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً ... [140] .

لقد بيّن القرآن الكريم أن هناك نوعاً من القلوب إن جاءته كل آية فلن يؤمن بها، كما كان حال المشركين في مكة، ومعهم أهل الكتاب الذين تنكّروا للرسول والرسالة بعد أن كانوا يستفتحون على الكافرين بمعرفتهم لهذا الأمر، وقد خصّ القرآن هؤلاء بالآيات المباشرة التي لا يحتاج معها الباحث إلى مزيد تأمل وتدبّر، حيث قال الله تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَل لِّلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَن لَّوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ ... [141] فالآية ـ كما نلاحظ ـ تتحدّث عن عناد وكفر الذين امتنعوا عن قبول الرسالة، وأظهروا موتاً على مستوى قلوبهم وعقولهم لقلّة تدبّرهم، أو لغلبة الشيطان على مسامع قلوبهم، فاختاروا الكفر على الإيمان. ولا شكّ في أن هناك آيات كثيرة تتحدّث عن موت القلوب بالكفر، وهي تختلف عن القلوب المريضة لكون هذه الأخيرة يمكن أن تجامع الإيمان وتلتقي معه إلى حدّ ما [142] ، وهذا ما أظهرته النصوص القرآنية جيداً، ولكن يبقى أن نشير إلى صفات القلوب الميتة، بحسب ما جاء من آيات قرآنية مختارة توضح برؤية موضوعية مدى ما تبلغه هذه القلوب من موت، سواء بالمعنى العقائدي أم بالمعنى العملي، لكون الاعتقاد له المدخلية العظمى في رقيّ الشعوب والأمم وتسافلها، فإن كان اعتقاداً سليماً منطوياً على إيمان صحيح كانت له آثاره الإيجابية، وإن كان اعتقاداً مشوباً بالشك والكفر وعدم اليقين، كان لهذا الاعتقاد مساوئه أيضاً على مستوى النفس والواقع، وبناءً على ذلك، فقد ارتأينا أن نفصّل الكلام إلى قسمين، قسم يتعلق بالصفات وآخر يتعلّق بالأعمال التي تترجم هذه الصفات.


 

 

 

رأينا في كثير من البحوث الإسلامية أن العلماء والباحثين، ولعلّ أكثرهم يذهب إلى توصيف هذه القلوب بالموت تأسيساً على ما يذهب إليه القرآن الكريم في وصف هؤلاء، حيث قال الله تعالى: ﴿ أَوَمَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ ... [143] ، وكما نلاحظ أن الآية تصف القلوب التي لا تهتدي بنور ربّها بالموت لانعدام الإيمان فيها، بل هي تضيف معانٍ أخرى لموت هؤلاء، إذ تصفهم بأنهم في الظلمات، وهذا تأكيد في القرآن على أن عدم الإيمان هو موت وظلام بل ظلمات، لقوله تعالى: ﴿ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا ﴾ ، حيث تبيّن الآية أنه لا خروج من ظلمات الكفر إلاّ بالإيمان، ولهذا جاءت النبوات والرسالات لهداية الإنسان وإخراجه من الظلمات إلى النور بإثارة عقله وفطرته ليكون على بيّنة من ربّه أولاً، وعلى طريق سعادته ثانياً، إذ إنّ مَن اختار الإيمان على الكفر، فإنّه لا بدّ أن يكون قد اختار النور على الظلام، والعقل على الخرافات والأساطير، والعلم على الجهل، ولولا أن الله تعالى قد مَنّ على الإنسان بالهداية لما استطاع الخروج من ظلمات الجاهلية إلى نور الإسلام، وهذا ما أشرنا إليه في مقدمات هذا البحث ...

يبقى أن نقول: إن وصف القلب بالموت أو الكفر، خاصة الكفر الذي يعني الجحود والإنكار، سواء إنكار وجود الله تعالى أم الجنة والنار والقيامة، أم إنكار النبوّة وإرسال الرسل والرسالات، فهذا كله يؤدّي إلى الكفر والموت. أما ما عدا ذلك فيما يتجاوز الكفر في الأصول، فإنّه يمكن لحوق المرض بالقلوب، بحيث يكون الأمر على حدّ الصراع والتنازع بين الإيمان والكفر داخل الإنسان، وكثيرون هم الذين يظنّون أنهم بالتزام التكاليف الإلهية يمكن أن تكون لهم النجاة من العذاب، سواء في الدنيا أم في الآخرة، إلاّ أن ذلك مما لا يمكن الاطمئنان له، لأنّ المرض القلبي لا يعني الكفر في الأصول الاعتقادية فقط، بل قد يتجاوز ذلك بالذنوب إلى حدّ الكفر بعد الإيمان، كما ذكرنا آنفاً. وانطلاقاً من ذلك، نرى أن القلب الميت له أوصافه في القرآن في جملة من الآيات نعرض لها لا على نحو التفصيل، وإنّما على نحو التأكيد بأنّ هذه الصفات يمكن التفصيل فيها في مجال الرؤية الموضوعية بالارتكاز إلى جملة من الآيات المباركة التي توضح المطلب، وتكشف عن تمام الرؤية القرآنية في هذا المجال.

نعم، يمكن لبعض الباحثين أن يختاروا لبحث الكفر بمعنى المعصية وترك الطاعة، كحال القوم الذين يؤمنون ببعض الكتاب، ويكفرون ببعض [144] ، أو الكفر بمعنى البراءة والتنصّل، كما قال الله تعالى على لسان النبي إبراهيم(عليه السلام) لعبدة الأصنام: ﴿ كَفَرْنَا بِكُمْ [145] ، أو الكفر بمعنى عدم شكر النعمة، كما قال الله تعالى: ﴿ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ [146] ، إلى غير ذلك مما ذهب إليه الفقهاء من أقوال في مجال أنواع الكفر التي عرض لها القرآن الكريم [147] ، ولكن بما أن مجال البحث هو القلوب الميتة أو الكافرة وأوصافها، فإنّه لا يسعنا إلاّ أن نتحدّث برؤية مجملة عن أوصاف هذه القلوب لتبيان حقيقة الموقف القرآني على النحو الذي يؤدّي بنا إلى استخلاص رؤية حول القلوب المريضة والقلوب الميتة، أو الكافرة فنقول: إنّ نوعية هذه القلوب الكافرة ليست منحصرة بشعب أو بأمة، بل هي تتواجد في كل زمان، وقد عايشها الأنبياء والرسل (عليهم السلام) جميعاً، وتكفي الإشارة هنا إلى أنّ أهل مكة وأهل الكتاب في زمن البعثة لم يكونوا على جهل بحقائق الأمور، بل كانوا يعون تماماً أن الإسلام حق، وأنّ النبوة عندهم كانت منتظرة ويستفتحون على الذين كفروا، ما يؤكّد أن جحودهم للنبوة والرسالة لم يكن مجرّد جهل، بل ينطبق عليه قوله تعالى: ﴿ وَجَحَدُواْ بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً ... [148] . إن هذا النوع من الكفر يؤدّي بصاحبه إلى أن يكون خارج دائرة الإنسانية، لكونه منطوٍ في داخله على علم بحقيقة الأمر، ولكنه اختار أن يكون جاحداً ومنكراً لما يعتقده حق، وهذا النوع من الكفر هو الذي يؤدي بباطن الإنسان إلى أن يكون كالدواب الذين وصفهم الله تعالى بأنهم لا يعقلون، وهذا ما لحظه الباحث دستغيب في بحوثه عن القلوب في القرآن، حيث رأى أن الكافر أسوأ من الحيوان بقوله: «إنّ القلوب الخالية من الإيمان وصفها الله تعالى بالمرض، والمختومة، والمغلقة، وأن عليها الرين، وقد اعتبرها الله رديفة الحيوانات، وشرّ من الدواب، كما قال الله تعالى: ﴿ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً [149] ، وهم بهذا الوصف والحال يخرجون من حدود الإنسانية إلى حدّ البهيمة ليكونوا أقبح في باطنهم من القردة والخنازير...» [150] .

لقد قسّم العلماء، وخاصة علماء التزكية الكفر إلى مراحل ومراتب، فهو تارة يكون مع الجهل، وأخرى مع العلم، وثالثة يكون كفراً مع عمى مطلق للقلب، وفي كل حالة من هذه الحالات تكون للقلب أوصافه، ومن لا دين لهم هم في الحقيقة ينكرون وهم يعلمون، كأولئك الذين لم يؤمنوا بالآخرة، والذين وصفهم الله تعالى بقوله: ﴿ فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ [151] ، لأن مؤدى الإنكار والجحود هو الاستكبار في الأرض والإفساد فيها، وقد أشرنا في التمهيد للقلب الكافر، أن مشركي مكة ويهود المدينة كانوا يعرفون الحق، ويؤمنون بالكتاب، وكانت نبوة النبي لهم من الوضوح بحيث إن كثيراً منهم كان قد بقي في المدينة لأنهم كانوا يعلمون أن النبي سيهاجر إليها، وقد عبّر القرآن عن هذه الحقيقة بقوله تعالى: ﴿ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءَهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ [152] وحول هذا الصنف من الناس قال الله تعالى:
﴿ وَجَحَدُواْ بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ﴾ ، فإذا كان هذا هو حال الذين كفروا مع العلم، فما هو حال الذين كفروا مع الجهل، أو تميزوا بالعمى المطلق، فهؤلاء ليسوا بأفضل حال من الكافرين مع العلم، لأن الكافر الجاهل، كما يقول دستغيب هو الذي لا يريد أن يفهم الحق وينكر ما لم يعرف ولا يقبله... ككثير من الدهريين الماديين والمقلدين الذين وصفهم القرآن باتباع الظن، كما قال الله تعالى: ﴿ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ [153] ، ومثل هؤلاء الأشخاص الذين ولدوا في بيئة الكفر، هم إنما كفروا بالحق من غير علم، وعدم العلم غير العلم بالعدم، فهؤلاء تماماً كمثل ولد أعمى يقول لا وجود للشمس تضيء العالم، فيقال له أنت لم ترَ الشمس الساطعة ولم تعرفها، فيجب أن تقول لا أعرفها ولا علم لي بها، وفي الحقيقة إن كلام منكري الحق يفضح عدم علمهم وجهلهم المركب، كما أن المؤمن يكشف عن فهمه وعلمه وبالإقرار بالشهادتين يثبت كماله ومعرفته... [154] .

إذاً، حالات الكافرين تتراوح بين أن يكونوا دهريّين ماديين، وبين أن يكونوا كافرين وهم يعلمون الحق، وهؤلاء هم الذين ركّز على أوصافهم القرآن الكريم لكونهم أخطر الناس على المجتمع الإنساني، باعتبارهم على نفاق في داخلهم، ويصوّرون الباطل حقّاً، ويموّهون على الناس، عبر التشبث بالشبهات الواهية والتسويلات الشيطانية ليقنعوا أنفسهم ويرضوها...
وانطلاقاً مما تقدم، نرى أن هذا المبحث سيلحظ أوصاف القلوب الكافرة الميتة، والتي يمكن وصفها بالقلوب المريضة أيضاً، على اعتبار أن مرضى القلوب، وتراكم الذنب على الذنب، لا بدّ أن يؤول إلى الكفر، ويمكن للباحث أن يتدبّر الأمر ويبحث فيه من خلال التسليم بأن كل إنسان مفطور على الفطرة، وأن الله تعالى لم يُضلّ أحداً ابتداءً، وأن الإضلال وازدياد المرض في القلب، إنما يكون بلحاظ ما يؤول إليه الإنسان في ظل تراكم ذنوبه، يقول العلاّمة اليزدي: «فكثيرون كانوا مؤمنين في البداية لكن ذنوبهم هوت بهم... وإنه لعجيب حقاً أن يصل الأمر بالمرء أحياناً بالرغم من إيمانه بالله ظاهرياً، لكنه يأبى أن يمدّ يده مستجدياً طالباً حاجته من الله، فهو على استعداد لأن يحني رقبته أمام القاصي والداني، لكنه لا ينادي «يا الله» متضرّعاً، وهذا من آثار التلوّث بالذنب...» [155] .

وهكذا، فإنّ مآلات الذنوب هي التي تخرج الإنسان عن مجرّد كونه مريضاً في قلبه ليكون مختوماً عليه [156] ، أو مطبوعاً [157] ، أو قلبا قاسياً [158] ، أو قلباً مقفلاً [159] ، أو مكنوناً [160] ، أو مغلفاً [161] ، أو مرعوباً [162] ، أو مشمئزاً [163] ، أو قلباً لا يفقه [164] ، أو لا يعقل [165] ، أو قلباً منكراً [166] ، أو مغموراً [167] ، فهذه كلها أوصاف ألحقها القرآن الكريم بالقلب الكافر، أو الميت، وهي أوصاف لم تلحق به ابتداءً، كما بيّن العلاّمة اليزدي، والعلاّمة الطباطبائي، والعلاّمة الغزالي، وغيرهم من العلماء الذين تميّزوا في شرح أوصاف القلوب، وكان آخر هؤلاء العلماء الذين لا عدّ لهم ولا حصر، العلاّمة جوادي آملي الذي توقف ملياً عند هذه الأوصاف في شرح كلمات مولانا الإمام الرضا ، يقول الآملي في شرح قوله : «ولكن القوم تاهوا وعموا وصمّوا عن الحق من حيث لا يعلمون وذلك قوله عزّ وجلّ: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَوْاْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ [168] . يعني أعمى عن الحقائق الموجودة... وإنما اختلف الناس في هذا الباب حتى تاهوا وتحيّروا وطلبوا الخلاص من الظلمة بالظلمة في وصفهم الله بصفة أنفسهم فازدادوا من الحق بعداً، ولو وصفوا الله تعالى بصفاته، ووصفوا المخلوقين بصفاتهم لقالوا بالفهم واليقين ولما اختلفوا... والفرض هو أن لمعرفة القرآن الباحث عن الغيب شرطاً يصححه، ومانعاً يصدّ عنه، وهؤلاء الجهّال لما أخلّوا بالشرط تاهوا وعموا وصمّوا ولو أنهم لم يخلّوا به لوصلوا إلى الفهم واليقين».

يقول الآملي: «وكل ما أفاده مولانا الرضا (عليه السلام) يستفاد من القرآن الكريم الدال على أن نزول البركات العينية والعلمية مشروط بالتقوى وإخلاص العمل لله ، وممنوع بالذنب والإعراض عن ذكر الله ونحو ذلك، فكما أن التقوى شريطة انفتاح أبواب الرزق العيني، حيث قال الله تعالى: ﴿ إِن تَتَّقُواْ اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً [169] ، كذلك هي ـ أي التقوى ـ شريطة لانفتاح أبواب الرزق العلمي، كما قال الله تعالى: ﴿ سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ [170] ، وكما أن التكذيب والطغيان يمانع من انفتاح أبواب الرزق العيني والعلمي، كما قال الله تعالى: ﴿ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ... [171] ، وقوله تعالى: ﴿ صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُم بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ [172] . وهذا هو قفل القلب الرادع عن التدبّر في القرآن على حدّ استدلال مولانا الرضا (عليه السلام)، حيث أوضح أن للقلب قفلاً يمنعه عن إدراك الحقائق ويحول بينه وبين انفتاح أبواب الرزق العيني والعلمي...» [173] إنّ كلام العلاّمة الآملي في شرح أوصاف القلب المختوم أو المقفل، وغيرها من الصفات، يوضّح مدى ما للذنب من أثر في موت القلوب، ويقدّم رؤية قرآنية بمنهجية موضوعية قلّما نجدها عند غيره من العلماء الأجلاّء، إذ هو يربط بين التقوى وانفتاح أبواب الرزق، وبين الذنب وإقفال أبواب الرزق، سواء بالمعنى العيني أم بالمعنى العلمي المادي أم الروحي، ويخرج بنتيجة مفادها أن الإنسان الكافر الذي ختم على قلبه، هو الذي أقفل أبواب الرزق عليه، وأخرج نفسه من دائرة النور إلى دائرة الظلمة بالقول على الله تعالى من غير علم، فأصمّه الله تعالى وأعمى على بصره، وختم على قلبه، يقول الآملي في بيان كيفية استناد ختم القلوب إلى الله تعالى: «فالمذنب رغم حُجبه والكنان على قلبه، باعتراف منهم، كما في قوله تعالى: ﴿ وَقَالُواْ قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ ... [174] ، لكن ذلك الكنان بجعل إلهي، كما قال الله تعالى: ﴿ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ ... [175] ، وكذا قلبه، فإنه رغم ختمه، إنما هو مختوم بختم إلهي، كما قال الله تعالى: ﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ ... [176] [177] ، لا أنه ينختم بذاته، لأنه يصادمه النظام العِلِّي الحاكم بأن كل شيء لا يكون وجوده ولا عدمه عين ذاته.. فكما أنه لا يكون انفتاح القلب وانشراح الصدر بلا سبب، كذلك لا يكون انختامه وتضييقه من دون سبب...» [178] .

غاية القول: إنّ صفات هذا القلب الكافر في القرآن تتراوح بين أن تكون أوصافاً للقلوب تتجاذبها الأمراض والشكوك لدرجة تحول بينها وبين اليقين، وأوصافاً لقلوب لم تؤمن أصلاً. وهي كلها أمراض تؤدّي بالإنسان إلى حدّ الكفر، سواء بمعنى الجهل أم بمعنى العلم، ولكن القرآن، كما أشرنا، يركّز كثيراً على أوصاف القلوب الكافرة التي أماتها الطغيان والاستكبار، وأدى بها إلى أن تكون رديفة للحيوانات، كما قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ [179] . ويكفي الباحث الموضوعي أن يتدبّر في سياق الآيات ليظهر له في جملة من الآيات التي تربط بين التنكّر للآخرة والاستكبار، باعتبار أن ذلك يُفيد الباحث في استخلاص نتيجة مؤدّاها أن الإيمان بالمعاد له مدخلية عظمى في تطامن القلوب، إذ قد يكون الإنسان مؤمناً بالله نظرياً، ولكن إيمانه الظاهري مع ما يكون له من الذنوب، لا يؤدي به إلى الإيمان بالآخرة، فلا ينتفي عنه الاستكبار، ولهذا نجد الكثير ممن يدعي الإيمان بالله تعالى يستكبر في الأرض ويُفسد فيها على نحو يأخذ به إلى أن يكون عمله نقيضاً للإيمان تماماً، وأكثر ما ظهر هذا الحال في بلاد المسلمين حينما تحكم الطغاة بالأمة واستبدّوا بها تحت عناوين الإيمان والعمل الصالح، وهم في الحقيقة كانوا مصداقاً لقوله تعالى: ﴿ فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ [180] كما أن قوله تعالى: ﴿ قَاتِلُواْ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ [181] ، هو ناظر إلى حقيقة ما تعنيه الأصول الاعتقادية، وخاصة الإيمان بالله واليوم الآخر من تحققات عملية، بحيث يُفهم من الأمر بالقتال أن تتوفّر له شروطه من خلال تحقق المواصفات لا لأهل الكتاب وحسب، وإنّما لكل مَن لا يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يُقال بأنها آية خاصة بأهل الكتاب، وإن كان أهل الكتاب هم المصداق الأبرز لها، ولكنها تفيد بدلالة السياق والنص معاً أن القتال هو لكل من يعتدي على أهل الإيمان ممن لم يؤمن بالله واليوم الآخر، ولم يدن بدين الحق [182] ولم يحرّم ما أحلّ الله تعالى، وقد أتينا على ذكر هذه الآية للتدليل على أن الكفر بالله واليوم الآخر أو بالنبوة، سواء العامة أم الخاصة من مؤدياته الاستكبار في الأرض والإفساد فيها، باعتبار أن الآية تستجمع مواصفات للقلوب الكافرة حتى ولو كانت تزعم الإيمان بالله واليوم الآخر، فهؤلاء كفار حقاً، كما بيّن القرآن، ولهذا جاء الأمر الإلهي بقتالهم، سواء أكانوا من أهل الكتاب أم من غيرهم، لأن المورد لا يخصص الوارد على حدّ تعبير الأصوليين...

كما نلاحظ أيضاً من آيات كثيرة في القرآن أن أوصاف القلب الكافر الميت تأتي في سياق أحداث عملية لا يقتصر التوصيف عليها من حيث كونها مجرد اعتقاد سلبي أو إيجابي، بدليل قوله تعالى: ﴿ فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلاً [183] . فنلاحظ أن السياق قد لحظ جملة من الأحداث والأقوال، تبدأ بـ/باء السببية، أي بسبب نقضهم الميثاق الذين التزموه مع الله تعالى، ثم الكفر بالآيات، ثم القتل للأنبياء بغير حق، ثم القول في توصيف قلوبهم بأنها «غلف»، لتنتهي الآية بتأكيد الطبع على القلوب بكفرهم، مع ما يعنيه مفهوم الطبع بأنه لم يكن ابتدائياً، وإنما كان بسبب كفرهم، وهي الآية التي سبق لنا أن فسّرنا بها سائر الآيات القرآنية التي يتسلّح بها قوم من الجبريين للتأكيد على مذهبهم في القول بالجبرية، فالقرآن يفسّر بعضه بعضاً، فلا طائل مما يذهب إليه بعضهم من تأويل للآيات بغير علم ولا هدى، بل لا بدّ من جمع الآيات وضم بعضها إلى بعض للوقوف على المدلول الحقيقي للآيات فيما تذهب إلى التأسيس فيه، سواء في مجال النظر أم العمل...
فالآية، كما نلاحظ، تأتي في سياق تحقق عملي، اجتماعي، عقائدي، للتدليل على أن كفر هؤلاء لم يكن عن جهل، وإنّما كان عن علم بحقائق الأمور، ولهذا استحقوا أن تقفل عنهم أبواب الرزق المعنوي والمادي، أو العلمي والعيني على حدّ تعبير الآملي...

والكلام ذاته يمكن أن يساق في فهم قوله تعالى: ﴿ وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لَّا يُؤْمِنُواْ بِهَا حَتَّى إِذَا جَاؤُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ [184] ، وقوله تعالى: ﴿ أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِن بَعْدِ أَهْلِهَا أَن لَّوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ [185] . وغيرها من الآيات الكثيرة التي تلخّص الموقف القرآني بخصوص الأموات في قلوبهم وعقولهم، وهذه الآيات في كثير منها تظهّر الموقف النظري في سياق رؤية عملية، وأحداث يقوم بها هؤلاء يعبّرون بها عمّا يعتقدون أنه الحق، وهم يعلمون أنه الباطل، ولكنهم يموهون ويلبسون على الناس لصرف قلوبهم عن الاعتقاد السليم والحق المبين، ولعلّ هذا هو من أخطر أنواع الكفر الذي عرض له القرآن في سياق الحدث الإنساني بشكل عام منذ النبي آدم (عليه السلام) وحتى زمان عصر البعثة النبوية الشريفة، ولا يزال هذا النوع من الكفر ناشطاً على مستوى القول والعمل، وخاصة بعد أن توفرت للإنسان ظروف ومناخات التحول العقلي في ظلّ ما أفرزته الحضارة من تقدّم علمي، وتطوّر تقني ساعد الإنسان على التخلص قليلاً من الأساطير والخرافات والأوهام، ولكنه اختار له صنمية جديدة، وجاهلية فريدة، هي العلم الحديث، لقيادته نحو مزيد من الجحود والإنكار، بحيث عاد لسان الكثيرين اليوم إلى القول بأفواههم ما ليس في قلوبهم، بل إلى الكفر الصراح المموّه بالاعتقاد والإيمان، كما فعل بنو أمية وبنو العباس فيما مارسوه من أعمال دينية وسياسية أبان فترة حكمهم... !؟

يبقى أن نقول: إنّ أوصاف القلوب الكافرة، كما عرض لها القرآن، ليس من السهل أن يتوفر كل باحث على الشروط والمواصفات الكاملة كيما يتسنّى له تبيان حقيقة هذه الأوصاف في سياق ما جاءت به من أحداث... ولكن يمكن لمتدبّر بصير أن يقف على حقيقة هذه الأوصاف من خلال إجمال القول فيها بعد أن بيّن المفسّرون للقرآن وما أكثرهم لجملة هذه الأوصاف المتعلقة بالقلب الكافر، أو الميت الذي لا يفقه عن الله تعالى ولا يعقل عنه، حيث إنّهم أكدوا في جملة شروحاتهم أن هذا القلب هو الذي يخلو من الإيمان وجميع الخير، فهو قلب مظلم قد استراح الشيطان من إلقاء الوساوس إليه، لأنه قد اتخذه بيتاً ووطناً وتحكم فيه بما يريد، وتمكن منه غاية التمكن، وقد سبق لأمير المؤمنين أن وصف هذا الشيطان بأنه يستدرج قرينته، ويستغلق رهينته، حتى إذا تمكن من ذلك، أنكر ما زيّن، واستعظم ما هوّن، وحذر ما أمّن، وقال في خطبة له: «اتخذوا الشيطان لأمرهم ملاكاً [186] ، واتخذهم له أشراكاً [187] ، فباض وفرّخ في صدورهم، ودبّ ودرّج في جحورهم، فنظر بأعينهم، ونطق بألسنتهم، فركب بهم الزّلل [188] ، وزيّن لهم الخطل [189] ، فِعل من قَد شَركه شَركهُ [190] الشيطان في سُلطانه، ونطق بالباطل على لسانه» [191] .



 

 

 

إذا كان الله تعالى لا يُضلّ الناس ابتداءً، وإذا كانت الذنوب المتراكمة تمهّد السبيل للكفر، كما رأى العلاّمة اليزدي [192] ، وإذا كان المذنب لا يُسند إليه الختم ذاتياً لمصادمته النظام العِلِّي الحاكم بأنّ كل شيء لا يكون وجوده ولا عدمه عين ذاته، بل لهذا الختم سببه، كما يرى العلاّمة الآملي [193] ، فإنّ حديثنا في هذا المبحث سيقتصر البحث فيه على حجب الأعمال وعلاجات القلوب الكافرة كما أوضحها وبيّنها القرآن الكريم، فنقول: إنّ القلوب الكافرة، والتي أضلها الله تعالى على علم، تمتاز عن القلوب المريضة في أنها قد تجاوزت المرض القلبي وبلغت حدّ الكفر، واستبدّ بها الشيطان لدرجة النطق باللسان والتمكّن من القلب، كما أفاد أمير المؤمنين (عليه السلام)، حيث رأينا كيف أن الإمام (عليه السلام) قد بيّن حقيقة ما يبلغه قلب الكافر من ظلمة وحسد وتكبّر وعناد في مواجهة الحق، وقبل ذلك ما بلغهُ من تنكّر وجحود بالمبدأ والمعاد، وكعادتنا في المباحث السابقة سنعرض لجملة من الآيات المباركة التي تعرض لحال الكافرين وقلوبهم، والتي نرى أنها تستجمع حالاتهم وتظهر حقائقهم على نحو يؤدّي بنا إلى استخلاص موقف قرآني مما هم عليه في القول والعمل، إضافة إلى تبيان حقيقة ما يظهره القرآن بشأن إمكانية علاج هذه القلوب، وقد بيّن القرآن في كثير من الآيات، كما سنرى، ما قام به الأنبياء والرسل (عليهم السلام) من محاولات لإخراج هؤلاء من الظلمات إلى النور، ولكن للأسف كانت الأمور تصل بالكثيرين منهم إلى مستوى الختم والإقفال على القلوب، بل إلى اليأس من الأمل في هدايتهم وعلاجهم، كما قال الله تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى ... [194] . وقال الله تعالى: ﴿ تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَائِهَا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ [195] ، وقوله تعالى: ﴿ فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ ... [196] .
وقوله تعالى: ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَن يَهْتَدُواْ إِذاً أَبَداً [197] .

لا شكّ في أن القرآن الكريم فيما يخبره عن حال هذه القلوب الكافرة بأنها لا تهتدي، وأن الختم قد لحق بها لما هي عليه من كفر وعناد وحسد واستهزاء، إلاّ أنه لم يقطع الطريق على هذه القلوب، بل وجه القول لها منذراً إيّاها، وهادياً لها إلى سبل نجاتها، لأن هؤلاء إنما بلغوا هذه الحال بسبب جهلهم المركّب، ولا بدّ من استمرار الهداية لهم بالإرشاد والتعليم والموعظة، كما فعل الإمام الصادق(عليه السلام) في توعيته للزنديق لحمله على الشكّ فيما يتنكّر له دون علم ولا دراية، حيث إنه كان لا يعلم ولا يعلم أنه لا يعلم [198] ، فأرشده الإمام (عليه السلام) في حديث طويل إلى ما يحتاجه من أدلة حتى آمن وأصبح فيما بعد من الدعاة إلى الله تعالى.
وما دمنا في مبحث علاج القلوب الكافرة، فإن هناك جملة من الآيات القرآنية ترشدنا إلى المنهج القويم الذي ينبغي اتباعه في معالجة أمراض الكفر، حيث قال تعالى: ﴿
وَقَالُواْ مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ
[199] . ففي هذه الآية، كما يرى دستغيب، إشارة إلى الجهل المركب، وعن أصحاب الجهل البسيط يقول الله تعالى: ﴿ وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُم مَّا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِن نَّظُنُّ إِلَّا ظَنّاً وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ [200] ، وقال الله تعالى: ﴿ بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ... [201] .

هناك جملة من الآيات التي تظهّر الموقف الحقيقي للقرآن والنبوّة في دعوة هؤلاء إلى الحق بل إلى الإيمان بالله تعالى واليوم الآخر، وقد رأينا كيف أن الأنبياء (عليهم السلام) كانوا يستمرون بالدعوة دون كلل وملل لهداية هؤلاء، حيث اهتدى الكثيرون منهم، وهذا ما ألمح إليه الشيرازي في تفسيره في ما عرض له في تفسير قوله تعالى: ﴿ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ ﴾ . فالآية ناظرة في مفهومها إلى أن الكافر قد يهتدي، فهي لا تشير إلى أي كافر كان، وذلك أن كثيراً من المؤمنين كانوا في صفوف الكفار والتحقوا بصفوف المؤمنين بعد سماعهم لدعوة الأنبياء، فالمراد في منطوق الآية ومفهومها، ذلك الفريق من الكافرين الذين ألحّوا وأصرّوا على كفرهم [202] .. ولعلّ ما جاء في سورة الفتح لجهة أنهم لو تزيّلوا لعذّبوا عذاباً أليماً، كما في قوله تعالى: ﴿ لَوْ تَزَيَّلُواْ لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً [203] ، وفي هذا الكلام الإلهي إشارة دقيقة إلى أن المؤمن قد يكون في ظهر الكافر والعكس، فما لم يتزيلوا فلن يعذبوا، وهذا أمر لا يعلم به إلاّ الله تعالى، وما على الهادي إلى الله تعالى إلاّ أن يدعو ويحاور لعل الذي في قلبه مرض يهتدي إلى سبيل ربه.

وإذا كان الفقهاء وأهل التفسير قد اختلفوا في معنى قوله تعالى: ﴿ وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَن يَهْتَدُواْ إِذاً أَبَداً [204] ، لما ذهب إليه بعضهم من القول بالجبر في الآية، كما أوضح الرازي في تفسيره، فإنّ هذا الاختلاف لا يعبأ به لكونه يقوم على تجزئة النصوص القرآنية وعلى الفصل بينها على نحو يجعل لكل آية قرآنية مطالع في الفهم مختلفة عن آيات أخرى تفسِّرها، هذا فضلاً عمّا أعطوه للآية من فهم متعدد في دلالة السياق، فقالوا بأن آخر الآية له معنى مختلف عن صدرها، يقول الرازي: «قلّما نجد آية في القرآن تؤيّد أحد الفريقين - أي فريق الجبر وفريق الاختيار - وإذا ما وجدنا آية مؤيدة لفريق وجدنا قبالها آية تؤيّد الفريق المقابل، والتجربة شاهد على ما نقول، وهذا امتحان صعب من الله للعباد، وذلك لكي يتميز الراسخون في العلم عن المقلدين...» [205] .
إنه فعلاً العجب العجاب أن يستفيد بعض العلماء مفهوم الجبر من الآية، ولو أنهم تأملوا في دلالة السياق، فضلاً عن منطوق الآية ومفهومها، لأدركوا معنى الاختيار فيها لكون القرآن يُفسّر بعضه بعضاً، وهو في كثير من الآيات يأتي باستعمال الماضي ليدلّ على المستقبل، ويتحدث بالختم والأقفال لا ابتداءً وإنما مجازاة ومعاقبة، هذا فضلاً عن أنه يبيّن آية بأخرى، كما في قوله تعالى: ﴿ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ ﴾ ، فهل يبقى لمتدبّر بصير أن يقول بغير ما يقوله القرآن بأن الختم هو الكفر نفسه!؟
إنّ كثيراً من العلماء والمفسرين لم يخطئوا فقط في تقسيم الآية إلى صدر وآخر ، بل أخطأوا أيضاً في القول بالناسخ والمنسوخ في الآية الواحدة، فقطعوا أوصالها، زاعمين أن أولها منسوخ وآخرها ناسخ [206] ...!؟

وهكذا، فإنّ معنى أن تكون هناك حجُب على القلوب الكافرة، معناه أن الكافرين هم الذين أورثوا أنفسهم الموت والعذاب والهلاك بما اختاروه لأنفسهم، وقد أشرنا في بحثنا السابق إلى معنى الميثاق، والكفر بآيات الله تعالى، وقتل الأنبياء بغير حق، فهذه كلها أعمال يقوم بها الذين كفروا باختيار ووعي بعد أن لم تنفعهم الموعظة، فيخرجون أنفسهم من النور إلى الظلمات باختيارهم، كما قال الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَّهُم [207] ، وقوله تعالى: ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُواْ التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً [208] ، فهؤلاء وصفهم القرآن بالحيوانات لكونهم لم يعقلوا عن الله تعالى، ولم يتجاوزوا حدّ الشعور الحيواني [209] ، فآل أمرهم إلى المكر والحيلة والدهاء والحسد والطغيان في الدنيا، وإلى أن يحشروا مع الشيطان في الآخرة، كما قال الله تعالى: ﴿ وَالنَّارُ مَثْوىً لَّهُمْ ﴾ ، وهذا يؤكّد لنا أن ذلك كله كان لهم بالاختيار، خلافاً لما يزعمه أهل الجبر والجهل من أن الله تعالى لو شاء لهم الهُدى لاهتدوا، ولكنه لم يشأ لهم ذلك، فكان لهم الطبع والغلف والختم والإقفال، للأسف هذا ما استقرت على فهمه عقول الكثيرين ممن زعموا الحق في التأويل والتفسير، وقالوا على الله تعالى بغير علم ولا دليل، لا لشيء إلاّ لمجرّد أنهم اختاروا مدرسة الرأي والمناكفة والحوار دون برهان ولا دليل، رغم أن أحاديث الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) في معنى الطبع والختم واضحة لا لبس فيها، ومنها قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «الطابع معلق بقائمة العرش، فإذا انتهكت الحرمة، وعمل بالمعاصي واجترئ على الله تعالى بعث الله تعالى الطابع فيطبع الله على قلبه فلا يعقل بعد ذلك شيئاً» [210] ، والجدير بالذكر هو أن طابع «اسم فاعل» للطبع، و «طابَع» اسم آلة الطبع.. وهذا الحديث يؤكّد بوضوح أن لا جبر هنا وأن حُجب القلوب هي نتيجة لأعمال الإنسان نفسه.. [211] .

لقد أوضحنا سابقاً معنى أن تكون هناك آفات للقلوب التي لا بدّ أن تنعكس في واقع الإنسان سيرةً وسلوكاً وعملاً، باعتبار أن القرآن الكريم لم يفصل بين الاعتقاد والعمل، أو بين ما يُعقد عليه القلب وما يكون له من آثار تترتّب عليه، وتترشّح عنه [212] ، وقول اليهود أو مشركي مكة، أو الذين كفروا عامة، ﴿ قُلُوبُنَا غُلْفٌ ﴾ ، بعد نقض الميثاق والكفر، وقتل الأنبياء بغير حق، وما أدّى إليه ذلك من آثار عملية، هذا كله إن دلّ على شيء، فإنّه يدلّ على أن آفات القلوب لها مساوئ كثيرة وكبيرة في المجتمع الإنساني، فهي لا تقتصر في آثارها على أصحابها، بل تتجاوزهم إلى المجتمع برمّته، وقد لحظ القرآن الكريم هذا المعنى مبيّناً أن هذه القلوب يمكن لها أن تخرج من الظلمات إلى النور، ومن الاستكبار إلى التواضع، وقبل ذلك من الكفر إلى الإيمان فيما لو أثارت عقولها بالوحي والاستماع للموعظة الحسنة، ولهذه الغاية، كما قلنا، بُعث الأنبياء والرسل كما قال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): «إنما بُعثت لأتمّم مكارم الأخلاق».

وهكذا، فإنّ القرآن قد بيّن أنه إنما نزل ليكون شفاءً للصدور، وهذا دليل على أن الله تعالى لم يرد للإنسان أن يكون ضحية نفسه الأمّارة بالسوء، وجهله بحقائق الأمور، فهو إن كان بالحُجب على قلبه، بل بكفره وشركه قد تنكّر للمبدأ والمعاد وللنبوة والرسالة، فإنّ من شأن معالجة الآفات القلبية، والأخذ بتعاليم الوحي، والاستجابة لما يحييه من أمر ربه أن يهتدي سواء السبيل، باعتبار أن الكفر والإيمان ضدّان، وهما متقابلان، ولا شكّ في أنّ لكل منهما شعبه وآثاره في النفس والواقع، إذ ليس الحرص في الدنيا، والبخل والحسد والظلم والخيانة، وكل الأخلاق السيئة، إلاّ من آفات القلب وكفره، فإذا انتفى الكفر، الذي هو أمر عدمي، فإنّه لا بدّ أن تكون ثمرة ذلك الفوز بكل أنواع الخيرات، سواء على مستوى النفس أم على مستوى الواقع، لأنّ قول الحق هو من فروع الإيمان ورفضه هو من فروع الكفر... كما أن شكر النعمة هو من أقسام الإيمان، وكفرانها من الكفر [213] .

إنّ كل ما يظهره الإنسان الكافر من ظلم واعتداء وافتراء وتكذيب واستهزاء، هو ناشئ عن قلبه المحجوب بأنواع المعاصي، وإنّ أدنى تدبّر في آيات القرآن الكريم، سواء تلك الآيات التي تتحدّث عن الكافرين أم عن المرضى في قلوبهم... لا بدّ أن تؤدّي بالباحث إلى استخلاص نتيجة مفادها أن الآيات لم تتحدّث عن الكفر النظري وحسب، وإنما هي تتعدّاه في السياق إلى آثار هذا الكفر والمرض في الأعمال، لأن مؤدّى الحجب أن تقفل أبواب القلوب، وليس لذلك من علاج سوى بالقرآن ذاته، فإذا علم كل متدبّر في القرآن هذه النتيجة، فإنه يمكنه أن يؤسس لرؤية قرآنية واضحة تخرجه من حيرة الفهم لمدلول الآيات فيما جاءت فيه من سياق إلى التبصّر بحقائق الأمور. وهنا نسأل، أليس القرآن قد تحدث عن الكفر المتزامن مع العداء للأنبياء(عليهم السلام)، ومع نقض المواثيق والكفر بالآيات؟ وكما يقول الشيرازي: «ومسلم أن كفراً كهذا يجعل حجاباً على عقل الإنسان وقلبه، فلا يسمح لصاحبه أن يدرك الحقائق...» [214] ، وتكون النتيجة أفعال واقعية في جميع مجالات حياة الإنسان، ولا سبيل للخلاص من ذلك إلاّ بالركون إلى القرآن والاستفادة منه في معالجة الآفات القلبية كسبيل وحيد للفوز في الأعمال، سواء في الدنيا أم في الآخرة، وهذه الآفات كما لخّصها علماء التزكية كما فعل الغزالي في منهاج العابدين بأربع آفات تقابلها أصول لا بدّ من ذكرها في علاج القلب، يقول الغزالي: «فالآفات أربع: الأمل والاستعجال والحسَد والكبر والمناقب (الأصول في علاج القلب)، أربع: قصر الأمل والتأنّي في الأمور والنصيحة للخلق، والتواضع والخشوع، فهذه هي الأصول في صلاح القلوب وفسادها، والنكتة التي عليها المدار، فلنبذل المجهود في التحرّز من هذه الآفات والتحصيل لهذه المناقب...» [215] .

لا شكّ في أن الغزالي يقدم تفصيلات في شرح هذه الآفات والمناقب، وكلها تعود في أصولها إلى مولى الموحدين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، الذي أوضح في كثير من النصوص معنى طول الأمل الذي يُنسي الآخرة، ويؤدّي إلى تراكم الذنوب بالتسويف وترك الطاعة، وتأخير التوبة إلى غير ذلك مما كان مثار اهتمام أهل التزكية، ويكفي في هذا السياق أن نشير إلى معنى أن يتحوّل الإنسان في ذات نفسه من خلال القرآن الذي يزيد المهتدين هدىً، ويكون على الذين لا يؤمنون عمىً، وقد قال الإمام علي (عليه السلام) في مضمون كلامه: إنّ هذا القرآن فيه دواء لكل داء، وهو ربيع القلوب، وقد جعله الله تعالى ريّاً لعطش العلماء فيما لو أخذوا بتعاليمه وصدروا عنه في معالجة قضاياهم الدينية والدنيوية.
خلاصة القول: إنّ القلوب المريضة قابلة للعلاج بالقرآن، وبه وحده يمكن للإنسان المريض أن يهتدي إلى سبل العلاجات والوقاية من الأمراض والحجب التي تأخذ بمجامع القلوب وتحول بينها وبين الإيمان والعلم بالله تعالى، وقد جاء في الروايات المتواترة أنه مَن كان يحب أن يعلم أنه يحب الله فليعرض نفسه على القرآن، فمن أحبّ القرآن فهو يحبّ الله، فإنّما القرآن كلام الله تعالى، كما روي عن ابن مسعود، وكما قال الله تعالى: ﴿ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ [216] ، وقوله تعالى: ﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَاراً [217] .

فالقرآن يشير إلى أن علاج القلب إنما يكون بأمور أربعة: الأول: الموعظة الحسنة بالقرآن الكريم، فإنّه شفاء لما في الصدور [218] ، فجاء التعبير بالصدور لكونها تمثل جامعية حال الإنسان من قلب وفؤاد وحواس ظاهره وباطنه، فهو، أي القرآن، يزيل الشك والشرك ودنس الكفر وأمراض الشهوات والشبهات، والثاني: هو هدى لمن علم بالحق وعمل به. والثالث: القرآن هو رحمة لما يحصل به للمؤمنين من الثواب العاجل.
والرابع: هو إثارة دفائن العقول التي هي أساس ومدخل لكل علاج، وكما يقول العلاّمة الشيرازي في تفسير الأمثل: إنّ الآية أعلاه تشرح وتبيّن أربع مراحل من مراحل تربية الإنسان وتكامله في ظلّ القرآن، الأولى: مرحلة الموعظة والنصيحة، الثانية: مرحلة تطهير روح الإنسان من مختلف أنواع الرذائل الأخلاقية. الثالثة: مرحلة الهداية التي تجري بعد مرحلة التطهير. الرابعة: هي المرحلة التي يصل فيها الإنسان إلى أن يكون لائقاً لأن تشمله رحمة الله ونعمته... وهذه المراحل تأتي تباعاً، والجميل في الأمر أنها تتمّ جميعاً في ظلّ نور القرآن وتوجيهاته... [219] ، وقد أوضح الإمام علي (عليه السلام) هذا المعنى بقوله عن القرآن: «فاستشفوه من أدوائكم واستعينوا به على لأوائكم (يعني شدائدكم)، فإنّ فيه شفاء من أكبر الداء، وهو الكفر والنفاق والغيّ والضلال...» [220] . وقال (عليه السلام): «فإنّه الحبل المتين والنور المبين، والشفاء النافع، والري الناقع ..» [221] .
وقال (عليه السلام): «واستشفوا بنوره، فإنّه شفاء الصدور...» [222] .

إنّ الروايات الإسلامية، كما جاءت عن أئمة أهل البيت(عليهم السلام)، تتابع القرآن في تخصيص الشفاء بالصدور دون القلوب، لأنّ القرآن، كما رأينا، يخص العلاج بها من حيث كونها تشكل جامعية الحالة الإنسانية، فإذا تحقق الشفاء للصدر، فلا بدّ أن يكون الإنسان قد استوفى علاجه في قلبه وفؤاده وصدره، فضلاً عن نفسه وعقله وروحه، وهذا هو ما تعنيه وحدة الإنسان فيما خصّت به من خطاب إلهي للخروج من الظلمات إلى النور، ومن الموت إلى الحياة، ومن الجاهلية إلى الإسلام، كما قال الله تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ [223] .
فالاستشفاء بالقرآن ليس مخصوصاً به القلب أو العقل، أو الفؤاد... إلخ، وإنما هو يكون للإنسان بلحاظ كليته وجامعيته الحقيقية التي تتجلّى بوحدة النفس الإنسانية التي خصّت بالصدور لدلالة الجامعية فيها على وحدة الإنسان، ولهذا قال الله تعالى: ﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ﴾ . فالشرح كان للصدر لا بما هو جزء من حالة الإنسان، وإنّما بما هو وحدة حقيقية مخصوصة بالشفاء باعتبار أن الصدور تشكّل مقدِميّة الحالة الإنسانية وأعلى شيء فيها... كما أفاد أهل اللغة والتحقيق.



 

الفصل الثالث: القلب السليم في القرآن الكريم


 

بعد الكلام في مرض القلب وإثمه وموته بالكفر، لا يسعنا إلاّ استيفاء الكلام في معنى القلب السليم في القرآن، وذلك نظراً لتركيز القرآن الكريم على ما لهذا القلب من معنى ودلالة وأثر، سواء في الحياة الدنيا، أم في الحياة الآخرة. وإذا كان الفقهاء والمفسرون للقرآن قد لحظوا ما لهذا القلب من اعتبار في سعادة الإنسان في الدارين، فإننا نرى أن هناك بعض المفسرين ممن أخطأ التفسير فيما يراه لهذا القلب من معنى وأثر في القرآن، إذ إنّ طبيعة هذا المبحث تفترض على الباحثين وعلى المفسرين للقرآن قبل غيرهم أن يتدبّروا جيداً في استعمال القرآن الكريم لمفردة «القلب السليم»، في مقابل استعمال مفردات كثيرة للقلب من حيث هو مريض، أو مختوم، أو مطبوع، أو مغمور... أو غيرها من مفردات الهدى، ومنيب، ووجل، ومطمئن، وخاشع، إلى غير ذلك من الآيات التي تنوعّت فيها الأوصاف واختلفت في سياقاتها المفردات. ولعلنا لا نخطئ القول بأن تخصيص القلب بالسلامة في آيتين فقط في القرآن له دلالة جامعية لكل الأوصاف القلبية ذات الدلالات الإيجابية والمدلِّلة على سلامة القلب من الأمراض في مقابل عشرات الآيات القرآنية التي تفيد مرض القلب بالآثام والمعاصي، وقد سبق الكلام منا في أن القرآن لا يتحدث عن القلوب العضوية أو المادية، وإنما يتحدّث عن القلوب المعنوية والمطمئنة بالإيمان، كما في قوله تعالى: ﴿ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ ﴾ .

ولا شكّ في أن الكلام الإلهي عن القلوب المطمئنة ليس بعيداً عن حقيقة القلوب المادية، لما بين القلبين من تفاعل وانعكاسات على اعتبار أن القلب السليم هو في الجسم السليم، ومثلما تحدّث القرآن عن مرض القلب بالآثام، هو أيضاً لحظ معنى سلامة البدن والصدر لما بين بدن الإنسان وقلبه من تمامية واستكمال وتفاعلات، فإذا لم تؤدِّ أعضاء الجسم دورها لتترتّب عليها الآثار التي خلقت من أجلها، فإن أحوال القلب هي أيضاً ستكون مضطربة ومتقلبة بحسب ما تكون عليه حال الإنسان من استقرار أو اضطراب، سواء في حالته الظاهرة أم في حالته الباطنة، وهذا ما عبّر عنه أمير المؤمنين(عليه السلام) بقوله: «إنّ للجسم ستة أحوال الصحة والمرض، والموت والحياة، والنوم واليقظة، وكذلك الروح فحياتها علمها وموتها جهلها، ومرضها شكّها، وصحتها يقينها، ونومها غفلتها، ويقظتها حفظها» [224] .
وقال : «ألا وإن من البلاء الفاقة، وأشدّ من الفاقة مرض البدن، وأشد من مرض البدن مرض القلب، ألا وإن من النعم سعة المال، وأفضل من سعة المال صحة البدن، وأفضل من صحة البدن تقوى القلب» [225] .

وهكذا، فإن معنى أن يكون القلب سليماً، أن يتوفّر صاحب هذا القلب على خصائص ومواصفات تؤهّله لأن يكون مطهّراً من أنواع العذاب والأمراض، بدليل أن القرآن قد عرض لمواصفات هذا القلب باستعمال المفردات التي تميّز هذا القلب في المادة والروح، وفي الدنيا والآخرة، هذا فضلاً عمّا خصّ به هذا القلب من حالات وأعمال ظهّرتها السياقات القرآنية من خلال استعمال مفردة «السليم»، المتوافقة تماماً مع ما خصّت به الجنّة من أوصاف السلامة والسلام، كما قال الله تعالى: ﴿ ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ [226] ، وقوله تعالى: ﴿ لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِندَ رَبِّهِمْ [227] ، وقوله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ يَدْعُواْ إِلَى دَارِ السَّلَامِ [228] ، إلى غيرها من الآيات الناظرة إلى معنى السلامة فيما يكون للإنسان من سعادة وأمن، وبما يكون له من إيمان وعمل صالح وطهارة من الآفات والأمراض. فالقلب ليس سليماً لمجرّد أنه آمن بالله واليوم الآخر وحسب، وإنما هو سليم لكونه استجمع الحالات الظاهرة والباطنة، فكانت له السلامة في الدين والدنيا والآخرة، وهذا ما سنتوقف عنده مليّاً في بحوث هذا الفصل إن شاء الله تعالى.



 

 


يرى الراغب الأصفهاني في مفردات القرآن، أن مفردات «سليم؛ السَّلْمُ والسلامة تعني التعرّي من الآفات الظاهرة والباطنة، أي متعرٍّ من الدّغلِ فهذا في الباطن، وقال الله تعالى: ﴿ مُسَلَّمَةٌ لَّا شِيَةَ [229] ، فهذا في الظاهر، وقد سَلِمَ يَسلَمُ سلاَمَةً وسلاماً، وسلّمه الله، كما قال الله تعالى: ﴿ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ ... [230] ، ﴿ ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ [231] ، أي سلامة، والسلامة الحقيقية ليست إلاّ في الجنة، إذ فيها بقاء بلا فناء، وغنى بلا فقر، وعزّ بلا ذُلّ، وصحة بلا سقم ... » [232] .
نلاحظ أن الراغب الأصفهاني قد استوفى معنى السلم والسلامة في رؤية جامعة عرض لها بالإجمال في كتابه المفردات، ولكن كثيراً من المفسرين لم يتوقفوا عند ما تعنيه مفردة السلم والسلامة من دلالات في السياق القرآني، فأعطوا المعنى والدلالة في ظاهر الأعمال، وفي أصول الاعتقاد وجَمِدوا عند الإقرار باللسان والاتّصاف بالإسلام، وقالوا إن السلامة إنما تكون بخلوّ القلب من الشرك، كما فعل الشوكاني في فتح القدير [233] ، والقرطبي في أحكام القرآن [234] ، إذ رأوا أن الإتيان بقلب سليم له دلالة أن يأتي الإنسان ربّه مؤمناً بالله واليوم الآخر، وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن لا يكون من أهل اللعن [235] ، في حين إن السلامة، كما عرض لها القرآن الكريم، هي خلوّ الإنسان من كل مرض وإثم، بحيث يكون متعرياً من الآفات الظاهرة والباطنة، وهذا هو معنى التمايز في استعمال المفردات، أن يكون للقلب السليم أوصافه وخصائصه التي تميّزه عن سائر القلوب في الدنيا قبل الآخرة، وقد جاء القرآن ليهدي الناس إلى سبل السلام في الباطن والظاهر، في الدين والدنيا والآخرة، كما في قوله تعالى: ﴿ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ [236] . فالقلب قد يكون مهتدياً [237] ، مطمئناً [238] ، وجلاً [239] ، خاشعاً [240] ، مخبتاً [241] ، تقياً [242] ، حياً [243] ، كما جاء في آيات كثيرة تصف القلب بهذه الأوصاف، إلاّ أنه لكي يكون سليماً، فذلك يقتضي أن يكون الإنسان جامعاً لهذه الأوصاف في العلم والعمل، ومتعرّياً عن كل الأمراض التي يمكن أن تداخل القلب من قريب أو بعيد، لما سبق بيانه من أن الإيمان بالله تعالى واليوم الآخر وسائر الأصول الدينية قد يجتمع مع المرض القلبي، أو مع النفاق، كما جاء في الرواية عن الإمام الباقر (عليه السلام) بقوله: «إنّ القلوب أربعة: قلب فيه نفاق وإيمان، وقلب منكوس وقلب مطبوع، وقلب أزهر أنور .. قلت: ما الأزهر؟» قال: «فيه كهيئة السراج، وأما المطبوع فقلب المنافق، وأما الأزهر فقلب المؤمن إن أعطاه الله عز وجل شكر، وإن ابتلاه صبر، وأما المنكوس فقلب المشرك [244] .

فالرواية، كما نلاحظ، تبيّن أن الإيمان والنفاق يجتمعان في قلب واحد [245] ، أما القلب السليم الذي يفد به الإنسان على ربه، فهو القلب الذي استجمع الشروط والمواصفات، وتطهّر من الأمراض والذنوب، واستوى على معنى الهداية والخشوع والتقى والاطمئنان والحياة، فكانت له تمايزات السلامة في الدنيا والآخرة. ولا شكّ في أن لهذا القلب مصاديق مختلفة، لأن القلب الذي يأتي به الولي، أو النبي ربه، هو ليس كالقلب الذي يأتي به كل إنسان ربّه. فالقلوب منازل، إذ قد يتوفر الإنسان على الهداية والخشوع والتقى وغير ذلك من صفات القلب المؤمن، لكن هذا التوفر على شيء من ذلك لا يؤهل كل إنسان لأن يكون على مستوى السلامة القصوى في دار السلام، باعتبار أن لكل إنسان منزلته عند ربّه، ويمكن للباحث أن يستدل على هذا الأمر مما عرض له القرآن من منازل في سورة الواقعة التي فصّلنا الكلام فيه في كتابنا «الوعد والوعيد في القرآن» [246] حيث رأينا أن المقربين لا بدّ أن منزلتهم تختلف عن منازل أهل اليمين، وكلّ قد أتى الله تعالى بقلبه السليم مع اختلاف في الهيئات والتحولات والتقلبات، ذلك أن منهم مَن يأتيه خالصاً متجلياً، ومنهم مَن يأتيه بقلب منيب، ومنهم مَن يأتيه بقلب مخبت، أو وجل، أو تقي، أو مهدي، أو مطمئن، ولكل قلب من هذه القلوب درجته ومنزلته. لكن يبقى للقلب السليم منزلته التي تميّزه عن سائر القلوب، كما في قوله تعالى: ﴿ يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [247] وقوله تعالى: ﴿ وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ (83) إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [248] . فالآيات، كما جاءت في سياقها القرآني، توضّح أن النبي إبراهيم (عليه السلام) جاء ربه بقلب سليم، فهي لم تأتِ بأي وصف آخر مما وصفت به القلوب التقية، بل بالقلب السليم لتؤكّد على أن معنى السلامة إنما يكون باستجماع الصفات القلبية الظاهرة والباطنة التي تعطي الإنسان امتياز التجلّي في الملك والملكوت، كما قال الله تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ [249] ، وقوله تعالى للنبي موسى (عليه السلام): ﴿ لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى [250] ، وقوله تعالى في رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ﴿ لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى [251] .

إنّ ما أفاده بعض المفسرين للقرآن من أن القلب السليم يعني الخلوص من الشرك، أو الإيمان بالله واليوم الآخر، دون الإشارة إلى حقيقة المعنى القرآني في السياق الذي جاء فيه لجهة التأكيد على التعرّي عن الآفات، والتوفر على الملكات في الباطن والظاهر، هو في الحقيقة تجاهل للسياق القرآني، وتسويغ لأطروحات أنتجتها المدارس الكلامية والسياسية لتحقيق أغراض ومنافع دنيوية في ظلّ الدعوة إلى الإسلام، وكان الأجدر بهؤلاء أن يُخرجوا النص القرآني عن تجاذب الأهواء، ليعطوه دلالته الحقيقية كما عرض له القرآن، ويكفي أن يتدبّر هؤلاء في أن النبي الذي جاء ربه بقلب سليم هو النبي إبراهيم (عليه السلام) الذي اتخذه الله عبداً قبل أن يتّخذه نبيّاً، واتخذه نبيّاً، قبل أن يتّخذه رسولاً، واتخذه رسولاً قبل أن يتّخذه إماماً، فقال له:
﴿ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً ... ﴾ . وهذا كله إنّما كان له بعد أن استجمع الصفات الظاهرة والباطنة وحقائق الإيمان ورؤية الملكوت، فكان قلبه سليماً، وهو من موقع سلامته القلبية في الظاهر والباطن، قال: ﴿ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ [252] ...

لقد بيّن بعض المفسرين أمثال الشوكاني، والقرطبي، حقيقة المعنى القرآني، واقتصروا في كلامهم على توصيف القلب السليم بأنه القلب الناصح لله في خلقه، أو الذي يعلم بأن الله حق... إلى غير ذلك، في حين إنه كان ينبغي على هؤلاء التدبّر في السياق القرآني لإدراك حقيقة معنى السلامة القلبية فيما تتمايز به هذه السلامة في العلم والعمل [253] ، بل في الإيمان والعمل الصالح، إضافة إلى انتفاء كل معنى اعتباري في الحياة الدنيا، لقوله تعالى: ﴿ يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ [254] ، فقط القلب السليم هو الذي ينفع صاحبه يوم لا ظلّ إلاّ ظلّه، ولهذا أجمع فقهاء الإمامية، الطباطبائي في الميزان [255] . والطوسي في التبيان [256] ، والطبرسي في مجمع البيان [257] ، والكاشاني في الصافي [258] ، والقمّي في تفسيره... [259] ، وغيرهم كثير على أن الإتيان بالقلب السليم إنّما يكون بخلوّ القلب من الكفر والمعاصي، والمساوئ الأخلاقية، فضلاً عن الشرك.
ومحصّل الكلام، كما يرى الطباطبائي (قده) ، أن مدار السعادة يومئذٍ على سلامة القلب، سواء أكان صاحبه ذا مال وبنين في الدنيا أم لم يكن لبطلان الاجتماع المدني بما يُعمل فيه من الأسباب الوضعية الاعتبارية كما يشير إليه قوله تعالى: ﴿ مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ (25) بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ [260] .
إنّ مما يؤخذ به بعض المفسرين هو التباس الأمر عليهم فيما يعود إلى التماس حقيقة الإيمان في سلامة القلب، وهذا مما لا يختلف حول أحد من العلماء والمفسرين، باعتبار أن القرآن لم يتحدث عن هذا الأمر بمعزل عن العمل والسلوك العبادي، حيث إن النبي إبراهيم(عليه السلام) قال لأبيه وقومه حين رآهم يعبدون الأصنام من دون الله تعالى على وجه التهجين لقولهم والتقريع لهم: ﴿ ... مَاذَا تَعْبُدُونَ (85) أَئِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ [261] ، وكما يقول الطوسي (قده) : «الإفك هو أشنع الكذب وأفظعه، والإفك قلب الشيء عن جهته التي هي له، فلذلك كان الإفك كذباً...» [262] .

إذاً، القلب السليم ليس مجرد التزام الإنسان نظرياً بالإيمان والتوحيد، وإنما لا بدّ من الإتيان بقلب سليم في الظاهر والباطن، في الإيمان والعمل والأخلاق، وهذا ما عبّر عنه أهل اللغة بالتعرّي من الآفات، وقد جاء في الرواية عن الصادق حين سُئل عن الآية فقال: «القلب السليم الذي يلقى ربّه وليس فيه أحد سواه، قال وكل قلب فيه شرك أو شكّ فهو ساقط...» [263] . فهو لم يكتفِ بذكر الشرك، كما فعل كثير من المفسرين، بل أضاف الشك، وإذا كان المرض هو الانحراف، كما يرى الشيرازي، فإنّ الشك هو الفقدان [264] ، وكل شيء يفتقده الإنسان في ذات نفسه، سواء في الظاهر أم في الباطن، سواء في الإيمان أم في العمل، هو يؤدّي به إلى أن يكون على غير سلامة في قلبه، مع أنه يمكن أن تكون له حالة إيمان تجتمع لديه مع صفات مرضية كالنفاق والبخل والجبن والمرض، وغير ذلك مما يدخل في معنى مرض القلوب، كما بيّن الراغب الأصفهاني في مفرداته...
إنّ تخصيص القرآن لمن يأتي ربه بالقلب السليم، لذو دلالة واضحة على تمييز هذا القلب عن سائر القلوب التي تجامعها صفات إيمانية صحيحة، ولعل القرآن قد لحظ هذا المعنى فيما أُتي على استعماله من مفردات تخص القلوب بالحياة، أو بالتقى، أو بالهدى، أو بغير ذلك مما يُفيد تحقق الإيمان في زيادة أو نقصان، كحال أولئك الفتية الذين آمنوا بربهم فزادهم هدى، أو كحال أولئك الذين آمنوا ولما يستوِ بهم الإيمان على مؤدّى السلامة في الدين والدنيا والآخرة، كحال أولئك الذين زعموا أنهم آمنوا ويريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت، كما في قوله تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلَالاً بَعِيداً [265] .

نعم، القلب قد يكون له حال من الصحة، تماماً كما يكون له حال من المرض، ولكن صحة القلب تختلف عن سلامته، لأنّ الصحة قد تجامع الانشغال بغير ذكر الله تعالى، أما السلامة، فلا، ولهذا وصف القلب بالسلامة ولم يوصف بالصحة، فقال: «بقلب سليم»، ولم يقل بقلب صحيح، لما أفدناه بأن الصحة لا تمنع الانشغال، إذ إنّ هناك الكثير من الناس تكون قلوبهم سليمة لكنها منشغلة، وقد يكون النسبة بين القلب السليم والقلب الصحيح نسبة العموم والخصوص مطلقاً، فيكون كل قلب سليم، قلباً صحيحاً، وليس كل قلب صحيح سليماً... فالآية المباركة تجمع بين الصحة والسلامة، بين العلّة الظاهرة والعلة الباطنة لإفادة التعرِّي عن الآفات، ويكفي أن نشير هنا إلى ما يُفيده سياق الآيات المباركة بحسب الرؤية الموضوعية، فنرى أن الله تعالى اتخذ إبراهيم (عليه السلام) خليلاً، ولما رُزق بإسماعيل (عليه السلام) على كِبَر فلعلّ القلب - كما يمكن أن نتوهّم - يُشغل بهذا المولود، فيصبح القلب بدل أن كان منشغلاً بالكلية به، فإنه شغل في جزء من هذا القلب بالمولود، فالله تعالى أراد أن يعلن أن إبراهيم (عليه السلام) لم ينشغل قلبه، ولا بجزء منه بشيء آخر غير ذكر الله سبحانه وتعالى، فسلمت فيه كل المواضع، وقد تجلّى هذا التسليم المطلق بقوله تعالى: ﴿ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَن يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ [266] . وهي آية ناظرة إلى أن القلب السليم لا يشغله شيء لا في الظاهر ولا في الباطن عن ذكر ربه، ولهذا جاء هذا التكامل في الآيات بين قوله تعالى ﴿ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ ، وقوله تعالى: ﴿ إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ ، ليفيد معنى التربية التي خصّ بها إبراهيم فيما مَنّ به الله تعالى عليه من صفات وخصائص أهّلته لأن يرى الملكوت، ولأن يكون إماماً جامعاً لصفات الكمال فيما انطوى عليه قلبه من إيمان والتزام في الظاهر والباطن في الدين والدنيا، فكان له المقام الأعلى، وحقّ له أن يكون من المحسنين، وأن تكون ذريته هم الباقين، وأن يترك عليه في الآخرين، هذا فضلاً عمّا خصّ به من كلمة باقية في عقبه، كما قال الله تعالى: ﴿ وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [267] ذلكم هو معنى القلب السليم في القرآن الكريم، أن يتصف القلب بالتقوى، والهدى، والخشوع، والحياة ليكون قلباً سليماً خالصاً في ذكر الله تعالى، ومنيباً إليه بدوام الرجوع إلى ربه ليدخل بسلام إلى جنّات الخلد، كما قال الله تعالى: ﴿ مَّنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ (33) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ [268] ، وليس من صدفة أبداً أن يُستتبع كلام المولى تعالى في السياق القرآني بذكر السلام بعد الإنابة، لكون الإنابة الدائمة هي سبيل السلامة لدخول الجنة والفوز بالسعادة، إذ يحتمل أن يكون القلب المنيب في الآية هو القلب السليم على ما أفاد القرطبي في تفسيره [269] ، وهذا ما نرى أنه لا يستفاد من السياق، لأن القلب المنيب هو حالة القلب في الرجوع الدائم إلى الله تعالى بالذكر والاستغفار فتكون له السلامة، فكيف يحتمل القرطبي أن تكون دلالة الإنابة هي ذاتها دلالة السلامة؟ وقد أشرنا لإفادة التعقيب من دلالة السياق بأن السلامة هي نتاج الإنابة الدائمة، بدليل: ﴿ ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ ﴾ . والله أعلم.


 

 

 

لاشكّ في أن آيات القلب السليم في القرآن توجه الإنسان، بما جاءت فيه من سياق، إلى أنه إذا كان له غنى ومال وبنون في الدنيا، فإن شيئاً من ذلك في الآخرة لا ينفعه، لأن وجوده وخلوده في الآخرة يتوقف على كون قلبه سليماً خالصاً من الكفر والمعاصي والفساد، والآيات القرآنية، كما ذكرنا، ليست هادفة إلى تبيان حقيقة الانقطاع بين الدنيا والآخرة، بل هي تؤكد على معنى الدنيا بما هي دار ممرّ وعبور، ومحلّ ابتلاء وتحقق للاختبارات النظرية والعملية للإنسان، هذا فضلاً عمّا أشرنا إليه من أن التكاليف الإلهية، وقبلها الإيمان بالأصول الاعتقادية، هي شروط في تحقق سلامة القلب، باعتبار أن القلب لا يكون سليماً لمجرد حالة باطنية يتوفر عليها الإنسان تؤدّي به إلى الخلود في دار السلام، بل هو إضافة إلى ذلك حالة ظاهرية عملية يؤدّيها من خلال الالتزام بالعهد والميثاق في الدنيا، بحيث يعمل وفق ما أمر الله تعالى به ورسوله، ويستجيب لما دعاه إليه، كما في قوله تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ... [270] ، ومن تكون له الحياة والسلامة في الدنيا، لا بدّ أن يكون له السلامة في الآخرة بحسب ما كان له من التزام وطاعة. وهناك جملة من الآيات تؤكّد هذا المعنى، حيث قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [271] . وقال الله تعالى: ﴿ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ [272] ، وقال الله تعالى: ﴿ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ [273] ، هذه جملة من الآيات المباركة التي تؤكد على حقيقة سلامة القلب في الدنيا والآخرة. الدنيا التي يكون فيها المال والولد سبيلاً إلى الطاعة لله تعالى.

لهذا، فإنّ قوله تعالى: ﴿ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ ، لا يُفيد فقط أن يكون الإنسان غنياً في دينه بسلامة قلبه، بل قد يُستفاد منه الغني بالمال والولد في طاعة الله، وكما يقول الزمخشري: «ولَكَ أن تجعل الاستثناء منقطعاً، ولا بدّ لك مع ذلك من تقدير المضاف وهو الحال، والمراد بها سلامة القلب، وليست هي من جنس المال والبنين، حتى يؤول المعنى إلى أن المال والبنين لا ينفعان، وإنما ينفع سلامة القلب، ولو لم يقدر المضاف لم يتحصّل للاستثناء معنى، وقد جعل مفعولاً لينفع، أي لا ينفع مال ولا بنون إلاّ رجلاً سَلِمَ قلبه مع ماله حيث أنفقه في طاعة الله، ومع بنيه حيث أرشدهم إلى الدين وعلّمهم الشرائع، ويجوز على هذا «إلا من أتى الله بقلب سليم من فتنة المال والبنين» [274] . وإلى مثل هذا ذهب العلاّمة المشهدي في تفسير كنز الدقائق، حيث رأى «أن المال والبنين لا ينفعان أحداً إلاّ مخلصاً سليم القلب عن الكفر وميل المعاصي وسائر آفاته. أو لا ينفعان إلاّ مال من هذا شأنه وبنوه، حيث أنفق ماله في سبيل الخير، وأرشد بنيه إلى الحق، وحثّهم على البرّ... وقيل: الاستثناء مما دلّ عليه المال والبنون. أي لا ينفع غني إلاّ غناه، وقيل: منقطع. والمعنى: ولكن سلامة من أتى الله بقلب سليم تنفعه» [275] .

إنّ تركيز العلماء وأهل التفسير على سلامة القلب عن الكفر وميل المعاصي وسائر الآفات، فيه دلالة واضحة على أن تجلّيات القلب السليم وأحواله ليست تجلّيات في الآخرة وحسب، وإنما هي ملحوظة في جملة الآيات القرآنية التي اخترناها للتدليل من خلالها على أعمال وسلوكيات أصحاب هذا القلب، حيث إنها تشير في سياق رؤية موضوعية إلى وجل القلوب والصبر وإقامة الصلاة والإنفاق في سبيل الله تعالى، وهذا كله إنما يكون حالات وأوضاع في الدنيا، تماماً كالحالات والأوضاع التي تكون لأصحاب القلوب الكافرة أو المريضة، إذ إنّ لكل من هذه القلوب تعبيراته وتجلّياته العملية في الواقع، فلا يُقال: إنّ مجرّد النية السليمة كافٍ لتحقق سلامة القلب، كما يُراد أن يُفهم من كلام الإمام الصادق (عليه السلام) في قوله: «صاحب النية الصادقة، صاحب القلب السليم، لأنّ سلامة القلب من هواجس المحذورات بتخليص النية لله في الأمور كلها» [276] .

فالكلام، وإن كان آنياً في سياق التأكيد على النية الصادقة، لقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «إنّما الأعمال بالنيّات، وإنما لامرئ ما نوى» [277] ، إلاّ أنه يُفيد مع ذلك تحققات الأعمال وتجلّيات القلوب في الواقع العملي للإنسان، بحيث يكون ملتزماً بأوامر الله تعالى، ومطيعاً لرسوله ، كما قال الله تعالى: ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُواْ [278] ، وهذا يؤكّد معنى أن يكون القلب السليم متجلّياً في الباطن والظاهر، في النية والعمل، باعتبار أن الأعمال إنما تكون بخواتيمها، فإذا لم تتحقق الأعمال، وتترجم النيّات في ممارسات الواقع وتجاربه، فلا يكون الإنسان متحققاً بالسلامة في الدين والدنيا، ولا شكّ في أن مَن يأتي الله تعالى بقلب سليم هو لا يأتيه بمعزل عن أعماله ونيّاته، بل يأتيه بكتابه الذي لا يغادر كبيرة ولا صغيرة إلاّ أحصاها، كما قال الله تعالى: ﴿ وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِراً وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً [279] .

لقد جاء الحديث عن أمير المؤمنين أنه قال: «مَن أحبَّ أن يعلم كيف منزلته عند الله فلينظر كيف منزلة الله عنده، فإن كل مَن خيِّر له أمران أمر الدنيا وأمر الآخرة، فاختار أمر الآخرة على الدنيا فذلك الذي يحب الله، ومن اختار أمر الدنيا فذلك الذي لا منزلة لله عنده» [280] .
وعنه (عليه السلام): «القلب المحبّ لله يحب كثيراً النَّصَب (أي: التعبد) لله، والقلب اللاهي عن الله تعالى يحب الراحة، فلا تظنّ يابن آدم أنك تدرك رفعة البرّ بغير مشقّة، فإنّ الحق ثقيل مُرّ» [281] .

هناك الكثير من الأحاديث المتواترة عن أئمة أهل البيت التي تربط بين الدنيا والآخرة، لأن الدنيا مزرعة الآخرة، وصاحب القلب السليم هو الذي يختار الآخرة على الدنيا لاعتقاده بأنه هو إنّما خلق للآخرة وليس للدنيا [282] ، وقد جُعلت له الدنيا ممراً إلى دار الخلود والسلامة، وهو لا بدّ أن يصحب الدنيا بقلب سليم من هواجس المحذورات بتخليص النيّة لله تعالى في الأمور كلها، كما أفاد الإمام الصادق (عليه السلام)، وهذا لا يتأتّى له إلاّ بأن يعمل الصالحات وفق أمر الله ونهيه، وأن ينفق في طاعة الله تعالى، لما عرفناه بأن عمارة القلب السليم لا تصمد أمام العواصف والأهواء، إلاّ إذا كانت قائمة على أسس قويّة من الإيمان والعمل الصالح في الدنيا، لكون هذه الأخيرة هي محل ابتلاء للإنسان، وما لم تكن أحوال الإنسان الظاهرة والباطنة مستوية على حدّ الإيمان والتقوى، فإنّه لن يفوز بالقلب السليم الذي يأتي به الله تعالى غداً، وقد أشرنا إلى مَعنى أن يأتي النبي إبراهيم (عليه السلام) ربّه بقلب منيب فيما عرضنا له في معنى الإنابة الدائمة إلى الله تعالى، لا من خلال الذكر والاستغفار الدائم وحسب، وإنّما من خلال العمل والدعوة إلى الله تعالى، وتحطيم الأصنام والبراءة من الكفر والكافرين. ومن هنا نرى أن تجلّيات القلب السليم وما يكون له من أحوال ظاهرة وباطنة، لا بدّ أن تتحقق في التجربة العملية للإنسان في ضوء أمر الله ونهيه، لقوله تعالى: ﴿ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ [283] ، وهذا السبيل يبدأ من الدنيا وينتهي بالرجوع إلى الله تعالى، الذي إليه المصير. وإذا كانت الروايات الإسلامية عن الأئمة (عليهم السلام) قد لحظت مساوئ حب الدنيا، ودعت إلى الزهد فيها، وربطت بين حبها ومرض القلوب، على قاعدة أن حبّ الله وحب الدنيا لا يجتمعان كالليل والنهار، فهذا كله إنما يمكن فهمه في سياق الحديث عن الدنيا بما تعنيه من شهوات وملذّات وكفر ومعاصٍ ومساوئ أخلاقية، وارتكاب المحرمات. أما الدنيا بما هي طاعة وزينة وحلال وطيبات وظهور للحق على الباطل، والإيمان على الكفر، فهي مما حثّ القرآن على العيش فيها والقيام بها على النحو الذي يؤدي بصاحب القلب السليم إلى الصدور عنها في قوله وفعله، بل في إيمانه وعمله ليكون فائزاً بالمغفرة والرضوان يوم يأتي الله تعالى بقلبه ونيّته وسائر تعابير أحواله الظاهرة والباطنة، بحيث يكون لسان حاله دائماً في الدنيا والآخرة لسان إبراهيم في قوله تعالى: ﴿ رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (83) وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (84) وَاجْعَلْنِي مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ [284] .

نعم، إنّ هذا الذي نراه هو ما تخلص إليه روايات أهل البيت في شأن الدنيا التي جعلها الله تعالى ممرّاً لقلوب أوليائه الذين لم يختاروا على الآخرة شيئاً، فزهدوا في الدنيا، وأتوا الله تعالى بقلب سليم من الشرك والشك، وفازوا بسعادة الدارين، لأن صاحب القلب السليم الذي له مواصفات الإنابة والخشوع والتقوى والحياة والوجل، وغير ذلك مما خصّ به القلب السليم في القرآن، هو الذي عظم الخالق بعينه فصغر ما دونه في نفسه، بل هو الذي باشر روح اليقين وهو في حقيقة الابتلاء المبين، كما كان حال النبي إبراهيم (عليه السلام) في النار، وحال الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) في الغار... ذلكم هو معنى التجلّي للقلب السليم، وأن تكون له أحواله وتعبيراته في حب الله تعالى وذكره الدائم رغم كل ما يحيط به من مصائب وآلام، ويتعرّض له من مساوئ في الحياة، يزهد في الدنيا، ويعيش في الآخرة، كأن الدنيا لم تكن، وكأن الآخرة لم تزل على حدّ ما وصف به الإمام الحسين الدنيا والآخرة في أصعب لحظات الحياة وأشدّها خطورة، وهو في الطريق إلى كربلاء [285] .

إنّ تجلّيات القلب السليم في الدنيا، وكذلك أحواله وتعبيراته في العلم والعمل ليست وليدة عالم الآخرة، كما ربّما يتوهّم بعضهم، أو أنها مجرّد تعبيرات خاصة تدفع إليها أوضاع وحالات في الدنيا، يصدر عنها القلب السليم في حب أو بغض فيما تستهويه النفس أو تكرهه، بل هو قلب مهتدٍ بنور الله تعالى، ومثاب بما خصّ به من هدى ونور، كما قال الله تعالى: ﴿ فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [286] . قلب له من التجلّي ما يجعل من الدنيا سبيلاً إلى الآخرة، وإذا كان هذا القلب قد سلم من حبّ الدنيا، فذلك لأنه أتى ربه وليس في قلبه أحد سواه، كما قال الإمام علي (عليه السلام): «من أبصر بها بصّرته، ومن أبصر إليها أعمته..» [287] ، وفي هذا الكلام لمولى الموحدين تكمن حقيقة التجلّي للقلب السليم في الدنيا، أثر لا يبصر إلى الدنيا، بل يبصر بها لتكون له حاكمية القول والفعل، وصوابية الرؤية فيما يأتيه من أعمال، ويؤدّيه من تكاليف، فيخرج من الدنيا سليماً من الكفر والمعاصي والآفات، ومتحققاً بالأعمال التي تؤدي به إلى دار السلامة والخلود، لأنه نجح في ابتلاء الدنيا، وفاز في امتحان العبور، فكان في الدنيا ولم يكن ممن أحبها لذاتها وإنما لما تؤدّي إليه من مفازة في الآخرة، وبهذا يمتاز القلب السليم عن القلب الكافر، أو القلب المريض، فيما يكون له من فوز وسلامة في الدين والدنيا، في المال والولد، وفي كل ما قصد به ربّه من نوايا صادقة، وأعمال صالحة، واعتقادات حقة.
أما القلب الكافر، أو المريض بالنفاق وغيره، فهي القلوب التي أحبت الدنيا، وأبصرت إليها، فعميت عن النور والحق، فامتازت بالخطايا والذنوب، وختمت بالطبع والأقفال، ولعل هذا هو المقصود بقول الصادق كما جاء في مجمع البيان، أن القلب السليم هو القلب الذي سلم من الدنيا، ويؤيده قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «حب الدنيا رأس كل خطيئة» [288] .

إذاً، مَن يأتي الله تعالى بقلب سليم في الآخرة، هو الذي أتى عباد الله تعالى بالقلب السليم في الدنيا، لأنّ القرآن الكريم فيما عرض له من أوصاف وأحوال وتجلّيات هو لا يتحدّث عن مجردات، بل عن حقائق لا بدّ أن تتجلّى في قلب الإنسان وفي سلوكه أيضاً، بحيث تكون هناك ترجمة لهذه الأوصاف في النظر والعمل معاً، باعتبار أن السياق القرآني فيما أُتي عليه من أحداث، وفيما تجلّت به هذه القلوب من أعمال، يؤكّد على أن السلامة في القلب لا بدّ أن تترجم في حياة الناس، سواء الخاصة أم العامة، ولهذا جاء في الحديث عن الإمام علي (عليه السلام): «التواضع درجات، منها أن يعرف المرء قدر نفسه، فينزلها منزلتها بقلب سليم، لا يحب أن يأتي إلى أحد إلاّ مثل ما يؤتى إليه. إن رأى سيئة درأها بالحسنة، كاظم الغيظ، عافٍ عن الناس، والله يحب المحسنين» [289] .

كما أن ما عرضنا له من آيات مباركة في هذا المبحث يُفيد هذه الحقيقة لجهة تأكيد الآيات على لين القلوب وخشوعها، والصبر على الابتلاء، وإقامة الصلاة، ونصرة الحق، والاهتداء بنور الله تعالى، والإنفاق في طاعة الله تعالى، إلى غيرها من الآيات التي إن جمعت وضمّت بعضها إلى بعض أفادت أن القلوب السليمة لا بدّ أن تتجلّى في السلوك أيضاً، بحيث يصدر الإنسان عن أمر الله ونهيه، وتكون له تجلّياته العملية في صناعة الواقع وترشيد الناس، والدعوة إلى الحق، والإحسان، ودفع السيئة بالحسنة إلى غير ذلك مما ينبغي أن يتّصف به القلب السليم في العلم والعمل...
يبقى أن نُشير في ختام هذا المبحث إلى عدّة مسائل نرى أن بعض الباحثين قد خلط القول فيها دون تميّز بين القلوب وما يمكن أن يمتاز به كل إنسان عن إنسان آخر فيما يكون له من حالات وتجلّيات، حيث سأل بعضهم عمّا إذا كان صاحب القلب السليم يمل من العبادة ومن الذكر إلى غير ذلك مما رأوه للقلوب من حالات، وخاصة القلب السليم، وقد رأى بعضهم أن القلب السليم لا يملّ من الذكر والعبادة كما يملّ البدن، بل له حالة حضور وتواصل في العبادة إلى حدّ ضيق الزمان والمكان عن الإتيان بها، وقالوا: إنّه من علامات صحة القلب وسلامته أن يتعب الجسد في الخدمة ولا يملّ القلب، لأن الذي يحرّك العبد من داخله هو محبّة الله تعالى ورجاء التلذّذ بالنظر إلى وجهه الكريم، مستدلّين على ذلك بقوله تعالى: ﴿ وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى (19) إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى [290] .

وهنا تجدر الإشارة إلى أن بعض الباحثين قد خلط في معنى سلامة القلوب، كما خلط في معنى العبادة لله تعالى، ساهين عن أن حالات البشر وتجلّياتهم تختلف باختلاف استعداداتهم وحالاتهم الروحية والعقلية، إذ من البشر من تحقق له الفناء عن نفسه، ومنهم من تأخذ به الأنا إلى حدّ الفجور، ومنهم من تتوسّط حالته فيكون فيه الإيمان والنفاق، كما جاء عن الإمام الباقر (عليه السلام) في أنواع القلوب،... والكلام ذاته يمكن أن يُقال في العبادة التي يتراوح أمرها بين أن تكون عبادة التجّار، أو عبادة العبيد، أو عبادة الأحرار كما في الحديث عن الإمام علي فليس كل إنسان فيما له من قلب سليم قادر على أن يتجلّى في قلبه إلاّ على ما استوى عليه من حالة إيمانية. ولا شكّ في أن القلب السليم الذي يأتي ربه يوم القيامة، ليس قلباً واحداً، وإنما هو قلب له منازل ودرجات وحالات وتجلّيات، فمنهم من تجلّى حتى رأى الملكوت، ومنهم مَن تجلّى وكانت له السلامة في دار الخلود، ومنهم مَن تجلّى فكان قاب قوسين أو أدنى من الصعود، ومنهم مَن أنعم الله عليه بما اختاره لنفسه، فكان له مقام التجلّي في منازل الرضوان الذي لا يكون الفوز في الجنة شيئاً إزاءه، كما قال الله تعالى: ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [291] ، وهم النبيون والصدّيقون والشهداء والصالحون، كما بيّن القرآن الكريم.

وكيف كان، فإنه يمكن القول بالتمايز في أوصاف القلوب السليمة، بحيث يكون لكل إنسان درجته ومنزلته، بدليل ما نجده من حالات الناس المختلفة في العبادة والذكر، إذ منهم مَن يملّ من العبادة والذكر، ومنهم مَن هو زين للعابدين، وأمير للمؤمنين، ويعسوب الدين، ومباشر لروح اليقين لا يملّ في عبادة ولا في ذكر، وقلبه دائم الحضور في التجلّي والظهور، وهذا المقام هو مقام الأنبياء والأولياء الذين سمّاهم القرآن بالمخلَصين، وجعلهم قدوة للناس، كما في قوله تعالى: ﴿ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [292] ، أما ما عدا هؤلاء ممَّن تباينت حالات التجلّي لهم في الأنفس والآفاق، فإنه يمكن القول باختلاف الدرجات وتمايز الأوصاف، وتباين الحالات، ولعلّ هذا هو مفاد ما لحظه العلاّمة مطهّري (قده) في كتابه التربية والتعليم، حيث جمع نصوص القلب لأمير المؤمنين(عليه السلام) ليؤكّد على أن للقلوب أدباراً وإقبالاً، كما في قوله : إنّ للقلوب إقبالاً وإدباراً، فإن أقبلت فاحملوها على النوافل، وإن أدبرت فاقتصروا بها على الفرائض» [293] .

يقول العلّامة مطهري: «يتّضح من كلام الإمام (عليه السلام) أنه ناظر إلى العبادات وأنه لا يمكن فرضها على القلوب، بل يجب إدخالها إلى القلب بلطف حتى في العبادة، لأنّ هذه الأخيرة لو فرضت على روح الفرد، فإنها ستخلف آثاراً سيئة على الإنسان...» [294] . فالعلاّمة مطهّري، يريد التأكيد في منهاج التربية، على أن القلوب التي هي الأرواح تملّ كما تملّ الأبدان، مستشهداً بكلام الإمام (عليه السلام): «فابتغوا لها طرائف الحكمة» [295] .

وهكذا، فإنّ كلام الإمام يأتي في توصيف حالات الناس واستعداداتهم ومدى ما لهم من قدرات في الإقبال على الحق والقيام به والصبر عليه والصدور عنه، إلاّ أن ما ينبغي التركيز عليه هو أن أصحاب القلب السليم لهم تمايز في درجات الحضور والتجلّي، والمصداق الأبرز لهذا الحضور والتجلّي هو الأنبياء والأولياء مع اختلاف أيضاً في درجات حضورهم، وأسرار تجلّياتم، فإذا كان هناك من الناس من أقبل قلبه، فليس معنى ذلك أنه لا يملّ من ذكره وعبادته لله تعالى، أو من الدعوة إليه، سواء على مستوى الواقع أم على مستوى النفس، لأن قول الإمام فابتغوا لها طرائف الحكمة، هو مرشد إلى أن التوفر الدائم على هذه الطرائف لا بدّ أن يساعد أصحاب القلوب على دوام الحضور والتجلّي، نعم قد يحصل الملل، وقد يتعب الجسد، إلاّ أن الروح تبقى متوقدة، وبقدر ما يكون للإنسان من وعي وعقل عن الله تعالى، بقدر ما يكون له من تمايز في التجلّي في القول والعمل. وبما أن الناس يختلفون ويتبايتون في حالاتهم، فإنه قد يكون منهم الملل في الجسد والقلب معاً، وهذا ما عبّر عنه الإمام بقوله: «فإنّ القلب إذا أكره عمي». وعمى القلب هنا ليس سوى الموت عن الذكر والعمل معاً. فالقلوب أوعية وخيرها أوعاها، وهي بقدر ما يكون لها من الوعي، يكون لها من التجلّي، وإذا كانت طرائف الحكمة سبباً لإقبال القلوب، فكيف بحالات وتجلّيات مَن جعلهم الله تعالى أسباباً لهذه الطرائف، وخصّهم بجوامع الكلم؟ والحق يقال: إنّ ما ينطبق على هؤلاء الصدّيقين، لا ينطبق على سواهم، لأنهم أصحاب القلب السليم، والهداة إلى ربّ العالمين،... وباختصار يمكن القول: إنّ القلب الذي يعبد الله كأنّه يراه، هو غير الذي يعبد الله تعالى عبادة التجّار، أو العبيد، كما أنه غير الذي يعبد الله تعالى على حرف...!؟.



 

خاتمة: القلوب بين عالم الأمر وعالم الخلق

 

 

إذا كانت خاتمة كل بحث علمي تشكّل خلاصة البحث، وتقدّم رؤية كاملة عمّا يريد أن يخلص إليه الباحث في عمله من حيث ترتيب الأفكار وتنظيمها على النحو الذي يسمح بتبيان حقيقة الموقف أو النظرية التي يُراد إبرازها، فإنّ خاتمة هذا البحث يمكن أن تكون بمثابة التأسيس لبحوث مقبلة لكونها ليست مجرّد خلاصة لما استوفيناه من مباحث، بل هي، بالإضافة إلى ذلك، تنطوي على مبحث جديد ما كان يمكن التوقف عنده لولا أن بحوث هذه الدراسة قد أتت على كثير من النتائج المهمة، ولعلّ أهم ما يمكن أن نعرض له في ضوء ما خلصنا إليه من نتائج، هو أن محورية عمل الباحثين والفقهاء كانت كلها قائمة على أن الروح والنفس، أو بشكل عام، اللطيفة الربّانية المدركة العالمة المثابة والمعاقبة التي لها تعلّق بهذا البدن الجسماني، هي سرّ تحقق الإنسان في الوجود، وسبب عالميته بحقائق الأشياء، فهم تارة يتحدثون عنها بلغة القلب، وتارةً بلغة النفس، وثالثة بلغة الروح، ولكن الحقيقة هي أن كل هذه المفردات ليست شيئاً آخر غير الروح أو النفس الإنسانية التي هي جوهر العقل، وقد أضافها الله تعالى إلى نفسه تشريفاً لها، كما في قوله تعالى: ﴿ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي ﴾ . ولهذا، فإنّ اختلاف المفردات فيما جاءت به من سياق قرآني ليس اختلافاً جوهرياً من حيث المعنى والمفهوم، لكون القلوب والعقول، وكل ما يشكل وعياً وفكراً وإرادة وعواطف وأحاسيس كله يعبّر عنه بهذه اللطيفة الربانية. التي أراد الله تعالى لها أن تكون مدبرة وعالمة وعاقلة من حيث هي وحدة حقيقية، ومبدأ الأفعال الإنسانية، باعتبار أنه لا توجد مناطق نفوذ في جسم الإنسان ليكون لكل عضو عمله ومملكته وأوامره الخاصة به، وإلاّ اضطرب حاله، وكان مآله إلى التفرق، واستحال أمره إلى العبث في وجوده لتشتّت حاله واختلاف منازعه فيما يحب أو يكره، إلى غير ذلك مما يؤدّي به إلى عدم التكامل. وبما أن الله تعالى أراد له أن يتكامل في وجوده وأعماله، فذلك يحتّم خلقاً ووجوداً بأن يصدر الإنسان في أفعاله عن وحدة في نفسه وروحه وعقله، وفي كل شأن من شؤونه. وإذا كانت المفردات القرآنية قد اختلفت في التعبير عن حاله، فهي بالتأكيد لم تختلف في مآلاته وفيما يؤول إليه من نضج في أحواله، بحيث تكون له وحدته الحقيقية التي يؤكد من خلالها على تحققه في الإيمان والعمل، بحيث يكون له تمام الكدح في تجلّياته، وهذا ما يفسّره قوله تعالى: ﴿ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ ، لأن القلب هو سرّ تعلّق الروح، وملاك التحقق الإنسان فيما يكون له من تحولات وتقلّبات تؤدّي به في ضوء الوحي والعقل إلى أن يكون له صيرورة تكاملية يرجع بها إلى الله تعالى.

وإذا كان القلب هو سرّ تعلّق الروح، فإنّ هذه الأخيرة تكون سرّ التحقق في الوجود من حيث كونها مضافة إلى الله تعالى، وتشكّل جوهر العقل والقلب وكل القوى التي تصدر عن حقيقة تعلقها، ولهذا نجد أن القرآن لم يأتِ على مفردة، أو عبارة القلب في أي إضافة تشريفية إلى الله تعالى، كما هو حال الروح، أو النفس، حيث قال الله تعالى: ﴿ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي ... [296] ، وقوله تعالى: ﴿ وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ... [297] ، فهو لم يأتِ على أي مفردة تعطي القلب تحيّزاً أو تعلّقاً مستقلاً في العقل والتأثير، فضلاً عن التدبير، وهو وإن كان له شيء من ذلك، فإنما يكون له من خلال حقيقة تعلقه بالروح التي هي سرّ ملكوتي في جثّة ناسوتية. وقد شبّهها بعض أهل العرفان بأنها كالجوهرة في صندوق، فإذا أخذت منه لم يعد للصندوق معنى أو قيمة، ثم إنّ معنى أن لا يضاف القلب أو العقل، أو الفؤاد، أو الصدر إلى الله تعالى في أي آية قرآنية مثلما أضيفت الروح والنفس إليه تعالى، معناه أن يتدبّر الإنسان جيداً في ما يعنيه عالم الأمر وعالم الخلق في القرآن، لكون المنهجية الموضوعية تفترض على الباحث أن لا يتوقف عند الآيات والمفردات الخاصة بموضوع بحثه وحسب، وإنما عليه أن يلحظ الآيات ذات التعلق بموضوع البحث من حيث المؤديات والنتائج، بحيث يكون له إحاطة شاملة بالرؤية القرآنية حول متعلقات كل المفردات القرآنية التي لا بدّ أنها تلتقي في كمال نضجها عند حقيقة تعلقها والذي هو الروح، أو النفس، وقد قيل: «إنّ حقيقة الإنسان واقعة بين عالمين، أحدهما عالم الاتحاد وهو جميعه قرب في قرب ونور في نور، ويُقال له عالم الأمر، كما في قوله تعالى: ﴿ وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ [298] ، وثانيهما: عالم الأغيار (الغربة) وهو جميعه بُعد في بعد، وظلمة في ظلمة، ويسمى عالم الخلق، حيث قال تعالى: ﴿ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ [299] والروح من عالم الأمر أرفقت بالإنسان، والنفس ذكر من عالم الخلق وقرنت به وكلاهما راجعان إلى مرجع إلهي، أحدهما سرّ لطفه قائم بجماله، والآخر سرّ قهره قائم بجلاله وما يرجع إلى الإنسان هو القلب الذي هو واقع بين إصبعي اللطف... ومن هنا لم يرد ذكر اسم القلب بالنسبة لله تعالى ...

إنّ الله تعالى خلق الإنسان ليكون له معنى الاتحاد مع روحه، بحيث يرتقي في قلبه وعقله ونفسه إلى عالم الوحدة والوصال لما شرّف به الإنسان من لطيفة ربّانية تعلّقت به من عالم الأمر، فإذا ما تحقق بها وصدر عنها، فإنه يكون في موته وحياته تعبيراً عنها وتجلياً لها، ويكون قلبه وكل قواه ذات التعلق بهذه اللطيفة تابعاً لها، لأن كل شيء في حياته وموته يرجع إلى أصله، ويتبع حقيقة تعلقه، وهذه الأسرار الإلهية ما كان الإنسان ليهتدي إليها لولا الوحي الذي أرشد الإنسان إلى حقيقة أمره، وحذّره من هوى نفسه، فقال له: ﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ [300] ، وهذه الملاقاة إنما تكون بحقيقة متعلقات هذه الروح التي أضافها الله تعالى إليه، ليدلّل على أنها من عالم أمره، وإذا لم يتحقق الإنسان بها قولاً وفعلاً، إيماناً وعملاً، فإن قلبه لن يكون مستوياً على سرّ أمرها، بل تكون له متعلقات نفسانية تخرجه من عالم الأمر ليكون في عالم الخلق، عالم الظلمة والهجران، وهذا ما لحظه الغزالي في رسائله، مبيناً أن النفس الإنسانية لفظ مشترك بين معنيين، أحدهما يراد به المعنى الجامع لقوى الغضب والشهوة في الإنسان، وهذا ما عبّر عنه بقول الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم): «أعدى عدوّك نفسك التي بين جنبيك» [301] .

والمعنى الثاني: يُراد به اللطيفة الربانية التي تشكّل حقيقة الإنسان ونفسه وذاته، ولكنها توصف بأوصاف مختلفة بحسب اختلاف حالاتها، فإذا سكنت تحت الأمر وزايلها الاضطراب بسبب معارضة الشهوات سمّيت النفس المطمئنّة، قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً [302] . والنفس بالمعنى الأول لا يتصوّر رجوعها إلى الله تعالى، فإنها مبعدة عن الله تعالى وهي حزب الشيطان، وإذا لم يتمّ سكونها ولكنها صارت مدافعة للنفس الشهوانية سمّيت النفس اللوّامة، فإذا تركت الاعتراض وأذعنت لمقتضى الشهوات ودواعي الشيطان سمّيت النفس الأمّارة بالسوء» [303] .
إنّها لطيفة ربّانية واحدة تعلقت بالقلب الإنساني بما هو قلب معنوي روحي مخصوص بالذاتية والكلية، كما بينّا في ثنايا هذه الدراسة، فهو قلب ينفعل عنها في سرّ وحدته، ويعود إليها في معنى تعلّقه وتشريفه، ولكنه ليس متعلقاً ذاتياً فيما خصّت به الروح من عالم الأمر، لكونه قلباً تابعاً مشايعاً لها، فإن كان له تجليات الروح، كانت له الوحدة والنور، والاتحاد والفوز بالقرب والوصال، وأما إن كان مشايعاً للنفس الأمّارة بالسوء، فهو لن يعود إلاّ إلى ظلمته، مختوم عليه، قلب مطبوع عليه بما آثر من هوى وفجور...

وانطلاقاً من ذلك، نرى أن أهل العرفان والتحقيق قد جمعوا بين المعاني التي للقلب والعقل والروح والنفس، بأنها ذات تعلّق واحد تشترك في معنيين أحدهما ما لهذه المفردات من حقائق مادية وتعبيرات نفسانية، والثاني: ما لها من تعلّقات باللطيفة الربانية، فيكون لها جميعاً معنى وسرّ عالم الأمر. فإذا اهتدى الإنسان في حقيقة روحه ونفسه وقلبه وعقله بما خصّه به الوحي من بيان وتعليم وتسليم، فإنّه لا بدّ أن تكون له تابعية حقيقية إلى عالم الأمر، وإلاّ استغرقته الظلمة والهجران وفاز بهوى النفس وتابعية الشيطان، وهذا هو سرّ الوحدة في الإنسان، ولعلّ ما ذهب إليه أهل التحقيق في معنى برزخية القلب يرشد إلى هذا، حيث رأوا أن للقلب معنىً ثالثاً هو المراد في كثير من الروايات الإسلامية، وهو مرتبة من مراتب الروح الإنسانية التي تقع في الوسط، وهي برزخ بين الروح والقلب الجسماني، وليس القلب بهذا المعنى الثالث مثل الروح المجرّدة والشفّافة والمطلقة. وهذا ما نرى فيه تأسيساً جديداً لمعنى القلب بما هو سرّ مخصوص بالتابعية، حيث نرى في هذا التأسيس أن القلب عند أهل المعرفة والتحقيق، يُعطي حيثية ارتباط ومعنى التعلق بهذه اللطيفة لكونه خصّ بكثير من الآيات للتدليل على معناه فيما يكون له من تجلّيات، سواء في عالم الأمر أم في عالم الخلق، لكونه قلباً، على حدّ تعبير أهل العرفان، له حقيقة المصاحبة والإلفة، فإن كان روحانياً يذهب مع الروح إلى عالم الوحدة ويفوز بنور القرب.. وإذا كان قد صار نفسانياً يقع مع النفس في عالم الكثرة ويبتلى بظلمة البعد، يقول أهل المعرفة [304] «الذين تكون أرواحهم وقلوبهم في عالم الوحدة يأخذون نفوسهم وأبدانهم معهم لثبوت حقيقة التعلق، وأرواح وأبدان الذين نفوسهم وقلوبهم في عالم الكثرة تلتحق بعالم الكثرة أيضاً لثبوت حقيقة التعلق، ويصبح عالم الأمر دار السرور وجنّات النعيم، وعالم الخلق دار البوار والعذاب الأليم.. ».

نروم في خاتمة البحث التأكيد على أن كلا العالمين، الأمر والخلق، ما كان يمكن للإنسان أن يهتدي إلى حقيقة التعلق بهما لولا أن الوحي قد أرسى قواعد، وبيّن حقائق ما يكون للقلوب من تعلقات بما خصّ به الإنسان في ذات نفسه من معنى وتشريف إلهي بدأ مع استخلاف الإنسان في الأرض، لأن هذا الاستخلاف، كما بيّن القرآن، هو من مقدمات، بل من شروط التحقق في عالمي الوحدة والكثرة، فإذا لم يهتدِ الإنسان بما خصّ به من تعلّق ربّاني، فلن تكون له تحولاته وتقلباته التي تؤول به إلى السعادة في الدارين، وكلما استطاع الإنسان الأخذ بما خصّه الله تعالى به من هداية للخروج من الظلمات إلى النور، كلما استطاع أن يرتقي في مدارج التحقق الإنساني ليؤول به أمره في النهاية إلى مزيد من التحقق في عالم الأمر، وقد عرفنا كيف أن الروايات الإسلامية عن أهل البيت قد ميّزت بين القلوب بما يكون لها من متعلقات، مبيّنة أن القلب المفتوح هو المتجلّي بمصابيح النور، خلافاً للقلب المطبوع أو القلب المنكوس...، وإذا كانت هذه الروايات قد اختلفت في ذكر القلوب بين أن تكون أربعة أو ثلاثة، فذلك ليس سوى اختلاف في التعبير والتوصيف، لكون الروايات قد جمعت بين القلب المريض بالنفاق، والقلب المطبوع، فتكون القلوب ثلاثة في الجمع، وأربعة في التفريق كما في الرواية عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام).

غاية القول: إن القلب السليم هو القلب الذي يأتي الله تعالى غداً وهو مستوٍ على حقيقة المعنى والسير في عالم الأمر، فيلحق بسره، ويكون له حق نوره وملكوته بما اهتدى به من أمر إلهي خصّ به ليكون له الفوز العظيم في دار الخلود والنعيم كما قال الله تعالى: ﴿ لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِندَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [305] . والحمد لله ربّ العالمين



 

المصادر والمراجع

 


1 ـ القرآن الكريم.
2 ـ نهج البلاغة.
3 ـ ابن أبي جمهور الإحسائي، عوالي اللئالي العزيزية في الأحاديث النبوية، قم، 1983م.
4 ـ ابن أبي جمهور الإحسائي، عوالي اللئالي العزيزية في الأحاديث الدينية، تحقيق السيد مرعشي، قم، 1403هـ.
5 ـ ابن الجوزي، أبي الفرج جمال الدين، تفسير القرآن، دار الفكر، بيروت، 1407هـ.
6 ـ ابن سينا، الإشارات والتنبيهات، شرح نصير الدين الطوسي، تحقيق سليمان دنيا، مؤسسة النعمان، بيروت، 1992م.
7 ـ ابن شعبة الحراني، كتاب تحف العقول في آل الرسول ، تحقيق غفاري، قم، 1442هـ.
8 ـ ابن شهر آشوب المازندراني، متشابه القرآن ومختلفه، انتشارت بيدار، قم، (لا ـ ت).
9 ـ ابن قيم الجوزية، التبيان في أقسام القرآن، بيروت، (لا ـ ت).
10 ـ ابن كثير، أبي الفداء اسماعيل، تفسير القرآن، دار المعرفة، بيروت، 1412هـ.

11 ـ ابن منظور، محمد بن مكرم،لسان العرب، دار المعارف، مصر،(لا ـ ت).
12 ـ أبو حامد الغزالي، إحياء علوم الدين، دار الهادي، بيروت، 1992م.
13 ـ أبو حامد الغزالي، مجموعة رسائل، دار الكتب العلمية، بيروت، 1986م.
14 ـ أبو حامد الغزالي، منهاج العابدين الى جنة رب العالمين، تحقيق حلاوي، دار البشائر الاسلامية، بيروت، 1997م.
15 ـ أبو هلال العسكري، معجم الفروق اللغوية، مؤسسة النشر الاسلامي، قم، 1413هـ.
16 ـ الإمام علي بن أبي طالب ، نهج البلاغة، المعجم المفهرس لألفاظ نهج البلاغة، كاظم محمد، ومحمود دشتي، دار الأضواء، بيروت، 1986م.
17 ـ البرقي، أحمد بن محمد بن خالد، كتاب المحاسن، تحقيق جلال الحسيني، دار الكتب الاسلامية، (لا ـ ت).
18 ـ جعفر السبحاني، مفاهيم قرآنية، مؤسسة الإمام الصادق ، قم، 1428 هـ.
19 ـ جوادي آملي، الإمام علي بن موسى الرضا والقرآن، دار الصفوة، بيروت، 1994م.
20 ـ الحر العاملي، الفصول المهمة في أحوال الأئمة، قم، 1418هـ.

21 ـ حسن القبانجي، مسند الإمام علي ، تحقيق طاهر إسلامي، مطبعة الأعلمي، بيروت، 2002م.
22 ـ حسن المصطفوي، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، وزارة الإرشاد الإسلامي، قم، 1417م.
23 ـ الدامغاني، قاموس القرآن، دار العلم للملايين، بيروت، 1985م.
24 ـ الراغب الأصفهاني،معجم مفردات ألفاظ القرآن الكريم، دار الفكر، بيروت، (لا ـ ت).
25 ـ الزبيدي، محمد بن مرتضى، تاج العروس من جواهر القاموس، مكتبة الحياة، بيروت، (لا ـ ت).
26 ـ الزمخشري، محمود بن عمر، تفسير الكشاف، دار الكتب العلمية، بيروت، 2009م.
27 ـ زين الدين العاملي، الصراط المستقيم إلى مستحقي التقديم، تحقيق البهبودي، مطبعة الحيدري، المكتبة الرضوية، (لا ـ ت).
28 ـ سيد قطب، معالم في الطريق، دمشق، (لا ـ ت).
29 ـ الشريف الرضي، تلخيص البيان في مجازات القرآن، دار الأضواء، بيروت 1986م.
30 ـ الشوكاني، محمد بن علي، تفسير القرآن فتح القدير، عالم الكتب، الرياض، 1410هـ.

31 ـ الشيخ الصدوق، معاني الأخيار، تحقيق غفاري، انتشارات اسلامي، 1361هـ.
32 ـ الشيخ المفيد، محمد بن النعمان، كتاب الاختصاص، تحقيق غفاري، جماعة المدرسين في الحوزة العلمية، قم، (لا ـ ت).
33 ـ صالح عضيمة، مصطلحات قرآنية، الجامعة الإسلامية، درا النصر، بيروت، 1994م.
34 ـ صبحي الصالح، مباحث في علوم القرآن، دار العلم للملايين، بيروت، 1995م.
35 ـ صدر الدين الشيرازي، المعروف بملا صدرا، مفاتيح الغيب، مؤسسة مطالعات، إيران، (لا ـ ت).
36 ـ الطباطبائي، محمد حسين، تفسير الميزان، مؤسسة الأعلمي، بيروت، 1991م.
37 ـ الطبرسي، الفضل بن الحسن، تفسير مجمع البيان، مؤسسة الأعلمي، بيروت، 1995م.
38 ـ الطوسي، محمد بن الحسن، التبيان في تفسير القرآن، مكتب الإعلام الإسلامي، طهران، 1409هـ.
39 ـ عارف هنديجاني فرد، الفوز العظيم والخسران المبين في القرآن الكريم، جمعية القرآن الكريم، لبنان، 2014م.
40 ـ عارف هنديجاني فرد، الوعد والوعيد في القرآن المجيد، جمعية القرآن الكريم، لبنان، 2014م.

41 ـ عارف هنديجاني فرد، حوار الأديان في القرآن الكريم، جمعية القرآن الكريم، لبنان، 2014م.
42 ـ عارف هنديجاني فرد، علوم القرآن عند العلامة الطباطبائي، جمعية القرآن الكريم، لبنان، 2013م.
43 ـ عبد الحسين دستغيب، القلب السليم، ترجمة كوراني، دار البلاغة، بيروت 2000م.
44 ـ عبد الرحمن العيسوي، مناهج البحث العلمي، دار الراتب الجامعية،الإسكندرية، مصر، 1997م.
45 ـ عبد الله شبر، الأنوار اللامعة في شرح الزيارة الجامعة، مؤسسة الوفاء، بيروت، 1983م.
46 ـ عبد الهادي الفضلي، أصول البحث العلمي، الجامعة العالمية للعلوم الاسلامية، بيروت، دار المؤرخ العربي، 1992م.
47 ـ فخر الدين الرازي، التفسير الكبير، مجموعة مصادر، دار إحياء التراث، (لا ـ ت).
48 ـ فخر الدين الطريحي، مجمع البحرين، مؤسسة الوفاء، بيروت، 1991م.
49 ـ الفيروز آبادي، مجد الدين محمد بن يعقوب، القاموس المحيط، دار إحياء التراث العربي، 1417م.
50 ـ الفيض الكاشاني، تفسير الصافي، تحقيق الأعلمي، مؤسسة الهادي، قم، 1416هـ.

51 ـ الغديري، عبدالله عيسى ابراهيم، القاموس الجامع للمصطلحات الفقهية، دار المحجة البيضاء، بيروت، 1998م.
52 ـ القرطبي، أبي عبدالله بن أحمد الانصاري، الجامع لاحكام القرآن، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1405م.
53 ـ القمي، ابن الحسن على بن إبراهيم، تفسير القرآن، مؤسسة الكتاب، 1404هـ.
54 ـ القمي، ميرزا أبو القاسم، قوانين الاصول، قم، طبعة حجرية، 1231هـ.
55 ـ الكراجكي، أبو الفتح بن علي، كنز الفوائد، مكتبة المصطفوي، قم، 1410هـ.
56 ـ الكليني، محمد بن يعقوب، أصول الكافي، مطبعة الحيدري، دار الكتب الإسلامية، 1388هـ.
57 ـ ماهر عبد القادر، فلسفة العلوم الطبيعية، دار المعرفة الجامعية، الاسكندرية، مصر، 1980م.
58 ـ محمد الريشهري، ميزان الحكمة، دار الحديث، قم، 1994م.
59 ـ محمد باقر المجلسي، بحار الأنوار، مؤسسة الوفاء، بيروت، 1986م.
60 ـ محمد جواد مغنية، تفسير الكاشف، دار العلم للملايين، بيروت، 1981م.

61 ـ محمد جواد مغنية، فلسفة الأخلاق في الاسلام، بيروت، دار الجواد، 1992م.
62 ـ محمد عبده، شرح نهج البلاغة، مطبعة الأعلمي، بيروت، 2002م.
63 ـ محمد عمر، خارطة المفاهيم القرآنية، دمشق، دار الفكر، 2009م.
64 ـ محي الدين النووي، المجموع في شرح المهذب، دار الفكر، بيروت، (لا ـ ت).
65 ـ مرتضى مطهري، التربية والتعليم في الإسلام، المنامة، مكتبة فخراوي، 1993م.
66 ـ مرتضى مطهري، الكون والتوحيد، دار الامير، بيروت، 1993م.
67 ـ مرتضى مطهري، مفاهيم إسلامية، دار التيار الجديد، بيروت، 1988م.
68 ـ المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، إشراف حسن عطية، محمد شوقي أمين، مصر، (لا ـ ت).
69 ـ المفيد محمد بن نعمان، تصحيح اعتقادات الإمامية، دار المفيد، بيروت، 1414 هـ.
70 ـ مكارم الشيرازي، نفحات القرآن، مدرسة الإمام علي بن ابي طالب ، قم، 1426 هـ.

71 ـ منير بعلبكي، قاموس المورد، دار العلم للملايين، بيروت، 1980م.
72 ـ مهدي الآصفي، الإمام الحسين وعاشوراء، المجمع العالمي لأهل البيت ، 1427هـ.
73 ـ مولى محمد صالح المازندراني، شرح أصول الكافي، طهران، مكتب الإعلام الإسلامي، 1416هـ.
74 ـ الميرزا محمد المشهدي، تفسير كنز الدقائق، تحقيق دركاهي، دار الغدير، قم، 2003م.
75 ـ نعمان التميمي المغربي، دعائم الإسلام، تحقيق أصغر فيضي، دار المعارف، 1963م.
76 ـ النيسابوري، محمد بن الفتال، روضة الواعظين، تحقيق حسن الخرسان، إيران، منشورات الرضا، (لا ـ ت)،
77 ـ هاشم البحراني، البرهان في تفسير القرآن، بيروت، دار الهادي، 1992م.
78 ـ اليزدي، محمد تقي المصباح، إلسير الى الله، ترجمة الخاقاني، دار الولاء، بيروت، 2008م.
79 ـ اليزدي، محمد تقي المصباح، معارف القرآن، الدار الإسلامية، بيروت، 1989م.


[1] سورة البقرة، الآية: 38.
[2] ﴿ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى ﴾ (سورة الأعراف، الآية: 172).
[3] سورة الأنعام، الآية: 122.
[4] مطهري، مرتضى، مفاهيم إسلامية، دار التيار الجديد، بيروت، ط1، 1988، ص59.
[5] وفي حديث آخر، قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) حين سُئل أين الله؟ فقال: عند المنكسرة قلوبهم... انظر: الشهيد الثاني، (ت 966هـ)، منية المريد في آداب المفيد والمستفيد، مكتب الإعلام الإسلامي، قم، ط1، 1409هـ، ص122.
[6] انظر: المجلسي، بحار الأنوار،م. س، ج55، ص39.
[7] عرَّف الأصوليون المنطوق والمفهوم، بأنّ المنطوق هو ما دلّ عليه اللفظ في محلّ النطق، والمفهوم هو ما دلّ عليه اللفظ لا في محل النطق، هكذا عرفوهما وفي المعنى فإن المعيار في الفرق بينهما هو كون حالة المدلول أي الموضوع في محل النطق وعدمه، والمقصود من المدلول هو الحكم أو الوصف... وقالوا أيضاً إنه إذا تعارض المنطوق والمفهوم فيقدم المنطوق... انظر: القمي، ميرزا أبو القاسم، قوانين الأصول، (ت 1231هـ)، طبعة حجرية، ص167.
[8] نقصد بذلك أن بعض الباحثين تحدّث عن القلوب بعدد الآيات، فرأى القلب المريض يتمايز عن القلب الأعمى، والقلب المختوم غير القلب المطبوع، والقلب المطمئن غير القلب السليم.. إلخ، وهذا التقسيم من شأنه أن يُبهم الموقف القرآني ويجعله مستعصياً على الفهم، في حين إن المطلوب هو توضيح الرؤية....
[9] يرى الغزالي أن معرفة القلب وحقيقة أوصافه أصل الدين، وأساس طريق السالكين. انظر: إحياء علوم الدين، م. س، ج3، ص8.
[10] تقول الرواية عن الإمام الباقر (عليه السلام): «إنّ القلوب أربعة: قلب فيه نفاق وإيمان إذا أدرك الموت صاحبه على نفاقه هلك، وإن أدركه على إيمانه نجا. وقلب منكوس، وهو قلب المشرك، وقلب مطبوع هو قلب المنافق، وقلب أزهر أجرد، وهو قلب المؤمن فيه كهيئة السراج إن أعطاه الله شكر، وإن ابتلاه صبر». انظر: مجمع البحرين، م. س، ج3، ص538.

[11] انظر: الكافي، الكليني، م. س، ج2، ص422. يقول المازندراني في شرح أصول الكافي: «قوله(عليه السلام) القلوب ثلاثة لا ينافي ما مرّ من أن القلوب أربعة، لأنّ قوله: وقلب فيه نكتة سوداء يشمل القسمين منها وهما قلب فيه نفاق وإيمان وقلب المنافق الذي لم يؤمن يحسب الباطن أصلاً...». را: المازندراني، مولى محمد صالح، شرح أصول الكافي، م. س، ج10، ص147.
[12] سورة الشعراء، الآية: 89.
[13] سورة محمد، الآية: 24.
[14] الشيرازي، نفحات القرآن، م.س، ج1، ص18.
[15] جوادي آملي، علي بن موسى الرضا(عليه السلام) والقرآن، دار الصفوة، بيروت، 1994م، ط1، ص76.
[16] سورة الأنعام، الآية: 25.
[17] م. ع، ص77.
[18] قال تعالى: ﴿ وَالَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ ﴾ (الأنفال: 73).
[19] ﴿ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ ﴾ (التوبة: 67).
[20] سورة الحجرات، الآية: 14.

[21] سورة النساء، الآية: 136.
[22] سورة النور، الآيات: 48 ـ 50.
[23] الغزالي، إحياء علوم الدين، م. س، ج3، ص9 ـ 15.
[24] سورة الأحزاب، الآية: 60.
[25] سورة المدثر، الآية: 31.
[26] سورة الإسراء، الآية: 9.
[27] سورة آل عمران، الآية: 167.
[28] الطوسي، أبي جعفر محمد بن الحسن، التبيان في تفسير القرآن (ت 460هـ) مكتب الإعلام الإسلامي، طهران، 1409هـ، ج3، ص44.
[29] سورة التوبة، الآية 64.
[30] سورة التوبة، الآية: 77.

[31] ﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلَاةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً ﴾ (النساء: 142).
[32] انظر: الكاشاني، الفيض، تفسير الصافي، (ت 1091هـ)، تحقيق الأعلمي، ط1، 1416هـ، مؤسسة الهادي، قم، ج2، ص361.
[33] الطوسي، أبي جعفر محمد بن الحسن، التبيان في تفسير القرآن، م. س، ج5، ص265.
[34] الطباطبائي، محمد حسين، تفسير الميزان، م. س، ج9، ص35.
[35] سورة البقرة، الآيات: 8 ـ 10.
[36] سورة البقرة، الآية: 10.
[37] سورة الأحزاب، الآية: 12.
[38] سورة النور، الآية: 50.
[39] سورة يوسف، الآية: 106.
[40] الكاشاني، الفيض، تفسير الصافي، م. س، ج2، ص163.

[41] سورة الأحزاب، الآية: 12.
[42] سورة الحشر، الآية: 16.
[43] سورة الأنفال، الآية: 48.
[44] جاء في الكافي مرفوعاً إلى أبي عبد الله(عليه السلام) أنه قال: نستهدي الله بعصم الهدى ووثائق العرى، وعزائم التقوى، ونعوذ بالله تعالى من العمى بعد الهدى، والعمل في مضلات الهوى... انظر: الكافي، الشيخ الكليني، (ت329هـ)، م. س، دار الكتب الإسلامية، ط3، 1367هـ، ج5، ص371.
[45] عن النعمان بن بشير قال سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: «إنّ الحلال بيّن وإنّ الحرام بيّن، وبينهما شبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتّقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وأن لكل ملك حمىً، ألا وأن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت، فسد الجسد كلّه ألا وهي القلب. انظر: محي الدين بن النووي، المجموع في شرح المهذب (ت 676هـ)، دار الفكر، بيروت، لا ـ ت)، ج9، ص149.
[46] سورة الحج، الآية: 46.
[47] سورة الأعراف، الآية: 100.
[48] سورة التوبة، الآية: 87.
[49] سورة البقرة، الآية: 10.
[50] قال الله تعالى: ﴿  لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّواْ النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ ... ﴾ (الأنبياء: 3).

[51] قال الله تعالى: ﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ ... ﴾ (آل عمران: 7).
[52] قال الله تعالى: ﴿ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ... ﴾ (الكهف: 28).
[53] قال الله تعالى: ﴿ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ﴾ (الحج: 46).
[54] قال الله تعالى: ﴿ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ ﴾ (آل عمران: 159).
[55] قال الله تعالى: ﴿ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ... ﴾ (الحشر: 14).
[56] قال الله تعالى: ﴿ لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ ... ﴾ (آل عمران: 156).
[57] قال الله تعالى: ﴿ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ... ﴾ (آل عمران: 167).
[58] قال الله تعالى: ﴿ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ ﴾ (التوبة: 45).
[59] قال الله تعالى: ﴿ وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ نَّظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُم مِّنْ أَحَدٍ ثُمَّ انصَرَفُواْ صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُم ... ﴾ (التوبة 127).
[60] الشيرازي، مكارم، نفحات القرآن، تفسير موضوعي، م. س، ج1، ص117.

[61] سورة الجاثية، الآية: 23.
[62] الشيرازي، مكارم، نفحات القرآن، م. س، ج1، ص115.
[63] سورة البقرة، الآيتان: 6 ـ 7.
[64] ابن شهرآشوب، متشابه القرآن، م. س، ج1، ص151.
[65] م. ع، ص152.
[66] سورة الجاثية، الآية: 24.
[67] ابن الجوزي، أبي الفرج جمال الدين، (ت 597هـ)، دار الفكر، بيروت، ط1، 1407هـ، ج7، ص127.
[68] الغزالي، أبو حامد، منهاج العابدين إلى جنّة ربّ العالمين، تحقيق حلاوي، دار البشائر الإسلامية، بيروت، ط2، 1997م، ص178.
[69] سورة البقرة، الآية: 34.
[70] سورة الأعراف، الآية: 176.

[71] سورة الأنعام، الآية: 110.
[72] سورة النور، الآية: 37.
[73] سورة الرعد، الآية: 11.
[74] قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «إنّ الله تعالى لا ينظر إلى صوركم وأبشاركم، وإنّما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم». فالقلب الإنساني، كما يرى الغزالي، هو موضع نظر ربّ العالمين، فيا عجباً ممن يهتم بوجهه الذي هو موضع نظر الخلق فيغسله وينظّفه من الأوساخ... ولا يهتمّ بقلبه الذي هو موضع نظر ربّ العالمين، فيطهِّره ويزيّنه ويطيّبه، كي لا يطلع الربّ سبحانه على دنس فيه، بل يهمله بفضائح وأقذار وقبائح، لو اطّلع الخلق على واحد منها لهجروه وتبرّؤوا منه وطردوه... انظر: الغزالي، منهاج العابدين، م. س، ص176.
[75] م. ع، ص179.
[76] سورة الأنعام، الآية: 122.
[77] سورة الإسراء، الآية: 36.
[78] سورة فصلت، الآية: 46.
[79] الشيخ المفيد، محمد بن النعمان، الاختصاص، (ت 413هـ) تحقيق علي أكبر غفاري، جماعة المدرسين في الحوزة العلمية، ص198.
[80] اليزدي، محمد تقي المصباح، معارف القرآن، م. س، ج4، ص115.

[81] سورة البقرة، الآية: 38.
[82] ﴿ قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ﴾ (طه: 123).
[83] سورة العلق، الآية: 1.
[84] سورة الانفطار، الآية: 6.
[85] سورة الأعراف، الآية: 172.
[86] مطهري، مرتضى، التربية والتعليم في الإسلام، المنامة، مكتبة فخراوي، ط1، 1993م، ص33.
[87] مغنية، محمد جواد، فلسفة الأخلاق في الإسلام، بيروت، دار الجواد، ط5، 1992م، ص194.
[88] سيد قطب، معالم في الطريق، دار دمشق، (لا ـ ت)، ص219.
[89] سورة محمد، الآية: 24.
[90] سورة الحج، الآية: 46.

[91] سورة الأعراف، الآية: 179.
[92] سورة النور، الآية: 50.
[93] سورة الأنفال، الآية: 22.
[94] سورة الأنفال، الآية: 55.
[95] سورة ق، الآية: 37.
[96] سورة الحج، الآية: 46.
[97] سورة النحل، الآية: 108.
[98] سورة هود، الآية: 22.
[99] سورة الأعراف، الآية: 179.
[100] الشيرازي، مكارم، نفحات القرآن، م. س، ج1، ص.

[101] الشوكاني، محمد بن علي بن محمد، فتح القدير، م. س، ج4، ص45.
[102] سورة النمل، آية: 80.
[103] يقول سيد قطب: «فأما ما يتعلق بتفسير النشاط الإنساني كله، أفراداً أو مجمتعات، وهو التعلق بالنظرة إلى نفس الإنسان، إلى حركة تاريخه، وما يختصّ بتفسير نشأة هذا الكون، ونشأة الحياة، ونشأة هذا الإنسان ذاته ـ من ناحية ما وراء الطبيعة ـ وهو ما لا تتعلق به العلوم البحتة من كيمياء وطبيعة وفلك وطب... إلخ. فالشأن فيه شأن الشرائع القانونية والمبادئ والأحوال التي تنظّم حياته ونشاطه، مرتبط بالعقيدة الإسلامية ارتباطاً مباشراً، فلا يجوز للمسلم أن يتلقى فيه إلاّ عن مسلم يثق في دينه وتقواه... إنّ اتجاهات الفلسفة والتاريخ الإنساني وعلم النفس، ومباحث الأخلاق، والتربية وكل المذاهب الاجتماعية... هي بجملتها، فيما عدا المشاهدات والإحصائيات والمعلومات المباشرة، لا النتائج العامة المستخلصة منها... إنّ هذه الاتجاهات كلها في الفكر الجاهلي قديماً وحديثاً، متأثّرة تأثيراً مباشراً بتصورات اعتقادية جاهلية، وقائمة على هذه التصورات... وهذا كله يقتضي الحذر منها في تربية الإنسان عليها... معالم في الطريق، م. س، ص174.
[104] الإمام علي (عليه السلام)، نهج البلاغة، م. س، الخطبة: 28.
[105] سورة العنكبوت، الآية: 64.
[106] سورة الحديد، الآية: 16.
[107] الغزالي، أبو حامد، منهاج العابدين، م. س، ص183.
[108] سورة الحج، الآية: 46.
[109] سورة يونس، الآية: 57.
[110] سورة العنكبوت، الآية: 20.

[111] يقول مطهري: «إن التوحيد النظري هو إدراك لوحدانية الله تعالى، أما التوحيد العملي فهو «توحيد» ذات الإنسان والتوحيد النظري «رؤية»، أما التوحيد العملي فهو «سلوك»، والتوحيد النظري يمنح الرؤية الواضحة للكمال، أما التوحيد العملي، فهو يوجه الحركة نحو السبيل الموصلة إلى الكمال... را: مطهري، الكون والتوحيد، دار الأمير، بيروت، ط1، 1993، ص48.
[112] ابن شهرآشوب، محمد بن علي المازندراني، متشابه القرآن ومختلفه، انتشارات بيدار، قم، ط3، (لا ـ ت) ج1، ص152.
[113] سورة النساء، الآية: 155. وقال الله تعالى: ﴿ وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَل لَّعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ ﴾ (البقرة: 88).
[114] ابن شهرآشوب، متشابه القرآن، م. س، ج1، ص152.
[115] قال الله تعالى: ﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُواْ فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُواْ أَرْحَامَكُمْ (22) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ﴾ (محمد: 22 ـ 23).
[116] قال الله تعالى: ﴿ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ ﴾ (الأعراف: 101).
[117] قال الله تعالى: ﴿ كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ ﴾ (يونس: 74).
[118] قال الله تعالى﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ ﴾ (المنافقون: 3).
[119] الشيرازي، مكارم، نفحات القرآن، م. س، ج1، ص308.
[120] الشيخ الكليني، كتاب الكافي، (ت 329هـ)، تحقيق غفاري، مطبعة حيدري، ط3، 1367هـ، ج5، ص106، وقا: مع الطوسي، تهذيب الأحكام، (ت 460هـ)، تحقيق الخرسان، مطبعة خورشيد، دار الكتب الإسلامية، ط4، 1365هـ، ج26، ص321.

[121] انظر: البرقي، أحمد بن محمد خالد، كتاب المحاسن، (ت 274هـ) تحقيق جلال الحسيني، دار الكتب الإسلامية، ج1، ص200.
[122] انظر: الشيخ المفيد، كتاب الاختصاص، م. س، ص99.
[123] قال الله تعالى: ﴿ وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ﴾ (الزمر: 45).
[124] سورة المطففين، الآيات: 10 ـ 14.
[125] الشيرازي، مكارم، نفحات القرآن، م. س، ج1، ص284.
[126] النيسابوري، محمد بن الفتال. (ت 508هـ)، روضة الواعظين، تحقيق حسن الخرسان، إيران، منشورات الرضا، (لا ـ ت) ص414.
[127] يقول الغزالي: «العقل قد يطلق ويراد به العلم بحقائق الأمور، فيكون عبارة عن صفة العلم الذي محلّه القلب، وقد يطلق ويراد به المدرك للعلوم فيكون هو القلب أعني تلك اللطيفة. وقد يطلق ويراد به صفة العالم، وقد يطلق ويراد به محل الإدراك أعني المدرك، وهو المراد بقول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): «أول ما خلق الله العقل...»، انظر: الغزالي، إحياء علوم الدين، م. س، ج3، ص10.
[128] سورة الشمس، الآيتان: 7 ـ 8.
[129] يقول العلاّمة اليزدي: «إن الذنب عدوّ الإيمان، ومثلما أن العمل الصالح ينمّي الإيمان، فإنّ الذنب يضعفه ويمهّد الأرضية للكفر، إنّ الإنسان لا يقع فجأة ودون مبرر في الكفر بعد الإيمان، وإنما الذنب هو الذي يُمهد لذلك تدريجياً. وهناك موارد في القرآن تصرّح بأن الذين سقطوا بالكفر والنفاق إنّما سقطوا نتيجة لارتكاب الذنب، كما قال الله تعالى: ﴿ وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ ﴾ ، فهنا يصرّح تعالى بأن النفاق إنما ظهر في قلوب هؤلاء بسبب نكثهم للعهد ونقضهم للميثاق الذي واثقوا به الله سبحانه وتعالى وبسبب أكاذيبهم...» را: اليزدي، محمد تقي المصباح، السير إلى الله، ترجمة الخاقاني، دار الولاء، بيروت، ط1، 2008م، ص556.
[130] جاء في الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أربع خصال يمتن القلب: ترادف الذنب على الذنب، وملاحاة الأحمق وكثرة مثاقبة النساء، والجلوس مع الموتى، قيل ومن الموتى؟ . قال: كل عبد مترف فهو ميت، وكل مَن لا يعمل فهو ميت». انظر: أبو الفتح الكراجكي، كنز الفوائد، م. س، ص272.

[131] سورة محمد، الآيتان: 22 ـ 23.
[132] سورة الأعراف، الآية: 100.
[133] سورة الروم، الآية: 10.
[134] الإمام علي (عليه السلام)، نهج البلاغة، شرح النهج، ابن ميثم البحراني، (ت 679هـ)، إيران، قم، مركز النشر الإسلامي، ط1، 1362هـ، ج2، ص29، يقول: أسهب الرجل بالبناء للمفعول إذا ذهب عقله من أذى يلحقه، وأديل الحق من فلان، أي غلبه عليه عدوه...
[135] م. ع، ج3، ص59.
[136] قال الله تعالى: ﴿ الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ ... ﴾ (النجم: 32). وأصل اللمم هنا ما يعمله الإنسان المرّة بعد المرّة ولا يتعمّق فيه، ولا يقيم فيه، وقد اختلف الرأي في المعنى، والجمهور يرى أنّ اللمم هو صغائر الذنوب ....
[137] كثيرون هم الذين يتساءلون عن الذنوب التي أدّت بالأمم والحضارات إلى أن تكون على شرّ حال في الدين والدنيا، ويكفي أن نجيب على ذلك بما علمنا إياه الإمام علي(عليه السلام) في دعاء كميل إذ هو يقول: اللهم اغفر لنا الذنوب التي تغير النعم، وتهتك العصم، وتنزل البلاء، وتقطع الرجاء... فهذا جواب على أن الذنب ليس مجرد شهوة أو شبهة وحسب، بل هو يتجاوز ذلك ليكون ذنباً وحجاباً في أي عمل يأتيه الإنسان في ميادين الحياة التي يعيش فيها ويتفاعل معها. فالذنب له أثره الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، والحضاري أيضاً، وهذا ما لم يلتفت إليه كثير من العلماء في سياق التدبّر بالآيات القرآنية اللاحظة لمعنى الذنوب، حيث اقتصر التدبّر فيه على الذنب الفردي... وقد أصيبت الأمة الإسلامية بهذا الذنب ما أودي بها إلى أن تكون في تجربتها التاريخية على شرّ حال في الدين والدنيا. (المؤلف).
[138] سورة الأنفال، الآية: 33.
[139] سورة الأحزاب، الآية: 60.
[140] سورة النمل، الآية: 14.

[141] سورة الرعد، الآية: 31.
[142] قلنا سابقاً: إنّ مرض القلب يجتمع مع الإيمان، لكون الآيات القرآنية قد اشتملت على هذا المعنى، كما في قوله تعالى: ﴿ لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ  ... ﴾ (الأحزاب: 60).
وقوله تعالى: ﴿ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً ... ﴾ (المدثر: 31).
فالآيات جاءت بذكر الذين في قلوبهم مرض منفصلين عن الكافرين والمنافقين، وهنا تبدو لنا مناقشة مستفيضة بين العلاّمة الشيرازي والعلاّمة الطباطبائي، حيث رأى الأول أن المراد من ﴿ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ ﴾ في كثير من الآيات، هو نفس المنافقين، وأن العطف عطف تفسيري، في حين رأى العلاّمة الطباطبائي أن المراد بهم مرضى ضعيفي الإيمان وهم غير المنافقين، لكن هذا لا يتناسب، كما يرى الشيرازي مع المرض في القلب، إضافة إلى أنّ الآيات الثلاثة عشرة التي جاءت في أوائل سورة البقرة استعملت هذا التعبير في حقهم.
كما يبدو بُعد الرأي الذي يُفسر المرض بالترديد والشك، لأن المرض نوع من الانحراف، بينما الشك نوع من الفقدان. وبما أن ملاحظة العلاّمة الشيرازي ذات أهمية قصوى في تبيان حقيقة الموقف القرآني. فإنّ ذلك لا يُعفيه من الإجابة على سؤال من قبيل: هل يجتمع الإيمان مع المرض في القلب أم لا؟ وهل يمكن للعلاّمة الشيرازي أن يحصر معنى المرض بالانحراف، طالما عرفنا أن المرض هو الخروج عن الاعتدال الخاص بالإنسان، وذلك ضربان كما أفاد الراغب الاصفهاني، مرض جسمي، وآخر عبارة عن الرذائل كالجهل والجبن والبخل والنفاق وغيرها من الرذائل الخلقية...!؟
انظر: الراغب الأصفهاني، معجم مفردات القرآن، م. س، ص486.
فإذا قلنا بالعطف التفسيري، فذلك يكون معناه حصر المرض بالنفاق وهو أحد الأمراض التي قد تصيب الإنسان، كالبخل والجبن وغيرهما، وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «وأي داء أدوأ من البخل»، ومن هنا، نرى أن استبعاد الرأي الذي يُفسر المرض بالضعف والشك، قد لا يكون وجيهاً نظراً لكون الإنسان قد يبتلي بالأمراض النفسية ولا يكون كافراً أو منافقاً. وعليه، فإنّ القول بالعطف التفسيري يستلزم أن يكون كل مرض خلقي نفاقاً. والتالي باطل، فالمقدم مثله. على حدّ تعبير المناطقة.
انظر: الشيرازي، مكارم، نفحات القرآن، م. س، ج1، ص260، وقا: مع الطباطبائي، الميزان، م. س، ج19، ص302. وقا: مع الرازي، فخر الدين، التفسير الكبير، م. س، ج15، ص176.
[143] سورة الأنعام، الآية: 122.
[144] قال الله تعالى: ﴿ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ ... ﴾ (البقرة: 85).
[145] قال الله تعالى: ﴿ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ .. ﴾ (الممتحنة: 4).
[146] سورة إبراهيم، الآية: 7.
[147] هناك تقسيمات للكفر عرض لها الفقهاء استناداً إلى القرآن الكريم تصل إلى حدّ القول بأن هناك ثمانية أنواع من الكفر، تبدأ بكفر الجحود والألوهية والوحدانية، إضافة إلى الكفر بالنبوة والمعاد، والكفر بكل ضرورة يؤدّي الإنكار لها إلى إنكار رسالة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأيضاً هناك كفر الشك، والكفر بالتشريعات الإلهية، والارتداد: الفطري والملي، ثم كفر النعمة، وكفر البراءة.
انظر: الغديري، عبد الله عيسى إبراهيم، القاموس الجامع للمصطلحات الفقهية، دار المحجة البيضاء، بيروت، ط2، 1998م، ص482.
[148] سورة النمل، الآية: 14.
[149] سورة الفرقان، الآية: 44.
[150] را: دستغيب، عبد الحسين، القلب السليم، م. س، ص52.

[151] سورة النحل، الآية: 22.
[152] سورة البقرة، الآية: 89.
[153] سورة يونس، الآية: 66.
[154] دستغيب، عبد الحسين، م. س، ص64 ـ 65.
[155] اليزدي، محمد تقي المصباح، السير إلى الله، دار الولاء، م. س، ص256.
[156] قال الله تعالى: ﴿ خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ ﴾ (البقرة: 7).
[157] قال الله تعالى: ﴿ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ ﴾ (الأعراف: 101).
[158] قال الله تعالى: ﴿ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ ... ﴾ (المائدة: 13).
[159] قال الله تعالى: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾ (محمد: 24).
[160] قال الله تعالى: ﴿ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ ... ﴾ (الأنعام: 25).

[161] قال الله تعالى: ﴿ وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ ... ﴾ (البقرة: 88).
[162] قال الله تعالى: ﴿ سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُواْ ... ﴾ (آل عمران: 151).
[163] قال الله تعالى: ﴿ وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ ﴾ (الزمر: 45).
[164] قال الله تعالى: ﴿ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا ... ﴾ (الأعراف: 179).
[165] قال الله تعالى: ﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا ... ﴾ (الحج: 46).
[166] قال الله تعالى: ﴿ قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ ﴾ (النحل: 22).
[167] قال الله تعالى: ﴿ بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِّنْ هَذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِّن دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ ﴾ (المؤمنون: 63).
[168] سورة الإسراء، الآية: 72.
[169] سورة الأعراف، الآية: 96.
[170] سورة الأنفال، الآية: 29.

[171] سورة الأعراف، الآية: 146.
[172] سورة التوبة، الآية: 127.
[173] جوادي، آملي، علي بن موسى الرضا(عليه السلام) والقرآن الحكيم، م. س، ص76 ـ 77.
[174] سورة فصلت، الآية: 5.
[175] سورة الإسراء، الآية: 46.
[176] سورة الجاثية، الآية: 23.
[177] جوادي آملي، م.س، ص76.
[178] م. ع، ص77.
[179] سورة الأنفال، الآية: 22.
[180] سورة النحل، الآية: 22.

[181] سورة التوبة، الآية: 29.
[182] لقد بيّن العلاّمة العظيم الطباطبائي في تفسير هذه الآية ما يُثلج صدور المؤمنين، حيث قال: إنه تعالى لم يُفرق في كلامه بين الإيمان به والإيمان باليوم الآخر، فالكفر بأحد الأمرين كفر بالله والكفر بالله كفر بالأمرين جميعاً، وحكم فيمن فرّق بين الله ورسله، فآمن ببعض دون بعض أنه كافر، كما قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً (150) أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً ﴾ سورة النساء، الآيتان: 150 ـ 151. فعدّ أهل الكتاب ممّن لم يؤمن بنبوّة محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) كفاراً حقاً، وإن كان عندهم إيمان بالله واليوم الآخر، لا بلسان أنهم كفروا بآية من آيات الله وهي آية النبوّة، بل بلسان أنهم كفروا بالإيمان بالله فلم يؤمنوا بالله واليوم الآخر، كما أن المشركين أرباب الأصنام كافرون بالله إذ لم يوحّدوه وإن أثبتوا إلهاً فوق الآلهة...
انظر: الميزان، م. س، ج9، ص245 ـ 246.
[183] سورة النساء، الآية: 155.
[184] سورة الأنعام، الآية: 25.
[185] سورة الأعراف، الآية: 100.
[186] ملاك الشيء، بكسر الميم وفتحها: قوامه الذي يُملك به.
[187] الاشراك، جمع شَركَ وهو ما يصاد به، فكأنهم آلة الشيطان في الإضلال.
[188] الزَّلَل: الغلط والخطأ.
[189] الخَطَلَ: أقبح الخطأ.
[190] : كعلِمه: صار شريكاً له.

[191] الإمام علي (عليه السلام)، نهج البلاغة، م. س، الخطبة: 7.
[192] اليزدي، محمد تقي المصباح، السير إلى الله تعالى، م. س، ص257.
[193] جوادي الآملي، الإمام الرضا (عليه السلام)، والقرآن الحكيم، م. س، ص77.
[194] سورة الرعد، الآية: 31.
[195] سورة الأعراف، الآية: 101.
[196] سورة النساء، الآية: 155.
[197] سورة الكهف، الآية: 57.
[198] جاء زنديق اسمه عبد الملك إلى الإمام الصادق (عليه السلام)، فقال له الإمام (عليه السلام): أتعلم أن للأرض تحتاً وفوقاً؟ قال نعم، قال: فدخلت تحتها، قال: لا. قال له: فما يدريك ما تحتها؟ قال: لا أدري إلاّ أني أظن أن ليس تحتها شيء، فقال (عليه السلام): فالظن عجز، لما لا تستيقن؟ ثم قال (عليه السلام): أفصعدت السماء؟ قال: لا. قال: أفتدري ما فيها؟ قال: لا، قال عجباً لك لم تبلغ المشرق ولم تبلغ المغرب، ولم تنزل الأرض، ولم تصعد السماء ولم تجز هناك فتعرف ما خلفهنّ وأنت جاحد بما فيهن، وهل يجحد العاقل ما لا يعرف؟! قال الزنديق: ما كلمني أحد بهذا غيرك... قال الإمام (عليه السلام): أيها الرجل ليس لمن لا يعلم حجة على مَن يعلم، ولا حجة للجاهل...، تفهم عنّي فإنّا لا نشكّ في الله أبداً..
إلى آخر الحديث. را: الكليني، أصول الكافي، م. س، ج1، ص73.
[199] سورة الجاثية، الآية: 24.
[200] سورة الجاثية، الآية: 32.

[201] سورة يونس، الآية: 39.
[202] الشيرازي، مكارم، نفحات القرآن، تفسير موضوعي، م. س، ج1، ص290.
[203] سورة الفتح، الآية: 25.
[204] سورة الكهف، الآية: 57.
[205] انظر: الشيرازي، مكارم، نفحات القرآن، م. س، ج1، ص292.
[206] يقول صبحي الصالح في مباحث علوم القرآن: إن بعض الفقهاء قد خلطوا النسخ بالتخصيص وأساؤوا الأدب مع الله تعالى في إيثارهم لفظ التخصيص الذي اخترعوه على لفظ النسخ الذي صرّح به القرآن، هذا فضلاً عن أنهم فتحوا الباب على مصراعيه أمام الخالطين بين النسخ والإنساء، وبين النسخ والإنباء، وبين نسخ الأحكام ونسخ الأخبار، ومن مبالغاتهم أنهم قطعوا أوصال الآية الواحدة، فزعموا أن أولها منسوخ وآخرها ناسخ، كقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ... ﴾ (المائدة: 105). فإنّ آخر الآية يدعو إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو بذلك ناسخ لأولها الذي صرّح الله فيه بقوله: «عليكم أنفسكم...».
را: صبحي الصالح، مباحث في علوم القرآن، دار العلم للملايين، بيروت، ط1، ص264.
[207] سورة محمد، الآية: 12.
[208] سورة الجمعة، الآية: 5.
[209] يقول مطهري: «إن الإنسان في بدنه حيوان ثم يصبح إنساناً، فهو حيوان بالطبع، إنسان بالاكتساب، والإنسان لا يمسك بالإنسانية التي توجد فيه بالقوة والفطرة إلاّ في ظلّ الإيمان، وبتأثير العوامل التربوية الصحيحة، وما دام الإنسان لم يظفر بإنسانيته في ظلّ العوامل التربوية، فإنه يبقى ذلك الحيوان بالطبع...».
را: مرتضى مطهري، الكون والتوحيد، م. س، ص56.
[210] محمد ريشهري، ميزان الحكمة، م. س، ج3، ص2608.

[211] الشيرازي، مكارم، نفحات القرآن، م. س، ج1، ص339.
[212] لا شكّ أن الإسلام، كما يرى الشيعة الإمامية، يركّز على إدراك المعارف الإلهية، إذ لا شكّ ولا ترديد أن هذه المعارف بغض النظر عن الآثار العملية والاجتماعية المترتبة عليها، هو بنفسه هدف وغاية للإنسانية.
انظر: مطهري، مرتضى، الكون والتوحيد، م. س، ص49.
[213] دستغيب، عبد الحسين، القلب السليم، م. س، ص74.
[214] الشيرازي، مكارم، نفحات القرآن، م. س، ج1، ص292.
[215] الغزالي، أبو حامد، منهاج العابدين، م. س، ص18.
[216] سورة يونس، الآية: 57.
[217] سورة الإسراء، الآية: 82.
[218] قال الله تعالى: ﴿ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ هُدىً وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمىً أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ ﴾ (فصلت: 44).
[219] الشيرازي، مكارم، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، مؤسسة الأعلمي، بيروت، ط1، 2007م، ج5، ص497.
[220] الإمام علي (عليه السلام)، نهج البلاغة، م. س، الخطبة: 156.

[221] م. ع، الخطبة 156.
[222] م. ع، الخطبة: 110.
[223] سورة الحديد، الآية: 9.
[224] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، (ت 1111هـ)، مؤسسة الوفاء، بيروت، 1983، ج54، ص40.
[225] الإمام علي (عليه السلام)، نهج البلاغة، م. س، قصار الحكم: 388.
[226] سورة الحجر، الآية: 46.
[227] سورة الأنعام، الآية: 147.
[228] سورة يونس، الآية: 25.
[229] سورة البقرة، الآية: 71.
[230] سورة الأنفال، الآية: 43.

[231] سورة الحجر، الآية: 46.
[232] الراغب الاصفهاني، معجم مفردات ألفاظ القرآن، م. س، ص245.
[233] را: الشوكاني، محمد بن علي، فتح القدير، م. س، ج4، ص401.
[234] القرطبي، محمد بن أحمد الأنصاري، الجامع لأحكام القرآن، (ت 671هـ)، م. س، ج13، ص115.
[235] يروي القرطبي عن عروة أنه قال: «يا بني لا تكونوا لعّانين، فإن إبراهيم لم يلعن شيئاً قطّ، ﴿ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﴾ . وهنا قد يلتبس الأمر على الكثيرين ممن يبحثون في السلامة القلبية، إذ قد يرى بعضهم أن اللّعن يتنافى مع سلامة القلب، وقد حاول بعض الفقهاء والمفسرين، كما فعل القرطبي، والغزالي، وغيرهم كثير، أن يصادر على المطلوب بقولهم إن اللّعن يتنافى مع سلامة القلب، وكأنّ الله تعالى لم يلعن الشيطان، أو أهل الكفر والنفاق. فإذا أثبتنا أن الله تعالى يُعطي شرعية للّعن، لا بمعنى أن يكون الإنسان لعّاناً، وإنّما بمعنى لعن مَن أمر الله تعالى بلعنه، فإذا أثبت الشرعية، فلا تكون منافاة بين اللعن وسلامة القلب.
[236] سورة المائدة الآية: 16.
[237] قال الله تعالى: ﴿ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ﴾ (التغابن: 11).
[238] قال الله تعالى: ﴿ الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ (الرعد: 28).
[239] قال الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ ... ﴾ (المؤمنون: 60).
[240] قال الله تعالى: ﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُواْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ ... ﴾ سورة الحديد، الآية: 16.

[241] قال الله تعالى: ﴿ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ ... ﴾ (الحج: 54).
[242] قال الله تعالى: ﴿ ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾ (الحج: 32).
[243] قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ ... ﴾ (ق: 37).
[244] را: الشيخ الصدوق، معاني الأخبار (ت 381هـ)، تحقيق علي أكبر غفاري، انتشارات إسلامي، 1361هـ، ص395.
[245] يقول المازندراني: فأما القلب الذي فيه إيمان ونفاق فهم قوم كانوا بالطائف، فإن أدرك أحدهم أجله على نفاقه هلك وإن أدركه على إيمانه نجا... انظر: مولى محمد صالح المازندراني، شرح أصول الكافي، (ت 1081هـ)، بيدار، آيات، ج10، ص146.
[246] عارف، هنديجاني فرد، الوعد والوعيد في القرآن المجيد، نشر جمعية القرآن الكريم للتوجيه والإرشاد، م. س، ص164.
[247] سورة الشعراء، الآيتان: 88 ـ 89.
[248] سورة الصافات، الآيتان: 83 ـ 84.
[249] سورة الأنعام، الآية: 75.
[250] سورة طه، الآية: 32.

[251] سورة النجم، الآية: 18.
[252] سورة البقرة، الآية: 124.
[253] يكفي أن يتدبّر الباحث في معنى أن يكون القلب سليماً، فيما اختاره الله تعالى له من اسم السلام، كما في قوله تعالى: ﴿ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ .. ﴾ . فهو وصف بذلك لكونه تعالى لا تلحقه العيوب والآفات التي تلحق الخلق، فأن يأتي الإنسان ربّه بقلب سليم، معناه أن دلالة السلامة في المفردة القرآنية تتسع في المنطوق والمفهوم لتفيد معنى الشمول والجامعية لصفات الكمال الإنساني، بحيث يكون الإنسان كمال التجلي في العلم والعمل، وهذا ما يسمّيه الفقه بالمصداق الأبرز لمعنى السلامة في القلب والعقل، بل بالإيمان والعمل الصالح ...
[254] سورة الشعراء، الآية: 88.
[255] يقول الطباطبائي: فالاستثناء منقطع، والمعنى: لكن مَن أُتي بالقلب السليم فإنه ينتفع به...». انظر: الميزان، م. س، ج15، ص289.
[256] الطوسي، أبي جعفر محمد بن الحسن، التبيان في تفسير القرآن، م. س، ج8، ص34. يقول: «وإنّما خصّ القلب بالسلامة، لأنه إذا سَلِمَ القلب سَلِمَ سائر الجوارح من الفساد، من حيث إن الفساد بالجارحة لا يكون إلاّ عن قصد بالقلب الفاسد، فإن اجتمع مع ذلك جهل، فقد عدم السلامة من جهتين».
[257] الطبرسي، الفضل بن الحسن، مجمع البيان في تفسير القرآن، م. س، ج، ص337.
[258] الكاشاني، المولى محسن الفيض، تفسير الصافي، م. س، ج4، ص41.
[259] القمّي، أبي الحسن علي بن إبراهيم، تفسير القمّي، (ت 329هـ) مؤسسة الكتاب، مطبعة النجف، ط3، 1404هـ، ج2، ص224.
[260] سورة الصافات، الآيتان: 25 ـ 26.

[261] سورة الصافات، الآيتان: 85 ـ 86.
[262] الطوسي، التبيان، م. س، ج8، ص508.
[263] القمي، م. س، ج2، ص123، وقا: مع الصافي، م. س، ج4، ص41.
[264] الشيرازي، مكارم، نفحات القرآن، م. س، ج1، ص175.
[265] سورة النساء، الآية: 60.
[266] سورة الصافات، الآيات: 103 ـ 106.
[267] سورة الزخرف، الآية: 28.
[268] سورة ق، الآيتان: 33 ـ 34.
[269] لا شكّ في أنه من عجيب الكلام أن يقال: «واختلف في القلب السليم، فقيل من الشك والشرك ، فأما الذنوب فليس يسلم منها أحد. فإذا كان الحال كذلك، فكيف يكون المجيء بالقلب السليم إذن، فهل يأتي وهو غير سالم من الذنوب؟ إن الله تعالى يقول: ﴿ إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ ، ومفاد الآية أن قلبه كان سالماً من الذنوب، وبريئاً من العيوب، سواء في الظاهر أم في الباطن. را: كلام القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، م. س، ج17، ص21. ورا: كلامه في معنى القلب السليم وأن أحداً لا يسلم من الذنوب، ج13، ص114.
[270] سورة الأنفال، الآية: 24.

[271] سورة الأنفال، الآية: 2.
[272] سورة الحج، الآية: 35.
[273] سورة الزمر، الآية: 23.
[274] الزمخشري، تفسير الكشاف، م. س، ج3، ص321.
[275] الميرزا محمد المشهدي، تفسير كنز الدقائق، تحقيق حسين دركاهي، دار الغدير، قم، ط1، 2003، ج9، ص474.
[276] م. ع، ج9، ص474.
[277] انظر: المغربي، نعمان بن محمد التميمي، دعائم الإسلام، (ت 363هـ)، تحقيق أصغر فيضي، دار المعارف، 1963، ج1، ص4.
[278] سورة الحشر، الآية: 7.
[279] سورة الكهف، الآية: 49.
[280] من أراد منكم أن يعلم كيف منزلته عند الله تعالى، فلينظر كيف منزلة الله منه عند الذنوب، وكذلك تكون منزلته عند الله تعالى. انظر: الشيخ الصدوق، كتاب الخصال، (ت 381هـ) تحقيق غفاري، جماعة المدرسين، قم، ص617. وقا: مع ابن شعبة الحرّاني، كتاب تحف العقول عن آل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، تحقيق غفاري، قم، ط2، 1442هـ، ص107.

[281] قال الإمام علي (عليه السلام): «إنّ الحق ثقيل مريء، وإن الباطل خفيف وبيء». نهج البلاغة، شرح محمد عبده، دار المعرفة، بيروت، الخطبة 2. ورا: مسند الإمام علي السيد حسن القبانجي، تحقيق طاهر السلامي، مطبعة الأعلمي، بيروت، ط1، 2002م، ج11، ص235.
[282] قال الإمام علي (عليه السلام): «أيها الناس، إنما الدنيا دار مجاز، والآخرة دار قرار، فخذوا من ممركم لمقركم، واخرجوا من الدنيا قلوبكم قبل أن تخرج منها أبدانكم، ففيها أختبرتم ولغيرها خُلقتم» الإمام علي (عليه السلام)، نهج البلاغة، م. س، الخطبة: 203.
[283] سورة المائدة، الآية: 16.
[284] سورة الشعراء، الآيات: 83 ـ 85.
[285] انظر شرح العلامة محمد مهدي الآصفي لكلام الإمام(عليه السلام) في كتابه الإمام الحسين يوم عاشوراء، المجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)، ط1، 1427هـ، ص94. فهو يرى أن الإنسان صاحب القلب السليم يعيش في الدنيا وقلبه في الآخرة، كأنه لم يعبر في الدنيا لحضور الآخرة في قوله وعمله...
[286] سورة البقرة، الآية: 38.
[287] الإمام علي (عليه السلام)، نهج البلاغة، م. س، الخطبة: 82.
[288] انظر الشيخ الكليني، أصول الكافي، م. س، ج2، ص131.
[289] المشهدي، كنز الدقائق، م. س، ج9، ص475.
[290] سورة الليل، الآيتان 19 ـ 20.

[291] سورة الفاتحة، الآيتان: 6 ـ 7.
[292] سورة الأحزاب، الآية: 21.
[293] الإمام علي (عليه السلام)، نهج البلاغة، م. س، قصار الحكم: 221.
[294] مطهري، مرتضى، التربية والتعليم في الإسلام، م. س، ص34.
[295] الإمام علي (عليه السلام)، نهج البلاغة، م. س، قصار الحكم: 222.
[296] سورة الحجر، الآية: 29.
[297] سورة آل عمران، الآية: 28.
[298] سورة القمر، الآية: 50.
[299] سورة الأعراف، الآية: 54.
[300] سورة الانشقاق، الآية: 6.

[301] يرى الملاّ صدرا في مفاتيح الغيب أن قلب الإنسان متجاذب بين الشيطان والملك، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): في القلب لمّتان، لمّة من الملك إيعاد بالخير وتصديق بالحق ولمّة من العدو إيعاد بالشر وتكذيب بالحق... ولتجاذب القلب بين هذين المسلطين، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن، والله سبحانه يتعالى أن يكون له جارحة، ولكن الروح الإصبع وحقيقة معناه عبارة عن سرعة التقليب... فإنّك لا تريد الإصبع لشخصه، بل لفعله في تقليب الأمور وترديدها، كما أنك تتعاطى الأفعال بأصابعك، فالله تعالى إنما يفعل ما يفعله باستخسار الملك والشيطان وهما مسخران لقدرته في تقليب القلوب، والنفس الإنسانية في أصل الفطرة صالحة لقبول آثار الملائكة ولقبول آثار الشيطان صلاحاً متساوياً، وليس يترجح أحدهما على الآخر، وإنما يترجّح أحد الجانبين على الآخر باتباع الهوى والإكباب على الشهوات... فإن اتبع هوى النفس بإتيان الشهوة والغضب، ظهر تسلّط الشيطان عليه بواسطة الهوى... وإن جاهد الهوى بقمع الشهوة والغضب ولم يسلطها على نفسه وتشبه بأخلاقه أخلاق الملائكة صار قلبه مستقر الملائكة... ولما لم يخل إنسان بشري عن الصفات الحيوانية المتشعبة عن الهوى المنبعثة عن الإغواء لا جرم لم يخل قلب من أن يكون للشيطان فيه جولان بالوسوسة، ولذلك قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): ما منكم من أحد إلاّ وله شيطان. قالوا: وأنت يا رسول الله؟ قال: وأنا إلاّ أن الله تعالى أعانني عليه فأسلم على يدي ولا يأمر إلاّ بالخير...». انظر: مفاتيح الغيب، م. س، ص158.
[302] سورة الفجر، الآيتان: 27 ـ 28.
[303] الغزالي، أبو حامد، مجموعة رسائل، م. س، ص41.
[304] نقلاً عن كتاب خزينة الجواهر ولمعات الأنوار للشيخ علي أكبر النهاوندي.
[305] سورة الأنعام، الآية: 127.