الجهاد والنصر في القرآن الكريم

  جمعية القرآن الكريم للإرشاد والتوجيه - بيروت - لبنان

 

الجزء الأول

الجزء الثاني

الجزء الثالث

الجزء الرابع

مقدمة كتاب «الجهاد والنصر في القرآن الكريم» 5
المقدمة 7
آيات الجهاد في سورة البقرة 13
آيات الجهاد في سورة آل عمران 27

  

 

  بسم الله الرحمن الرحيم

  مقدمة كتاب «الجهاد والنصر في القرآن الكريم»

 الحمد لله تعالى الذي أنعم علينا بالهداية، فأنزل إلينا المنهج السماوي الكامل، فبعث خاتم الأنبياء محمد (ص)، الذي حمل إلينا الاسلام العظيم، مكتوبةً أسسه وقواعده في القرآن الكريم، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين محمد (ص)، وعلى آله الأطهار الميامين، وعلى أصحابه الطيبين الطاهرين.

القرآن الكريم مفتاح الهداية الى تعاليم السماء، قال تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً} (الاسراء ٩)، وقال رسول الله (ص): (القرآن هدىً من الضلالة، وتبيانٌ من العمى، واستقالةٌ من العثرة، ونورٌ من الظلمة، وضياءٌ من الأحزان، وعصمةٌ من الهلكة، ورشدٌ من الغواية، وبيانٌ من الفتن، وبلاغٌ من الدنيا الى الآخرة وفيه كمال دينكم). وقال أمير المؤمنين علي (ع) في صفة القرآن الكريم: (جعله الله رياً لعطش العلماء، وربيعاً لقلوب الفقهاء ومحاجاً لطرق الصلحاء ودواءً ليس بعده داء، ونوراً ليس بعده ظلمة).

وهو الذي يؤسس لنا سلامة المنهج، ويحدد لنا معالم الطريق، فنتعرف من خلاله على ما يبقينا على خط الاستقامة والفلاح، من هنا فإنَّ اختيار جمعية القرآن الكريم لموضوع (الجهاد والنصر في القرآن الكريم) ينسجم مع ضرورة العودة الى القرآن الكريم لاستحضار المفاهيم الصحيحة، وتبصُّر الطريق العملي النافع لتحقيق أهداف الاسلام في الدور الإنساني المطلوب على هذه الأرض.

وعندما تُجمع آيات الجهاد والنصر من كل السور القرآنية، فإنّها تُهيء للقارىء والمبلِّغ والمربي والمجاهد فرصة الإحاطة بآيات الموضوعين للاستفادة من تعاليمها وتوجيهاتها، وعلى الرغم من كثرة ما كُتب حول الموضوعين، فإنّنا بحاجة أن نعود دائماً الى ما قاله جلَّ وعلا في القرآن الكريم لنهتدي به، بعيداً عن الاضافات التي حرَّفت المعنى عن المقصود، أو ضيَّعته بالسلوك الذي لا يوصل الى ما اراده الله تعالى.

فالجهاد أداءٌ نبيلٌ وراق، تُستخدم فيه القوة المعنوية لاستقامة النفس ودفع وساوس الشيطان، وهو ما سماه رسول الله (ص) بالجهاد الأكبر، وتُستخدم فيه القوة العسكرية لمواجهة العدوان والاحتلال والظلم والطغيان، وهو ما سماه رسول الله (ص) بالجهاد الأصغر، وقد ارتكب بعض المسلمين اخطاءً شوَّهت صورة الجهاد، عندما قتلوا الأطفال والنساء والمدنيين، في المقابل أعطى حزب الله صورة ناصعة عن نموذج الجهاد الذي يتقيد بتعاليم السماء، حيث جمع نبل الجهاد وسمو الأخلاق والأهداف في ترابطٍ يحقق للجهاد مساره الإلهي الطاهر.

 وأمَّا النصر فمنحة من الله تعالى: {وَكانَ حَقاً عَليْنا نَصْرُ المُؤمِنينَ}، وهو مرغوب ومطلوب، ولكنه بيد الله تعالى، وقد اكرمنا الله تعالى بنصره على الصهاينة ومن ورائهم، حيث تماهى النصر مع الجهاد في ترابطٍ رائع، ورفع الأمة الى المكانة العليا، وطمأن المؤمنين الى تسديد الله تعالى لهم ونصره إياهم.

 إنَّ تأليف جمعية القرآن الكريم لهذا الكتاب، يقدّم للمكتبة الإسلامية نموذجاً للعرض والتحليل القرآني، وييسِّر للمدرسين مادة قرآنية حيوية ومطلوبة في عصرنا، ويسهل للدارسين والقراء مادة قرآنية غنية للحفظ والفهم والعمل. إنَّنا في زمن الحاجة الفعلية للجهاد، وتربية الأجيال الصاعدة على تبني هذا الطريق الممهد لصاحب العصر والزمان (أرواحنا لتراب مقدمه الفداء)، وهو التكليف الذي يحقق لنا دورنا الإنساني في هذه الحياة.

نائب الأمين العام لحزب الله

الشيخ نعيم قاسم

27 رجب 1429 هـ

31/7/2008م

 

 

  المقدمة

 يقول المولى سبحانه وتعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [1].

إعلموا أيها الأعزاء، بأن الجهاد قانون عام في عالم الخليقة، فإن كل مخلوق سواء كان من النباتات او الحيوانات يسعى لإزالة ما يعترض طريقه من موانع بواسطة الجهاد، لكي يستطيع كل واحد منهم بلوغ الكمال المطلوب في التكوين.

وعلى سبيل المثال فجذر النبات الذي ينشط للحصول على الغذاء والطاقة بصورة دائمة، لو ترك نشاطه هذا وكف عن السعي لاستحال عليه إدامة حياته، ولذلك فإن هذا الجذر حين يعترض طريقه مانع في عمق الأرض يحالُ تخطيه ويثقبه،والعجيب هنا أن الجذور الرقيقة تعمل في مثل هذه الحالة كالمسمار الفولاذي في ثقب الموانع التي تعترضها، فلو عجزت في هذا المجال لحرفت طريقها واجتازت المانع عن طريق الالتفاف حوله.

وفي داخل وجود الانسان ايضاً هناك صراع غريب من نوعه، وهو دائم ما دام الانسان حياً، وهو الصراع الرائد بين كريات الدم البيضاء والأجسام المعادية المهاجمة، كيف لو أن هذا الصراع توقف لساعة واحدة وتخلت الكريات البيض عن الدفاع، لتسلطت الجراثيم والمكروبات المتنوعة على كافة أجهزة جسم الانسان ولعرضت حياته الى الخطر.

إن ما هو موجود في اوساط المجتمعات والقوميّات والشعوب في العالم من كفاح من أجل البقاء، وهو عين ذلك الكفاح والجهاد الذي لمسناه في النبات وفي جسم الانسان وعلى هذا الأساس فإن كل من يواصل الجهاد والدفاع تكون الحياة من نصيبه وهو منتصر دائماً أما الذين تلهيهم عن الجهاد الأهواء والملذات والشهوات والأنانية وحب الذات فلن ينالهم غير الفناء والدمار عاجلاً أو آجلاً، وسيحل محلهم أناس يمتازون بالحيوية والنشاط والكفاح الدؤوب.

وهذا هو الشيء الذي يؤكد عليه رسول الله (ص) إذ يقول: (فمن ترك الجهاد ألبسه الله ذلاً وفقراً في معيشته، ومحقاً في دينه إن الله أعز أمتي بسنابك خيلها ومراكز رماحها) [2].

ويقول النبي (ص) في مناسبة أخرى: (أغزوا تورّثوا ابناءكم مجداً) [3].

أما أمير المؤمنين علي بن ابي طالب (ع) فهو يقول في مستهل خطبته عن الجهاد (... فإن الجهاد باب من أبواب الجنة، فتحه الله لخاصة أوليائه، وهو لباس التقوى، ودرع الله الحصينة، وجنته الوثيقة، فمن تركه رغبة عنه ألبسه الله ثوب الذل وشمله البلاء، وديث بالصغار والقماء....) [4].

هذا ويجب الالتفات الى أن الجهاد لا يقتصر معناه على الحرب أو القتال المسلح، بل هو أيضاً كل سعي حثيث وجهد جهيد يبذل من أجل التقدم نحو تحقيق الأهداف المقدسة – الالهية – ومن هذا المنطلق فإنه بالاضافة الى الحروب الدفاعية أو الهجومية – أحياناً- فإن الكفاح العلمي والمنطقي والاقتصادي والثقافي والسياسي يعتبر نوعاً من الجهاد.

ومن هذا المنطلق قررت جمعية القرآن الكريم إصدار هذا الكتاب ليكون مدرسة يطّلع الاخوة المجاهدون من خلالها على ما ورد في القرآن من الحث على الجهاد، ونحن إذا اطلعنا على مفهوم الجهاد فهو يعني في اللغة بذل الجهد، وتحمل المشقة في طريق الوصول الى الهدف.. وفي الاصطلاح الجهاد عبارة عن نهاية السعي في محاربة العدوّ بهدف نشر الاسلام وإعلاء كلمة التوحيد أو الدفاع عن الاسلام والمسلمين.

 

الجهاد على قسمين:

الجهاد الابتدائي: لقد قدّم الله سبحانه للبشرية مناهج حياتها الكفيلة بتحقيق حرّيتها وتكاملها وسعادتها وتحمّل الأنبياء مسؤولية تبليغ أحكام هذه المناهج الحياتية للناس، ومن الطبيعي أن يقف بوجه الأنبياء أولئك الذين يرون في الدعوة الالهية خطراً على مصالحهم، عندئذٍ يحق للأنبياء أن يزيلوا الموانع عن طريق الدعوة بالطرق السلمية أولاً وإن لم تجد لجأوا الى القوّة.

بعبارة اخرى: يحق للبشر في كلّ المجتمعات أن يسمعوا دعوة الحق، وأن يكونوا أحراراً في قبولها ولو أرادت فئة أن تحرمهم من هذا الحق الطبيعي المشروع، وأن تحول دون وصول الدعوة إليهم ودون تحرّرهم من القيود الفكرية والاجتماعية، فإنّ انصار المنهج التحرري يحق لهم أن يلجأوا الى أية وسيلة لكسر السدود القائمة أمام انتشار نور الحرّية ومن هنا تتضح ضرورة (الجهاد الابتدائي) في الاسلام وغيره من الأديان السماوية، يقول سبحانه: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [5].

الجهاد الدفاعي: وهو الجهاد الذي يقوم به المسلمون دفاعاً عن الاسلام وعن الأمة الاسلامية ويكون أحد الواجبات الاسلامية وهو واجب في عدة موارد:

إذا هاجم أعداء الاسلام البلاد الاسلامية بهدف القضاء على الاسلام والسيطرة عليه واستعماره.

إذا اعتدي على بلد من البلاد الاسلامية من قبل بلدٍ إسلامي آخر.

إذا تعرّضت اموال المسلمين العامة للاعتداء.

إذا تعرضت نفوس المسلمين واعراضهم للعدوان.

إذا تعرضت عبادة الله والمساجد وأماكن العبادة لعدوان الاعداء بهدف القضاء على الاسلام.

الجهاد بهدف الدفاع عن المستضعفين.

في هذه الموارد ونظائرها يحق للمسلمين بالحق الطبيعي أن يدافعوا عن دينهم وعزّتهم وشرفهم وثروتهم. ولكي نتعرف على ثقافة الجهاد والدفاع والشهادة لإحيائها في نفوس المسلمين لنستعيد المجد والعظمة والاستقلال ونحرر أراضينا من الغاصب.


[1] - البقرة / 216

[2] - الوسائل ج/1 /2 و 16

[3] - الوسائل ج/1 /2 و 16

[4] - نهج البلاغة – الخطبة: 27

[5] - الانفال: 39


الدروس التي اخترناها:

قد أعددنا هذا الكتاب (الجهاد والنصر في القرآن الكريم) بطريقة سهلة ومختصرة واخترنا أربعة عشر درساً من بين هذه الآيات وهي على الشكل التالي:

الدرس الأول: المقدمة

7

الدرس الثاني: أول حكم بالجهاد (سورة الحج)

140

               الجهاد الأكبر والجهاد الأصغر (سورة الحج)

142

الدرس الثالث: الصبر والشهادة أحياء (سورة البقرة)

17

               (قصة طالوت والجهاد) (سورة البقرة)

23

الدرس الرابع: غزوة بدر أول مواجهة مسلحة بين الاسلام والكفر (سورة الانفال)

82

                ستة أوامر في شأن الجهاد (سورة الانفال)

89

الدرس الخامس: غزوة أحد (سورة آل عمران)

37

الدرس السادس: الحياة الخالدة (سورة آل عمران)

46

الدرس السابع: مواجهة الأحزاب امتحان إلهي عظيم (سورة الأحزاب)

156

الدرس الثامن: غزوة بني قريظة انتصار عظيم (سورة الأحزاب)

160

الدرس التاسع: الفتح المبين (سورة الفتح)

171

الدرس العاشر: عند انبلاج فجر النصر (فتح مكة) (سورة النصر)

209

الدرس الحادي عشر: كثرة الجمع وحدها لا تجدي نفعاً (غزوة حنين) (سورة التوبة)

109

الدرس الثاني عشر: عتاب المتثاقلين عن الجهاد (في معركة تبوك) (سورة التوبة)

110

الدرس الثالث عشر: التجارة الرابحة (سورة الصف)

200

الدرس الرابع عشر: إنتصار المستضعفين (سورة القصص)

147

 

أما بالنسبة لبقية الآيات والعناوين فيمكن للاخوة الاطلاع عليها والاستفادة منها في الحقل الجهادي.

والحمد لله رب العالمين

جمعية القرآن الكريم / للتوجيه والارشاد

دائرة الدراسات

 

 

  آيات الجهاد في سورة البقرة

 {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} (153)

{وَلاَ تَقُولُواْ لِمَن يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ} (154)

{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} (155)

{الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ} (156)

{أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} (157)

{لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ والضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} (177)

{وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ} (190)

{وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ} (191)

{فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (192)

{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَوْاْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ} (193)

{الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} (194)

{وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُواْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (195)

{وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ} (207)

{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} (208)

{فَإِن زَلَلْتُمْ مِّن بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (209)

{أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ} (214)

{يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ} (215)

{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} (216)

{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (217)

{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللّهِ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (218)

{وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (244)

{مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} (245)

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُواْ قَالُواْ وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْاْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} (246)

{وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُواْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (247)

{وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} (248)

{فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو اللّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} (249)

{وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} (250)

{فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} (251)

{تِلْكَ آيَاتُ اللّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} (252)

{لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} (286)

 

اللغة والبيان

سبيل الله: السبيل الطريق وسبيل الله طريق مرضاته.

تشعرون: الشعور هو ابتداء العلم بالشيء من جهة المشاعر وهي الحواس.

لنبلونكم: البلاء الاختبار.

نقصٍ: نقيض الزيادة.

المصيبة: المشقة الداخلة على النفس.

راجعون: مصير الشيء الى ما كان.

المهتدون: الاهتداء الاصابة لطريق الحق.

البر: كل عمل من أعمال الخير فهو بر

قِبَل: ظرف مكان بمعنى الناحية والجهة.

ابن السبيل: المسافر في غير معصية، فيذهب ماله، ولا يستطيع العودة الى أهله.

ثقفتموهم: ثقف الشيء إذا حذقه، والمراد بالثقف هنا الوجود، حيث ثقفتموهم أي وجدتموهم.

الفتنة: الابتلاء والاختبار، المراد بها هنا الكفر بالله بقرينة قوله تعالى: (وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ)

السلم: أصل السلم التسالم، ويطلق على الصلح والسلام.

زللتم: الزلل عثرة القدم، والمراد به هنا الانحراف عن الحق.

زلزلوا: أصيبوا بأنواع البلايا والرزايا.

ألوف: تطلق على ما زاد على العشرة، وما نقص عنها يقال فيه الاف، لا ألوف.

أخطأنا: يطلق الخطأ على ثلاثة معان: الاثم، وضد العمد، وضد الصواب، وهذا المعنى الأخير هو المراد بالآية.

إصراً: الاصر العبء الثقيل، يأصر صاحبه، ويحبسه مكانه.

 

التفسير

- الصبر:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} (153)

يخاطب سبحانه المؤمنين بحبس النفس عمّا تشتهيه من المقبحات وحملها على ما تنفر منه من الطاعات وهذا ما أشار إليه أمير المؤمنين (ع) في قوله: الصبر صبران صبر على ما تكره وصبر عمّا تحب، وأن الله معهم بالمعونة والنصرة، والتوفيق والتسديد.

- الشهداء أحياء:

{وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ} (154)

ولا تقولوا لمن يقتل في الجهاد أموات، ولا تعتقدوا فيهم الفناء والبطلان كما يفيده لفظ الموت عندكم، بل احياء ولكن حواسكم لا تنال ذلك ولا تشعر به.

- الدنيا دار اختبار إلهي:

{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} (155)

لما أمرهم الله بالاستعانة بالصبر والصلاة، ونهاهم عن القول بموت من يقتل منهم في سبيل الله، بيّن لهم السبب الذي من أجله خاطبهم بما خاطب، وهو الحرب والقتال، وأما (الثمرات) فالظاهر أنها الأولاد.

{الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ} (156)

ثم وصف عز اسمه الصابرين بأنه إذا نالتهم نكبة في النفس أو المال فوطّنوا أنفسهم على ذلك احتساباً للأجر، واقروا بالعبودية لله سبحانه وبالبعث والنشور فلهم ثناء جميل من ربهم وتزكية، ونعمة عاجلاً وآجلاً.

{أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} (157)

أشار سبحانه الى الذين وصفهم من الصابرين أن لهم ثناء جميل من ربهم وتزكية ونعمة عاجلاً وآجلاً. (وأولئك) هم المصيبون طريق الحق ونتيجته الثواب والجنة.

- اساس البرّ:

{لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} (177)

لما حولت القبلة وكثر الخوض في نسخها وصار كأنه لا يراعى بطاعة الله إلا التوجه للصلاة وأكثر اليهود ذكرها أنزل الله سبحانه هذه الآية، يبين ان البر كله ليس في الصلاة حتى يضاف الى ذلك غيره من الطاعات التي أمر الله بها، ولكن البر من آمن بالله، ويوم القيامة، ويدخل فيه التصديق بالبعث والحساب والثواب والعقاب (والملائكة) وبأنهم عباد الله المكرمون، والكتب المنزلة من عند الله الى انبيائه، وبالأنبياء كلهم وانهم معصومون مطهّرون، وأعطى المال مع حبه او حب الابناء، أو حب الله (ذوى القربى) للمعطي والرسول (ص) وأهل الحاجة، والمنقطع به، والطالبين للصدقة (وفي الرقاب) بأن يشترى ويعتق أو في رقاب المكاتبين (وأقام الصلاة) أي أدّاها لميقاتها وعلى حدودها، وأعطى زكاة ماله، والذين إذا عاهدوا عهداًأوفوا به يعني العهود والنذور التي بينهم وبين الله تعالى والعقود التي بينهم وبين الناس وكلاهما يلزم الوفاء به، (والصابرين) في حال الفقر والوجع والعلة، ووقت القتال وجهاد العدو (أولئك) صدقوا الله فيما قبلوا منه والتزموا علماً وتمسكوا به عملاً، واتقوا بفعل هذه الخصال نار جهنم.

- الاسلام حرب على الظلم والفساد:

{وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ} (190)

بيّن سبحانه أمر الجهاد فقال مخاطباً للمؤمنين أن يقاتلوا الكفار في سبيل دين الله (الذين يقاتلونكم) ولا تجاوزوا من قتال من هو من أهل القتال الى قتال من لم تؤمروا بقتاله ولم يبدأكم بقتال (إن الله لا يحب المعتدين).

{وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ} (191)

خاطب سبحانه المؤمنين مبيّناً لهم كيفية القتال مع الكافرين فقال: واقتلوا الكفار حيث وجدتموهم وأخرجوهم من مكة كما أخرجوكم منها فشركهم بالله ورسوله أعظم من القتل في الشهر الحرام وقد نهى عن ابتدائهم بقتال أو قتلهم في الحرم حتى يبتدىء المشركون بذلك فإن بدأوكم بذلك فجزاءهم أن يقتلوا حيث ما وجدوا.

{فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (192)

فإن امتنعوا من كفرهم بالتوبة عن القتال عند المسجد الحرام (فإن الله عفور رحيم)

{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ} (193)

يبين سبحانه غاية وجوب القتال فقال مخاطباً المؤمنين (وقاتلوهم حتى لا يكون) شرك، وحتى تكون الطاعة لله والانقياد لأمر الله، فإن امتنعوا من الكفر واذعنوا للاسلام فلا عقوبة عليهم وإنما العقوبة بالقتل على الكافرين المقيمين على الكفر فسمي القتل عدواناً من حيث كان عقوبة على العدوان وهو الظلم كما قال تعالى فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه وجزاء سيئة سيئة مثلها.

- الاعتداء في الشهر الحرام:

{الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} (194)

بيّن الله تعالى القتال في الشهر الحرام، إذا قاتل المشركون في الشهر الحرام جاز قتالهم فيه، والأشهر الحرم هي ثلاثة متتالية، ذو القعدة وذو الحجة والمحرم وواحد فرد وهو رجب فلو هتكوا حرمة الشهر الحرام بالقتال فيه جاز للمؤمنين معاملتهم بالمثل (فمن اعتدى عليكم...) وإنما شرع القصاص في الشهر الحرام لأنه شرع القصاص في جميع الحرمات، وإنما شرع القصاص في الحرمات التي يحرم هتكها ويجب تعظيمها ورعاية جانبها لأنه شرع جواز رد الاعتداء بالمثل ثم ندبهم الى ملازمة طريقة الاحتياط.

- الانفاق يمنع الهلاك الاجتماعي:

{وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُواْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (195)

يعني وانفقوا من أموالكم في الجهاد وكل ما أمر الله به من الخير وأبواب البر فهو سبيل الله الذي هو الطريق الى الله والى رحمة الله وثوابه إلا أنه كثر استعماله في الجهاد لأن الجود بالنفس أقصى غاية الجود ولا تهلكوا انفسكم بأيديكم بترك الانفاق في سبيل الله فيغلب عليكم العدو وهذا كناية عن النهي عن إبطال القوة والاستطاعة والقدرة، فإن اليد مظهر لذلك، والكلام مطلق أريد به النهي عن كل ما يوجب الهلاك من افراط وتفريط وأحسنوا بالقتال في مورد القتال، والكف في مورد الكف، والشدة في مورد الشدة والعفو في مورد العفو، والانفاق في مورد الانفاق.

{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} (208)

أي صدقوا الله ورسوله في الاسلام والطاعة وادخلوا فيها وقيل وادخلوا في السلم كله في جميع شرائع الاسلام ولا تتركوا بعضه معصية ويؤيد هذا القول ما روي أن قوماً من اليهود أسلموا وسألوا النبي أن يبقي عليهم تحريم السبت وتحريم لحم الابل فأمرهم أن يلتزموا جميع أحكام الاسلام وأن يتركوا اتباع الشيطان لأنه مظهر للعداوة بامتناعه من السجود لآدم بقوله لأحتنكنّ ذريته إلا قليلاً.

{فَإِن زَلَلْتُمْ مِّن بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (209)

أي فإن تنحّيتم عن القصد وعدلتم عن الطريق القويم الذي أمركم الله تعالى بسلوكه (من بعد ما جاءتكم) الحجج والمعجزات فاعلموا ان الله لا يمتنع شيء من عقوبته وهو (حكيم) فيما شرع من أحكام دينه لكم وفيما يفعله بكم من العقاب على معاصيكم بعد إقامة الحجة عليكم.

- مقاتلة العدو فرض لازم:

{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} (216)

هذا بيان لكون الجهاد مصلحة لمن أمر به وأن الله سبحانه فرض عليكم الجهاد في سبيله وهو شاق عليكم تكرهونه كراهة طباع لا على وجه السخط وقد يكون الشيء مكروهاً عند الانسان في طبعه ومن حيث تنفر نفسه عنه وإن كان يريده لأن الله تعالى أمره بذلك كالصوم في الصيف وقد تكرهون شيئاً في الحال وهو خير لكم في عاقبة أموركم كما تكرهون القتال لما فيه من المخاطرة بالروح وهو خير لكم لأن لكم في الجهاد إحدى الحسنيين إما الظفر وإما الشهادة والجنة، وقد تحبون ما هو شرٌ لكم وهو القعود عن الجهاد لمحبة الحياة وهو شرٌ لما فيه من الذل والفقر في الدنيا وحرمان الأجر في العقبى والله سبحانه يعلم ما فيه مصالحكم ومنافعكم وما هو خير لكم في عاقبة أمركم (وأنتم لا تعلمون) فبادروا الى ما يأمركم به وإن شق عليكم. هذه الآية دالة على وجوب الجهاد وفرضه على الكفاية.

- الجهاد في الأشهر الحرم:

{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (217)

يسأل أهل الشرك النبي (ص) على جهة العيب للمسلمين باستحلالهم القتال في الشهر الحرام وعند المسجد الحرام فقل لهم ذلك كبير وذنب عظيم ولكن الكفر بالله وصد المسلمين عن بيت الله ودينه وإخراجهم عن أوطانهم أعظم عند الله وأكبر وزراً وهؤلاء الكفار مع هذه الأفعال يقاتلونكم ليردوكم عن الدين فكل واحد من هذا أعظم مما سألوا عنه ولا يزال أهل مكة يقاتلونكم حتى يصرفوكم عن دين الاسلام ويلجئوكم الى الارتداد إن قدروا على ذلك (ومن يرتد منكم..) تهديد للمرتد بحبط العمل وبطلانه وسقوط تأثيره ويخلد في النار بذلك.

- الهجرة والجهاد:

{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللّهِ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (218)

أي الذين صدّقوا الله ورسوله وفارقوا منازلهم وقاتلوا الكفار في طاعة الله أولئك يأملون نعمة الله في الدنيا والآخرة والله يغفر ذنوبهم ويرحمهم.

- الأمر بالجهاد:

{وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (244)

يامر سبحانه بوجوب الجهاد وينهى عن الفرار ويحرضهم على القتال ويحذرهم من المخالفة إذا أمر رسوله بشيء.

- قصة طالوت والجهاد:

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُواْ قَالُواْ وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْاْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} (246)

يبين سبحانه لنبيه قصة بني إسرائيل المشهورة وتضمنت شرح ما نالهم في قعودهم ويقول له الم ينته علمك الى جماعة الأشراف (من بني إسرائيل) من بعد وفاة موسى (ع) (إذ قالوا) لنبيهم شمعون أو يوشع أو إسماعيل ابعث لنا ملكاً نقاتل في سبيل الله كآية صدق من نبوتك فقال لعلكم إن فرض عليكم المحاربة مع ذلك الملك ان لا تفوا بما تقولون قالوا وأي شيء لنا في ترك القتال وقد أخرج بعضنا من أوطاننا وأهالينا بالسبي والقهر على نواحينا فسأل الله أن يبعث لهم ملكاً فلما بعثه وكتب عليهم القتال اعرضوا عن القيام به إلا الذين عبروا النهر (والله عليم بالظالمين) لأنهم ظلموا انفسهم بمعصية الله.

{وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُواْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (247)

وقال لهم نبيهم إن الله بعث لكم طالوت وجعله ملكاً قالوا من أين له الملك ونحن أولى به منه لأنا من سبط النبوة والمملكة وأوتينا المال قال إن الله إختاره عليكم وزاده فضيلة وسعة (في العلم والجسم) والله سبحانه مالك الملك ويؤتي الملك من يشاء (والله واسع) الفضل عليم بمن يصلح لذلك.

{وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} (248)

 (قال لهم نبيهم) علامة تمليك الله إياه التابوت الذي أنزله الله على أم موسى فوضعت فيه ابنها فيه طمأنينة، وروي هو ريح من الجنة لها وجه كوجه الانسان وفيه الألواح وعصا موسى وسائر آيات الأنبياء وكان يدور التابوت في بني إسرائيل حيثما دار الملك فرفعه الله إليه بعد موسى حين استخفوا به، ثم لمّا بعث طالوت أنزله إليهم، وفي رجوعه اليكم علامة أن الله سبحانه ملّك طالوت عليكم (إن كنتم) مصدقين كما تزعمون.

{فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو اللّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} (249)

فلما جاءهم التابوت بالصفة التي وعدوا بها فصدقوا طالوت وانقادوا له خرج من مكانه بالعسكر وقال لهم إن الله مختبركم بنهر (فمن شرب منه) ليس من أهل ولايتي واصحابي (ومن لم يطعمه) فإنه من أهل ولايتي إلا من أخذ الماء مرة واحدة باليد، فشربوا كلهم أكثر من غرفة إلا قليلاً منهم، فلما تخطى النهر طالوت والمؤمنون معه وهم أصحابه وكانوا بعدد أهل بدر فلما رأوا كثرة جنود جالوت قال الكفار منهم (لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده) وقال المؤمنون (كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله) (والله مع الصابرين) بالنصر لهم على أعدائهم.

{وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} (250)

اي لما ظهر طالوت والمؤمنون معه لمحاربة جالوت وجنوده قالوا أصب علينا صبراً أي وفقنا للصبر على الجهاد ووفقنا للثبوت على الأمر وأعنا على جهاد قوم جالوت.

{فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} (251)

فاستجاب لهم ربهم فهزموهم بنصره وبأمره وعلمه سبحانه (وقتل داود جالوت) وأعطاه الملك بعد قتله بسبع سنين والنبوة وعلمه أمور الدين وما شاء من أمور الدنيا منها صنعة الدروع (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض) بدفع الهلاك بالبر عن الفاجر أو بنصر المسلمين على الكفار (لفسدة الأرض) بغلبه المفسدين فيها، ولكن الله ذو نعمة عليهم في دينهم ودنياهم.

{تِلْكَ آيَاتُ اللّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} (252)

أشار سبحانه الى ما تقدم ذكره أنها دلالات الله على قدرته نقرؤها عليك يا محمد (ص) بالصدق وإنك لمن المرسلين بدلالة اخبارك بهذه الآيات مع أنك لم تشاهدها.

- أداء الواجب في حدود القدرة:

{لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} (286)

فمن حق المولى أن ينصر عبيده على أعدائهم.

 

 

 

  آيات الجهاد في سورة آل عمران

 {قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لَّأُوْلِي الأَبْصَارِ} (13)

{وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ} (81)

{لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدْبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ} (111)

{ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنَ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَاؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ} (112)

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ} (118)

{هَا أَنتُمْ أُوْلاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (119) إن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} (120)

{وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّىءُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (121)

{إِذْ هَمَّت طَّائِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ وَاللّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} (122)

{وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (123)

{إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلائِكَةِ مُنزَلِينَ} (124)

{بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ} (125)

{وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} (126)

{لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنقَلِبُواْ خَائِبِينَ} (127)

{لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذَّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} (128)

{وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} (139)

{إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} (140)

{وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ} (141)

{أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142) وَلَقَدْ كُنتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ} (143)

{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ} (144)

{وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَابًا مُّؤَجَّلاً وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ} (145)

{وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} (146)

{وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} (147)

{فَآتَاهُمُ اللّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (148)

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِن تُطِيعُواْ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُواْ خَاسِرِينَ} (149)

{بَلِ اللّهُ مَوْلاَكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ} (150)

{سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ} (151)

{وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} (152)

{إِذْ تُصْعِدُونَ وَلاَ تَلْوُونَ عَلَى أحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمَّاً بِغَمٍّ لِّكَيْلاَ تَحْزَنُواْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ مَا أَصَابَكُمْ وَاللّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} (153)

{ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِّنكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الأَمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} (154)

{إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ وَلَقَدْ عَفَا اللّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} (155)

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَقَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُواْ فِي الأَرْضِ أَوْ كَانُواْ غُزًّى لَّوْ كَانُواْ عِندَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ لِيَجْعَلَ اللّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (156)

{وَلَئِن قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} (157)

{وَلَئِن مُّتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللهِ تُحْشَرُونَ} (158)

{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} (159)

{إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ} (160)

{وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} (161)

{أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللّهِ كَمَن بَاءَ بِسَخَطٍ مِّنَ اللّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} (162)

{هُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ اللّهِ واللّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} (163)

{لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ} (164)

{أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (165)

{وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ} (166)

{وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُواْ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوِ ادْفَعُواْ قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ} (167)

{الَّذِينَ قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} (168)

{وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} (169)

{فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} (170)

{يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ} (171)

{الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِلّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَاتَّقَوْاْ أَجْرٌ عَظِيمٌ} (172)

{الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} (173)

{فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} (174)

{إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} (175)

{لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيرًا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} (186)

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (200)

 

اللغة والبيان

لعبرة: العبرة مأخوذة من العبور من جانب الى جانب، والمراد بها هنا العظة، لأنها تنتقل بالانسان من الجهالة الى التدبر.

ميثاق: الميثاق العهد المؤكد، ومثله الإصر.

الذلّة: الهوان.

ثُقفوا: وجدوا.

المسكنة: الخضوع، أي أن اليهود أذلاء في أعين الناس ضعفاء يخضعون لما يفرض عليهم.

بطانة الرجل خاصته مأخوذ من بطانة الثوب، وتستعمل للواحد والجمع مذكراً ومؤنثاً.

يألونكم: ألألو التقصير، يقال: لا آلوك نصحاً أي لا أقصر في نصحك، ولا آلوك جهداً، اي لا أنقصك جهداً.

خَبالا: الخبال النقصان والفساد، ومنه رجل مخبل ومخبول ومختبل، أي ناقص العقل وفاسده.

عنِتّم: العَنَتَ المشقة.

تَهنوا: الوهن الضعف.

قَرْحٌ: جرح.

نُداولها: المداولة نقل الشيء من واحد الى آخر يقال: تداولته الأيدي إذا تناقلته، ويقال: الدنيا دول، أي تنتقل من قوم الى غيرهم.

ليُمَحّصَ: التمحيص التخليص من العيوب.

يَمْحَقَ: المحق النقصان، ومنه ايام المحاق، للأيام الأخيرة من الشهر الهلالي، لذهاب ضوء الهلال حالاً بعد حال.

إنقلبتم على أعقابكم: رجعتم كفاراً بعد إيمانكم، عدتم الى ما كنتم عليه.

مؤجلاً: ذو الأجل المضروب.

رِبّيًون: الكاملون في العلم والعمل.

استكانوا: الاستكانة اظهار الضعف بالاستسلام للخصم.

إسرافنا: الاسراف مجاوزة الحد.

مولاكم: المولى الناصر والمعين.

سُلطاناً: المراد بالسلطان هنا الحجة والبرهان، وسمي البرهان سلطاناً لقوته على دفع الباطل.

المثوى: المكان الذي يكون مقراً للانسان.

تحسّونهم: أي تستأصلونهم بالقتل، فكأنّ القاتل يبطل حس المقتول بالقتل.

تُصعدون: المراد بالصعود هنا الذهاب في الأرض، يقال: اصعد من مكة الى المدينة أي ذهب.

لا تَلْوُون: اي لا تلتفون، يقال: فلان يلوي على شيء، أي لا يعطف عليه، ولا يبالي به.

أُخراكم: بمعنى آخركم.

فأثابكم: الثواب الجزاء، ويستعمل غالباً في الخير ويجوز استعماله في الشر.

الغم: ضيق الصدر.

يغشى: يغطي ويستر.

مضاجعهم: المراد بالمضاجع هنا المصارع.

ذات الصدور: السرائر

إستزلهم: أوقعهم في الزلل والخطيئة.

ضربوا: الضرب في الأرض السير فيها.

غُزَّىً: جمع، واحده غازٍ.

لِنْتَ: اللين في المعاملة الرفق.

فَظّاً: الفظ الخشن الشرس.

غليظ القلب: القاسي الذي لا يتأثر بشيء.

لانفضوا: انفض القوم تفرقوا.

يغلّ: غَلّ بالفتح خان، والمقصود في الاية السرقة من غنيمة الحرب قبل القسمة والغل بالضم الطوق، والعطش، والغِل بالكسر الغش والحقد.

باءَ: رجع، وبوّأ له مكاناً هيأه له، لأنه يرجع إليه.

يُزكيِّهم: يطهرهم.

القَرْح: بفتح القاف الجرح، وبالضم ألمه على ما قيل.

الصبر والمصابرة بمعنى واحد، وقيل الصبر ضبط النفس على مكروه لا يد فيه للغير، كالمرض، والمصابرة تحمل الأذى من الغير.

رابطوا: الرباط الاستعداد لجهاد العدو.

 

التفسير

- القتال في سبيل الله:

{قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لَّأُوْلِي الأَبْصَارِ} (13)

إنكم ايها المشركون لو كنتم من أولي الأبصار والبصائر، لكفاكم في الاعتبار والدلالة على أن الغلبة للحق وأن الله يؤيد بنصره من يشاء ولا يغلب بمال ولا ولد، وما رأيتموه يوم بدر، فقد كان المؤمنون مقاتلين في سبيل الله سبحانه، وقد كانوا فئة قليلة لا يبلغون ثلث الفئة الكافرة، فنصر الله المؤمنين مع قلتهم على أعدائه، وكثّرهم في أعينهم فكانوا يرونهم مثليهم رأي العين، وايدهم بالملائكة، فلم ينفع المشركين ما كانوا يتعززون به من أموال وأولاد ولم يغنهم جمعهم ولا كثرتهم وقوتهم من الله شيئاً.

- نصرة الرسول (ص):

{وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ} (81)

إن الله أخذ الميثاق من النبيين وأممهم أن لو آتاهم الله الكتاب والحكمة وجاءهم رسول مصدق لما معهم ليؤمنن بما آتاهم وينصرن الرسول، وذلك من الأنبياء تصديق من المتأخر للمتقدم والمعاصر وبشارة من المتقدم بالمتأخر وتوصية الأمة، وعلى الأمة الايمان والتصديق والنصرة، ولازم ذلك وحدة الدين الالهي.

- فرار اليهود من ارض المعركة:

{لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدْبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ} (111)

وعد الله المؤمنين أنهم منصورون وأن أهل الكتاب لا يقدرون عليهم ولا ينالهم من جهتهم مضرة إلا أذى من جهة القول وان تجاوزوا عن الايذاء باللسان الى القتال والمحاربة (يولوكم الأدبار) منهزمين، ثم لا يعاونون لكفرهم، ففي الآية دلالة على صحة نبوة نبين (ص) لوقوع مُخبَره على وفق خبره لأن يهود المدينة من بني قريظة والنضير وبني قينقاع ويهود خيبر الذين حاربوا النبي والمسلمين لم يثبتوا لهم قط وانهزموا.

- اليهود والمصير الخطير:

{ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنَ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَاؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ} (112)

يعني اثبت على اليهود الذلة أينما وجدوا إلا بعهد من الله وعهد من الناس، ورجعوا بغضب الله الذي هو عقابه ولعنه، وجعلت عليهم الذلة لأن المسكين لا يكون إلا ذليلاً ذلك لأنهم عصوا وكانوا قبل ذلك يستمرون على الاعتداء.

 - لا تتخذوا الأعداء بطانة:

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ} (118)

نهى سبحانه المؤمنين عن موالاة الكفار ومخالطتهم خوف الفتنة منهم عليهم، لأنهم لا يقصرون فيما يؤدي الى فساد أمركم والاضرار بكم تمنوا إدخال المشقة عليكم وظهرت أمارة العداوة لكم على السنتهم (وما تخفي صدورهم من البغضاء اكبر) مما يبدون بألسنتهم وقد أظهرنا لكم الدلالات الواضحات التي بها يتميز الوليّ من العدّو (إن كنتم) تعلمون.

{هَا أَنتُمْ أُوْلاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} (119)

بَيّنَ سبحانه ما هم عليه من عداوة المؤمنين تأكيداً للنهي عن مصافاتهم.

{إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} (120)

المعنى إن تصبكم أيها المؤمنون نعمة من الله تعالى تحزهم وإن تمسكم محنة يفرحوا بها

 (وإن تصبروا) على اذاهم وعلى طاعة الله تعالى والرسول (ص) والجهاد في سبيله (وتتقوا) الله بالامتناع عن معاصيه (لا يضركم) مكر المنافقين لا قليلاً ولا كثيراً لأنه سبحانه ينصركم ويدفع شرهم عنكم إن الله سبحانه عالم بذلك ومقتدر عليه.

- غزوة أحد:

{وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّىءُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (121)

واذكر يا رسول الله (ص) إذ خرجت من المدينة غدوة تهيّيء للمؤمنين مواطن (للقتال) ليقفوا فيها ولا يفارقوها والله يسمع ما يقوله النبي (ص) (عليم) بما يضمرونه.

{إِذْ هَمَّت طَّائِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ وَاللّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} (122)

إذ قصدت وعزمت فرقتان من المسلمين ان تجبنا وهما بنو سلمة وبنو حارثة حيّان من الانصار والله ناصرهما (وعلى الله فليتوكل المؤمنون) في جميع احوالهم وأمورهم.

- المرحلة الخطيرة من الحرب:

{وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (123)

يُبَيّن الله تعالى ما فعله بهم من النصر يوم بدر ليشكروا نعمته.

{إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلائِكَةِ مُنزَلِينَ} (124)

اخبار بأن النبي (ص) قال لقومه الن يكفيكم يوم بدر جعل ربكم ثلاثة الاف من الملائكة مدداً لكم لنصرتكم.

{بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ} (125)

المعنى انه يفعل كما وعدكم إن صبرتم على الجهاد وامره سبحانه، واتقيتم معاصيه ومخالفة رسوله (ص) (ويأتوكم) يعني المشركين ان رجعوا إليكم من وجههم، يعطيكم سبحانه مدداً لكم ونصرة بالملائكة معلمين.

{وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} (126)

أي ما جعل الله الامداد والوعد به إلا لتطمئن قلوبكم به فلا تخافوا كثرة عدد العدو، وما المعونة (إلا من عند الله) القادر (الحكيم) في تدبيره للعالمين.

{لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنقَلِبُواْ خَائِبِينَ} (127)

معناه اعطاكم الله هذا النصر وخصّكم به ليقطع طائفة من الذين كفروا بالأسر والقتل فلا ينالوا الأعداء مما أملوا شيئاً.

{لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذَّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} (128)

أي ليس لك ولا لغيرك من هذا النصر شيء أو يكبتهم أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم قد استحقوا العذاب وليس إليك من هذه الأربعة شيء وذلك الى الله تعالى.فإنهم مستحقون للعذاب بظلمهم.

- دراسة نتائج غزوة أحد:

{لاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} (139)

 أي لا تضعفوا عن قتال عدوكم ولا تحزنوا على ما نالكم من المصائب بقتل الاخوان وأنتم الظافرون المنصورون الغالبون عليهم إن كنتم مصدقين بوعدي لكم بالنصرة والظفر.

{إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} (140)

يعني إن يصبكم جراح فقد اصاب القوم جراح مثله وتلك الأيام نصرفها مرة لفرقة ومرة عليها لوجوه من المصالح وضروب من الحكمة وليميز الله المؤمنين من غيرهم ويكرم بعضكم بالشهادة والله لا يُمكِّن الظالمين منهم لمحبته لهم.

{لِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ} (141)

بين سبحانه وجه المصلحة في مداولة الأيام بين الناس، ليبتلي الله الذين امنوا ويخلصهم من ذنوبهم ويهلك اعدائهم.

{أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} (142)

حث سبحانه على الجهاد ورَغَّبَ فيه وزاد في البيان والاخبار بأن الجنة لا تُنال الا بالبلوى والاختبار في الجهاد ليعلم صبرهم على القتال.

{وَلَقَدْ كُنتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ} (143)

فان بعض اصحاب الرسول (ص) كانوا يتمنون الموت قبل المعركة، حتى إذا وقعت المعركة ورأوا الموت رأي العين، لم يقدموا على ما كانوا يتمنونه بل تولوا عن القتال، فهل كان من الجائز ان يدخلوا الجنة بمجرد هذا التمني من غير ان يُمتحنوا أو يُمحَّصوا.

- الانقلاب على الأعقاب:

{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ} (144)

المعنى أن محمد (ص) ليس إلاّ رسولاً من الله مثل سائر الرسل، ليس شأنه إلاّ تبليغ رسالة ربه لا يملك من الأمر شيئاً، وإنما الأمر لله والدّين دينه باق ببقائه، فما معنى اتكاء ايمانكم على حياته، حيث يظهر منكم أنه لو مات أو قتل تركتم القيام بالدين، ورجعتم الى أعقابكم القهقرى وتخليتم عن الجهاد في سبيله سبحانه واتخذتم الغواية بعد الهداية وسيثيب الله الشاكرين على شكرهم لنعم الله واعترافهم بها.

{وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَابًا مُّؤَجَّلاً وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ} (145)

معناه ما كان لنفس لتموت إلا بإذن الله، فقد كتب الله لكل حيّ أجلاً ووقتاً لحياته، ووقتاً لموته لا يتقدم ولا يتأخر، ومن يرد بالجهاد واعماله ثواب الدنيا نؤته منها، ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها فلا ينبغي لأحد أن يطلب بطاعاته غير ثواب الله، وسنعطي الشاكرين جزاء شكرهم.

- المجاهدون السابقون:

{وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} (146)

كم من رسول حارب أو قتل معه علماء وعباد وجماعات فما فتروا لما أصابهم في الجهاد عن دينهم، وما فتروا وما خضعوا لعدوّهم (والله يحب الصابرين) في الجهاد فينصرهم ويرضى عنهم.

{وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} (147)

المعنى وما كان قولهم إلا استغفارهم بقولهم ربّنا اغفر لنا ذنوبنا وتجاوزنا الحد وتفريطنا وتقصيرنا (وثبت اقدامنا) في جهاد عدوك بتقوية القلوب وفعل الألطاف (وانصرنا على القوم الكافرين) بالقاء الرعب في قلوبهم وامدادنا بالملائكة.

{فَآتَاهُمُ اللّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (148)

يعني فأعطاهم الله سبحانه (ثواب الدنيا) بنصرهم على عدوّهم (والله يحب المحسنين) في أقوالهم وأفعالهم.

- تحذيرات مكررة:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِن تُطِيعُواْ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُواْ خَاسِرِينَ} (149)

يعني إن أصغيتم الى قول اليهود والمنافقين ان محمد (ص) قتل فارجعوا الى عشائركم يرجعوكم كفاراً كما كنتم (خاسرين) لأنفسكم بتبديل الكفر بالايمان والنار بالجنة.

{بَلِ اللّهُ مَوْلاَكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ} (150)

أي لهو سبحانه أولى بأن تطيعوه وهو أولى بنصرتكم وهو خير ناصر ومعين.

{سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ} (151)

أي سنقذف الخوف في قلوبهم لِشركهم بالله وقولهم عليه ما لا يجوز وما لم يجعل لهم في ذلك حجة ومستقرهم (النار) يعذبون بها، وبئس مقام الظالمين النار.

- الهزيمة بعد الانتصار:

{وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} (152)

معناه وفى الله سبحانه لكم بما وعدكم من النصر على عدوكم، إذ تقتلونهم بعلمه ولطفه حتى جبنتم عن عدوكم وكففتم واختلفتم (وعصيتم) أمر نبيكم في حفظ المكان من بعد ما اراكم النصرة على عدوكم (منكم من يريد) الغنيمة وهم الذين أخلوا المكان (ومنكم من يريد الآخرة) أراد عبد الله بن جبير ومن ثبت مكانه بقصد الجهاد الى ما عند الله. ثم كفكم (عنهم) إذ كرّوا عليكم فغلبوكم ليمتحن صبركم (ولقد عفا عنكم) بعد أن عصيتم أمر الرسول (ص) والله ذو نعمة على المؤمنين.

{إِذْ تُصْعِدُونَ وَلاَ تَلْوُونَ عَلَى أحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمَّاً بِغَمٍّ لِّكَيْلاَ تَحْزَنُواْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ مَا أَصَابَكُمْ وَاللّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} (153)

معناه ولقد عفا عنكم إذ تذهبون في وادي أحد للانهزام ولا تقيمون على من خلفتم في الحرب ولا تلتفتون اليهم ولا يقف احد منكم على أحد والرسول (ص) يناديكم من ورائكم فيقول ارجعوا إليّ عباد الله ارجعوا إليّ أنا رسول الله، فجازاكم غماً بسبب غمِّ أذقتموه الرسول بعصيانكم له وفشلكم لئلا تحزنوا على ما فاتكم من الغنيمة ولا تتركوا أمر النبي (ص) ولئلا تحزنوا على ما أصابكم من الشدائد في سبيل الله وليكن غمكم بأن خالفتم النبي (ص) فقط والله عالم بأعمالكم.

{ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِّنكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الأَمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} (154)

معناه ثم وهب الله لكم بعد ما نالكم من يوم أحد من الغم أمناً نعاساً أي نوماً وجماعة قد شغلتهم أنفسهم يتوهمون أن الله لا ينصر محمد (ص) واصحابه، ويقول بعضهم لبعض هل لنا من النصر والفتح والظفر نصيب (قل) يا محمد (ص) إن الله سبحانه ينصر من يشاء ويخذل من يشاء لا خاذل لمن نصره ولا ناصر لمن خذله وربما عجّل النصر وربما اخّره لضرب من الحكمة، يخفون في أنفسهم الشك والنفاق وما لا يستطيعون إظهاره لك (يقولون لو كان لنا من) الظفر كما وعدنا شيء ما قتل أصحابنا شكّاً منهم فيما وعده الله تعالى (قل) لهم لو تخلفتم عن القتال لما تخلف المؤمنون وليختبر الله ما في صدوركم بأعمالكم، وليخلص ما في قلوبكم من الشك ليظهر أسراركم فيقع الجزاء على ما ظهر والله عليم بما في صدوركم.

- الذنب ينتج ذنباً آخر:

{إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ وَلَقَدْ عَفَا اللّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} (155)

معناه إن الذين ولّوا الدبر يوم التقى جمع المسلمين وسيّدهم رسول الله (ص) وجمع المشركين ورئيسهم أبو سفيان (إنما استزلهم الشيطان) بمحبتهم للغنيمة مع حرصهم على تبقية الحياة (ولقد عفا الله عنهم) لتوبتهم (إن الله غفور) للذنوب (حليم) لا يعجل العقاب.

- إستغلال المنافقين:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَقَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُواْ فِي الأَرْضِ أَوْ كَانُواْ غُزًّى لَّوْ كَانُواْ عِندَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ لِيَجْعَلَ اللّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (156)

الآية تنهى المؤمنين أن يكونوا كالكافرين فيقولوا لمن مات منهم خارج بلده أو قومه، وفيمن قتل منهم في غزوة لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا، فإن هذا القول يسوق الانسان الى عذاب قلبي ونقمة إلهية وهو الحسرة في القلوب (ليجعل الله ذلك حسرة) وهذا القول هو من الجهل، فإن القرب والبعد منهم ليس بمحيي ومميت، بل ان الاحياء والاماتة من الشؤون المختصة بالله وحده (والله يحيي ويميت) فليتقوا الله ولا يكونوا مثلهم فإن الله (بما يعملون بصير).

{وَلَئِن قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} (157)

معناه (لئن قتلتم) في الجهاد (أو متم) قاصدين مجاهدة العدو إستوجبتم المغفرة والصفح عن الذنوب والرحمة والثواب والجنة من الله سبحانه وهو (خير مما يجمعون) من الأموال والمقاصد الدنيوية.

{وَلَئِن مُّتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللهِ تُحْشَرُونَ} (158)

أي سواء متم أو قتلتم فإن مرجعكم الى الله فيجزي كلاً منكم كما يستحق.

- الأمر بالعفو العام وأهمية المشاورة:

{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} (159)

معناه ان لينك لهم مما يوجب دخولهم في الدين لأنك تأتيهم مع سماحة أخلاقك وكرم سجيتك بالحجج والبراهين (ولو كنت) جافياً سيء الخلق قاسي الفؤاد لتفرق أصحابك عنك (فاعف عنهم) فرارهم (واستغفر لهم) من ذلك الذنب واستخرج آراءهم فاذا عقدت قلبك على الفعل فاعتمد على الله وثق به وفوّض أمرك إليه (إن الله يحب) الواثقين به والمعتمدين عليه والمنقطعين إليه.

{إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ} (160)

يعني (ان ينصركم الله) على من ناوأكم، فلا يقدر أحد على غلبتكم وإن يمنعكم معونته سبحانه فلا ناصر لكم فعليه توكلوا فلا ناصر سواه.

- الخيانة ممنوعة مطلقاً:

{وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} (161)

المعنى: حاشا ان يغل ويخون النبي ربه او الناس، والحال أن الخائن يلقى ربه بخيانته ثم توفى نفسه ثواب ما كسبت. وما عملت تاماً وافياً لا ينقص أحد مقدار ما يستحقه من الثواب.

- الذين لم يشاركوا في الجهاد:

{أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللّهِ كَمَن بَاءَ بِسَخَطٍ مِّنَ اللّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} (162)

معناه أفمن اتبع رضوان الله في ترك الغلول والجهاد في سبيل الله كمن باء بسخط من الله في فعل الغلول وترك الجهاد في سبيل الله سبحانه والفرار منه رغبة عنه مصيره ومرجعه جهنم وبئس المكان الذي صار إليه والمستقر

{هُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ اللّهِ واللّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} (163)

أي هم (المؤمنون) ذوو درجات رفيعة، والكافرون ذوو درجة خسيسة، والله تعالى عليم بأعمالهم ودرجاتهم يجازيهم بحسبها.

 - دراسة أخرى لمعركة أحد:

{أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (165)

معناه حين أصابكم القتل والجرح يوم أحد فإنه قتل من المسلمين سبعون رجلاً وكانوا هم أصابوا من المشركين يوم بدر مثليها فإنهم كانوا قتلوا من المشركين سبعين رجلاً واسروا سبعين (قلتم) من أيّ وجه أصابنا هذا ونحن مسلمون وفينا رسول الله (ص) وينزل عليه الوحي وهم مشركون، قل يا محمد (ص) ما اصابكم من الهزيمة والقتل من عند انفسكم وبخلافكم أمر ربكم وترككم طاعة الرسول (ص) والله سبحانه قادر على نصركم فيما بعد وإن لم ينصركم في الحال لمخالفتكم.

- لا بد أن تتميز الصفوف:

{وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ} (166)

يعني ما أصابكم من القتل يوم التقى جمع المسلمين وجمع المشركين في أحد فبعلم الله سبحانه وتخليته بينكم وبينهم.

{وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُواْ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوِ ادْفَعُواْ قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ} (167)

معناه وليميز المؤمنين من المنافقين وقيل للمنافقين (تعالوا قاتلوا في سبيل الله) خيّروا بين ان يقاتلوا للآخرة، أو للدفع عن أنفسهم، قالوا لو نحسن (قتالاً لاتبعناكم) هذا القول أمارة على كفرهم وتقوية لقول المشركين (الحمد لله الذي هدانا لهذا) يقولون بأفواههم من التقرب الى الرسول (ص) والايمان ما ليس في قلوبهم والله اعلم بما يضمرونه من النفاق والشرك.

- مزاعم المنافقين الباطلة:

{الَّذِينَ قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} (168)

معناه المنافقون قالوا (لإخوانهم) في النسب لا في الدين يعني عبد الله بن أبي واصحابه قالوا في قتلى أحد (لو أطاعونا) في القعود في البيت وترك الخروج الى القتال (ما قتلوا قل) لهم يا رسول الله (ص)، فادفعوا الموت عن أنفسكم (إن كنتم صادقين) ولا يمكنكم لأنه يجوز أن يدخل عليهم العدو فيقتلهم في قعر بيوتهم.

- الحياة الخالدة:

{وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} (169)

ذكر انها نزلت في شهداء بدر، أو أحد، المعنى (ولا تحسبن) والخطاب للرسول (ص) ولكل أحد (الذين قتلوا) في الجهاد وفي نصرة دين الله تعالى موتى بل هم أحياء (عند ربهم يرزقون) من نعيم الجنة مقربون شرفاً.

{فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} (170)

أي يسرّون بما أعطاهم الله من ضروب النعم في الجنة، ويسرّون بإخوانهم الذين فارقوهم وهم أحياء في الدنيا على مناهجهم من الايمان والجهاد لعلمهم بانهم إن استشهدوا لحقوا بهم وصاروا من كرامة الله الى مثل ما صاروا هم إليه وحصلوا عليه ويستبشرون بأن لا خوف عليهم فيمن خلفوه من ذريتهم لأن الله تعالى يتولاهم ولا هم يحزنون على ما خلفوا من أموالهم لأن الله قد أجزل ما عوضهم.

{يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ} (171)

يعني فرحين بما أتاهم الله من النعمة والفضل زيادة عليها في الجنة التي أشار اليها أمير المؤمنين (ع) في حديث طويل نقتصر على مقدار يسير منه: أبشر فإن لك ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.

- غزوة حمراء الأسد:

{الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِلّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَاتَّقَوْاْ أَجْرٌ عَظِيمٌ} (172)

يعني الذين اطاعوا الله في أوامره وأطاعوا الرسول (ص) من بعد ما نالهم الجراح في معركة أحد (للذين أحسنوا منهم) بطاعة رسول الله وإجابته الى الغزو (واتقوا) معاصي الله لهم ثواب جزيل.

{الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} (173)

المعنى ان أبا سفيان خرج في أهل مكة يريد قتال رسول الله (ص) فألقى الله عليه الرعب فرجع، فلقي نعيماً بن مسعود الاشجعي فوعده عشرة من الابل إن ثبط أصحاب محمد (ص) من القتال ففترهم، فقال (ص): (والذي نفسي بيده لأخرجن ولو وحدى) فخرج في سبعين وهم يقولون: (حسبنا الله) (إن الناس) أي: أبو سفيان وأصحابه قد جمعوا جموعاً كثيرة لكم فخافوهم (فزادهم ايماناً) وقالوا كافينا الله سبحانه وولينا وحفيظنا والمتولي لأمرنا ونعم الوكيل والكافي والمعتمد والملجاء.

{فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} (174)

أي فرجع النبي (ص) ومن معه بعافية من السوء وتجارة رابحة (لم يمسسهم) قتل (واتبعوا رضوان الله) بالخروج الى لقاء العدو (والله ذو فضل عظيم) على المؤمنين.

 {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} (175)

المعنى إنما ذلك التخويف الذي كان من نعيم بن مسعود من فعل الشيطان وباغوائه وتسويله يخوف أولياءه (فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين) لأن المؤمن لا يخاف إلا الله ولا يخاف أحد غيره ومن يخاف الله سبحانه يخاف منه كل شيء حتى هوام الأرض وسباعها وطيور السماء.

- الاستقامة والصمود:

{لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيرًا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} (186)

أي لنوقع عليكم المحن والشدائد (في اموالكم) بذهابها أو نقصانها وأنفسكم بالقتل والمصاب مثل ما نالكم يوم أحد (ولتسمعن) من اليهود ومن كفار مكة وغيرهم (أذى كثيراً) من تكذيب النبي (ص) وغير ذلك فإن صبرتم على ذلكم وتمسكتم بالطاعة ولم تجزعوا جزعاً يبلغ الاثم فإن ذلك من رشد وصواب ومحكم الأمور.

- المرابطة في سبيل الله:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (200)

أمر سبحانه المؤمنين بالصبر على قتال العدو والجهاد في سبيل الله تعالى والتقوى وعدم المخالفة لأوامره سبحانه لكي تظفروا وتفوزوا بنيل المنية والجنة.