دروس في مناهج التفسير

 

 جمعية القرآن الكريم للتوجيه والإرشاد

 - بيروت - لبنان

الطبعة الأولى، ربيع الأول 1433هـ // 2012م

الجزء الأول

الجزء الثاني

الجزء الثالث الجزء الرابع

الجزء الخامس

الجزء السادس الجزء السابع فهرس الكتاب
 المناهج التفسيرية 67
 المنهج الأول 69
 الدرس الخامس: المنهج التفسيري غير الاهتمام التفسيري 71
 إيضاح 71
 أنواع المناهج التفسيرية 72
 تفسير القرآن في ظل العقل الصريح 72
 واحد لا ثاني له 73
 القرآن والعقل العملي 77
 تنزيهه سبحانه عن العبث 78
 خلاصة الدرس 83
 الدرس السادس: تفسير القرآن على ضوء المدارس الكلامية 85
 تفسير الآيات على ضوء مدرسة الاعتزال 85
 التفسير على ضوء منهج الأشعري 90
 خلاصة الدرس 94

 


المناهج التفسيرية


 

 

 


 

 

 

 


 

 


الدرس الخامس: المنهج التفسيري غير الاهتمام التفسيري


 

 

وقبل الخوض في استعراض المناهج التي يغلب عليها الطابَع العقلي أو النقلي، نذكر نكتة في غاية الأهمية، وهي ضرورة التمييز بين موضوعين: هما:

1- المنهج التفسيري.

2- الاهتمام التفسيري.

فنقول: إنّ هاهنا بحثين:

الأوّل: البحث عن المنهج التفسيري لكل مفسّر، وهو تبيين طريقة كل مفسّر في تفسير القرآن الكريم، والأداة والوسيلة التي يعتمد عليها لكشف الستر عن وجه الآية أو الآيات؟ فهل يأخذ العقلَ أداةً للتفسير أو النقل؟ وعلى الثاني فهل يعتمد في تفسير القرآن على نفس القرآن، أو على السنّة، أو على كليهما، أو غيرهما؟

وبالجملة ما يتخذه مفتاحاً لرفع إبهام الآيات، وهذا هو ما نسمّيه المنهج في تفسير القرآن في كتابنا هذا.

الثاني: البحث عن الاتجاهات والاهتمامات التفسيرية، والمراد منها المباحث التي يهتم بها المفسّر في تفسيره مهما كان منهجه وطريقته في تفسير الآيات، مثلاً تارة يتجه إلى إيضاح المادة القرآنية من حيث اللغة، وأُخرى إلى صورتها العارضة عليها من حيث الإعراب والبناء، وثالثة يتجه إلى الجانب البلاغي، ورابعة يعتني بآيات الأحكام، وخامسة يصبّ اهتمامه على الجانب التاريخي والقصصي، وسادسة يهتم بالأبحاث الأخلاقية، وسابعة يهتم بالأبحاث الاجتماعية، وثامنة يهتم بالآيات الباحثة عن الكون وعالم الطبيعة، وتاسعة يهتم بمعارف القرآن وآياته الاعتقادية الباقية عن المبدأ والمعاد وغيرهما، وعاشرة بالجميع حسبما أُوتي من المقدرة.

ولا شك أنّ التفاسير مختلفة من حيث الاتجاه والاهتمام، إمّا لاختلاف أذواق المفسّرين وكفاءاتهم ومؤهّلاتهم، أو لاختلاف بيئاتهم وظروفهم، أو غير ذلك من العوامل التي تسوق المفسّر إلى صبِّ اهتمامه إلى جانب من الجوانب المذكورة أو غيرها، ولكن البحث عن هذا لا يمتّ بالبحث عن المنهج التفسيري للمفسّر بصلة، فمن تصور أنّ البحث عن اختلاف الاهتمامات والاتجاهات راجع إلى البحث عن المنهج التفسيري فقد تسامح.

وإن شئت أن تفرق بين البحثين فنأتي بكلمة موجزة، وهي أنّ البحث في المناهج بحث عن الطريق والأسلوب، والبحث في الاهتمامات بحث عن الأغراض والأهداف التي يتوخّاها المفسّر، وتكون علة غائية لقيامه بالتأليف في مجال القرآن.

 

 

إذا تبيّن الفرق بين البحثين فنقول: إنّ التقسيم الدارج في تبيين المناهج هو أنّ المفسّر إمّا يعتمد في رفع الستر عن وجه الآية على الدليل العقلي أو على الدليل النقلي، ونحن أيضاً نقتفي في هذا البحث أثر هذا التقسيم لكن بتبسيط في الكلام.

 

 

قد يطلق التفسير بالعقل، ويراد به التفسير بغير النقل، سواء أكان التفسير بالعقل الفطري، أم بالقواعد الدارجة في المدارس الكلامية، أم بتأويلات الباطنية، أم الصوفية، أم التفسير حسب العلوم الحديثة.

والتفسير بالعقل بهذا المعنى يعمّ جميع هذا النوع من التفسير. وبهذا صار أيضاً ملاكاً لتقسيم المناهج التفسيرية إلى المنهج العقلي والنقلي.

وقد يطلق ويراد به تفسير الآيات من منظار العقل الفطري والعقل الصريح والبراهين المشرقة غير الملتوية الواضحة لكلّ أرباب العقول، وهذا هو المراد في المقام، وهو بهذا المعنى قسم من المناهج التفسيرية العقلية فلاحظ [107].

وبما أنَّ العقل الصريح يقسم إلى عقل نظري [108] وإلى عقل عملي، فالآيات الواردة حول العقائد والمعارف تفسر في ظل العقل النظري، كما أنّ الآيات الواردة حول الحقوق والأخلاق والاجتماع تفسر بما هو المسلم عند العقل العملي.

ولأجل إيضاح هذا النوع من التفسير بالعقل الذي يفارق التفسير على سائر المعايير العقلية كما أشرنا إليها، نذكر نماذج في مجالي العقل النظري والعقل العملي، ولنقدّم الكلام في الأوّل على الثاني.
 


[107]  والعقل بالمعنى الأوّل مقسم للمناهج الستة، وبالمعنى الثاني قسم منه.

[108]  المراد من العقل النظري: إدراك ما يجب أن يعلم، كحاجة الممكن إلى العلة؛ والمراد من العقل العملي، إدراك ما يجب أن يعمل ويطبَّق على الحياة، كقولنا: العدل حسن والظلم قبيح.


 

 

يقول سبحانه: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [109] فالآية تنفي أن يكون له سبحانه أيُّ مثل وندّ، وفي سورة أُخرى يقول: ﴿ وَلَمْ يَكُن لََّهُ كُفُواً أَحَدٌ [110] وهذه عقيدة صريحة إسلامية، يمكن أن يفسر في ضوء الحكم العقلي كالتالي.
 

أ. صرف الوجود لا يتعدّد:

إذا كان الموجود منزهاً عن كلّ حد وقيد بحيث ليس له واقعية سوى الوجود المطلق فهو لا يتكرر ولا يتعدد، بمعنى أنَّه لا تتعقل له الاثنينية والكثرة، لأنّ ما فرضته ثانياً بحكم أنَّه أيضاً منزّه عن كلّ قيد وحدّ وخليط يكون مثل الأوّل فلا يتميز ولا يتشخص، وقد فسّر الإمام أمير المؤمنين علي (عليه السلام) الآية على ضوء هذا الحكم العقلي.

روى الصدوق أنّ أعرابياً قام يوم الجمل إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: يا أمير المؤمنين أتقول: إنّ الله واحد؟، قال فحمل الناس عليه، وقالوا: يا أعرابي أما ترى ما فيه أمير المؤمنين من تقسم القلب؟، فقال أمير المؤمنين: « دعوه، فإنَّ الذي يريده الأعرابي هو الذي نريده من القوم » ... ثمّ قال شارحاً ما سأله عنه الأعرابي: « وقول القائل واحد، يقصد به باب الأعداد، فهذا ما لا يجوز، لأنّ ما لا ثاني له لا يدخل في باب الأعداد، أما ترى أنّه كفر من قال: ثالث ثلاثة ».

ثمّ قال: « معنى هو واحد: أنَّه ليس له في الأشياء شِبْه، كذلك ربّنا، وقول القائل إنّه عزّ وجلّ أحديُّ المعنى يعني به أنّه لا ينقسم في وجود ولا عقل ولا وهم، كذلك ربّنا عزّ وجلّ » [111].

فالإمام (عليه السلام) لم يكتف ببيان المقصود من وصفه سبحانه بأنّه واحد، بل أشار إلى معنى آخر من معاني توحيده وهو كونه أحديّ الذات، الذي يهدف إلى كونه بسيطاً لا جزء له في الخارج والذهن. والتوحيد بهذا المعنى هو القسم الثاني من التوحيد الذاتي المبحوث عنه في محلّه.

 

ب. التعدّد يستلزم التركيب:

لو كان هناك واجب وجود آخر لشارك الواجبان في كونهما واجبي الوجود، ولا بدّ من تميز أحدهما عن الآخر بشيء وراء ذلك الأمر المشترك، كما هو الحال في كلّ مثلين، وذلك يستلزم تركب كلّ منهما من شيئين: أحدهما يرجع إلى ما به الاشتراك، والآخر إلى ما به الامتياز، والمركب بما أنّه محتاج إلى أجزائه لا يكون موصوفاً بوجوب الوجود، بل يكون ـ لأجل الحاجة ـ ممكناً وهو خلاف الغرض.

وباختصار لو كان في الوجود واجبان للزم إمكانهما وذلك أنَّهما يشتركان في وجوب الوجود فإن لم يتميّزا لم تحصل الاثنينية، وإن تميّزا لزم تركب كلّ واحد منهما ممّا به المشاركة وما به الممايزة، وكلّ مركب ممكن فيكونان ممكنين، وهذا خلاف الفرض.

 

ج. الوجود اللامتناهي لا يقبل التعدّد:

هذا البرهان مؤلّف من صغرى وكبرى والنتيجة هو وحدة الواجب وعدم إمكان تعدّده، وإليك صورة القياس حتى نبرهن على كلّ من صغراه وكبراه.

وجود الواجب غير متناه.

وكلّ غير متناه واحد لا يقبل التعدّد.

فالنتيجة وجود الواجب واحد لا يقبل التعدّد.

وإليك البرهنة على كلّ من المقدّمتين.

أمّا الصغرى: فإنَّ محدودية الموجود، ملازمةٌ لتلبّسه بالعدم. ولأجل تقريب هذا المعنى لاحظ الكتاب الموضوع بحجم خاص، فإنَّك إذا نظرت إلى أيّ طرف من أطرافه ترى أنّه ينتهى إليه وينعدم بعده، ولا فرق في ذلك بين صغير الموجودات وكبيرها، حتّى أنّ جبال الهملايا مع عظمتها محدودة لا نرى أي أثر للجبل بعد حدّه. وهذه خصيصة كلّ موجود متناه زماناً أو مكاناً أو غير ذلك، فالمحدودية والتلبس بالعدم متلازمان.

وبتقرير آخر: إنَّ عوامل المحدودية تتمحور في الأُمور التالية:

1- كون الشيء محدوداً بالماهية ومزدوجاً بها، فإنَّها حد وجود الشيء والوجود المطلق بلا ماهية غير محدد ولا مقيد وإنّما يتحدّد بالماهية.

2- كون الشيء واقعاً في إطار الزمان، فهذا الكم المتصل (الزمان) يحدّد وجود الشيء في زمان دون آخر.

3- كون الشيء في حيّز المكان، وهو أيضاً يُحدّد وجود الشيء ويخصّه بمكان دون آخر.

وأمّا الكبرى فهي واضحة بأدنى تأمل، وذلك لأنّ فرض تعدّد اللامتناهي يستلزم أن نعتبر كلّ واحد منهما متناهياً من بعض الجهات حتى يصحّ لنا أن نقول هذا غير ذاك، ولا يقال هذا إلاّ إذا كان كلّ واحد متميزاً عن الآخر، والتميّز يستلزم أن لا يوجد الأول حيث يوجد الثاني، وكذا العكس. وهذه هي «المحدودية» وعين «التناهي»، والمفروض أنَّه سبحانه غير محدود ولامتناه.

فيستنتج من هاتين المقدّمتين أنَّ وجود الواجب واحد لا يقبل التعدّد.

ومن لطيف القول ما نجده في كلامه سبحانه حيث إنّه بعد ما يصف نفسه بالوحدانية يعقبه بوصف القهارية ويقول ﴿ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ [112]، وما ذلك إلاّ لأنّ المحدود المتناهي مقهور للحدود والقيود الحاكمة عليه، فإذا كان قاهراً من كلّ الجهات لم تتحكم فيه الحدود، فكأنّ اللامحدودية تلازم وصف القاهرية وقد عرفت أنّ ما لا حدّ له يكون واحداً لا يقبل التعدّد، فقوله سبحانه: ﴿ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ﴾ من قبيل ذكر الشيء مع البيّنة والبرهان.

 

- لا مدبر للكون إلاّ الله:

إنَّ القرآن يستدلّ على وحدة المدبّر ببرهان شيّق، ويقول: ﴿ لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ [113] والمراد من الإله في المقام هو الإله الخالق رداً للثنوية الذين يظنون أنَّ خالق الخير غير خالق الشر أو النصرانية حيث ذهبت إلى التثليث.

وحاصل البرهان: إذا افترضنا أنَّ للكون خالقَيْن وأنَّ العالم مخلوق لإلهَيْن،  فإنّه لا بدّ أن نقول ـ وبحكم كونهما اثنين ـ إنّهما يختلفان عن بعض في جهة أو جهات، وإلاّ لما صحّت الاثنينية والتعدّد أي لما صحّ ـ حينئذ ـ أن يكونا اثنين دون أن يكون بينهما أي نوع من الاختلاف.

ومن المعلوم أنّ الاختلاف في الذات سبب للاختلاف في طريقة التدبير والإرادة بين المختلفَيْن ذاتاً.

فإذا كان تدبير العالم العلوي ـ مثلاً ـ من تدبير واحد من الإلهَيْن وتدبير العالم السفلي من تدبير إله آخر، فإنَّ من الحتمي أن ينفصم الترابط بين نظامي العالمَيْن ويزول الارتباط بينهما، لأنّه من المستحيل تدبير موجود ذي أجزاء منسجمة بتدبيرَيْن متنافيَيْن متضادَّيْن.

وينتج من ذلك التفكك بين جزئَي العالم، وبالتالي فساد الكون بأسره من سماوات وأرض وما بينهما، لأنّا جميعاً نعلم بأنّ بقاء النظام الكوني ناشئ من الارتباط الحاكم على أجزاء المنظومة الشمسية بحيث لو فقد هذا الارتباط على أثر الاختلاف في التدبير ـ مثل أن تختل قوتا الجذب والدفع ـ لتعرّض الكون بأسره للخلل ولم يبق للكون وجود ولا أثر.

هذا هو البرهان المشرق الذي يفسر الآية بالعقل الصريح.

إلى هنا تبيّن كيفية تفسير الآية بالعقل الصريح، وقد أتينا بنموذجين من هذه المقولة، أعني:

أ. واحد لا ثاني له.

ب. ليس للعالم مدبّر سواه.

فالنموذجان من قبيل تفسير الآية بالعقل الصريح النظري في مقابل التفسير بالعقل الصريح العملي الذي سنوضحه تالياً.


[109]  سورة الشورى، الآية: 11.

[110]   سورة الاخلاص، الآية: 4.

[111]   توحيد الصدوق: 83-84 .

[112]  سورة الرعد، الآية: 19.

[113]  سورة الأنبياء، الآية: 22.


 

 

قسّم الحكماء العقل إلى عقل نظري وعقل عملي، والمراد هو تقسيم المدرك إلى هذين القسمين، وإلاّ فالعقل المدرِك واحد بجوهره ووجوده، فما يدركه لو كان من قبيل ما يجب أن يُعلم ويُدرك فهو عقل نظري كما عرفت من الأمثلة السابقة حيث أدركنا أنَّ الله سبحانه واحد لا نظير له، وأنَّه مدبّر لا مدبّر سواه.

وأمّا ما يدركه العقل ممّا يجب أن يعمل ويطبق على الحياة فيعبر عنه بالعقل العملي أي المدرَك الذي يجب أن يعمل به في نظر العقل وهذا ما يعبر عنه بالتحسين والتقبيح العقليّين الذي له فروع وشؤون في نظر العقل.

فهناك من يفسر القرآن الكريم بالعقل الصريح العملي، ونشير إلى نموذجين من هذه المقولة.

 

 

إذا قلنا بالتحسين والتقبيح العقليين وأنَّ العقل يدرك لزوم ما يحسنه العقل والاجتناب على ما يقبحه يفسر بذلك لفيف من الآيات.

أ. أنَّه سبحانه يصف فعله بالنزاهة عن العبث واللغو، ويقول:

﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ [114].

﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ [115].

﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنَ النَّارِ [116].

﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [117].

وعلى ضوء ذلك فأفعاله سبحانه لا تنفك عن الأغراض، لكن الغرض غاية للفعل لا للفاعل، وبذلك يعلم جواب السؤال التالي:

لو كان فعله تعالى نابعاً عن الغرض لكان ناقصاً بذاته، مستكملاً بتحصيل ذلك الغرض، لأنّه لا يصلح غرضاً للفاعل إلاّ ما هو أصلح له من عدمه وهو معنى الاكتمال.

والجواب: إنَّ السائلَ خلط بين الغرض الراجع إلى الفاعل والغرض الراجع إلى فعله، فالاستكمال موجود في الأوّل دون الثاني، والقائل بأنَّ أفعاله سبحانه ليست منفكّة عن الغايات والدواعي إنّما يعني بها الثاني، أي كونه غرضاً للفعل دون الأوّل، فإنَّ الغرض بالمعنى الأوّل ينافي كونه غنياً بالذات، والغرض بالمعنى الثاني يوجب خروج فعله عن كونه عبثاً ولغواً وكونه سبحانه عابثاً ولاغياً، فالجمع بين كونه غنياً غير محتاج إليه وكونه حكيماً منزّهاً عن العبث واللغو يحصل باشتمال أفعاله على مصالح وحكم ترجع إلى العباد والنظام لا إلى وجوده وذاته.

نعم ربما يمكن أن يقال أنَّ هذا النوع من التفسير يرجع إلى تفسير الآية في ضوء المدارس الكلامية مع أنّ البحث في غيره.

والجواب أنَّ المقصود من المدارس الكلامية هو الأحكام العقلية غير الواضحة على أكثر العقول، وأمّا الظاهر عليه فهو تفسير بالعقل الصريح، والتحسين والتقبيح من هذا النوع من الإدراكات العقلية وإنَّ استخدمته العدلية في مدارسهم الكلامية.

ب. الله عادل لا يجور:

إنّه سبحانه يصف نفسه بكونه قائماً بالقسط، يقول: ﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ [118].

وكما شهد على ذاته بالقيام بالقسط، عرف الغاية من بعثة الأنبياء بإقامة القسط بين الناس.

قال سبحانه: ﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ [119].

كما صرح بأنَّ القسط هو الركن الأساس في محاسبة العباد يوم القيامة، إذ يقول سبحانه: ﴿ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً [120].

وما في هذه الآيات وغيرها إرشادات إلى ما يدركه العقل من صميم ذاته، بأنّ العدل كمال لكلّ موجود حي مدرك مختار، وأنَّه يجب أن يوصف الله تعالى به في أفعاله في الدنيا والآخرة، ويجب أن يقوم سفراؤه به.

وبعبارة أُخرى: الله سبحانه عادل، لأنَّ الظلم قبيح، ولا يصدر القبيح من الحكيم، فلا يصدر الظلم من الله سبحانه.

هذا نموذج ثان لتفسير الآيات بالعقل العملي الصريح، وعليك الإمعان في الآيات التي ترجع إلى العقائد، كي تستخرج منها ما يرجع إلى العقل النظري وما يرجع إلى العقل العملي وتفسيرها بأحدهما في نهاية الأمر.

بَقِيَتْ هنا أُمور:

الأوّل: إنَّه سبحانه يصف نفسه في سورة الحشر بصفات لا يمكن تفسيرها إلاّ في ضوء العقل الصريح، فمن رفض العقل في تفسير القرآن الكريم يعرقل خطاه في تفسير هذا القسم من الآيات.

يقول سبحانه: ﴿ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ  ﴾.

﴿ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾.

﴿ هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [121].

وفي هذا القسم من التفسير لا يهتم المفسر في إخضاع الآيات لمنهج عقلي كلامي خاص، وإنّما هو من قبيل الاستضاءة بهذه الأُصول الثابتة عند العقل في تحصيل الآيات.

الثاني: إنَّ من اتّخذ العقل أداة وحيدة للتفسير يجب عليه الاقتصار على تفسير الآيات الراجعة إلى العقائد والمعارف وشيئاً مما يرجع إلى الأخلاق والمسائل الاجتماعية ولا يتمكن من تفسير آيات الأحكام والقصص والمغازي وما أشبهها.

الثالث: السيد نور الدين الحسين العراقي (المتوفّى عام 1341 هـ. ق.) صاحب كتاب « القرآن والعقل » وقد طبع في أجزاء ثلاثة، فقد قام بتفسير القرآن بما يوحي إليه عقله الشخصي ويدركه بوجدانه، وإنّما أسمى كتابه بهذا لأنّه لم يكن حين تأليف التفسير كتاب سوى تفسير الجلالين وقد ألّفه وهو في ساحات الحروب ينتقل من نقطة إلى أُخرى.

وعلى كلّ تقدير فليس ما ألّفه على غرار ما ذكرنا من التفسير بالعقل السليم، وإليك نماذج من بعض تفسيراته:

1. قال في تفسير قوله سبحانه جواباً لطلب موسى (عليه السلام) الرؤية: قال: ﴿ وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً [122].

2. قال: وقد يقال إنَّ كلمة الشرط ﴿ فَإِنِ اسْتَقَرَّ ﴾ تدلّ على سببية الشرط للجزاء، وأي سببية بين بقاء جبل ورؤية موسى (عليه السلام) مع كون الجبل من الجمادات، وموسى (عليه السلام) إنساناً كاملاً ؟!

فأجاب بقوله: لو كان المراد بالرؤية الرؤية، البصرية الجسمية، فالربط بين الشرط والجزاء يكون حاصلاً، فإنَّ الجسم الصلب العظيم غير الشاعر بالتجلّي، إذا لم يبق وصار مندكاً، فالعين الباصرة التي هي مركبة من العناصر وفي منتهى اللطافة تتلاشى بمشاهدة التجلّي مع كونها ذي حس بالأولوية القطعية [123].

3. يقول في تفسير قوله سبحانه: ﴿ فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ (74) إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ [124].

كان إبراهيم يجادل رسل الله تبارك وتعالى في إهلاك قوم لوط حيث استدعى إمهالهم لعلّهم يرجعون لكن إبراهيم خوطب بترك الجدال وقال: ﴿ يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ [125].

أمر سبحانه إبراهيم بالإعراض عن الشفاعة، وذلك لأنّ الشفاعة فرع وجود الاستعداد في المشفوع له لا بعد شهود زوال الاستعداد للكمال، وصيرورة أخلاقهم الفاسدة ملكات راسخة غير زائلة [126].

4. يقول في تفسير قوله سبحانه: ﴿ فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ [127].

قال في وجه رجوع العالي إلى السافل، والسافل إلى العالي: إنّ المورد كبعض الزلازل العظيمة التي تنشق الأرض بسببها، فإذا انهدمَت تقع العوالي وتصل إلى المنشقات وتصير السفلى، والأسفل يقع في البعد ويصير أعلى [128].

5- يقول في تفسير قوله سبحانه: ﴿ لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ [129].

ومن تلك الآيات الكذب البيّن حيث أَتَوْا بالقميص صحيحاً وفي الوقت نفسه قالوا افترسه الذئب مع أنّهما متناقضان.

ثمّ يقول: ونظير ذلك أنَّ  قريشاً يتّهمون النبي بأنّه مسحور أو مجنون مع ما يرون في النبي من العقل والذكاء، والبرهنة والاستدلال، ومع ذلك يخفونه ويظهرون جنونه [130].

 

خلاصة الدرس


 الصورة الأولى من المناهج التفسيرية العقلية:

 (أ) تفسير القرآن في ظل العقل الصريح:

 المراد به في المقام هو تفسير الآيات من منظار العقل الفطري والعقل الصريح والبراهين المشرقة غير الملتوية الواضحة لكل أرباب العقول.

 فمثلاً، نفسر من خلال هذا المنهج قوله سبحانه: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ التي تنفي أي مثل وندٍّ لله تعالى أو كما في قوله عزّ وجلّ ﴿ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾ فهو واحد لا ثاني له، فصرف الوجود لا يتعدد، فإذا كان الموجود منزهاً عن كل حد وقيد بحيث ليس له واقعية سوى الوجود المطلق فهو لا يتكرر ولا يتعدد. فالتعدد يستلزم التركيب، وكل مركب ممكن وهذا خلاف الفرض.

 البرهان على أن الوجود اللامتناهي لا يقبل التعدد هو:

 الصغرى: وجود الواجب غير متناه.

 الكبرى: وكل غير متناه واحد لا يقبل التعدد.

 فالنتيجة: وجود الواجب واحد لا يقبل التعدد.

 (ب): قسم الحكماء العقل إلى عقل نظري وعقل عملي، فما يدركه لو كان من قبيل ما يجب أن يعلم ويُدرك فهو عقل نظري كما عرفت من الأمثلة السابقة، أن الله واحد لا نظير له، وأنه مدبّر لا مدبّر سواه وغير ذلك من أنه فوق أن يُرى وأنه الأول والآخر والظاهر والباطن.

 وأما ما يدركه العقل مما يجب أن يعمل فيعبّر عنه بالعقل العملي أي المدرك الذي يجب أن يعمل به في نظر العقل وهذا ما يعبر عنه بالتحسين والتقبيح العقليين.

 وأن العقل يدرك لزوم ما يحسنه العقل والاجتناب عمّا يقبحه، يفسر بذلك عدد من الآيات.

 منها قوله سبحانه ﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ ﴾ وقوله تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ وغيرها والمقصود من المدارس الكلامية هو الأحكام العقلية غير الواضحة على أكثر العقول، وأما الظاهر عليه فهو تفسير بالعقل الصريح، والتحسين والتقبيح من هذا النوع من الإدراكات العقلية.

 


[114]  سورة المؤمنون، الآية: 115.

[115]  سورة الدخان، الآية: 38.

[116]  سورة ص، الآية: 27.

[117]  سورة الذاريات، الآية: 56.

[118]  سورة آل عمران، الآية: 18.

[119]  سورة الحديد، الآية: 25.

[120]  سورة الأنبياء، الآية: 47.

[121]  سورة الحشر، الآيات: 22-24.

[122]  سورة الأعراف، الآية: 134.

[123]  القرآن والعقل: 2/ 83.

[124]  سورة هود، الآيات: 74-75.

[125]  سورة هود، الآية: 76.

[126]  القرآن والعقل: 2/329.

[127]  سورة هود، الآية: 82.

[128]  القرآن والعقل: 2/333.

[129]  سورة يوسف، الآية: 7.

[130]  القرآن والعقل: 2/367.


 

 


الدرس السادس: تفسير القرآن على ضوء المدارس الكلامية


 

هذا هو القسم الثاني من تفسير القرآن بالعقل أي بغير الأثر المروي، والمراد من هذا القسم هو إخضاع الآيات للعقائد التي اعتنقها المفسّر في مدرسته الكلامية، ونجد هذا اللون من التفسير بالعقل غالباً في تفاسير أصحاب المقالات: المعتزلة والأشاعرة، فإنَّ لهؤلاء عقائد خاصة في مجالات مختلفة، زعموها حقائق راهنة على ضوء الاستدلال، وفي مجال التفسير حملوا الآيات على معتقدهم، وإن كان ظاهر الآية يأباه ولا يتحمّله غير إنّ هذا النمط من التفسير بالرأي والعقل، يختلف حسب بُعد المعتقد عن مدلول الآية، فربما يكون التفسير بعيداً عن الآية، ولكن تتحمّلها الآية بتصرف يسير، وربما يكون الأصل الكلامي بعيداً عن الآية غاية البعد بحيث لا تتحمّله الآية حتى بالتصرف الكثير فضلاً عن اليسير.

ولا يمكننا التوسع في هذا المضمار بل نقتصر على تفسير الآيات على ضوء المدرستين الكلاميتين المعتزلة والأشاعرة، فلنقدم البحث في الأُولى.

 

أ - الشفاعة حطّ الذنوب أو رفع الدرجة:

إنَّ الشفاعة لم تكن فكرة جديدة ابتكرها الإسلام وانفرد بها، بل كانت فكرة رائجة بين جميع أُمم العالم من قبلُ وخاصةً بين الوثنيّين واليهود. نعم إنّ الإسلام قد طرحها مهذَّبة من الخرافات، وممّا نُسِج حولها من الأوهام، ومن وقف على آراء اليهود والوثنيّين في أمر الشفاعة يقف على أنَّ الشفاعة الدارجة بينهم كانت مبنيّة على رجائهم لشفاعة أنبيائهم في حط الذنوب وغفران آثامهم، ولأجل هذا الاعتقاد كانوا يقترفون المعاصي ويرتكبون الذنوب، تعويلاً على ذلك الرجاء، فالآيات النافية للشفاعة والمثبتة لها تحت شرائط خاصة كلها راجعة إلى الشفاعة بهذا المعنى فلو نُفِيَت فالمنفي هو هذا المعنى، ولو قُبِلت والمقبول هو هذا المعنى، والآيات الواردة في مجال الشفاعة على سبعة أنواع لا يصح تفسيرها إلاّ بتفسير بعضها ببعض، وتمييز القسم المردود منها عن المقبول.

ومع ذلك نرى أنّ المعتزلة يخصُّون آيات الشفاعة بأهل الطاعة دون العصاة ويرتكبون التأويل في موردها، وما هذا إلاّ للموقف الذي اتّخذوه في حقّ العصاة ومقترفي الذنوب، في أبحاثهم الكلامية، فقالوا بخلود أهل العصيان في النار إذا ماتوا بلا توبة.

قال القاضي عبد الجبار: « إنّ شفاعة الفسّاق الذين ماتوا على الفسوق ولم يتوبوا، يتنزل منزلة الشفاعة لِمن قتلَ ولدَ غيره، وترصّد للآخر حتى يقتله، فكما أنّ ذلك يقبح، فكذلك هاهنا » [131].

والذي دفع القاضي إلى تصوير الشفاعة في حقّ المذنب بما جاء في المثال، هو اعتقاده الراسخ بالأصل الكلامي الذي يعدّ أصلاً من أُصول منهج الاعتزال (خلود العاصي ـ إذا مات بلا توبة في النار) وفي الوقت نفسه يعرب عن غفلته عن شروط الشفاعة، فإنَّ بعض الذنوب الكبيرة تقطع العلائق الإيمانية بالله سبحانه كما تقطع الأواصر الروحية بالشفيع، فأمثال هؤلاء ـ العصاة ـ محرومون من الشفاعة، وقد وردت في الروايات الإسلامية شروط الشفاعة وحرمان طوائف منها.

ولو افترضنا صحة ما ذكره من التمثيل فحكمه بحرمان العصاة من الشفاعة اجتهاد في مقابل نصوص الآيات وإخضاع لها لمدرسته الفكرية.

يقول الزمخشري في تفسير قوله سبحانه: ﴿ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ [132] « ولا خُلَّة  حتى يسامحكم أخلاّؤكم به، وإن أردتم أن يحطّ عنكم ما في ذمّتكم من الواجب لم تجدوا شفيعاً يشفع لكم في حط الواجبات، لأنّ الشفاعة ثمّة في زيادة الفضل لا غير » [133].

يلاحظ عليه: أنّ الآية بصدد نفي الشفاعة بالمعنى الدارج بين اليهود والوثنيين لأجل أنّهم كفّار، وانقطاع صلتهم عن الله سبحانه، وبالتالي إثباتها في حقّ غيرهم بإذنه سبحانه ويقول في الآية التالية: ﴿ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ﴾ وأمّا أنَّ حقيقة الشفاعة زيادة الفضل لا حطّ الذنوب فهو تحميل للعقيدة على الآية، فلو استدلّ القائل بها على نفي الشفاعة بتاتاً لكان أولى من استدلاله على نفي الشفاعة للكفّار، وذلك لأنَّ المفروض أنَّ الشفاعة بمعنى زيادة الفضل لا حطُّ الذنوب، وهو لا يتصور في حقّ الكفّار لأنّهم لا يستحقون الثواب فضلاً عن زيادته.

ب: هل مرتكب الكبيرة يستحق المغفرة أو لا؟

اتفقت المعتزلة على أنّ مرتكب الكبيرة مخلّد في النار إذا مات بلا توبة [134] وفي ضوء ذلك التجأوا إلى تأويل كثير من الآيات الظاهرة في خلافه نذكر منها آيتين:

الأولى: يقول سبحانه: ﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ [135].

فالآية ظاهرة في أنّ مغفرة الربّ تشمل الناس في حال كونهم ظالمين، ومن المعلوم أنّ الآية راجعة إلى غير صورة التوبة وإلاّ لا يصح وصفهم بكونهم ظالمين، فلو أخذنا بظاهر الآية فهو يدلّ على عدم جواز الحكم القطعي بخلود مرتكب الكبيرة في النار إذا مات بلا توبة، لرجاء شمول مغفرة الربّ له، ولمّا كان ظاهر الآية مخالفاً للأصل الكلامي عند صاحب الكشاف، حاول تأويل الآية بقوله: فيه أوجه:

1- أن يريد قوله ﴿ عَلَى ظُلْمِهِمْ ﴾ السيئات المكفَّرة، لمجتنب الكبائر.

2- أو الكبائر بشرط التوبة.

3- أو يريد بالمغفرة الستر والإمهال [136].

وأنت خبير بأنّ كل واحد من الاحتمالات مخالف لظاهر الآية أو صريحها.

الثانية: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ [137].

والآية واردة في حقّ غير التائب، لأنّ الشرك مغفور بالتوبة أيضاً، فيعود معنى الآية أنّ الله سبحانه يغفر ما دون الشرك لمن يشاء وإن مات بلا توبة، فتكون نتيجة ذلك عدم جواز الحكم القطعي بخلود مرتكب الكبائر في النار، ولمّا كان مفاد الآية مخالفاً لما هو المحرّر في المدرسة الكلامية للمعتزلة حاول صاحب الكشاف تأويل الآية فقال:

الوجه أن يكون الفعل المنفي والمثبت جميعاً موجهَّيْن بقوله تعالى: ﴿ لِمَن يَشَاءُ ﴾ كأنّه قيل: « إنّ الله لا يغفر لمن يشاء الشرك ويغفر لمن يشاء ما دون الشرك » على أنّ المراد بالأوّل من لم يتب وبالثاني من تاب، نظير قولك: إنّ الأمير لا يبذل الدينار ويبذل القنطار لمن يشاء، تريد لا يبذل الدينار لمن لا يستأهله ويبذل القنطار لمن يستأهله [138].

يلاحظ عليه: أنَّ ما ذكره خلاف ظاهر الآية وقد ساقته إليه مدرسته الكلامية فنزّل الأوّل مورد عدم التوبة، والثاني موردها، حتى تتفق الآية ومعتقده.

كما أنَّه لا دلالة في الآية على تقييد الثاني بالتوبة، لأنّه تفكيك بين الجملتين بلا دليل، بل هما ناظرتان إلى صورة واحدة وهي صورة عدم اقترانهما بالتوبة فلا يغفر الشرك لعظم الذنب ويغفر ما دونه.

ومن هذا القبيل أيضاً، تفسيره لقوله سبحانه: ﴿ وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً [139].

فقد فسره الزمخشري على ضوء مذهب الاعتزال من خلود أصحاب الكبائر ـ إذا ماتوا بلا توبة ـ في النار، وجعل هذه الآية من أدلة عقيدته، فقال: هذه الآية فيها من التهديد والإيعاد، والإبراق والإرعاد، أمر عظيم وخطب غليظ، ـ إلى أن قال ـ والعجب من قوم يقرأون هذه الآية ويرون ما فيها ويسمعون هذه الأحاديث العظيمة، ثمّ لا تدعهم أشعبيتهم وطماعيتهم الفارغة، واتّباعهم هواهم، وما يخيل إليهم مناهم، أن يطمعوا في العفو عن قاتل المؤمن بغير توبة ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾.

فإن قلت: هل فيها دليل على خلود من لم يتب من أهل الكبائر؟ قلت: ما أبين الدليل، وهو تناول قوله ﴿ وَمَن يَقْتُلْ ﴾ أي قاتل كان ما من مسلم أو كافر، تائب أو غير تائب، إلاّ انّ التائب أخرجه الدليل، فمن ادّعى إخراج المسلم غير التائب فليأت بدليل مثله [140].

إنّ ما ذكره الزمخشري بطوله قد ذكره القاضي عبد الجبار على وجه الإيجاز، وقال: وجه الاستدلال أنَّه تعالى بين أن من قتل مؤمناً عمداً جازاه وعاقبه، وغضب عليه ولعنه وأخلده في جهنم [141].

يلاحظ عليه أوّلاً: أنّ دلالة الآية بالإطلاق، فكما خرج منه القاتل الكافر إذا أسلم، والمسلم القاتل إذا تاب، فليكن كذلك من مات بلا توبة ولكن اقتضت الحكمة الإلهية أن يتفضل عليه بالعفو، فليس التخصيص أمراً مشكلاً.

وثانياً: انّ المحتمل أن يكون المراد القاتل المستحل لقتل المؤمن، أو قتله لإيمانه وهذا غير بعيد لمن لاحظ سياق الآيات. ومثل هذا يكون كافراً خالداً في النار.


[131]  شرح الأصول الخمسة / 688.

[132]  سورة البقرة، الآية: 254.

[133]   الكشاف: 291/1 في تفسير الآية رقم  254 من سورة البقرة.

[134]  لاحظ أوائل المقالات: 14، وشرح الأُصول الخمسة: 659.

[135]  سورة الرعد، الآية: 6.

[136]  الكشاف: 2/158.

[137]  سورة النساء، الآية: 48.

[138]  الكشاف: 1/ 401 في تفسير الآية المذكورة.

[139]  سورة النساء، الآية: 93.

[140]  الكشاف: 1/ 416.

[141]  الأُصول الخمسة: 659.


 

 

التفسير على ضوء منهج الأشعري

 

إنَّ فخر الدين محمد بن عمر بن الحسين الرازي (543 - 606هـ) ممّن فسر كثيراً من الآيات القرآنية على ضوء مذهبه ومنهجه الذي يتبعه وهو مذهب الإمام الأشعري، وهو أشعري في العقيدة، شافعي في الفقه، فلنذكر نماذج من تفاسيره.

 - جواز التكليف بما لا يطاق:

إنّ جواز التكليف بما لا يطاق من مذاهب الأشاعرة ولقد احتج الرازي على مذهبهم بالآيات التالية: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [142].

وقوله سبحانه: ﴿ لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ [143].

وقوله: ﴿ ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً  ـ إلى قوله: ـ سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً [144].

﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ [145].

ثمّ أخذ بتقرير دلالة هذه الآيات على جواز التكليف بما لا يطاق بوجوه أربعة:

أوّلاً: إنَّه تعالى أخبر عن أشخاص معيّنين أنَّهم لا يؤمنون قط، فلو صدر منهم الإيمان، لزم انقلاب خبر الله تعالى الصدق كذباً.

وثانياً: إنَّه تعالى لمّا علم منهم الكفر، فكان صدور الإيمان منهم مستلزماً  لانقلاب علمه تعالى جهلاً.

وثالثاً: إنَّه تعالى كلّف هؤلاء ـ الذين أخبر عنهم بأنّهم لا يؤمنون ـ بالإيمان البتة، والإيمان يعتبر فيه تصديق الله تعالى في كلّ ما أخبر عنه، وممّا أخبر عنه أنَّهم لا يؤمنون قط، فقد صاروا مكلّفين بأن يؤمنوا بأنّهم لا يؤمنون قط، وهذا تكلّف بالجمع بين النفي والإثبات [146].

يلاحظ عليه: أنّ الوجدان السليم والعقل الفطري يحكم بامتناع تكليف ما لا يطاق، فلا تنقدح الإرادة في لوح نفس الآمر وضمير روحه إذا علم أنَّ المأمور غير قادر على العمل، ولذلك قلنا في محله أنَّ مرجع التكليف بما لا يطاق إلى كون نفس التكليف محالاً، ولذلك يقول سبحانه: ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا [147].

وأمّا الوجوه التي اعتمد عليها الرازي فموهون جداً، وذلك أنَّ علمه الأزلي الذي اعتمد عليه في الوجهين الأوّلين لم يتعلّق بصدور كلّ فعل عن فاعله على وجه الإطلاق، بل تعلّق علمه بصدور كل فعل عن فاعله حسب الخصوصيات الموجودة فيه، وعلى ضوء ذلك تعلّق علمه الأزلي بصدور الحرارة من النار على وجه الجبر، بلا شعور كما تعلّق علمه الأزلي بصدور الرعشة من المرتعش، عالماً بلا اختيار، ولكن تعلّق علمه سبحانه بصدور فعل الإنسان الاختياري منه بقيد الاختيار والحرية، فتعلّق علمه بوجود الإنسان وكونه فاعلاً مختاراً وصدور فعله عنه اختياراً ـ فمثل هذا العلم ـ يؤكد الاختيار ويدفع الجبر عن ساحة الإنسان.

وإن شئت قلت: إنّ العلّة إذا كانت عالمة شاعرة، ومريدة ومختارة كالإنسان، فقد تعلّق علمه بصدور أفعالها منها بتلك الخصوصيات وانصباغ فعلها بصبغة الاختيار والحرية، فلو صدر فعل الإنسان منه بهذه الكيفية كان علمه سبحانه مطابقاً للواقع غير متخلّف عنه، وأمّا لو صدر فعله عنه في هذا المجال عن جبر واضطرار بلا علم وشعور، أو بلا اختيار وإرادة، فعند ذلك يتخلّف علمه عن الواقع.

إذا عرفت ذلك فلنرجع إلى تحليل ما ذكره الرازي بلفظه، فقال:

فلو صدر منهم الإيمان لزم انقلاب خبر الله تعالى الصدق كذباً، فنقول:

إنّ هؤلاء لا يصدر منهم الإيمان إلى يوم القيامة قطعاً لكن لا من جهة إخباره سبحانه عنه بل لأجل اختيارهم وانتخابهم عدم الإيمان إلى يوم القيامة، فالإخبار عن عدم تديّنهم شيء، وكون الإيمان خارجاً عن الاختيار شيء آخر، والآية تخبر عن الأوّل دون الثاني.

ومنه يظهر ضعف كلامه الثاني حيث قال: « فكان صدور الإيمان منهم مستلزماً لانقلاب علمه تعالى جهلاً »، وذلك لأنّه سبحانه أخبر عن عدم صدور الإيمان وبما أنَّه مخبر صادق لا يصدر منهم الإيمان لكن لا لأجل أنَّ الله أخبر عنه، بل لأجل مبادئ كامنة في أنفسهم تجرّهم إلى عدم الإيمان، فالإخبار عن عدم الإيمان شيء وكون الإيمان خارجاً عن اختيارهم شيء آخر، والآية تخبر عن الأوّل دون الثاني.

وبما ذكرنا من التحليل تقدر على تحليل الوجه الثالث إذ نمنع أنَّهم كانوا مكلّفين بعدم الإيمان بل كان أبو لهب مكلفاً بالتوحيد والرسالة فقط.
 

2 - امتناع رؤية الله أو إمكانها:

ذهبت الأشاعرة إلى جواز رؤيته سبحانه يوم القيامة، وهذا هو الأصل البارز في مدرستهم الكلامية، ثم إنّ هناك آيات تدلّ بصراحتها على امتناع رؤيته سبحانه فحاولوا إخضاع الآيات لنظريتهم، وإليك نموذجاً واحداً، يقول سبحانه:

﴿ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (102) لَّا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [148].

ومن المعلوم أنّ الإدراك مفهوم عام لا يتعيّن في البصري أو السمعي أو العقلي إلاّ بالإضافة إلى الحاسّة التي يراد الإدراك بها، فالإدراك بالبصر يراد منه الرؤية بالعين، والإدراك بالسمع يراد منه السماع، هذا هو ظاهر الآية، وهي تنفي إمكان الإدراك بالبصر على الإطلاق.

ولمّا وقف الرازي على أنّ ظاهر الآية أو صريحها لا يوافق أصله الكلامي، لأنّها ظاهرة في نفي الإدراك بالبصر، قال: إنّ أصحابنا (الأشاعرة) احتجّوا بهذه الآية على أنّه يجوز رؤيته والمؤمنون يرونه في الآخرة، وذلك لوجوه:

أنّ الآية في مقام المدح فلو لم يكن جائز الرؤية لما حصل التمدّح بقوله: ﴿ لَّا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ ﴾ ألا ترى أنّ المعدوم لا تصح رؤيته، والعلوم والقدرة والإرادة والروائح والطعوم لا تصح رؤية شيء منها ولا يمدح شيء منها في كونها ﴿ لَّا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ ﴾ فثبت أنّ قوله: ﴿ لَّا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ ﴾ يفيد المدح، إلاّ إذا صحت الرؤية.

والعجب غفلة الرازي عن أنّ المدح ليس بالجزء الأوّل فقط، أعني:  ﴿ لَّا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ ﴾، بل المدح بمجموع الجزأين المذكورين في الآية كأنّه سبحانه يقول: والله جلّت عظمته يدرك أبصاركم، ولكن لا تدركه أبصاركم، فالمدح بمجموع القضيتين لا بالقضية الأُولى.

إنَّ لفظ ﴿ الْأَبْصَارُ ﴾ صيغة جمع دخل عليها الألف واللام فهي تفيد الاستغراق بمعنى أنّه لا يدركه جميع الأبصار، وهذا لا ينافي أن يدركه بعض الأبصار [149].

يلاحظ عليه: إنَّ الآية تفيد عموم السلب لا سلب العموم، بقرينة كونه في مقام بيان رفعة ذاته، وشموخ مقامه.

كأنّه سبحانه يقول: لا يدركه أحد من جميع ذوي الأبصار من مخلوقاته ولكنّه تعالى يدركهم وهذا  نظير قوله سبحانه: ﴿ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ [150] وقوله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ [151].

إلى غير ذلك من الوجوه الواهية التي ما ساقه إلى ذكرها إلاّ ليُخضِعَ الآيةَ لمعتقده.

 

خلاصة الدرس


 الصورة الثانية من المناهج العقلية: تفسير القرآن على ضوء المدارس الكلامية.

 المراد من هذا القسم هو إخضاع الآيات للعقائد التي اعتنقها المفسّر في مدرسته الكلامية، ونجد هذا اللون من التفسير بالعقل غالباً في تفاسير أصحاب المقالات: المعتزلة والأشاعرة فقد حملوا الآيات على معتقدهم، وإن كان ظاهر الآية يأباه ولا يتحمله وتشير إلى  نموذجين في ذلك:

 1- نرى أنّ المعتزلة يخصّون آيات الشفاعة بأهل الطاعة دون العصاة ويرتكبون التأويل في موردها، وما هذا إلاّ للموقف الذي اتخذوه في حق العصاة ومقترفي الذنوب، في أبحاثهم الكلامية، فقالوا بخلود أهل العصيان في النار إذا ماتوا بلا توبة.

 2- ذهب الأشاعرة إلى جواز التكليف بما لا يطاق وقد احتج الرازي على مذهبهم بالآيات منها: قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ [152] وأخذ بتقرير دلالة الآيات على جواز التكليف بما لا يطاق بوجوه أربعة موهونة.

 فالوجدان السليم والعقل الفطري يحكم بامتناع تكليف ما لا يطاق، قال سبحانه: ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا [153].

 

 


[142]  سورة البقرة، الآية: 6.

[143]  سورة يس، الآية: 7.

[144]  سورة المدثر، الآيات: 11-17.

[145]  سورة المسد، الآية: 1.

[146]  تفسير الرازي: 2/42.

[147]  سورة البقرة، الآية: 286.

[148]  سورة الأنعام، الآيات: 102-103.

[149]  تفسير الرازي: 12/125.

[150]  سورة غافر، الآية: 35.

[151]  سورة لقمان، الآية: 18.

[152]  سورة البقرة، الآية: 6.

[153] سورة البقرة، الآية: 286.