موجز في أخلاق المُرَبي
على ضوء الكتاب والسنة
 

 جمعية القرآن الكريم للتوجيه والإرشاد - بيروت - لبنان

الطبعة الأولى، محرم 1432هـ // 2010م

بقلم الشيخ جعفر الهادي

 المقدمة

5

 التربية وصياغة الشخصية الانسانية

7

 التربية العملية أكثر تأثيراً

8

 هدف التربية الأسمى

9

 أصعب مرحلة في عملية التربية

10

 بيان نموذجَيْن

 1 - لقمان الحكيم

12

 2 - النبي المصطفى (ص)

14

 التفاصيل في كتب التاريخ

17

 التربية غير المباشرة

18

 الصغار والشباب أكثر قبولاً للتربية

19

 قواعد اضافية هامة في التربية

20

 


  المقدمة


بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف خلق الله محمد وعلى آله الطاهرين وأصحابه المنتجبين.

يقول سبحانه وتعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (1)

هذه الآية الشريفة تبين للداعية والمربي بعض أهم الأوامر الأخلاقية الأساسية التي ينبغي التحصن بها عند مواجهة المنحرفين على أساس منطقي.

فهذه بعض الأصول المنطقية في طريق الدعوة الى الله عزّ وجل من خلال الموعظة الحسنة لتحريك الوجدان والمجادلة بالحق والعدل والصحة والأمانة والصدق، الخالية من أية إهانة أو تحقير أو تكبر أو مغالطة والمحافظة على الأبعاد الإنسانية السليمة عند المناظرة.

والباري عز وجل يعلم بمن سيهتدي ومن سيبقى على ضلاله، ولكن الداعية يقوم بواجبه وكما قال السيد الامام الخامنئي (دام ظله) «القرآن مشعل الهداية» من هنا وجدت جمعية القرآن الكريم أنه من المهم نشر هذا الكتيّب تحت عنوان «موجز من أخلاق المربي على ضوء الكتاب والسنة» المكتوب بقلم العلامة الشيخ جعفر الهادي (دامت بركاته).

سائلين المولى سبحانه لنا ولكم تمام الفائدة والاعتبار.

 

جمعية القرآن الكريم

للتوجيه والارشاد

 تم بتاريخ 16/ ذو الحجة /1431هـ

 


  التربية وصياغة الشخصية الإنسانية


 تمثل التربية العامل الأقوى في تكوين الشخصية الإنسانية إلى جانب الوراثة كعامل أوّلي والبيئة كعامل أخير.

فأول مصدر يقتبس الانسان منه جملة من خصوصياته الجسدية والروحية هما الوالدان اللذان ينتقل منهما الى الطفل الصفات الجسدية كالصحة والمرض، واللون والطول وغيرها من الملامح الجسدية الى جانب جملة من الصفات الخلقية والروحية، والنفسية والخلقية.

ولكن يبقى للتربية دور هام في تعديل او إضافة بعض الصفات الخلقية، لكون الإنسان كائناً مختاراً يمتلك القدرة على التغيير، والانسلاخ من حالة، والاتصاف بحالة أخرى ان شاء وبفعل الإرادة.

ولهذا قد يولد الإنسان من والدين شريرين خبيثين، ولكنه إذا تربى في حضن شخص صالح، وتربى على أخلاق وسجايا نبيلة، ينشأ صالحاً ويصبح فاضلاً، كريماً نبيلاً.

وهذه حقيقة دلت عليها شواهد تاريخية كثيرة ملموسة.

وأما البيئة الاجتماعية بل وحتى الطبيعة كالصديق والجار والشارع والمناخ والتربية فإنها هي الأخرى تترك أثرها في الإنسان ما دامت لا تصطدم بحالة من الممانعة والرفض الداخلي الذي ينشأ من التصورات، والمفاهيم الذي يكتسبها الإنسان ويحصل عليها المربي، لكون الانسان كائناً شاعراً مختاراً محاسباً بحسب منافعه ومضاره، ومصالحه ومفاسده، ويختار بالمآل ما يناسبه.

ولهذا جاء في الحديث الشريف عن الامام علي (ع): «خير ما ورث الآباء الأبناء الأدب».

 


  التربية العملية أكثر تأثيراً


يتفق علماء التربية قديماً وحديثاً على أن التربية على نوعين:

- التربية القولية، وذلك بالموعظة والنصيحة، والهداية والارشاد.

- التربية العملية، بأن يعمل المربي بما يأمر به وينتهي عما ينهى عنه فيُقتدى به.

ويتفق علماء التربية قديماً وحديثاً أيضاً على ان التربية العملية أكثر تأثيراً من التربية القولية.

ويترجح الرأي الثاني لأن الإنسان مفطور على الاقتداء بقدوة من الصغر ولذلك نرى الطفل يقلد أباه فإذا كان خطيباً قلده في الخطابة، وإذا كان والده عسكريا قلده في حركاته العسكرية، ولبس بِزَّةً مثل بزتَه وكذا البنات يقلدن أمهاتهن فيتخذن دمية طفل وترضعنها وتفعلن ما تفعل الأمهات بأولادهن.

ويستمر هذا الاقتداء والتقليد فيقلد الإنسان من يصادق في الزقاق ثم اصدقاءه في المدرسة ثم معلمه ثم الشخصيات العلمية او الوطنية او الفنية فنراه يتخذ صور احدى هذه الشخصيات ويعلقها في غرفته او عند سرير نومه، وشيئاً فشيئاً يقلد شخصيته المختارة في هندأمها، وشعرها، ولباسها، ومشيها، وتكلمها وسائر تصرفاتها.

وما هذا إلا لرغبة الإنسان الفطرية في تقليد الكبار، والاقتداء بقدوة، والاتساء بأسوة.

ومن هذا المنطلق لفت القرآن الكريم نظر البشرية الى القدوات الصالحة سواء في عالم الرجال أم عالم النساء.

قال تعالى في هذا الصدد {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ} (2)

وقال عز وجل ايضاً {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً} (3)

هذا في مجال الرجال، وأما في مجال النساء، فذكر السيدة مريم (ع)، تصريحا وذكر زوجة فرعون وزوجة أيوب ونظرائهن تلويحاً.

ولقد صرح الامام أمير المؤمنين (ع) بهذه الحقيقة كما في نهج البلاغة اذ قال: «من نصب نفسه اماما فليبدأ بتعليم نفسه قبل تأديب غيره وليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه ومعلم نفسه ومؤدبها أحق بالإجلال من معلم الناس ومؤدبهم».(4)

 


  هدف التربية الأسمى


ان هدف التربية هو بناء الإنسان الصالح، فإن الإنسان صورة وسيرة فهو جميل في صورته وإن كانت مقاييس الجمال تختلف تبعاً لاختلاف الاذواق والسلائق ولكنه مع ذلك يبقى الإنسان في أحسن تقويم بالقياس الى غيره من المخلوقات.

على انه لا يمتلك التصرف في صورته فهو مجبور على القبول بالأمر الواقع في هذا المجال.

ولكن سيرته فهي على العكس من ذلك، فهو قادر على التصرف فيها وتغييرها من حسن إلى أحسن، أو من حسن إلى سيء أو سيء إلى حسن.

ومن أهم أهداف التربية صياغة السيرة البشرية، صياغة حسنة تناسب مكانته بين المخلوقات، وتتلاءم مع منزلته في الوجود.

ويمكن ان تكون للتربية أهدافٌ أخرى مثل تربية الانسان على مهنة، أو صنعة معينة ولكن هذه الأهداف أهداف جانبية. ولقد بعث الأنبياء لتربية الانسان وصياغته صياغة ربانية، وهي مهمة صعبة ويسيرة ولكنها قيمة جداً، وربما عبر عن هذه التربية بعبارات وألفاظ أخرى، كالهداية والتزكية والتأديب وما شابه ذلك من الألفاظ التي تعطي نفس معنى التربية أو قريباً منه.

ولقد قدم الأنبياء نماذج رائعة ممن تربوا في مدرستهم كانوا قمة في النزاهة، والطهر والمناقبية والمثالية، كما غيروا بفضل هذه التربية أوضاع شعوب وحالات أقوام.

 


  أصعب مرحلة في عملية التربية


ان التربية أشبه ما تكون بالزراعةِ فالذي يريد ان يحصل على منتوج جيد عليه ان يقوم بثلاث مراحل هي عبارة عن:

- مرحلة التخلية ويعتني فيها بتنظيف التربة من الشوائب وتخليتها من الزوائد المضرة.

- مرحلة التحلية ويعتني فيها بغسل التربة من رواسب الحال السابقة، ومن الأملاح.

- مرحلة التجلية ويعتني فيها بغرس الشجيرات الجيدة وبذر البذور الصالحة.

فإذا قام المزارع بهذه الخطوات حصل على محصول جيد كماً وكيفاً، واما إذا غرس او بذر من دون ان يغسل التربة من الشوائب العالقة بها ومن دون ان يتخلص من الأملاح الضّارة، حصل على منتوج فاسد مصاب بالآفات والأوبئة.

فلا بد من تزكية النفوس، وتنقيتها، وتنظيفها مما ترسخ فيها من الخلال والخصال الفاسدة أولا ثم زرع الصفات النبيلة والخصال الحميدة فيها.

ولهذا قُدمت التزكية على التعليم في اكثر من آية وتعني التزكية تنظيف النفس وتطهيرها مما علق بها من الشوائب والكدورات، وتخليصها من نقاط الضعف.

قال تعالى:{لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ} (5).

وقال عز وجل {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ} (6)

ولا شَك ان هذا صعب جداً في إقلاع الإنسان عما تعوّد عليه من العادات من أصعب الأمور.

ولهذا قال الامام الحسن العسكري (ع) (رد المعتاد عن عادته كالمعجز) (7).

من هنا تحتاج عملية التربية الى قدر كبير من الصبر والحلم، والتحمل والتؤدة وقدر كبير من المداراة لقول الشاعر العربي:

ان الغصون إذا قومتها اعتدلت ولا يلين، إذ قوّمته، الخشبُ.

فالانسان ما دام صبياً وفي مقتبل العمر امكن تربيته واذا اعتاد على خُلُقٍ فمن الصعب تغييره.

 


  بيان نموذجَيْن


لقمان الحكيم

يضع القرآن الكريم أمامنا نموذجين من أفضل المربين على طريقة القرآن الكريم الذي يشير عادة الى النماذج في كل موضوع.

وهذان النموذجان هما أولاً لقمان الحكيم وثانياً الرسول الأكرم (ص)، ونبدأ بلقمان الذي سميت سورة باسمه في القرآن الكريم هي السورة 31.

يضعنا القرآن الكريم في هذه السورة أمام نموذج رفيع، وفريد من التربية والتوجيه البناء من والد لولده تتجلى فيه الحكمة والرحمة، وهي تستحق الدراسة النفسية.

ولقد قال النبي الأكرم محمد (ص) عن لقمان: حقا أقول، لم يكن لقمان نبياً، ولكن كان عبداً كثير التفكير، حسن اليقين، أحب الله فأحبه الله، ومنّ عليه بالحكمة.

تبدأ النصيحة الأبوية من لقمان لابنه بقوله: يا بني، وهي تختلف عن الخطاب بألفاظ مثل يا ولدي ويا بني، ففي كلمة يا بني الكثير من العطف واللطف والحنان والرحمة، والدغدغة العاطفية، إذ تمثل وتُصوّر والداً يحنو على ولده الصغير، ويدنيه من قلبه.. وكم لهذه الترنيمة والالتفاتة من أثر في فؤاد الولد وهو يسمع هذه العبارة الحلوة وهذه الكلمة المعسولة.

ثم إن لقمان يبدأ بتوصية هامة وهي النهي عن الشرك بالله لكون الشرك أعظم معصية وأعظم ظلم اذ هو ظلم لله بجعل أحد مخلوقيه شريكا وشبيهاً له عز وجل، وظلم لنفس المشرك لأنه انحراف عن جادة الصواب وظلم للآخرين لنفس السبب فهو ظلم مضاعف.

ثم ينصحه بالحذر من الآخرة لأن الله يأت فيها بكل ما عمله من معصية مهما كان صغيراً وحقيراً ويا لها من فضيحة !! ويا لها من عار!!

ثم يوصيه بالصلاة وهو شكر يستتبع نعماً متجددة وهو أيضاً ارتباط بأقوى قوة ويوصيه بعد ذلك بفريضتي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهما ضمانتان لصلاح البيئة الاجتماعية التي يعيش فيها، ثم يوصيه بالصبر والثبات، والمقاومة أمام المحن، وهو سبب للنجاح، ويوصيه بعدم التكبر، وعدم الترفع على الناس ليتجنب العداوات والحساسيات المضرة، ويوصيه بالاعتدال في المشي والوسطية في السلوك، ويختم وصيته الاجتماعية بوصية أخلاقية ويؤدبه بأدب رفيع وهو بان لا يرفع صوته، انها تربية رائعة وأوامر ونواهي منطقية ومرغوب فيها كل وقت، انها تربية تستحق المزيد من البحث والدراسة لأن الناس أحوج ما يكونون إليها. إن الإيمان الصحيح هو الإيمان بالله الواحد الأحد، الفرد الصمد، وتجنب الشرك هو الذي يحفظ المجتمع من التشتت، والتشرذم، وما يلي ذلك من التوصيات، والنصائح الاخلاقية تشكل أبرز عوامل السعادة والكرامة والاستقرار والأمن.

 


النبي المصطفى (ص)

يعتبر الرسول الأعظم محمد بن عبد الله (ص) أنجح مربٍ لأنه:

اولاً: لم يقم بتربية شخص أو أشخاص بل قام بتربية أمة كبيرة.

وثانياً: لأن هذه الأمة كانت تعاني من انحرافات أخلاقية كثيرة وكبيرة.

وثالثاً: لأن الانحرافات كانت مزمنة ومتأصلة في النفوس منذ زمن بعيد.

ورابعاً: لأن أبرز ما كانت تعاني منه تلك الأمة هي الانحراف العقائدي المتمثل في الشرك والوثنية البغيضة، مضافاً الى غياب التعقل، وغلبة الجهل والتعصب.

وخامساً: لأنه ليس فقط امتنع عن نصرته أكثر أقربائه بل خالفوه وحاربوه وفي مقدمتهم عمه المتنفذ أبو لهب، والذي صرّح القرآن الكريم باسمه لغاية مهمة، وهي أن يعرف من يأتي مستقبلاً ما عاناه خاتم الأنبياء من الأذى والنصب، في سبيل الدعوة الى دينه الحنيف: الاسلام.

ولقد عبّر القرآن الكريم عن هذه الحالة المتردية بالضلال المبين  تارة، وبالجاهلية تارة أخرى.

ولقد قام النبي الأكرم (ص) بهذه المهمة الكبرى بمفرده، في ظروف معاكسة، وفي حالة صعبة من فقدان أبسط الامكانات والمستلزمات، ومن فقدان الانصار والمؤيدين اللهم إلا زوجته خديجة (رضوان الله عليها) وصبي في الثانية عشرة من العمر هو علي (ع) وشيخ طاعن في السن وهو أبو طالب (رضوان الله عليه) !!

إن القرآن الكريم يعزي هذا النجاح في التربية الى عامل كلي وهو الخلق العظيم حيث وصفه الباري تعالى قائلاً {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}.

ثم يفصل القرآن الكريم هذا الموضوع في آيات عديدة منها:

{لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} (8)

{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} (9)

{أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4) فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6) فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8)} (10) 

{وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (11)

 

لقد بيّن  القرآن الكريم في هذه الآيات وغيرها، أبرز عوامل نجاح الرسول الكريم في تربية الناس وانها كانت عبارة عن:

  • حبه الصادق للمؤمنين برسالته

  • حرصه على راحتهم وأمنهم

  • لطفه ورحمته بهم والرأفة بهم

  • عفوه وصفحه عن أخطائهم

  • الاستغفار والدعاء بالمغفرة لهم

  • اعطاء الشخصية لهم بمشاورتهم في الأمور المرتبطة بحياتهم اليومية

  • إجتناب العنف والشدة معهم

  • تحمل أذاهم ومزاحمتهم له

  • اتساع صدره لهم وعدم مضايقته منهم، وبمكائدهم له

  • صبره معهم وعدم الاستعجال بمعاقبتهم

 

هذا مجمل ما كان يتحلى به رسول الله (ص) من خلق عظيم مع قومه رغم ما كانوا يتصفون به من شكاسة في الخلق، وغلظة وفظاظة، وقسوة ونخوة، وجفاف طبع، وحدّة مزاج، وبهذه الخلق لا بالمال، وبهذه السيرة العظيمة لا بالوعود المعسولة استطاع ان يسيطر على أشد خصومه ويتغلب على أقوى معارضيه ويفتح القلوب قبل البلدان ويسيطر على الأفئدة قبل الأبدان وهي أخلاق وسيرة وأساليب لو توفرت في المربين الآن لأتت بنفس النتائج والثمار إذ البشر نفس البشر والانسان نفس الانسان.

ولم يرد الله من ذكرها إلا أن ينبه الآخرين إليها فيتخذوها منهجاً ومناراً وهو تعالى القائل {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} وما أعظمها وأكملها من أسوة وقدوة.

 


  التفاصيل في كتب التاريخ


ومن أراد أن يقف على تفاصيل ونماذج عملية من هذه الخلق فما عليه إلا أن يطالع كتب التاريخ  والسيرة والحديث مثل:

  • مكارم الأخلاق للطبرسي

  • بحار الأنوار للمجلسي، الجزء السادس عشر

  • سنن النبي للعلامة الطباطبائي

  • نهج البلاغة

  • السيرة الحلبية

  • الطبقات الكبرى لابن سعد الكاتب، وغير ذلك

 


  التربية غير المباشرة


هناك تربية غير مباشرة مثل قول رسول الله (ص) عندما كان يسمع ان أحد أصحابه تحدث بشيء ضده «ما بال جماعة يقولون عني كذا وكذا» ولا يصرّح باسم الشخص الذي تكلم ضده.

ومثل هذا ما جاء في الحديث الشريف «عاتب أخاك بالاحسان إليه».

وهذه تربية ولكن غير مباشرة فائدتها أنها تنبه الشخص على خطاه وفي نفس الوقت لا تنهدم شخصيته عند نفسه ولا عند غيره كما أنها لا تنتهي الى تجرّئه.

ومن هذا القبيل ذكر النصيحة والتربية الأخلاقية من خلال ذكر وسرد القصص التاريخية أو بتعبير آخر من خلال ذكر تجارب الآخرين كما قال الامام علي (ع) «أي بني إني وإن لم أكن عمرت عمر من كان قبلي  فقد نظرت في أعمالهم وفكرت في أخبارهم وسرت في آثارهم حتى عدت كأحدهم بل كأني بما انتهى الي من أمورهم قد عمرت مع أولهم فاستخلصت لك من كل أمر نخيله وتوخيت لك جميله وصرفت عنك مجهوله..» (12)

ومن هنا جاء التأكيد الكثير والكبير – في الثقافة الاسلامية – على مطالعة التاريخ والتأمل فيه.

ومن هذا القبيل الأمثلة السائرة لما في ذلك من العبرة والتذكرة، والتنبيه والتوعية والتربية غير المباشرة.

 


  الصغار والشباب أكثر قبولاً للتربية


يجمع علماء التربية على أن للعمر والسن أثراً في تأثير التربية وعدم تأثيرها وهذا ما ذهب إليه الدين فإن أحد أصحاب المعصومين (ع) لما كُلّف من قبل الامام بالذهاب الى منطقة للدعوة والتبليغ ولم يوفق في مجال العمل بين الكبار، كتب الى الامام (ع) يشكو إليه ذلك أجابه الامام (ع) بقوله «عليك بالأحداث فإن قلب الحدث كالأرض الخالية ما ألقي فيه شيء إلا قبلته».

نعم إن قلب الحدث كالأرض الخالية التي لم يزرع فيها شيء ولم تفسد بما يتخلف بعد كل غرس أو زرع، فهي نقية من الرواسب ولهذا تتفاعل مع كل موعظة ونصيحة عكس قلب الكبار المليئة بالرواسب والشوائب ولهذا تجدها عصية على الموعظة والنصيحة والارشاد، متعصبة أمام التوجيه المعنوي.

وكذا الشباب ومن هو في مقتبل العمر، فهم أسرع الى قبول الحق ونصرته ولذلك قال النبي الاعظم (ص) «نصرت بالشباب».

فقد كان الامام علي (ع) بطل كل الحروب التي دارت بين الاسلام وأعدائه (راجع المغازي للواقدي) وأيضاً رجل المهمات الصعبة، شاباً؟؟

وكان مصعب بن عمير والذي بعثه النبي الكريم لهداية أهل المدينة شاباً ؟؟ هذا على سبيل المثال لا الحصر.

ولهذا قال الشاعر: ان الغصون إذا قومتَها اعتدلت     ولا يلينُ إذا، قوّمته، الخشبُ

 


  قواعد اضافية هامة في التربية


- المربي الناجح هو من يسجل الخطوات التي قام بها في مجال تربية الشخص  وهو من يركز في التربية على شخصين أو ثلاثة لا أكثر حتى يتسنى له البناء الموفق للشخصية.. فالبشر ليسوا كومة بصل، بل هم مجموعة عقول ونفوس وردود أفعال سلبية أو إيجابية.

- المربي الناجح هو الذي يراعي طاقة وقدرات من يقوم بتربيته، فلا يحمله فوق طاقته {لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} // {لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا}.

وقال النبي الأكرم (ص) «يسر ولا تعسر بشر ولا تنفر» .

- المربي الناجح هو الذي يكون صديقاَ لمن يربيه قبل أن يكون أستاذا ومربياَ واحيانا قيماً وبوليساً !!

- المربي الناجح هو من يوجد الشوق والرغبة لدى من يربيه لا من يبعث الخوف والرهبة، نعم الوقار شيء آخر.

- المربى الناجح هو من يراعي حقوق من يقوم بتربيته (فليس بأخيك من ضيعت حقوقه) كما قال الإمام علي (ع).

- المربي الناجح هو من لا يستهين بأحوال وأوضاع من يقوم بتربيته (فمن ضيعه الأقرب تناوله الأبعد) كما قال الإمام علي بن أبي طالب (ع).

- المربي الناجح هو من لا يتوقع ممن يقوم بتربيته ان يكافئه بالإحسان فيفتر اذا واجه الحرمان بل عليه ان يحمل روح الأنبياء واخلاص اصحاب الرسالات.

- المربي الناجح هو من يتسلح بسلاح علم النفس وعلم الأخلاق، فهما ركيزتا التربية.

- المربي الناجح هو من يقتدي بكل ما تحلى به النبي (ص) والأئمة (ع) من أخلاق.

نسأل الله سبحانه أن يوفقنا لكي نتصف بهذه الصفات ويجعلنا من الناجحين في إرشاد الآخرين والحمد لله رب العالمين.

 



 

 (1)  - النحل: 125

 (2)  - الممتحنة: 40

 (3)  - الأحزاب: 21

 (4)  - قصار الحكم: 72

 (5)  - آل عمران: 164

 (6)  - الجمعة: 2

 (7)  - بحار الأنوار /ج 75 ص 374

 (8)  - التوبة: 128

 (9)  - آل عمران: 159

 (10)  - الشرح

 (11)  - التوبة:61

 (12)  - الكتاب رقم 31