الميسّر في علوم القرآن


  المقدمة

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

    والحمد لله رب العالمين، والصلاة على أشرف الأنبياء وخاتم الرسل، حبيب إله العالمين ابي القاسم محمد، البشير النذير، والسراج المنير، جاء بالحق وصدع بالرسالة لينقذ الناس من العمى والحيرة والضلالة، والسلام عليه وعلى أله الاطهار، حجج الله في خلقه، والأدلآء على شريعته...

   منذ أكثر من عشر سنوات كنت أحاضر في تفسير القران الكريم في سوريا وايران واماكن اخرى، فبهرتني بلاغة القران الكريم واعجازه والأسرار التي تحتويه اياته وكلماته، فكلما قرأت اية أر نفسي أمام عظمة لا يمكن أن توصف بكلمات إنسان عاجز قاصر لا يعرف حقيقة وجوده، فكيف بحقيقة خالقه دابداع صنعه ؟! لقد كلت الألسن عن وصفه سبحانه، وعجزت العقول عن إدراك كنهه، وقصرت الكلمات عن تعريفه أو الإحاطة به، وصدق أمير المؤمنين لمّا قال : لا يبلغ مدحته القائلون، ولا يحصي نعماءه العادون، ولا يؤدي حقه المجتهدون، الذي لا يدركه بعد الهمم، ولا يناله غوص الفطن، الذي ليس لصفته حد محدود، ولا نعت موجود...، هو الذي قال : لم يطلع العقول على تحديد صفته، ولم يحجبها عن واجب معرفته، فهو الذي تشهد له أعلام الوجود على إقرار قلب ذي الجحود..

   وكانت عظمة القران من عظمة الله سبحانه وتعالى، ففيه تبيان كل شيء، وهو الحبل الممدود بين الأرض والسماء، وهو الثقل الاكبر بين الناس، به يحتخ أولو العقل والنهى وبه يسعد الناس، وبتركه معطلاً لحدوده يعمُ البلاء والشقاء، فهو يقص علينا أحسن القصص، وفيه أجمل الحديث لانه ربيع القلوب وآياته شفاء للصدور، فهو الناصح الذي لا يغش والهادي الذي لا يضل.

   ولمآ وجدث أمر تفسير القران لا ينفصل عن مقدماته والتي واحدة منها هو(علوم القرآن )، لذا بادرت إلى إيقاف تدريس ما شرعت فيه من تفسير ايات سورة البقرة إلى الوقت المناسب، ثم جاءت طلبات متعددة من المعاهد الاسلامية والحوزة العلمية في قم المقدسه والجامعة الاسلامية الحرة لتدريس مطالب في علوم القرآن فوجدتني امام فرصة مناسبة لإكمال المنهج الذي رسمته لنفسي، فتوكلت على الله سبحانه الذي هو عوني في كل الامور وحسبي في كل المهمات، وشرعت في كتابة بحوث الجزء الأول من هذا البحث الشريف وسميته " الميسر في علوم القرآن " وقد سلكت فيه الطريق الوسط، فلا هو بالموجز المخل، ولا هو بالمطول الممل، وقد يجد القارىء العزيز اراء جديدة في هذا العلم الشريف قد استوهبتها من خلال التدبر في ايات الله العزيز والتمحيص فيما كتبه علماؤنا من السلف الصالح، ثم الوقوف على ما كتبه غيرنا ومناقشة ما خالفنا، وسيجدني المطالع النبيه - فيما كتبت - لا أجاري احداً إلا ما ادى بي الدليل توخيا لمرضات الله العزيز الحميد، إنه نعم المولى، ونعم النصير.

 الدكتور عبد الرسول الغفار

بيروت          


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

{إنَّ هَذا القُرآنَ يَهديِ للتَّي هيَ أَقْوَمُ.}

{هَذا بَيَانٌ لَلٌناسِ وَهُدى وَموْعِظَةٌ للمُتَّقِينَ.}

{كِتَابٌ أَنَزلنَاهُ إِلَيكَ لِتُخرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلى النُّورِ بِإِذنِ رَبِهّمْ إِلى صِرَاطِ العَزِيزِ الحَمِيدِ.}

  


  المدخل إلى علوم القرآن

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق ومنقذهم أبي القاسم محمد سيد الأنبياء وخاتمهم، وعلى اله الطيبين، سادات البشر فيمن غبر وحضر، الميامين الأطهار الأبرار وبعد... هذه محاضرات في علوم القران مضينا في إلقائها - على طلاب كلية المعارف الإسلامية في الجامعة الإسلامية الحرة في قم المقذسة، وكذلك على طلاب الحوزة العلمية، وعلى طلاب المعاهد العليا للدراسات الدينية - اعتماداً على أصح الروايات التي ذكرت في هذا الباب الشريف مع الوقوف على ما يحتاجه الطالب في النقاط المهمة فكان منا البسط في الكلام وقد أوردنا من الأدلة والبراهين ما يكشف غوامض الأمور، استناداً على أحاديث أهل البيت عليهم السلام لأنهم الوسيلة للإفهام، وما توفيقي إلا بالله، فهو حسبي وعليه الإتكال...

 


  كلام الله سبحانه

 

لكل شيء تسمية توافق أبعاد المسمّى لتشخّصه في الخارج ضمن أبعاده الخاصة ليكون المسمّى فيما بعد معرّفاً كإسم العلم الذي يُعرف به الشخص.

وقد اختار سبحانه وتعالى لوحيه أسماء عديدة وألقاباً تحمل أسراراً عميقة، وبُعداً خاصاً، ومن أبرز تلك الأسماء: القرآن، الكتاب، الفرقان، الذِّكر، التنزيل.

أما القرآن فهو مصدر القراءة وقد وصلنا مسنداً متواتراً من جانبين، الجانب الأول كونه مكتوباً في الصحف والجرائد وعسب النخيل وجلود الحيوانات وأكتاف الإبل وغيرها ... كما أنه وصلنا مسنداً متواتراً محفوظاً في الصدور. وقد وافقت الكتابة المحفوظ فلم يدخله نقص أو تحريف.

ثم إن القرآن الذي هو بمعنى القراءة يعود هذا المعنى إلى الأصل الآرامي، فهناك القراءة يراد بها التلاوة.

لقد أنكر الشافعي أن يكون القرآن مأخوذاً من قرأت ولو أُخِذ من قرأت لكان كل ما قُرئ قرآناً، بل جعل إسماً مرتجلاً لكلام الله المنزل على النبي (ص).

أما الفرّاء فيقول إنه مشتق من القرائن جمعه قرينة لأن آياته يشبه بعضها بعضاً فكأن بعضها قرينة على بعض.

 


 

 ما المراد بكلمة القرآن

القرآن لغةً له عدة معانٍ منها:

1- يراد به المقروء [1] المكتوب وذلك قوله تعالى: {إنّ عَلينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه فاتبِّع قرآنه ثم إنّ علينا بيانه} [2] والأقرأ بمعنى الأفصح.

2 - قد يراد به الجمع لأنه يجمع السور فيضمّها، وهذا ما يذهب إليه القرّاء [3]، وكذا سمّي قرآناً لأنه يجمع القصص والأمر بالمعروف والنهي والوعد والوعيد والآيات والسور بعضها إلى بعض.

3 - قد يطلق الاسم لكتاب الله سبحانه، وهو ما نزل على الرسول الكريم من آيات وسور فيجمعها ويألفها هذا الاسم، كالذي نزل على موسى وعيسى وداود، فما نزل على موسى من كتاب اسمه التوراة وما نزل على عيسى، من كتاب اسمه الإنجيل وما نزل على داود من كتاب اسمه الزبور وهذا ما يذهب إليه الشافعي [4].

4 - قال بعض الحكماء سمّي القرآن قرآناً لكونه جامعاً لثمرة كتبه سبحانه بل لجمعه ثمرة جميع العلوم كما أشار سبحانه في كتابه العزيز: {وتفصيل كل شيء[5]  وقوله سبحانه : {تبياناً لكّل شيء} [6].

 


 

القرآن اصطلاحا

هو وحي الله المنزل على النبي، لفظاً ومعنىً وأسلوباً، المكتوب في المصاحف المنقول عن النبي بالتواتر.

 إذا عرفنا معنى كلمة "القرآن"  لغة واصطلاحاً أنه كلام الله سبحانه، فلعلنا نقف على بقية الأسماء لكلام الله سبحانه وتعالى والتي جاء ذكرها في القرآن الكريم.

 


 

[1] - البرهان ا/ 278.    

[2] - سورة القيامة آية 17، 18، 19

[3] - أنظر تاريخ بغداد 2/ 62.

[4] - لقد أشار بلاشير في كتابه (القران نزوله..) قال: ففي بعض المقاطع القرآنية وردت كلمة (قرآن) بمعنى التلاوة ويمكن أن تكون هذه الكلمة مأخوذة عن اللغة السريانية التي يراد فيها لفظ مشابه جدا هنا المعنى ص 23.

[5]  - سورة يوسف 111

[6]  - سورة النحل آية 89