الميسّر في علوم القرآن


  الفصل الثالث: التفسير

 

 لغةً: هو الايضاح والتبيين ومنه قوله تعالى:

ولا يأتونك بمثلٍ إلاّ جئناك بالحق وأحسَنَ تفسيراً (الفرقان/33)  أي بياناً وتفصيلاً، وهذّا مأخوذ من الفسر بمعنى الإبانة والكشف. وفي القاموس للفيروز آبادي: الفسر: الإبانة وكشف المغطّى.

وفي لسان العرب: الفسر البيان: فسّر الشيء يفسِر بالكسر ويفسُرُه بالضم فسراً وفسره أبانه، والتفسر مثله.

 ثم أردف قائلا الفسر كشف المغطى , والتفسير كشف المراد عن اللفظ المشكل فالتفسير لغةً: هو الكشف الحسي أو الكشف عن المعاني المعقولة.

أما اصطلاحاً: فله عدة تعاريف ربّعا أقربها وأكثرها شمولآ هو:

 بيان معاني الآيات القرائنة والكشف عن مقاصدها ومداليلها.

 

 أما التأويل

 لغةً: مأخوذ من الأول وهو الرجوع، قال الفيروز آبادي.:آلَ أولاً ومآلاً رجع.

 وأوّلَ الكلام تأويلاً وتأوّله: دبره وفسره وفمتعره، وتعبير الرؤيا تأويلها.

 وفي اللسان: الأول: الرجوع الى الشيء يؤول أولاً ومآلاً رجع. وأول الشيء رجعه وأُلْتُ عن الشيء ارتددت... وأوّل الكلام تأوّل دبره، وقدره.

 وأوّله فسّره. وعلى هذا التقدير فيكون التأويل المأخوذ من الأول بمعنى الرجوع، والتأويل ورد في القرآن بمعانٍ متعددّة.

1 - ورد بمعنى التفسير والتعيين... قوله تعالى:

فأما الذين في قلوبهم زيغٌ فيتّبعون ما تشابَهَ منه ابتغاءَ الفتنةِ وابتغاءَ تاويلِهِ وما يعلم تأويلِهِ إلا الله... (آل عمران / 7).

2 - بمعنى العاقبة والنهاية والمصير قوله تعالى: فإن تنازَعتُم في شيءٍ فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الأخر ذلك خيرٌ وأحسن تأويلاً ( النساء/59).

 3 - بمعنى وقوع المخبر به قوله تعالى:

 بل كذبوا بما لم يُحيطوا بعِلِمه ولمّا يأتيهم تأويله  (يونس /39).

  وما نحن بتأويلِ الأحلامِ بعالمين  (يوسف / 44 ).

 

 والتأويل اصطلاحاً يمكن تقسيمه إلى:

  أ - عند السلف (القدامى): هو تفسير الكلام وبيان معناه سواء وافق ظاهره أم خالفه، فيكون معنى التفسير والتأويل مترادفاً وهذا ما يقصده مجاهد من قوله: ] إن العلماء يعلمون تأويله [.

 ب - عند المتأخرين: هو صرف اللفظ عن المعنئى الراجح إلى المعنى المرجوح لدليل يقترن به. فلو قال أحد هذا النص مؤول أو محمول على كذا أو يراد به كذا.. قال الآاخر هذا تأويل والتأويل يحتاج إلى دليل. إذن في حمل اللفظ على معنى يخالف الظاهر لا بد من أمرين:

1- أن يبين احتمال اللفظ الذي حمله عليه بادعائه أنه المراد.

2- أن يبين الدليل الذي أوجب صرف اللفظ عن معناه الراجح إلى معناه المرجوح وإلا كان التأويل باطلاً.

 


  التفسير والمفسرون

 

التفسير عند الشيعة وأوّل من فسره منهم.

 لو جاوزنا الحديث عن علم النبي وأمير المؤمنين الإمام علي  بالقرآن الكريم وإنهم يعرفون تفسيره وتأويله ظاهره وباطنه، حكمه ومتشابهه، عامه وخاصه، مجمله ومخصّصه مطلقه و مقيّده، مكية ومدنيه - الخ.

لو طوينا الكلام في كل ذلك إلى مناسبة أخرى لكي نبدأ الكلام في أول من فسر القرآن الكريم من شيعة أمير المؤمنين  والصحابة الأجلاء رضوان الله عليهم نقول:

   أولا: سعيد بن جبير من علماء التابعين

وهو أحد أربعة هم: عطاء بن أبي رباح. أعلمهم بالمناسك، وسعيد بن جبير أعلمهم بالتفسير، وعكرمة أعلمهم بالسيرة، والحسن أعلمهم بالحلال والحرام 000 ذكره ابن النديم في الفهرست والسيوطي في الأتقان. وذكره أبو عمرو الكشي باسناده عن الصادق أنه قال سعيد بن جبير كان يأتم بعلي بن الحسين  وكان علي بن الحسين، يثني عليه، وقال ما كان سبب قتل الحجاج له إلاّ على هذا الأمر يعني التشيّع، وقد ذكره علماؤنا في كتبهم الرجالية وأثنوا عليه، استشهد على يد الحجاج بن يوسف الثقفي سنة 64 هـ.

 

 ثانيا: عبد الله بن عباس بن عبد المطلب

 من خواص تلامذة أمير المؤمنين وكان يعرف (بحبر الأمة) لكثرة فطنته رغزارة علمه وكيف لا يكون كذلك وقد غذّي من ينبوع العلم والمعرفة ألا وهو أمير المؤمنين، وتلميذه البار، وقد دعى له الرسول فقال (اللهم فقهه في الدين، علمه في التاويل) [1]. له ترجمة حسنة في كتاب الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة للسيد علي بن صدر الدين وقد نصّ علماؤنا على تشيعه، كما أنه أكثر من الرواية في إمامة الأئمة، الاثنى عشر، على أن بعض تلك الروايات ذكرتهم باسمائهم وإنهم الخلفاء من بعد النبي.

 

 ثالثا: جابر بن عبد الله الأنصاري

الصحابي المعروف وقد أدرك زمان الإمام الباقر  والمتوفى سنة 74 هـ وحاله أشهر من أن يذكر هنا، وقد عدّه السيوطي في الصحابة المفسرين أما ولاؤه لأمير المؤمنين فقد ذهبت به الركبان وذاع صيته في الأمصار حتى أنه كان يتوكأ على عصى ويدور في سكك المدينة ويجالس الناس ويقول (علي خير البشر فمن أبى فلينظر في شأن أمه).

 وقد روى صحيفة فاطمة كما أن الامام الباقر طلب منه مقابلة صحيفة فاطمة التي كانت عنده بنسخة جابر، وهو أوّل من زار قبر الحسين في يوم الأربعين.

 

 رابعاً: أبي بن كعب

الصحابي الجليل وسيد القراء ومن مريدي أمير المؤمنين وممن وقف بوجه أبي بكر لقا بويع له كما تخلّف عن بيعته مع علي. وقد اختلف المؤرخون في سنة وفاته فمنهم قال سنة 19هـ ومنهم قال سنة 32هـ. يعدّ من الطبقة الأولى من المفسّرين. مدحه أصحابنا وأثنوا عليه لصدق تشيّعه لأمير المؤمنين وهو أحد الجماعة البالغة إثنى عشر، الذين أنكروا على أبي بكر تقدّمه في الخلافة على أمير المؤمنين  ويكفيه إجلالاً وتكريماً ما قاله الإمام الصادق. (أما نحن فنقرأ قراءة أبي)، وفيما يشهد على إخلاصه في تشيعه لأمير المؤمنين ما نقله الشريف المرتضى في الفصول المختارة... إنه كان يقول في مسجد النبي - بعد أن أفضى الأمر إلى أبي بكر - بصوت عالٍ يسمعه أهل المسجد، ألا هلك أهل العقدة والله ما اسى عليهم واثّما اسى على من يضلون من بعد، فقيل يا صاحب رسول الله  من هؤلاء أهل العقدة وما عقدتهم ؟ قال قوم تعاقدوا إن مات رسول الله لم يورثوا أحداً أهل بيته ولا يوتوهم مقامه، أما والله لئن عشت إلى يوم الجمعة لأقومن فيهم مقامآ أبين للناس أمرهم قال فما أتت عليه الجمعة، إنتهى بحروفه.

 

 خامسا: أبو صالح التابعي (ميزان البصري)

تلميذ ابن عباس شيعي معروف بكنيته مات بعد المائة أخذ علم التفسير من شيخه ابن عباس.

 

سادسا: طاووس بن كيسان اليماني

 أبو عبد الله من أصحاب الإمام زين العابدين توفى بمكة سنة 106 هـ أخذ علم التفسير من ابن عباس.

 

سابعاً: محمد بن السائب بن بشر الكلبي

من أصحاب الامام الباقر والصادق توفى سنة 146 هـ له تفسير كبير أحسن وأفضل من تفسير مقاتل. يعد من الطبقة الثانية من التابعين في التفسير.

 

 ثامنا: جابر بن يزيد الجعفي

من أصحاب الإمام زين العابدين ومحمد الباقر مات سنة 127هـ ذكره النجاشي في رجاله والطوسي في الفهرست، وقد صنّف في التفسير والأحكام والحديث أخذ جلّ علومه من الامام الباقر وهو يعد من الطبقة الخامسة وقد ذمّه المخالفون لتشيعه.

 

  تاسعاً: اسماعيل بن عبد الرحمن السدّي الكوفي

أبو محمد القرشي مات سنة 137 هـ من أصحاب الامام زين العابدين وقد ذكره كلمن النجاشي والطوسي في مصنّفي الشيعة وقد أدرك الامام الباقر والصادق  وهذا اسماعيل السدي هو غير محمد بن مروان ابن عبد الله بن اسماعيل لأن الثاني ليس من الشيعة لذا يتميّز الأول بالسّدي الكبيروالثاني بالسدي الصغير وهو من المخالفين.

 

عاشراً: الامام أبو جعفر الباقر

ذكر ابن النديم في فهرسته كتابا ًله في التفسير وقد أخرجه علي ابن إبراهيم بن هاشم القمي في تفسيره من طريق أبي بصير الأسدي، كما رواه عنه أبو الجارود زياد بن المنذر وذلك قبل أن يؤول إلى الزيدية، ومن بعدها أصبح رئيساً للجاروديه وبه سمّيت تلك الطائفة من الزيدية بالجارودية.

 

الحادي عشر: ثابت بن دينار أبو حمزة الثمالي أبو صفية الكوفي

من أصحاب الامام زين العابدين والباقر والصادق. مات سنة 150هـ لقد اعتمد الثعالبي على تفسير أبي حمزة ونقل تفسير أبي حمزة بتفسيره. ذكره النجاشي وابن النديم في مصنفي الشيعة.

 

الثاني عشر: أبو بصير يحيى بن القاسم الأسدي

ممن اجتمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه، من أصحاب الامام الباقر والصادق مات سنة 148هـ. ذكره النجاشي وقال: له كتاب في التفسير.

 

الثالث عشر: علي بن أبي سالم حمزة البطائي.

مولى كوفي من أصحاب الامام الصادق والكاظم، روى عن أصحابهم، وصنف كتاباً في تفسير القرآن الكريم. وممن صنف في التفسير كل من:

الحصين بن مخارقة، وهب بن حفص، يونس بن عبد الرحمن، الحسين بن سعيد، عبد الد بن الصلت , عبد العزيز بن يحيى بن أحمد الجلودي، أحمد بن صبيح الأسدي، علي بن أسباط بن سالم الكوفي , علي ابن مهزيار الأهوازي، علي بن الحسين بن فضال، إبراهيم بن محمد بن سعيد الثقفي، محمد بن خالد البرقي، الحسن بن خالد البرقي، علي بن إبراهيم بن هاشم القمي علي بن بابويه القمي والد الشيخ الصدوق، علي بن أحمد الكوفي - أبو القاسم، محمد بن أرومه - أبو جعفر القمي، محمد بن مسعود [2].

العياشي السمرقندي، أبو نصر محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، فرات بن إبراهيم بن فرات الكوفي، أبو العباس أحمد بن الحسن الإسفراني، أبو الفضل سلمة بن الخطاب القمي، محمد بن إبراهيم بن جعفر النعماني وله كتاب الغيبة مشهور، أبو.محمد بن علي العبدي الجرجاني، أبو منصور العرام النيشابوري.

 هذه نبذة سريعة عن أشهر المفسرين من طبقة الصحابة والتابعين وتابعي التابعين إلى القرن السادس الهجري، وقد خصصنا الكلام في مفسري الشيعة، وسيأتي الكلام إن شاء الله تعالى عن مصادر التفسير عند أهل السنة.

 

التفسير والمفسرون عند السنة وغيرهم

 أ - السلف

وهم التابعون، ومن جاء بعدهم من العلماء، وقد أكثروا الرواية عن الخلفاء الثلاثة كما إنهم أخذوا برواية من شايع علي كسلمان وأبي ذر وعبد الله بن عباس وابن مسعود، ثم أكثروا الرواية عن زيد بن ثابت وأبي موسى الأشعري وعبد الله بن الزبير ومع كل ذلك فقد اعترفوا بأن أكثر الصحابة علما ورواية بكتاب الله العزيز هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب. قال السيوطي: أما الخلفاء فأكثر من روي عنه: منهم علي بن أبي طالب والرواية عن الثلاثة نزرة جداً [3].

 وقد اعتمد أهل السنة على تفسير بن عباس حيث هو أكثرر رواية من بقية الصحابة ولكن مع كثرة روايته فقد شكك البعض في مروياته حيث الدس والوضع قال الشافعي:

لم يثبت عن ابن عباس في التفسير إلآ شبيه بمئة حديث [4] ثم أخذ أهل السنة من بقية الصحابة حيث اعتمدوا على مروياتهم جري المسلمات أمثال أبي هريرة وأنس بن مالك وعبد الله بن عمر وعمر وعائشة ثم كانت هنالك بيئات متعددة مثل مكة والمدينة والكوفة فأشهر علماء التابعين في مكة:

 مجاهد وعطاء بن إبي رياح وعكرمة مولى ابن عباس وسعد بن جبير وطاووس اليماني وأضرابهم وهؤلاء أصحاب ابن عباس أخذوا منه.

وفي الكوفة: من تابع عبد الله بن مسعود وروى عنه...

 وفي المدينة: مالك بن أنس وزيد بن أسلم وابن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم.

 

ب - المتأخرون

 ولما اتسعت رقعة الأرض الإسلامية وانتشر المسلمون في الأمصار والبلدان نتيجة للتبليغ المتواصل، ثم كثرة المعتنقين للأسلام، وحاجتهم إلى معرفة القرآن حفز علماء المسلمين أن يهتموا بمفاهيم القرآن وتفسيره وتأويله، حتى أنهم اضطروا إلى رواية التفسير الذي صدر من الصحابة والتابعين وإن كان مقتضباً، فكان تابعوا التابعين يروون عن السلف كل ما وصل إليهم رواية أو كتابة، فجمعوا ما تيسر لهم، وصنفوا تفاسيرهم اعتماداً على تلك الروايات لكن مما يؤسف له أن جلها ضاع بل أتلفتها أيدي الحدثان وتوالي الزمان وأشهر أولئك الذين تصدوا لجمع تلك المرويات في التفسير هم: سفيان بن عيينة، وكيع بن الجراح، شعبة بن الحجاج، يزيد بن هارون عبد بن حميد، ثم المتاخرين عنهم وعلى رأسهم ابن جرير الطبري حيث يعد بحق أول مصنف للتفسير والذي وصل إلينا تفسيره متكاملاً، ليس فيه نقص أو تحريف، ولا نبالغ إذا قلنا كل من جاء بعده كان عيالاً عليه.

 كيف ما كان فإن تفسير أهل السنة اعتمدت على تصانيف علمائهم الأوائل نذكر منهم تفسير مالك بن أنس وعكرمة والسدي الصغير، ونهشل، والحسن البصري ومحمد بن السائب الكلبي وبكر بن الأصم ومقاتل بن سليمان وابن أبي نعيم الفضل بن وكيع، وتفسير الآي الذي نزل في أقوام بأعيانهم لهشام الكلبي وتفسير محمد بن عبد الوهاب الجبائي، وتفسير يوسف القطان، وأبي بكر بن أبي شيبة، والحسن بن واقد، على أن الكثير منهم قد اعتمد تفسير ابن عباس.

 


  مدارس التفسير

 

أولاً: مذاهب المفسرين

1- المحدثون

اعتمدوا في تفسيرهم للقرآن الكريم الرواية عن السلف واهتموا بالماثور و وقفوا عما سواه. أما روايتهم عن السلف نخص بالذكر منهم المفسرون الأوائل نذكر على سبيل المثال: أمير المؤمنين، وابن عباس وأبي وابن مسعود، وعبد الله بن الزبير، ومن التابعين مجاهد وقتادة وابن ليلى والشعبي والسدي، بالإضافة إلى ما تقدم في الصفحات السابقة.

 

2- المتكلمون

الذين خلطوا التفسير بمباحث كلامية وآراء قوامها البحث والمناظرة. منهم: المعتزلة، ومن أبرز كتبهم (الكشاف للزمخشري ) اعتمدوا في تفسيرهم الأخذ بما يوافق مذهبهم كما أنهم جنحوا في الاستدلال على صدق مدعاهم بظواهر الآيات، وما خالف مذهبهم جنحوا إلى التأويل بما يسمح لهم المذهب.

 

 3- الفلاسفة

تلافياً لما أحدثه المتكلمون - المفسرون - من تورطهم في تأويل الآيات التي تخالف في ظاهرها مسلمات الفلاسفة بالمعنى الأعم، حيث أنهم تألوا الايات الواردة في حقائق ما وراء الطبيعة وآيات الخلق وحدوث السماوات والأرض والبرزخ والمعاد، حتى أنهم خرجوا عن الفرضيات والأصول الموضوعة التي نجدها في العلم الطبيعي.

 

 4- المتصوفة

اقتصر هذا الفريق على التأويل لأنهم اشتغلوا بالسير في باطن الخلق واعتنائهم بشان الآيات الأنفسية دون علم الظاهر. كما رفضوا التنزيل واستشهدوا بالشعر. واشتغلوا في تفسير الآيات بحساب الجمل والأعداد والحروف متخذين من علم الجفر والرمل والزيجات تفسيراً لبعض الظواهر الطبيعية التي تحدث أو تحسباً لما سيحدث في المستقبل.

 

5- المتأخرون

و هم أتباع الطريقة الحسية أو التجربة، وهم الذين مالوا إلى مذهب الحسّيّين من فلاسفة أوروبا الذين بنوا فرضياتهم وطبقوها على أساس الحس والتجربة والأحصاء وكان ذلك إثر توغلهم في العلوم الطبيعية حيث أتهدوا على مبدأ رفعوه وشعار اتخذوه لهم وهوأن لا أصالة في الوجود إلآ للمادة وخواصها المحسوسة، فما أخبره الدين في أمور كالكرسي والعرش والقلم واللوح - يجب تأويله - وما يتصل بالوحي والشيطان والنبؤة والرسالة والإمامة، و هي أمور روحية وما زالوا يعرضون عن الروايات لأنهم ادعوا فيها الخليط، ففيها الصحيح والزائف. فهي لا تصلح، ولا يمكن الاعتماد عليها.

 

 6 - التفسير الإرشادي [5]

وهو الذي تؤول به الآيات على غير ظاهرها مثل تفسير الألوسي (روح المعاني). هذه أهم المدارس عند المفسرين إلآ أثك تجد مع هذه النزعة العقائدية عند المفسرين، سواء كان قديماً أو حديثأ، تجد أيضا الأساليب عندهم مختلفة في انتزاع الدليل من الآية الكريمة لنصرة هذا المذهب أو ذاك.

 

ثانيا: الأساليب المتبعة في التفسير

 يمكن تصنيف تلك الأساليب إلى ما يلي:

ا - إتباع الأسلوب الأدبي والتصوير الفني والاهتمام بالجانب اللفظي لفك العبارة وتفسير مفردات الاية الكريمة وإعراب القرآن وذلك أمثال البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي. ت  745هـ.

 2 - إتباع الأسلوب الأدبي من حيث الاهتمام بالجانب البلاغي للآية الكريمة كتفسير الزمخشري.

 3 - الاهتمام بالحديث الشريف وتفسير النص القرآني بالمأثور عن المعصومين أو بالمأثور عن الصحابة والتابعين. كتفسير العياشي والقمي ومجمع البيان للطبرسي.

4 - اتخاذ العقل أداة فاعلة لتوضيح النص.القرأني وفهم كتاب الله سبحانه من خلال الترجيحات العقلية أو ما يفهمه العقل، أمثال تفسير ابرازي.

 5 - الاهتمام بالمعنى من خلال التبادر العرفي لفهم معاني المفردات.

 6 - وهناك أسلوب آخر قد يعتمده المفسر في تفسيره للآيات وهو أن يجعل القران منقاداً لأسس مذهبية مسبقة، وهذا ما نسميه بالتفسير المتحيز وما عداه غير المتحيز الذي يحاول أن يستنطق القران الكريم ويطبق الرأي على القرآن.

7 - تفسير القرآن جرياً مع الحضارة وتطور الزمن وربط النصوص القرأنية بالعلوم البحتة والمظاهر الكونية أمثال الجواهر في تفسير القرآن للطنطاوي الجوهري وتفسير المنار لمحمد رشيد رضا.

 8 - تفسير القرآن بالقرآن، وهذا ما جنح إليه العلآمة محمد حسين الطباطئي.

9 - تفسير القرآن بمنظار فلسفي أو كلامي ; كتفسير ملا صدرا الشيرازي ت 1031هـ.

 


  الفرق بين التفسير والتأويل

 

  لقد عرفت فيما سبق أن التفسير: هو بيان معاني الآيات القرانية والكشف عن مقاصدها ومداليلها.

 والتأويل: إرجاع الكلام وصرفه عن معناه الظاهري إلى معنى أخفى منه.

 هذان التعريفان سبقوإن أشرنا إليهما في الصفحات السابقة و إلا ما يتعلق بهما من حيث المعنى اللغوي والاصطلاحي، أما هنا فالحديث عن الفوارق التي أشار إليها علماء التفسير نذكر أهمها:

1 - إن السلف ما كان يعلم فرقاً بين التفسير والتأويل، بل إثما اعتبرهما في معنى واحد قال أبو عبيدة وابن الأعرابي وجماعة أخرون: التفسير والتأويل بمعنى واحد. أقول هذا الرأي الذي تبناه أبو عبيدة إنما تبناه لأن السلف كان أقرب منا إلى صدر التشريع والمسلمون قريبو عهد بالرسول والصحابة والتابعين لذا لم يجرؤوا أن يعطوا للقرآن الكريم تفسيراً غير ما وصل إليهم من الرسول وهذا ما نسميه (التفسيبر بألماثور).

 2 - التفسير غالباً يستعمل في مفردات الألفاظ أما التأويل فغالباً يستعمل في التراكيب والجمل.

 3 - التفسير هو بيان المعاني من القرائن اللفظية لسياق الآيات. أما التأويل هو بيان المعاني بطريق الإشارة [6].

4 - قال جماعة: التفسير مايتعلق بالرواية والتأويل ما يتعلق بالدراية [7].

5 - التفسير هو الكلام في أسباب النزول وشأنه والقصة التى نزلت فيها الآية. أما التأويل هو صرف الآية إلى معنى محتمل يوافق ما قبلها وما بعدها غير مخالف للكتاب والسنة وهو منهج الاستنباط، وذهب إلى هذا البغوي [8].

8- التفسير أعم من التأويل والأول يستعمل في بيان الألفاظ. والثاني يستعمل في كشف المراد وايضاح المعنى وتأويله، كتأويل الرؤيا [9].

 7 - والتأويل يستعمل مرة عاماً ومرة خاصاً، كما لو استعمل الكفر بمعناه المطلق الجحود، وبمعناه الأخص جحود الباري.

  8 - التفسير بيان وضع اللفظ إما حقيقة أو مجازاً كتفسير الوسواس بالشيطان والسيارة بالقافلة. أما التأويل: هو تفسير باطن اللفظ، مأخوذ من الأول، وهو الرجوع لعاقبة الأمر فالتأويل إخبار عن حقيقة المراد والتفسير إخبار عن دليل المراد، لأن اللفظ يكشف عن المراد والكاشف دليل، هذا ما ذهب إليه الثعالبي [10].

 9 - بين التفسير والتأويل تباين; التفسير يراد به القطع أن مراد الله سبحانه من اللفظ كذا، فإن قام الدليل على القطع به فصحيح وإن لم يقم دليل عليه فهو التفسير بالرأي المنهي عنه. أما التأويل هو ترجيح أحد المحتملات بدون قطع على أن مراد الباري هذا الاحتمال بعينه.

 10- التفسير يستعمل لبيان ما في الكتب الإلهية وغيرها بينما التأويل يستعمل اكثره في الكتب الإلهية.

11- التفسير يختص بالآيات المحكمة أما التأويل فيختص بالآيات المتشابهة وهذا لا يمكن الأخذ به لأن التأويل يشمل كل القرآن فيدخل فيه المتشابه وا لمحكم.

   12- التفسير قد يراد به المعنى الظاهر للآية، أما التأويل قد يطلق ويراد به المعنى المخالف لظاهر اللفظ غير أن التأويل هو استعمال مولد حدث بعدنزول القرآن وعلى وجه الدقة حدث في عصرالتدوين.

 

هل التأويل يشمل جميع الكتاب أم بعضه ؟

 قيل أن التاويل يكون في بعض الآيات وهو ناطرإلى الخارج الذي سيقع  كأهوال يوم القيامة. والحساب والنشور والبرزخ، وتطاير الكتب، والذي يطابقه الخبر الصحيح المروي عن النبي، أو ما جاء عن الكتب السماوية، لو التزمنا بهذا القول - أي أن التأويل هو الخارج المطابق - فهذا يعني  أن التأويل يختص بالآيات المخبرة عن الصفات وبعض الأفعال وعن ما  سيقع في يوم القيامة وأما الأحكام والقضايا التشريعية والأخلاقية وسنن الماضيّين وتاريخ الأنبياء وقصص الأمم والشعوب - على ما تقدم - لا يشملها التأويل لأنها خرجت، فلا معنى لتأويلها. لأن الأحكام والقضايا التشريعية هي أوامر إنشائية، وأما القضايا الأخلاقية فإن تأويلها معها وأما السنن  الماضية وتاريخ الأنبياء وقصص الأمم فهي أخبار قد حدثت وأن تأويلها على هذا متقدم عليها.

والملاحظ في معاني لفظة (تأويل)، الواردة في القرآن أنها تشمل جميع الايات لا آية دون أخرى انظر سياق الآيات الكريمة من سورة يونس قوله تعالى:

 وَمَا كَانَ هَذا القُرانُ أَن يفترى من دُونِ الله ولكِن تَصدِيقَ الَّذي بَين يَدَيهِ وَتَفصِيلَ الكِتَابِ لاَ رَيب فِيهِ مِن ربّ العَالَمينَ. أم يقوُلون اففتراهُ قُل فأتُوا بِسُورَةٍ مّثلِهِ وَادعُوا مَنِ استَطَعتُم مّن دُونِ اللهِ إنْ كُنتُم صَادقِين 0 بَلْ كَذَّبوا بِما َلمْ  يُحِيطُوا بِعِلمِهِ وَ لمّا يَأتتِهِم تَأوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذّبَ اّلذِينَ من قَبلِهِم …  يونس 37-39.

هذه الآيات وما بعدها الحديث فيها صريح عن أولئك الناس الذين كذّبوا الرسول وكذّبوا القران وقالوا أنه افتراه على الله، وقد ردّهم سبحانه، ونهرهم ثم تحدّاهم من أن ياتوا بمثله بل ولو بسورة واحدة. ثم أنباهم بتاويل هذا القرآن الذي كذبوا به لأنهم لم يحيطوا بعلمه.

 

هل علم التأويل منحصر بالله ؟

القرآن الكريم يؤكّد أن علم الغيب مخصوص بالله سبحانه حيث وردت آيات عديدة كان فيها الحصر. وما خفي من القرآن فإنّما عند الله لأنه أعلم بما يريد ولأنه عالم الغيب والشهادة. لكن هذا لا ينافي لو استثنى من علمه أحدا ولو تمَّ هذا الاستثناء فإنّما العلم بالتأويل يشمل الرسول والمعصومين من أهل البيت نحين  : لأنهم خزّان علم الله سبحانه وسرّه المستودع فيهم. وأمناء الوحي وحفظة الكتاب والتنزيل...

 لهذا فإن الآية الكريمة شاملة لهم، حيث قال جلّ شانه: وما يعلم تاويله إلآ الله والراسخون في العلم يقولون آمنا..   [11].

وهذا كعلمه سبحانه فان علم الغيب لم يطّلع عليه أحد بل استاثره لنفسه، وقد استثنى من هذا الاستئثار فقال تعالى:

عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا الآ من ارتضى من رسو ل..  [12].  فالراسخون في العلم يعلمون تاويله وكلمة (يقولون) صفة أولئك الراسخين في العلم، وقد توهّم البعض من العلماء فجعل قوله تعالى: الراسخون في العلم.. أجنبي عن صدر الآية، وهو قوله: وما يعلم تأويله. ولكن من ظهور الآية يستفاد العطف ودليله الخبر المروي عن الإمام الصادق  كما في الكافي، قال. نحن الراسخون في العلم ونحن نعلم تأويله.

 


  التفسير بالمأثور

 

يشمل التفسير بالمأثور ما جاء في القرآن الكريم من البيان والتفصيل لبعض آياته وما نقل عن الرسول وما روى عن المعصومين عليهم السلام، بهذا يدخل بعض الصحابة والتابعين الذين سمعوا من الرسول وما نقلوا عنه أمّا ما ورد من الصحابة أو التابعين أنفسهم من دون أن يكون للرسول فيه نصيب بتصريح منهم، فهذا تعدّه أما اجتهاداً وأمّا التفسير بالرأي، وسيأتي الكلام عنه إن شاء الله.

 مرّ (التفسير بالمأثور) بمرحلتين:

 

المرحلة الأولى

وهي مقتصرة على الرواية حيث كان الرسول  يفسّر معاني الكلمات والآيات ويفصّل للصحابة ويعلّمهم معانيها، وقد نهج الرسول  مع أصحابه أن يعلّمهم عشر آيات فلا يجاوزونها حتى يعلموا أو يعملوا بها. فكان هذا القدر من التفسير يتناوله الصحابة بالرواية عن الرسول مباشرة، ومن سمع منه ينقله لغيره ممن لم يحضر، سواء كان بعيداً عن الرسول  كمن كان موطنه غير المدينة، أو أنه مشغول في غزو أو مع سرية قد بعثها النبي أو غير ذلك من الأسباب التي لم يتسنَّ لبعض الصحابة أن يتلقوا من الرسول مباشرة ثم هؤلاء الصحابة نقلوا ما سمعوه إلى التابعين وهكذا التابعون يروون إلى تابعي التابعين...

هذه هي المرحلة الأولى التي مرّ بها التفسير، لكن لا يخفى أن الزمن كلّما تقدّم بالمسلمين كانت الحاجة إلى التفسير أكثر. بل هناك ضرورة ملحة للكشف عمّا غمض من الألفاظ أو معاني الآيات، لهذا فكان إلى جنب التفسير بالمأثور اجتهادات بعض الصحابة وآراء بعض التابعين تدخل لتعطي للآية أكثر وضوحا وتفصل في شانها ومدلولها، وبهذه الكيفية فان حجم التفسير كان يزداد يوما بعد يوم للإضافات التي أوجدها المسلمون من صحابة وتابعين.

 

المرحلة الثانية

لما ازدادت حاجة المسلمين إلى التفسير، والوقوف على الايات الناسخة وتمييزها عن المنسوخة، وهكذا لمعرفة المتشابه من المحكم، والعام من الخاص، والمطلق من المقيد، الخ.. فقد اضطر المسلمون من التابعين أن يجمعوا ما وصل إليهم من السلف في شان القران وأسباب النزول وما عنى به القرآن، لذا كان أوّل ما دوّن هو التفسير الماثور، وقد عنى بهذا الجانب أهل الحديث والرواية وربما أوّل ما وصل إلينا منهم هو التفسير المنسوب للأمام الحسن العسكري وتفسير علي بن فرات الكوفي وعلي ابن إبراهيم القمي وتفسير العيّاشي.

هذه أهم المصادر القديمة في عصر التدوين والتي كانت تروي لنا ما قاله السلف - وهم المعصومون عليهم السلام - في شان القرآن وتفسيره.

أما بالنسبة إلى أهل السنة فكانوا يعدون مالك بن أنس الأصبحي واضج - التفسير [13]. كيفما كان، فإن المرحلة التي سبقت التدوين كان التفسير يحتل باباً من أبواب الحديث والفقه، ثم أن أهل السنة كانوا يعتبرون اجتهاد الصحابي أو التابعين هو داخل في التفسير بالمأثور لهذا اعتبروا الصحيفة التي أوردها علي ابن طلحة عن ابن عباس أول ما وصل إليهم في التفسير [14].

وقد عثروا بعد ذلك على أجزاء من تفسير ابن عباس يرويها محمد بن ثور عن ابن جريج. لكن من أهم التفاسير عند أهل السنة هو تفسير ابن جرير الطبري الذي نقل فيه كل ما وصل إليه عن الرسول والصحابة والتابعين بالإسناد عنهم وقد اشتمل هذا التفسير على أقوال الحسان والضعاف، بل فيه من الأخبار والروايات التي أسانيدها مجاهيل ومراسيل، بل حتى في أسانيده من الوضّاعين والكذّابين ما لا يخفى لأدنى مطالع.

 

أشهر كتب الجمهور في التفسير المأثور

1 - جامع البيان في تفسيرالقران                     لابن جريرالطبري

2 - الكشف والبيان عن تفسيرالقران                 لأبي إسحاق الثعلبي

3 - معالم التنزيل                                   لأبي محمدالحسين البغوي

4 - المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز        لابن عطية الأندلسي

5 - الجواهر الحسان في تفسير القرآن               لعبد الرحمن الثعالبي

6 - الدر المنثور في التفسير الماثور                لجلال الدين السيوطي

7 - تفسيرالقرآن الكريم                             للحافظ أبي الفداء ابن كثير

 


 

[1] - البرهان للزركشي 2/ 161.

[2] - الإتقان السيوطي 2/ 318.

[3] - الإتقان السيوطي 2/ 318.

[4] - لاتقا ن 2 / 319.

[5] - مباحث في علوم القران صبحي الصالح 296.

[6] - تفشر الألوسي 1/5.

[7] - الاتقان للسسيوطي 2/ 173

[8] - تفسير البنوي المقدمة 18/1.

[9] - مقدمة التفسير للراغب الأصفهاني 402.

[10] - الاتقان للسيوطي 2/173.

[11] -  سورة آل عمران، الآية: 7.

[12] -  سورة الجن، الاية: 27. للإطلاع النمل 5 6 ويونس 0 2 والأنعام 9 5. لا يمسه الآ المطهررن (المعصوم ) الواقعة 79. إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس الأحزاب 33 و ا لماندة/ 6.

[13] -  المبا دئ ا لنصرية / 26.

[14] -  الإتقان 2 / 88.