الميسّر في علوم القرآن


  الفصل الرابع: الوحي

 

 كتب سبحانه وتعالى على نفسه الرحمة واللطف بعباده حتى يسلكوا طريق الخير ويتبعوا الصراط السوي وينزّهوا أنفسهم من الكبائر ويتوتجهوا إليه بخالص أعمالهم ونواياهم. ولمّا كان الإنسان خطّاءاً، تغريه نفسه، وتاخذ به كل مأخذ لما يزيّنه له عدّوه، فيوسوس إليه ليبعده عن رحمة الله فكان على الله أن يرسل الأنبياء والرسل لينقذ هذا الضيف المسكين من حبائل الشيطان ومكره وخدعه قال تعالى: ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاّتبعتم الشيطان إلاّ قليلا النساء 83. وقد حاول الشيطان أن يوسوس إلى بني آدم ليخرجه من الجنة قال تعالى: فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما وري منهما من سوءاتهما الأعرا20. وقوله تعالى: فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلّك على شجرة الخلد 120. كيفما كان إن الشيطان للإنسان عدوٍ مبين يوسف ه. فلماذا لا نتبع قول الله سبحانه ونصحه وإرشاده يا بني آدم لا يفتننّكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة الأعراف 27.

 

لقد تجسّد لطف الله سبحانه ببعث الأنبياء والرسل من لدن ادم ونوح إلى أن ختمهم بنبوّة محمد فما كان أمر الوحي غريباً على الأمم وليس ظاهرة انفرد بها نبينا على سائر الأنبياء عليهم السلام، بل أن الجميع يشتركون فيه قال تعالى: إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيّين من بعده أحينا إلى إبراهيم واسماعيل وإسحاق ويقوب والأسباط رعيسى وأيوب وبونس وهارون وسليمان واتينا داوود زبوراً ورسلاً قد قصصناهم عليك من قبل ورسلاً لم تقصصهم عليك وكلّم الله موسى تكليماً [1]. فالوحي الذي نزل على النبي محمد بواسطة الملك هو لا يختلف في مدلوله اللفظي والمعنوي عن الوحي الذي كان ينزل على من سبقه من الأنبياء. كما ليس عجيباً أن ينزل الوحي على بشر اختاره الله لرسالته وهادياً لعباده أنه بشر له ما للآخرين من مواصفات إنسانية وأحاسيس وعواطف ورغبات وغرائز، غير أنه يفرق عن سائر البشر بملكة العصمة، وقوة الإرادة في الطاعة الكاملة لله سبحانه. وقد أشار سبحانه وتعالى إلى أولئك الناس الذين عجبوا من نزول الوحي على بشر وكأنهم يتصوّرون الوحي أمراً يختص بالملائكة، وهو عالم لا ينكشف لأحد من البشر، قال تعالى: أكان للناس عجباً أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس وبشر الذين آمنوا أنّ لهم قدم صدق عند ربهم قال الكافرون إن هذا لساحرٌ مبين [2].

 

 إذن ما هو الوحي؟ للوحي معانٍ منها:

 أ - الإلهام الفطري للإنسان قوله تعالى: وأو حينا إلى أم موسى أن ارضعيه [1].

ب - الإلهام الغريزي للحيوان، قوله تعالى: وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتاً ومن الشجر وممّا يعرشون [2].

ج - الإشارة السريعة على سبيل الرمز والإيماء، قوله تعالى عن زكريا ، فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم أن سبّحوا بكرةً وعشيّا [3].

د - ما يلقيه الله سبحانه إلن الملائكة من أمر، قوله تعالى: إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبّتوا الذين امنوا [4].

هـ - ما يلقيه الله سبحانه إلى النبي بواسطة ملك قوله تعالى: وإنّه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرب [5]. وفي هذا يبدو أن الوحي عبارة عن الإعلام الخفي السريع الذي مصدره عالم الغيب ينزله الله على من يشاء من عباده الذين اصطفاهم لرسالاته. وصوره ثلاثة:

 ا - إلقاء المعنى في قلب النبي أو نفثه في روعه.

2 - تكليم النبي من وراء حجاب كما حصل لموسى حيث كلّمه الله سبحانه من وراء الشجرة.

 3 - إرسال ملك بصورته الملكية أو بصورة رجل فيلقي على النبي مباشرةً بأمر من الله سبحانه. والذي يجمع هذه الصور الثلاث قوله تعالى: وما كان لبشر أن يكلّمه الله إلاّ وحياً، أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء إنه عليٌٌّ حكيم [1]. وعلى هذا فإن ما يتلقاه الملك من أوامر إثّما يحملها ليؤديها بكل أمانة إلى من أرسل إليه وهكذا ما يتحمّله النبي إثما يتحمّل أوامر الله ليؤديها إلى العباد بكل أمانة وإخلاص ووعي فإن صفة الأمانة مشتركة بين الملك والنبي ويصدق على كل واحد منهما الأمين على وحيه. لقد استعمل القرآن كلمة (وحي) للمعنى الرسالي في نيف وسبعين موضاً، ومن خصوصيات الأنبياء نزول الوحي عليهم من الله سبحانه حين اصطفاهم لرسالاته وكلّمهم بالتبليغ والإنذار وإصلاح الأمم وقودهم إلى الهدى، وأن تلقي الوحي لا يكون بالحواس المادية التي يشترك بها سائر الناس وإنما التلقي مبعثه الروح وصفاء النفس وإن كان النبي يرى شخص الملك ويسمع صوت الوحي لكن ليس بهاتين الحاستين الماديتّين.

فسمع النبي وبصره وكل حواسه عند هبوط الوحي هي غيرها عند الحالات العادية الأخرى بمعنى آخر أن الاستعداد الروحي عند النبي لتلقي الوحي الباطني يجعله مهيّاً لاستيعاب كلام الله سبحانه فتلتقي روحه الزكية ونفسه التقية بعالم ما وراء المادة لتشرف بساحة الخطاب العلوي الذي هو محضر عالم الملكوت.

 

ورب سائل يسأل فيقول هل بإمكاننا أن ندرك الوحي النازل على النبي؟

ذكرنا قبل قليل أن الوحي خصوصية من خصوصيات الأنبياء والرسل, بل إنه تشريف وتكليف من رب العزة لخيار البشر الذين ارتضاهم رسلأ لاممهم ومصلحين ربانين لأقوامهم وهذالمصلح الرّباني إنما لخصوصيات أخرى في نفسه الكريمة انتخبه الله من بين سائر الناس لهذا العبء الشريف.

والروح الطاهرة عند الأنبياء وأنفسهم الزكية جعلتهم يرتبطون بالله... ارتباطاً خفياً لا يمكن ان يبصره الناس،لأن ذلك الارتباط خارج عن إطار المادة وحدودها الكثيفة، كما أن عالم الروح. عالم يسمو عن الواقع المادي وعلاقة الوحي بالروح إنما هو شيء حتمي لا يمكن إنكاره، نعم ممكن أن ننظر بعض علامات ذلك الوحي بصورةٍ جليلة على جسد النبي الطاهر كتصبب العرق ني اليوم البارد، وأحمرار وجهه الشريف،وأمثال ذلك، وهذا إنّما هو من باب آثار الوحي وعوراضه المتبقية في جسد النبي وسرعان ما تزول، فالوحي إذا قلنا إنه ظاهرة روحية يحس به الموحى إليه إحساساً وجدانياً مفاجئاً. نقول إنما هذا الإحساس يأتيه من خارج كيانه المادي لكون الذي ينزل عليه، صادراً من ساحة قدسية ومكان رفيع وهو الملأ الأعلى هابط إلى مقر صالح زكي ونفس طاهرة.

فكل ما يمكن أن يقال عن ظاهرة الوحي إنما هو وصف نصفه بتعابير مجازية وألفاظ لا تعدو التشبيه أو الكناية أو المجاز، أما حقيقة فذاك من مختصات علاّم الغيوب المطلق في وجوده غير محدود في قدراته، أما سائر المخلوقات من البشر لا يمكن أن يدركوا أبعاد تلك الظاهرة ولا كيفيّتها، طالما تحدّهم المادة بكل أبعادها، وإن أحاسيسهم لا تسموا إلى عالم المثل أو إلى ما وراء الطبيعة المادية.

 


  بدء الوحي

 

 أمّا بدء الوحي فكان على شكل رؤيا صادقة يراها النبي في منامه، وهو أن آتياً كان يأتيه فيقول يا رسول الله …

 عن علي بن إبراهيم القمي قال: إن النبي لما أتي له سبع وثلاثون سنة كان يرى في منامه كأن آتياً يأيته فيقول: يا رسول الله ومضت عليه برهة من الزمن وهو على ذلك يكتمه وإذا هو في بعض الأيام يرعى غنماً لأبي طالب في شعب الجبال إذ رأى شخصاً يقول له: يا رسول الله فقال له: من أنت؟ قال أنا جبرائيل أرسلني الله إليك ليتخذك رسولاً. (بحار 18 / 184 حديث 14 و 194 حديث 30) وهذا يعني أن النبي قبل أن يبعث برسالة السماء كان يرى الرؤيا الصادقة في منامه وقبل أن يبلغ الأربعين من عمره الشريف [1] كما أنه كان يرى الملك عياناً أو كان يسمع صوته وهو حالة يقظته كما يظهر أن مرحلة النبوة غير مرحلة الرسالة والأولى ممهدة للثانية وأن الاستعداد الأولي ني نفس النبي لتلقي،البشارات من السماء إنما يعمّق ويتكامل في أنفس الأنبياء قبيل مرحلة الرسالة، ثم من دواعي هذه الرؤيا الصادقة هو صيانة نفس النبي من الموثرات الخارجية وتعلّقها المتزايد بالجانب الروحى والعالم السماوي الملكوتي عالم الغيب والشهادة.

 عن الإمام الباقر قال: وأما النبي فهو الذي يرى في منامه نحو رؤيا إبراهيم ونحو ما كان رأى رسول الله من أسباب النبوة قبل الوحي حتى أتاه جبرائيل من عند الله بالرسالة. (الكافي 1/176) فالرؤيا الصادتة- كانت سبيل الوحي النبي ولكن لم يكن من تلك الرؤيا قرأناً وما رواه السيوطي في تفسيره الدر المنثور، بسنده عن أنس بن مالك في تفسير سورة الكوثر أنها نزلت في المنام لا يمكن الأخذ به لأن أنس الذي يروي قصة نزول هذه الصورة إنما يرويها وهو في المدينة وعمره آنذاك لا يتجاوز العشرة هذا أولًا، وثانياً إن إجماع المفسرين وأهل الحديث أن سورة الكوثر مكيّة نزلت بمكة بعد موت عبد الله بن رسول الله

ولما عيّرته قريش ني كونه لاعقب له.

وثالثا: من جملة الحالات التي تعتري الرسول عند نزول الوحي تعتريه حالة خاصة وقد فهمها البعض أنها شبيهة بالنعاس وليس هو بنعاس ولانوم وإنما لشدة وقع الوحي على جسدة الشريف، تعتريه هكذا حالة من حالات عديدة أخرى.

 لهذا قال أمير المؤمنين رؤيا الأنبياء وحي. (بحار 11/ 64و4 ).

 


  نزول الملك

 

 الملك الموكّل بالوحي هو جبرائيل كان ينزل عليه بالوحي والقرآن وفيه صور عديدة:

 ا – كان ينزل عليه دون أن يراه فيسمع صوته بما يلقيه عليه من وحي.

 2 - كان ينزل عليه ألوحي ألهاماً فيعيه بقوة وذلك هو النكت في القلب، قال أن روح القدس نفث في روعي (ألأنفال 1/ 144).

3- كان ينزل عليه الوحي بواسطة الملك جبرائيل وهو يراه وهذه الرؤية كانت على صورتين: الصورة الأولى رآه بصورته الحقيقية وقد ملأ الأفق من المشرق إلى المغرب وقد أذهله ذلك المنظر ويؤكد ذلك تعالى: إنه لقول رسول كريم في قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم أمين وما صاحبكم بمجنون ولقد رآه بالأفق المبين … (التكوير 19/23 ).

وهذه الصورة الحقيقية لجبرائيل التي رآها الرسول قوله تعالى: وهو بلأفق الأعلى قيل رآه في ليلة المعراج لمّا صعد به وقوله تعالى … نزلة أخرى … بطلب منه وقيل غير ذلك. مجمع البيان 9/173 و10/446 والصافي 2/618.

أما الصورة الثانية لجبرائيل التي كان ينزل بها على النبي فكانت على صورة الآدميين وكان يتمثل له بصورة دحية الكلبي. قال - كما في الاصابة- كان جبرائيل يأتيني على صورة دحية الكلبي… (الإصابة 1/ 473).

وكان الصحابة يزعمون حقاً أن الذي عنده النبي هو دحية. وقد نهاهم الرسول فيما بعد أن يدخلوا عليه إذا وجدوا دحية عنده قال اذا رأيتم دحية الكلبي عندي فلا يدخلن عليّ أحد. (بحار 37/336 حديث 60). وربما نزل عليه الملك بصورة رجل آخر كما روى البخاري في صحيحه قال: قال رسول الله وأحيانآ يتمثّل لي الملك رجلأ فيكتمني فاعي ما يقول (الصحيح 1/3) وقد سبق فيما تقدم أن الرسول صرّح باسم دحية الكلبي. وعلى هذا فيبدو أن الملك يأتي باكثر من صورة من صور الأدميّين سواء كانت صورهم معروفة كدحية الكلبي أو غير معروفة كسائر الناس.

 


  الوحي الخاص

 

وهو الذي ينزل مباشرة دون توسط ملك، وكان وقعه شديد على النبي لثقله وعظمته وشرف قوله تبارك وتعالى، وهذا النوع من الوحي لأعظم وقعاً عند الرسول لأنه يكون في حالة خاصة ليس بينه وبين الله شيء إلا هو سبحانه وتعالى فلا يحسّ إلا وكلام الله جلّ وعلا يخاطبه أو يسرّه بصورة لا يمكن أن يدركها غيره، ففي هكذا نزول وحي يكون الرسول في حالات خاصة، كان يحمر وجهه، ويثقل بدنه، ويتصبب من وجهه العرق وغير ذلك من الحالات التي قد شاهد بعضها الصحابة.

 ولا عجب أن يكون الرسول عند نزول الوحي - المباشر - بهذه الكيفية الثقيلة، الشديدة في نفسه وبدنه، لأن الذي ينزل عليه قرآن كريم قد هرعت إلى سماعه الملائكة والجن وكل الموجودات حتى أن الجبال لتتصدع لو أنزل عليها ولرأيتها خاشعة لكلام ربها.

 

 ورد في تفسير الاية الكريمة حتى إذا فُزّغَ من قلوبهم فالوا ماذا قال رلكم؟ قالوا الحقَّ وهو العليُّ الكبير (سبأ/ 23).

 عن الإمام الباقر قال: كان أهل السماوات لم يسمعوا وحياً في الفترة بين المسيح وبعثة محمد فلمّا بعث الله محمداً سمع أهل السماوات صوت وحي القرآن كوقع الحديد على الصفا فصعقوا أجمعين فلما فرغ الله من الوحي انحدر جبرائيل، كّلما مرّ بأهل سماء نزع عن قلوبهم، أي كشف عنهم تلك الغشية. فجعل بعضهم يقول لبعض: ماذا قال ربكم؟

قالوا الحق وهو العلي الكبير. (تفسير علي بن إبراهيم 539). وذكر السيوطي في تفسيره أن الرسول قال، إ ذا أراد الله أن يوحي بأمر تكلّم بالوحي فإذا تكلّم أخذت السماء رجفة شديدة من خوف الله تعالى فإذا سمع بذلك أهل السماوات صعقوا وخرّوا سجّداً. (الدر المنثوره/ 235 ).

وعن السيوطي بسنده عن ابن مسعود، قال: إذا تكلّم الله بالوحي سمع أهل السماوات صلصلة [1]، السلسلة على الصفوان [2] فيفزعون. (الاتقان1/44). أقول هذه الرواية ورواية الحارث بن هاشم ورواية ابن عباس لا تخلو من مناقشة فانتبه.

وأمّا ما ورد عنه في شأن تلقّي الوحي المباشر أنه قال - لمّا سأله الحارث بن هشام - أحياناً يأتيني مثل صلصلة الجرس وهو أشدّه عليّ، فيفصم عنّي وقد وعيت عنه ما قال وأحياناً يتمثّل لي الملك رجلاً فيكلّمني فأعي ما يقول... (صحيح البخاري 1/ 3) (بحار 18/ 260).

وقال - لمّا سأله عبد الله بن عمر هل تحسّ بالوحي؟ - قال: أسمع صلاصل ثم أمكث عند ذلك، فما من مرّة يوحي إليّ ألا ظننت أن نفسي تقبض. (الاتقان 1/ 44).

 

 وقال أمير المؤمنين نزلت على النبي سورة المائدة وهو على بغلته الشهباء فثقل عليه الوحي حتى وقفت وتدلى بطنها حتى رأيت سرتها تكاد تمس الأرض وأغمي على رسول الله حتى رفع يده على ذؤابة شيبة ابن وهب الجمحي... (تفسير العياشي 1/288).

وقال ابن عباس كان النبي إذا نزل عليه الوحي يعالج من ذلك شدة وألماً شديداً وثقلا ويتصدع رأسه. (بحار 18/ 261).

 وفي الحديث أنه أوحي إليه وهو على ناقته فبركت ووضعت جرانها [1] بالأرض فما تستطيع أن تتحرك وأن عثمان - بن مضعون - كان يكتب للنبي لا يستوي الكائدون الآية وفخذ النبي على فخذ عثمان فجاء ابن أم مكتوم فقال: يا رسول الله أن لي من العذر ما ترى، فغشيه الوحي فثقلت فخذه على عثمان حتى قال خشيت أن ترضها، فانزل الله سبحانه غير أولي الضرر [2].

وقالت عائشة ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه، ان جبينه ليتفصد عرقاً. (صحيح البخاري 3/1).

 عن زراة قال قلت لأبي عبد الله وجعلت فداك الغشية التي كانت تصيب رسول الله إذا نزل عليه الوحي؟ قال فقال ذلك إذا لم يكن بينه وبين الله أحد، ذلك إذا تجلى الله له قال ثم قال: تلك النبوة يا زراه وأقبل يتخشع.

 


  تلقي الوحي

 

في احتجاج أمير المؤمنين مع الزنديق

 قال علي وأما قوله: ما كان لبشر أن يكلّمه الله وحياً أو من وراء حجاب أو يرسل رسولاً فيوحى بإذنه ما يشاء الشورى آية 51 ثم أردف قائلا: قد كان الرسول يوحى إليه رسل من السماء فتبلغ رسل السماء إلى الأرض، وقد كان الكلام بين رسل أهل الأرض وبينه من غير أن يرسل بالكلام مع رسل أهل السماء، وقد قال رسول الله: يا جبرائيل رأيت ربّك؟ فقال جبرائيل "إن ربي لا يرى ". فقال رسول الله من أين تأخذ الوحي؟ قال من إسرافيل. قال ومن أين ياخذه إسرافيل؟ قل ياخذه من ملك فوقه من الروحانيّين، قال ومن أين ياخذ ذلك الملك؟ قال يقذف في قلبه قذفاً. فهذا وحي وهو كلام الله عز وجل وكلام الله ليس بنحوٍ واحدٍ، منه ما كلّم به الرسل ومنه: ما قذف في قلوبهم. ومنه رؤيا يراها الرسل ومنه وحي وتنزيل يتلى ويقرأ فهو كلام الله عز وجل [1].

 


  النبي وحالة نزول الوحي

 

عن صفوان بن يعلى بن أمية أن يعلى كان يقول ليتني أرى رسول الله حين ينزلُ عليه الوحي فلما كان النبي بالجعرانة [1] وعليه ثوبٌ قد أظلّ عليه ومعه ناسٌ من أصحابه إذ جاءه رجلٌ متضمّخ [2] بطيب فقال يا رسول الله كيف ترى ني رجل أحرم في جبّةٍ بعدما تضمّخ بطيب؟ فنظر النبي ساعة فجاءه الوحي فاشار عمر إلى يعلى ان تعال فجاء يعلى فادخل رأسه فاذا هو محمّر الوجه يغطّّ [3] كذلك ساعة ثم سرّى [4] عنه.

فقال: أين الذي يسالني عن العمرة آنفاً فالتُمِسَ الرجل فجيء به إلى النبي فقال أمّا الطيب الذي بك فاغسله ثلاث مرات وأما ألجبّة فانزعها ثم اصنع في عمرتك كما تصنع في حجّك [5].

عن الحارث بن هشام أنه سال الرسول فقال يا رسول كيف ياتيك الوحي فقال رسول الله أحياناً يأتيني مثل صلصلة الجرس وهو أشدّه عليّ فيفصم عنّي وقد وعيتُ عنه ما قال، وأحياناً يتمثّل لي الملك رجلاً فيكلّمني فأعي ما يقول، قالت عائشة ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه إنّ جبينه ليتفصّد عرقاً [1]. اقول: قد تقدم ان هذه الرواية فيها مناقشه وربمّا سنتعرّض اليها في مكان آخر إن شاء الله.

 

 

[1] سورة النساء, الآية: 163 و164.

[2] سورة يوسف, الآية: 2.

[1] سورة القصص, الآية: 7.

[2] سورة النحل, الآية: 68.

[3] سورة مريم, الآية: 11.

[4] سورة الأنفال, الآية: 12.

[5] سورة الشعراء, الآية: 192 وبهذا المعنى الآيات: 7 من الشورى و45 من العنكبوت.

[1] سورة الشورى, الآية: 51.

[1] كان النبي، قبل البعثة يتحنّث بغراء حراء، ويمضي هناك في التفكير في أسرار الملكوت و سر الرجود والخليقة متعمقاً في بديع صنع الله.

[1] الصلصلة: صوت قرع الحديد أو تداك بعضه مع بعض.

[2] الصفوان: الحجر الاملس.

[1] الجران من البعيد: مقدم عنقه.

[2] بحار 18/ 263.

[1] الأحجاج 1/ 243 ط2 بيروت مؤسسة الأعلمي, التوحيد 269.

[1] الجعرانة: احد المنازلى.

[2] التضمخ والتلّطخ بمعنى واحد.

[3] يغط: غطيط الناكم شخيره.

[4] سرّى: كشف وازيل عنه.

[5] صحيح البخاري 6/ 98.

[1] صحيح البخاري1/ 3 ومجمع البيان. ا / 378.