الميسّر في علوم القرآن


  أوّلاً: نسخ الحكم والتلاوة

 

 روى مسلم في صحيحه عن أبي موسى الأشعري أنه قال: إنّا كنّا نقرأ سورة كنّا نشبهها في الطول والشدّة ببراءة فأنسيتها، غير أني أحفظ منها: (لو كان لابن آدم واديان من مالٍ لابتغى وادياً ثالثاً ولا يملأ جوف ابن آدم إلاّ التراب) [1].

 وكنّا نقرأ سورة نشبهها بإحدى المسبّحات، فانسيتها غير أني حفظت منها: يا أيها الذين آمنو لِمَ تقولون ما لا تفعلون فتكتب شهادة في أعناقكم فتسالون عنها يوم القيامة [2].

وذكر الإمام أبو الحسين أحمد بن جعفر المنادي [3] في كتابه (الناسخ والمنسوخ) فقال: فما رفع رسمه من القرآن ولم يرفع من القلوب حفظه سورتا القنوت في الوتر، قال: ولا خلاف بين الماضيين والغابرين أنّهما مكتوبان في المصاحف المنسوبة إلى أُبي بن كعب، وأنه ذكر عن النبي أنه أقرأه أيّاهما، وتسمى سورتي الخلع والحفد [4] وممّا مثلوا له في هذا القسم آية التحريم بعشر رضعات، قيل أنها نسخت بخمس. واستنادهم في ذلك ما رووه عن عائشة أنها قالت كان ممّا أنزلى عشر رضعات معلومات فنُسخن بخمس معلومات فتوفى الرسولى وهي ممّا يقرأ من القرآن [1]: قال الزركشي، وقد تكلّموا في قولها (وهي ممّا يقرأ) فإن ظاهره بقاء التلاوة، وليس كذلك، فمنهم من أجاب بأن المراد قارب الوفاة، والأظهر أن التلاوة نسخت أيضاً ولم يبلغ ذلك كل الناس إلاّ بعد وفاة رسول الله فتوفى وبعض الناس يقرؤها.

ونقل عن الواحدي شبيه ذلك ما روى عن أبي بكر، قال: كنّا نقرأ: "لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر" [2] أقول وأين بقية الصحابة الذين يعدّون بالآلاف، فلماذا لم يحفظوا آية (الرضاع) وآية (الرغبة عن الآباء) حتى يخفّفوا من وطأة اللوم على عائشة وأبيها..؟ !

هذا بعض الشيء من أخبار النسخ في الحكم والتلاوة وسيأتي بعضها الآخر في قسم التحريف إن شاء الله.

أقول هذا النوع من النسخ مرفوض بالمرة لأن القول به إثبات لتحريف القرآن بدخول النقص فيه وسيأتي الكلام في قسيم التحريف إن شاء الله ويكاد الرفض أن يكون إجماعياً عند المسلمين إلاّ ما شذّ وندر وهذا الشذوذ لا يقدح بإجماع المسلمين.

 

قال الشيخ علي حسن العريض المفتش بالأزهر بعد نقله لقول السيوطي... وهذا هو الصواب الذي نعتقده وندين الله عليه حتى نقفل الباب على الطاعنين في كتاب الله تعالى، من الملاحدة والكافرين الذين وجدوا من هذا الباب نقره يلحون منها إلى الطعن في القرآن الكريم، وحتى ننزه كتاب الله تعالى عن شبهة الحذف والزيادة بأخبار الآحاد، فما لم يتواتر في شأن القرآن إثباتاً، وحذفاً لا اعتداد به، ومن هذا الباب نسخ القرآن بالسنّة الأحادية، بل حتى المتواترة عند بعضهم. ونرفض كل ما ورد من الروايات في هذا الباب وما أكثرها، كما ورد في بعض الأقوال عن سورة الأحزاب وبراءة وغيرهما. (فتح المنان ص 219).

وقال القاضي أبو بكر في الانتصار يرويه عن غيره: إن هذا القسم لا يصح وجوده لأنه من أخبار الآحاد، ولا يجوز القطع على إنزال قرآن ونسخه بأخبار آحاد لا حجة فيها.

وقاىى أبو بكر الرازي: نسخ الرسم والتلاوة إنّما يكون بان ينسهم الله أيّاه ويرفعه من أوهامهم ويامرهم بالإعراض عن تلاوته وكتبه في المصحف فيندرس على الأيام كسائر كتب الله القديمة التي ذكرها في كتابه في قوله:

إن هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى الأعلى/ 18 و 19. ولا يعرف اليوم منها شيء ثم لا يخلو ذلك من أن يكون في زمن النبي حتى إذا توفى لا يكون متلو في القرآن أو يموت وهو متلو موجود في الرسم، ثم ينسيه الله ويرفعه من أذهانهم وغير جائز نسخ شيء من القرآن بعد وفاة النبي [1] ونقل الزركشي عن ابن ظفر"أن خبر الواحد لا يثبت القرآن" [2].

أما رأي علمائنا الإمامية فقد اجتمعوا على نفي هذا النسخ، قال آية الله السيد الخوئي (قدس سره) ومثلوا نسخ التلاوة والحكم معاً لما تقدّم نقله عن عائشة في الرواية العاشرة [3] من نسخ التلاوة في بحث التحريف والكلام في هذا القسم كالكلام في القسم الاول بعينه [4].

 


  ثانياً: نسخ التلاوة دون الحكم

 

 هذا الضرب من النسخ رفضته الإمامية كسابقه بصورة قطعية ولم يقل به أحد من علمائنا في السابق واللاحق، وقبول هذا القسّم من النسخ يفضي إلى تحريف القرآن، والقرآن منزه عن التحريف. ولا يخفى عليك أيها القارىء أن الروايات الواردة في شان هذا النسخ إنّما هي من أخبار الآحاد وقد عرفت أن خبر الواحد لا ينسخ آية محكمة قطعية الصدور إلاّ أنّ فريقاً كبيراً من علماء السنّة ذهبوا إلى جواز وقوع هذا الضرب من النسخ ومثلّوا له بالخبر المروي عن عمر وأُبي وعائشة في آية الرجم.

عن عاصم عن زر قال:قال لي أُبي بن كعب: كم تعدّون سورة الأحزاب؟ قلت: أمّا ثلاثاً وسبعين آية أو أربعاً وسبعين آية. قال: إن كانت لتقارن سورة البقرة أو لهي أطول منها، إن كان. فيها لآية الرجم. قلت أبا المنذر، وما آية الرجم؟ قال: إذا زنى الشيخ والشيخة فارجموهما نكالاً من الله والله عزيزٌ حكيم.

علماً أنهم رووا هذا - المدعى عليه آية - بألفاظ مغايرة [1]. وفي رواية عائشة أن آية الرجم والرضاعة كانت في صحيفة فأكلها داجن البيت يوم كانوا مشتغلين بدفن الرسول وممّن ذكر هذه الروايات الزركشي في البرهان والسيوطي في الاتقان. قال الأستاذ الشيخ العريض مفتش الأزهر: وصّح عن أُبي بن كعب أنه قال: كانت سورة الأحزاب توازي سورة البقرة أو أكثر، وهذا القدر الذي يقرب من مائتين وثلاث عشرة آية التي نسخت لا تخلو من النالب من أحكام اعتقادية لا تقبل النسخ... فتح المنان ص 223.

في طليعة المصادر الناقلة لآية الرجم صحيح البخاري، يذكر عدّة روايات في باب الاعترافي بالزنا، منها عن ابن عباس قال خرج عمر بن الخطاب فجلس على المنبر فلمّا سكت المؤذّنون قام، فاثنى على الله تعالى بما هو أهله ثم قال، إن الله قد بعث محمداً بالحق وأنزل عليه الكتاب، فكان ممّا أنزل عليه آية الرجم. فقرأناها وعقلناها، ووعيناها، فرجم رسول الله ورجمنا بعده. فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل ما نجد الرجم في كتاب الله، فيضلّوا بترك فريضة أنزلها الله وإن الرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البيّنة أو كان الحمل أو الاعتراف. (صحيح البخاري باب الاعتراف بالزنا).

 

أقول لا يخلو أن عمل النبي في رجم المحصن إنّما هو تطبيق حكم شرعي قد أنزله سبحانه وتعالى لكن هذا الحكم الشرعي لم يثبت أنه نزل بصورة قرآن بل أن تفصيل الأحكام وتبيانها موكول إلى الرسول كتفصيل الركعات في الصلوات الخمسة وبقية المسائل الشرعية التكليفية الفرعية وما أكثرها، فلعلّ عمر بن الخطاب شاهد فعل الرسول وعقل ما تلفّظه وهكذا شأن غيره من الصخابة، وربّما من باب المجاز أطلق على كلام الرسول لفظ آية ثم أضيفت فقال آية الرجم، فكل شيء فيه إبداع يسمى آية. وفي رجم، المحصن وبالخصوص الرجل الكبير والمرأة العجوز آية في القضاء على دابر المفسدين وأهل الفحشاء والمنكر [1].

وخلاصة القول - عندنا - هذه الأخبار المروية من أخبار الآحاد لا تثبت نسخ حكم شرعي لنص قرآني محكم لأن القرآن ثابت الصدور بالتواتر عند جميع علمائنا قال المرحوم آية الله السيد الخوئي تغمّده الله برحمته: أجمع المسلمون على أن النسخ لا يثبت بخبر الواحد كما أن القرآن لا يثبت به، والوجه في ذلك - مضافاً إلى الإجماع - أن الأمور المهمة التي جرت العادة بشيوعها بين الناس وانتشار الخبر عنها على فرض وجودها لا تثبت بخبر الواحد، فإن اختصاص نقلها ببعض دون بعض بنفسه دليل على كذب الراوي أو خطأه. وعلى هذا فكيف يثبت بخبر الواحد أن آية الرجم من القرآن. وأنها نسخت تلاوتها وبقى حكمها. نعم قد تقدّم أن عمر أتى بآية الرجم وادّعن أنها من القرآن فلم يقبل قوله المسلمون لأن نقل هذه الآية كان منحصراً به. ولم يثبتوها في المصاحف، فالتزم المتأخّرون بانها آية منسوخة التلاوة باقية الحكم [1].

 

أمّا علماء الجمهرر - فالأكثرية - كما هو عليه الإمامية ينفون هذا النسخ، قال القاضي أبو بكر في الانتصار:

إن رواية عمر وأمثالها من الروايات التي تزعم وجود قرآن نسخ تلاوة، روايات آحاد لا يصح التعويل عليها فما تثبته غير ثابت. وذكر الامام ابو بكر الصقلي في كتابه (الينبوع: حديث عمر ثم قال. إنّ خبر الواحد لا يثبت القرآن الكريم).

وفي كتاب اللمع في أصول الفقه لأبي إسحاق الشيرازي ورد ما لفظه: وقالت طائفة لا يجوز نسخ التلاوة مع بقاء الحكم، لأن الحكم تابع للتلاوة فلا يجوز أن يرفع الأصل ويبقى التابع.

وفي كتاب البرهان في علوم القرآن للزركشي: أنه لا يجوز القطع على إنزال قرآن ونسخه بأخبار آحاد لا حجة فيها، وحديث عمر الذي رواه البخاري معلق فلا تقوم به حجة فضلاً كونه يثبت قرآنية ما ليس بقرآن فلا يحتج به في إثبات النسخ.

ومن المتأخّرين من علماء السنّة وأساتذة الأزهر الشيخ محمد الخضري قال في كتابه (تاريخ التشريع الإسلامي): لا يجوز أن يرد النسخ على التلاوة دون الحكم ثم يقول: إما نسخ التلاوة مع بقاء الحكم فقد خالف فيه بعض المعتزلة، وأجازه الجمهور محتجين بأخبار آحاد وردت في ذلك. لا يمكن أن تقوم برهاناً على حصوله ثم قال: وأنا لا أفهم معنىّ لآية أنزلها الله تعالى لتفيد حكماً ثم يرفعها مع بقاء حكمها، لأن القرآن يقصد منه إفادة الحكم والإعجاز بنظمه معاً، فما هي المصلحة في رفع آية منه مع بقاء حكمها؟

إن ذلك غير مفهرم وقد أرى أنه ليس هناك ما يدعو إلى القول به (تاريخ التشريع الاسلامي)

وقال الشيخ الألوسي في تفسيره: والقول بأن ما ذكر إنّما يلزم منه نسخ التلاوة فيجوز أن تكون التلاوة منسوخة مع بقاء الحكم كآية الشيخ والشيخة ليس بشيء، لأن بقاء الحكم بعد نسخ لفظه يحتاج إلى دليل... (تفسير الألوسي).

وقال الشيخ العريضي: والحق يقال أن هذا النوع من النسخ وإن كان جائزاً عقلاً، ولكنّه لم يقع في كتاب الله عز وجل، لأن هذه الروايات التي وردت في الأحاديث السابقة روايات آحاد والقرآن الكريم لا يثبت بروايات الآحاد مهما كانت مكانة قائلها (فتح ألمنان ص 224).

 

أما الدكتور مصطفى زيد فقال:

ومن ثم يبقى منسوخ التلاوة باقي، الحكم مجرد فرض لم يتحقق في واقعة واحدة ولهذا نرفضه ونرى أنه غير معقول ولا مقبول (الناسخ في القرآن).

تعقيباً على ما تقدّم قال آية الله السيد الخوئي (قدس سره):

وغير خفي أن القول بنسخ التلاوة هو بعينه القول بالتحريف والإسقاط، وبيان ذلك: أن نسخ التلاوة هذا إما أن يكون قد وقع من رسول الله وإما أن يكون ممّن تصدّى للزعامة من بعده، فإن أراد القائلون بالنسخ وقوعه من رسول الله فهو أمر يحتاج إلى الإثبات وقد اتّفق العلماء أجمع على جواز نسخ الكتاب بخبر الواحد، وقد صرّح بذلك جماعة في كتب الأصول وغيرها - كالموافقات لأبي إسحاق الشاطبي- [1] بل قطع الشافعي وأكثر أصحابه، وأكثر أهل الظاهر بامتناع نسخ الكتاب بالسنة المتواترة، وإليه ذهب أحمد بن حنبل في إحدى الروايتين عنه، بل أن جماعة مّمن قال بإمكان نسخ الكتاب بالسنّة المتواترة منع وقوعه [1] وعلى ذلك فكيف تصح نسبة النسخ إلى النبي بأخبار هؤلاء الرواة؟ مع أن نسبة النسخ إلى النبي تنافي جملة من الروايات التي تضمّنت أن الإسقاط قد وقع بعده.

وإن أرادوا أن النسخ قد وقع من الذين تصدّوا للزعامة بعد النبي فهو عين القول بالتحريف. وعلى ذلك فيمكن أن يدّعي أن القول بالتحريف هو مذهب أكثر علماء أهل السنّة، لأنهم يقولون بجواز نسخ التلاوة. سواء أنسخ الحكم أم لم ينسخ...

ثم بيّن رضوان الله عليه رأي الشيعة الإمامية الأثنى عشرية في ذلك فقال:... إنك قد عرفت أن القول بعدم التحريف هو المشهور بل المتسالم عليه بين علماء الشيعة ومحقّقيهم، حتى أن الطبرسي قد نقل كلام السيد المرتضى بطوله، واستدلاله على بطلان القول بالتحريف بأتم بيان وأقوى حجّة [2].

 


  ثالثاً: ما نسخ حكمه وبقي تلاوته

 

 هذا القسم هو المشهور بين علماء المسلمس وهو الذي منعه كل من اليهود والنصارى وأبوا أن تكون الشريعة الإسلامية ناسخة لشرائعهم.

وقد تظافرت المؤلّفات في هذا القسم منذ القرن الثاني للهجرة والى يومنا هذا، غير أن الكثير منهم أدخلوا في النسخ ما هو ليس منه حتى صيّره بعضهم إلى خمسمائة موضع، والأمر ليس كذلك، وربّما لا يتجاوز أعداد الأصابع. فمن غريب الأقوال ما ذكره ابن العربي في كتاب أحكام القران قال:

الآية فإذا انسلخ الأشهر الحرم التربة/ 5. هي ناسخة لمائة واربع عشرة آية ثم صار آخرها ناسخاً لأوّلها وهو قوله فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلّوا سبيلهم التوبة/ 19.

قالوا وليس في القرآن آية من المنسوخ ثبت حكمها ست عشر سنة إلاّ قوله في الأحقاف قل ما كنت بدعاً من الرسل وما أدري ما يُفعل بي ولا بكم أحقاق / 90 [1].

ومن الغريب ما ذكره ابن العربي: قوله تعالى: خُذِ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين الأعراف / 99. قال أوّلها وآخرها منسوخان ووسطها محكم. أحكام القران 1 / 388.

 


  أقسام النسخ في الحكم

 

تقسيم أول

 عند ابن البارزي ت 738 هـ

قال والناسخ أربعة أنواع:

أحدهها: نسخ الكتاب بالكتاب، وهو جائز لقوله تعالى: ما ننسخ من آية أو ننساها نأتِ بخير منها أو مثلها البقرة/ 106 وقوله تعالى: وإذا بدّلنا آية مكان آية... النمل / 101.

الثاني: نسخ السنّة بالكتاب وهو جائز لأنه أمر بصوم عاشوراء ونسخ بقوله تعالى: شهر رمضان... البقرة/ 185 وروى أنّه لّما نزل قوله تعالى: إن تستغفر لهم سبعين مرّة فلن يغفر الله لهم التوبة/ 80. قال: والله لأزيدنّ على السبعين فنسخ بقوله: سواء عليهم استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم المنافقون/ 6.

الثالث: نسخ السنّة بالسنّة، وهو جائز لقوله: "ألا أني كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزرورها".

الرابع: نسخ الكتاب بالسنّة. فهو جائز عند أبي حنيفة ممتنع عند الشافعي.

 

تقسيم ثان للنسخ

 روى هذا التقسيم الواحدي فقال:

أ - نسخ ما ليس بثابت التلاوة كعشر رضعات.

ب -ونسخ ما هو ثابت التلاوة بما ليس بثابت التلاوة ومثّل لهذا الصنف نسخ الجلد في حق المحصنين بالرجم فآية الجلد متلو أمّا آية الرجم غير متلو الآن، وأنه كان يتلى على عهد النبي، فالحكم ثبت والقراءة لم تثبت، كما يجوز أن تثبت التلاوة في بعض ولا يثبت الحكم. ثم قال: وإذا جاز أن يكون قرآن رلا يعمل به جاز أن يكون قرآن يعمل به ولا يتلى، وذلك إن الله عز وجل أعلم بمصالحنا، وقد يجوز أن يعلم من مصلحتنا تعلق هذا العمل بهذا الوجه. البرهان 2/ 41.

 

تقسيم ثالث للنسخ

 الضرب الأول: نسخ المأمور به قبل امتثاله وهذا الضرب هو النسخ على الحقيقة. كأمر الخليل بذبح ولده وكقوله تعالى: إذا ناجيتم الرسول فقدّموا بين يدي نجواكم صدقة المجادلة/ 12. ثم نسخه سبحانه بقول: أشفقتم أن تقدّموا... 13.

الضرب الثاني: ويسمّى نسخاً تجوّزا ومثّلوا له بثلاث موارد.

أ - نسخ صوم عاشوراء برمضان.

ب -نسخ التوجه في الصلاة إلى بيت المقدس بالتوجه إلى الكعبة.

ج - نسخ ما أوجبه سبحانه على من قبلنا من حتمية القصاص وهو قوله

تعالى: إيا أيها الذين آمنوا كتب مليكم القصاص في القتلى البقرة/ 178.

ثم أعقب ذلك تشريع الآية ذلك تخفيف من ربكم ورحمة 178.

الضرب الثالث: ما أمر به لسبب ثم يزول السبب كالأمر بالصبر وبالمغفرة حين الضعف وقلّة العدد وهكذا في عدم إيجاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد ونحوها، ثم نسخه إيجاب ذلك. قال الزركشي:. وهذا ليس بنسخ في الحقيقة وانّما هو نسىء كما قال تعالى: أو ننسئها فالمّنْسأ هو الأمر بالقتال إلى أن يقوى المسلمون وفي حال الضف يكون الحكم وجوب الصبر على الأذى. البرهان 2/ 42.

ثم قال. بهذا التحقيق تبيّن ضعف ما لهج به كثير من المفسرين في - الآيات الآمرة بالتخفيف أنها منسوخة بآية السيف وليست كذلك بل هي من المنسأ بمعنى أن كل أمر ورد يجب امتثاله في وقت ما لعلّة توجب ذلك الحكم، ثم ينتقل بانتقالى تلك العلة إلى جكم آخر. وليس بنسخ، إنّما النسخ الإزالة حتى لا يجوز امثماله أبداً.

من هذا قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم المائدة/ 105 كان ذلك في ابتداء الأمر، فلمّا قوي الحال وجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. البرهان 2/ 42. كيف ما كان فقد قيل أن نسخ الحكم دون التلاوة وقع ني ثلاث وستين سورة وسنذكر أقسام السور التي دخلها ناسخ أو منسوخ أو كليهما وشروط النسخ والموازنة بين الناسخ والمنسوخ وما خرج عن حد النسخ..

 

 

[1] الناسخ والمنسرخ لابن سلامة بهامش أسباب النزرل للواحدي ص 11. وصحيح مسلم كتاب الزكا ة 2 / 726.

[2] صحيح مسلم. كتاب الزكاة 2/ 726, البرهان للزركشي 2/ 36.

[3] من علماء القرن الرابع الهجري توفي سنة 334 ه.

[4] البرهان في علوم القرآن 2/ 37.

[1] رواه مسلم وآخرون، انظر البرهان للزركشي 2/ 39، سنن ابن ماجه 1/ 625 أصول السرخسي 2 / 79.

[2] البرهان للزركشي 2/ 39.

[1] البرهان 2 / 40.

[2] المصدر السابق 2/ 40.

[3] المصدر السابق 2/ 36 و 38.

[4] الراوية العاشرة: ما جاء عن عائشة ني الرضاع قالت: كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن ثم نسخن بـ: خمسٍ معلومات، فتوفى رسول الله وهن فيما يقرأ من القرآن. صحيح مسلم 4/ 167).

5- سيأتي قول السيد الخوئي بعد صفحات إن شاء الله تعالى.

[1] روى الزهرى عن ابن عباس قال خطبنا عمر بن الخطاب قال كنا نقرأ الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة بما قضيا من اللذّة، انظر فتح الباري 12/ 127، وتفسير ابن كثير 3/ 261، ومناهل العرفان 2/ 111 ومصادر آخرى..

[1] أقول يقسم الوحي إلى ثلاثة أقسام:

1- وحي باللفظ والمعنى مع الإعجاز والتعبد بالتلاوة، وهو القرآن الكريم.

2- وحي باللفظ والمعنى بغير إعجاز ولاتعبد بتلاوة وهوالأحاديث القدسية.

3 - وحي بالمعنى دون اللفظ وهو الأحاديث النبوية، ولا يخلو في قول عمران آية الرجم من هذا القسم، فهو حديث نبوي. وأن كان لم يثبت بطريق التواتر.

[1] البيان - السيد أبو القاسم الخوئي (قدس سره) ص 304.

[1] المرافقا ت 3/ 106 ط الرحما نية، مصر، والبيان 224.

[1] الأحكام في أصولى الأحكام للآمدي 3/ 217.

[2] البيان للسيد الخوفي 224و 225 عن مجمع البيان 1/ 51 المقدمة.

[1] وقال ابن البارزى ت 738هـ: وآية السيف "فإذا نسلخ " نسخ بها مائة وأربعة عشر موضاً في إثنتين وخمسين سورة.. ثم قال ونسخ عمومها في آخرها، بقوله فان كابوا.. ناسخ القرآن العزيز ومنسوخه ص 22.