الميسّر في علوم القرآن


  أقسام السور التي دخلها ناسخ أو منسوخ

 

 وهي أربعة أقسام:

أولاً: سور ليست فيها ناسخ ولا منسوخ - قيل - هي ثلاث وأربعون سورة [1]: الفاتحة، يوسف، يس [2] الحجرات، الرحمن، الحديد، الصف، الجمعة، التحريم، الملك، الحاقة، نوح، الجن، المرسلات، النبأ، النازعات، الانفطار، المطففين، الانشقاق، البروج، الفجر، البلد، الشمس، الليل، الضحى، الانشراح، القلم، القدر، الانفكاك، الزلزلة، العاديات، القارعة، ألهيكم، الهمزة، الفيل، قريش، الدين، الكوثر، النصر، تبتّ، الإخلاص، المعوذتين.

 

ثانياً: سور فيها ناسخ فقط ولم يكن فيها منسوخ وهي ست سور: الفتح، الحشر، المنافقون، التغابن، الطلاق، الأعلى [3].

 

ثالثاً: سور فيها منسوخ فقط، ولم يدخلها الناسخ وهي أربعون سورة [4]: الأنعام، الأعراف، يونس، هود، الرعد، الحجر، النحل، بنو إسرائيل الكهف [5] طه، المؤمنون، النمل، القصص، العنكبوت، الروم، لقمان، المضاجع (السجدة) الملائكة [6] الصافات، ص، الزمر، المصابيح (فصلت)، الزخرف، الدخان، الجاثية، الأحقاف، محمد، الباسقات، النجم، القمر، الامتحان [1] المعارج، المدّثّر، القيامة، الإنسان، عبس [2 الطارق، الغاشية، التين، الكافرون.

 

رابعاً: ما اجتمع فيه الناسخ والمنسوخ: وهي إحدى وثلاثون سورة [3]: البقرة، آل عمران، النساء، المائدة، الأعراف، الأنفال، التوبة، إبراهيم، النحل، بنو إسرائيل، مريم، طه، الأنبياء، الحج، المؤمنون، لنور، الفرقان، الشعراء، الأحزاب، سبأ الشورى، القتال، الذاريات، الطور، الواقعة، المجادلة، الممتحنة، المزمل، المدّثّر، التكوير، العصر.

ويبدو من ابن سلام أن مدار النسخ ما كان في السور أمرّ ونهي.

 


  شروط النسخ

 

 مما اشترطوا في النسخ. أن لا ينسخ القرآن إلاّ قرآن لقوله تعالى: ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها [البقرة/ 106]. وليس شيء أفضل من القرآن أو مثله إلاّ قرآن. ومن المناسب أن نذكر رأي ابن الجوزي وغيره ثم نعلق على ما أوردوه:

قال ابن الجوزي ت 597هـ: شروط النسخ خمسة:

أحدها: أن يكرق الحكم في الناسخ والمنسوخ متناقضاً فلا يمكن العمل بهما.

والثاني: أن يكون حكم المنسوخ ثابتاً قبل ثبوت حكم الناسخ.

والثالث: أن يكون حكم المنسوخ ثابتاً بالشرع لا بالعادة والعرف فإنه إذا ثبت بالعادة لم يكن رافعه ناسخاً بل يكون ابتداء شرع آخر.

والرابع: كون حكم الناسخ مشروعاً بطريق النقل كثبوت المنسوخ فأما ما ليس مشررعاً بطريق النقل فلا يجوز أن يكون ناسخاً للمنقول، ولهذا إذا ثبت حكم منقول لم يجز نسخه بإجماع ولا بقياس.

والخامس: كون الطريق الذي ثبت به الناسخ مثل طريق ثبوت المنسوخ أو أقوى منه ولهذا نقول: لا يجوز نسخ القرآن بالسنة [1].

 

وأما ابن العربي فذكر شروطاً غير تلك وهي ستة:

الأول: أن يكون شرعياً غير عقلي.

الثاني: أن يكون منفصلاً غير متصل.

الثالث: أن يكون المقتضي بالمنسوخ غير المقتضي بالناسخ.

الرابع: أن يكون الجمع بين الدليلين غير ممكن.

الخامس: أن يكون الناسخ في العلم والعمل مثل المنسوخ.

السادس: معرفة المتقدم من المتأخر.

 

أقول وما اشترط في النسخ - كما عرفت - أن الناسخ لا بد من تأخره عن المنسوخ في الوقت الذي ذكروا خمسة مواضع تقدّم الناسخ على منسوخه وهي:

1 - قوله تعالى: والذين يتوفّّون منكم ويذرون أزواجاً [البقرة/ 234], كانت المرأة إذا مات زوجها لزمت التربص بعد انقضاء العِدّة حولاً كاملاً ونفقتها من مال الزوج ولا ميراث لها، وهذا معنى قوله تعالى: متاعاً إلى الحول غير إخراج [البقرة/ 340] نسخت بقوله: يتربّصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً [البقرة/ 234].

2- قوله تعالى: يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك [الأحزاب / 50]. قالوا إنها ناسخة لقوله: لا يحلّ لك النساء من بعد ولا أن تبدّل بهن من أزواج... [الأحزاب / 52].

3 - وقوله تعالى:سيقول السفهاء من الناس ما ولآهم عن قبلتهم التي كانوا عليها... [البقرة/ 142] قيل إنها ناسخة لقوله تعالى: قد نرى تقلّب وجهك في السماء فلنولّينّك قبلة ترضاها فوّل وجهك شطر المسجد الحرام... [البقرة/ 144].

4- قوله تعالى: إما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فللَّه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء... [الحشر/ 7] قيل إنها ناسخة لقوله تعالى: واعلموا إنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه وللرسول ولذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل... [الأنفال / 41].

5 - قوله تعالى: وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين [البقرة/ 190] قالوا إنها ناسخة لقوله تعالى: فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين [البقرة/ 194].

هذه خمسة موارد ادعوا أن الناسخ متقدم على منسوخه على أن هكذا نسخ لا يجوز وقوعه عند الكثير.

 

تعقيب لابدّ منه

 قال الشيخ معرفة: من الصعب جداً الوقوف على تاريخ نزول آية في تقدمها وتأخرها ولا عبرة يثبت آية قبل أخرى في المصحف، إذ كثير من آيات ناسخة هي متقدمة في ثبتها على المنسوخة، كما في آية العدد برقم 234 من سورة البقرة وهي ناسخة لآية الامتاع إلى الحول برقم 240 من نفس السورة، وهذا إجماع [1].

أقول وقي هذا النصّ تهافت بيّن، لأن المصنّف قد مثل للكثرة بمثال واحد. والمثال الواحد لا يصح دليلاً على ما ادّعاه، هذا أوّلاً.

وثانياً. الاجماع الذي ادّعاه، هل إجماع كافة المسلمين، أم عند فرقة وطائفة دون أخرى؟!

وثالثاً: لقد ثبت لك أن الذي ذكره أرباب التفسير في الآيات الناسخة المتقدمة على منسوخاتها إنما هي كانت أربع آيات وبعضهم صّيرها خمساً ليس إلاّ، فهل يصح لمثل هذه الموارد التي تعدّ بالأصابع أن يطلق عليها لفظة (كثير...)؟! فإين الكثرة المدعاة في تقديم الناسخ على المنسوخ؟!

ورابعاً: هل نحن مكلّفون أن نعيد ترتيب آيات القرآن الكريم من جديد كي نقف على الآيات الناسخة والمنسوخة فنقول عندئذ من الصعب جدأ الوقوف على تاريخ نزول آية في تقدمها وتأخرها..؟!

وخامساً: ألم يكن ترتيب الآيات - والسور على رأي البعض - توقيفياً في سواء كان ذاك الترتيب من الله سبحانه مباشرة عند نزول الآيات أم من النبي بإشارة من جبرائيل ، وهو بالتالي يكون وحياً أيضاً. فإذا ثبت ذلك الترتيب التوقيفي عندئذ يسهل معرفة الناسخ من المنسوخ.

 

على أن البعض قد أنكر النسخ كأبي مسلم الأصفهاني والسيد الخوئي (قدس سره) وعلى هذا إِنْ تقدمت آية على أخرى فلا يشكل ضرراً، ولا يكون قدحاً في مجمل المصحف، على أننا لا ننكر وقوع النسخ كما فعله البعض. ومن المآخذ على كتاب التمهيد قول الشيخ المصنف في النسخ المشروط:

... هناك من أنواع النسخ ما نصطلح عليه بالنسخ المؤقت أو النسخ المشروط، وهو ما إذا كان الحكم المنسوخ رهن ظروت وأحوال تغيرت إلى حالة أخرى استدعت تشريع حكم جديد، لكنّها مع ذلك قابلة للعود على حالتها الأولى، إمّا في رقعة أخرى من الأرض أو في فترة آتية من الزمان، فإنّ من الحكمة أن يعود الحكم المنسوخ إلى الوجود.

فكل من الناسخ والمنسوخ هو رهن حالة تخصّه، وقيد مصلحة تلتئم معه. فما دامت فالحكم يدوم معها، وما زالت فالحكم يزول معها، اذا ما رجعت فإنّ الحكم يرجع معها.. وهكذا مثاله الصدقات الواجبة في سبيل الله كان على المسلمين أن يقوموا بتجهيز بُنية الدولة الماليّة مهما كلّف الأمر، وهو الوارد في القرآن كثيراً باسم الإنفاق في سبيل الله كان ذلك واجباً حتماً ما دامت الحاجة باقية... ثم لما فرضت الزكاة وأخماس الغنائم والخراج ونحو ذلك، وزالت حاجة الدولة إلى مؤونة غيرها، زال ذلك التكليف... لكن إذا ما دهمت الأمّة حادثة أو كارثة تحتاج إلى مؤونة زائدة، أو عرض ما يستدعي صرف مال أكثر فإن ّ المصلحة تقتضي فرض ماليات متناسبة مع حاجة الدولة، أو يكون على عهدة المسلمس القيام بوظيفتها [1]...

لقد تطرّف المصنف في اعتبار النسخ إذ جعله كالقانون مرناً، فالنسخ عنده يبرز في ظرف دون آخر، فهو يتبع ظروف المجتمع الإسلامي والمناسبات المحيطة به. في الوقت الذي يعرّف المصنّف نسخ (الحكم دون التلاوة) بأن تبقى الآية ثابتة في الكتاب يقرؤها المسلمون عبر العصور سوى أنها من ناحية مفادها التشريعي منسوخة لا يجوز العمل بها بعد مجيء الناسخ القاطع لحكمها [2].

فالتناقض في كلام المصنف واضح جداً كالشمس في رابعة النهار، إلا كيف يعمل بالناسخ مرة ثم يعود العمل بالمنسوخ ثانية إذا تبدّلت الظروف؟! فهل من المنطق أن يعود العمل على ما كان عليه في حالته السابقة؟ وهل من الحكمة - كما ادعى صاحب التمهيد - أن يعود الحكم المنسوخ إلى الوجود...؟!

إن ذلك ضرب من التناقض والخبط، ودليل على عدم استيعاب مضمون النسخ... ثم هل تشريع الضرائب في يومنا الحاضر يكون ضرباً من الصدقات...؟ ! أم أنه ضرباً من النسخ؟ !

 

التمثيل الذي جاء به - المصنف - لمن الغريب جداً أن يضعه في هذا الباب، حيث أن الصدقات التي أوجبت - إذا ثبت وجوبها الشرعي في كل زمان - لم تنهض بأعباء الدولة الإسلامية، لا في زمن الرسول ولا بعده. ولوفرضنا أن بعض الصدقات أو الانفاق قد جاء بمنزلة الواجب، أو كان فرضاً على المسلمين فإنما ذلك بتشريع من الله سبحانه أو بأمر من النبي. أما في غير زمن المعصوم، فالأمر ليس كذلك ثم أمر تشريع الضرائب أمر مستحدث لا ينزل بمنزلة الصدقات أو الإنفاق، فلو كان المأخوذ من الناس بعنوان الضرائب قد أخذ جبراً وقهراً، فأي ثواب يلحق بالمعطي؟ !

بينما كانت الصدقات بكل أقسامها والإنفاق في سبيله عبارة عن تجارة مع الله سبحانه وتعالى وهي بمثابة القرض له سبحانه.

فكلامنا واضح لذي عينين، أما المصنّف ربّما أراد في مثاله ذاك محاباة البعض، والله العالم بالسرائر.

نعود إلى بحثنا، فنقول: ومما تسامحوا في الشروط، قالوا يجوز نسخ القرآن بالسنّة بشرط أن تكون السنة وحياً أو أنها متواترة.

قال الإمام الخوئي (قدس سره): إن الحكم الثابت بالقرآن ينسخ بالسنّة المتواترة أو بالإجماع القطعي الكاشف عن صدور النسخ عن المعصوم وهذا القسم من النسخ لا إشكال فيه عقلاً ونقلاً.

ثم قال. فإن ثبت في مورد فهو المتبع، وإلاّ فلا يلتزم بالنسخ، وقد عرفت أن النسخ لا يثبت بخبر الواحد [1].

أقول: وعلى هذا فإن السيد الخوئي يرد كل نسخ.

وقد قيل فيما يقوم مقام الشرط أن ما نزل بالمدينة ناسخ لما نزل بمكة.

 


  قواعد النسخ عند ابن العربي

 

القاعدة الأولى: كل قول وعمل كان بعد النبي فإنه لا يجوز أن يكون ناسخاً ولو كان إجماعاً.

القاعدة الثانية: لا يجوز نسخ حكم من الشريعة بعد استئثار الله بالرسول .

القاعدة الثالثة: لا ينسخ القرآن والسنة الإجماع.

القاعدة الرابعة. إن الإجماع ينعقد على نظر لم يجز أن ينسخ وإن انعقد على أثر جاز أن يكون ناسخاً ويكون الناسخ الخبر الذي انبنى عليه الإجماع.

القاعدة الخامسة: حكم الجاهلية ليس بحكم فيرفعه آخر، وإنما هو باطل كله.

القاعدة السادسة: ما أقر عليه الشرع من أحكام الجاهلية ولم يغيره، ثم جاء بعده غيره فإنه ناسخ له.

القاعدة السابعة: قد يدخل الإخبار على وجهها النسخ.

القاعدة الثامنة: إن كان الخبر عن الشرع فيدخل فيه النسخ لدخوله في المخبر عنه وإن كان القول في الوعد والوعيد فلا يدخل فيه النسخ بحال لأنه لا يحتمل التبديل.

القاعدة التاسعة: الخبر ينسخ إذا دخله التكليف.

القاعدة العاشرة: خوف العذاب بالمعصية لا يتعلق به نسخ، كما أن الرجاء في الثواب بالطاعة مثله.

القاعدة الحادي عشر: لا نسخ في الوعد والوعيد وإنما تنسخ الأحكام.

القاعدة الثانية عشر: الوعد حيث جاء محكم، والوعيد متشابه بيّنه المحكم وذلك في العقائد لا يدخله تبديل، وأما في الأحكام في الأفعال فإن الوعيد يرد على الفعل المحرم ثم يرفع الله التحريم بإباحته للفعل.

القاعدة الثالثة عشر: الزيادة في التكليف بعد حصرها بالنفي والإثبات لا تعد نسخاً.

القاعدة الرابعة عشر: كل تهديد في القرآن منسوخ بآيات القتال.

القاعدة الخامسة عشر: الحكم الممدود إلى غاية لا تكون الغاية ناسخة له.

القاعدة السادسة عشر: الاستثناء ليس بنسخ بل هو نوع من التخصيص.

القاعدة السابعة عشر: خبر الواحد لا ينسخ القرآن إجماعاً.

القاعدة الثامنة عشر: خبر الواحد إذا اجتمعت الأمة على نقله أو على معناه جاز نسخ القرآن به.

القاعدة التاسعة عشر: النسخ إنما يدخل في الأحكام لا في التوحيد.

القاعدة العشرون: المتقدم لا ينسخ المتأخر عقلاً ولا شرعاً.

القاعدة الواحد والعشرون: إذا جهل التاريخ بطلت دعوى النسخ بكل حال.

القاعدة الثانية والعشرون: القرآن ينسخ السنة والسنة تنسخ القرآن.

القاعدة الثالثة والعشرون: لا ينسخ المنقول إلا المنقول.

القاعدة الرابعة والعشرون: ما نزل في فور واحد لا يصح النسخ من بعضه إلى بعض.

القاعدة الخامسة والعشرون: دليل الخطاب لا يقبل نسخاً لو أوجب حكما.

القاعدة السادسة والعشرون: من حكم المنسوخ إذا ارتفع الحكم أن يبقى محله فإذا ذهب الحكم بذهاب محله، لم يكن نسخاً.

القاعدة السابعة والعشرون: الفرع إذا ترتب على أصل ونسخ الأصل استحال بقاء الفرع بعده.

القاعدة الثامنة والعشرون:المفسر لا يقضي على المجمل بنسخ إنما هو بيان له

القاعدة التاسعة والعشرون: لا يصح النسخ بين العام والخاص بل الخاص يقضي على العام إجماعاً.

القاعدة الثلاثون: ما جاء تخصيص لعموم لم يحكم عليه نسخ.

هذه ثلاثون قاعدة ذكرها ابن العربي المعافري في كتابه الناسخ والمنسوخ وقد أجملها الدكتور عبد الكبير المدعري أثناء دراسته للكتاب ونحن ذكرناها كما يلي [1]:

 


  الموازنة بين الناسخ والمنسوخ

 

 بعدما عرفنا معنى النسخ وهو الإزالة وإبدال حكم شرعي بآخر، يرد موضوع آخر وهو لّما كانت الأحكام فيها ناسخ ومنسوخ، فهل يكون النسخ بالمساوي أو أن الناسخ أثقل من المنسوخ أو أنه دائماً أخف منه؟

اتفق العلماء في كون جواز النسخ بالمساوي كما وقع بالأخف وأن في قوله تعالى: ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها إشارة إلى القسمين.

إن الأفضلية المستفادة من الآية والأمثلية لا تتصور في اللفظ بل إن ذلك حاصل في الحكم الذي يكون بناء التفاضل فيه بقدر ما فيه من التخفيف والتيسير أو الثواب والأجر، بمعنى آخر كل تغير أو تبديل أو إزالة حكم إلى حكم آخر على كونه حكماً تكليفياً يجب التعبد به فهو بحدّ ذاته يتضمن الأجر والثواب وهكذا كل العبادات مع وجوبها، فيها أجر ادّخره سبحانه لعباده لامتثالهم أوامره وتعبدهم بها.

فالأفضلية والأمثلية هي متحقّقة في كل الحالات سواء كان الناسخ مساوياً للمنسوخ أو أخف منه أو أثقل ! فمن صور نسخ الأخف بالأثقل إيجاب القتال بعد تركه حيث قوله تعالى: وَدَعْ أذاهم سورة الأحزاب اية 48 أي أذى الكفار والمنافقين. ومعلوم أن الإذن بالقتال أشدّ وأثقل من الأذى المحتمل وقوعه. ثم نسخ الحبس للنساء الزانيات بالحد لغير المحصنة وبالرجم للمحصنة. وهكذا نسخ إيذاء. الرجال الزناة بالحد. فإن الحد والرجم أثقل من الحبس والإيذاء وربّما اعترض قوم على هذا النوع من النسخ بل أنكروه واستدلّوا بجملة من الايات منها: قوله تعالى: يريد الله بكم اليُسر ولا يريد بكم العُسر سورة البقرة اية 185 وقوله: وما جعل محليكم في الدين من حرج سورة الحج اية 78 وقوله: يريد الله أن يخفّف عنكم وخلق الإ نسان ضعيفاً سورة النساء آية 48. إن مورد هذه الآيات وأمثالها إنما هي خطاب للمؤمنين لمن يرعى حدود الله ولا يتجاوز عليها، فهي واضحة في دلالتها وليس مما يستدل على عدم نسخ الأخف بالأثقل. ثم الماثور من أهل بيت العصمة في كون الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر، وحفّت الجنّة بالمكاره، وأمثال ذلك كثير دليل على وقوع النسخ في الأخف ومجيء الأثقل.

أما نسخ المساويء فمن صوره تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة قوله. تعالى: قد نرى تقلّب وجهك في السماء فلنولّينّك قبلة ترضاها، فولّ وجهك شطر المسجد الحرام... سورة البقرة آية 144.

أما نسخ الأثقل بالأخف فمن صوره أن الصلاة أوّل ما شرّعت في صدر الإسلام - كما روي - كانت خمسين فخففها سبحانه إلى خمس.

 

 

[1] هبة الله بن سلام الناسخ والمنسوخ ص 15 والبرهان 2 /33.

[2] لم يذكرها ابن العتائقي في كتاب الناسخ والمنسوخ وذكر بدلها سورة إبراهيم رسورة الكهف.

[3] العتائقي ص 25.

[4] في الناسخ للعتائقي إثنان وأربعون ص 20.

[5] ذكرها الزركشي في هذا القسم وفي القسم الأول،يبدو ذكرها هنا خطا.

[6] ذكرها ابن العتائقي في هذا القسم بينما ذكرها الزركش في القسم الأول.

[1] ذكر ابن العتائقي سورة ن وكذا ني القسم الأول بعنوان القلم أما الزركش فقد ذكرها في القسم الأول فتط.

[2] ذكر ابن العتائقي بعدها سورة الإنفطار بينما نجدها عند الزركشي في القسم الأول بعد النازعات.

[3] قال ابن العتائقي ثلاث وعشررن صورة فذكر ما اورده الزركشي إلا تسع سور لم يذكرها وهي: الأعراف، إبراهيم، النحل، بنو إسرانيل، طه، المزمنون، القتال، الممتحنة، المدثر.

وقد أضاف سورة المؤمن فمجموع سور هذا القسم الرابع عند العتائقي هي ثلاث وعشرون سورة.

[1] المصفى بأكفى أهل الرسوخ من علم الناسخ والمنسوخ لأبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي صى 12 تحقيق الدكتور حاتم صالح ط1 بيروت 1989.

[1] التمهيد 2/ 295.

[1] التمهيد 2/ 296.

[2] المصدر السابق 2/ 294.

[1] البيان 305.

[1] الناسخ والمنسوخ ني القرآن الكريم - ابن العربي المعافري ص 255-2228.