تحريك لليسارإيقافتحريك لليمين
نافذة من السماء، العدد السادس والعشرون.
مجلة هدى القرآن العدد الثاني والعشرون
مجلة أريج القرآن، العدد السادس والتسعون
نافذة من السماء، العدد الخامس والعشرون
مجلة هدى القرآن العدد الواحد والعشرون
مجلة أريج القرآن، العدد الخامس والتسعون
مجلة هدى القرآن العدد التاسع عشر
مجلة أريج القرآن، العدد الواحد والتسعون
مجلة أريج القرآن، العدد التسعون
 
التصنيفات
تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق طباعة الصفحة
النبي إدريس (ع)

إسمه وصفاته
{واذكر في الكتاب إدريس إنّه كان صدِّيقاً نبيّا} سورة مريم: الآية56.
توفي نبي الله آدم (ع) أبو البشر، فأوصى لولده شيث الذي قام بأعباء النبوة من بعده حتى وافاه الأجل فأوصى لإبنه أنوش بسياسة المملكة.. وولد لأنوش كثير من الأبناء، من بينهم إبنه قينان الذي خلف أباه.
ولد لقينان إبنه مهلائيل الذي صار إليه الملك بعد قينان، ولمهلائيل هذا إبن إسمه يارد حكم بعد أبيه ورزقه الله بإدريس النبي (ع).
في بابل من أرض العراق ولد إدريس بن يارد بن مهلائيل بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم أبي البشر (ع)، وفي بابل نشأ وترعرع، في أسرةٍ كريمة الحسب والنسب، فتعلّم علم جدِّ جدِّ أبيه، شيث بن آدم (ع)، وأقام في السَّهلة.
ومن أرض العراق إنطلق إدريس يجوب البلاد مبشّراً برسالة آدم وشيث، فوصل إلى مصر، وبقي فيها، حيث كان اليونانيون أهل علم وفلسفة، فعرفوه، وقدّروا علمه وتعرفوا إلى رسالته فسموه هرمس الهرامسة، أي حكيم الحكماء.
ويذكر بعض المؤرخين، أنّ إدريس هو إلياس الذي ورد ذكره في القرآن الكريم، ويذكر آخرون أنّ إدريس (ع) مذكورٌ في التوراة العبرية وإسمه أخنوخ، وفي التوراة العربية وإسمه خنوخ.
ويُروي أنّ إدريس (ع) كان رجلاً مديد القامة، حسن الوجه، براق العينين أكحلهما، كثّ اللحية، عريض الصدر والمنكبين، ضخم البطن، متقارب الخطو، يمشي ونظره إلى الأرض، كثير الصمت قليل الكلام بطيئهُ إذا تكلم، كثير التفكير، عبوساً يحتدّ إذا ما غضب، ولكنه كان محتسباً صبوراً: {وإسماعيل وإدريس وذا الكفل كلُ من الصابرين} سورة الانبياء: الآية 85.
ويُذكر أنّه (ع) كان يسبّح النهار ويصومه، ويبيت حيثما جنّه الليل، وأنّه كان يصعد له من العمل الصالح إلى السماء، مثلما يصعد لأهل الأرض كلهم. وقد سمي إدريس بهذا الإسم، لكثرة مدارسته الكتب السماوية وما فيها من الحكم والأحكام.

علم إدريس وعمله
يذكر المؤرخون أنّ إدريس (ع) كان أوّل من خطّ بالقلم، وأنّ الله سبحانه علّمه الكثير من العلوم، ذلك أنّ الناس كانوا في زمانه يتحدثون باثنتين وسبعين لغة، علّمه الله إياها، ليعلِّم كلّ أناس بلغتهم.
وكان (ع) عالماً بالنجوم والحساب وعلم الهيئة، وكانت هذه معجزته (ع) وقد بالغ بعضهم، فذكر أنّ جميع العلوم التي كانت قبل طوفان نوح (ع) كانت من تعليم إدريس (ع).
ويحكى أنّ إدريس (ع) كان يعمل خياطاً، ويذكر إنّه أول من خاط الثياب بالإبرة ودرزها، وقد كان الناس قبله يلبسون جلود الحيوانات التي يصطادونها أو يقتلونها.
وقد ولد له (ع) على مايذكر المؤرخون إبنه متوشالح أبو لامك، ولامك هذا هو أبو نبي الله نوح (ع). فيكون إدريس جداً لأبي نوحٍ (ع).

نبوة إدريس (ع)
يحكى أنه كان في زمن إدريس (ع) ملك ظالم جبار، وكانت له زوجة من الأزارقة. وذات يوم خرج ذلك الملك للتنزه في الحقول والبراري، فمرَّ بأرضٍ خضرة نضرة، فأعجبته خضرتها ونضرتها، فسأل عن صاحبها فقيل له: إنها لفلانٍ من الناس.
وأرسل الملك الجبار إلى صاحب الأرض، فجاءهُ، وهو على خير دينه. قال له الملك الجبار: أترك لي أرضك أتمتع بها؛ قال صاحب الأرض: إنّ عيالي أحوج إليها منك. فقال له: بعني إياها. فأبى الرجل ورفض أن يبيع أرضه.
وعاد الملك الجبار إلى قصره غاضباً مقهوراً، وراح يفكر كيف يأخذ الأرض من صاحبها، فأصابه همٌّ وغمٌّ كبيران. فلما رأته زوجته على تلك الحال، سألته عن السبب، فحكى لها قصته مع الرجل صاحب الأرض، وما كان من أمره.
قالت زوجة الملك الجبار: لماذا لاتقتله وتأخذ أرضه؟ فإن كنت تكره أن تقتله بغير سبب، فاترك الأمر إليّ وأنا أتدبره، وأصيِّر أرضه لك..
وبعثت زوجة الملك إلى جماعة من الأزارقة فجاؤوها، فأمرتهم أن يشهدوا على صاحب الأرض أنّه على غير دين الملك، فشهدوا عليه بذلك، فقتله الملك وأخذ أرضه.
وغضب الله سبحانه لذلك الرجل، فأوحى إلى إدريس، فكان بدء نبوته (ع): أن إذا لقيت عبدي ذلك الملك الجبار، فقل له: أما رضيت أن قتلت عبدي المؤمن، حتى أخذت أرضه وأحوجت عياله من بعده.. أما وعزتي وجلالي لأنتقمنَّ له منك في الآجل، ولأسلبنّك ملكك في الحياة الدنيا، ولأخربنَّ مدينتك، ولأطعمنّ الكلام لحم امرأتك، فقد غرّك حلمي عنك وأناتي.
ذهب إدريس (ع) إلى ذلك الملك، بأمر ربه، وأبلغه رسالته إليه، فما كان من الملك الجبار إلاّ أن طرد إدريس، وهدّده بالقتل، بعد ما زينت له امرأته ذلك، وهوَّنت عليه أمر إدريس ورسالته قائله له: لايهولنّك رسالة إله إدريس... أنا أرسل إليه من يقتله فتبطل رسالة إلهه.
وكان لإدريس (ع) أصحاب مؤمنون يأنس بهم، فأخبرهم بخبر رسالة الله إلى الملك الجبار، وبردّه عليها. فأشفقوا على إدريس، وخافوا عليه القتل، وحذروه من الملك وزوجته.
وفعلاً، بعثت امرأة الملك الجبار جماعة من قومها الأزارقة، ليقتلوا إدريس (ع)، فتفرقوا يبحثون عنه فلم يجدوه، وعرف أصحاب إدريس (ع) بالأمر، فقالوا له: خذ حذرك يا إدريس، واخرج من هذه المدينة، فإن الملك قاتلك إن لم تفعل.
جمع إدريس (ع) في المدينة رهطاً من أصحابه، ولما كان السحر ناجي ربه قائلاً: يارب، إنّ الملك الجبار توعدني بالقتل، فماذا أفعل؟ فأوحى الله إليه: أن أخرج من مدينته، وخلني وإياه، فوعزتي لأنفذنَّ فيه أمري.
فقال إدريس (ع): إنّ لي إليك ياربّ حاجة؟ فقال الله جل وعلا: سلها، تُعطها يا إدريس. قال إدريس (ع): أسألك ياربّ أن تمسك السماء على أهل هذه المدينة وماحولها، فلا تمطرهم حتى أسألك ذلك. قال الله سبحانه وتعالى: إذن تخرب المدينة ويجوعَ أهلها. فقال إدريس (ع): وإن خربت، وإن جاعوا.. قال تعالى: إني أعطيتك ياإدريس ماسألت..
وأخبر إدريس إصحابه بحبس المطر عن المدينة، وخرج وخرجوا معه وهم عشرون رجلاً، ثم تفرقوا في القرى، وآوى إدريس (ع) إلى كهفٍ في الجبل، وقد وكّل الله به ملكاً يأتيه بطعامه وشرابه عند كل مساء.
وخربت المدينة، وأنهار مُلكُ الملك الجبار، إذ سلّط الله عليه جباراً آخر، سلبه مُلكه وقتل زوجته وأطعم الكلاب لحمها.
وظلّت السماء محبوسة القطر عشرين سنة لاتمطر، حتى صار أهل تلك المدينة يجمعون الطعام من القرى المجاورة، ويتمنون أن يرجع إدريس إليهم، ليدعو ربه أن يبعث المطر. ثم إنهم أجمعوا أمرهم على أن يتوبوا إلى الله، ويسألوه أن يُرسل السماء عليهم مدرارا...
وهكذا كان، فقاموا على الرماد، ولبسوا المسوح، وحثوا التراب على رؤوسهم... فتاب الله عليهم، وهو التواب الرحيم.
وأوحى الله إلى إدريس (ع)، أن قد تاب قومك، وقبلت أنا توبتهم، وكنت أنت قد سألتني أن أمنع المطر عنهم، وألا أرسله إلاّ إذا سألتني ذلك، فسلني ياإدريس... فقال إدريس (ع): أللهم إني لاأسألك. فأوحى الله عزوجل إلى الملك الذي كان يأتيه بطعامه وشرابه، أن يمتنع عن ذلك. فلما أمسى إدريس لم يؤت بطعام ولاشراب، فجاع وحزن.. وكذلك في اليوم التالي، فلما اشتد جوعه ناجى ربّه قائلاً: يارب، حبست عني رزقي من قبل أن تقبض روحي... فأوحى الله إليه: ياإدريس، جزعت أن حبست عنك طعامك ثلاثة أيام ولياليها، ولم تجزع ولم تنكر جوع أهل مدينتك وجهدهم عشرين عاماً، وقد سألتك لجهدهم ورحمتي إياهم، أن تسألني أن أمر السماء عليهم، فلم تسألني وبخلت عليهم بمسألتك إياي، فأذقتك الجوع فقلَّ اصطبارك، وظهر جزعك، فاهبط من موضعك، واطلب لنفسك المعاش، فإني قد وكلتك في طلبه إلى حيلك.
وهبط إدريس (ع) من كهفه، وراح يطلب أكلة من جوع، فرآى الدخان يتصاعد من احد منازل المدينة، فقصده فإذا فيه امرأة عجوز تقلي قرصين على مقلاة. فقال لها: أطعميني أيتها العجوز، فإنني جائع مجهود. قالت العجوز: ياعبد الله، ماتركت لنا دعوة إدريس فضلاً نطعمه أحدا... وحلفت له أنها لاتملك شيئاً غير القرصين، ثم قالت له: إذهب واطلب المعاش من غير أهل هذه المدينة.
وكان إدريس (ع) لايقوى على المشي من شدة الجوع، فقال لها: ياأمة الله.. أطعميني ماأُمسك به روحي، وتحملني به رجلاي حتى أطلب... قالت: إنما هما قرصان: واحد لي والآخر لابني، فإن أطعمتك قرصي مِتُّ من الجوع، وإن أعطيتك قوت ابني مات هو الآخر. فقال لها: إنّ ابنك صغير يكفيه نصف قرص فيحيا به، وأنا يكفيني النصف الآخر فأحيا به.. فأكلت العجوز قرصها، وقسمت الآخر نصفين، فأعطت إدريس نصفاً وابنها النصف الآخر.
وما أن رأى ابن العجوز إدريس يأكل من قرصه، حتى اضطرب ومات.. فقامت أمه: ياعبد الله، قتلت ولدي جزعاً على قوته... قال إدريس (ع): فأنا أحييه لك بإذن الله، فلا تجزعي.
وأخذ إدريس بعضدي الصبي ثم قال: أيتها الروح الخارجة من جسم هذا الغلام، بإذن الله تعالى، إرجعي إلى بدنه بإذن الله.. أنا إدريس النبي. فرجعت الروح إلى بدن الصبي بإذن الله..
سمعت المرأة كلام إدريس، ورأت ابنها وقد عادت إليه الحياة بعد موته، فقالت: أشهد إنك لأنت إدريس... وخرجت من بيتها تصرخ بأعلى صوتها: أبشروا بالفرج، فقد عاد إدريس إلى مدينتكم.
ومضى إدريس (ع) حتى وصل إلى موضع مدينة الملك الجبار الأول، فتهافت الناس عليه، من أطراف المدينة، تهافت الفراش على النور، وراحوا يرجونه أن يرحمهم، ويدعو الله لهم، حتى يأتيه الملك الجبار الثاني، الذي سلب ملك الجبار الأوّل، ماشياً حافياً مع أهل مدينته، ليتأكد أنهم تابوا إلى الله، ولن يؤذوه من جديد.
وعرف الجبار بأمر إدريس (ع)، فبعث أربعين رجلاً ليأتوه به، فلما وصلوا إليه، أخبروه أنهم بمعوقون ليأخذوه إلى الملك، فدعا إدريس عليهم، فماتوا جميعهم.
وأرسل الملك الجبار بعدهم خمسمئة رجل، عسى أن يأتوه بإدريس (ع). فلما وصلوا إليه، وعلم أنهم جاؤوا ليأخذوه إلى الملك، قال لهم: أما ترون مصارع أصحابكم، فإياكم أن تفعلوا ما أمركم به الملك الجبار، فيكون مصيركم كمصيرهم.
فقالوا: يا إدريس، أما عندك من رحمة... أهلكتنا بالجوع والعطش عشرين عاماً، وتريد أن تدعو علينا بالموت؟ أفلا تدعو الله أن يمطر السماء؟ قال إدريس (ع): لن أفعل حتى يأتيني ملككم، وأهل مدينتكم مشاة حفاة.
ورجع الرجال إلى الملك الجبار، وراحوا يرجونه أن يمشي معهم حافياً إلى إدريس (ع)، وإلا هلكوا جميعاً، فسار الملك الجبار ومن خلفه أهل المدينة إلى إدريس، حتى ركعوا بين يديه، فقال إدريس (ع): أمّا الآن، فسأدعو ربي أن يرسل السماء عليكم مدرارا.
دعا إدريس (ع) ربه أن تمطر السماء عليهم وعلى نواحيهم، فما هي إلا لحظة حتى ظللتهم غمامة من السماء، فأبرقت وأرعدت، ثم هطلت عليهم حتى ظنوا أنه الغرق.
وأقام إدريس (ع) يدعو إلى عبادة الله الواحد الأحد، كما في شريعة آدم وشيث (عليهما السلام) فكان الناسُ يجيبونه واحداً تلو الآخر، حتى صاروا ألف رجل.
ولم تكن لإدريس (ع) طريقة خاصة في العبادة، فاختار سبعة من أصحابه وقال لهم: تعالوا يدعو بعضنا ويؤمن البعض الآخر. ورفعوا أيديهم إلى السماء بالدعاء، فنبّأ الله سبحانه إدريس، ودلّه على طريقة عبادته، وكانت مكة هي القبلة التي يتوجه إليها في صلاته وعبادته.
وأخذ إدريس (ع) يعلِّم أصحابه وأتباعه كيف يعبدون ربهم سبحانه، فكانوا يطيعونه، ويطبقون تعاليمه، حتى أن الملائكة كانوا في زمانه (ع) يصافحون الناس، ويسلمون عليهم، ويكلمونهم ويجلسون إليهم، لصلاح ذلك الزمان وأهله.

صحف إدريس (ع)
علّم إدريس (ع) قومه كيف يبنون المدن، فبنوا مئة وثماني وثمانين مدينة. ثم جعل لكل مدينة علماء ومرشدين يعلّمون الناس، ويهدونهم إلى طاعة الله وعبادته، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ثم إنه (ع) وقد أتباعه بأنبياء يأتون من بعده، ووصفهم لهم، وعرّفهم أن النبي يكون معصوماً من الخطأ، خالياً من العيوب الأخلاقية، والأفعال السيئة، كامل الفضائل، لايعجز عن الإجابة على أي سؤال يتعلق بأمر الدنيا والآخرة، وأنّه مستجاب الدعوة في كل مايطلبه من الله.
وعن النبي محمد (ص): أن الله أنزل على إدريس ثلاثين صحيفة. وقد أُثرت عنه (ع) العلوم والحكم والنصائح والأدعية الكثيرة، ويذكر المؤرخون أنه كانت له (ع) مواعظ وآداب تجري مجرى الأمثال. وقد مرّ معنا أن كلّ العلوم التي عرفت قبل طوفان نوحٍ (ع) كانت من تعليم إدريس (ع).
وقد نسبت إلى إدريس أمور وأحداث وأعمال، أقلُّ مايُقال فيها: إنها خرافية، ولايمكن أن تصدر عن نبي من أنبياء الله، ولا يقرّها عقل بشري سويّ.
ومّما جاء في الصحف التي أنزلها الله تعالى على إدريس (ع) قوله: "كأنك بالموت وقد نزل بك، فاشتدّ أنينك، وعرق جبينك، وتقلّصت شفتاك، وانكسر لسانك، ويبس ريقك، وعلا سواد عينيك بياض، وأزبد فوك، واهتزّ جميع بدنك، وعالجت غصص الموت وسكرته ومرارته وزعقته، ونوديت فلم تسمع، ثم خرجت نفسك وصرت جيفة بين أهلك؛ إنّ فيك لعبرة لغيرك، فاعتبر في معاني الموت. إنّ الذي نزل بغيرك نازل بك لامحالة"...
ومن مواعظه وأدبه (ع) قوله: لن يستطيع أحد أن يشكر الله على نعمه، بمثل الإنعام على خلقه.. وقوله (ع): من أراد بلوغ العلم وصالح العمل، فليترك من يده أداة الجهل وسيّئ العمل... فحبّ الدنيا وحبّ الآخرة لايجتمعان في قلبٍ أبداً.
ومن الأدعية المأثورة عن النبي إدريس (ع)، دعاء السحر المشهور، الذي يقرأ في أسحار شهر الله تعالى، شهر الصيام المبارك، وهو يحتوي أربعين إسماً من أسماء الله الحسنى، وأوله: سبحانك لا إله إلاّ أنت يارب كل شئٍ ووارثه.
كما أثر عنه الدعاء المعروف بدعاء التوسل، وفيه توسل إلى الخالق جلّ ذكره، بذكر أربعين إسماً من أسمائه جلّ وعلا، وابتهالٌ إليه، وطلب الأمان من بلاء الدنيا وعقوبات الآخرة.
{ورفعناه مكاناً عليّاً} سورة مريم: الآية57:
يروى أنّ ملكاً من الملائكة غضب الله عليه وطرده من السماء الى الأرض، فجاء إلى إدريس (ع) وطلب منه أن يشفع له عند ربه، فصلّى إدريس (ع) ثلاث ليالٍ، لايفتر، وصام أيامها لايفطر، ثم طلب إلى الله في السحر أن يرضى عن ذلك الملك، فرضي الله عنه وسمح له بالعودة إلى السماء.
قال الملك: يانبيّ الله، إنني أريد أن أشكرك فاطلب إليَّ حاجة.. فقال إدريس (ع): أريد أن تريني ملك الموت، لعلني لا أستوحش، بعد ذلك من ذكره. فإنني ما ذكرته إلا فارقني الهناء.
بسط الملك جناحيه وقال لإدريس (ع): إركب، فركب إدريس وصعد به الملك إلى سماء الدنيا، فلم يجدا ملك الموت، فظلَّ يصعد به حتى وجدا ملك الموت بين السماءين: الرابعة والخامسة.
كان ملك الموت متجهما عابساً، فساله الملك الذي يحمل إدريس (ع): مالي أراك مقطباً؟ فردّ ملك الموت قائلاً: إنني كنت تحت ظِل العرش، فأمرت أن أقبض روح نبي الله إدريس، بين السماءين الرابعة والخامسة، فتعجبت لذلك.
وسمع إدريس (ع) كلام ملك الموت، فانتقض من جناح الملك، ولكن ملك الموت قبض روحه حيث هو، وكان عمره (ع) على مايذكر الرواة والمؤرخون مايقارب الثلاثمئة سنة.
ويُروي أن ملك الموت طلب إلى الله سبحانه أن يأذن له بزيارة إدريس (ع) حتى يسلّم عليه ويصحبه، فأذن الله له، فنزل ملك الموت إلى إدريس. وإدريس لايعرفه، فقال له: إني أريد أن أصحبك؛ فوافق إدريس (ع)، فكانا يسيحان النهار ويصومانه، فإذا حلّ الظلام جاء إدريس طعامه فأفطر ودعا ملك الموت للإفطار فيقول: لاحاجة لي فيه، ثم يقومان فيصليان.
واستمرا على هذه الحال أياماً، إلى أن مرّا بكرم عنب قد أينع ثمره، وقطيع غنم قد سمنت خرافه، فقال ملك الموت إدريس (ع): خذ من هذا القطيع حملاً، ومن هذا العنب وافطر عليه. فقال إدريس (ع) سبحان الله! أدعوك إلى مالي فتأبى، ثم تدعوني إلى مالِ غيرك وتريدني أن أقبل به؟.
ثم قال إدريس (ع): ياهذا قد صحبتني وأنا لاأعرفك، فمن أنت؟. قال: أنا ملك الموت. فقال إدريس (ع): لي إليك حاجة. قال ملك الموت: وما حاجتك؟. قال إدريس (ع): تصعد بي إلى السماء.
واستأذن ملك الموت ربّه في ذلك، فأذن له، فحمل إدريس على جناحه وصعد به إلى السماء. فقال إدريس (ع): إنّ لي إليك حاجة أخرى. قال ملك الموت: وماهي؟ قال: بلغني أنّ الموت شديدٌ على الإنسان، فأحبّ أن أجرّبه فأعرف كيف هو.
وعاد ملك الموت إلى استئذان الله في ذلك، فأذن له، فأخذ روح إدريس وأماته ساعةً ثم ردَّ روحه إليه وقال له: كيف رأيت الموت؟ قال إدريس (ع): لهو أشدُّ مما كنت أعتقد... ولكن لي إليك حاجة ثالثة: أريدك أن تريني النار والجنة.
إستأذن ملك الموت ربه للمرة الثالثة، فأذن له، وأمر زبانية جهنم ففتحوها، فلما رآها إدريس أغمي عليه. ولما أفاق حمله ملك الموت إلى الجنة، وقد فتحها خزنتها لأمر الله لهم، فدخل إدريس إليها، ونظر إلى جمالها وبهائها ثم قال: ياملك الموت: إنَّ الله تعالى يقول: {كل نفس ذائقة الموت}سورة آل عمران/آية185 وقد ذقته، ويقول في جهنم: {وإن منكم إلاّ واردها}سورة مريم/آية 71، وقد وردتها، ويقول في الجنة: {وما هم منها بمخرجين}سورة الحجر/آية 48، فما كنت لأخرج منها.
فقال الله لملك الموت: إنّ إدريس إنما حاجّك فحجّك بوحي، وأنا الذي هيأت له تعجيل دخول الجنة، فإنه كان يتعب نفسه وجسده في طاعتي، فكان حقاً عليّ أن أعوِّضه، من تعبه، الراحة والطمأنينة، وأن أجعل له، بتواضعه لي وصالح عمله، مكاناً علياً في جنتي.
{أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم}سورة مريم/آية 58.
يقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع): إنّ الله رفع إدريس مكاناً علياً، وأطعمه من تحف الجنة بعد وفاته؛ ويقول الله عزّ من قائل: {وأدخلناهم في رحمتنا إنهم من الصالحين} سورة الأنبياء/آية 86..


فسلام على إدريس، والحمد لله رب العالمين.

13-12-2008 | 15-34 د | 6940 قراءة


الصفحة الرئيسة
جمعية القرآن الكريم
المكتبة الصوتية والمرئية
معرض الصور
مكتبة الكتب
سؤال وجواب
صفحة البحــــث
القائمة البريـدية
سجـــــــل الزوار
خدمــــــــة RSS
تواصل معنا
 
فلاشات إخبارية
جمعية القرآن الكريم للتوجيه والإرشاد - لبنان

2544064 زيارة منذ 18- تموز- 2008

آخر تحديث: 2023-12-07 الساعة: 12:56 بتوقيت بيروت