تفسير سورتي التوبة والتحريم

 جمعية القرآن الكريم للتوجيه والإرشاد - بيروت - لبنان

الجزء الأول

الجزء الثاني

الجزء الثالث

الجزء الرابع

سورة التحريم

المقدمة 5
أسماء هذه السورة 7
فضيلة هذه السورة 7
محتوى السورة 8
لماذا لم تذكر فيها البسملة 9
حقيقة تاريخية 9
الآيات من 1 إلى 13 10
اللغة والبيان 12
التفسير 12
إلغاء عهود المشركين 12
العهود المحترمة 13
الشدة في العمل المصطحبة للّين 13
المعتدون الناقضون العهد 14
لم تخشون مقاتلة العدو 15
الآيات من 14 إلى 26 16
اللغة والبيان 18
التفسير 18
جلالة موقع الجهاد 19
ليس بإمكان كلّ أحد أن يعمر المسجد 19
مقياس الفخر والفضل 20
سبب النزول 20
كل شيء فداء للهدف ومن أجل الله 21
كثرة الجمع وحدها لا تجدي نفعاً (غزوة حنين) 22

 


 المقدمة

والصلاة والسلام على اشرف خلق الله محمد وعلى آله الطاهرين وصحبه المنتجبين.

يقول المولى سبحانه وتعالى:

 {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب} (1)

فتعليمات القرآن خالدة، وأوامره عميقة وأصيلة، ونظمه باعثة للحياة وهادية للانسان الى الطريق المؤدي الى اكتشاف هدف الخلق.

فالهدف من نزول هذا الكتاب العظيم لم يقتصر "فقط" على تلاوته وتلفظ اللسان به، وإنما الهدف من نزوله لكي تكون آياته منبعاً للفكر والتفكر وسبب ليقظة الوجدان، لتبعث بدورها الحركة في مسير العمل.

كلمة (مبارك) تعني شيئاً ذا خير دائم ومستمر، أما في هذه الآية فإنها تشير الى دوام استفادة المجتمع الانساني من تعليماته ولكونها استعملت هنا بصورة مطلقة، فإنها تشمل كل خير وسعادة في الدنيا والآخرة. وخلاصة الأمر فإن كل الخير والبركة في القرآن، بشرط أن نتدبر في آياته ونستلهم منها ونعمل بها.

ورد عن الامام الصادق (ع) في تفسير قوله تعالى:

 {الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حقَّ تلاوته أولئك يؤمنون به ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون} (2)

قال (ع): «يرتلون آياته ويتفقهون به، ويعملون بأحكامه، ويرجون وعده، ويخافون وعيده، ويعتبرون بقصصه، ويأتمرون بأوامره، وينتهون بنواهيه، ما هو والله حفظ آياته ودرس حروفه، وتلاوة سوره ودرس أعشاره وأخماسه، حفظوا حروفه واضاعوا حدوده وإنّما هو تدبُّر آياته والعمل بأركانه»، قال الله تعالى:

{كتابٌ أنزلناه إليك مبارك ليدّبروا آياته} (3)

هكذا ينبغي علينا ان نكون مع القرآن وهكذا يجب أن يكون هدفنا من قراءة القرآن وترتيله.

نحن في جمعية القرآن الكريم إذ نقدم للاخوة والأخوات تفسير سورتي التوبة والتحريم من اجل الاستفادة بالطريقة التي قدمنا لها راجين من المولى عزّ وجلّ أن يوفقنا لتلاوته وفهمه والعمل به ونشر معارفه إلى المجتمع الاسلامي، والحمد لله رب العالمين.

  جمعية القرآن الكريم للتوجيه والارشاد

دائرة الدراسات          


(1) - ص / 29

(2) - البقرة / 121

(3) - تفسير الامثل: ج1 /ص260

  


  أسماء هذه السورة

عدد آيات هذه السورة المباركة مائة وتسع وعشرون آية وهي مدنية.

ذكر المفسرون لهذه السورة أسماءً عديدة تبلغ العشرة، غير أن المشهور منها هو ما يلي:

سورة البراءة والتوبة والفاضحة، ولكل من التسميات سبب جلي.

فالبراءة، لأنها تُبتدأ بإعلان براءة الله من المشركين، والذين ينقضون عهدهم.

والتوبة، لما ورد من مزيد الكلام عن التوبة في هذه السورة.

والفاضحة، لوجود الآيات التي وردت فيها كاشفة النقاب عن أعمال المنافقين لتعريتهم وخزيهم وفضيحتهم.

 


  فضيلة هذه السورة

أعطت الروايات الاسلامية أهمية خاصة لتلاوة سورة براءة والتوحيد والأنفال ومما جاء في شأنهم ما ورد عن رسول الله (ص) أنه قال: «نزلت علي براءة والتوحيد في سبعين ألف صف من صفوف الملائكة، وكان كل صف منهم يوصيني بأهمية هاتين السورتين».

وعن الامام الصادق (ع) أنه قال: «من قرأ براءة والأنفال في كل شهر لم يدخله نفاق أبداً، وكان من شيعة أمير المؤمنين (ع) حقاً».

ولكن ما ورد من أهمية قصوى في الروايات الاسلامية في قراءة مختلف السور لا يعني ظهور آثار تلك القراءة من دون تفكر وتطبيق لمضامينها فهي تترك الأثار بشرط أن يكون مضمون السورة مؤثراً في بناء شخصية الفرد والمجتمع، ولا يتحقق ذلك كله إلا بإدراك فهم السورة واستيعاب معناها، والاستعداد والتهيؤ لتطبيقها.

 


  محتوى السورة

بإعتبار ان السورة نزلت إبّان انتشار الاسلام في الجزيرة العربية، وتحطيم آخر مواجهة من قبل المشركين، فقد كان لما حوته من محتوى أهمية بالغة ومواضيع حساسة.

اولاً: يتعلق قسم منها بالبقية الباقية من عبدة الأوثان والمشركين، وقطع العلائق المترابطة بهم وإلغاء المعاهدات والمواثيق التي كانت بينهم وبين المسلمين لنقضهم لها مراراً.

ثانياً: فإن قسماً مهماً من آيات هذه السورة يتكلم عن المنافقين وعواقبهم، ويحذر المسلمين منهم.

ثالثاً: بعض آيات هذه السورة يتكلم عن الجهاد في سبيل الله وأهميته.

رابعاً: بعض آياتهايتحدث عن إنحراف علماء أهل الكتاب وانصرافهم عن واجبهم في التبليغ.

خامساً: بعض آياتها حث المسلمين على الاتحاد ورص الصفوف.

سادساً: فيها ثناء على المهاجرين السابقين الى الهجرة، والصفوة من المؤمنين الصادقين.

سابعاً: فيها تحدث عن موضوع الزكاة وتحريم الكثير، ووجوب طلب العلم أو التعلم، وتعليم الجهلة، وتناولت بحوثاً متنوعة أخرى كقصة هجرة النبي (ص) والأشهر الحرم التي يحرم فيها القتال وغيرها من الأمور.

 


  لماذا لم تذكر فيها البسملة

فقد بُدئت بالبراءة من المشركين، وإعلان الحرب عليهم، واتباع اسلوب شديد لمواجهتهم، وبيان غضب الله عليهم، وكل ذلك لا يتناسب والبسملة الدالة على الصفاء والصدق والسلام والحب، والكاشفة عن صفة الرحمة واللطف الالهي.

ويعتقد بعض المفسرين أن سورة براءة تتمة لسورة الأنفال، لأن الأنفال تتحدث عن العهود، وبراءة تتحدث عن نقض تلك العهود، فلم تذكر البسملة بين هاتين السورتين لإرتباط بعضهما ببعض. فالتعليل الأول ورد عن أمير المؤمنين (ع) بينما الثاني ورد عن الامام الصادق (ع)، ولا مانع أن يكون السبب في عدم ذكر البسملة مجموع الأمرين معاً.

 


  حقيقة تاريخية

من المتفق عليه بين جميع المؤرخين والمفسرين تقريباً أنه لما نزلت الآيات الأولى من سورة براءة، وأُلغيت العهود التي بين المشركين والمسلمين، أمر النبي أحدهم أن يبلغ هذه الآيات في موسم الحج، ثم أخذها منه وأعطاها علياً ليقوم بتبليغها، فقرأها علي على الناس في موسم الحج، وبالرغم من اختلاف الروايات في جزئيات هذه القصة وجوانبها المتفرعة، إلا أن الرجوع الى بعض الروايات يمكن ان يجلو لنا حقيقة الأمر.

 


  الآيات من 1 إلى 13

بَرَاءةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ (1) فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللّهِ وَأَنَّ اللّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ (2) وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (3) إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (4) فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (5) وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ (6) كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ اللّهِ وَعِندَ رَسُولِهِ إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُواْ لَكُمْ فَاسْتَقِيمُواْ لَهُمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (7) كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ (8) اشْتَرَوْاْ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (9) لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (10) فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (11) وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ (12) أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَؤُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤُمِنِينَ (13).

 


  اللغة والبيان

براءة: المراد بها هنا انقطاع العصمة.

فسيحوا: السيح السير على مهل.

مخزي: الإخزاء الإذلال.

أذان: إعلام.

انسلخ: انسلاخ الأشهر انقضاؤها.

احصروهم: الحصر المنع من الخروج.

مرصد: المراد به هنا الممر والمجاز الذي يرصد فيه.

يظهروا: ظهر عليه غلبه وظفر به.

يرقبوا: المراد بالمراقبة هنا المحافظة.

إلاّ: الإلُّ الجوار وقيل القرابة.

ذمّة: الزمام والعهد

 


  التفسير

  إلغاء عهود المشركين

{بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (١)

تتضمن الآية الحكم ببطلان العهد ورفع الأمان عن جماعة من المشركين، فالمعنى تبرؤا ممن كان بينكم وبينهم عهد من المشركين فإنّ الله ورسوله بريئان منهم ومن عهودهم لأنهم نقضوا عهدهم مع رسول الله (ص) أكثرهم.

{فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ} (٢)

أمرهم بالسياحة "السير في الأرض" أربعة أشهر، كناية عن جعلهم في مأمن في هذه البرهة من الزمان حتى يختاروا ما يرونه أنفع بحالهم من البقاء او الفناء، وأن الأصلح بحالهم رفض الشرك والاقبال الى دين التوحيد.

 


  العهود المحترمة

{وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} (3)

معناه أن الله سبحانه بين وجوب إعلام المشركين ببراءة منهم لئلا ينسبوا المسلمين الى الغدر.

{إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} (4)

هنا استثناء من عموم البراءة من المشركين، والمستثنون هم المشركون الذين لهم عهد لم ينقضوه فمن الواجب الوفاء بميثاقهم وإتمام عهدهم الى مدتهم.

 


  الشدة في العمل المصطحبة للّين

{فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (5)

بين سبحانه الحكم في المشركين بعد انقضاء المدة وهي زمن الأشهر الحرم المعروفة ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب فاذا انقضت فضعوا السيف فيهم حيث كانوا في الأشهر الحرم وغيرها في الحل أو الحرم وهذا ناسخ لكل آية وردت في الصلح والإعراض عنهم، فخذوا المشركين حيث وجدتموهم واقتلوهم واحبسوهم وضيقوا المسالك عليهم، فإن رجعوا من الكفر وانقادوا للشرع وقبلوا اقامة الصلاة وإيتاء الزكاة فدعوهم يتصرفون في بلاد الاسلام (إن الله غفور رحيم)

{وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ} (6)

يعني ان طلب منك بعض هؤلاء المشركين الذين رفع عنهم الأمان أن تأمنه في جوارك ليحضر عندك ويكلمك فيما تدعو إليه من الحق الذي يتضمنه كلام الله فأجره حتى يسمع كلام الله وترتفع عنه غشاوة الجهل، ثم ابلغه مأمنه حتى يملك منك أمناً تاماً كاملاً، فهؤلاء قوم لا يعلمون الايمان.

 


  المعتدون الناقضون العهد

{كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ اللّهِ وَعِندَ رَسُولِهِ إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُواْ لَكُمْ فَاسْتَقِيمُواْ لَهُمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} (7)

يعنى كيف يكون لهؤلاء عهد صحيح مع اضمارهم الغدر والنكث، باستثناء (الذين عاهدتم عند المسجد الحرام) فإن لهم عهداً عند الله لأنهم لم يضمروا الغدر بك والخيانة لك، فما داموا باقين معكم على الاستقامة فكونوا معهم كذلك (إن الله يحب المتقين) للنكث والغدر.

{كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ} (8)

معناه كيف يكون للمشركين عهد عند الله ورسوله، والحال أنهم إن يظهروا عليكم ويغلبوكم على الأمر، لا يحفظوا ولا يراعوا فيكم قرابة ولا عهداً من العهود، يرضونكم بالكلام المدلّس، وتأبى ذلك قلوبهم وأكثرهم فاسقون.

{اشْتَرَوْاْ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} (9)

معناه اعرضوا عن دين الله وصدّوا الناس عنه بشيء يسير نالوه من الدنيا، بئس العمل عملهم.

 {لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ} (10)

سبق معناه، فهذا تكرار للتأكيد.

 


  لِمَ تخشون مقاتلة العدوّ؟

 {فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} (11)

معناه فإن ندموا على ما كان منهم من الشرك وقبلوا الاسلام (وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة) فهم اخوانكم في الدين نبين لكم الآيات (لقوم) يتفكرون.

 {وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ} (12)

يعني إن نقضوا عهودهم من بعد أن عقدوها وعابوا دينكم (فقاتلوا أئمة الكفر) أي رؤساء الكفر والضلالة لأنهم لا يحفظون العهد واليمين.

{أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَؤُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤُمِنِينَ} (13)

معناه هلا تقاتلونهم وقد نقضوا عهودهم التي عقدوها وهم بدؤكم بنقض العهد أتخافون ان ينالكم من قتالكم مكروه فإنه سبحانه احقُّ ان تخافوا عقابه في ترك أمره بقتالهم إن كنتم صادقين.

 


  الآيات من 14 إلى 26

قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ (14) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللّهُ عَلَى مَن يَشَاء وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (15) أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ اللّهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (16) مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ الله شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ (17) إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسَى أُوْلَـئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ (18) أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ اللّهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (19) الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (20) يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ (21) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (22) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاء إَنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (23) قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24) لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ (25) ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ (26).

 


  اللغة والبيان

وليجة: الرجل خاصته وبطانته من دون الناس والمراد بها هنا بطانة السوء.

السقاية: تطلق على الآلة تتخذ لسقي الماء، وأيضاً تطلق على سقي الناس الماء، وهذا المعنى هو المراد هنا.

اقترفتموها: الاقتراف هنا الاكتساب.

فتربصوا: التربص الانتظار.

بأمره: المراد بأمر الله هنا عقوبته.

مواطن: جمع موطن، وهو مقر الانسان ومحل إقامته، واستوطن بالمكان اتخذه موطناً.

حنين: وادٍ بين مكة والطائف.

رحبت: الرحبة السعة.

السكينة: الطمأنينة.

 


  التفسير

  جلالة موقع الجهاد

{قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ} (14)

ثم أكد سبحانه ما تقدم بأن أمر المسلمين بقتالهم وبشرهم بالنصر والظفر عليهم.

{وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللّهُ عَلَى مَن يَشَاءُ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (15)

معناه ويكون ذلك النصر شفاء لقلوب المؤمنين التي امتلأت غيظاً لكثرة ما نالهم من الأذى من جهتهم، ويقبل سبحانه توبة من تاب منهم (والله) عليم بتوبتهم إذا تابوا حكيم في أمركم بقتالهم.

{أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ اللّهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} (16)

معناه أظننتم أيها المؤمنون أن تتركوا من دون ان تكلفوا الجهاد في سبيل الله مع الاخلاص ولمّا يظهر ما علم الله منكم ولم يعلم الله الذين لم يتخذوا سوى الله وسوى رسوله والمؤمنين بطانة وأولياء يوالونهم ويفشون اليهم أسرارهم، والله عليم بأعمالكم فيجازيكم عليها.

 


 ليس بإمكان كلّ أحد أن يعمر المسجد

{مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ} (١٧)

لما أمر الله سبحانه بقتال المشركين وقطع العصمة والموالاة عنهم أمر بمنعهم عن المساجد فبين سبحانه بأنه لا ينبغي للمشركين أن يكونوا قواماً على عمارة مساجد الله ومتولين لأمرها وينبغي أن يعمرها المسلمون، والحال أنّهم معترفون بالكفر بدلالة قولهم أو فعلهم، أولئك لا تهديهم أعمالهم العبادية الى الجنة، بل هم في النار الخالدة مقيمون مؤبّدون.

 {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} (١٨)

معناه لا يعمر مساجد الله بزيارتها وإقامة العبادات فيها أو ببنائها ورمِّ المسترم منها إلا من أقرّ بوحدانية الله واعترف بالقيامة (واقام الصلاة) بحدودها وأعطى (الزكاة) إن وجبت عليه الى مستحقها ولم يخف سوى الله سبحانه أحداً من المخلوقين، أولئك الذين آمنوا بالله واليوم الآخر ولم يعبدوا أحداً غير الله تعالى، يرجى في حقهم أن يكونوا من المهتدين.

 


  مقياس الفخر والفضل

  سبب النزول

{أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ اللّهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (19)

الآيات نزلت في العبّاس وشيبة وعليّ (ع) حين تفاخروا فذكر العباس سقاية الحاج، وشيبة عمارة المسجد الحرام، وعلي (ع) الايمان والجهاد في سبيل الله، فنزلت الآيات.

 {الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} (20)

معناه الذين صدّقوا واعترفوا بوحدانية الله وهجروا أوطانهم الى دار الاسلام وتحملوا المشاق في ملاقاة اعداء الدين وبذلوا أموالهم وأنفسهم في سبيل الله هؤلاء اعظم درجة عند الله من غيرهم من المؤمنين (وأولئك هم) الظافرون بالبغية.

 {يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ} (21)

بشارة منه سبحانه للمجاهدين بأموالهم وانفسهم (برحمة منه ورضوان) في الآخرة (وجنات) دائمة لا تزول ولا ينقطع التنعم فيها.

{خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} (22)

أي دائمين فيها لا ينقطع خلودهم بأجل ولا أمد مع عظيم النعمة لهم.

 


  كل شيء فداء للهدف ومن أجل الله

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (23)

نهى عن تولي الكفار ولو كانوا آباءً وإخواناً.

 {قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} (24)

عدّ الله تعالى اصول ما يتعلق به الحب النفساني من زينة الحياة الدنيا، وهي الاباء والأبناء والاخوان والأزواج والعشيرة، والأموال التي اكتسبوها وجمعوها والتجارة التي يخشون كسادها والمساكن التي يرضونها، وذكر سبحانه أنهم إن تولوا اعداء الدين وقدموا حكم هؤلاء الأمور على حبّ الله ورسوله والجهاد في سبيله، فليتربصوا ولينتظروا حتى يأتي الله بأمره، ويبعث قوماً لا يحبون إلا الله ولا يوالون أعداءه ويقومون بنصرة الدين والجهاد في سبيل الله أفضل قيام، فإنكم إذاً فاسقون لا ينتفع بكم الدين.

 


  كثرة الجمع وحدها لا تجدي نفعاً (غزوة حنين)

 {قَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ} (25)

أقسم سبحانه بأنه نصر المؤمنين وأعانهم على أعدائهم في مواضع كثيرة على ضعفهم وقلة عددهم، من هذه المواطن (يوم حنين) سرّتكم وصرتم معجبين بكثرتكم فكان ذلك سبب انهزام المسلمين في البداية فلم يدفع عنكم كثرتكم سوءاً (وضاقت عليكم الأرض) مع سعتها (ثم وليتم) عن عدوّكم منهزمين.

{ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ} (26)

 اي انزل رحمته التي تسكن اليها النفس ويزول معها الخوف وأنزل جنوداً من الملائكة لتقوية قلوب المؤمنين وتشجيعهم (وعذب) بالقتل والأسر (الذين كفرو) ذلك العذاب جزاء الكافرين على كفرهم.