تفسير سورتي التوبة والتحريم

 جمعية القرآن الكريم للتوجيه والإرشاد - بيروت - لبنان

الجزء الأول

الجزء الثاني

الجزء الثالث

الجزء الرابع

سورة التحريم

الآيات من 27 إلى 36 23
اللغة والبيان 25
التفسير 25
لا يحق للمشركين أن يدخلوا المسجد الحرام 25
مسؤوليتنا إزاء أهل الكتاب 26
أربابُ أهل الكتاب من دون الله 26
كنز الذهب والفضة دون إنفاق غير جائز 28
إيقاف القتال «الاجباري» 29
الآيات من 37 إلى 47 30
اللغة والبيان 32
التفسير 32
مفهوم النسيء في الجاهلية 32
عتاب المتثاقل عن الجهاد (في معركة تبوك) 33
نصرة الله سبحانه لنبيه (ص) 34
الكسالى الطامعون 34
السعي لمعرفة المنافقين 35
عدم وجودهم خير من وجودهم 36
الآيات من 48 إلى 61 37
اللغة والبيان 39
التفسير 39
المنافقون المتذرعون 40
إحدى صفات المنافقين 40
في قاموس المؤمنين لا وجود للهزيمة 40
قسم آخر من علامات المنافقين 41
علامة أخرى من علائم المنافقين 42
الأنانيون السفهاء 42
موارد صرف الزكاة ودقائقها 43
هذا حسن لا قبيح 43

 


 الآيات من 27 إلى 36

ثُمَّ يَتُوبُ اللّهُ مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَن يَشَاء وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (27) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاء إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28) قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29) وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30) اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31) يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَـذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ (35) إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36).

 


  اللغة والبيان

النجس: القذر.

العيلة: الفقر.

الجزية: الضريبة على الرؤوس والأشخاص.

صاغرون: الصّغار الذل.

يضاهئون: يشابهون ويحاكون.

يؤفكون: يصرفون عن الحق الى الباطل.

أحبارهم: جمع حَبر، وهو العالم.

رهبانهم: جمع راهب وهو المنقطع للعبادة.

القيّم: المستقيم.

 


  التفسير

  لا يحق للمشركين أن يدخلوا المسجد الحرام

{ثُمَّ يَتُوبُ اللّهُ مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَن يَشَاءُ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (27)

معناه ثم يقبل الله سبحانه توبة من تاب عن الشرك ورجع الى طاعة الله والإسلام وندم على ما فعل من القبيح (الله) ستّار للذنوب (رحيم) بعباده.

 {يا أيها الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاءَ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (28)

أمر سبحانه المؤمنين بمنع المشركين عن دخول المسجد الحرام، سنة تسع من الهجرة، وإن خفتم في إجراء هذا الحكم أن ينقطعوا عن الحج وتتعطل أسواقكم وتذهب تجارتكم، فتفتقروا وتعيلوا، فلا تخافوا فسوف يغنيكم الله من فضله ويؤمنكم من الفقر الذي تخافونه.

 


  مسؤوليتنا إزاء أهل الكتاب

 {قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} (29)

 (المعنى) قاتلوا أهل الكتاب لأنهم لا يؤمنوا بالله واليوم الآخر إيماناً مقبولاً غير منحرف عن الصواب، ولا يحرّمون ما حرّمه الله مما يفسد اقترافه المجتمع الانساني، ولا يدينون ديناً منطقياً على الخلقة الالهية قاتلوهم واستمروا على قتالهم حتى يصغروا عندكم ويخضعوا لحكومتكم، ويعطوا في ذلك عطية مالية مضروبة عليهم تمثل خضوعهم وتصرف في حفظ ذمتهم وحقن دمائهم وحاجة ادارة أمورهم.

 


  أربابُ أهل الكتاب من دون الله

{وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} (٣٠)

حكى سبحانه عن اليهود والنصارى أقوالهم الشنيعة التي لم يأتهم بها كتاب ولا رسول وليس على قولهم حجة ولا برهان ولا له صحة يشابهون عباد الأوثان في عبادتهم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى حيث ضاهت النصارى قول اليهود من قبل فقالت النصارى المسيح ابن الله كما قالت اليهود عزير ابن الله لعنهم الله كيف يصرفون عن الحق الى الافك الذي هو الكذ ب.

{اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} (٣١)

اتخاذهم الأحبار والرهبان أرباباً من دون الله هو إصغاؤهم لهم وإطاعتهم من غير قيد وشرط، ولا يطاع كذلك إلا الله سبحانه، وأما اتخاذهم المسيح بن مريم رباً من دون الله: فهو القول بألوهيته، (سبحانه عمّا يشركون) تنزه تعالى عمّا يتضمنه قولهم بربوبية الأحبار والرهبان، وقولهم بربوبية المسيح (ع)، من الشرك.

{يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} (٣٢)

أخبر سبحانه عن هؤلاء الكفار من أهل الكتاب الذين (يريدون أن يطفئو) القرآن والاسلام بالأفواه التي يؤثر النفخ بها في الأنوار الضعيفة دون الاقباس العظيمة، ويمنع الله إلا أن يظهر أمر القرآن وأمر الاسلام وحجته على التمام، (ولو كره الكافرون).

{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} (٣٣)

معناه ارسل سبحانه محمد (ص) وحمّله الرسالات التي يؤديها الى أمته بالحجج والبينات والدلائل والبراهين (ودين الحق) وهو الاسلام ليعلي دين الاسلام على جميع الأديان بالحجة والغلبة وإن كرهوا هذا الدين فإن الله يظهره رغماً عنهم.

 


  كنز الذهب والفضة دون إنفاق غير جائز

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} (٣٤)

يبين سبحانه حال الأحبار والرُّهبان بأنهم يأخذون الرشى على الحكم ويمنعون غيرهم عن اتباع الاسلام الذي هو سبيل الله التي دعاهم الى سلوكها واتباع محمد (ص)، ويجمعون المال ولا يؤدون زكاته فقد روي عن النبي (ص) أنه قال: كل ما لم تؤدّ زكاته فهو كنز وإن كان ظاهراً وكل مال ادّيت زكاته فليس بكنز وإن كان مدفوناً في الأرض. فأخبرهم بعذابٍ موجع.

{يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} (٣٥)

أي يوم يوقد على الكنوز حتى تصير ناراً (فتكوى) بتلك الكنوز المحماة والأموال التي منعوا حق الله فيها بأعيانها (جباههم وجنوبهم وظهورهم) وإنما خص هذه الأعضاء لأنها معظم البدن، ويقال لهم في حال الكي أو بعده هذا جزاء ما كنزتم وجمعتم من المال ولم تؤدّوا حق الله منها وجعلتموها ذخيرة لأنفسكم، فذوقوا العذاب بسبب ما كنتم تجمعون وتمنعون حقّ الله منه.

 


  إيقاف القتال «الاجباري»

{إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} (٣٦)

معناه عدد شهور السنة في حكم الله وتقديره اثنا عشر شهراً تتألف منها السنون، وهذه العدة هي التي في علم الله سبحانه، وهي التي في كتاب التكوين يوم خلق السماوات والأرض، وأجرى الحركات العامة التي منها حركة الشمس وحركة القمر حول الأرض، وهي الأصل الثابت في الكون لهذه العدة (منها أربعة حُرم) الأشهر الأربعة: ذو القعدة وذو الحجة ومحرم ورجب، وإنما جعل الله هذه الأشهر الأربعة حرماً ليكف النّاس فيها عن القتال وينبسط عليهم بساط الأمن، ويأخذوا فيها الأهبة للسعادة، ويرجعوا الى ربهم بالطاعة، (وقاتلوا المشركين) جميعاً مؤتلفين غير مختلفين (كما يقاتلونكم) جميعاً (واعلموا ان الله مع المتقين) بالنصر والحفظ.

 


  الآيات من 37 إلى 47

إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلِّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِّيُوَاطِؤُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللّهُ فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ اللّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (37) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ (38) إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39) إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40) انْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (41) لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لاَّتَّبَعُوكَ وَلَـكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (42) عَفَا اللّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُواْ وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ (43) لاَ يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (44) إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (45) وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَـكِن كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ (46) لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (47).

 


  اللغة والبيان

النسيء: التأخير.

ليواطئوا: ليوافقوا.

انفروا: النفر من الشيء الفرار منه، والى الشيء الاقدام عليه، وهذا المعنى هو المراد هنا.

أثاقلتم: التثاقل التباطؤ ضد التسرع.

السكينة: سكون النفس واطمئنانها.

خفافاً: الخفة هنا استعارة لمن يمكنه السفر بسهولة.

ثقالاً: الثقل لمن يمكنه السفر بصعوبة، والمراد بهما النفر على كل حال.

العرض: ما يعرض للانسان من متاع غير دائم.

السفر القاصد: الهين من القصد وهو الاعتدال.

الشقة: الطريق التي يشق سلوكها.

العدّة: الأهبة.

انبعاثهم: خروجهم.

فثبطهم: أوهن عزمهم.

الخبال: الاضطراب في الرأي.

 


  التفسير

  مفهوم النسيء في الجاهلية

{إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} (٣٧)

يعني تأخير الأشهر الحرم عمّا رتبها الله سبحانه عليه وكانت العرب تحرم الشهور الأربعة وذلك مما تمسكت به من ملة ابراهيم وإسماعيل وهم كانوا أصحاب غارات وحروب فربما كان يشق عليهم أن يمكثوا ثلاثة أشهر متوالية لا يغزون فيها فكانوا يؤخّرون تحريم المحرم الى صفر فيحرّمونه ويستحلّون المحرم فيمكثون بذلك زماناً ثم يزول التحريم الى المحرم ولا يفعلون ذلك إلاّ في ذي الحجة ليضل بهذا النسيء الذين كفروا، يجعلون الشهر الحرام حلالاً إذا احتاجوا الى القتال فيه ويجعلون الشهر الحلال حراماً ويقولون شهر بشهر وإذا لم يحتاجوا الى القتال لم يفعلوا ذلك، فهم لم يحلّوا شهراً من الحرم إلاّ حرّموا مكانه شهراً من الحلال ولم يحرّموا شهراً من الحلال إلاّ أحلّوا مكانه شهراً من الحرم ليكون موافقة في العدد وذلك المواطأة، زين لهم الشيطان سوء أعمالهم والله لا يلطف بالقوم الكافرين بل يتركهم وما اختاروا من الضلال.

 


  عتاب المتثاقل عن الجهاد (في معركة تبوك)

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ} (38)

يعني (يا أيها الذين آمنوا مالكم إذ) قال لكم الرسول (ص) إخرجوا الى القتال أبطأتم كأنكم لا تريدون الخروج أقنعتم بالحياة الدنيا راضين بها من الآخرة، فما متاع الحياة الدنيا بالنسبة الى الحياة الآخرة الا قليل.

{إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (39)

معناه إن لا تخرجوا الى القتال الذي دعاكم اليه الرسول وتقعدوا عنه يعذبكم الله عذاباً اليماً مؤلما في الاخرة (ويستبدل) بكم (قوماً غيركم) لا يتخلفون عن الجهاد ولا تضروا الله بهذ القعود شيئاً وهو القادر على الإستبدال بكم وعلى غير ذلك من الأشياء.

 


  نصرة الله سبحانه لنبيه (ص)

{إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (40)

يعني إن لم تنصروه أنتم أيها المؤمنون، فقد أظهر الله نصره إياه في وقت لم يكن له أحد ينصره ويدفع عنه، وقد تظاهرت عليه الأعداء وأحاطوا به من كل جهة، وذلك إذ همّ المشركون به وعزموا على قتله، فاضطر الى الخروج من مكة في حال لم يكن الا احد رجلين اثنين، وذلك إذ هما في الغار إذ يقول النبي (ص) لصاحبه وهو أبو بكر: لا تحزن مما تشاهده من الحال إن الله معنا بيده النصر، فنصره الله، حيث أنزل سكينته على رسوله (ص) وأيده بجنود غائبة عن ابصاركم، وجعل كلمة الذين كفروا مغلوبة غير نافذة ولا مؤثرة، وكلمة الله هي العليا العالية القاهرة والله عزيز لا يُغلب، حكيم لا يجهل ولا يغلط فيما شاءه وفعله.

 


  الكسالى الطامعون

{انْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} (41)

يعني الامر بالنفر خفافاً وثقالاً شباناً وشيوخاً وهما حالان متقابلان، في معنى الامر بالخروج على أي حال، وعدم إتخاذ شيء من ذلك عذراً يعتذر به لترك الخروج، فالخروج للجهاد بالنفس والمال خير لكم ان كنتم تعلمون الخير.

{لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لاَّتَّبَعُوكَ وَلَكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} (42)

المعنى لو كان ما دعوتهم اليه غنيمة حاضرة، وسفراً قريباً هيناً، (لاتبعوك) طمعاً في المال (ولكن بعدت) المسافة يعني غزوة تبوك، وسيعتذرون اليك في قعودهم عن الجهاد ويحلفون لو قدرنا الخروج لخرجنا معكم (يهلكون انفسهم) بما أسرّوه من الشرك (والله يعلم انهم لكاذبون) في هذا الإعتذار والحلف.

 


  السعي لمعرفة المنافقين

{عَفَا اللّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُواْ وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ} (43)

أي (عفا الله عنك لم أذنت لهم) في التخلف والقعود ولو شئت لم تأذن لهم حتى يتميز عندك كذبهم ونفاقهم.

{لاَ يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ} (44)

بين سبحانه حال المؤمنين والمنافقين في الاستئذان فقال لا يطلب منك الاذن في القعود عن الجهاد معك بالمعاذير الفاسدة، فالمؤمن لما كان على تقوى من قبل الإيمان بالله واليوم الآخر كان على بصيرة من وجوب الجهاد في سبيل الله بماله ونفسه

 {إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ} (45)

يعني لكن المنافق لعدم إيمانه بالله واليوم الآخر فقد صفة التقوى فارتاب قلبه ولا يزال يتردد في ريبه فيحب التطرف ويستأذن في التخلف والقعود عن الجهاد.

 


  عدم وجودهم خير من وجودهم

{وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَكِن كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ} (46)

هم كاذبون في دعواهم عدم استطاعتهم الخروج، بل ما كانوا يريدونه، ولو أرادوه لأعدّوا له عدّة (ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم) جزاء بنفاقهم وامتناناً عليك وعلى المؤمنين لئلا يفسدوا جمعكم.

 {لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} (47)

يعني لو خرج هؤلاء المنافقون معكم الى الجهاد مازادوكم بخروجهم إلا شراً وفساداً وغدراً ومكراً ولأسرعوا في الدخول بينكم بالتضريب والإفساد والنميمة، ويطلبون لكم المحنة بإختلاف الكلمة والفرقة، وفيكم عيون للمنافقين ينقلون اليهم ما يسمعون منكم (والله عليم بالظالمين) أي بهؤلاء المنافقين الذين ظلموا انفسهم لما اضمروا عليه من الفساد.

 


  الآيات من 48 إلى 61

لَقَدِ ابْتَغَوُاْ الْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ وَقَلَّبُواْ لَكَ الأُمُورَ حَتَّى جَاء الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ (48) وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ (49) إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُواْ قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِن قَبْلُ وَيَتَوَلَّواْ وَّهُمْ فَرِحُونَ (50) قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51) قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ اللّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُواْ إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُونَ (52) قُلْ أَنفِقُواْ طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ (53) وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ (54) فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (55) وَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ وَمَا هُم مِّنكُمْ وَلَـكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ (56) لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَّوَلَّوْاْ إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ (57) وَمِنْهُم مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُواْ مِنْهَا رَضُواْ وَإِن لَّمْ يُعْطَوْاْ مِنهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ (58) وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوْاْ مَا آتَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ سَيُؤْتِينَا اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللّهِ رَاغِبُونَ (59) إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60) وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (61).

 


  اللغة والبيان

الفتنة: المراد بها هنا التشكيك في الدين والتخويف من الأعداء.

قلبوا لك الأمور: أي دبروا لك المكايد من كل وجه.

طوعاً: الطوع الانقياد بالارادة والاختيار.

تزهق: الزهق الخروج بصعوبة، وكل هالك زاهق.

يفرقون: الفرق بفتح الراء الخوف.

ملجأ: المكان الذي يتحصن فيه، ومثله المعقل والموئل والمعتصم والمعتمد.

مدّخلاً: المدّخل السرب في الأرض يدخله الانسان بمشقة.

يجمحون: الجماح السرعة التي تتعذر مقاومتها.

يلمزك: اللمز العيب والطعن في الوجه.

أذن: يقال رجل اذن، أي يسمع كل ما يقال له ويصدقه.

 


  التفسير

  المنافقون المتذرعون

{لَقَدِ ابْتَغَوُاْ الْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ وَقَلَّبُواْ لَكَ الأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ} (48)

أقسم سبحانه لقد طلبوا المحنة واختلاف الكلمة وتفرّق الجماعة من قبل هذه الغزوة كما في غزوة أحد حين رجع عبد الله بن أبي سلول بثلث القوم وخذل النبي (ص) وقلّبوا لك الأمور بدعوة الناس الى الخلاف وتحريضهم على المعصية وغير ذلك، حتى جاء الحق وظهر أمر الله تعالى، وهم كارهون لجميع ذلك.

{وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ} (49)

المعنى ومن المنافقين (من يقول ائذن لي) في القعود عن الجهاد (ولا تفتني) ببنات الأصفر، الا في العصيان والكفر وقعوا بمخالفتهم امرك في الخروج والجهاد، وستحيط بهم نار جهنم فلا مخلص لهم منها.

 


  إحدى صفات المنافقين

{إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُواْ قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِن قَبْلُ وَيَتَوَلَّواْ وَّهُمْ فَرِحُونَ} (50)

يعني ان هؤلاء المنافقين هواهم عليك، إن غنمت وظفرت سائهم ذلك، وإن قتلت أو جرحت او أصبت بأي مصيبة أخرى قالوا: قد احترزنا عن الشر من قبل وتولوا وهم فرحون.

 {قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} (51)

يعني ان ولاية أمرنا إنما هي لله سبحانه فحسب، لا إلى انفسنا ولا الى شيء من هذه الأسباب الظاهرة، بل حقيقة الامر لله وحده، فعلينا إمتثال أمره، ولله المشية فيما يصيبنا في ذلك من حسنة او سيئة، فعلينا بالتوكل عليه سبحانه والرضا بتدبيره وتقديره.

 


  في قاموس المؤمنين لا وجود للهزيمة

 {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ اللّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُواْ إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُونَ} (52)

يعني نحن وانتم كل يتربص بصاحبه، غير أنكم تتربصون بنا إحدى خصلتين كل واحدة منهما خصلة حسنى وهما: الغلبة على العدو مع الغنيمة، والشهادة في سبيل الله، ونحن نتربص بكم أن يعذبكم الله بعذاب من عنده كالعذاب السماوي او بعذاب يجري بأيدينا كأن، يأمرنا بقتالكم، فنحن فائزون على أي حال.

 


  قسم آخر من علامات المنافقين

{قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ} (٥٣)

معناه لا نمنعكم عن الانفاق من طوع أو كره، فإنه لغو غير مقبول لأنكم فاسقون.

{وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ} (٥٤)

اي وما يمنع هؤلاء المنافقين أن يثابوا على نفقاتهم إلا كفرهم بالله وبرسوله وذلك مما يحبط الأعمال ويمنع من استحقاق الثواب ولم يؤدُّوا الصلاة على الوجه الذي امروا به

 (ولا ينفقون إلا وهم كارهون) لذلك لأنهم إنما يصلون وينفقون للرياء والتستر بالاسلام لا لابتغاء مرضاة الله تعالى.

{فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ} (٥٥)

نهى الله سبحانه نبيّه (ص) عن الاعجاب بأموال المنافقين وأولادهم أي بكثرتها، وعلّل ذلك بأن هذه الأموال والأولاد ليست من النعمة التي تهتف لهم بالسعادة. بل من النقمة التي تجرّهم الى الشقاء، فإن الله وهو الذي خوّلهم إياها إنما أراد بها تعذيبهم في الحياة الدنيا وتوفيهم وهم كافرون.

 


  علامة أخرى من علائم المنافقين

{وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ} (٥٦)

أي يقسم هؤلاء المنافقون انهم لمن جملتكم ايها المؤمنون وليسوا مؤمنين بالله (ولكنهم قوم) يخافون القتل والأسر إن لم يظهروا الايمان.

{وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ} (٥٨)

أي من هؤلاء المنافقين من يعيبك ويطعن عليك في أمر الصدقات (فإن اعطوا منه) أقرّوا بالعدل، وإذا لم يعطهم منها لعدم استحقاقهم ذلك أو لأسباب أخر يغضبون ويعيبون وقال أبو عبد الله (ع) أهل هذه الآية أكثر من ثلثي الناس.

 


  الأنانيون السفهاء

{وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ} (٥٩)

معناه ولو أنّ هؤلاء المنافقين الذين طلبوا منك الصدقات وعابوك بها رضوا بما أعطاهم الله ورسوله (ص) (وقالو) مع ذلك كفانا الله سيعطينا الله من فضله وإنعامه ويعطينا رسوله (إنا الى الله راغبون) في أن يوسع علينا من فضله فيغنينا عن أموال الناس.

 


  موارد صرف الزكاة ودقائقها

{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (٦٠)

هذه الآية بيان لموارد تصرف إليها الصدقات الواجبة وهي الزكوات.

والفقير: هو الذي اتصف بالعدم وفقدان ما يرفع حوائجه الحيوية.

والمسكين: الذي حلت به المسكنة والذلة مضافة الى فقدان المال.

والعاملون عليها: الساعون لجمع الزكوات.

والمؤلفة قلوبهم: الذين يؤلف قلوبهم باعطاء سهم من الزكاة ليسلموا أو يدفع بهم العدو أو يستعان بهم على حوائج الدين.

 (وفي الرقاب): في فكها، كما في المكاتب الذي لا يقدر على تأدية ما شرطه لمولاه على نفسه لعتقه، أو الرق الذي كان في شدة.

 (والغارمين) وللصرف في الغارمين الذين ركبتهم الديون.

 


  هذا حسن لا قبيح

{وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (٦١)

أطلقوا عليه (ص) الأُذن وسموه بها، إشارة الى أنه يصغي لكل ما قيل له ويستمع الى كل ما يذكر له فهو أذن (قل أذن خير لكم) لأنه لا يسمع إلاّ ما ينفعكم ولا يضركم، وإنه يصدّق ربه ويصدّق كل فرد من أفراد مجتمعكم احتراماً لظاهر حاله من الانتساب الى المؤمنين، وهو رحمة للذين آمنوا منكم حقاً، لأنه يهديكم الى مستقيم الصراط.