فرائض قرآنيّة

على ضوء نهج البلاغة

 جمعيّة القرآن الكريم للتّوجيه والإرشاد

 بيروت - لبنان

الطّبعة الأولى

شهر شعبان 1434 هـ. ق. / 2013م

 

 

 

 الفصل الخامس: الولاية

 الولاية فريضة من الفرائض

 الحرص على مصلحة الإسلام والمسلمين

 صفة أهل البيت (عليهم السّلام)

 الإمامة منصب إلهيّ

 وجوب اتّباعه (عليه السّلام)

 موقع الأمير (عليه السّلام)

 ولاية أمركم

 لا هدف للإمام (عليه السّلام) من الخلافة غير إحقاق الحقّ

 قيام الحقّ ودفع الباطل

 عدم المنافسة على السّلطة

 خَيْرُ الْعِتَرِ

 شَجَرَةُ النُّبُوَّةِ
 أئمّة الدّين
 الثّناء على أهل البيت (عليهم السّلام)
 عصمة أهل البيت (عليهم السّلام)
 فهرس المصادر

 

 



 

تمهيد

 

الولاية فريضة من الفرائض

 

قال سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [1].

الولاية فريضة من الفرائض، فقد أعلن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ولاية عليٍّ (عليه السّلام) على الشّاهد والغائب قبل وبعد نزول الآية ، فقال: «من كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه، اللَّهمَّ والِ من والاه، وعادِ من عاداه، واخذل من خذله، وانصر من نصره»، وبعد فرض الولاية نزل قوله تعالى: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً  [2].

فكبَّر رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وحمد الله على إكمال الدّين ورضا الرّبِّ برسالته وولاية عليٍّ (عليه السّلام) من بعده، فأصبح عليُّ بن أبي طالب (عليه السّلام) مولى كلِّ مؤمن ومؤمنة.

واعلم أنَّ طاعة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السّلام) واجبة ومقرونة بطاعة الله سبحانه وبطاعة الرّسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وهو وليّ المؤمنين كما قال تعالى في كتابه العزيز: ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ [3].

وهذه الآية نزلت في شأن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السّلام) عندما تزكّى بخاتمه لذلك السّائل وهو في حالة الرّكوع أثناء الصّلاة فنزلت هذه الآية الشّريفة في مدحه والثّناء عليه.

وعن جابر بن يزيد الجعفيّ، قال: سمعت جابر بن عبد الله الأنصاريّ يقول: لمّا أنزل الله عزّ وجلّ على نبيّه محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم): ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ﴾  قلت: يا رسول الله، عرفنا الله ورسوله، فمن أولو الأمر الّذين قرن الله طاعتهم بطاعتك؟ فقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «هم خلفائي- يا جابر- وأئمّة المسلمين من بعدي، أوّلهم عليّ بن أبي طالب، ثمّ الحسن، ثمّ الحسين، ثمّ عليّ بن الحسين، ثمّ محمّد بن عليّ المعروف في التّوراة بالباقر، ستدركه - يا جابر- فإذا لقيته فاقرأه منّي السّلام، ثمّ الصّادق جعفر بن محمّد، ثمّ موسى بن جعفر، ثمّ عليّ بن موسى، ثمّ محمّد بن عليّ، ثمّ عليّ بن محمّد، ثمّ الحسن بن عليّ، ثمّ سميّي وكنيّي حجّة الله في أرضه، وبقيّته في عباده ابن الحسن بن عليّ، ذاك الّذي يفتح الله تعالى ذكره على يدَيْه مشارق الأرض ومغاربها، ذاك الّذي يغيب عن شيعته وأوليائه غيبة لا يثبت فيها على القول بإمامته إلاّ من امتحن الله قلبه للإيمان».

قال جابر: فقلت له: يا رسول الله، فهل يقع لشيعته الانتفاع به في غيبته؟

فقال (عليه السّلام): «إي والّذي بعثني بالنّبوّة، إنّهم يستضيئون بنوره وينتفعون بولايته في غيبته كانتفاع النّاس بالشّمس، وإن تجلاّها سحاب. يا جابر، هذا، من مكنون سرّ الله، ومخزون علم الله، فاكتمه إلاّ عن أهله» [4].

وإليك ما قاله أمير المؤمنين عنها:


 

الحرص على مصلحة الإسلام والمسلمين

 

قال أمير المؤمنين (عليه السّلام): «لَنَا حَقٌّ فَإِنْ أُعْطِينَاهُ، وَإِلاَّ رَكِبْنَا أَعْجَازَ الْإِبِلِ وَإِنْ طَالَ السُّرَى».

 

أَعْجَازَ: جمع عجز وهو مؤخّر الشّيء أو الجسم يقال: ركب أعجاز الإبل أي ركب الذّلّ والمشقّة.

السُّرَى: سير الّليل، المنجد، والمراد به هنا طول الأمد.

 

«لَنَا حَقٌّ فَإِنْ أُعْطِينَاهُ، وَإِلاَّ رَكِبْنَا أَعْجَازَ الْإِبِلِ وَإِنْ طَالَ السُّرَى» يذهب علماؤنا إلى أنّه قاله (عليه السّلام) يوم الشّورى بعد اجتماع الجماعة لاختيار واحد من السّتّة، وأكثر أرباب السِّيَر ينقلونه على هذا الوجه.

شأن ورود هذه الجملة يدلّ على أنّ مراده (عليه السّلام) من هذه الجملة هو تحمّل المشقّة لا لشيء إلاّ حرصًا على مصلحة الإسلام والمسلمين، وخوفًا من الفتنة وانشقاق الكلمة، والصّبر الطّائل إلى أن تظهر الدّولة الحقّة والحكومة الإسلاميّة المحقّة، وفيها إشارة وبشارة إلى ظهور الحجّة عجّل الله فرجه، وفي جملة «وَإِنْ طَالَ السُّرَى» إشارة إلى أنّ دوران حكومة حكّام الجور مظلم، والعالم في أيّام سلطتهم كالّليل لا يهتدي فيها عموم البشر، ولا تتنوّر البصائر بنور الحقّ والعدالة.

 


 

صفة أهل البيت (عليهم السّلام)

 

قال الإمام عليّ (عليه السّلام) عن آل النّبيّ (عليهم السّلام):

«هُمْ مَوْضِعُ سِرِّهِ وَلَجَأُ أَمْرِهِ وَعَيْبَةُ عِلْمِهِ وَمَوْئِلُ حُكْمِهِ وَكُهُوفُ كُتُبِهِ وَجِبَالُ دِينِهِ بِهِمْ أَقَامَ انْحِنَاءَ ظَهْرِهِ وَأَذْهَبَ ارْتِعَادَ فَرَائِصِهِ وَمِنْهَا يَعْنِي قَوْمٍ آخَرِينَ، الْمُنَافِقِينَ زَرَعُوا الْفُجُورَ وَسَقَوْهُ الْغُرُورَ وَحَصَدُوا الثُّبُورَ، لاَ يُقَاسُ بِآلِ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَحَدٌ وَلاَ يُسَوَّى بِهِمْ مَنْ جَرَتْ نِعْمَتُهُمْ عَلَيْهِ أَبَداً هُمْ أَسَاسُ الدِّينِ وَعِمَادُ الْيَقِينِ إِلَيْهِمْ يَفِيءُ الْغَالِي وَبِهِمْ يُلْحَقُ التَّالِي وَلَهُمْ خَصَائِصُ حَقِّ الْوِلاَيَةِ وَفِيهِمُ الْوَصِيَّةُ وَالْوِرَاثَةُ الْآنَ إِذْ رَجَعَ الْحَقُّ إِلَى أَهْلِهِ وَنُقِلَ إِلَى مُنْتَقَلِهِ».

 

لَجَأُ: الّلجاء محرّكة كالملجأ الملاذ من لجأ إليه كمنع وفرح لاذ.

عَيْبَةُ: الوعاء، ما يجعل فيه الثّياب ومن الرّجل موضع سرّه.

مَوْئِلُ: الملجأ من وئل إليه يئل وئلاً ووؤلاً ووئيلاً ووائل موائلة ووئالاً لجأ وخلص.

كُهُوفُ: جمع كهف وهو غار واسع في الجبل فإن كان صغيرًا قيل له الغار والبيت المنقور في الجبل، وفلان كهف لأنّه يلجأ إليه كالبيت على الاستعارة.

انْحِنَاءَ: اعوجاجًا.

ارْتِعَادَ: اضطراب.

فَرَائِصِهِ: جمع فريصة، وهي الّلحمة الّتي بين الجنب والكتف.

حَصَدُوا: حصدت الزّرع وغيره حصدًا من بابَي ضرب وقتل فهو محصود وحصيد.

الثُّبُورَ: الهلاك والخسران.

أَسَاسُ: الشّيء أصله.

الْغَالِي: الغلوّ التّجاوز عن الحدّ قال تعالى: ﴿ لَا تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ ﴾، إي لا تجاوزوا الحدّ.

التَّالِي: تلوت الرّجل أتلوه تلوًا تبعته والمراد بالتّالي هنا المرتاد الّذي يريد الخير ليؤجر عليه.

 

 

«هُمْ مَوْضِعُ سِرِّهِ» والمراد بالسّرّ علم لا يجوز إظهاره للعموم والأئمّة (عليهم السّلام) موضعه ومأواه ومستقرّه ومقامه وخزّانه وحفّاظه لا يظهرونه أو لا يظهرون منه إلاّ ما يحتمل على من يتحمّل إذ العموم لا يقدر على تحمّل أسرار الله سبحانه، ولذلك قال عليّ بن الحسين (عليهما السّلام): لو علم أبو ذرّ ما في قلب سلمان لقتله.

«وَلَجَأُ أَمْرِهِ» المراد أنّهم لجاء للعباد في الأوامر الدّينيّة بمعنى أنّ الخلق إذا تنازعوا في شيء منها وعجزوا فيها عن النّيل إلى الواقع فهم الملجأ والملاذ، لأنّهم أولو الأمر، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ﴾.

 

«وَعَيْبَةُ عِلْمِهِ» أي مخزنه، قال الإمام الصّادق (عليه السّلام): نحن ولاة أمر الله، وخزنة علمه، وعيبة وحْيِه، ونحن الرّاسخون في العلم، ونحن نعلم تأويله [5].

«وَمَوْئِلُ حُكْمِهِ» والمراد بالحكم إمّا الأحكام الشّرعية أي خطاب الله المتعلّق بأفعال المكلّفين من حيث الاقتضاء أو التّخيير وإمّا القضاء الرّافع للخصومات، وعلى أيّ تقدير فهم موئله ومنجاه، إليهم يلتجىء فيه وبهم يحصل الخلاص والنّجاة لأنّ ما عندهم هو الحكم المتلقّى من الوحي الالهيّ الّذي هو مطابق للواقع والواقع مطابق له، وهو كلّه صواب لا ريب فيه وهم المرشدون إليه والأدلاّء عليه.

«وَكُهُوفُ كُتُبِهِ» قال الشّيخ محمّد عبده: «إنّ حكمه وشرعه أي النّبيّ يرجع إليهم، وهم أي أهل البيت حفّاظ كتبه يحوونها كما تحوي الكهوف ما فيها، والكتب القرآن وجمعه، لأنّه فيما حواه كجملة ما تقدّمه من الكتب، ويزيد عليها ما خصّ الله به هذه الأمّة ثمّ قال وهذه صفات أهل البيت لاستعدادهم لأسرار الله وحكمته».

«وَجِبَالُ دِينِهِ» أي أنّ أهل البيت مثلهم بالنّسبة إلى الإسلام كمثل الجبال بالنّسبة إلى الأرض، فلولا الجبال لمادت الأرض بأهلها، ولولا أهل البيت لماد الإسلام، ولم يكن له عين ولا أثر.

«بِهِمْ أَقَامَ انْحِنَاءَ ظَهْرِهِ وَأَذْهَبَ ارْتِعَادَ فَرَائِصِهِ» قال الشّيخ محمّد عبده: «كنّى بانحناء الظّهر عن الضّعف في بدء الاسلام، وبإقامة الدّين عن القوّة، وبهم أمنه من الخوف الّذي ترتعد منه الفرائص».

فكلام الشّيخ محمّد عبده صريح في أنّ الاسلام نما وقوِيَ وامتدّ بأهل البيت (عليهم السّلام).

وبعد، فإنّ الأوصاف الّتي ذكرها الإمام لأهل البيت تشهد بها آية المباهلة، وآية التّطهير، وحديث الثّقلَيْن الّذي ساوى النّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فيه بين القرآن وأهل بيته.

«وَمِنْهَا يَعْنِي قَوْمٍ آخَرِينَ الْمُنَافِقِينَ» إشارة إلى من جحد حقّه (عليه السّلام).

«زَرَعُوا الْفُجُورَ، وَسَقَوْهُ الْغُرُورَ، وَحَصَدُوا الثُّبُورَ» تنطبق هذه الأوصاف تمامًا على الفئة الّتي حاربت الإمام في صِفّين، وهذه الفئة هي المرادة من قول الإمام، لأنّ هذه الخطبة كانت بعد رجوعه من صِفّين بلا فاصل.

«لاَ يُقَاسُ بِآلِ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَحَدٌ» لأنّ الله طهّرهم من الذّنوب بنصّ آية التّطهير، ورسول الله ساوى في حديث الثّقلَيْن بينهم وبين القرآن الّذي لا يقاس به شيء، ولا يأتيه الباطل من بين يدَيْه ولا من خلفه.

«وَلاَ يُسَوَّى بِهِمْ مَنْ جَرَتْ نِعْمَتُهُمْ عَلَيْهِ أَبَداً هُمْ أَسَاسُ الدِّينِ وَعِمَادُ الْيَقِينِ» قال ابن أبي الحديد: «ولا ريب أنّ محمّدًا (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأهله الأدنَيْن من بني هاشم أنعموا على الخلق كافّة بنعمة لا يقدّر قدرها، وهي الدّعاء إلى الاسلام والهداية .. لقد جاهد عليّ بالسّيف أوّلاً وثانيًا، ونشر العلوم، وتفسير القرآن، وإرشاد العرب إلى ما لم تكن فاهمة ولا متصوّرة .. لقد أنعم عليّ حتّى على الّذين تقدّموا عليه .. جاهد عنهم وهم قاعدون، وأمدّهم بعلومه الّتي لولاها لحكموا بغير الصّواب .. ».

«إِلَيْهِمْ يَفِيءُ الْغَالِي» الّذي أفرط وتجاوز الحدّ «وَبِهِمْ يُلْحَقُ التَّالِي» الّذي فرّط وقصّر عن بلوغ الحقّ، وأهل الحقّ والعدل، وبهم يقاس تقصير هذا وتفريطه، وغلوّ ذاك وإفراطه. قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «مثل أهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلّف عنها غرق» [6].

«وَلَهُمْ خَصَائِصُ حَقِّ اَلْوِلاَيَةِ» بمعنى الرّياسة والسّلطة، لأنّ للكامل العادل ولاية على النّاقص بحكم العقل والواقع، وأهل البيت (عليهم السّلام) أفضل وأكمل خلق الله بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم).

«وَفِيهِمُ الْوَصِيَّةُ وَالْوِرَاثَةُ» المراد وصيّة النّبيّ بالخلافة، وهم وحدهم لها وارثون «الْآنَ إِذْ رَجَعَ الْحَقُّ إِلَى أَهْلِهِ» وهو الخلافة «وَنُقِلَ إِلَى مُنْتَقَلِه» أي عادت الخلافة إلى الموضع الّذي نقلت منه ظلمًا وعدوانًا.


 

الإمامة منصب إلهيّ

 

أوّل الخطبة الشّقشقيّة: قال (عليه السّلام): «أَمَا وَاللهِ لَقَدْ تَقَمَّصَهَا فُلاَنٌ وَإِنَّهُ لَيَعْلَمُ أَنَّ مَحَلِّي مِنْهَا مَحَلُّ الْقُطْبِ مِنَ الرَّحَى يَنْحَدِرُ عَنِّي السَّيْلُ وَلاَ يَرْقَى إِلَيَّ الطَّيْرُ».

 

تَقَمَّصَهَا: يقال قمّصه قميصًا ألبسه فتقمّص هو.

الْقُطْبِ مِنَ الرَّحَى: الحديدة الّتي تدور عليها الرّحى.

 

في كلامه (عليه السّلام) تعريض على من تصدّى للإمامة وتقمّصها من غير حقّ، كما افتتح (عليه السّلام) خطبته الشّقشقيّة بقوله: ولقد تقمّصها فلان الخ، وفيه إشعار بأنّ الإمامة منصب إلهيّ هيّأ الله لها رجال أدّبهم بقدرته وإحاطته، وهذّبهم بالفطرة وطهّرهم تطهيرًا، لأنّ المقصود من الإمام في كلامه هذا هو الرّئيس الّذي يحكم في النّاس، فمن لم يكن مستعدًّا لهذا المقام لا يقدر على تعليم نفسه ورفع نقصه إلى أن ينال هذه الدّرجة القصوى والمرتبة العليا، وخصوصًا بالنّظر إلى مقام العلم الشّامل المحيط العميق الّذي يلزم لمنصب كهذا، فإذا كان الرّجل جاهلاً بذاته كيف يقدر على تعليم نفسه فإنّ العلم الكسبيّ يحصل إمّا بموهبة من الله فيفيضه على قلوب الأنبياء والأوصياء وإمّا بتحصيله من الأساتذة والعلماء، فكيف يقدر الإنسان على تعليم نفسه بشخصه نعم تأديب السّيرة وإصلاح الأخلاق والأعمال الّذي يعدّ من باب الحكمة العمليّة ممّا يمكن للإنسان أن يباشره بنفسه، فيحسّن أخلاقه بالرّياضة ويزيل عنه الأخلاق السّيّئة، ويخلّي ضميره عنها ويحلّيه بالأخلاق الحسنة والفضائل وأمّا العلم والمعرفة الخاصّة بمقام الإمامة فكيف يقدر عليه الإنسان بنفسه إذا لم يكن من عناية الله تعالى، ويؤيّد ذلك قوله: ومعلّم نفسه ومؤدّبها أحقّ بالإجلال، فإنّه تعريض بأنّ تصدّي غير الأهل للإمامة إنّما يكون لكسب الجاه والاعتبار عند النّاس وجلب الإجلال والاحترام، وإذا تصدّى شخص لتعليم نفسه وتأديبها يكون أحقُّ بالإجلال، اللّهمّ إلاّ أن يكون المراد من تعليم النّفس الاشتغال بالرّياضة وتصفية النّفس بحيث يستعدّ للافاضة كما أشير إليه في بعض الأحاديث ويشعر به قوله (عليه السّلام): العلم نور يقذفه الله في قلب من يشاء [7].


 

وجوب اتّباعه (عليه السّلام)

 

وقال (عليه السّلام): «مَا شَكَكْتُ فِي الْحَقِّ مُذْ رَأَيْتُهُ».

 

إشارة إلى بعض علل وجوب اتّباعه (عليه السّلام) بقوله: «مَا شَكَكْتُ فِي الْحَقِّ مُذْ رَأَيْتُهُ» لأنّ من لم يشكّ في الحقّ أحقّ بالاتّباع ممّن كان في شكّ من دينه لاحتياجه إلى من يهديه، قال سبحانه: ﴿ قُلْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لَّا يَهِدِّي إِلَّا أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ﴾ .

فدرك الحقّ واتّباعه تارة يكون بالتّقليد، وتارة بالدّليل القابل للتّشكيك وتارة بالوجدان والشّهود الّذي يعبّر عنه بالرّؤية والإبصار على نحو المجاز كقوله (عليه السّلام) في جواب من سأله هل رأيت ربّك؟ «كيف أعبد ربًّا لم أره» تشبيها للرّؤية الوجدانيّة والقلبيّة برؤية العين الجسمانيّة.

فالمقصود أنّي أدركت ولمست الحقّ بالوجدان والمشاهدة القلبيّة كأنّي رأيته ببصري ولا مجال للشّكّ في إيماني، هذا بيان للسّبب الموجب للزوم طاعته ووجوب متابعته، وعلم الإمام بالحلال والحرام يستحيل أن يتطرّق إليه الشّكّ لأنّه صورة طبق الأصل عمّا في علم الله تعالى، ومن هنا قال الإمام: لو كشف لي الغطاء ما ازددتُّ يقينًا.


 

موقع الأمير (عليه السّلام)

 

وقال (عليه السّلام): «وَلَقَدْ سَمِعْتُ رَنَّةَ الشَّيْطَانِ حِينَ نَزَلَ الْوَحْيُ عَلَيْهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا هَذِهِ الرَّنَّةُ؟ فَقَالَ: هَذَا الشَّيْطَانُ قَدْ أَيِسَ مِنْ عِبَادَتِهِ، إِنَّكَ تَسْمَعُ مَا أَسْمَعُ وَتَرَى مَا أَرَى إِلاَّ أَنَّكَ لَسْتَ بِنَبِيٍّ وَلَكِنَّكَ لَوَزِيرٌ وَإِنَّكَ لَعَلَى خَيْرٍ».

 

«إِنَّكَ تَسْمَعُ مَا أَسْمَعُ وَتَرَى مَا أَرَى» ظاهر هذا الكلام يفيد أنّ الامام يسمع صوت الملك ويعاينه كالرّسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم).

أمّا سماع الصّوت فلا غبار عليه ويشهد به أخبار كثيرة.

وأمّا المعاينة فيدلّ عليه بعض الأخبار.

مثل ما في البحار من أمالي الشّيخ باسناده عن أبي حمزة قال: «سمعت أبا عبد الله (عليه السّلام) يقول: إنّ منّا لمن ينكت في قلبه، وإنّ منّا لمن يؤتى في منامه، وإنّ منّا لمن يسمع الصّوت مثل صوت السّلسلة فى الطّشت، وإنّ منّا لمن يأتيه صورة أعظم من جبرئيل وميكائيل» [8]. وقال أبو عبد الله (عليه السّلام): «منّا من ينكت في قلبه، ومنّا من يخاطب» [9].

ولكنّ الظّاهر من الأخبار الكثيرة أنّ الامام يسمع الصّوت ولا يعاين، ومن ذلك اضطرّ المحدّث العلاّمة المجلسيّ (رحمه الله) إلى تأويلها بقوله:

والمراد بالمعاينة معاينة روح القدس وهو ليس من الملائكة مع أنّه يحتمل أن يكون المعاينة في غير وقت المخاطبة [10]، انتهى.

ولمّا كان ظاهر قوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنّك تسمع ما أسمع وترى ما أرى موهمًا للمساواة بينه (عليه السّلام) وبينه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) استدرك ذلك بقوله «إِلاَّ أَنَّكَ لَسْتَ بِنَبِيٍّ» ونظير هذا الاستدراك قد وقع في كلام الصّادق (عليه السّلام) وهو: ما رواه في البحار من البصاير بسنده عن عليّ السّائيّ قال: سألت الصّادق (عليه السّلام) عن مبلغ علمهم، فقال: مبلغ علمنا ثلاثة وجوه: ماض، وغابر، وحادث، فأمّا الماضي فمفسّر، وأمّا الغابر فمزبور، وأمّا الحادث فقذف في القلوب ونقر في الأسماع وهو أفضل علمنا ولا نبيّ بعد نبيّنا.

فإنّ النّكث والنّقر لمّا كانا مظنّة لأن يتوهّم السّائل فيهم النّبوّة قال (عليه السّلام): ولا نبيّ بعد نبيّنا.

ثمّ إنّه لمّا نفى عنه النّبوّة أثبت له الوزارة وهي عاشر المناقب فقال: «وَلَكِنَّكَ لَوَزِيرٌ وَإِنَّكَ لَعَلَى خَيْرٍ» بشَّرَه بالوزارة ونبّه به على أنّه الصّالح لتدبير أمور الرّسالة والمعاون له (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في نظم أمور الدّين وتأسيس قواعد الشّرع المبين وإصلاح أمور الإسلام والمسلمين، ثمّ شهد به أنّه على خير وأشار به على استقراره وثباته على ما هو خير الدّنيا والآخرة، وأنّه مجانب لما هو شرّ الدّنيا والآخرة.

وهذا معنى عامّ متضمّن لكونه (عليه السّلام) جامعًا لجميع الكمالات والمكارم الدّنيويّة والأخرويّة والمحامد الصّوريّة والمعنويّة وكونه راسخًا فيها غير متزلزل ولا متكلّف [11].


 

ولاية أمركم

 

ومن خطبة له (عليه السّلام) خطبها بصِفّين: «أَمَّا بَعْدُ، فَقَدْ جَعَلَ اللهُ لِي عَلَيْكُمْ حَقّاً بِوِلاَيَةِ أَمْرِكُمْ ...».

 

«أَمَّا بَعْدُ، فَقَدْ جَعَلَ اللهُ لِي عَلَيْكُمْ حَقّاً بِوِلاَيَةِ أَمْرِكُمْ ...» جعل تعالى له (عليه السّلام) حقًّا عليهم بولايته أمرهم في الظّاهر، في قوله تعالى: ﴿ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنكُمْ [12]، وفي الباطن بعد رسوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في قوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ [13].

وقد استفاضت الأحاديث والرّوايات في كونه (عليه السّلام) هو المراد من قوله: ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ﴾، لنزول الآية لمّا أعطى (عليه السّلام) خاتمه في ركوع الصّلاة للسّائل كما رواه الثّعلبيّ وغيره [14].

وفي قول رسوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) للنّاس في حجّة الوداع يوم خمّ في المتواتر عنه: ألست أوْلى بكم من أنفسكم؟ فقالوا: بلى، فقال: من كنت مولاه فعليّ مولاه، الّلهمّ والِ من والاه وعاد من عاداه [15].


 

لا هدف للإمام (عليه السّلام) من الخلافة غير إحقاق الحقّ

 

قال الإمام عليّ (عليه السّلام): «أَمَا وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ، وَبَرَأَ النَّسَمَةَ، لَوْلاَ حُضُورُ الْحَاضِرِ وَقِيَامُ الْحُجَّةِ بِوُجُودِ النَّاصِرِ، وَمَا أَخَذَ اللهُ عَلَى الْعُلَمَاءِ أَلاَّ يُقَارُّوا عَلَى كِظَّةِ ظَالِمٍ وَلاَ سَغَبِ مَظْلُومٍ، لَأَلْقَيْتُ حَبْلَهَا عَلَى غَارِبِهَا، وَلَسَقَيْتُ آخِرَهَا بِكَأْسِ أَوَّلِهَا وَلَأَلْفَيْتُمْ دُنْيَاكُمْ هَذِهِ أَزْهَدَ عِنْدِي مِنْ عَفْطَةِ عَنْزٍ».

 

فَلَقَ: الشّقّ، قال تعالى: ﴿ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى ﴾ الأنعام / 95.

بَرَأَ: أي خلق، قيل: وقلّما يستعمل في غير الإنسان.

النَّسَمَةَ: محرّكة الإنسان أو النّفس والرّوح، وقد يستعمل فيما عدا الإنسان.

يُقَارُّوا: قارّه مقارّة قرّ معه، وقيل: إقرار كلّ واحد صاحبه على الأمر وتراضيهما به.

كِظَّةِ: ما يعتري الآكل من الضّيق عند امتلاء البطن بالطّعام. والمراد هنا تعدّي الظّالم على حقوق النّاس.

سَغَبِ:: شدّة الجوع، والمراد هنا هضم حقوق الضّعيف.

غَارِبِهَا: أعلى كتف النّاقة، كاهل النّاقة حين يتركها قائدها فلا يقودها يرخي لها الخطام، فالكلام تصوير للتّرك وإرسال الأمر.

أَزْهَدَ: خلاف الرّغبة والزّهيد القليل.

عَفْطَةِ: قال ابن الأثير: الضّرطة، وقال الشّارح المعتزليّ: عفطة عنز ما تنثره من أنفها وأكثر ما يستعمل ذلك في النّعجة.

 

«أَمَا وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ» أي شقّها وأخرج النّبات منها بقدرته الكاملة «وَبَرَأَ النَّسَمَةَ»أي خلق الإنسان وأنشأه بحكمته التّامّة الجامعة «لَوْلاَ حُضُورُ الْحَاضِرِ» للبيعة من الأنصار والمهاجرين أو حضور الوقت الّذي وقّته رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لقيامه بالنّواهي والأوامر «وَقِيَامُ الْحُجَّةِ» عليه (عليه السّلام) «بِوُجُودِ النَّاصِرِ» والمعين «وَ» لولا «مَا أَخَذَه» «اللهُ عَلَى الْعُلَمَاءِ» أي الأئمّة (عليهم السّلام) أو الأعمّ «أَلاَّ يُقَارُّوا» ولا يتراضوا ولا يسكنوا «عَلَى كِظَّةِ ظَالِمٍ» بطنته «وَلاَ سَغَبِ مَظْلُومٍ» جوعه وتعبه، والكظّة كناية عن قوّة ظلم الظّالم والسّغب كناية عن شدّة مظلوميّة المظلوم والمقصود أنّه لولا أخذ الله على أئمّة العدل وعهده عليهم عدم جواز سكوتهم على المنكرات عند التّمكّن والقدرة «لَأَلْقَيْتُ حَبْلَهَا» أي زمام الخلافة «عَلَى غَارِبِهَا» شبّه الخلافة بالنّاقة الّتي يتركها راعيها لترعى حيث تشاء ولا يبالي من يأخذها وما يصيبها، وذكر الغارب وهو ما بين السّنام والعنق تخييل وإلقاء الحبل ترشيح «وَلَسَقَيْتُ آخِرَهَا بِكَأْسِ أَوَّلِهَا» أي تركتها آخرًا كما تركتها أوّلاً وخلّيت النّاس يشربون من كأس الحيرة والجهالة ويعمهون في سكرتهم كما شربوا في زمن غيره «وَلَأَلْفَيْتُمْ دُنْيَاكُمْ هَذِهِ» الّتي رغبتم فيها وتمكّن حبّها في قلوبكم «أَزْهَدَ عِنْدِي» وأهون «مِنْ عَفْطَةِ عَنْزٍ» أي ضرطتها أو عطستها.


 

قيام الحقّ ودفع الباطل

 

ومن خطبة له (عليه السّلام) عند خروجه لقتال أهل البصرة:

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسِ: دَخَلْتُ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السّلام) بِذِي قَارٍ وَهُوَ يَخْصِفُ نَعْلَهُ فَقَالَ لِي: «مَا قِيمَةُ هَذِهِ النَّعْلِ؟» فَقُلْتُ: لاَ قِيمَةَ لَهَا، فَقَالَ (عليه السّلام): «وَاللهِ لَهِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ إِمْرَتِكُمْ إِلاَّ أَنْ أُقِيمَ حَقّاً أَوْ أَدْفَعَ بَاطِلاً».

 

يَخْصِفُ نَعْلَهُ: يخرزها.

 

نعم لو كان متمكّنًا من الخلافة وإقامة مراسمها على ما هو حقّها لرغب فيه البتّة لكنّه لم يتمكّن منها لعدم وجود النّاصر كما يؤمىء إليه قوله (عليه السّلام) في الخطبة الثّالثة المعروفة بالشّقشقيّة: وطفقت أرتأي بين أن أصول بيد جذّاء أو أصبر على طخيّة عمياء، وقوله في الخطبة السّادسة والعشرين: فنظرت فإذا ليس لي معين إلاّ أهل بيتي فضننت بهم عن الموت ...، وغير ذلك ممّا تضمّن هذا المعنى.


 

عدم المنافسة على السّلطة

 

قال (عليه السّلام): «اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنِ الَّذِي كَانَ مِنَّا مُنَافَسَةً فِي سُلْطَانٍ، وَلاَ الْتِمَاسَ شَيْءٍ مِنْ فُضُولِ الْحُطَامِ، وَلَكِنْ لِنَرِدَ الْمَعَالِمَ مِنْ دِينِكَ، وَنُظْهِرَ الْإِصْلاَحَ فِي بِلاَدِكَ فَيَأْمَنَ الْمَظْلُومُونَ مِنْ عِبَادِكَ، وَتُقَامَ الْمُعَطَّلَةُ مِنْ حُدُودِكَ».

 

الْحُطَامِ: ما يحطم ويتفتّت من عيدان الزّرع إذا يبس. والمراد هنا: متاع الحياة الدّنيا.

الْمَعَالِمَ: جمع معلم - بفتح فسكون - وهو الأثر الّذي يستدلّ به على الطّريق.

 

نبّه على براءة ساحته وتزكية نفسه في أمر الخلافة فقال: «اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنِ الَّذِي كَانَ» وقع «مِنَّا» وهو الرّغبة في الخلافة أو الحروب أو الجميع «مُنَافَسَةً فِي سُلْطَانٍ» وحرصًا عليه «وَلاَ الْتِمَاسَ شَيْءٍ مِنْ فُضُولِ الْحُطَامِ» أي طلبًا لشيء من زخارف الدّنيا وزينتها السّاقطة عن درجة الاعتبار الغير المحتاج إليها «وَلَكِنْ لِنَرِدَ الْمَعَالِمَ مِنْ دِينِكَ» أي الآثار الّتي يهتدى بها فيه «وَنُظْهِرَ الْإِصْلاَحَ فِي بِلاَدِكَ» ونرفع الفساد عنها «فَيَأْمَنَ الْمَظْلُومُونَ مِنْ عِبَادِكَ، وَتُقَامَ الْمُعَطَّلَةُ مِنْ حُدُودِكَ» ولا يخفى ما في هذه الجمل من التّعريض على المتقدّمين المنتحلين للخلافة والإشارة إلى أنّ طلبهم لها إنّما كان تنافسًا في الملك والسّلطنة، ورغبة في القنيّات الدّنيويّة، وإلى أنّ أنوار الدّين في زمانهم قد انطمست، وآثار الشّرع المبين قد اندرست، وأنّه شاع الفساد في البلاد وغلب الجور والظّلم على العباد وتعطّل الحدود والأحكام وتغيّر الحلال والحرام.


 

خَيْرُ الْعِتَرِ

 

قال الإمام (عليه السّلام): «عِتْرَتُهُ خَيْرُ الْعِتَرِ، وَأُسْرَتُهُ خَيْرُ الْأُسَرِ، وَشَجَرَتُهُ خَيْرُ الشَّجَرِ، نَبَتَتْ فِي حَرَمٍ، وَبَسَقَتْ فِي كَرَمٍ، لَهَا فُرُوعٌ طِوَالٌ، وَثَمَرَةٌ لاَ تُنَالُ، فَهُوَ إِمَامُ مَنِ اتَّقَى، وَبَصِيرَةُ مَنِ اهْتَدَى».

 

«عِتْرَتُهُ خَيْرُ الْعِتَرِ» عترة الرّجل: نسله ورهطه الأدنون، روى أبو سعيد الخدريّ عن النّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال: إنّي أوشك أن أدعى فأجيب، وإنّي تارك فيكم الثّقلَيْن كتاب الله عزّ وجلّ حبل ممدود بين السّماء والأرض وعترتي أهل بيتي، وأخبرني الّلطيف أنّهما لن يفترِقا حتّى يَرِدا عليّ الحوض [16]. «وَأُسْرَتُهُ» وهم بنو هاشم «خَيْرُ الْأُسَرِ» فكانت بنو هاشم أفضل طوائف قريش «وَشَجَرَتُهُ» وهم قريش «خَيْرُ الشَّجَرِ» فكانت قريش أفضل طوائف العرب «نَبَتَتْ فِي حَرَمٍ» أي: عزّ ومنعة.

«وَبَسَقَتْ» أي: عَلَتْ «فِي كَرَمٍ» وشرف «لَهَا فُرُوعٌ طِوَالٌ» قال تعالى له: ﴿ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3) ﴾. «وَثَمَرَةٌ لاَ تُنَالُ» هكذا في (المصريّة) والصّواب: (وثمر لا ينال) [17]، إنّ شرف الشّجر بعلوّه حتّى لا ينهب ثمره كلّ من مرّ عليه، والمراد أنّ علوم النّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وكمالاته ليست عاديّة متعارفة حتّى يدّعي نيابته كلّ أحد، وغرضه (عليه السّلام) التّعريض بالمتقدّمين عليه بكونهم غير مؤهّلين لتصدّي مقامه (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، لأنّ النّائب كالمنوب عنه بقضيّة العقول، وأين هم من النّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم).


 

شَجَرَةُ اَلنُّبُوَّةِ

 

وقال (عليه السّلام): «نَحْنُ شَجَرَةُ النُّبُوَّةِ، وَمَحَطُّ الرِّسَالَةِ، وَمُخْتَلَفُ الْمَلاَئِكَةِ، وَمَعَادِنُ الْعِلْمِ، وَيَنَابِيعُ الْحُكْمِ، نَاصِرُنَا وَمُحِبُّنَا يَنْتَظِرُ الرَّحْمَةَ، وَعَدُوُّنَا وَمُبْغِضُنَا يَنْتَظِرُ السَّطْوَةَ».

 

السَّطْوَةَ: القهر والذّلّة.

 

«وَمَحَطُّ الرِّسَالَةِ» ودليلنا سَمْتُ الهدى، ولباس التّقوى وهو (عليه السّلام) وإن لم يكن نبيًّا إلاّ أنّه لمّا كان بمنزلة نفس النّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حيث قال تعالى: ﴿ ... وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ... ﴾  مريدًا لهم [18].

وقال النّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يوم أحد لجبرئيل بعد تعجّبه من مواساته له: ما يمنعه من مواساتي وهو منّي وأنا منه؟ فقال جبرئيل (عليه السّلام): وأنا منكما [19].

وقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): أنا وعليّ من شجرة واحدة، وسائر النّاس من شجر شتّى [20].

«وَمَحَطُّ الرِّسَالَةِ» بسيّد المرسلين، وخاتم النّبيّين «وَمُخْتَلَفُ الْمَلاَئِكَةِ» محلّ نزولهم بالوحي «وَمَعَادِنُ الْعِلْمِ» عن النّبيّ عن جبريل عن الله «وَيَنَابِيعُ الْحُكْمِ» وهذا نهج البلاغة قطرة من تلك الينابيع «نَاصِرُنَا وَمُحِبُّنَا يَنْتَظِرُ الرَّحْمَةَ» من الله بشهادة الرّسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «يا عليّ لا يبغضك مؤمن» فكيف إذا أحبّك وناصرك؟ «وَعَدُوُّنَا وَمُبْغِضُنَا يَنْتَظِرُ السَّطْوَة» من الله.. أيضًا بشهادة النّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «لا يحبّك منافق» فكيف إذا عاداك وأبغضك وقال الإمام: «لو ضربت خيشوم المؤمن بسيفي هذا على أن يبغضني ما أبغضني، ولو صببت الدّنيا بجمّاتها على المنافق على أن يحبّني ما أحبّني». والسّرّ أنّ عداوة الباطل للحقّ ذاتيّة، وما بالذّات لا يتغيّر إلاّ إذا كان التّغيّر ذاتًا للشّيء وطبيعة، ولا ينطبق على هذا ما ليس بمادّة وطبيعة.


 

أئمّة الدّين

 

وقال (عليه السّلام)عن أئمّة الدّين: «وَإِنَّمَا الْأَئِمَّةُ قُوَّامُ اللهِ عَلَى خَلْقِهِ، وَعُرَفَاؤُهُ عَلَى عِبَادِهِ، لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ عَرَفَهُمْ وَعَرَفُوهُ، وَلاَ يَدْخُلُ النَّارَ إِلاَّ مَنْ أَنْكَرَهُمْ وَأَنْكَرُوهُ».

 

«وَإِنَّمَا الْأَئِمَّةُ قُوَّامُ اللهِ عَلَى خَلْقِهِ» واضح أنّ مراده (عليه السّلام) بالأئمّة: أئمّة أهل البيت (عليهم السّلام) لا المتقدّمون عليه، قال تعالى: ﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ... [21]، ﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُواْ السَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ... [22]، «وَعُرَفَاؤُهُ عَلَى عِبَادِهِ» قال النّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لأمير المؤمنين (عليه السّلام): ثلاثة أقسم أنّهنّ حقّ: إنّك والأوصياء من بعدك عرفاء لا يُعْرَف الله إلاّ بسبيل معرفتكم، وعرفاء لا يدخل الجنّة إلاّ من عرفكم وعرفتموه، وعرفاء لا يدخل النّار إلاّ من أنكركم وأنكرتموه [23].

وروى عيون ابن بابويه عن ابن المتوكّل عن الأسديّ عن الصّوليّ عن يوسف بن عقيل عن إسحاق بن راهويه، قال: لمّا وافى أبو الحسن الرّضا نيسابور، وأراد أن يخرج منها إلى المأمون، اجتمع عليه أصحاب الحديث، فقالوا له: يا بن رسول الله ترحل عنّا ولا تحدّثنا بحديث فنستفيده منك؟ إلى أن قال بعد ذكر روايته (عليه السّلام) لهم عن آبائه عن النّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عن الله تعالى قال: «لا إله إلاّ الله حصني، فمن دخل حصني أمن من عذابي» فلمّا مرّت الرّاحلة نادى: بشروطها، وأنا من شروطها [24].

«لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ عَرَفَهُمْ وَعَرَفُوهُ، وَلاَ يَدْخُلُ النَّارَ إِلاَّ مَنْ أَنْكَرَهُمْ وَأَنْكَرُوهُ» وكيف لا يكون كما قال (عليه السّلام) من عدم دخول الجنّة إلاّ من عرفهم بعد عدم قبول عبادة إلاّ بولايتهم، وعدم صحّة صلاة إلاّ بالصّلاة عليهم.


 

الثّناء على أهل البيت (عليهم السّلام)

 

وقال (عليه السّلام) يذكر آل محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم):

«هُمْ عَيْشُ الْعِلْمِ وَمَوْتُ الْجَهْلِ، يُخْبِرُكُمْ حِلْمُهُمْ عَنْ عِلْمِهِمْ، وَظَاهِرُهُمْ عَنْ بَاطِنِهِمْ، وَصَمْتُهُمْ عَنْ حِكَمِ مَنْطِقِهِمْ، لاَ يُخَالِفُونَ الْحَقَّ وَلاَ يَخْتَلِفُونَ فِيهِ، هُمْ دَعَائِمُ الْإِسْلاَمِ وَوَلاَئِجُ الاعْتِصَامِ، بِهِمْ عَادَ الْحَقُّ فِي نِصَابِهِ، وَانْزَاحَ الْبَاطِلُ عَنْ مَقَامِهِ، وَانْقَطَعَ لِسَانُهُ عَنْ مَنْبِتِهِ، عَقَلُوا الدِّينَ عَقْلَ وِعَايَةٍ وَرِعَايَةٍ، لاَ عَقْلَ سَمَاعٍ وَرِوَايَةٍ، فَإِنَّ رُوَاةَ الْعِلْمِ كَثِيرٌ، وَرُعَاتَهُ قَلِيلٌ».

 

عَيْشُ الْعِلْمِ: حياته.

دَعَائِمُ: جمع الدّعامة بكسر الدّال وهي عماد البيت يقال دعم الشّيء دعمًا من باب منع إذا أسنده عند ميله أو لئلاّ يميل.

الاعْتِصَامِ: التّمسّك. قال الله تعالى: ﴿ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُواْ ﴾ أي تمسّكوا به.

وَلاَئِجُ: جمع وليجة، وهي الموضع الّذي يعتصم به، وهي بطانة الرّجل وخاصّته وصاحب سرّه الّذي يتّخذه معتمدًا عليه من غير أهله يكاشفه بأسراره ثقة بمودّته، ومنه قوله تعالى: ﴿ وَلَمْ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً ﴾.

نِصَابِهِ: نصاب الشّيء: أصله وحدّه ومرجعه ومستقرّه. 

انْزَاحَ: من الزّوح أي زال وذهب.

وَانْقَطَعَ لِسَانُهُ: المراد به هنا انقطاع الحجّة.

عَقْلَ وِعَايَةٍ: حفظ في فهم.

وَرِعَايَةٍ: دعم الدّين ودفع الشّبهات عنه بمنطق العقل والبديهة.

 

«هُمْ عَيْشُ الْعِلْمِ وَمَوْتُ الْجَهْلِ، يُخْبِرُكُمْ حِلْمُهُمْ عَنْ عِلْمِهِمْ، وَظَاهِرُهُمْ عَنْ بَاطِنِهِمْ، وَصَمْتُهُمْ عَنْ حِكَمِ مَنْطِقِهِمْ، لاَ يُخَالِفُونَ الْحَقَّ وَلاَ يَخْتَلِفُونَ فِيهِ» ضمير «هم» لأهل البيت (عليهم السّلام)، وهذا ثناء عليهم وهناك العديد من الخطب الّتي تغدق الثّناء على أهل البيت (عليهم السّلام)، والصّفات الّتي ذكرها الإمام هنا هي تكرار لما جاء في آخر الخطبة 145. «هُمْ دَعَائِمُ الْإِسْلاَمِ» أي قوّته وسلاحه، وحجّته ولسانه، فولاؤهم والإخلاص لهم ولاء وإخلاص للإسلام بالذّات، ومن هنا قال الرّسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «من صلّى صلاة لم يصلّ فيها عليّ، ولا على أهل بيتي لم تقبل منه» [25].

واذا عطفنا هذا الحديث على حديث «الصّلاة عمود الدّين» كانت النّتيجة أنّ الصّلاة على أهل البيت (عليهم السّلام) عمود الدّين. الّلهم صلّ على محمد وآل محمّد وسلّم.

وفي «الصّواعق المحرِقة» لابن حِجْر وغيرها أنّ الشّافعيّ قال:

 

يا أهل بيت رسول الله حبّكم فرضٌ من الله في القرآن أنزله
كفاكم من عظيم الفخر أنّكم من لا يصلّي عليكم لا صلاة له

 

«وَوَلاَئِجُ الاِعْتِصَامِ» لمن أراد معرفة الإسلام على حقيقته أصولاً وفروعًا «بِهِمْ عَادَ الْحَقُّ فِي نِصَابِهِ» أي اذا تولّوا الشّؤون العامّة يصان لكلّ ذي حقّ حقّه، ويجوز أن يكون المراد بالحقّ هنا الدّين، وأنّ أهل البيت (عليهم السّلام) يأخذونه من منبعه ومصدره لا من الشّيوخ والرّواة. وهذا المعنى أقرب إلى السّياق، وأنسب بقول الإمام (عليه السّلام) «وَانْزَاحَ الْبَاطِلُ عَنْ مَقَامِهِ، وَانْقَطَعَ لِسَانُهُ عَنْ مَنْبِتِهِ» ويرحل الباطل وينحسر عن المجتمع المتنوّر بنور الولاية.

«عَقَلُوا الدِّينَ عَقْلَ وِعَايَةٍ وَرِعَايَةٍ، لاَ عَقْلَ سَمَاعٍ وَرِوَايَةٍ» فهموه وعملوا به وأرشدوا إليه كما هو عند الله «فَإِنَّ رُوَاةَ الْعِلْمِ كَثِيرٌ، وَرُعَاتَهُ قَلِيلٌ» تمامًا كعمائم الفاشلين المرتزقة في عصرنا.. كذب وتزوير، وتكوير بلا تفكير [26].


 

عصمة أهل البيت (عليهم السّلام)

 

وقال (عليه السّلام): «انْظُرُوا أَهْلَ بَيْتِ نَبِيِّكُمْ فَالْزَمُوا سَمْتَهُمْ وَاتَّبِعُوا أَثَرَهُمْ فَلَنْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ هُدًى وَلَنْ يُعِيدُوكُمْ فِي رَدًى فَإِنْ لَبَدُوا فَالْبُدُوا وَإِنْ نَهَضُوا فَانْهَضُوا وَلاَ تَسْبِقُوهُمْ فَتَضِلُّوا وَلاَ تَتَأَخَّرُوا عَنْهُمْ فَتَهْلِكُوا».

 

هذا من الأقوال الواردة في نهج البلاغة، والمنتشرة هنا وهناك، الدّالّة على عصمته (عليه السّلام) وعصمة أهل بيته الكرام (عليهم السّلام).

وَصَلَّى اللهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأُمِيِّ، وَعَلَى آلِهِ مَصَابِيحِ الدُّجَى وَالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

 


 

فهرس المصادر

 

1 - القرآن الكريم.

2 - نهج البلاغة: الشّريف الرّضيّ (المتوفّى 406 هـ).

3 - الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد: للشّيخ المفيد محمّد بن محمّد بن النّعمان (ت 413 هـ)، تحقيق ونشر مؤسّسة آل البيت (عليهم السّلام) لإحياء التّراث، بيروت 1416هـ.

4- بحارالأنوار: محمّد باقر المجلسيّ، طهران، ج110 (المتوفّى 1111 هـ).

5- الخصال: لأبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّيّ المعروف بالشّيخ الصّدوق (ت 381هـ)، تحقيق: علي أكبر الغفّاري، مؤسّسة الأعلميّ - بيروت، الطّبعة الأولى 1410هـ.

6- جامع الأخبار أو معارج اليقين في أصول الدّين: لمحمّد بن محمّد الشّعيريّ السّبزواريّ (القرن السّابع هـ.) تحقيق ونشر: مؤسّسة آل البيت: - قمّ، الطّبعة الأولى 1414 هـ.

8- مجمع البيان في تفسير القرآن: للشّيخ أبو علي الطّبرسيّ ـ دار المعرفة ـ بيروت.

9- الأمالي: للشّيخ الصّدوق (المتوفّى 381 هـ )، الطّبعة الخامسة عام 1400 هـ مؤسّسة الأعلميّ للمطبوعات.

10- الكافي: هذا الكتاب القيّم من مؤلّفات محمّد بن يعقوب بن إسحاق الكلينيّ الرّازي، الملقّب بـ «ثقة الإسلام» (المتوفّي 329 هـ)، وللكلينيّ مقام شامخ عند الشّيعة، من حيث الدّقّة العلميّة، وضبط الأحاديث، والوثاقة أيضًا، وقد أثنى عليه النّجاشيّ بقوله: «شيخ أصحابنا في وقته بالرّيّ ووجههم، وكان أوثق النّاس في الحديث وأثبتهم». وأطرى الشّيخ المفيد كتاب «الكافي»، بقوله: «أجلّ كتب الشّيعة وأكثرها فائدة». وقال المحقّق الكركيّ: لم يُعمل مثل «الكافي». وكتب الشّهيد الأوّل: «لم يُعمل في الإماميّة مثله». وعلى هذا الأساس، فقد نال الكتاب ومؤلّفه مقامًا ساميًا، وقد استغرق في تأليفه مدّة عشرين سنة، تحمّل فيها المشقّة والعناء. وهو بمثابة دائرة معارف إسلاميّة، ويشتمل على ثلاثة أقسام رئيسيّة: الأصول، الفروع، والرّوضة.

11- وسائل الشّيعة: وهو من تأليف محمّد بن الحسن الحرّ العامليّ (المتوفّى 1104 هـ) جمع فيه الرّوايات الفقهيّة فقط، وقد بلغ مجموعها (35868) رواية. نقلها المؤلّف، فضلاً عن الكتب الأربعة، من كتب حديثيّة أخرى, وقد طبع مرّات عديدة، كان آخرها طبعة مؤسّسة آل البيت (عليهم السّلام) في (30) مجلّدًا مع التّحقيق.

12- منهاج البراعة: للسّيّد حبيب الله الخوئيّ (المتوفّى 1324 هـ)، من تلامذة الميرزا حبيب الله الرّشتيّ، والميرزا الشّيرازيّ. ولم يُكمل المؤلّف شرحه هذا، حيث وصل فيه إلى الخطبة 218. طبع مرّة عام 1315 هـ في سبعة أجزاء، وأخرى عام 1377 هـ في (14) جزءًا, وقد أضاف إليه العلامّة حسن زاده الآمليّ ستّة أجزاء أخرى، ومحمّد باقر الكمرئيّ جزءًا واحدًا، فتمّ الكتاب في (21) جزءًا، وأصبح شرحًا كاملاً لنهج البلاغة، وطُبع هذا الشّرح المؤلّف من (21) جزءًا كرارًا.

13- منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، قطب الدّين أبي الحسين سعيد بن هبة الله الرّاونديّ (المتوفّى 573 هـ).

14- الأمالي، للشّيخ المفيد (المتوفّى 413 هـ)، يتضمّن مباحث أخلاقيّة وسنن متنوّعة، ورُتّب في (42) مجلسًا تُعرف بمجالس المفيد. حقّقه علي أكبر الغفّاريّ، وتولّت نشره المنشورات الإسلاميّة ونقله إلى الفارسيّة حسين استاد ولي، وتصدّى لطبعه مجمع البحوث الإسلاميّة في مشهد.

15- بهج الصّباغة في شرح نهج البلاغة: للعلاّمة محمّد تقي الشّوشتريّ (1320 هـ ـ 1415 هـ) يتألّف من (14) جزءًا، وهو شرح وفق المنهج الموضوعيّ.

16- من لا يحضره الفقيه: للشّيخ الصّدوق، أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّيّ (306 هـ ـ 381 هـ)، محدّث، فقيه، كثير التّصنيف، متتبّع، حرّر طيلة عمره (75 عامًا) ما يقرب من (300) كتابًا, قال صاحب الزّمان (عج) في حقّه: «فقيه، خيّر، مبارك، ينفع الله به» وكان يقول مفتخرًا: «أنا وُلدت بدعوة صاحب الأمر (عليه السّلام)», ألّف العديد من الكتب الرّوائيّة، أبرزها وأشهرها «من لا يحضره الفقيه»، وهو على غرار «من لا يحضره الطّبيب» للرّازي، ألّفه في سنّ (62) عامًا، وهو الكتاب السّادس والأربعون بعد المائتَيْن في قائمة تأليفاته.

17- علل الشّرائع: محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّيّ، المعروف بـ «الشّيخ الصّدوق»، (المتوفّى 381 هـ) دار إحياء التّراث - بيروت، الطّبعة الأولى 1408 هـ.

18- نهاية الأحكام في معرفة الإحكام، للعلاّمة الحلّيّ، ط 1، دار الأضواء، بيروت، 1406 هـ.

19- شرح نهج البلاغة: عبد الحميد بن محمّد بن محمّد بن أبي الحديد المعتزليّ (المتوفّى 656 هـ)، دار احياء التّراث العربيّ، 4 أجزاء.

20- شرح نهج البلاغة: كمال الدّين ميثم بن عليّ بن ميثم البحرانيّ (المتوفّى 699 هـ) يعدّ المؤلّف من فلاسفة الإماميّة ومتكلّميهم، ومن هنا نجد أنّ شرحه مشحون بموضوعات كلاميّة وفلسفيّة, وله ثلاثة شروح على «نهج البلاغة»: الكبير، المتوسّط، والصّغير، وقد جُمعت في شرح كبير، طبع مرّة عام (1276 هـ) في مجلّد واحد بطهران، وأخرى عام (1362 هـ) في خمسة مجلّدات من قبل مكتب التّبليغات الإسلاميّ في قمّ.

21- مستدرك الوسائل: وهو من تأليف الميرزا حسين النّوري (المتوفّى 1320 هـ) وهو في الواقع تكلمة لكتاب «وسائل الشّيعة»، واستدراك لما فات الحرّ العامليّ من كتب حديثيّة لم تصل إليه, ويحتوي الكتاب على (23129) حديثًا، وخُتم ـ تبعًا للحرّ العامليّ - بفوائد تناول فيها المصادر والمآخذ، وتتمّة لنظرات صاحب الوسائل.

22- جواهر الكلام: للشّيخ محمّد حسن النّجفيّ ـ ط3 ـ 1367ش ـ دار الكتب الإسلاميّة.

23- في ظلال نهج البلاغة: محمّد جواد مغنيّة (المتوفّى 1400 هـ).

24- شرح نهج البلاغة: السّيّد محمّد كاظم الموسويّ القزوينيّ طبع منه جزآن في بيروت بين الأعوام 1378 و 1385 هـ.

25- نهج البلاغة: ترجمة، محمّد علي الأنصاريّ.

26- عيون الأخبار، للشّيخ الصّدوق (المتوفّى 381 هـ).

27- التّهذيب: تهذيب الأحكام في شرح المقنعة، لأبي جعفر محمّد بن الحسن المعروف بالشّيخ الطّوسيّ (ت 460 هـ.)، دارالتّعارف ـ بيروت، الطّبعة الأولى 1410 هـ.

28- مفاتيح الجنان: للشّيخ عبّاس القمّيّ رحمه الله (ت 1359 هـ)، نشر أُسوة التّابعة لإدارة الحجّ والأوقاف الدّينيّة، مطبعة الهادي ـ قمّ.

29- شرح نهج البلاغة: للسّيّد محمّد كاظم القزوينيّ (الحائريّ) تمّ طبعه في 20 صفر عام 1381 من الهجرة في مطبعة عمر منيمنة في بيروت لبنان وكربلاء المشرّفة العراق في 25 ذي الحجّة 1380هـ.

30- الأنوار البهيّة في تواريخ الحجج الألهيّة: للشّيخ عبّاس القمّيّ، (ت 1359 ه‍)، تحقيق ونشر: مؤسّسة النّشر الإسلاميّ التّابعة لجماعة المدرّسين - قمّ المشرّفة - الطّبعة الأولى، 1417 ه‍.

31- المستدرك على الصّحيحَيْن: محمّد بن عبد الله المعروف بـ « الحاكم النّيسابوريّ»، (المتوفّى 405 هـ) دار الكتب العلميّة / بيروت، 2002 م.

32- الثّعلبيّ في مناقبه: أحمد بن محمّد الثّعلبيّ، المتوفّى سنة 427 هـ.

33- كمال الدّين: للشّيخ الصّدوق (المتوفّى 381 هـ)، بيروت، مؤسّسة الأعلميّ للمطبوعات، 1412 هـ ـ 1991 م.

34- تاريخ الطّبريّ المعروف بـ: (تأريخ الأُمم والملوك): محمّد بن جرير الطّبريّ، تحقيق نخبة من العلماء، مؤسّسة الأعلميّ / بيروت.

35- التّفضيل: لمحمّد بن عليّ بن عثمان الكراجكيّ أبو الفتح (المتوفّى رحمه الله عام 449 هـ).

36- ترجمة الإمام عليّ (عليه السّلام) من تاريخ دمشق: لابن عساكر الشّافعيّ، المتوفّى سنة 571 ه‍.، مؤسّسة المحموديّ للطّباعة والنّشر، بيروت الطّبعة الثّانية، سنة 1398 ه‍.

37- سنن الدّارقطنيّ، لأبي الحسن عليّ بن عمر البغداديّ المعروف بالدّارقطنيّ (ت 528 هـ)، تحقيق: أبو الطّيّب محمّد آباديّ، عالم الكتب ـ بيروت، الطّبعة الرّابعة 1406 هـ.


 [1] سورة المائدة، الآية: 67.

 [2] سورة المائدة، الآية: 3.

 [3] سورة المائدة، الآية: 55.

 [4] الأنوار البهيّة: ص281.

 [5] الكافي: ج1، ص192، ح1.

 [6] مستدرك الصّحيحَيْن: ج2 ص343، طبعة حيدر آباد سنة 1324هـ.

 [7] منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة: ج21، ص109.

 [8] بحار الأنوار: ج26، ص19.

 [9] منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة: ج12، ص44.

 [10] بحار الأنوار: ج26، ص19.

 [11] منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة: ج12، ص45.

 [12] سورة النّساء، الآية: 59.

 [13] سورة المائدة، الآية: 55.

 [14] الثّعلبيّ في مناقبه:ج3، ص52.

 [15] بحار الأنوار: ج69، ص145.

 [16] الصّدوق بخمس طرق في كمال الدّين: 235 240 ح 46، 48، 50، 57، 61.

 [17] كذا في شرح ابن أبي الحديد 2: 180، لكن في شرح ابن ميثم 2: 395 «تنال» أيضًا.

 [18] سورة آل عمران، الآية: 61.

 [19] تاريخ الطّبريّ 2: 197 سنة 3، والكافي 8: 110 ح 90، والتّفضيل للكراجكيّ: 36 وغيرهم.

 [20] أخرجه ابن عساكر بطرق في ترجمة عليّ (عليه السّلام) 1: 142 147 ح 178 181.

 [21] سورة الزّمر، الآية: 9.

 [22] سورة الجاثية، الآية: 21.

 [23] الخصال للصّدوق: 183 ح 150 باب الثّلاثة.

 [24] عيون الأخبار للصّدوق 2: 134 ح 4.

 [25] رواه الدّارقطنيّ في سننه ص 136 مطبعة الأنصاريّ بدلهي عاصمة الهند عن فضائل الخمسة.

 [26] في ظلال نهج البلاغة: ج3، ص367.