مفاهيم قرآنيّة

 

 جمعيّة القرآن الكريم للتّوجيه والإرشاد

بيروت - لبنان

الطّبعة الأولى، صفر 1432هـ // 2012م

 

 

 التّقوى في القرآن الكريم 94
 العبادة في القرآن الكريم 103
 خصائص المؤمنين في القرآن الكريم 113
 الكافرون في القرآن الكريم 121

 

 


التّقوى في القرآن الكريم


 

يقول الله عزّ وجلّ: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُواْ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (142) .

لقد حارب الإسلام العصبيّة والعنصريّة الجاهليّة بكلّ أشكالها وألوانها وفي أيّة صورة ليجمع المسلمين في العالم من أيّ قوم وقبيلة وعرق تحت لواء واحد لا لواء القوميّة ولا سواه لأنّ الإسلام لا يوافق على هذه النظريّات المحدودة الّتي يسعى إليها النّاس أكثرهم.

ثمّ إنّ معرفة معيار القيم الّتي يسعى إليها النّاس تختلف باختلاف الثّقافات وربّما أخذت القيم الكاذبة مكانًا بارزًا ولم تبق للقيم الحقّة من مكان فجماعة ترى بأنّ قيمتها الواقعيّة في الانتساب إلى العائلة المعروفة والطّائفة كذلك، ولذلك فإنّهم من أجل أن تعلوا سمعة عائلتهم وطائفتهم يظهرون نشاطات وفعاليّات عامّة ليكونوا برفعة العائلة والطّائفة.

ولكن ما أحسن أن يبنى المجتمع على أساس معيار القيم الاسلاميّة ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾ وأن تطوى القيم الكاذبة من قوميّة ومال وثروة ومناطقيّة وطبقيّة من هذا المجتمع.

أجل التّقوى الإلهيّة والإحساس بالمسؤوليّة الدّاخليّة والوقوف بوجه الشّهوات والالتزام بالحقّ والصّدق والطّهارة والعدل فهذه وحدها معيار القيم الإنسانيّة... وسيأتي بيان مكانة التّقوى في القرآن إن شاء الله تعالى.

 

 

 

التّقوى من الوقاية، بمعنى الحفظ أو التّحفّظ والامتناع والصّيانة وشرعًا: بمعنى عقل النّفس ومنعها عن كلّ ما تسوء وعاقبته وذلك بالامتناع عن مخالفة الخالق تبارك وتعالى في الأوامر والنّواهي.

بمعنى آخر امتثال أوامر الله واجتناب ما نهى عنه.

والمتّقون: هم الّذين تقبّلوا الإسلام في جميع أبعاده وقد شبّه عبد الله بن المعتزّ التّقوى بحالة رجل يسير على طريق شائكة، ويسعى إلى أن يضع قدمه على الأرض بتأنٍّ وحذر، كي لا تأخذه الأشواك، أو تتعلّق بثيابه، يقول:

خلّ الذّنوب صغيرها وكبيرها فهو التّقـى

واصنع كماشٍ فوق أرض الشّوك يحذر ما يرى

لا تحقّـرنّ صغيرة  إنّ الجبال من الحصـى

هذا التّشبيه يفيد أيضًا أنّ التّقوى لا تعني العزلة والانزواء عن المجتمع، بل تعني دخول المجتمع وخوض غماره، مع الحذر من الإصابة بلوثته إن كان المجتمع ملوّثًا.

بشكل عامّ، حالة التّقوى والضّبط المعنويّ، أوضح آثار الإيمان بالله واليوم الآخر، ومعيار فضيلة الانسان وافتخاره ومقياس شخصيّته في الإسلام حتّى أضحت الآية السّابقة شعارًا إسلاميًّا خالدًا.

 

 

 

1 - التّقوى وصيّة الله تعالى لبني آدم في تمام الكتب السّماويّة، كما في قوله: ﴿ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللَّهَ (143) .

2 - التّقوى سبب الحفظ والحصانة من كيد الشّياطين كما في قوله سبحانه: ﴿ وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً (144) .

3 - التّقوى مورد مدح الله تعالى وثنائه كما في قوله سبحانه: ﴿ وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (145) .

4 - التّقوى سبب العون والتّأييد الإلهيّ في كلّ الأمور كما في قوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ (146) .

5 - التّقوى سبب النّجاة والرّزق الحلال من حيث لا يتوقّع الشّخص.

﴿ فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُواْ ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُواْ الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً (147) .

6 - بسبب التّقوى يطهّر الله تعالى عمل العبد من النّقص والعيب كما في قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً (148) .

7 - التّقوى سبب مغفرة الذّنوب، يقول تعالى: ﴿ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ (149) .

8 - التّقوى سبب محبّة الله تعالى، يقول تعالى: ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ﴾.

9 - التّقوى سبب زيادة العزّ والكرامة عند خالق العالم، يقول تعالى: ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ (150) .

10 - التّقوى سبب إفاضة نور المعرفة والعلم بحيث يستطيع المؤمن أن يميّز بين الحقّ والباطل، يقول تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِن تَتَّقُواْ اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً (151) .

11 - التّقوى سبب بشارة الملائكة ساعة الموت، يقول تعالى: ﴿ الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (152) .

12 - التّقوى سبب الخلاص من العذاب، يقول تعالى: ﴿ ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَواْ (153) .

ويقول سبحانه: ﴿ وَاتَّقُواْ يَوْماً لَّا تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ (154) .

يفهم بوضوح أنّ التّقوى هي سبيل نجاة الإنسان من النّار والعذاب الإلهيّ وهي سبيل فلاحه في الدّنيا والآخرة ويقول عزّ وجلّ في كتابه المجيد أيضًا: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَوْاْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ (155) .

نعم فالذّنوب هي الّتي تقيّد الإنسان وهي الّتي تمنع أنعم الله.

13 - التّقوى سبب قبول الأعمال، يقول تعالى: ﴿ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (156) ، إلى غير ذلك من الفوائد للتّقوى الّتي نستفيدها من القرآن الكريم.

 

 

 

يقول سبحانه: ﴿ الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِّلْمُتَّقِينَ (157) لماذا خصّت الآية القرآنيّة المتّقين بالهداية مع أنّ القرآن هداية للعالمين للبشريّة جمعاء.

السّبب هو أنّ الانسان لا يتقبّل هداية الكتب السّماويّة ودعوة الأنبياء، ما لم يصل إلى مرحلة معيّنة من التّقوى وهي مرحلة التّسليم أمام الحقّ وقبول ما ينطبق مع العقل والفطرة بعبارة أخرى النّاس على قسمَيْن:

قسم يبحث عن الحقّ ويحمل مقدارًا من التّقوى يدفعه لأن يقبل الحقّ أنّى وجده.

وقسم لجوج متعصّب قد استفحلت فيه الأهواء ولا يبحث عن الحقّ بل يسعى في إطفاء نوره حيثما وجده ومن المسلّم به أنّ أفراد القسم الأوّل هم الّذين يستفيدون من القرآن وقول الحقّ.

 

 

 

ثمّ يتابع الله عزّ وجلّ فيقول: ﴿ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُوْلَئِكَ عَلَى هُدىً مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (158) .

لقد طرحت الآيات هذه خمس خصائص للمتّقين وهي على الشّكل التّالي:

1 - الإيمان بالغيب.

2 - الارتباط بالله سبحانه من خلال الصّلاة.

3 - الارتباط بالنّاس من خلال ما ينفقون من أموالهم.

4 - الإيمان بجميع الأنبياء وبرسالاتهم الإلهيّة.

5 - الإيمان بيوم القيامة.

 

 

 

يقول الله سبحانه: ﴿ أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (159) .

النّظرة القرآنيّة تجاه الأعمال تؤكّد صراحة أنّ العمل المرتكز على التّقوى يحظى بمباركة الله تعالى ورضاه ورضا رسوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، على العكس من العمل الّذي لا يرتكز على التّقوى فإنّه لن يحقّق شيئًا وإن كان في الظّاهر جيّدًا.

فقد شبّهت الآية الكريمة العمل الّذي لا يرتكز على التّقوى ببناء يقام على حافّة جرف هارٍ يقع في مجرى الطّوفان فهل يمكن لهكذا بناء أن يصمد ويقاوم الطّوفان؟ فمن يرتكب الذّنوب كالغيبة والكذب والاهانة المتبادلة والطّعن وإثارة الشّائعات والتّهاون اتّجاه الفرائض وغيرها من الذّنوب شخص لا يستند على أساس قويّ ولا ثابت وهي شبيهة إلى حدّ بعيد ببناء يقام على شفا جرف هارٍ.

فكلّ عمل لا يستند على التّقوى لن يحظى برضا الله سبحانه وقبوله فتنبّه.

 

 

 

يقول الله عزّ وجلّ: ﴿ لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُواْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (160) .

وقال تعالى أيضًا: ﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16) كَانُواْ قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (161) .

وقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): إنّ المتّقين الّذين يتّقون الله من الشّيء الّذي لا يُتّقى منه خوفًا من الدّخول في الشّبهة.

وروي أنّ صاحبًا لأمير المؤمنين (عليه السّلام) يقال له همّام كان رجلاً عابدًا فقال: يا أمير المؤمنين صف لي المتّقين، حتّى كأنّي أنظر اليهم. فحمد الله وأثنى عليه وصلّى على النّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ثمّ قال: فالمتّقون فيها هم أهل الفضائل: منطقهم الصّواب، وملبسهم الاقتصاد ومشيهم التّواضع، غضّوا أبصارهم عمّا حرّم الله عليهم، ووقفوا أسماعهم على العلم النّافع لهم، نُزّلت أنفسهم منهم في البلاء كالّتي نُزّلت في الرّخاء ولولا الأجل الّذي كتب الله عليهم لم تستقرّ أرواحهم في أجسادهم طرفة عين شوقًا إلى الثّواب، وخوفًا من العقاب، فمن علامة أحدهم أنّك ترى له قوّة في دين وحزمًا في لين، وإيمانًا في يقين، وحرصًا في علم وعلمًا في حلم، وقصدًا في غنى، وخشوعًا في عبادة، وتحمّلاً في فاقة، وصبرًا في شدّة وطلبًا في حلال، ونشاطًا في هدى، وتحرّجًا عن طمع، يعمل الأعمال الصّالحة وهو على وجلٍ يمسي وهمّه الشّكر، ويصبح وهمّه الذّكر يبيت حذرًا، ويصبح فرحًا حذرًا لما حُذِّر من الغفلة وفرحًا بما أصاب من الفضل والرّحمة.

إن استصعبت عليه نفسه فيما تكره لم يعطها سؤلها فيما تحبّ، قرّة عينه فيما لا يزول، وزهادته فيما لا يبقى يمزج الحلم بالعلم والقول بالعمل. تراه قريبًا أمله قليلاً زللُهُ، خاشعًا قلبه، قانعة نفسه، منذورًا أكله سهلاً أمره حريزًا دينه ميّتة شهوته مكظومًا غيظه الخير منه مأمولٌ والشّرّ منه مأمون (162) .

 

 

 

يذكر أنّ النّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أمر بلالاً بعد فتح مكّة أن يؤذّن فصعد بلال وأذّن على الكعبة فقال « عتاب بن أسيد » الّذي كان من الأحرار: أشكر الله أن مضى أبي من هذه الدّنيا ولم ير مثل هذا اليوم.

وقال « الحارث بن هشام » أيضًا ألم يجد رسول الله غير هذا الغراب الأسود للأذان؟! فنزلت الآية وبيّنت معيار القيم الواقعيّة: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُواْ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِير (163) .

نسأل الله سبحانه الإيمان والتّقوى والورع إنّه خير مجيب ومعين والسّلام عليكم ورحمة الله.

 

 


العبادة في القرآن الكريم


 

يقول الله سبحانه: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ (164) .

إذا راجعنا القرآن الكريم نجد مجموعة كبيرة من الأوامر العباديّة سواء الاعتقاديّة كتوحيد الله سبحانه أو البدنيّة كالصّلاة والصّيام والحجّ والجهاد وغير ذلك من الأعمال الّتي تعدّ من العبادات.. ويكون القيام بها عبادة أيضًا.

ولا بدّ أن تكون هذه العبادة خالصة لله سبحانه وحده لأنّه هو المالك الحقيقيّ للموجودات ومنها العباد فهي تحت تصرّفه ومحتاجة إليه سبحانه ومرتبطة به في جميع شؤونها الوجوديّة.

يقول الله سبحانه: ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (165) .

على ضوء ذلك يكون الإنسان بل وجميع الموجودات في عالم الخلق وحتّى الكفّار والمشركون عبيدًا لله تعالى واقعًا وحقيقة وهي مسلمة وخاضعة أمام إرادة الله وقوانينه الحاكمة على الكون، يقول سبحانه: ﴿ إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً (166) .

ومن هنا نفهم ويتوضّح لنا عبوديّة الإنسان التّكوينيّة لله سبحانه.

ومن هذا الطّريق يمكننا الوصول إلى معنى العبادة التّشريعيّة ووجوب الطّاعة لله سبحانه باعتبار أنّه مالك لنا فله الحقّ في إصدار القوانين والتّشريعات وعلى العباد أن يظهروا لله سبحانه غاية الخضوع ونهاية التّذلّل والعبوديّة، وأن يسلّموا لأوامره ودساتيره تسليمًا مطلقًا وخالصًا.

ومن هنا فإنّ العبادة والخضوع والتّذلّل وإظهار العبوديّة لغير الله لا يجوز على الاطلاق كان من كان ذلك الآخر وكان ما كان الشّيء المعبود وبناءً على ذلك لا يليق غير الله سبحانه للعبادة والمعبوديّة ولا يستحقّها سواه ولهذا كان جميع الأنبياء يدعون النّاس إلى عبادة الله عزّ وجلّ الواحد وينهون عن عبادة غيره يقول الله سبحانه في هذا المجال: ﴿ الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1) أَلَّا تَعْبُدُواْ إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (167) .

إذن فالعبادة من خلال الصّلاة والحجّ وغير ذلك لو أتى بها لغير الله سبحانه كان شركًا أو حرامًا وسنوضح ذلك من خلال الآيات القرآنيّة إن شاء الله تعالى.

 

 

 

العبادة: الطّاعة وهي غاية الخضوع والتّذلّل. ولذلك لا تحسن إلا لله تعالى الّذي هو مولى أعظم النّعم فهو لائق بغاية الشّكر.

قال الحكماء: عبادة الله ثلاثة أنواع:

الأوّل: ما يجب على النّفوس كالاعتقادات الصّحيحة من العلم بتوحيد الله سبحانه وما يستحقّه من الثّناء والتّمجيد والفكر فيما أفاضه الله سبحانه على العالم من جوده وحكمته ثمّ الاتساع في هذه المعارف.

الثّاني: ما يجب على الأبدان كالصّلاة والصّيام والسّعي في المواقف الشّريفة لمناجاته جلّ ذكره.

الثّالث: ما يجب عند مشاركات النّاس في المدن وهي المعاملات والمزارعات وتأدية الأمانات ونصح البعض للبعض بضروب المعاونات وجهاد الأعداء والذّبّ عن الحريم.

والعبد الّذي هو أيضًا مشتقّ من هذه المادّة يطلق على من يكون مملوكًا للغير ينفّذ أوامره ويبدي له غاية التّسليم ويعطيه الحقّ في أن يتدخّل في جميع شؤونه ويخضع أمامه غاية الخضوع ويتذلّل له نهاية التّذلّل. ولهذه المناسبة يُطلق وصف العبد على الإنسان ويعتبر الجميع عبيد لله تعالى لأنّهم جميعًا مملوكون لله سبحانه.

 

 

 

يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ (168) .

يعني بعثنا في كلّ جماعة وقرن رسولاً كما بعثناك يا محمّد رسولاً إلى أمّتك لتقول لهم اعبدوا الله سبحانه واجتنبوا عبادة الطّاغوت أي الشّيطان ويقول الله سبحانه في هذا السّياق: ﴿ وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ (169) .

وقال سبحانه: ﴿ وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ (170) .

وقال عزّ وجلّ: ﴿ وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ (171) .

وقال تبارك وتعالى: ﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ (172) .

وقال عزّ وجلّ: ﴿ وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ (173) .

 

 

 

يقول الله سبحانه: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ (174) .

يعني لم أخلق الجنّ والإنس إلا لعبادتي فإذا عبدوني استحقوا الثّواب. فالله سبحانه لا تنفعه طاعة من أطاعه ولا تضرّه معصية من عصاه وإنّما المستفيد والمتضرّر هو المكلّف.

 

 

 

يقول الله سبحانه: ﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (175) .

يقول المفسّرون في ذيل تفسير هذه الآية إنّ (عدي بن حاتم) الّذي كان نصرانيًّا ثمّ أسلم عندما سمع هذه الآية فهم من كلمة « أرباب » أنّ القرآن يقول إنّ أهل الكتاب يعبدون بعض علمائهم، فقال للنّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): ما كنّا نعبدهم يا رسول الله، فقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): أما كانوا يحلّون لكم ويحرّمون فتأخذون بقولهم؟ فقال نعم، فقال النّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): هو ذاك.

 

 

 

يقول الله سبحانه: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ (176) .

يعني على ضعف في العبادة كضعف القائم على حرف أيْ طرف حبل. ذكر أنّ الآية نزلت في جماعة كانوا يقدمون على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) المدينة فكان أمرهم إذا صحّ جسمه ونتجت فرسه وولدت امرأته غلامًا وكثرت ماشيته رضي به واطمأنّ إليه وإن أصابه وجع في المدينة وولدت امرأته جارية قال ما أصبت في هذا الدّين إلا شرًّا ، عن ابن عبّاس.

 

 

 

يقول الله سبحانه: ﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (177) .

يعني إلى أن يأتيك الموت. فقد أمر بالإقامة على العبادة أبدًا ما دام حيًّا فإذا لقي الله سبحانه لقيه عابدًا له لا لغيره.

 

 

 

يقول الله سبحانه: ﴿ قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ الصَّلَاةَ وَيُنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلَانِيَةً مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ (178) .

إنّ الإنسان المسلم يفرّغ نفسه كلّ يوم عدّة مرات من الأعمال الدّنيويّة اليوميّة، ويتوجّه إلى ربّه الكريم ويستمدّ منه العون والمدد فيتوضّأ ويشتغل بالصّلاة ويقيم اتّصالاً مباشرًا مع خالق الأرض والسّماء ويكلّمه ويتحدّث إليه، ويقف في كمال الخضوع والتّواضع بين يدَيْ ربّ العالمين.

ويتوجّه إليه بقلبه، ويظهر له العبوديّة، وينير فؤاده بذكر الله سبحانه ويجلّيه من صدأ الغفلة والغفوة.

وهناك آيات كثيرة تشير إلى أهميّة وقيمة هذه العبادة الكبرى.

 

 

 

يقول الله سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179) .

إنّ الصّوم يحظى من بين العبادات الإسلاميّة بمكانة متميّزة جدًّا وقد وردت حوله روايات عديدة منها عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): الصّائم في عبادة الله وإن كان نائمًا على فراشه ما لم يغتب مسلمًا، هذه العبادة تتحقّق بأن يمسك الإنسان عن الأكل والشّرب وغيرها من المفطرات من طلوع الفجر إلى المغرب بقصد الصّوم.

 

 

 

يقول الله سبحانه: ﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ﴾.

فالحجّ من الفرائض والواجبات الإلهيّة الّتي عدّت من أركان الإسلام.

 

 

 

يقول الله عزّ وجلّ: ﴿ مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (180) .

لقد حثّ القرآن وأكدّ وبالغ في الدّعوة إلى الإنفاق في سبيل الله عزّ وجلّ وقد تكرّر الطّلب لذلك في أكثر من آية.

 

 

 

يقول الله سبحانه: ﴿ وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ (181) .

الله سبحانه يأمر الغنيّ بدفع الزّكاة لينتفع الفقير باليسير من ماله عن طيب خاطره أداءً لواجبه ورغبة بطلب المثوبة من ربّه، والفقير يأخذها من غير مهانة ولا ذلّة لأنّه أخذ الحقّ الواجب من مالكه وخالقه، وفي ذلك غرس بذور المحبّة بين الفقير والغني.

 

 

 

يقول الله سبحانه: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (182) .

يقول الله سبحانه للنّبيّ قل للنّاس إنّني جعلت صلاتي ومطلق عبادتي ومحياي ومماتي جعلتها كلّها لله ربّ العالمين من غير أن أشرك به فيها أحدًا.

يستفاد من هذه الآية الشّريفة عدّة أمور من ضمنها وجوب الإخلاص في عبادة الله سبحانه.

 

 

 

يقول الله عزّ وجلّ: ﴿ طه (1) مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (183) .

يعني ما أنزل عليه الوحي ليتعب كلّ هذا التّعب ولكن لتستعدّ به ولتنال الكرامة به في الدّنيا والآخرة. قال قتادة: كان يصلّي اللّيل كلّه ويعلّق صدره بحبل حتّى لا يغلبه النّوم فأمره الله سبحانه بأن يخفّف على نفسه.

وعن عليّ (عليه السّلام) لمّا نزل على النّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم):﴿ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً (184) ، قام اللّيل كلّه حتّى تورّمت قدماه، فجعل يرفع رجلاً ويضع رجلاً فهبط عليه جبريل وقال: طِه الأرض بقدمَيْك يا محمّد ﴿ مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى ﴾ وأنزل ﴿ فَاقْرَؤُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ﴾.

وروي أنّه كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عند عائشة ليلتها فقالت: يا رسول الله لم تتعب نفسك وقد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر؟

فقال: يا عائشة ألا أكون عبدًا شكورًا.

 

 

 

يقول الله سبحانه: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً (185) إنّ مصاديق العبادة وكيفيّتها لا يعينها إلا الله عزّ وجلّ والنّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ولا يحقّ لأحد أن يشرّع أو يخترع من لدن نفسه عبادة، فكيف ومن أين يستطيع الإنسان أن يعرف أيّ عمل يوجب التّقرّب إلى الله سبحانه ويورث كمال النّفس ويستوجب السّعادة الأخرويّة؟

إنّه لا طريق إلى مثل هذا الأمر إلا الاستفادة من هدايات الله تعالى وإرشادات النّبيّ ولهذه الجهة يعتبر تشريع العبادة من غير هذا الطّريق بدعة وحرامًا.

والبدعة في الدّين بمعنى جعل عبادة أو حكم من دون الاستناد إلى القرآن والسّنّة النّبويّة الشّريفة ونسبته إلى الإسلام من المحرّمات والمعاصي الكبيرة الّتي نهى عنها نهيًا شديدًا وقاطعًا، قال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): « كلّ بدعة ضلالة وكلّ ضلالة في النّار ».

 

 

 

قال المفسّرون: جلس رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يومًا فذكر النّاس ووصف القيامة فرقّ النّاس، وبكوا واجتمع عشرة من الصّحابة في بيت عثمان بن مظعون الجمعيّ، واتّفقوا على أن يصوموا النّهار ويقوموا اللّيل ولا يناموا على الفرش ولا يأكلوا اللّحم ولا الودك ولا يقربوا النّساء والطّيب، ويلبسوا المسوح ويرفضوا الدّنيا وهمّ بعضهم أن يجبّ مذاكيره، فبلغ ذلك رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فأتى دار عثمان فلم يصادفه فقال لامرأته أمّ حكيم بنت أبي أميّة: أحقّ ما بلغني عن زوجك وأصحابه؟

فكرهت أن تكذّب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وكرهت أن تبدي على زوجها، فقالت: يا رسول الله إن كان أخبرك عثمان فقد صدقك، فانصرف رسول الله فلمّا دخل عثمان أخبرته بذلك، فأتى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) هو وأصحابه فقال لهم: الم أنبئكم أنّكم أتّفقتم على كذا وكذا؟ قالوا: بلى يا رسول الله، وما أردنا إلا الخير، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): إنّي لم أومر بذلك، ثمّ قال: إنّ لأنفسكم عليكم حقًّا فصوموا وافطروا وقوموا، وناموا فإنّي أقوم، وأنام، وأصوم، وأفطر وآكل اللّحم والدّسم، وآتي النّساء، ومن رغب عن سنّتي فليس منّي، ثمّ جمع النّاس وخطبهم وقال: ما بال أقوام حرّموا النّساء والطّعام والطّيب والنّوم، وشهوات الدّنيا، أما إنّي لست آمركم أن تكونوا قسّيسين ورهبانًا فإنّه ليس في ديني ترك اللّحم، ولا النّساء، ولا اتّخاذ الصّوامع وإنّ سياحة أمّتي الصّوم ورهبانيّتهم الجهاد، اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا وحجّوا واعتمروا وأقيموا الصّلاة وآتوا الزّكاة وصوموا رمضان واستقيموا يستقم لكم فإنّما هلك من كان قبلكم بالتّشديد، شدّدوا على أنفسهم فشدّد الله عليهم فأولئك بقاياهم في الدّيارات والصّوامع فأنزل الله تعالى الآية: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَا تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُواْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (87) وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالاً طَيِّباً وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ (186) .

 

 

 

العبادة ثلاثة كما ورد وأفضلها هي عبادة الأحرار فعن عليّ (عليه السّلام) قال: إنّ قومًا عبدوا الله رغبة فتلك عبادة التّجار وإنّ قومًا عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد وإنّ قومًا عبدوا الله شكرًا فتلك عبادة الأحرار.

اللّهم وفّقنا لعبادتك والالتزام بطاعتك وارحمنا برحمتك يا أرحم الرّاحمين آمين ربّ العالمين.

 

 


خصائص المؤمنين في القرآن الكريم


 

يقول الله عزّ وجلّ: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3) أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (187) .

في هذه الآيات ذكر الله تعالى للمؤمنين خمس صفات اختارها من بين جميع صفاتهم الّتي ذكرها في كلامه لكونها مستلزمة لكرائم صفاتهم على كثرتها وملازمة لحقّ الإيمان، وهي بحيث إذا تنبّهوا لها وتأمّلوها كان ذلك ممّا يسهّل لهم توطين النّفس على التّقوى وإصلاح ذات بينهم وإطاعة الله ورسوله، وهذه الصّفات الخمس هي:

1 - وجل القلب عند ذكر الله تعالى.

2 - زيادة الإيمان عند استماع آيات الله تعالى.

3 - التّوكّل على الله تعالى.

4 - إقامة الصّلاة.

5 - الإنفاق ممّا رزقهم الله سبحانه.

ومعلوم أنّ الصّفات الثّلاثة الأولى من أعمال القلوب، والأخيرتان من أعمال الجوارح.

والمؤمنون حقًّا لهم إيمان حيّ ينمو غرسه يومًا بعد يوم بسقيه من آيات الله سبحانه، وتتفتّح أزهاره وبراعمه ويؤتي ثماره أكثر فأكثر فهم ليسوا كالموتى من الجمود وعدم التّحرّك، ففي كلّ يوم جديد يكون لهم فكر جديد وتكون صفاتهم مشرقة وجديدة.

 

 

 

الإيمان: من آمن ويؤمن إيمانًا (لغة) هو التّصديق، ويستعمل أيضًا بمعنى الملتزم بأحكام الله تعالى فيكون بمعنى الهداية.

وفي الاصطلاح القرآنيّ: الإيمان هو الإسلام لأنّ فيه تصديق بالله سبحانه ورسوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم). أيضًا ذكر أنّ الإيمان هو إظهار الخضوع والقبول للشّريعة ولمّا أتى به النّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) واعتقاده وتصديقه بالقلب، فمن كان على هذه الصّفة فهو مؤمن مسلم غير مرتاب ولا شاكّ، وهو الّذي يرى أنّ أداء الفرائض واجب عليه لا يدخله في ذلك ريب.

 

 

 

قال الله عزّ وجلّ: ﴿ قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَكِن قُولُواْ أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإيمان فِي قُلُوبِكُمْ (188)  فالإيمان معناه التّصديق وهذا موضوع يحتاج النّاس فيه إلى تفهيم وأين ينفصل المؤمن من المسلم وأين يستويان، والإسلام إظهار الخضوع والقبول لما أتى به النّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وبه يحقن الدّم فإن كان مع ذلك الإظهار اعتقاد وتصديق بالقلب فذلك الإيمان الّذي يقال للموصوف به هو مؤمن مسلم، وهو المؤمن بالله سبحانه ورسوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) غير مرتاب ولا شاكّ وهو الّذي يرى أنّ أداء الفرائض واجب عليه، وأنّ الجهاد بنفسه وما له واجب عليه لا يدخله في ذلك ريب فهو المؤمن وهو المسلم حقًّا وكما قال الله عزّ وجلّ: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (189) أيْ أولئك الّذين قالوا إنّا مؤمنون فهم الصّادقون. فأمّا من أظهر قبول الشّريعة واستسلم لدفع المكروه فهو في الظّاهر مسلم وباطنه غير مصدّق فذلك الّذي يقول أسلمت لأنّ الإيمان لا بدّ من أن يكون صاحبه صدّيقًا، لأنّ قولك آمنت بالله أو قال قائل آمنت بكذا وكذا فمعناه صدّقت فأخرج الله سبحانه هؤلاء من الإيمان فقال: ﴿ وَلَمَّا يَدْخُلِ الإيمان فِي قُلُوبِكُمْ ﴾ أيْ لم تصدّقوا إنّما أسلمتم تعوّذًا من القتل، فالمؤمن مبطِنٌ من التّصديق مثل ما يُظهِر والمسلم التّامّ الإسلام مُظهِر للطّاعة مؤمن بها والمسلم الّذي أظهر الإسلام تعوّذًا غير مؤمن في الحقيقة إلا أنّ حكمه في الظّاهر حكم المسلم.

عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): ليس الإيمان بالتّحلّي ولا بالتّمنّي ولكنّ الإيمان ما خلص في القلب وصدّقته الأعمال.

 

 

 

يذكر الله عزّ وجلّ للمؤمنين خصائص وأوصاف في سورة « المؤمنون » يقول سبحانه ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9) أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (190) .

هذه الآيات تشير إلى فوز المؤمنين بثواب الله سبحانه وتصفهم بأوصاف هي أنّهم:

1 - خاضعون في صلاتهم متواضعون متذلّلون لا يرفعون أبصارهم عن مواضع سجودهم ولا يلتفتون يمينًا ولا شمالاً.

2 - معرضون عن اللّغو الّذي هو في الحقيقة كلّ قول أو فعل لا فائدة فيه يعتدّ بها.

3 - مؤدّون للزّكاة.

4 - حافظون لفروجهم إلا على أزواجهم.

5 - حافظون ووافون لعهدهم وأماناتهم.

6 - يحافظون على صلواتهم ويقيمونها في أوقاتها ولا يضيّعونها وإنّما أعاد ذكر الصّلاة تنبيهًا على عظم قدرها وعلوّ رتبتها عنده تعالى.

فمن اجتمعت فيهم هذه الخلال والصّفات فهم الوارثون يوم القيامة منازل أهل الجنّة.

 

 

 

يقول الله عزّ وجلّ: ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (191) .

في هذه الآية وصف الله سبحانه المؤمنين والمؤمنات بضدّ أوصاف المنافقين والمنافقات وهي بالاجمال على الشّكل التّالي:

1 - بعضهم أنصار بعض يلزم كلّ واحد منهم صاحبه وموالاته حتّى أنّ المرأة تهيِّء أسباب السّفر لزوجها إذا خرج وتحفظ غيبة زوجها وهم يد واحدة على من سواهم بالحقّ.

2 - يأمرون بما أوجب الله تعالى فعله أو رغب الله سبحانه فيه عقلاً وشرعًا.

3 - وينهون عمّا نهى الله عزّ وجلّ عن فعله وزهد فيه عقلاً وشرعًا.

4 - و 5 - يداومون على فعل الصّلاة وإخراج الزّكاة من أموالهم ووضعها حيث أمر الله تعالى.

6 - يمتثلون طاعة لله سبحانه ورسوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ويتّبعون إرادتهما ورضاهما، هؤلاء الّذين هذه هي صفاتهم لهم مساكن طيّبة ويرحمهم الله تعالى في الآخرة وقريب من هذه الآية قوله تعالى: ﴿ لَّكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُوْلَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً (192) .

 

 

 

يقول الله عزّ وجلّ: ﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (193) .

﴿ التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (194) .

لقد وصف الله سبحانه المؤمنين الّذين اشترى منهم الأنفس والأموال بأوصاف وهي على الشّكل التّالي:

1 - الرّاجعون إلى طاعة الله تعالى والمنقطعون إليه النّادمون على ما فعلوه من القبائح.

2 - أنّهم يعبدون الله سبحانه وحده ويتذلّلون له بطاعته في أوامره ونواهيه.

3 - يحمدون الله عزّ وجلّ على كلّ حال.

4 - الصّائمون أو الطّالبون مشاهدة آثار عظمة الله سبحانه عن طريق السّياحة في الأرض.

5 - المؤدّون للصّلاة المفروضة الّتي فيها الرّكوع والسّجود.

6 - الآمرون بالمعروف والنّاهون عن المنكر.

7 - القائمون بطاعة الله سبحانه.

8 - فقد أمر الله سبحانه النّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أن يبشّر المؤمنين الّذين هذه هي صفتهم أنّ لهم الثّواب الجزيل والمنزلة الرّفيعة خاصّة إذا جمعوا هذه الأوصاف.

 

 

 

يقول الله عزّ وجلّ: ﴿ مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الإيمان وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً (195) .

إعلم أنّ الإيمان يعتبر من الكمالات الرّوحانيّة الّتي غفل الكثيرون عن حقيقتها النّورانيّة، والإيمان منشأ كلّ الخيرات والتّرقّيات، وإذا دخل الإيمان بالله تعالى والعمل من أجل الله سبحانه، في النّشاطات الاجتماعيّة والسّياسيّة والاقتصاديّة والجهاديّة خصوصًا ضدّ العدوّ الصّهيونيّ الغاصب لأرضنا وسائر شؤون الحياة البشريّة فإنّ أكثر مشاكل العالم تعقيدًا ستحلّ بسهولة إن شاء الله تعالى.

 

 

 

عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): الإيمان معرفة بالقلب وإقرار باللّسان وعمل بالأركان (196) .

وعنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم): لا يؤمن عبد حتّى يحبّ للنّاس ما يحبّ لنفسه من الخير (197) .

وعن عليّ (عليه السّلام): المؤمن بشره في وجهه وحزنه في قلبه، أوسع شيء صدرًا، وأذلّ شيء نفسًا، يكره الرّفعة، ويشنأ السّمعة، طويل غمّه، بعيد همّه، كثير صمته، مشغول وقته، شكور صبور، مغمور بفكرته، ضنين بخلّته، سهلُ الخليقة، ليِّن العريكة، نفسه أصلب من الصّلد وهو أذلّ من العبد (198) .

 

 

 

استقبل رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حارثة بن مالك بن النّعمان الأنصاريّ فقال له: كيف أنت يا حارثة بن مالك؟ فقال: يا رسول الله مؤمن حقًّا، فقال له رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): لكلّ شيء حقيقة فما حقيقة قولك؟ فقال: يا رسول الله عزفت نفسي عن الدّنيا فأسهرت ليلي وأظمأت هواجري وكأنّي أنظر إلى أهل الجنّة (في الجنّة) وكأنّي أسمع عواء أهل النّار في النّار، فقال له رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): « عبد نوّر الله قلبه أبصرت فاثبت ».

فقال: يا رسول الله: ادع الله لي أن يرزقني الشّهادة معك، فقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): اللّهم ارزق حارثة الشّهادة، فلم يلبث إلا أيّامًا حتّى بعث رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) سريّة فبعثه فيها فقاتل فقتل تسعة أو ثمانية ثمّ قتل.

 

 


الكافرون في القرآن الكريم


 

يقول الله سبحانه: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (6) خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (199) .

بعد أن بيّن سبحانه أوصاف المؤمنين المتّقين وخصائصهم وهي: الإيمان بالغيب، والارتباط بالله سبحانه من خلال الصّلاة، والارتباط بالنّاس من خلال الإنفاق في سبيل الله تعالى، والإيمان بالأنبياء وبيوم القيامة، تحدّث بعد ذلك عن الكفّار المعاندين باختصار وبيّن صفاتهم:

فالآية الأولى: بيّنت أنّ الإنذار لا يجدي نفعًا مع هؤلاء فهم متعنّتون في كفرهم، هذه المجموعة غارقة في ضلالها وترفض الانصياع للحقّ حتّى لو اتّضح لديها، من هنا كان القرآن غير مؤثّر في هؤلاء وهكذا الوعد والوعيد، لأنّهم يفتقدون الأرضيّة اللازمة لقبول الحقّ والاستسلام له ثمّ في الآية الثّانية تشير إلى سبب هذا اللّجاج والتّعصّب والعناد وتبيّن أنّ أجهزة استقبال الحقائق معطوبة عند هؤلاء، العين الّتي يرى المتّقون فيها آيات الله، والأذن الّتي يسمعون بها نداء الحقّ والقلب الّذي يدركون به الحقائق، كلّها قد تعطّلت وتوقفّت عن العمل لدى الكافرين فهم كما قال الشّاعر:

لقد أسمعت لو ناديت حيًّا         ولكن لا حياة لمن تنادي

فالكفر تمكّن من قلوبهم فصارت كالمختوم عليها وصاروا بمنزلة من لا يفهم ولا يبصر ولا يسمع.

هؤلاء لهم عيون وآذان وعقول ولكنّهم يفتقدون قدرة الرّؤية، والإدراك والسّمع لأنَّ انغماسهم في الانحراف وعنادهم ولجاجهم كلّها عناصر تشكّل حجابًا أمام أجهزة المعرفة.

الإنسان قابل للهداية طبعًا إن لم يصل إلى هذه المرحلة - مهما بلغ به الضّلال أمّا حينما يبلغ درجة يفقد معها حسّ التّشخيص ﴿ وَّلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ ﴾ سورة ص الآية 3 - لأنّه افتقد أدوات الوعي والفهم، ومن الطّبيعيّ أن يكون في انتظاره عذاب عظيم.

والقرآن الكريم تحدّث عن الّذين كفروا والكفّار والكافرين، في الكثير من الآيات القرآنيّة ونحن نشير هنا إلى بعضها بعد إيضاح المفهوم.

 

 

 

الكفر خلاف الشّكر كما أنّ الحمد خلاف الذّمّ، فالكفر ستر النّعمة وإخفاؤها والشّكر نشرها وإظهارها وكلّ ما ستر شيئًا فقد كفره، قال لبيد:

وفي ليلٍ كفر النّجوم غمامها

ومادة الكفر لها عدّة معاني:

1 - الجحود: هو إنكار وجود الله تعالى شأنه.

2 - الكفر بالألوهيّة: كأن يعتقد أنّ الله عزّ وجلّ موجود إلا أنّه ليس بإله.

3 - الكفر بالنّبوّة أو المعاد بأن لا يعتقد بهما.

4 - الكفر بكلّ ضرورة يؤدّي الإنكار بها إلى إنكار رسالة محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، الضّرورات هي التّشريعات البديهيّة الواضحة الّتي لا تقبل الشّك كالصّلاة والزّكاة والصّيام والحجّ وغير ذلك.

5 - الشّكّ في هذه الأمور المتقدّمة.

6 - الارتداد:

والمرتدّ: هو المسلم المنكر لله سبحانه والرّسول أو لضرورة من ضروريّات الدّين الّذي يرجع إلى إنكار الله تعالى والرّسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم).

وهو إمّا فطريّ: وهو الّذي يولد من أب أو أمّ أو أبوين مسلمين ويكون مسلمًا ثمّ يكفر، أو مِلّيّ: وهو الّذي كان كافرًا ثمّ أسلم ثمّ عاد إلى الكفر.

7 - الكفر الّذي لا يؤدّي إلى الإنكار ويراد به الكفر بالنّعمة: وهو عدم الشّكر عليها قال ﴿ لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ (200) .

8 - كفر البداءة: هو كقوله تعالى حكاية عن إبراهيم (عليه السّلام) ﴿ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ ﴾ كفرنا بكم أيْ تبرّأنا منكم وكذا من قال: إنّي بريء من الله.

الخلاصة: أنّه يمكن تقسيم الكفار إلى عدّة أنواع:

1 - الملحدون المنكرون لوجود الله سبحانه.

2 - المشركون والوثنيّون الّذين يسندون التّأثير في الكون أو إدارة العالم وتدبيره لغير الله تعالى من الموجودات، ويصلّون ويسجدون ويقرّبون القرابين لغير الله عزّ وجلّ.

3 - منكر المعاد وحياة ما بعد الموت.

4 - منكرو نبوّة رسول الإسلام (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ومن هذا الصّنف اليهود.

5 - المنكر لضروريّ من ضروريّات الدّين، بحيث يؤدّي إلى إنكار الله تعالى أو النّبيّ.

إنّ جميع هذه الطّوائف كَفَرَة تترتّب عليهم أحكام الكفر أمّا بقيّة الطّوائف أعرضنا عن ذكرها في الخلاصة.

 

 

 

يقول الله سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً بَعِيداً (201) .

هذه الآية تأمر الّذين آمنوا في الظّاهر بالإقرار بالله سبحانه ورسوله أن يؤمنوا في الباطن ليوافق باطنهم ظاهرهم وأن يؤمنوا بالقرآن والتّوراة والإنجيل الّذي أنزل من قبل.

ومن يجحد الله تعالى، وملائكته وكتبه وينكر رسله واليوم الآخر، فقد ذهب عن الحقّ وضلّ ضلالاً بعيدًا.

 

 

 

يقول الله سبحانه: ﴿ وَمَن لَّمْ يُؤْمِن بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيراً (202) .

يعني أعتدنا نارًا تسعرهم وتحرقهم لمن لا يؤمن بالله تعالى ورسوله.

 

 

يقول الله سبحانه: ﴿ وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (203) .

تشير الآية إلى من يدّعي إلهًا آخر لا دليل عليه ولا حجّة له فيما يدّعيه فلا يظفر ولا يسعد الجاحدون لنعم الله تعالى والمنكرون لتوحيده والدّافعون للبعث والنّشور وفي هذا السّياق يقول الله سبحانه: ﴿ لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ (204) .

 

 

 

يقول الله سبحانه: ﴿ وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ (205) .

الآية تشير إلى قول الكفّار للرّسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لست مرسلاً من جهة الله تعالى إلينا قل لهم كفى الله شاهدًا بيني وبينكم بما أظهر من الآيات وأبان من الدّلالات على نبوّتي.

 

 

 

يقول الله سبحانه: ﴿ وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُواْ عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ (206) .

يقال لهم على وجه الاحتجاج عليهم أليس الّذي جُوزِيتم به حقّ لا ظلم فيه فيقولون بلى اعترفوا بذلك وحلفوا عليه بعدما كانوا منكرين.

 

 

 

يقول الله سبحانه: ﴿ وَقَالُواْ إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (29) وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُواْ عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُواْ بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ (207) .

تشير هذه الآية إلى إنكار الكفّار للبعث والنّشور والحشر والحساب وقالوا لا حياة لنا في الآخرة وإنّما هي هذه الّتي حيينا بها في الدّنيا ولسنا بمبعوثين بعد الموت يقول لهم الله سبحانه أو الملائكة بأمره سبحانه عندما يقفون أمام الحقيقة يسألهم أليس الجزاء والحساب والبعث بما كنتم تكفرون.

 

 

 

يقول الله سبحانه: ﴿ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (208) .

فمن حكم بغير ما أنزل الله مستحلاً لذلك فهو كافر.

وروي البراء بن عازب عن النّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنّ قوله ﴿ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ﴾ وبعده ﴿ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ كلّ ذلك في الكفّار خاصّة، أورده مسلم في الصّحيح.

 

 

 

يقول الله سبحانه: ﴿ وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ (209) في شكّ في القرآن حتّى تأتيهم علامات السّاعة أو عذاب يوم القيامة الّذي لا مثيل له في عظم أمره.

عن عليّ (عليه السّلام): لا ترتابوا فتشكّوا ولا تشكّوا فتكفروا.

وفي حديث: من شكّ في الله وفي رسوله فهو كافر.

يستفاد من الآية والحديث أنّ الانسان يصير كافرًا بمجرّد الشّك في الله سبحانه والرّسول وإن لم ينكر بلسانه لكن يستفاد من بعض الأحاديث أنّ الشّكّ إنّما يوجب الكفر إذا أنكر بلسانه أيضًا  لو أنّ العباد إذا جهلوا وقفوا ولم يجحدوا لم يكفروا.

وعلى هذا الأساس لو شكّ الإنسان في وجود الله تعالى أو صفاته أو في رسالة رسول الإسلام أو حول المعاد أو حصلت في قلبه شبهة في هذه الأمور وأَكَنَّه (وستره) ولم يظهر شكّه لأحد ولم يعمد إلى إنكارها بل سعى للتّحقيق والبحث بغية إزالة شكّه فيها لم يحسب من الكفّار.

 

 

 

يقول الله سبحانه: ﴿ يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ (210) .

أخبر سبحانه عن الكفّار أنّهم يعرفون نعم الله تعالى عليهم بما يجدونه من خلق نفوسهم وإكمال عقولهم وخلق أنواع المنافع الّتي ينتفعون بها، ثمّ إنّهم مع ذلك ينكرون تلك النّعم من جهة الله تعالى خاصّة بل يضيفونها إلى الأوثان ويشكرون الأوثان عليها وفي هذا السّياق يقول تعالى: ﴿ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ (211) .

 

 

يقول الله عزّ وجلّ: ﴿ وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً (212) يعني سجنًا ومحبسًا.

ويقول سبحانه: ﴿ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَاْ وَأَغْلَالاً وَسَعِيراً (213) .

وقال أيضًا سبحانه: ﴿ أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ (214) .

 

 

 

يحكى أنّه كان في قديم الزّمان ملك كافر كان له وزير موحّد مؤمن وذات يوم فكّر الوزير بطريقة لهداية الملك وحمله على التّفكير، فأمر بإقامة بناء فخم في صحراء مقفرة، وأمر أن تغرس حوله أنواع الشّجر والورود، وبعد اكتمال البناء والغرس مرّ الملك والوزير في طريقهم إلى القصر بالقرب من ذلك البناء، فتعجّب السّلطان وسأل من بنى هذا؟ لقد مررت من هنا كثيرًا وما رأيت بناء؟

فقال الوزير: لعلّه وجد صدفة دون أن يبنيه أحد.

فقال الملك: وهل هذا ممكن أو معقول؟

قال الوزير: نعم فهنا مجرى السّيل ولعلّ السّيل اقتلع الصّخور من الجبال وتكسّرت في الطّريق واقتلع الأشجار من الغابة فتقطّع بعضها ليصبح أبوابًا وبقي البعض الآخر سالمًا ليغرس هنا، والطّين احتمله السّيل، وعندما وصل الجميع إلى هنا انتظم هذا البناء بهذا الشّكل.

فقال السّلطان: ما من عاقل يقبل بهذا الكلام، إنّ هذا البناء يشهد بأنّ مهندسًا ومعمارًا مدركَيْن عاقلَيْن بنياه، يجب أن تبحث عمّن بنى هذا البناء هنا.

قال الوزير: أنت تقول أنّ العاقل لا يمكنه التّصديق بأنّ بناء كهذا وجد من غير صانع مدرك وعاقل، فهل هذا البناء أكثر أهميّة من بناء جسدي وجسدك وسائر النّاس والحيوانات وأنواع النّباتات وعالم الوجود بهذا النّظام البديع المحيّر؟ فهل يا ترى يمكن لعاقل أن يقول أنّ هذا كلّه وجد صدفة وأن ليس له علّة ومنشئ مريد، عالم، إرادة وعلمًا غير محدودَيْن.

وهكذا استطاع الوزير بهذا العرض الطّريف أن يحرّك فطرة الملك فأشرق نورها في نفسه وعرف به ربّه.

 

 


(142) سورة الحجرات، الآية: 13.

(143) سورة النّساء، الآية: 131.

(144) سورة آل عمران، الآية: 120.

(145) سورة آل عمران، الآيات: 31 - 86.

(146) سورة النّحل، الآية: 128.

(147) سورة الطّلاق، الآيتان:2 - 3.

(148) سورة الأحزاب، الآيتان:70 - 71.

(149) سورة الأحزاب، الآية: 71.

(150) سورة الحجرات، الآية: 13.

(151) سورة الأنفال، الآية: 29.

(152) سورة يونس، الآيتان: 63 - 64.

(153) سورة مريم، الآية: 72.

(154) سورة البقرة، الآية: 48.

(155) سورة الأعراف، الآية: 96.

(156) سورة المائدة، الآية: 27.

(157) سورة البقرة، الآيتان: 1 - 2.

(158) سورة البقرة، الآية: 3 - 5.

(159) سورة التّوبة، الآية: 109.

(160) سورة البقرة، الآية: 177.

(161) سورة الذّاريات، الآيتان: 15 - 19.

(162) نهج البلاغة: الخطبة /93.

(163) سورة الحجرات، الآية: 13.

(164) سورة الإسراء، الآية: 23.

(165) سورة فاطر، الآية: 15.

(166) سورة مريم، الآية: 93.

(167) سورة هود، الآيتان: 1 - 2.

(168) سورة النّحل، الآية: 36.

(169) سورة الأعراف، الآية: 65.

(170) سورة الأعراف، الآية: 73.

(171) سورة الأعراف، الآية: 85.

(172) سورة الأعراف، الآية: 59.

(173) سورة العنكبوت، الآية: 26.

(174) سورة الذّاريات، الآية: 56.

(175) سورة آل عمران، الآية: 64.

(176) سورة الحجّ، الآية: 11.

(177) سورة الحجر، الآية: 99.

(178) سورة ابراهيم، الآية: 31.

(179) سورة البقرة، الآية: 183.

(180) سورة البقرة، الآية: 26.

(181) سورة البقرة، الآية: 43.

(182) سورة الأنعام، الآيتان: 162 - 163.

(183) سورة طه، الآيتان: 1 - 2.

(184) سورة المزمّل، الآيتان: 1 - 2.

(185) سورة الأحزاب، الآية: 36.

(186) سورة المائدة، الآيتان: 87 - 88.

(187) سورة الأنفال، الآيتان: 2 - 4.

(188) سورة الحجرات، الآية: 14.

(189) سورة الحجرات، الآية: 15.

(190) سورة المؤمنون، الآية: 1 - 11.

(191) سورة التّوبة، الآية: 71.

(192) سورة النّساء، الآية: 162.

(193) سورة التّوبة، الآية: 111.

(194) سورة التّوبة، الآية: 112.

(195) سورة الشّورى، الآية: 52.

(196) جامع الأخبار: ج 6، ص 6.

(197) ميزان الحكمة: ج 1، ص 193.

(198) نهج البلاغة: ج 4 - ص 533 -الحكمة 333.

(199) سورة البقرة، الآيتان: 6 - 7.

(200) سورة النّمل، الآية: 40.

(201) سورة النّساء، الآية: 136.

(202) سورة الفتح، الآية: 13.

(203) سورة المؤمنون، الآية: 117.

(204) سورة المائدة، الآية: 73.

(205) سورة الرّعد، الآية: 43.

(206) سورة الأحقاف، الآية: 34.

(207) سورة الأنعام، الآيتان: 29 - 30.

(208) سورة المائدة، الآية: 44.

(209) سورة الحجّ، الآية: 55.

(210) سورة النّحل، الآية: 83.

(211) سورة النّحل، الآية: 72.

(212) سورة الإسراء، الآية: 8.

(213) سورة الإنسان، الآية: 4.

(214) سورة التّوبة، الآية: 49.