مفاهيم قرآنيّة

 

 جمعيّة القرآن الكريم للتّوجيه والإرشاد

بيروت - لبنان

الطّبعة الأولى، صفر 1432هـ // 2012م

 

 

 الجنّة في القرآن الكريم 131
 اليهود في القرآن الكريم 143
 الجهاد في القرآن الكريم 155
 الصّبر في القرآن الكريم 165

 

 


الجنّة في القرآن الكريم


 

يقول الله عزّ وجلّ: ﴿ وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (310) .

إعلم أنّ الإيمان والعمل الصّالح بكامل معانيه يكمل أحدهما الآخر، والله سبحانه في هذه الآية بشّر الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات بأنّ لهم جنّات تجري من تحتها الأنهار. ولهم فيها أزواج ورزق وهم فيها خالدون هذه الجنّات الّتي هي مثوى الموحّدين والمحسنين وهي مكان راقٍ جدًّا إلى درجة أنّنا لا يمكننا إدراك حقيقتها في الجنّة - أعلى وأسمى من هذه المفاهيم - إنّ هناك نعمًا في الجنّة لم ترها عَيْن ولا سمعت بها أذن ولا خطر على قلب بشر.

إنّ الجنّة الّتي ورد ذكرها في القرآن الكريم والأحاديث تعني البستان الزّاخر بالأشجار، وقد وصفت بأنّها بستان أو بساتين مليئة بالأشجار الخضراء الجميلة الّتي تجري من تحتها الأنهار ذات المياه العذبة الباردة تتدلّى منها الفواكه المختلفة المتنوّعة الجميلة من أغصانها.

إنّ فواكه الجنّة لذيذة وجذّابة جدًّا وهي في متناول المؤمنين هناك كلّما اشتهى المؤمن شيئًا منها تدنو إليه الأغصان وتضع ثمارها بين يدَيْه بمنتهى الخضوع ليأكل منها ما يشتهي ويخلق الله تعالى مكانها مثلها.

وفي الجنّة هناك أنواع المشروبات الّلذيذة وبوفرة كبيرة، وفيها أنهار جارية من اللّبن والعسل المصفّى والماء العذب الهنيء ولا يطرأ على فواكه الجنّة ومشروباتها فساد ولا تتغيّر ولا تتعفّن ولا تنتن.

المؤمنون يتّكئون على كراسي وأرائك مريحة وهم يلبسون أفضل وأجمل الألبسة ويحادثون الأنبياء والشّهداء وعباد الله سبحانه الصّالحين ويعيشون مع أزواج جميلة وحنونة لطيفة المعشر ويتمتّعون بنعمة الأنس والمودّة وأنواع الملذّات يقوم بخدمتهم باستمرار غلمانٌ في منتهى الجمال والأدب وبأنواع الوسائل الفخمة والأدوات والأواني الجميلة الجذّابة.

إنّ الجنّة مكانٌ واسعٌ جدًّا سعة السّماوات والأرض بل أوسع، الجنّة مكان أمن واستقرار وراحة ولذّة، ولا مكان في الجنّة للشّيخوخة ولا للضّعف والمرض والموت والأذى والانزعاج.

الجنّة مكان دائم وخالدٌ للمؤمنين ليعيشوا إلى الأبد، فمفهوم الجنّة بالإضافة إلى ما ذكر: هي دار النّعيم في الدّار الآخرة وهو المكان الّذي أعدّه الله سبحانه للموحّدين والمحسنين ولدينا آيات كثيرة حول تعريف الجنّة ووصفها نشير إلى بعضها.

 

 

 

يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّنْ رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (311) .

يعني بادروا إلى الأعمال الّتي توجب نَيْل المغفرة كاجتناب المعاصي والتّوبة والعمل الصّالح لنَيْل جنّة عرضها كعرض السّماوات السّبع والأرضين السّبع إذا ضمّ بعضها إلى بعض وقد روي عن النّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنّه سئل إذا كانت الجنّة عرضها السّماوات والأرض فأين تكون النّار؟ فقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): سبحان الله إذا جاء النّهار فأين الّليل؟

 

يقول الله سبحانه: ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لَّهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلّاً ظَلِيلاً  ﴾ (312) .

يعني الّذين آمنوا بكلّ ما يجب الإيمان به وعملوا الصّالحات من إقامة الصّلاة وإيتاء الزّكاة والحجّ والجهاد والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر وأداء الأمانة والوفاء بالعهد إلى غير ذلك إذا عملوا بإخلاص فمصيرهم الجنّة الّتي تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدًا.

وقال سبحانه أيضًا في هذا المجال: ﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (313) .

قال ابن عبّاس: أيْ يكرمون وقيل يتلذّذون بالسّماع وروي مسندًا عن أبي أمامة الباهليّ أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال: ما من عبد يدخل الجنّة إلا ويجلس عند رأسه وعند رجلَيْه اثنتان من الحور العين تغنيانه بأحسن صوت سمعه الإنس والجنّ وليس بمزمار الشّيطان ولكن بتمجيد الله وتقديسه.

 

يقول الله سبحانه: ﴿ مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ (314) .

وقال سبحانه أيضًا: ﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (45) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ (46) وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ (47) لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُم مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ (315) .

وقال سبحانه: ﴿ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاؤُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ (31) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (316) .

 

 

 

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (317) .

يعني رضا الله تعالى عنهم أكبر من ذلك الأجر والثّواب فقد روي عن النّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنّه قال: عدن دار الله الّتي لم ترها عَيْن ولم تخطر على قلب بشر لا يسكنها غير ثلاثة النّبيّين والصّدّيقين والشّهداء، يقول الله عزّ وجلّ طوبى لمن دخلك، مع ذلك رضوان الله ذاك اليوم أكبر وأفضل وقال سبحانه عن جنّات عدن: ﴿ أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَاباً خُضْراً مِّن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً (318) .

وقال سبحانه أيضًا: ﴿ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (33) وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34) الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ (319) .

 

 

 

يقول الله سبحانه: ﴿ الَّذِينَ آمَنُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ مُسْلِمِينَ (69) ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ (70) يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (71) وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (320) .

خصّص الله سبحانه نوعًا من الشّراب في الجنّة لأوليائه المقرّبين ولذّة للشّاربين:

يقول الله سبحانه: ﴿ إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً (5) عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً (321) .

ويقول سبحانه: ﴿إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ ﴾ ﴿ يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ *﴾ ﴿ عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ (322) .

وقال عزّ وجلّ: ﴿ أُوْلَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَّعْلُومٌ (41) فَوَاكِهُ وَهُم مُّكْرَمُونَ (42) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (43) عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ (44) يُطَافُ عَلَيْهِم بِكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ (45) بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ (46) لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ (47) وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ (48) كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ (323) .

ويقول تبارك وتعالى: ﴿ مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفّىً وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُواْ مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ (324) .

 

 

 

يقول سبحانه: ﴿ لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ (325) .

 

 

 

ليس جميع أهل الجنّة في درجة واحدة، بل تختلف وتتفاضل درجاتهم بتفاوت علمهم ومعرفتهم وأخلاقهم وعملهم.

يقول الله عزّ وجلّ: ﴿ وَمَن يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى (326) وقال سبحانه أيضًا: ﴿ فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (10) لَّا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً (11) فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ (12) فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ (13) وَأَكْوَابٌ مَّوْضُوعَةٌ (14) وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ (15) وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ (327) .

عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): الجنّة مئة درجة، ما بين كلّ درجة منها كما بين السّماء والأرض والفردوس أعلاها سموًّا وأوسطها محلّة، ومنها تتفجّر أنهار الجنّة، فقام إليه رجل فقال: يا رسول الله إنّي رجل حُبّب إليّ الصّوت فهل لي في الجنّة صوتٌ حسن؟ فقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): إي والّذي نفسي بيده، إنّ الله يوحي إلى شجرة في الجنّة: « أن أَسْمعي عبادي الّذين اشتغلوا بعبادتي وذكري عن عزف البرابط والمزامير فترفع صوتًا لم يسمعِ الخلائق بمثله قطّ من تسبيح الرّبّ » (328) .

 

 

 

يقول الله سبحانه: ﴿ جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الأَبْوَابُ (329) .

يعني يجدون أبوابها مفتوحة حين يردّونها ولا يحتاجون إلى الوقوف عند أبوابها حتّى تفتح.

 

 

 

يقول الله عزّ وجلّ: ﴿ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ (330) .

 

 

 

يقول الله سبحانه: ﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (331) .

 

 

 

يقول الله سبحانه: ﴿ وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُواْ جَنَّةً وَحَرِيراً (12) مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلَا زَمْهَرِيراً (13) وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً (14) وَيُطَافُ عَلَيْهِم بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَاْ (15) قَوَارِيرَ مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً (16) وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً (17) عَيْناً فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً (18) وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَّنثُوراً (19) وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً (20) عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّواْ أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً (332) .

وهناك آيات كثيرة في وصف الجنّة وأهلها اكتفينا بهذا المقدار وبكلمة مختصرة: يوجد للمؤمن في الجنّة كلّ ما يحبّ ويشتهي ﴿ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ ﴾ بل إنّ هناك نعمًا لم تخطر ببال أحد أصلاً ﴿ فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ ﴾.

إنّها الجنة دار البقاء ودار السّلامة لا موت فيها ولا هرم ولا سقم ولا مرض ولا آفة ولا زمانة ولا غمّ ولا همّ، ولا حاجة ولا فقر وأنّها دار الغناء والسّعادة ودار المقامة والكرامة، لا يمسّ أهلها نصب ولا لغوب، لهم فيها ما تشتهي الأنفس وتلذّ الأعين، كما أشرنا وهم فيها خالدون، وإنّها دار أهلها جيران الله وأولياؤه وأحبّاؤه وأهل كرامته وهم من أنواع على مراتب، منهم المتنعّمون بتقديس الله وتسبيحه وتكبيره في جملة من ملائكته ومنهم المتنعّمون بأنواع المآكل والمشارب والفواكه والأرائك والحور العين واستخدام الولدان المخلّدين والجلوس على النّمارق والزّرابيّ ولباس السّندس والحرير وكلّ منهم إنّما يتلذّذ بما يشتهي ويريد، حسب ما تعلّقت عليه همّته ويُعطى ما عبد الله من أجله.

 

 

قال: جابر بن عبد الله (رض) قال لنا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): « ألا أحدّثكم بغرف الجنّة؟ قال: قلت: بلى يا رسول الله بأبينا أنت وأمّنا، قال: إنّ في الجنّة غرفًا من أصناف الجوهر كلّه، يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها وفيها من النّعم واللّذات والسّرور ما لا عَيْن رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر قال: قلت: يا رسول الله لمن هذه الغرف؟ قال: لمن أفشى السّلام وأطعم الطّعام وأدام الصّيام وصلّى بالّليل والنّاس نيام، قال: قلنا: يا رسول الله ومن يطيق ذلك، قال: أمّتي تطيق ذلك وسأخبرك عن ذلك من لقي أخاه فسلّم عليه أو ردّ عليه أفشى السّلام ومن أطعم أهله وعياله من الطّعام حتّى يشبعهم فقد أطعم الطّعام ومن صام شهر رمضان ومن كلّ شهر ثلاثة أيّام فقد أدام الصّيام، ومن صلّى العشاء الآخرة وصلّى الغداة في جماعة فقد صلّى باللّيل والنّاس نيام ـ يعني اليهود والنّصارى والمجوس » (333) .

 

 


اليهود في القرآن الكريم


 

يقول الله عزّ وجلّ: ﴿ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (334) .

إذا نظرنا إلى القرآن الكريم نجد آيات كثيرة تتحدّث عن اليهود ولكنّ أكثرها في سورة البقرة، لأنّها أوّل سورة نزلت في المدينة كما يصرّح بعض العلماء، واليهود كانوا أشهر مجموعة من أهل الكتاب في المدينة وكانوا قبل ظهور النّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ينتظرون رسولاً بشّرت به كتبهم الدّينيّة، كما أنّهم كانوا يتمتّعون بمكانة اقتصاديّة مرموقة ولذلك كان لليهود نفوذ عميق في المدينة.

فالآية تذكّر اليهود بنعم الله الكثيرة عليهم ومنها اختيار الأنبياء منهم كموسى وهارون ويوشع وداوود وسليمان وأيّوب وعزير وزكريّا ويحيى صلوات الله عليهم أجمعين وغيرهم ومريم أمّ عيسى (عليهما السّلام) إسرائيليّة ينتهي نسبها إلى داوود ولكنّ اليهود لا يعترفون بالسّيّد المسيح ابن مريم (عليهما السّلام) ويزعمون أنّ المسيح المذكور بالتّوراة لم يأت بعد.

ومنها تشريفهم بالتّوراة والزّبور، وتحريرهم من فرعون، ونجاتهم من الغرق، وإنزال المنّ والسّلوى عليهم، وإعطاءهم الملك والسّلطان في عهد سليمان، وغير ذلك ممّا يستوجب الإيمان والشّكر لا الإنكار والكفر كما فعلوا بنقضهم للعهد والميثاق كما يظهر القرآن الكريم وسنتحدّث عن ذلك إن شاء الله تعالى.

 

 

 

اليهود: تقول هادوا أيْ صاروا يهودًا يقول الله سبحانه: ﴿ وَعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ (335) معناه دخلوا في اليهوديّة.

وهوّد الرّجل: حوّله إلى ملّة اليهود وفي الحديث: كلّ مولود يولد على الفطرة حتّى يكون أبَوَاه يهوّدانه أو ينصّرانه معناه أنّهما يعلّمانه دين اليهوديّة والنّصارى ويدخلانه فيه.

والتّهويد: أن يصير الإنسان يهوديًّا.

وهاد وتهوّد إذا صار يهوديًّا، وهاد يهود هودًا أيْ تاب، واختلف في اشتقاق اسم اليهود فقيل هو من الهود أيْ التّوبة ومنه قوله: ﴿ إنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ ﴾ سورة الأعراف الآية 156، وسمّوا بذلك لتوبتهم عن عبادة العجل وقال زهير:

سِوى مربع لم يأتِ فيه مخافة    ولا رهقًا من عابدٍ متهوّدٍ

أيْ تائب.

وقيل إنّما سمّوا يهودًا لأنّهم نسبوا إلى يهوذا أكبر ولد يعقوب فعرّبت الذّال دالاً، وقيل إنّما سمّوا يهودًا لأنّهم هادوا أيْ مالوا عن الإسلام وعن دين موسى (عليه السّلام)، وقيل سمّوا بذلك لأنّهم يتهوّدون أيْ يتحرّكون عند قراءة التّوراة ويقولون إنّ السّماوات والأرض تحرّكت حين أتى الله موسى (عليه السّلام) التّوراة، واليهود اسم جمع واحدهم يهوديّ كالزّنجيّ والزّنج، والرّوميّ والرّوم.

أمّا لماذا سمّي اليهود « بني اسرائيل »؟

الجواب: هو أنّ « إسرائيل، أحد أسماء يعقوب والد يوسف (عليه السّلام)، وفي سبب تسمية يعقوب (عليه السّلام) بهذا الاسم ذكر المؤرّخون غير المسلمين عللاً ممزوجة بالخرافة أعرضنا عنها ».

وأمّا علماؤنا فيقولون: بأنّ إسرائيل هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم (عليهم السّلام) وإنّ « إسر » تعني « العبد » و « ئيل » بمعنى الله فتكون معنى إسرائيل عبد الله.

 

 

 

بعد أن هاجر النّبيّ يعقوب (عليه السّلام) بأولاده من فلسطين إلى مصر، حيث يقيم ولده يوسف (عليه السّلام) وزير فرعون في ذاك العهد، أقطعهم فرعون إكرامًا ليوسف أرضًا خصبة في مصر وظلّت سلالة يعقوب هناك أمدًا غير قصير، ولكنّ الفراعنة الّذين جاؤوا فيما بعد اضطهدوا اليهود، وساموهم الخسف والعذاب، فذبحوا الأبناء، واستحيوا النّساء، واتّخذوا منهم خدمًا وعبيدًا، ثمّ أرسل الله نبيًّا منهم ولهم، وهو موسى بن عمران (عليه السّلام) فحرّرهم من الظّلم والاستعباد، ثمّ طلب منهم العودة إلى فلسطين، وقتال أهلها ووعدهم النّصر، فتقاعسوا جبنًا وجورًا، فكتب الله عليهم أن يتيهوا في صحراء سيناء أربعين سنة، وفي هذه البرهة توفّي هارون، ثمّ أخوه موسى (عليه السّلام) فخلفه ابن أخته يوشع بن نون. وحوالي القرن الثّالث عشر قبل الميلاد أغار بهم على أرض فلسطين فاحتلّوها، وأبادوا معظم أهلها، وشرّدوا البقيّة الباقية، تمامًا كما صنع نسلهم الصّهاينة في فلسطين سنة 1948 وعلى سبيل المثال لا الحصر ما حصل في دير ياسين حيث جمع الصّهاينة حوالي 25 امرأة حاملاً وبقروا بطونهم بالمُدَى والحراب، وهكذا جمعوا أهل قرية الزّيتونة في المسجد ثمّ نسفوه بالدّيناميت على رؤوسهم وهكذا فعلوا في صبرا وشاتيلا والمسجد الإبراهيميّ وكثير من المجازر وإلى الآن هي مستمّرة في الأرض المحتلّة فلسطين اليوم. المهمّ بعد يوشع أرسل الله سبحانه منهم الكثير من الأنبياء وفي سنة 596 ق.م. أغار على فلسطين ملك بابل وهو « بختنصر » فأزال ملكهم من فلسطين، وذبح منهم كثيرًا، وأسر كثيرًا.

وظلّوا بحكم « بختنصر » إلى سنة 538 ق.م. حيث تغلّب ملك الفرس على « بختنصر » فتنفّس اليهود الصّعداء، واستمرّوا تحت سيطرة الفرس زهاء مئتَيْ عام، وبعدها وقعوا تحت حكم خلفاء الاسكندر الكبير، ثمّ تحت سيطرة الرّومان. وفي سنة 135 ق.م. ثار اليهود على الرّومان، ولكنّ هؤلاء تغلّبوا على اليهود، وأخمدوا ثورتهم، ثمّ أخرجوهم من فلسطين، فهاموا على وجوههم في مختلف بقاع الأرض شرقًا وغربًا، شرذمة في مصر، وأخرى في لبنان وسورية، وثالثة في العراق ورابعة في الحجاز أمّا اليمن فقد عرفها اليهود، ورحلوا إليها للتّجارة في عهد سليمان (عليه السّلام) الّذي تزوّج ملكة اليمن بلقيس.

ومع ظهور الإسلام باعتباره الرّسالة الّتي تقف بوجه مصالحهم اللامشروعة وانحرافاتهم وغطرستهم فإنّهم وقفوا بوجه الدّعوة وبدؤوا يحوكون ضدّها المؤامرات الّتي لا زالت مستمّرة حتّى اليوم.

 

 

 

يقول الله سبحانه: ﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُواْ الصَّلَاةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنكُمْ وَأَنتُم مِّعْرِضُونَ (83) وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ (336) .

بنود هذا العهد الّذي أقرّ به بنو إسرائيل ونقضوه على الشّكل التّالي:

1 - التّوحيد وإخلاص العبوديّة لله سبحانه.

2 - وبالوالدَيْن إحسانًا.

3 - الإحسان إلى الأقارب واليتامى والفقراء.

4 - التّعامل الصّحيح مع الآخرين.

5 - إقامة الصّلاة.

6 - إيتاء الزّكاة.

ثمّ تذكر الآية الّتي جمعت هذه الأمور نقضهم للميثاق وعدم وفائهم بالعهد أيضًا.

7 - سفك الدّماء.

8 - عدم إخراج بني جلدتكم من ديارهم.

9 - إفداء الأسرى، أيْ بذل المال لتحريرهم من الأسر.

ثمّ تذكر الآية الّتي جمعت هذه الأمور إقرارهم بالميثاق وبعد ذلك يتعرّض القرآن إلى نقضهم للميثاق وقتلهم بعضهم الآخر وتشريد بعضهم الآخر وإلى تعاون بعضهم ضدّ البعض الآخر ثمّ يشير إلى تناقض هؤلاء في مواقفهم إذ يحاربون بني جلدتهم ويخرجونهم من ديارهم يقول الله سبحانه: ﴿ ثُمَّ أَنتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِم بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِن يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (337) .

فالقرآن يندّد بشدّة باليهود لنقضهم هذه العهود ويتوعّدهم نتيجة لهذا النّقض بالخزي في الحياة الدّنيا والعذاب في الآخرة.

 

 

 

يقول الله عزّ وجلّ: ﴿ لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُواْ وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ (338) .

من يتابع تاريخ بني إسرائيل يجد أنّ أكثر الأنبياء أرسلوا اليهم وذلك لخبثهم وشدّة مكرهم وانحرافهم. وقد قابلوا هذه العناية بهم ونعم الله تعالى عليهم بالكفر والمعاصي واتّباع الأهواء والرّغبات وذلك لتكبّرهم وإصرارهم على ممارسة الفساد وتعطّشهم للدّماء، فقد كذّبوا فريقًا من الأنبياء كنبيّ الله عيسى (عليه السّلام) ونبيّ الله محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وقتلوا فريقًا آخر كنبيّ الله يحيى (عليه السّلام) وزكريّا (عليه السّلام).

وقال سبحانه في هذا السّياق: ﴿ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ (339) .

وقال أيضًا سبحانه: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ (340) .

 

 

 

لقد بلغ العناد بهم حدًّا طلبوا فيه أن يرَوُا الله جهرة شرطًا لإيمانهم يقول الله سبحانه: ﴿ وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ (341) .

فهذه الآية بالإضافة إلى أنّها تحكي ظاهرة لجاج اليهود وعنادهم الّذي تميّزوا به دومًا ينمّ أيضًا هذا الطّلب عن جهل بني إسرائيل لأنّ إدراك الإنسان الجاهل لا يتعدّى حواسه.

ومن جملة وقاحتهم في هذا السّياق أنّهم أنكروا كلّ الكتب السّماويّة دفعة واحدة يقول الله سبحانه: ﴿ يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً مِّنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَى أَكْبَرَ مِن ذَلِكَ فَقَالُواْ أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ (342) .

 

 

 

يقول الله سبحانه: ﴿ أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُواْ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُم بِهِ عِندَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (343) .

تاريخ اليهود يؤكّد أنّهم مصرّون على تحريف الحقائق ونكران ما عقلوه، في الوقت الّذي كان من المتوقّع أن يكون اليهود أوّل من يؤمن بالرّسالة الإسلاميّة بعد إعلانها لأنّهم أهل كتاب خلافًا للمشركين ولأنّهم قرأوا صفات النّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في كتبهم.

لكنّ القرآن يوجّه أنظار المسلمين إلى الحالة النّفسيّة السّائدة لدى هؤلاء القوم فهم يريدون النّبيّ منهم ولهم تعصّبًا ويوضح لهم أنّ الانحراف النّفسيّ يدفع إلى الإعراض عن الحقيقة مهما كانت هذه الحقيقة واضحة بيّنة.

ثمّ يتحدّث عن نفاقهم فهم يتظاهرون بالإيمان لدى لقائهم بالمسلمين ويبرزون إنكارهم عند لقائهم باصحابهم، بل يلومون أولئك اليهود الّذين يكشفون للمسلمين عمّا في التّوراة من أسرار.

 

 

 

يقول الله سبحانه: ﴿ وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَّعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللَّهِ عَهْداً فَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (344) ، فالله سبحانه يشير إلى واحدة من ادّعاءات اليهود الدّالة على غرورهم، هذا الغرور الّذي يشكّل الأساس لكثير من انحرافاتهم، فهم يعتقدون بأنّهم شعب الله المختار، وأنّ عنصرهم متفوّق على سائر الأجناس البشريّة، وأنّ مذنبيهم لن يدخلوا جهنّم سوى أيّام قليلة كأربعين يومًا بعدد الأيّام الّتي عبدوا فيها العجل ليتنعّموا بعدها بالجنّة.

ومن مظاهر أنانيّتهم استفحال ذاتيّاتهم.

هذا الادّعاء لا ينسجم مع أيّ منطق، إذ لا يمكن أن يكون بين أفراد البشر أيّ تفاوت في نيل الثّواب والعقاب أمام الله سبحانه وتعالى. وقال الله سبحانه في هذا السّياق: ﴿ وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (345) .

وهذا ينافي العدالة الّتي تقوم على أساس تفضيل النّاس بعضهم على بعض بالإيمان والتّقوى والعمل الصّالح.

وقال أيضًا سبحانه في هذا السّياق: ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (346) .

إذن القانون العامّ الّذي يقوم على المنطق قوله تعالى:

﴿ بَلَى مَن كَسَبَ سَيّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (347) فهذا هو القانون العامّ الّذي يشمل المذنبين من كلّ فئة وقوم.

 

 

 

يقول الله عزّ وجلّ: ﴿ وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءَهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ (348) .

التّاريخ يذكر بأنّ اليهود كانوا يبحثون بولع شديد عن منطلق البعثة النّبويّة ليكونوا أوّل من يؤمن برسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فهاجروا ليتّخذوا من يثرب سكنًا بعد أن وجدوا فيها ما يشير إلى أنّها أرض الرّسول المرتقب وبقوا فيها ينتظرون بفارغ الصّبر النّبيّ الّذي بشّرت به التّوراة كما كانوا ينتظرون الفتح والنّصر على الّذين كفروا تحت لواء هذا النّبيّ وكانوا يفتخرون أمام الأوس والخزرج بأنّهم سيكونون من خاصّة صحابة النّبيّ المبعوث.

وإذا بهم يقفون إلى جانب أعداء النّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ـ بسبب لجاجهم وعنادهم ـ بينما التفّ حول الرّسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من كان بعيدًا عن هذه الأجواء.

فالأهواء والمصالح الشّخصيّة لعبت دورًا بارزًا في إبعاد هذه الفئة عن الحقيقة وحوّلتهم إلى أعداء أشدّاء على المؤمنين.

وقال الله سبحانه في هذا المجال: ﴿ وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (349) .

 

 

 

يقول الله سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقاً مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ (100) وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (101) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ (350) .

يتحدّث القرآن الكريم عن الأوس المدعومة من قبل يهود بني قينقاع، والخزرج المدعومة من قبل بني النّضير، لمّا أغرى قوم من اليهود بينهم بذكر حروبهم في الجاهليّة ليفتنوهم عن دينهم، الّذي خلّصهم من نزعات الجاهليّة وأحقادها وعداوتها وخصومتها وجعلهم متوادّين متحابّين متآلفين.

وكاد يقع الصّدام بينهم فبلغ ذلك النّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فركب حمارًا وآتاهم ونهاهم عن عادات الجاهليّة خاصّة أنّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بينهم، وقد أعزّهم الله بالإسلام فبكوا وعانق بعضهم بعضًا فنزلت الآيات المباركة.

فتاريخهم إذن يشهد عليهم بأنّهم أهل فتن فهم الّذين أشعلوا الحرب العالميّة الثّانية وكثير من الحروب في هذا العصر سببها ومحرّكها هم اليهود أيضًا الخلافات والصّراعات بين الأحزاب والطّوائف، فعلينا أن نحذرهم ونفوّت عليهم مؤامراتهم وخططهم ونردّها إلى نحورهم.

 

 

 

يقول الله سبحانه عنهم: ﴿ وَقَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُواْ بِالَّذِي أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُواْ آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (351) .

يقول بعض المفسّرين: إنّ اثني عشر من يهود خيبر وغيرها وضعوا خطّة ذكيّة لزعزعة إيمان بعض المؤمنين، فتعاهدوا فيما بينهم أن يصبحوا عند رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ويتظاهروا باعتناق الإسلام، ثمّ عند المساء يرتدّون عن إسلامهم، فإذا سئلوا لماذا فعلوا هذا، يقولون: لقد راقبنا أخلاق محمّد عن قرب، ثمّ عندما رجعنا إلى كتبنا وإلى أخبارنا رأينا ما رأيناه من صفاته وسلوكه لا يتفّق مع ما هو موجود في كتبنا، لذلك ارتددنا، إنّ هذا يحمل بعضهم على القول بأنّ هؤلاء قد رجعوا إلى كتبهم السّماويّة الّتي هم أعلم منّا بها، إذًا لا بدّ أن يكون ما يقولونه صحيحًا وبهذا تتزعزع عقيدتهم.

وفي هذا السّياق يقول الله سبحانه: ﴿ وَدَّت طَّائِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (352) .

وسبب الإصرار على إخراج المسلمين عن دينهم هو الحسد والتّعصّب والحقد على المسلمين يقول الله سبحانه: ﴿ وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ (353) .

 

 

 

يقول الله سبحانه: ﴿ ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ (354) .

عدم الرّحمة وقسوة القلب عند اليهود ظاهرة مثل عين الشّمس فلا شفقة ولا إنسانيّة فهم ينتقلون من مجزرة إلى أخرى فمن دير ياسين إلى الطّائرة المدنيّة إلى صبرا وشاتيلا إلى قانا والآتي قد يكون أفظع والدّول الّتي ترفع شعار شرعة حقوق الإنسان مع مجلس الأمن والأمم المتّحدة لا يعملون ما يوقف الإجرام الصّهيونيّ عند حدّه بل يقفون إلى جانبها ضدّ شعب أعزل من السّلاح، فوصفهم بأنّ قلوبهم كالحجارة أو أشدّ قسوة يستحقّونه بجدارة وأمّا ما يؤكّد نفسيّتهم الإجراميّة قوله تعالى: ﴿ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (355) .

وارتكابهم للجرائم كما أشرنا كثيرًا جدًّا ما ينتظر العالم من شعب يريد أن يبني لنفسه دولة عنصريّة بالقوّة وعلى يد العصابات الصّهيونيّة الّتي ارتكبت أبشع الجرائم بحقّ الإنسانيّة وهي وصمة عار على جبين العالم المتحضّر، وزعماء هذه العصابات أصبحوا وزراء حاكمين كديّان وبيغن ورابين وشارون وغيرهم، فقسوة القلب والإجرام متجذّرة فيهم وآثارها بادية لمن كان له قلب.

والآتي قد يكون أكثر بشاعة إذا لم يضع لها العالم والشّعوب الحرّة حدًّا.

 

 

 

يقول الله عزّ وجلّ: ﴿ لَأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ (13) لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرىً مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ (356) .

القرآن الكريم يؤكّد خوفهم وجبنهم قديمًا فهم لا يبرزون لحرب المسلمين وإنّما يقاتلونهم متحصّنين بالقرى ويرمونكم من وراء الجدران بالنَّبْل والحجر، وفي هذا العصر ما يتفوّق به هذا العدوّ هو سلاح الطّيران والمدفعيّة الثّقيلة والصّواريخ، وكلّ ذلك يؤكّد قول الله سبحانه وقد فضحتهم المقاومة في لبنان وفلسطين ورأينا من خلال شاشات ووسائل الإعلام صريخ وبكاء وارتباك جنود الاحتلال من آثار ضربات المقاومة الإسلاميّة.

وسبب هذا الخوف والجبن هو حبّهم للحياة يقول الله سبحانه: ﴿ قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِندَ اللَّهِ خَالِصَةً مِّن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (94) وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمينَ (95) وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (357) .

وهذه تعتبر نقطة ضعفهم والّتي يعمل رجال المقاومة وخصوصًا الاستشهاديّين منهم على الاستفادة منها لدحر هذا العدوّ وإخراجه من أرض فلسطين وهذا ما عمل ويعمل عليه رجال المقاومة الإسلاميّة في لبنان.

 

 

 

بعد أن استطاع الرّسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أن يضع حدًّا ليهود الجزيرة العربيّة وهم يهود بني قينقاع، والنّضير، وقريظة، وخيبر، وفدك ووادي القرى، وتيماء، هل استسلم بنو إسرائيل فعلاً للنّبيّ محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)؟ وهل تصير الأفعى حمامة؟ كانت نفوس اليهود ملأى بالخبث والعلل بعد هزيمتهم النّكراء، وصمّموا على محاولة أخيرة لاغتيال الرّسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ودبّروا الخطّة التّالية:

تتظاهر زينب بنت الحارث - قائد اليهود الّذي صرعه عليّ (عليه السّلام) - بإيمانها الشّديد بالإسلام، وتتّقي الله ورسوله وتتوّرع زمنًا طويلاً إلى أن تنطلي هذه الحيلة على محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وصحبه، وانطلقت الخدعة على المسلمين وذاع صيت زينب الطّاهرة وفضائلها الحميدة، فقرّبها النّبيّ إلى صفوفه، وأصبحت تزور بيته باستمرار وفي أحد الأيّام، أعدّت زينب اليهوديّة حَمَلاً شهيًّا، وأهدته للنّبيّ وصحبه ليأكلوه وتناول النّبيّ قطعة لحم من الحمل ومضغها لكنّه لم يزدردها، وقال: « والله إن هذا العضم ليخبرني أنّه مسموم » ثمّ لفظ المضغة، ولم يكن الصّحابة قد بدؤوا الطّعام بعد، ولكن سبق لأحدهم وهو ابن البراء أن تناول لقمة من اللّحم وبلعها فمات على الفور، وأحضرت زينب « المؤمنة الفاضلة » إلى النّبيّ واعترفت له اليهوديّة قائلة « لقد بلغت من قومي يا محمّد ما بلغت فقلت في نفسي إن كنت ملكًا استرحت منك وإن كنت نبيًّا فتُخْبَر » وأجابها محمّد « ها قد أخبرت، ماذا تقولين الآن؟ ». ويخبر بعض الرّواة أنّ بنت الحارث ركعت أمام النّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأسلمت له فعفا عنها، ويخبر رواة آخرون أنّ أحد المسلمين قد أطاح برأسها بعد أن اعترفت بجريمتها، على أيّة حال فعلت حادثة السّمّ هذه فعلها في المسلمين وجعلتهم لا يثقون باليهود ويخافون غدرهم بالرّغم من قضاء الرّسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عليهم.

 

 


الجهاد في القرآن الكريم


 

يقول الله عزّ وجلّ: ﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (358) .

إعلم أنّ للجهاد في الإسلام أهميّة كبرى، حيث اعتبر من الأركان الأساسيّة الّتي قام عليها الدّين ولولاه ما قام للدّين عمود، وما اخضرّ للإسلام عود. وهو يمثّل قمّة العطاء ومنتهى التّضحية، حيث يعرّض المرء حياته للخطر، واحتمال الموت أو الخسارة الّتي لا تعوّض، كلّ ذلك في سبيل الله تعالى، ولإعلاء كلمة الإسلام ونشر دين الحقّ في الأرض، ولكي لا يشتبه البعض نقول: إذا كان القتال العسكريّ بيد الدّول والشّعوب تعتبر في كثير من الأحيان اعتداءً أو جريمة أو مظهر من مظاهر السّيطرة والهيمنة، إلا إنّه في الإسلام مظهر من مظاهر السّلام والمحبّة وسيادة الحقّ والعدل والأمن والاستقرار، كما يقول الله تبارك وتعالى: ﴿ الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُواْ الصَّلَاةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ وَأَمَرُواْ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْاْ عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (359) .

وفي كثير من الحالات يكون الجهاد في سبيل الله للدّفاع عن المستضعفين والمظلومين الّذين لا حول لهم ولا قوّة أمام غطرسة الاحتلال للأرض والمقدسّات ولولا الجهاد والقوّة الرّادعة لفسدت الأرض وأهلك القويّ الضّعيف.

ثمّ إنّ للجهاد آثارًا على النّفس كثيرة لأنّه نوع بلاء وامتحان للإنسان المسلم بمقدار صدقه ووفائه للمبادئ الّتي يحمل أو يدعو إليها فهو يتطلّب جهدًا وتعبًا ومشقّة وعرقًا وسهرًا ومشيًا وتحمّلاً وجوعًا وألمًا وغربة، هذا في الأحوال العاديّة، وفي حالات أخرى يتطلّب دمًا وأعضاءً ونفسًا وحياة، حيث يبيع المجاهد في سبيل الله رأسه وجمجمته لإحقاق الحقّ وإظهاره، ولكن ثمن ذلك كلّه الجنّة الّتي وعد بها الله سبحانه المجاهدين وخصّص لهم بابًا يدخلون منه كما عبّر الرّسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم): للجنّة باب يقال له باب المجاهدين يمضون إليه فإذا هو مفتوح وهم متقلّدون بسيوفهم والجمع في الموقف والملائكة ترحّب بهم ثمّ قال: فمن ترك الجهاد ألبسه الله عزّ وجلّ ذلاًّ وفقرًا في معيشته ومحقًا في دينه، إنّ الله أغنى أمّتي بسنابك خيلها ومراكز رمحها. نعم إنّ الجهاد يحظى في الإسلام بأهميّة كبرى لأنّ بقاء الإسلام وانتشاره واقتداره وتنفيذ قوانين الشّريعة يقوم على هذه الفريضة ولهذه الجهة وردت تأكيدات كثيرة في القرآن الكريم على هذه الفريضة بالإضافة إلى الكثير من الرّوايات ولكن سنركز على ما جاء في القرآن هنا فانتظر.

 

 

 

الجهاد يعني في اللّغة: بذل الجهد وتحمّل المشقّة في طريق الوصول إلى الهدف..

وفي الاصطلاح الجهاد: عبارة عن المبالغة واستفراغ الوسع في محاربة العدوّ بهدف نشر الإسلام وإعلاء كلمة التّوحيد والدّفاع عن الإسلام والمسلمين ويكون ببذل النّفس والمال وبالقول والفعل.

 

 

 

يقول الله عزّ وجلّ: ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (360) .

هذه الآية تبيّن لزوم مقاتلة العدوّ وإنّه فرْض قد كتب وجوبه على المسلمين لكنّ الإنسان بحسب طبيعته يملّ الصّعاب والمشاقّ ويرغب في الرّاحة والدّعة وقد عبّرت الآية عن هذا الشّعور بقولها: ﴿ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ ﴾.

والله سبحانه يظهر لنا أنّ هذه المشاعر الذّاتيّة بالكره وبالحبّ ليست معيارًا لفهم المصلحة الحقيقيّة للفرد والمجتمع، فرُبَّ شيء تحبّونه وهو ينطوي على شرّ بليغ، والله سبحانه هو المحيط بكلّ خفايا الأمور.

والآية تشير أيضًا إلى مبدأ أساسيّ ومهمّ وهو أنّ على الإنسان المؤمن أن يفهم أنّ كلّ هذه القوانين والأحكام هي لصالحه تشريعيّة كانت كالجهاد والزّكاة أم تكوينيّة كالموت والمصائب الّتي تحلّ به أو بأحبّائه ولذلك عليه أن يسلم أمره لله عزّ وجلّ ولا يحكّم فيها علمه المحدود فعلمه بالنّسبة لمجهولاته كقطرة في بحر.

وقال سبحانه: ﴿ وَجَاهِدُواْ فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ (361) .

فالمعنى جاهدوا في نصرة الله عزّ وجلّ وإحياء دينه وإعلاء كلمته.

 

 

 

يقول الله عزّ وجلّ: ﴿ وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُواْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ (362) .

يعني جاهدوا في سبيل الله تعالى وقصد إعزاز دينه وإعلاء كلمته لا لمطالب دنيويّة وضغائن وأحقاد.

وهي تأمر بمقاتلة الّذين يشهرون السّلاح بوجه المسلمين وأجازهم أن يواجهوا السّلاح بالسّلاح، وقد بيّنت ثلاثة أسس توضّح مفهوم الإسلام عن الحرب وهي على الشّكل التّالي:

أولاً: توضّح الهدف الأساسيّ من الحرب في المفهوم الإسلاميّ، فالحرب ليست للانتقام ولا للعلوّ في الأرض والتّزّعم ولا للاستيلاء على الأرض ولا للحصول على الغنائم، فهذا كلّه مرفوض في نظر الإسلام، حمل السّلاح إنّما يصُحّ حينما يكون في سبيل الله ونشر أحكام الله، أيْ نشر الحقّ والعدالة والتّوحيد، واقتلاع جذور الظّلم والفساد والانحراف.

ثانيًا: بشأن الّذين تجب مقاتلتهم تقول الآية إنّهم ﴿ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ ﴾ فلا تجوز مقاتلة العدوّ ما دام لم يشهر سيفًا ولم يبدأ بقتال باستثناء موارد خاصّة.

ثالثًا: أبعاد الحرب تحدّدها العبارة: ﴿ وَلَا تَعْتَدُواْ ﴾ فالحرب في الإسلام لله سبحانه وفي سبيل الله عزّ وجلّ ولا يجوز أن يكون في سبيل الله تعالى اعتداء ولا عدوان على أحد.

لذلك يوصي الإسلام برعاية الكثير من الأصول الخلقيّة في الحرب.

يقول عليّ (عليه السّلام): فإذا كانت الهزيمة بإذن الله فلا تقتلوا مدبرًا، ولا تصيبوا معورًا ولا تجهزوا على جريح ولا تهيّجوا النّساء بأذى وإن شتمْنَ أعراضكم وسبَبْنَ أمراءكم.

 

 

 

يقول الله عزّ وجلّ: ﴿ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (363) .

هذه الآية تؤكّد على ضرورة احترام المسجد الحرام حيث المكان الّذي جعله الله تعالى أمنًا بناءً على طلب إبراهيم الخليل (عليه السّلام)، فلا تجوز مقاتلة المشركين فيه حتّى يبدؤوهم بقتال فإن بدؤوا بالقتال فللمسلمين أن يدافعوا عن أنفسهم حتّى في المسجد الحرام.

ثمّ يقول الله سبحانه: ﴿ فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (192) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انتَهَوْاْ فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (364) .

فالمولى سبحانه يؤكّد مفهومًا ساميًا لبعد الجهاد الإسلاميّ وهو البعد عن روح الحقد والانتقام وتؤكّد أنّ الكافر المحارب لو تاب يعود إلى رحمة الله وإلى حمى المسلمين فالجهاد إذًا لا يستهدف ما تستهدفه الحروب الجاهليّة، من تسلّط واحتلال وعلوّ عنصريّ أو فئويّ.

 

 

 

يقول الله عزّ وجلّ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُواْ جَمِيعاً (365) .

فهي صريحة الدّلالة على وجوب الجهاد والتّأهّب لقتال الكفّار، أيْ الزموا طريق الاستعداد والاحتياط بأخذ السّلاح وغيره وجانبوا الغفلة لئلاّ يميلوا عليكم فيظفروا بكم، وقال سبحانه: ﴿ وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (366) .
 

 

 

يقول الله سبحانه: ﴿ فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (367) .

في الآية دلالة واضحة على وجوب الجهاد والحثّ عليه والتّرغيب فيه حيث بيّن أنّه يفوز (الأفراد) بإحدى الحسنيَيْن أو كلَيْهما إمّا الفوز الأخرويّ أو الدّنيويّ، والأوّل لازم على كلّ حال.

 

 

 

يقول الله عزّ وجلّ: ﴿ وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيراً (368) .

نقل عن سبب النّزول إنّ قومًا من المسلمين تخلّفوا بمكّة عجزوا من الهجرة فاجتمع الكفّار على افتتانهم عن الإسلام وتوعّدوهم بالمكروه استضعافًا لهم فدعوا ربّهم فنزلت الآية في الحثّ على استنقاذهم ودفع الأذى عنهم فكان فتح مكّة على يد رسوله الأمين (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فكان لهم وليًّا ونصيرًا.

ففي الآية دلالة على وجوب الهجرة عن بلاد الشّرك إلى أرض الله الواسعة وعذر العاجز عن ذلك ووجوب السّعي لاستنقاذهم والمدافعة عنهم.

 

 

 

يقول الله عزّ وجلّ: ﴿ لَّا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُاًَ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً (95) دَرَجَاتٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً (369) .

الآية صريحة الدّلالة على أفضليّة الجهاد والأخبار الدّالة على ذلك وعلى فضل المجاهد كثيرة فقد جاء في الحديث: إنّ الله سبحانه فضّل المجاهدين على القاعدين سبعين درجة بين كلّ درجتَيْن مسيرة سبعين خريفًا للفرس الجواد المضمر.

وفيها دلالة أيضًا على سقوط الجهاد عن أولي الضّرر.

 

 

 

يقول الله سبحانه: ﴿ مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الْأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُواْ بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَؤُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلَّا كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (120) وَلَا يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِياً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (370) .

المعنى أنّه ليس لهم - أيْ لأهل المدينة ومن حولها - في شرع الله ودينه التّخلّف عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في الجهاد معه بأن يرغبوا في حفظ أنفسهم وإعزازها عن نفس رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الّذي جعله الله تعالى أولى بهم مع حصول هذه الفائدة العظيمة لهم في خروجهم معه فإنّ من تأمّل في ذلك يوجب أن يفديه بنفسه ويقطع بقبح التّخلّف عنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ودلالتها واضحة على فضيلة الإنفاق في سبيل الله وهي تؤكّد أيضًا على ضرورة السّير خلف القيادة النّموذجيّة وعدم التّخلّي عنها مهما حصل.
 

 

 

يقول الله عزّ وجلّ: ﴿ لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (371) .

فالجهاد على كلّ مكلّف غير أعمى ولا مقعد ولا مريض يعجز عن الرّكوب والعَدْوِ ولا فقير يعجز عن نفقة عياله وطريقه وثمن ملابسه.

 

 

 

يقول الله عزّ وجلّ: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ (372) .

قيل إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بعث سريّة من المسلمين وأمّر عليهم عبد الله بن جحش الأسديّ وهو ابن عمّة النّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وذلك قبل بدر بشهرَيْن على رأس سبعة عشر شهرًا من مقدم النّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) المدينة، فانطلقوا حتّى هبطوا نخلة وهي أرض بين مكّة والطّائف فوجدوا بها عمرو بن الحضرميّ في قافلة تجارة لقريش في آخر يوم من جمادى الآخرة، وكانوا يرون أنّه من جمادى وهو رجب من الأشهر الحرم، فاختلف المسلمون أيقتلون الحضرميّ ويغنمون ماله لعدم علمهم بحلول الشّهر الحرام، أم يتركونه احترامًا لحرمة شهر رجب. وانتهى بهم الأمر أن شدّوا على الحضرميّ فقتلوه وغنموا ماله، فبلغ ذلك كفّار قريش فانطلقوا يعيّرون المسلمين ويقولون إنّ محمّدًا أحلّ سفك الدّماء في الأشهر الحرم فنزلت الآية.

فالقرآن يعلن صراحة حرمة القتال في هذه الأشهر، ويعتبره من الكبائر، لكنّه يعلن أنّ المشركين لا يحقّ لهم أن يلوموا ويعيّروا المسلمين لخطأ صدر عنهم بقتل الحضرميّ في الأشهر الحرم لأنّ هؤلاء المشركين يرتكبون أكبر من ذلك بكفرهم بالله سبحانه وصدّهم النّاس عن الاهتداء إلى سبيل الله وإخراج المؤمنين من حرم مكّة وانتهاكهم هذا الحرم الآمن وعملهم هذا « فتنة » أيْ تلويث للجوّ الاجتماعيّ بالكفر والطّغيان.

 

 

 

يقول الله عزّ وجلّ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (373) .

يعني الّذين يقرّبون إليكم الأقرب فالأقرب لما في ذلك من المصلحة ودفع الضّرر لئلا ينتهز العدوّ الأقرب الفرصة عند مقاتلة الأبعد. وهكذا كانت سيرة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الرّدّ بالمثل.

 

 

 

يقول الله عزّ وجلّ: ﴿ الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (374) .

تشير هذه الآية إلى أنّ احترام الأشهر الحرم ضروريّ أمام العدوّ الّذي يراعي حرمة هذه الأشهر، أمّا العدوّ الّذي يهتك هذه الحرمة فلا نلزم معه رعاية الاحترام وتجوز محاربته في هذه الأشهر.

وتشرّع الآية حكمًا عامًّا تفرض فيه على كلّ فرد مسلم وكلّ جماعة مسلمة مواجهة الظّالم والرّدّ على عدوانه بالمثل.

وهذا قانون كونيّ طبيعيّ، فخلايا البدن تقف بوجه اعتداء الميكروبات المهاجمة والنّباتات تحصّن نفسها بأشكال مختلفة أمام تحدّيات العوارض الجويّة.

 

 

 

يقول الله عزّ وجلّ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (15) وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (375) .

والمعنى لا تجعلوا ظهوركم ممّا يليهم أيْ لا تنهزموا في وقت القتال ليلاً كان أو نهارًا ولا يعرض أحدكم عمّن قابله منهم إلا متحرّفًا لقتال أيْ تاركًا موقفًا ومائلاً عنه لا بقصد الهزيمة بل طلبًا للأصلح في القتال. كأن يقصد الفرّ ثمّ الكرّ أو إصلاح لامة حربه أو عن مقابلة الرّيح أو الشّمس أو على هابط إلى علوّ أو طلب مشروب أو مأكول اضطر إليه أو نحو ذلك ممّا فيه الصّلاح للقتال.

 

 

 

يقول الله عزّ وجلّ: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفاً مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ (65) الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (376) . والتّحريض هو التّرغيب والحثّ على الشّيء كحبّ الجهاد ببيان فوائده الدّنيويّة كالإعزاز والأخرويّة بالفوز بالدّرجات العليا في الجنّة. وقال الله سبحانه أيضًا: ﴿ فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنكِيلاً (377) .

الخطاب للنّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أمره أن يقاتل في سبيل الله تعالى وحده ولا يهتمّ بتخلّف المنافقين عن الجهاد معك فإنّ ضرر ذلك عليهم وعليك وأن تحرِّض المؤمنين على ذلك وتحثّهم عليه، عسى الله سبحانه أن يكفّ بأس الكفّار ويكفيك مؤْنتهم ويكسر شوكتهم.

 

 

 

يقول الله عزّ وجلّ: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (378) .

تضمّنت هذه الآية جهاد الكفّار الشّامل والغلظة عليهم.

 

 

 

يقول الله سبحانه: ﴿ قَاتِلُواْ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (379) .

هذه الآية أمرت بقتال من يتّصف بصفة واحدة من أربع صفات:

1 - الّذين لا يؤمنون بالله سبحانه.

2 - الّذين لا يؤمنون باليوم الآخر أيْ بالبعث والنّشور.

3 - الّذين لا يُحرِّمون ما حرَّم الله سبحانه.

4 - الّذين لا يدينون دين الحقّ أيْ الإسلام الّذي هو الحقّ الثّابت النّاسخ للأديان. (طبعًا إعلان الحرب على هؤلاء بيد الحاكم القائد).

 

 

 

يقول الله عزّ وجلّ: ﴿ وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُواْ الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ (380) .

هذا بمثابة القانون الكلّيّ العامّ لكلّ زمان ومكان لحلّ الخلافات بين الأفراد والجماعات في المجتمع المؤمن.

 

 

 

يقول الله عزّ وجلّ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (381) .

والمراد ارتدادهم عن الدّين فالآية تتحدّث عنهم، وهذه الآية أتت بقانون عامّ يحمل إنذارًا لجميع المسلمين فأكّدت أنّ من يرتدّ عن دينه فهو لن يضرّ الله بارتداده هذا أبدًا ولن يضرّ الدّين ولا المجتمع الإسلاميّ أو تقدّمه السّريع لأنّ الله كفيل بإرسال من لديهم الاستعداد في حماية هذا الدّين.

ثمّ تتطرّق إلى صفات هؤلاء الحماة الّذين يتحمّلون مسؤوليّة الدّفاع العظيمة وهي على الشّكل التّالي:

1 - إنّهم يحبّون الله سبحانه ولا يفكّرون بغير رضاه فالله تعالى يحبّهم وهم يحبّونه.

2 - و 3 - يبدون التّواضع والخضوع والرّأفة أمام المؤمنين بينما هم أشدّاء أقوياء أمام الأعداء الظّالمين.

4 - إنّ شغلهم الشّاغل هو الجهاد في سبيل الله عزّ وجلّ.

5 - وآخر صفة تركّز عليها الآية لهؤلاء العظام هي أنّهم لا يخافون لومة لائم في طريقهم لتنفيذ أوامر الله سبحانه والدّفاع عن الحقّ.

 

 

 

يقول الله سبحانه: ﴿ فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّواْ الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَاْ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (5) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ (382) .

فالله سبحانه أمر بقتلهم والإثخان فيهم ليذلّوا فإذا ذلّوا بالقتل وأسروا فالأمر يكون بعد المبالغة في القتل كما قال سبحانه: ﴿ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ (383) ولهم أحكام تطلب في محلّها .

 

 

 

يقول الله سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُم مَّا أَنفَقُواْ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُواْ مَا أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُواْ مَا أَنفَقُواْ ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (10) وَإِن فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُواْ الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُم مِّثْلَ مَا أَنفَقُواْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ (384) .

 

 

 

روي عن ابن عبّاس أنّه قال: صالح رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالحديبيّة مشركي مكّة على أنّ من أتاه من أهل مكّة ردّه عليهم ومن أتى أهل مكّة من أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فهو لهم ولم يردّه وكتبوا بذلك كتابًا وختموا عليه فجاءت سبيعة بنت الحرث الأسلميّة مسلمة بعد الفراغ من الكتابة والنّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالحديبيّة، فجاء زوجها مسافر من بني مخزوم في طلبها وكان كافرًا فقال: يا محمّد ردّ عليّ زوجتي فإنّك شرطت أن تردّ علينا من أتاك منّا وهذه طينة الكتاب لم تجفّ بعد، فنزلت الآية.

 

 

 

يقول الله عزّ وجلّ: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (385) .

روي أنّه لمّا فتح رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مكّة بايع الرّجال ثمّ جاءت النّساء يبايعنه فأنزل الله عزّ وجلّ هذه الآية. فبايعهنّ على أن لا يأتين بما ذكر في الآية وأمّا كيفيّة المبايعة فكانت بأن دعا بقدح من ماء الرّسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فأدخل يده ثمّ أخرجها فقال: ادخلن أيديكن في هذا الماء فهي البيعة.

 

 

 

يقول الله سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلَا تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً (386) .

فنزلت الآية لمّا رجع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من غزوة خيبر وبعث أسامة بن زيد في خيل إلى بعض اليهود في ناحية فدك ليدعوهم إلى الإسلام وكان رجل من اليهود يقال له مرداس بن نهيك الفدكيّ في بعض القرى فلمّا أحسّ بِخَيْل رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) جمع أهله وماله وصار في ناحية الجبل فأقبل يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنّ محمّدًا رسول الله فمرّ به أسامة بن زيد فطعنه فقتله فلمّا رجع إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أخبره بذلك فقال له رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): قتلت رجلاً شهد أن لا إله إلا الله وأنّي رسول الله؟ فقال: يا رسول الله إنّما قالها تعوّذًا من القتل، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): أفلا شققت الغطاء من وجهه عن قلبه، لا ما قال بلسانه قبلت ولا ما كان في نفسه علمت، فحلف أسامة بعد ذلك أن لا يقاتل أحدًا شهد أن لا إله إلا الله وأنّ محمّدًا رسول الله. وأنزل الله في ذلك ﴿ وَلَا تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ ﴾ الآية. وفي الآية دلالة على أنّ الشّهادتَيْن إذا قالهما الكافر يحقن بهما الدّم والمال.

 

 

 

يقول الله سبحانه: ﴿ وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (387) .

جنحوا أيْ مالوا إلى السّلم أي الصّلح وترك الحرب فاجنح لها أيْ مِلْ إليها هذا إذا كان فيها مصلحة للمسلمين.

 

 

 

يقول الله عزّ وجلّ: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُواْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً (97) إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً (98) فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً (388) .

تدلّ هذه الآية على وجوب الهجرة من بلاد الشّرك الّتي لا يمكنه فيها إقامة شعائر الإسلام.

 

 

 

يقول الله سبحانه: ﴿ مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإيمان وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾.

الآية نزلت في عمّار وذلك أنّ جماعة من أهل مكّة أسلموا ثمّ فتنوا فارتدّ بعضهم طوعًا وبعضهم أُكرِه وهو عمّار وأبواه ياسر وسميّة، وصهيب وبلال، أمّا سميّة فربطت بين بعيرَيْن وجيء في قلبها بضربة وقيل لها أنّك أسلمت طلبًا للرّجال وقتل ياسر معها، وأمّا عمّار فأعطاهم بلسانه ما أرادوا منه ونجا فسبّ النّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وتبرّأ منه وذكر آلهتهم بخير.

 

 

 

روي أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بعث سريّة فلمّا رجعوا قال: مرحبًا بقوم قضوا الجهاد الأصغر وبقي عليهم الجهاد الأكبر، قيل: يا رسول الله وما الجهاد الأكبر؟ قال: جهاد النّفس.

وقال عليّ (عليه السّلام): أفضل الجهاد من جاهد نفسه الّتي بين جنبَيْه.

 

 

 

يقول الله سبحانه: ﴿ وَلَا تَقُولُواْ لِمَن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِن لَّا تَشْعُرُونَ (154) وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ (156) أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ  ﴾ (389) .

في كلّ زمان ومكان نجد مجموعة محبّة للعافية تبتعد عن الأمّة المجاهدة ولا تكتفي بالتّقاعس والتّكاسل، بل تسعى إلى تثبيط عزائم الآخرين وبثّ الاسترخاء والتّماهل في المجتمع، وما أن تظهر حادثة مؤلمة حتّى يعربون عن أسفهم وينقمون على المجاهدين الّذين اتّصلت بهم الحادثة غافلين إنّ كلّ هدف مقدّس يحتاج إلى تضحيات، وتلك سُنّة كونيّة فالقرآن الكريم يتحدّث عن هذه الفئة كرارًا ويؤنّبهم بشدّة.

ثمّة أفراد من هؤلاء كانوا يتظاهرون بالتّأسّف والتّألّم على موت شهيد من شهداء الإسلام في المعركة ويبعثون بذلك القلق والاضطراب في النّفوس.

والله سبحانه يردّ على هذه الأقاويل السّامّة بالكشف عن حقيقة كبرى هي أنّ الّذين يضحّون بأنفسهم في سبيل الله ليسوا بأموات هؤلاء أحياء، ويتمتّعون بنعيم الله ورضوانه لكنّ البشر المحدودين في عالم الحسّ لا يدركون هذه الحقائق وهذا ما تؤكّده الآية الّتي تقول: ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (390) .

فالإسلام والقرآن يبيّن مكانة الشّهداء ومنزلتهم عند الله عزّ وجلّ ويمكن أيضًا الرّجوع إلى الرّوايات لمعرفة ذلك.

 

 

 

يقول الله عزّ وجلّ: ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُواْ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِندَ رَبِّهِمْ (391) .

من آمن بالله سبحانه وصدّق بتوحيده وأقرّ بنبوّة رسله ﴿ أُوْلَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ ﴾.

قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في حديث مع أصحابه لعبد الله بن رواحة: « مَن الشّهيد مِن أمّتي؟ فقالوا: أليس هو الّذي يقتل في سبيل الله مقبلاً غير مدبر؟، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): إنّ شهداء أمّتي إذًا لقليل، الشّهيد الّذي ذكرتم، والطّعين، والمبطون، وصاحب الهدم والغرق، والمرأة تَمُتْ جمعًا، قالوا: وكيف تموت جمعًا يا رسول الله؟ قال: يعترض ولدها في بطنها » (392) هذه المذكورات في الرّواية حكمهم بمنزلة حكم الشّهيد فهي شهادة حكميّة.

 

 

 

« حنظلة » وهو شابّ لم يكن قد جاوز الرّابعة والعشرين من عمره آنذاك وهو « ابن عامر » عدوّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والّذي كان مصداقًا لقول الله تعالى: ﴿ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ ﴾.

فقد اشترك والده أبو عامر الفاسق في معركة « أحد » إلى جانب قريش ضدّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وكان ممّن يكيدون للإسلام وممّن حرّض قريشًا ضدّ النّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) واستمرّ في معاداة الإسلام حتّى النّفس الأخير، ولم يألُ جهدًا في هذا السّبيل.

وقد كان أبو عامر هذا السّبب الرّئيسيّ وراء حادثة مسجد « ضرار » غير أنّ علاقة الأبوّة والبنوّة وما يتبعها من أحاسيس لم تصرف حنظلة عن الاشتراك في حرب ضدّ أبيه، ما دام أبوه على باطل وهو أيْ حنظلة على الحقّ. فيَوْم خرج النّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مع أصحابه إلى « أحد » لمواجهة قريش كان حنظلة يريد البناء بزوجته ليلته، وكان عليه أن يقيم مراسم الزّفاف والعرس في اللّيلة الّتي خرج رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى « أحد » في صبيحتها المنصرمة.

ولكنّه عندما سمع مؤذّن الجهاد ودوّى نداؤه في أذنه تحيّر في ما يجب أن يفعله فلم يجد مناصًا من أن يستأذن من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بأن يتوقّف في المدينة ليلة واحدة لإجراء مراسيم العرس ويقيم عند عروسته ثمّ يلتحق بالمعكسر الإسلاميّ صبيحة الغد من تلك اللّيلة، وقد نزل في هذا الشّأن قوله: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُواْ مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَّمْ يَذْهَبُواْ حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ (393) .

فأذن له رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فبات حنظلة عند عروسته تلك اللّيلة ولمّا أصبح خرج من فوره وتوجّه إلى « أحد » وهو « جُنُب ».

ولمّا حضر حنظلة القتال وسقط شهيدًا قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): « رأيت الملائكة تغسّل حنظلة بين السّماء والأرض بماء المزن في صحائف من ذهب فكان يسمّى غسيل الملائكة ».

 

 


الصّبر في القرآن الكريم


 

يقول الله عزّ وجلّ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (394) .

هذه الآية تطرح مبدأَيْن هامَّيْن: الأوّل الاعتماد على الله تعالى ومظهره الصّلاة والآخر الاعتماد على النّفس، وهو الّذي عبّرت عنه الآية بالصّبر، ويعني ذلك أن واجهوا المشاكل والصّعاب بهاتَيْن القوّتَيْن واعلموا أنّ الله معكم والنّصر حليفكم ﴿ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (395) .

وخلافًا لما يتصوّر بعض النّاس « الصّبر » لا يعني تحمّل الشّقاء وقبول الذّلة والاستسلام للعوامل الخارجيّة بل الصّبر يعني المقاومة والثّبات أمام جميع المشاكل والحوادث.

وقلّما كرّر القرآن موضوعًا وأكّد عليه كموضوع « الصّبر » ففي سبعين موضعًا قرآنيًّا (تقريبًا) دار الحديث عن الصّبر من بينها ما يختصّ بالنّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم).

تاريخ العظماء يؤكّد أنّ أحد عوامل انتصارهم بل أهمّها صبرهم واستقامتهم، والأفراد الفاقدون لهذه الصّفة سرعان ما ينهزمون وينهارون ويمكن القول أنّ دور هذا العامل في تقدّم الأفراد والمجتمعات يفوق دور الإمكانات والكفاءات والذّكاء ونظائرها.

من هنا طرح القرآن الكريم هذا الموضوع بعبارات مؤكّدة كقوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ (396) .

وفي موضوع آخر يقول سبحانه بعد أن ذكر الصّبر أمام الحوادث ﴿ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (397) وسيأتي المزيد من الآيات.

 

 

 

الصّبر: هو حبس النّفس على المكروه امتثالاً لأمر الله تعالى وهو من أفضل الأعمال حتّى قال النّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): « الإيمان شطران شطر صبر وشطر شكر » وفي حديث آخر « الصّبر صبران صبر على ما تكره وصبر عمّا تحبّ » فالصّبر الأول: مقاومة النّفس للمكاره الواردة عليها وثباتها وعدم انفعالها وقد سمّي ذلك سعة الصّدر وهو داخل في الشّجاعة.

والصّبر الآخر: مقاومة النّفس لقوّتها الشّهويّة وهو فضيلة داخلة تحت العفّة، وفي الخبر الثّالث: « يأتي زمان القابض على دينه كالقابض على الجمر » أيْ كما لا يقدر القابض على الجمر أن يصبر عليه لإحراق يده كذا المتديِّن يومئذ لا يقدر على ثباته على دينه لغلبة العصاة وانتشار الفتن وضعف الإيمان.

بعبارة أخرى: الصّبر هو ثبات النّفس وعدم اضطرابها في الشّدائد والمصائب، بحيث لا تخرجها عن سعة الصّدر وما كانت عليه قبل ذلك من السّرور والطّمأنينة.

قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): الصّبر ثلاثة: صبر عند المصيبة وصبر على الطّاعة وصبر (عن) المعصية، فمن صبر على المصيبة حتّى يردّها بحسن عزائها، كتب الله له ثلاثمئة درجة ما بين الدّرجة إلى الدّرجة كما بين السّماء إلى الأرض، ومن صبر على الطّاعة كتب الله له ستّمئة درجة ما بين الدّرجة إلى الدّرجة كما بين تخوم الأرض إلى العرش ومن صبر على المعصية كتب الله له تسعمئة درجة ما بين الدّرجة إلى الدّرجة كما بين تخوم الأرض إلى منتهى العرش (398) .

لذلك قال علماء الأخلاق إنّ الصّبر على ثلاث شعب:

الصّبر عن المعصية: أي الثّبات أمام دوافع الشّهوات العاديّة وارتكاب المعصية.

الصّبر على الطّاعة: أي المقاومة أمام المشاكل الّتي تعترض طريق الطّاعة.

الصّبر على المصيبة: أي الصّمود أمام الحوادث المُرّة وعدم الانهيار وترك الجزع والفزع.

 

 

 

يقول الله تبارك وتعالى: ﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ (399) .

القرآن يحثّ على الاستعانة بالصّبر والصّلاة للتّغلّب على الأهواء الشّخصيّة والميول النّفسيّة.

ويقول أيضًا: ﴿ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (400) .

يعني وما يُلَقَّى دفع السّيّئة بالحسنة إلا الّذين صبروا على كظم الغيظ واحتمال المكروه ويقول أيضًا: ﴿ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ (401) .

أي احبسوا أنفسكم على العبادة وجاهدوا أهواءكم.

 

 

 

يقول الله عزّ وجلّ: ﴿ وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (402) .

في هذه الآية وما قبلها وما بعدها ذكر الله عزّ وجلّ عوامل من عوامل النّصر من ضمنها طاعة الله تعالى ورسوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وترك التّنازع والصّبر على قتال الأعداء.

ويقول الله عزّ وجلّ: ﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُواْ وَكَانُواْ بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (403) .

أيْ جعلنا منهم رؤوساء في الخير يقتدي بهم ويهدون إلى أفعال الخير بإذن الله تعالى وذلك لمّا صبروا وقيل هم الأنبياء الّذين كانوا فيهم يدلّون النّاس على الطّريق المستقيم بأمر الله سبحانه.

ويقول تعالى في الصّبر في الحرب: ﴿ وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ(404) .

 

 

 

وقال سبحانه: ﴿ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (405) .

هذه العبارة استمرار لنصيحة المؤمنين الّتي ينصحون بها الآخرين، فيدعونهم إلى الصّبر والثّبات ويبشّرونهم بأنّ الله تعالى يعين الصّابرين والثّابتين. وقال سبحانه: ﴿ بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (406) .

يعني: إن صبرتم على الجهاد وعلى ما أمركم الله تعالى واتّقيتم معاصي الله ومخالفة رسوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يمدّكم الله سبحانه بما ذكر.

وقال سبحانه: ﴿ أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُواْ (407) .

أيْ بما تحمّلوا من الصّبر في الوصول إلى مرضاة الله تعالى.

وقوله سبحانه: ﴿ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ (408) .

يعني على طاعة الله تعالى وما ابتلاهم الله عزّ وجلّ به.

وقوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ (409) .

يعني أنّ ثوابهم على طاعتهم وصبرهم على شدائد الدّنيا ولكثرته لا يمكن عدّه وحسابه.

وقال عزّ وجلّ: ﴿ إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ﴾ فالصّبر والعمل الصّالح كأنّهما لا ينفصلان وقد استثنى الله سبحانه طائفة من النّاس ووصفهم بقوله: ﴿ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ﴾ ثمّ وعدهم وعدًا حسنًا.

 

 

 

يقول الله سبحانه: ﴿ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (410) ، يعني صبري صبر جميل لا جزع فيه ولا شكوى إلى النّاس وقيل إنّما يكون الصّبر جميلاً إذا قصد به وجه الله تعالى وجعل للوجه الّذي وجب فلمّا كان الصّبر هذا الموضع واقعًا على الوجه المحمود صحّ وصفه بذلك والآية تحكي قصّة يوسف (عليه السّلام) وأبيه (عليه السّلام)، وهناك آيات كثيرة في هذا المجال.

 

 

 

يقول الله عزّ وجلّ :﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ (156) أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (411) .

فقد جمع في هذه الآيات للصّابرين الصّلوات والرّحمة والهدى، وقال سبحانه: ﴿ وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا (412) .

يعني صبروا على ما نالهم منهم من التّكذيب والأذى في أداء الرّسالة وهذا أمر منه سبحانه لنبيّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالصّبر على كفّار قومه إلى أن يأتيه النّصر كما صبرت الأنبياء من قبل وهو تسلية لنبيّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وسيأتي المزيد.

وقال سبحانه: ﴿ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ (413) .

يعني الله سبحانه أسّس سنّة للبرّ والخير والاحسان من بينها الصّبر والثّبات والاستقامة.

وقال سبحانه: ﴿ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ (414) .

وقال عزّ وجلّ: ﴿ يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ (415) .

يعني اصبر على ما أصابك من المشقّة والأذى في الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، وقيل ما أصابك من شدائد الدّنيا ومكارهها من الأمراض وغيرها.

فهذه من الأمور الّتي يجب الثّبات والدّوام عليها والعزم والقوّة والحزم والجزم، طبعًا هناك آيات كثيرة في هذا الجانب وغيره وهناك ملاحظة وهي أنّ الآيات قد تشمل شعبتَيْن والثّلاثة فلاحظ.

 

 

 

فقد ورد أنّ الله عزّ وجلّ بعث محمّدًا (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فأمره بالصّبر والرّفق فقال: ﴿ وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً (10) وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُوْلِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً (416) .

وقال تبارك وتعالى: ﴿ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُواْ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (417) فصبر رسول الله حتّى نالوه بالعظائم ورجموه بها فضاق صدره فأنزل الله عزّ وجلّ ﴿ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ (418) ، ثمّ كذّبوه ورموه فحزن لذلك فأنزل الله عزّ وجلّ ﴿ قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (33) وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقدْ جَاءَكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ (419) . فألزم النّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) نفسه الصّبر فتحدّوه فذكر الله تبارك وتعالى وكذّبوه فقال قد صبرت في نفسي وأهلي وعرضي ولا صبر لي على ذكر إلهي فأنزل الله عزّ وجلّ ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ (38) فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ ﴾ فصبر النّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في جميع أحواله ثمّ بُشِّر بقوله ﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُواْ وَكَانُواْ بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (420) فعند ذلك قال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): الصّبر من الإيمان كالرّأس من الجسد، فشكر الله سبحانه ذلك له فأنزل الله عزّ وجلّ: ﴿ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُواْ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ (421) فقال إنّه بشرى وانتقام، فأباح الله عزّ وجلّ له قتال المشركين فأنزل الله: ﴿ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ (422) .

﴿ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ (423) ، فقتلهم الله سبحانه على يدَيْ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأحبّائه وجعل له ثواب صبره مع ما ادّخر في الآخرة فمن صبر واحتسب لم يخرج من الدّنيا حتّى يقرّ (الله) له عَيْنه في أعدائه مع ما يدّخر له في الآخرة.

 

 

 

يقول الله سبحانه: ﴿ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (424) ، يعني صبري صبر جميل لا جزع فيه ولا شكوى إلى النّاس وقيل إنّما يكون الصّبر جميلاً إذا قصد به وجه الله تعالى وفعل لوجه الله الّذي وجب طاعته فلمّا كان الصّبر في هذا الموضع واقعًا على الوجه المحمود صحّ وصفه بذلك والآية تحكي قصّة يوسف وأبيه (عليهما السّلام)، قد ضرب مثلاً في الحديث الّذي يقول: إنّ الحُرَّ حُرٌّ على جميع أحواله إنّ نابته نائبة صبر لها وإن تداكّت عليه المصائب لم تكسره وإن أُسِر وقُهِر واستبدل باليسر عسرًا كما كان يوسف الصّديق الأمين صلوات الله عليه لم يضرّ حريته أن استعبد وقهر وأسر ولم تضرّه ظلمة الجبّ ووحشته وما ناله إذ منّ الله عليه فجعل الجبّار العاتي له عبدًا بعد إن كان له مالكًا فأرسله ورحم به أمّة وكذلك الصّبر يعقب خيرًا فاصبروا ووطّنوا أنفسكم على الصّبر تؤجروا (425) .

فكما أنّ صبر يوسف (عليه السّلام) أعقب خيرًا عظيمًا له كذلك صبر كلّ أحد يعقب خيرًا له فقد صبرت المقاومة الإسلاميّة في لبنان ونالت ما أرادت وصبر الشّعب الفلسطينيّ في أرضه مع المواجهة سيجعله ينتصر على عدوّه، وقد قيل اصبر تظفر.

وقيل: إنّي وجدتّ في الأيّام تجربة

للصّبر عاقبة محمودة الأثر

وقلّ من جدّ في أمر يطالبه

فاستصحب الصّبر إلا فاز بالظّفر

 

 

 

ويكون من خلال تقوية باعث الدّين وتضعيف باعث الهوى بالمعاهدة. والرّياضة وذكر قلّة قدر الشّدة ودقّتها وفرار الجزع وقبحه وإن يكثر فكره في ما ورد في فضل الصّبر وحسن عواقبه في الدّنيا والآخرة وأن يعلم أنّ ثواب الصّبر على المصيبة أكثر ممّا فات.

 

 

 

فقد روي « أنّ أمّ عقيل كانت امرأة في البادية فنزل عليها ضَيْفان وكان ولدها عقيل مع الإبل فأخبرت بأنّه ازدحمت عليه الإبل فرمت به في البئر فهلك، فقالت المرأة للنّاعي: انزل واقضِ ذمام القوم ودفعت إليه كبشًا فذبحه وأصلحه وقرّب إلى القوم الطّعام فجعلوا يأكلون ويتعجبّون من صبرها (قال الرّاوي) فلمّا فرغنا خرجت إلينا وقالت: يا قوم هل فيكم من يحسن من كتاب الله شيئًا فقلت: نعم، قالت: فاقرأ عليّ آيات أتعزّى بها عن ولدي فقرأت ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ (156) أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾.

« فقالت السّلام عليكم ثمّ صفّت قدمَيْها وصلّت ركعات ثمّ قالت: اللّهم إنّي فعلت ما أمرتني فانجز لي ما وعدتني ولو بقي أحد لأحدٍ ـ قال فقلت في نفسي لبقيَ ابني لحاجتي إليه ـ فقالت لبقي محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لأمّته فخرجت » (426) .

 

 


(310) سورة البقرة، الآية: 25.

(311) سورة آل عمران، الآية: 133.

(312) سورة النّساء، الآية: 57.

(313) سورة الرّوم، الآية: 15.

(314) سورة الرّعد، الآية: 35.

(315) سورة الحجر، الآيات: 45 - 48.

(316) سورة النّحل، الآية: 31.

(317) سورة التّوبة، الآية: 72.

(318) سورة الكهف، الآية: 31.

(319) سورة فاطر، الآيات: 33 - 35.

(320) سورة الزّخرف، الآيات: 69 - 72.

(321) سورة الإنسان، الآيتان: 5 - 6.

(322) سورة المطفّفين، الآيات: 22 - 25 - 28.

(323) سورة الصّافات، الآيات: 41 - 49.

(324) سورة محمّد، الآية: 15.

(325) سورة الزّمر، الآية: 20.

(326) سورة طه، الآية: 75.

(327) سورة الغاشية، الآيات: 10 - 16.

(328) بحار الأنوار: ج 8، ص 196.

(329) سورة ص، الآية: 50.

(330) سورة المائدة، الآية: 72.

(331) سورة آل عمران، الآية: 142.

(332) سورة الإنسان، الآية: 12 - 21.

(333) رواه البيهقيّ كما في التّرغيب، ج 4، ص 11.

(334) سورة البقرة، الآية: 40.

(335) سورة الأنعام: الآية: 146.

(336) سورة البقرة: الآيتان: 83 - 84.

(337) سورة البقرة، الآية: 85.

(338) سورة المائدة، الآية: 70.

(339) سورة البقرة، الآية: 87.

(340) سورة البقرة، الآية: 61.

(341) سورة البقرة، الآية: 55.

(342) سورة النّساء، الآية: 153.

(343) سورة البقرة، الآيتان: 75 - 76.

(344) سورة البقرة، الآية: 80.

(345) سورة البقرة، الآية: 111.

(346) سورة المائدة، الآية: 18.

(347) سورة البقرة، الآية: 81.

(348) سورة البقرة، الآية: 89.

(349) سورة البقرة، الآية: 101.

(350) سورة آل عمران، الآيات: 100 - 102.

(351) سورة آل عمران، الآية: 72.

(352) سورة آل عمران، الآية: 69.

(353) سورة البقرة، الآية: 109.

(354) سورة البقرة، الآية: 74.

(355) سورة المائدة، الآية: 36.

(356) سورة الحشر، الآيتان: 13 - 14.

(357) سورة البقرة، الآيات: 94 - 96.

(358) سورة آل عمران، الآية: 142.

(359) سورة الحجّ، الآية: 41.

(360) سورة البقرة، الآية: 216.

(361) سورة الحجّ، الآية: 78.

(362) سورة البقرة، الآية: 190.

(363) سورة البقرة، الآية: 191.

(364) سورة البقرة، الآيتان: 192 - 193.

(365) سورة النّساء، الآية: 71.

(366) سورة الأنفال، الآية: 60.

(367) سورة النّساء، الآية: 74.

(368) سورة النّساء، الآية: 75.

(369) سورة النّساء، الآيتان: 95 - 96.

(370) سورة التّوبة (براءة)، الآيتان: 120 - 121.

(371) سورة براءة، الآية: 91.

(372) سورة البقرة، الآية: 217.

(373) سورة التّوبة، الآية: 123.

(374) سورة التّوبة، الآية: 123.

(375) سورة الأنفال، الآيتان: 15 - 16.

(376) سورة الأنفال، الآيتان: 65 - 66.

(377) سورة النّساء، الآية: 84.

(378) سورة التّوبة، الآية: 73.

(379) سورة التّوبة، الآية: 29.

(380) سورة الحجرات، الآية: 9.

(381) سورة المائدة، الآية: 54.

(382) سورة محمّد، الآيات: 4 - 6.

(383) سورة محمّد، الآية: 4.

(384) سورة الممتحنة، الآيتان: 10 - 11.

(385) سورة الممتحنة، الآية: 12.

(386) سورة النّساء، الآية: 94.

(387) سورة الأنفال، الآية: 61.

(388) سورة النّساء، الآيات: 97 - 99.

(389) سورة البقرة، الآيات: 154 - 157.

(390) سورة آل عمران، الآية: 169.

(391) سورة الحديد، الآية: 19.

(392) بحار الأنوار: ج 78، ص 245.

(393) سورة النّور، الآية: 62.

(394) سورة البقرة، الآية: 153.

(395) سورة الزّمر، الآية: 10.

(396) سورة الزّمر، الآية: 10.

(397) سورة لقمان، الآية: 17.

(398) البرهان في تفسير القرآن: ج 7، ص 361.

(399) سورة البقرة، الآية: 45.

(400) سورة فصّلت، الآية: 35.

(401) سورة آل عمران، الآية: 200.

(402) سورة الانفال، الآية: 46.

(403) سورة السّجدة، الآية: 24.

(404) سورة آل عمران، الآية: 146.

(405) سورة البقرة، الآية: 249.

(406) سورة آل عمران، الآية: 125.

(407) سورة الفرقان، الآية: 75.

(408) سورة الأحزاب، الآية: 35.

(409) سورة الزّمر، الآية: 10.

(410) سورة يوسف، الآية: 18.

(411) سورة البقرة، الآيات: 155 - 157.

(412) سورة الأنعام، الآية: 34.

(413) سورة البقرة، الآية: 177.

(414) سورة الحجّ، الآية: 35.

(415) سورة لقمان، الآية: 17.

(416) سورة السّجدة، الآية: 24.

(417) سورة فصّلت، الآية: 35.

(418) سورة الحجر، الآيتان: 97 - 98.

(419) سورة الأنعام، الآيتان: 33 - 34.

(420) سورة السّجدة، الآية: 24.

(421) سورة الأعراف، الآية: 137.

(422) سورة التّوبة، الآية: 5.

(423) سورة البقرة: 191.

(424) سورة يوسف، الآية: 18.

(425) البرهان في تفسير القرآن: ج 12، ص 77.

(426) البحار: ج 79، ص 153، بالمضمون.