مفاهيم قرآنيّة

 

 جمعيّة القرآن الكريم للتّوجيه والإرشاد

بيروت - لبنان

الطّبعة الأولى، صفر 1432هـ // 2012م

 

 

 المنافقون في القرآن الكريم 131
 ذكر الموت في القرآن الكريم 143
 الآخرة في القرآن الكريم 155
 جهنّم في القرآن الكريم 165

 

 


المنافقون في القرآن الكريم


 

يقول الله عزّ وجلّ متوعّدًا المنافقين: ﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (215) .

لقد اهتمّ القرآن الكريم بأمر المنافقين اهتمامًا بالغًا وحمل عليهم حملة عنيفة بذكر مساوئ أفعالهم وأكاذيبهم وخدائعهم ودسائسهم والفتن الّتي أقاموها على النّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وعلى المسلمين، وقد تكرّر ذكرهم في السّور القرآنيّة. كسورة البقرة وآل عمران والنّساء والمائدة والأنفال والتّوبة والعنكبوت والأحزاب والفتح والحديد والحشر والمنافقون والتّحريم.

وقد أوعدهم الله تعالى في كلامه أشدّ الوعيد ففي الدّنيا بالطّبع على قلوبهم وجعل الغشاوة على سمعهم وعلى أبصارهم وإذهاب نورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون وفي الآخرة يجعلهم في الدّرك الأسفل من كيدهم ومكرهم وأنواع دسائسهم، ويكفيك فيهم قوله تعالى لنبيّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يشير إليهم: ﴿ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ (216) . لقد واجهت ثورة الإسلام في عصرها الأوّل مجموعة من المنافقين فبعد الهجرة المباركة وضعت أوّل لبنة للدّولة الإسلاميّة في غزوة « بدر » وهذه الانتصارات عرّضت للخطر مصالح زعماء المدينة وخاصّة اليهود منهم، مع أنّهم كانوا يبشّرون قبل البعثة النّبويّة المباركة بظهور النّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم). ولكنّ الهجرة النّبويّة بدّدت آمالهم ورأوا أنّ الجماهير تندفع نحو الإسلام وتنقاد إلى النّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حتّى عمّت الدّعوة ذويهم وأقاربهم فلم يروا بدًّا من الاستسلام والتّظاهر بالاسلام تجنّبًا لمزيد من الأخطار الاقتصاديّة والاجتماعيّة وغير ذلك فراحوا يخطّطون خفية للإطاحة بالإسلام.

 

 

 

للنّفاق مفهوم خاصّ وآخر عامّ.

أمّا الأوّل: فهو صفة أولئك الّذين يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر.

بمعنى آخر: هو الدّخول في الإسلام من وجهٍ والخروج عنه من آخر.

وأمّا مفهومه العامّ: فهو يشمل على ازدواجيّة بين الظّاهر والباطن وكلّ افتراق بين القول والعمل، من هنا قد يوجد في قلب المؤمن بعض ما نسمّيه « خيوط النّفاق » ففي الحديث النّبويّ الشّريف: « ثلاث من كنّ فيه كان منافقًا وإن صام وصلّى وزعم أنّه مسلم: من إذا اؤتمن خان وإن حدّث كذب وإذا وعد أخلف ».

فالحديث لا يدور هنا طبعًا عن المنافقين بالمعنى الخاصّ بل عن الّذي في قلبه خيوط من النّفاق تظهر على سلوكه بأشكال مختلفة وخاصّة بشكل رياء كما جاء في الحديث: « الرّياء شجرة لا تثمر إلا الشّرك الخفيّ وأصلها النّفاق ».

ثمّ إنّ الله سبحانه وتعالى قسّم النّاس في القرآن الكريم حسب ارتباطهم بخطّ الإسلام وعدمه إلى ثلاثة أقسام، وحقيقتهم هي على الشّكل التّالي:

1 - المتّقون: وهم الّذين تقبّلوا الإسلام في جميع أبعاده.

2 - الكافرون: وهم الّذين لم يتقبّلوا الإسلام في جميع أبعاده، وهم يعترفون بكفرهم، ولا يأبون أن يظهروا عداءهم للإسلام في القول والعمل.

3 - المنافقون: وهم ذوو الشّخصيّتَيْن: شخصيّة إسلاميّة أمام المسلمين وشخصيّة معادية للإسلام أمام أعداء الدّين، شخصيّتهم الأصليّة هي الكفر طبعًا وإن تظاهروا بالإسلام.

وبعبارة أخرى يطلق المنافقون على معانٍ منها أن يظهر الإسلام ويكنّ (يبطن) الكفر وهو المعنى المشهور، ومنها الرّياء، ومنها أن يظهر الحبّ ويكون في الباطن فاسقًا، وقد يطلق على من يدّعي الإيمان ولم يعمل بمقتضاه ولم يتّصف بالصّفات الّتي ينبغي أن يكون المؤمن عليها فكان باطنه مخالفًا لظاهره.

 

يقول الله سبحانه وتعالى مشيرًا إلى عشر علامات لهم في سورة المنافقين وهي:

1 - الكذب الصّريح والواضح ﴿ إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُواْ نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (217) .

2 - الاستفادة من الحلف الكاذب لتضليل النّاس ﴿ اتَّخَذُواْ أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (218) .

3 - عدم إدراكهم الواقع بسبب إعراضهم عن جادّة الصّواب وطريق الهداية وبعد تشخيصه ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (219) .

4 - تمتّعهم بظواهر مغرية وألسنة ناعمة تخفي وراءها بواطن مظلمة خاوية فارغة منخورة ﴿ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُواْ تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ (220) .

5 - الحياة الفارغة في المجتمع ورفضهم الخضوع لمنطق الحقّ فهم كالخشبة اليابسة ﴿ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ (221) .

6 - يغلب عليهم سوء الظّنّ والخوف والتّرقّب لما ينطوون عليه من نزعة خيانيّة ﴿ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (222) .

7 - استهزاؤهم بالحقّ واستهتارهم به ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْاْ رُؤُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ (223) .

8 - الفسق والفجور وارتكاب المعاصي والذّنوب ﴿ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (224) .

9 - يتملّكهم شعور بأنّ لهم كلّ شيء، وكلّ النّاس في حاجة ماسة إليهم ﴿ هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنفِقُواْ عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنفَضُّواْ وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ (225) .

10 - يتصوّرون ويتخيّلون دائمًا أنّهم أعزّاء بينما الآخرون أذلّة ﴿ يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ (226) .

هذا علمًا بأنّ علامات المنافقين لا تنحصر بهذه العلامات، فقد وردت علامات أخرى في القرآن الكريم والرّوايات ويمكن اكتشاف علامات أخرى من خلال معاشرتهم، ويمكن اعتبار العلامات العشر المذكورة أهمّ تلك العلامات.

المواصفات الرّوحيّة للمنافقين وأعمالهم كما وردت في سورة البقرة:

يقول الله عزّ وجلّ: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ (10) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُواْ فِي الْأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لَّا يَشْعُرُونَ (12) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِن لَّا يَعْلَمُونَ (13) وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ (14) اللَّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (227) .

لقد بيّن الله سبحانه من خلال هذه الآيات الخصائص الرّوحيّة للمنافقين وأعمالهم القبيحة والخطيرة. ولقد أشرنا إلى أنّ المسلمين واجهوا في عصر انبثاق الرّسالة مجموعة لم تكن تملك الإخلاص اللازم للإيمان ولا القدرة اللازمة للمعارضة، هذه المجموعة المذبذبة ذات الشّخصيّتَيْن كانت نافذة في صفوف المسلمين، وكانت تشكّل خطرًا كبيرًا على الإسلام، غير أنّ القرآن بيّن بدقّة مواصفاتهم وأعطى للمسلمين معايير حيّة لمعرفتهم في كلّ زمان ومكان ليحذرهم وهنا بيَّن سبحانه الأمور التّالية:

1 - بَيَّنَ المفهوم العام للنّفاق والمنافقين ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ ﴾.

2 - بَيَّنَ أنّهم يعتبرون أعمالهم نوعًا من الشّطارة والدّهاء بينما لا يشعرون هؤلاء أنّهم يسيئون بعملهم هذا إلى أنفسهم والّذي لا يجنون منه إلا الخسران والعذاب الإلهيّ ﴿ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ﴾.

3 - بَيَّنَ سبحانه أنّ النّفاق في حقيقته نوع من المرض لأنّ الانسان السّالم له وجه واحد فقط وفي ذاته انسجام كامل بين الرّوح والجسد لأنّ الظّاهر والباطن والرّوح والجسم يكمل أحدهما الآخر: ﴿ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ (228) .

4 - بَيَّنَ بأنّهم يظهرون أنّهم يمارسون الإصلاح بينما هم يتحرّكون على خطّ التّخريب والفساد ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُواْ فِي الْأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لَّا يَشْعُرُونَ (229) .

5 - بَيَّنَ أنّهم يعتبرون المؤمنين سفهاء وبسطاء وأمّا هم فاعتقادهم بأنفسهم أنّهم ذوو عقل وتدبير ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِن لَّا يَعْلَمُونَ (230) .

6 - بَيَّنَ أنّ من علاماتهم أنّهم يتلوّنون بألوان معيّنة تبعًا لما تفرضه عليهم مصالحهم فهم انتهازيّون يظهرون الولاء للمؤمنين ولأعدائهم من الشّياطين ﴿ وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ ﴾ فكان ردّ القرآن عليهم ﴿ اللَّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (231) .

ثمّ بَيَّنَ سبحانه مصير هؤلاء المنافقين ﴿ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ ﴾ فقد أوضحت المصير الأسود المظلم لهؤلاء المنافقين وخسارتهم في سيرتهم الحيثيّة الضّالة.

 

 

 

يقول الله سبحانه:﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلَاةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً (142) مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً (232) .

بيّنت هذه الآيات جملة من أعمالهم المنافية للإيمان وهي:

1 - ﴿ يُخَادِعُونَ اللَّهَ ... ﴾ وخداعهم لله سبحانه إظهارهم الإيمان الّذي حقنوا به دماءهم وأموالهم ﴿ وَهُوَ خَادِعُهُمْ ﴾ معنى خداع الله تعالى إيّاهم أن يجازيهم على خداعهم الّذي لا يخفى على الله سبحانه.

2 - ﴿ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلَاةِ قَامُواْ كُسَالَى ﴾ متثاقلين (يراؤون النّاس) يعني أنّهم لا يعملون عملاً من أعمال العبادات على وجه القربة إلى الله تعالى وإنّما يفعلون ذلك إبقاءً على أنفسهم وحذرًا من القتل وسلب الأموال وإذا رآهم المسلمون صلّوا ليرَوْهم أنّهم يدينون بدينهم وإن لم يرهم أحد لم يصلّوا.

3 - ﴿ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً ﴾ بالمقدار الّذي يخفي خداعهم، وإنّما وصف بالقلّة لأنّه لغير الله سبحانه.

4 - ﴿ مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ ﴾ يعني مردّدين بين الكفر والإيمان، قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): « إنّ مثلهم مثال الشّاة العابرة - المتردّدة - بين الغنمَيْن تتحيّر فتنظر إلى هذه وهذه ولا تدري أيّهما تتّبع ».

 

 

 

يقول الله تعالى: ﴿ فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُواْ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُواْ لَا تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَّوْ كَانُواْ يَفْقَهُونَ (233) .

فقد أخبر سبحانه أنّ جماعة من المنافقين الّذين خلّفهم النّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ولم يخرجهم معه إلى تبوك استأذنوه في التّأخّر فأذن لهم ففرحوا بقعودهم عن الجهاد وذلك طلبًا للرّاحة والدّعة وعدولاً عن تحمّل المشاقّ في طاعة الله ومرضاته.

قل لهم يا محمّد: نار جهنّم وَجَبت لهم بالتّخلّف عن أمر الله تعالى ﴿ أَشَدُّ حَرّاً ﴾ من هذا الحرّ ﴿ لَّوْ كَانُواْ يَفْقَهُونَ ﴾ أوامر الله تعالى ووعده ووعيده.

ويقول الله سبحانه في هذا السّياق ﴿ وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ (49) إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُواْ قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِن قَبْلُ وَيَتَوَلَّواْ وَّهُمْ فَرِحُونَ (234) .

تشير هذه الآيات إلى أنّه من المنافقين من يقول ائذن لي في القعود عن الجهاد إلا في العصيان وَقَعوا بمخالفتهم أمرك في الخروج إلى الجهاد.

قصّة هذه الآيات هي أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لمّا استنفر النّاس إلى تبوك قال: انفروا لعلّكم تغنمون بنات الأصفر فقام جد ابن قيس فقال يا رسول: الله ائذن لي ولا تفتنّي ببنات الأصفر فإنّي أخاف أن أفتتن بهنّ، فقال قد أذنت لك فأنزل الله تعالى ﴿ وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي ﴾ الآيات.

 

 

 

يقول الله سبحانه: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُُ ﴾ (235) .

من أسباب نزول هذه الآيات هو أنّ « الأخنس بن شريق » كان رجلاً وسيمًا عذب البيان يتظاهر بالإسلام وبحبّ الرّسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وكان كلّما جلس عند النّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أقسم بالله سبحانه على إيمانه وعلى حبّه للرّسول، كان الرّسول يغدق عليه من لطفه وحبّه.

وعندما نشب العداء بينه وبين قبيلة « ثقيف » هجم عليهم وقتل أحشامهم وأباد زرعهم.

وقال بعض المفسّرين: إنّه مرّ على مزرعة للمسلمين فأحرقها وأباد أنعامها وبذلك أظهر ما كان يبطنه من نفاق، فنزلت الآية.

وللتّحذّر من المنافق المنطيق ورد عن عليّ (عليه السّلام): « ولقد قال لي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): إنّي لا أخاف على أمّتي مؤمنًا ولا مشركًا، أمّا المؤمن فيمنعه الله بإيمانه، وأمّا المشرك فيقمعه الله بشركه، ولكنّي أخاف عليكم كلّ منافق الجنان، عالم اللّسان يقول ما تعرفون ويفعل ما تنكرون ».

 

 

 

يقول الله سبحانه: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ (236) .

أخبر سبحانه أنّه وعد الّذين يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر النّار وكذلك الكفّار وإنّما فصل النّفاق من الكفر وإن كان النّفاق كفرًا ليبيّن الوعيد على كلّ واحد من الصّنفَيْن وقد أبعدهم من جنّته وخيره وأعدّ لهم عذابًا دائمًا لا يزول.

وعن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): جيء يوم القيامة ذو الوجهَيْن دالعًا لسانه في قفاه وآخر من قدامه، يلتهبان نارًا حتّى يلهبا جسده، ثمّ يقال له: هذا الّذي كان في الدّنيا ذا وجهَيْن وذا لسانَيْن يعرف بذلك يوم القيامة.

 

يقول الله سبحانه: ﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً (145) إِلَّا الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَاعْتَصَمُواْ بِاللَّهِ وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً (237) .

استثنى الله سبحانه من العذاب في الدّرك الأسفل من النّار الّذين تابوا من نفاقهم وأصلحوا نيّاتهم وتمسّكوا بكتاب الله تعالى وصدّقوا رسله وتبرّأوا من الآلهة والأنداد فإنّهم إذا فعلوا ذلك يكونون في الجنّة مع المؤمنين ومحلّ الكرامة وإنّما اشترط على المنافقين الإخلاص بعد الإصلاح والاعتصام لأنّ النّفاق ذنب القلب والإخلاص توبة القلب.

 

قيل أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) خطب ذات يوم بتبوك وذكر المنافقين فسمّاهم رجسًا وعابهم، فقال الجلاس: والله لئن كان محمّد صادقًا فينا يقول فنحن شرّ من الحمير فسمعه عامر بن قيس فقال: أجل والله إنّ محمّدًا لصادق وأنتم شرّ من الحمير، فلمّا انصرف رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى المدينة أتاه عامر بن قيس فأخبره بما قال الجلاس فقال الجلاس: كذب يا رسول الله، فأمرهما رسول الله أن يحلفا عند المنبر فقام الجلاس عند المنبر فحلف بالله ما قال ثمّ قام عامر فحلف بالله لقد قاله ثمّ قال: اللّهم أنزل على نبيّك الصّادق منّا الصّدق، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والمؤمنون: آمين، فنزل جبرائيل (عليه السّلام) قبل أن يتفرّقا بهذه الآية حتّى بلغ فإن يتوبوا يك خيرًا لهم فقام الجلاس فقال: يا رسول الله أسمع الله قد عرض عليّ التّوبة، صدق عامر بن قيس فيما قال لك، لقد قلته وأنا أستغفر الله وأتوب إليه فقبل رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ذلك منه.

يقول الله سبحانه: ﴿ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ وَمَا نَقَمُواْ إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْراً لَّهُمْ وَإِن يَتَوَلَّوْاْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (238) .

اللّهم إنّا نسألك التّوبة من كلّ ذنب عظيم ونسألك الرّحمة والرّضوان وأعلى الجنان والسّلام عليكم ورحمة الله.

 

 


ذكر الموت في القرآن الكريم


 

يقول الله عزّ وجلّ: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ (239) .

تشير هذه الآية إلى قانون « الموت » العامّ وإلى مصير النّاس في يوم القيامة ليكون ذلك تسلية للنّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والمؤمنين وتحذيرًا كذلك للمعارضين العصاة. فهو قانون عامّ يشمل جميع الأحياء في هذا الكون والنّاس وإن كان أكثرهم يحبّ أن ينسى مسألة الفناء ويتجاهل الموت، ولكن هذا الأمر حقيقة واقعة إن حاولنا تناسيها والتّغافل عنها، فهي لا تنسانا، ولا تتغافل عنّا. إنّ لهذه الحياة نهاية لا محالة، ولا بدّ أن يأتي ذلك اليوم الّذي يزور فيه الموت كلّ أحد ولا يكون أمامه - حينئذٍ - إلا أن يفارق هذه الحياة وستكون بعد هذه المرحلة مرحلة أخرى هي مرحلة الثّواب والعقاب، وبالتّالي الجزاء على الأعمال فهنا عمل ولا حساب وهناك حساب ولا عمل، « فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ » فهي تعني أنّ الّذين استطاعوا أن يحرّروا أنفسهم من جاذبيّة النّار ويدخلوا الجنّة فقد نجوا من الهلكة ولقوا ما يحبّونه، وكأنّ النّار تحاول بكلّ طاقتها أن تجذب الآدميّين نحو نفسها حقًّا إنّ هناك عوامل عديدة تحاول أن تجذب الإنسان إلى نفسها وهي على درجة كبيرة من الجاذبيّة.

أليس الشّهوات العابرة واللّذات الجنسيّة غير المشروعة والثّروات والمناصب غير المباحة مثل هذه الجاذبيّة القويّة؟ فإمّا أن يسقطوا في أسرها، أو ينجو منها بتربية النّفس حتّى تصل إلى مرتبة النّفس المطمئنّة وبالتّالي يفوزوا بالجنّة.

ونحن الآن في بحثنا لهذا الموضوع نطرح علاجًا لطول الأمل ولحبّ الدّنيا والانغماس في الملذّات المحرّمة فقد ورد عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): أنّه مرّ بمجلس قد استعلاه الضّحك فقال: شوبوا مجلسكم بذكر مكدّر الّلذات، قالوا: وما مُكدّر الّلذات قال: الموت.

ونحن سنذكّر به من خلال الآيات القرآنيّة إن شاء الله تعالى.

 

الموت: ضدّ الحياة، وهو السّكون وكلّ ما سكن فقد مات وقد قيل إنّي لأرجو أن تموت الرِّيح - فاسكن اليوم واستريح، فالموت إذا دخل الإنسان لم يدخل في شيء إلا وخرجت منه الحياة فهو إذن فقد الحياة وآثارها من الشّعور والإرادة عمّا من شأنه أن يتّصف بها قال تعالى: ﴿ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ (240) .

وقال في الأصنام ﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ (241) .

والموت يقع بحسب أنواع الحياة: فمنها ما هو بأزاء القوّة النّامية الموجودة في الحيوان والنّبات كقوله تعالى: ﴿يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ﴾ ومنها زوال القوّة العاقلة « وهي الجهالة » كقوله: ﴿ أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ ﴾ و ﴿ إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الْمَوْتَى ﴾ ومنها الحزن والخوف المكدّر للحياة كقوله تعالى: ﴿ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ (242) وقد يستعار الموت للأحوال الشّاقّة كالفقر والذّل والسّؤال والهرم وغير ذلك ومن ذلك (ميتة السّوء) بفتح السّين، وهي الحالة الّتي يكون عليها الإنسان عند الموت كالفقر المدقع والواصب الموجع والألم المغلق والأعلال الّتي تقضي به إلى كفران النّعمة، ونسيان الذّكر والأحوال تشغله عمّا له وعليه.

 

 

 

إعلم أنّ المنهمك في الدّنيا المكبّ على غرورها المحبّ لشهواتها يغفل قلبه لا محالة عن ذكر الموت فلا يذكره وإذا ذكّر به كرهه ونفر منه أولئك هم الّذين قال الله تعالى فيهم: ﴿ قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (243) .

والنّاس إمّا منهمك أو تائب مبتدئ أو عارف منتبه، أمّا المنهمك فلا يذكر الموت وإن ذكره فيذكره ليتأسّف على دنياه وهذا يزيده ذكر الموت من الله بعدًا.

والثّاني فإنّه يكثر ذكر الموت لينبعث به من قلبه الخوف والخشية فيَفي بتمام التّوبة وربّما يكره الموت خيفة من أن يختطفه قبل تمام التّوبة وقبل إصلاح الزّاد وهو معذور في كراهة الموت ولا يدخل هذا تحت قوله (عليه السّلام): « من كره لقاء الله كره الله لقاءه » فإنّ هذا ليس كالّذي يتأخّر عن لقاء الحبيب مشتغلاً بالاستعداد له لا شغل له سواه وإلا التحق بالمنهمك في الدّنيا.

وأمّا العارف فإنّه يذكر الموت دائمًا لأنّه موعد للقائه لحبيبه والمحبّ لا ينسى قَطًّا موعد لقاء الحبيب. روي عن حذيفة (رض) أنّه لمّا حضرته الوفاة قال: حبيب جاء على فاقة لا أفلح من ندم، اللّهم إن كنت تعلم أنّ الفقر أحبّ إليَّ من الغنى والسّقم أحبّ إليَّ من الصّحة والموت أحبّ إليّ من الحياة فسهّل عليّ الموت حتّى ألقاك.

فإذن التّائب معذور في كراهة الموت وهذا معذور في حبّ الموت وتمنّيه وأعلى رتبة منهما من يفوّض أمره إلى الله فصار لا يختار لنفسه موتًا ولا حياة بل يكون أحبّ الأشياء إليه أحبّها إلى مولاه فهذا قد انتهى بفرط الحبّ والولاء إلى درجة التّسليم والرّضا وعلى كلّ حال ففي ذكر الموت ثواب وفضل وقد روي عن النّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): أكثروا ذكر هادم اللّذات الموت (244) .

 

 

 

يقول الله عزّ وجلّ: ﴿ قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِندَ اللَّهِ خَالِصَةً مِّن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (245) .

﴿ وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمينَ (246) .

يبدو من تاريخ اليهود، أنّهم كانوا يعتقدون أنّ الجنّة خلقت لهم لا لسواهم، وأنّ نار جهنّم لن تمسّهم وأنّهم أبناء الله سبحانه وخاصّته وأنّهم يحملون جميع الفضائل والمحاسن فلو كان اعتقادهم قطعيًّا أنّهم من أهل الجنّة كان الموت أحبّ إليهم من حياة الدّنيا الّتي فيها أنواع المشاقّ والهموم والآلام والغموم ومن كان على يقين أنّه إذا مات تخلّص منها وفاز بالنّعيم المقيم فإنّه يؤثر الموت على الحياة، فكشف الله سبحانه زيف ادّعائهم.

خوف النّاس من الموت يعود إلى عاملَيْن:

1 - الخوف من الفناء والعدم، وهذا الخوف يلاحق هؤلاء في أسعد لحظات حياتهم فيحوّلها إلى علقم في أفواههم.

2 - الخوف من العقاب، مثل هذا الخوف يلاحق المذنبين المؤمنين بالآخرة فيخافون أن يحين حينهم وهم مثقلون بالثّمّ والأوزار، فينالوا جزاءهم، ولذلك يودّون أن تتأخّر ساعة انتقالهم إلى العالم الآخر. الأنبياء العظام أحيوا في القلوب الإيمان باليوم الآخر وبذلك أبعدوا شبح الفناء والانعدام من الأذهان، وبيّنوا أنّ الموت انتقال إلى حياة أبديّة خالدة منعّمة.

ومن جهة أخرى دعا الأنبياء إلى العمل الصّالح كي يبتعد الإنسان عن الخوف من العقاب ولكي يزول عن القلوب والأذهان كلّ خوف من الموت.

 

 

 

يقول الله تعالى: ﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (247) .

يعني خلق الموت للتّعبّد بالصّبر عليه والحياة للتّعبّد بالشّكر عليها وقيل خلق الموت للاعتبار والحياة للتّزوّد، وليعاملكم معاملة المختبر بالأمر والنّهي فيجازي كلّ عامل بقدر عمله.

 

يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ (248) .

وقوله تعالى: ﴿ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ (249) .

وقوله سبحانه: ﴿ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (250) .

إعلم أنّه قد مات أرسطاطاليس معلم الأطباء وأفلاطون رئيس الحكماء وجالينوس شاخ ودقّ بصره وما دفع الموت حين نزل بساحته ولم يألوا حفظ أنفسهم والنّظر لما يوافقها، كم من مريض زاده المعالج سقمًا وكم من طبيب علام وبصير بالأدواء والأدوية ماهر مات وعاش الجاهل بالطّبّ بعده زمانًا فلا ذاك نفعه عمله عند انقطاع مدّته وحضور أجله ولا هذا ضرّه الجهل بالطّبّ مع بقاء المدّة وتأخّر الأجل.

ويقول الله سبحانه في هذا المجال أيضًا: ﴿ وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ (251) .

« فلو بقيت الدّنيا لأحد لكانت للأنبياء أحقّ بالبقاء وأولى بالرّضا غير أنّ الله خلق الدّنيا للبلاء وخلق أهلها للفناء فجديدها بال ونعيمها مضمحلّ وسرورها مكفهّر ﴿ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الْأَلْبَابِ ﴾ وقد ذكر في نفس السّياق قوله تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاَقِيكُمْ (252) ، تعدّ السّنين ثمّ تعدّ الشّهور ثمّ تعدّ الأيام ثمّ تعدّ السّاعات ثمّ تعدّ النّفس ﴿ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ (253) .

إلى غير ذلك من الآيات والأدلّة على حتميّة الموت والفناء.

 

 

 

يقول الله عزّ وجلّ: ﴿ الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلاَئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلاَمٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (254) .

يعني طيّبي الأعمال طاهري القلوب من دنس الشّرك فإنّ وفاتهم لا يكون فيها صعوبة وتقول الملائكة سلام عليكم أيْ سلامة لكم من كلّ سوء فلمّا بشروا بالسّلامة صارت الجنّة كأنّها دارهم وهم فيها وقد ورد أنّ « الموت للمؤمن كنزع ثياب وسخة قملة وفكّ قيود وأغلالٍ ثقيلةٍ والاستبدال بأفخر الثّياب وأطيبها روائح وأوطأ المراكب وآنس المنازل وللكافر كخلع ثياب فاخرة والنّقل عن منازل أنيسة والاستبدال بأوسخ الثّياب وأخشنها وأوحش المنازل وأعظم العذاب ».

نزول الملائكة على المؤمنين المستقيمين عند الموت وبشارتهم لهم بالجنّة يقول الله سبحانه: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُواْ وَلَا تَحْزَنُواْ وَأَبْشِرُواْ بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (255) .

 

 

 

يقول الله سبحانه: ﴿ وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ ﴾ يعني جاءت غمرة الموت وشدّته الّتي تغشى الإنسان وتغلّب على عقله بالحقّ أيْ أمر الآخرة حتّى عرفه صاحبه واضطر إليه، وقيل معناه جاءت سكرة الموت بالحقّ الّذي هو الموت، ويقال لمن جاءته سكرة الموت ذلك الموت ما كنت منه تهرب وتميل وقال الله سبحانه: ﴿ كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ (26) وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ (27) وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ (28) وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ (29) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ (256) .

 

 

 

أفضل الموت هو موت الشّهادة وقد نظم في ذلك:

وإن تكن الأبدان للموت أنشئت               فقتل امرىء بالسّيف في الله أفضل

يقول الله سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَا تَكُونُواْ كَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَقَالُواْ لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُواْ فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُواْ غُزّىً لَّوْ كَانُواْ عِندَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾.

﴿ وَلَئِن قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ (257) .

فالله سبحانه هو الّذي يحيي ويميت في السّفر والحضر عند حضور الأجل لا مقدم لما أخّر ولا مؤخّر لما قدّم ولا رادّ لما قضى ولا محيص عمّا قدّر وهذا التّضمّن منع النّاس من التّخلّف عن الجهاد خشيت القتل بأنّ الإحياء والإماتة بيد الله سبحانه فلا حياة لمن قدّر الله سبحانه موته ولا موت لمن قدّر الله تعالى حياته ثمّ خاطب المؤمنين وبيّن لهم إذا قتلوا في الجهاد أنّ لهم: « لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ ».

يروى عن عليّ (عليه السّلام) أنّه قال: « أيّها النّاس إنّ الموت لا يفوته المقيم ولا يعجزه الهارب، ليس عن الموت معيد ولا محيص، من لم يقتل مات وإنّ أفضل الموت القتل والّذي نفس عليّ بيده لألف ضربة بالسّيف أهون من موتة واحدة على الفراش » (258) .

 

 

 

يقول الله سبحانه: ﴿ وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً (259) .

فهذا مثاله كالمريض الّذي ينهاه طبيب حاذق حنون عن أمور معيّنة ويأمره بالحمية ويخبره بأنّه إذا لم يلتزم فسيبتلى بمرض خطير كالسّرطان مثلاً، ولا يأبه بأوامر الطّبيب ويرى تعليماته غير ذات معنى ويهزأ بها، وعندما يبتلى بمرض السّرطان ويعاني من ويلات آلامه ويتهدّده الموت يندم لعدم التزامه بما قاله الطّبيب، فما نفع هذا النّدم؟

يقول الله سبحانه: ﴿ إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (260) .

 

 

 

يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿ فَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُمْ مُّسْلِمُونَ (261) .

يعني الزموا الإسلام فإنّ أدرككم الموت صادفكم مسلمين.
 

 

 

عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): « يتّبع الميت ثلاثة: أهله وماله وعمله فيرجع اثنان ويبقى واحد، يرجع أهله وماله ويبقى عمله » (262) .

 

 

 

يقول الله سبحانه: ﴿ قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (263) .

أيْ يقبض أرواحكم أجمعين ملك الموت الّذي وكلّ بقبض أرواحكم وإلى جزاء ربّكم من الثّواب والعقاب تردّون.

وروى عن ابن عبّاس قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): « الأمراض والأوجاع كلّها بريد للموت ورسل للموت فإذا حان الأجل أتى ملك الموت بنفسه فقال: يا أيّها العبد كم خبر بعد خبر وكم رسول بعد رسول وكم بريد بعد بريد أنا الخير الّذي ليس بعدي خير وأنا الرّسول أجب ربّك طائعًا أو مكرهًا فإذا قبض روحه وتعارفوا عليه قال: على من تصرخون وعلى من تبكون فوالله ما ظلمت له أجلاً ولا أكلت له رزقًا بل دعاه ربّه فليبك الباكي على نفسه فإنّ لي فيكم عودات وعودات حتّى لا أبقي منكم أحدًا ».

 

 

 

عن حيتمة قال: دخل ملك الموت على سليمان بن داوود (صلوات الله عليه) فجعل ينظر إلى رجل من جلسائه يديم النّظر إليه فلمّا خرج قال الرّجل لسليمان (عليه السّلام) من هذا قال: هذا ملك الموت، قال: لقد رأيته ينظر اليّ كأنّه يريدني قال: فماذا تريد؟ قال: أريد أن تخلّصني منه فتأمر الرّيح حتّى يحملني إلى أقصى الهند فأمر سليمان (عليه السّلام) الرّيح ففعل ذلك ثمّ قال سليمان (عليه السّلام): لملك الموت بعد أن أتاه ثانية، رأيتك تديم النّظر إلى واحد من جلسائي قال نعم، كنت أتعجب منه لأنّي كنت أمرت أن أقبض روحه بأقصى الهند في ساعة قريبة وكان عندك فتعجّبت من ذلك.

 

 


الآخرة في القرآن الكريم


 

يقول الله عزّ وجلّ: ﴿ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (264) .

إعلم أنّه لم يخلق الإنسان هملاً وعبثًا فالخالق عيّن للكائن البشريّ مسيرة تكامليّة لا تنتهي إطلاقًا بموته، إذ لو كان الموت نهاية المسيرة لكانت حياة الإنسان عبثًا لا طائل تحته.

فعدالة الله تعالى المطلقة في انتظار الجميع ولا شيء من أعمال البشر في هذه الدّنيا يبقى بدون جزاء هذا اللّون من التّفكير يبعث في نفس حامله الهدوء والسّكينة ويجعله يتحمّل أعباء المسؤوليّة ومشاقّها بصدر رحب، ويقف أمام الحوادث كالطّود الأشمّ ويرفض الخضوع للظّلم وهذا التّفكير يملأ الإنسان ثقة بأنّ الأعمال ـ صالحها وطالحها ـ لها جزاء وعقاب وبأنّه ينتقل بعد الموت إلى عالم أرحب خال من كلّ ألوان الظّلم يتمتّع فيه برحمة الله تعالى الواسعة الإيمان بالآخرة يعني اختراق حاجز عالم المادّة والدّخول إلى عالم أسمى ويعني أنّ عالمنا هذا مزرعة لذلك العالم الأسمى ومدرسة إعداديّة له، وأنّ الحياة في هذا العالم ليست هدفًا نهائيًّا بل تمهيد وإعداد للعالم الآخر.

الحياة في هذا العالم شبيهة بحياة المرحلة الجنينيّة فهي ليست هدفًا لخلقة الإنسان بل مرحلة تكامليّة من أجل حياة أخرى، وما لم يولد هذا الجنين سالمًا خاليًا من العيوب لا يستطيع أن يعيش سعيدًا في الحياة التّالية، الإيمان بيوم القيامة له أثر عميق في تربية الإنسان يهبه الشّجاعة والشّهامة لأنّ أسمى وسام يتقلّده الإنسان في هذا العالم هو وسام « الشّهادة » على طريق هدف مقدّس إلهيّ والشّهادة أحبّ شيء للإنسان المؤمن وبداية لسعادة أبديّة خالدة.

الإيمان بيوم القيامة يصون الإنسان من ارتكاب الذّنوب، فكلّما قوِيَ الإيمان قلّت الذّنوب.

ونسيان يوم الحساب أساس كلّ طغيان وظلم وذنب وبالتّالي أساس استحقاق العذاب الشّديد.

 

 

 

الآخرة: هي دار البقاء الّتي أعدّها الله تعالى للنّاس كلّهم الأولون والآخرون منهم للجزاء والحساب فيسعد فيها المؤمن وله جنّات النّعيم، يشقى فيها الكافر وله عذاب أليم فهو يوم الحسرة على العاصين ويوم النّدامة والقصاص والبلاء والخزي والفزع والجزع والخلود.

 

 

 

يقول الله سبحانه: ﴿ مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُوماً مَّدْحُوراً (18) وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُوراً (265) .

بناءً على ذلك هناك ثلاثة شروط أساسيّة للوصول إلى السّعادة الأبديّة هي:

أوّلاً: إرادة الإنسان وهي الإرادة الّتي ترتبط بالحياة الأبديّة ولا تكون مرتبطة بالذّات الزّائلة والنّعم غير الثّابتة والأهداف الماديّة، فالإرادة القويّة والرّوحيّة العالية تجعلان من الإنسان حرًّا طليقًا غير مرتبط بالدّنيا.

ثانيًا: هذه الإرادة يجب أن لا تكون ضعيفة وقاصرة في المجال الفكريّ والرّوحيّ للإنسان، بل إنها يجب أن تشمل جميع ذرات الوجود الإنسانيّ وتدفعه للحركة وبذل كلّ ما يستطيع من السّعي في هذا المجال يجب الملاحظة بأنّ كلمة « سعيها » قد جاءت في الآية الكريمة للتّأكيد وهي تعني أنّ على الإنسان أن يبذل أقصى ما يستطيع من السّعي في سبيل الآخرة.

ثالثًا: إنّ كلّ ما سبق من حديث عن الارادة في النّقطتَيْن السّابقتَيْن ينبغي أن يقترن بالإيمان، الإيمان الثّابت والقويّ لأنّ أيّ تصميم وجهد، إذا أريد له أن يثمر يجب أن تكون أهدافه صحيحة ومصدر هذه الأهداف هو الإيمان بالله والعمل بطاعته.

 

 

 

يقول الله تبارك تعالى: ﴿ فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ (200) وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (266) .

يوضح القرآن الكريم طبيعة مجموعتَيْن من النّاس وطريقة تفكيرهم: مجموعة لا تفكّر إلا بمصالحها الماديّة فتقول: ربّنا آتنا في الدّنيا، هؤلاء لاحظ لهم في المعنويّات ولا نصيب لهم في الآخرة ممّا يتمتّع به الصّالحون، والمجموعة الثّانية: اتّسعت آفاقهم الفكريّة وتعدّت حدود الحياة الماديّة فاتّجهوا إلى طلب السّعادة في الدّنيا باعتبارها مقدّمة لتكاملهم المعنويّ، وطلب السّعادة في الآخرة.

هذه الآية الكريمة توضّح في الحقيقة موقف الإسلام من المسائل الماديّة والمعنويّة وتدين الغارقين في الماديّات كما تدين المنعزلين عن الحياة هؤلاء الصّالحون يطلبون من الله تعالى أن يقيهم من عذاب الجحيم في الآخرة.

ويقول المولى في هذا السّياق: ﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا (267) .

ويقول رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): اعمل لدنياك كأنّك تعيش أبدًا واعمل لآخرتك كأنّك تموت غدًا (268) .

 

 

 

يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (269) .

فقد وصف سبحانه المؤمنين بأنّهم يقيمون الصّلاة بحدودها وواجباتها ويداومون على أوقاتها ويخرجون ما يجب عليهم من الزّكاة في أموالهم إلى من يستحقّها، ولا يشكّون بالنّشأة الآخرة والبعث والجزاء.

 

 

 

يقول الله سبحانه: ﴿ تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (270) .

يعني الجنّة نجعلها للّذين لا يتكبّرون ولا يتجبّرون على الله تعالى وعلى عباده ولا يعملون بالمعاصي.

 

 

 

يقول الله سبحانه: ﴿ وَلأََجْرُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ (271) .

يعني ثواب الآخرة خير لخلوصه عن الشّوائب وفي هذه إشارة إلى أنّه سبحانه يؤتي يوسف (عليه السّلام) في الآخرة من الثّواب والدّرجات ما هو خير ممّا أتاه الله في الدّنيا من الملك والنّعمة.

وقال عزّ وجلّ في هذا السّياق: ﴿ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ اتَّقَوْاْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ  ﴾ (272) .

يعني الآخرة خير لهم من دار الدّنيا ونعيمها.

يقال سبحانه أيضًا: ﴿ انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً  ﴾ (273) .

أيْ درجاتها ومراتبها أعلى وأفضل وهي مستحقّة على قدر العمل فينبغي أن تكون رغبتهم في الآخرة وسعيهم لها أكثر وقد روي أنّ ما بين أعلى درجات الجنّة وأسفلها ما بين السّماء والأرض وفي الآية دلالة على أنّ الطّاعة لا تزيد في رزق الدّنيا، إنّما تزيد في درجات الآخرة.

يقول الله سبحانه: ﴿ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ (274) يعني فما فوائد الدّنيا ومقاصدها في فوائد الآخرة ومقاصدها إلا قليل لانقطاع هذه ودوام تلك.

 

 

 

يقول الله عزّ وجلّ: ﴿ فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ (275) .

يعني الّذين يبيعون الحياة الفانية بالحياة الباقية ويجوز يبيعون الحياة الدّنيا بنعيم الآخرة أيْ يبذلون أنفسهم وأموالهم في سبيل الله سبحانه بتوطين أنفسهم على الجهاد في طاعة الله وبيعهم إيّاها بالآخرة هو استبدالهم إيّاها بالآخرة.

 

 

 

يقول الله سبحانه: ﴿ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ (276) .

لقد تهافتوا على اقتناء هذا المتاع الدّنيويّ وهم عالمون بأنّه يصادر آخرتهم فباعوا شخصيّتهم الإنسانيّة بهذا المتاع وأضاعوا سعادتهم وسعادة مجتمعهم عن علم ووعي وغرقوا في مستنقع الكفر والانحراف.

 

 

 

يقول الله عزّ وجلّ: ﴿ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ (277) .

يعني أعمالهم الصّالحات سوف تتأثّر بذنوبهم الكبيرة فتفقد أثرها وتصبح كأن لم تكن، وإنّ أحدًا لن يحميهم من عقوباتهم وما ينتظرهم من عذاب.

 

 

 

يقول الله سبحانه: ﴿ قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِندَ اللَّهِ خَالِصَةً مِّن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (278) .

لماذا تفرّون من الموت وكلّ ما في الآخرة من نعيم هو لكم كما تدّعون لماذا هذا الالتصاق بالأرض وبالمصالح الذّاتيّة والفرديّة إن كنتم مؤمنين بالآخرة وبنعيمها حقًّا؟.

بهذا الشّكل فضح القرآن أكذوبة اليهود وأمثالهم وبيّن زيف ادّعائهم.

 

 

 

يقول الله سبحانه: ﴿ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ (279) .

الآية تشير إلى تخبّط بني إسرائيل وتناقضهم وخسرانهم في مواقفهم والمصير الطّبيعيّ الّذي ينتظرهم نتيجة نقضهم العهد الّذي أقرّ به بنو إسرائيل.

 

 

أوّلاً: بالتّوحيد وإخلاص العبوديّة.

ثانيًا وثالثًا: بالإحسان إلى الأقارب واليتامى والفقراء.

رابعًا: بالتّعامل الصّحيح مع الآخرين.

خامسًا: بإقامة الصّلاة.

سادسًا: بإيتاء الزّكاة.

سابعًا: بعدم سفك الدّماء.

ثامنًا: بعدم إخراج بني جلدتهم من ديارهم بإفداء الأسرى.

ثمّ تشير الآيات إلى نقض العهد بعد الإقرار فاستحقّوا العذاب بذلك.

ويقول سبحانه عن هؤلاء الظّلمة: ﴿ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ (280) .

 

 

 

يقول الله سبحانه: ﴿ بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلاَلِ الْبَعِيدِ (281) .

يعني الّذين لا يصدّقون بالبعث والجزاء والثّواب والعقاب (في العذاب) في الآخرة.

 

 

 

عن النّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): من أصبح وأمسى والآخرة أكبر همّه جعل الله الغنى في قلبه وجمع له أمره، ولم يخرج من الدّنيا حتّى يستكمل رزقه ومن أصبح وأمسى والدّنيا أكبر همّه جعل الله الفقر بين عينَيْه وشتّت عليه أمره ولم ينل من الدّنيا إلا ما قسم له (282) .

 

 

 

سئل رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): عن قوله تعالى: ﴿ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ (283) . قال: قصور من لؤلؤ في كلّ قصر سبعون دارًا من ياقوتة حمراء في كلّ دار سبعون بيتًا من زمرّد أخضر، في كلّ بيت سرير، على كلّ سرير سبعون فراشًا من كلّ لون على كلّ فراش زوجة من الحور العين، في كلّ بيت سبعون مائدة على كلّ مائدة سبعون لونًا من الطّعام في كلّ بيت سبعون وصيفة ـ الخادمة ـ ويعطى المؤمن في كلّ غداة ـ يعني من القوّة ـ ما يأتي على ذلك أجمع » (284) .

 

 


جهنّم في القرآن الكريم


 

يقول الله عزّ وجلّ في سورة النّبأ: ﴿ إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً (21) لِّلطَّاغِينَ مَآباً (22) لَّابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً (23) لَّا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلَا شَرَاباً (24) إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً (25) جَزَاءً وِفَاقاً (26) إِنَّهُمْ كَانُواْ لَا يَرْجُونَ حِسَاباً (27) وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا كِذَّاباً (28) وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَاباً (29) فَذُوقُواْ فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَاباً (285) .

إعلم أنّ أكثر النّاس من الغافلين عن آخرتهم والمغرورين بما هم فيه من الانغماس بملذّات هذه الدّنيا المشرفة على الزّوال لذا دع التّفكّر فيما أنت مرتحل عنه وتوجّه بفكرك إلى موردك ألا تدري بأنّ النّار مورد للجميع إذ قيل ﴿ وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً (286) .

فأنت من الورود على يقين ومن النّجاة في شكّ فاستشعر في قلبك هول ذاك المورد فعساك تستعدّ للنّجاة منه بالعمل الصّالح وترك الطّالح الّذي يؤدّي بك إلى الوقوع في العذاب.

وتذكّر خروج المنادي من الزّبانية قائلاً: أين فلان بن فلان المسوّف نفسه في الدّنيا بطول الأمل المضيِّع عمره في سوء العمل، فيبادرونه بمقامع من حديد ويستقبلونه بعظائم التّهديد ويسوقونه إلى العذاب الشّديد ويسكنونه في قعر الجحيم ويقولون: له ذق إنّك أنت العزيز الكريم، فاسكنوا دارًا ضيّقة الأرجاء: مظلمة المسالك مبهمة المهالك يخلّد فيها الأسير ويؤبّد فيها السّعيد، فشرابهم فيها الحميم ومستقرّهم الجحيم الزّبانية تقمعهم والهاوية تجمعهم، أمانيّهم فيها الهلاك وما لهم منها فكاك قد شدّت أقدامهم إلى النّواصي واسودّت وجوههم من ظلمة المعاصي ينادون من أكنافها، ويصيحون في نواحيها وأطرافها يا مالك قد حقّ علينا الوعيد يا مالك قد أثقلنا الحديد، يا مالك قد نضجت منّا الجلود، يا مالك أخرجنا منها فإنّا لا نعود، وتقول الزّبانية: هيهات لات حين أمان ولا خروج لكم من دار الهوان، فاخسؤوا فيها ولا تكلّمون، ولو أخرجتم لكنتم إلى ما نهيتم عنه عائدون فعند ذلك يقنطون وعلى ما فرّطوا في جنب الله يتأسّفون، ولا ينجيهم النّدم ولا يغنيهم الأسف بل يكبّون على وجوههم مغلولين، النّار من فوقهم والنّار من تحتهم والنّار عن أيمانهم والنّار عن شمائلهم فهم غرقى في النّار طعامهم نار وشرابهم نار ولباسهم نار ومهادهم نار فهم بين مقطّعات النّيران وسرابيل القطران وضرب المقامع وثقل السّلاسل فهم يتجلجلون بين غواشيها، تغلي بهم النّار كغلي القدور ويهتفون بالويل والعويل والثّبور ومهما دعوا بالثّبور صبّ من فوق رؤوسهم الحميم يصهر به ما في بطونهم والجلود ولهم مقامع من حديد تهشّم بها هامهم فيتفجّر الصّديد من أفواههم وتتقطّع من العطش أكبادهم وتسيل على الخدود أحداقهم ويسقط من الوجنات لحومها ويمتعط من الأصراف شعورها بل جلودها، وكلّما نضجت جلودهم بدّلوا جلودًا غيرها قد عرّيت من اللّحم عظامهم فبقيت الأرواح منوطة بالعروق وعلائق العصب وهي تنشّ في لفح تلك النّيران وهم مع ذلك يتمنّون الموت فلا يموتون فكيف بك لو نظرت إليهم وقد سوّدت وجوههم أشدّ سوادًا من الحمم ـ الفحم ـ وأعميت أبصارهم وأبكمت ألسنتهم وقصمت ظهورهم وكسرت عظامهم وجدعت آذانهم ومزّقت جلودهم وغلّت أيديهم إلى أعناقهم جمع بين نواصيهم وأقدامهم وهم يمشون على النّار بوجوههم ويطؤون مسك الحديد بأقدامهم فلهيب النّار سار في بواطن أجزائهم.

هذه جملة من أحوالهم وللتّنبّه أكثر وأفضل المصادر لذلك ولبيان ألوان العذاب في جهنم هي الآيات القرآنيّة الكثيرة ونذكر بعضها:

 

 

 

جهنّم هي دار العقاب الأبديّ بعد الموت، وهو المكان الّذي أعدّ ليكون مثوى الكفّار والظّالمين والمنافقين والمسيئين في عالم الآخرة فهم سينتقلون في يوم القيامة بعد محاسبة أعمالهم إلى ذلك المكان، إنّه مكان سيّء جدًّا يعذّب فيه ساكنوه بألوان العذاب والأذى لينالوا بذلك جزاء أعمالهم السّيّئة.

 

 

 

إنّ لجهنّم دركات ومراتب مختلفة بعضها فوق بعض الأعلى جهنّم ثمّ سقر ثمّ لظى ثمّ الحطمة ثمّ السّعير ثمّ الجحيم ثمّ الهاوية، وكلّ فريق يوضع في الدّرك الّذي يناسبه.

يقول الله سبحانه: ﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً (287) .

وعن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): « إنّ أدنى أهل النّار عذابًا يوم القيامة ينتعل بنعلَيْن من نار يغلي دماغه من حرارة نعلَيْه » (288) .

 

إنّ نار جهنّم شديدة وفظيعة فهي تغضب على ساكنيها حتّى يسمع صوت غضبها من مكان بعيد يقول الله سبحانه:

﴿ بَلْ كَذَّبُواْ بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً (11) إِذَا رَأَتْهُم مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً (12) وَإِذَا أُلْقُواْ مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقاً مُّقَرَّنِينَ دَعَوْاْ هُنَالِكَ ثُبُوراً (13) لَّا تَدْعُواْ الْيَوْمَ ثُبُوراً وَاحِداً وَادْعُواْ ثُبُوراً كَثِيراً (289) .

ويقول الله عزّ وجلّ: ﴿ وَلِلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (6) إِذَا أُلْقُواْ فِيهَا سَمِعُواْ لَهَا شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ (7) تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) قَالُواْ بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ (9) وَقَالُواْ لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10) فَاعْتَرَفُواْ بِذَنبِهِمْ فَسُحْقاً لِّأَصْحَابِ السَّعِيرِ (290) .

وقال سبحانه: ﴿ فَأَنذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى (14) لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى (15) الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى (291) .

 

 

 

﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (292) .

الله سبحانه خلق الإنس والجنّ للطّاعة وبالتّالي للجنّة والرّحمة يقول الله سبحانه ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ﴾ فأخبر أنّه خلقهم للعبادة وقال أيضًا ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ سورة النساء - الآية 64 ، ولكن من لا يتدبّر أدلّة الله تعالى وبيّناته ولا يسترشد ويعرض عن الاتّعاظ فيكون كما قال سبحانه ﴿ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ ﴾ سورة البقرة الآية 18 ، أمثال هؤلاء من الإنس والجنّ لا يستحقّون إلا جهنّم ﴿ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾.

 

 

 

إنّ حطب جهنّم هو البشر والأصنام والمعبودات المزيّفة يقول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (293) .

ويقول سبحانه: ﴿ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98) لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آلِهَةً مَّا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ (99) لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ (294) .

وقال سبحانه أيضًا: ﴿ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (295) .

 

 

 

إنّ طعام أهل جهنّم من شجرة اسمها الزّقوم وهم يأكلون منها لشدّة جوعهم ولكنّها تغلي في بطونهم مثل الماء الحارّ وتتلاشى أعضاؤهم الدّاخليّة.

يقول الله سبحانه: ﴿ إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ (43) طَعَامُ الْأَثِيمِ (44) كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (45) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (46) خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ (47) ثُمَّ صُبُّواْ فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ (296) .

ويقول أيضًا سبحانه: ﴿ لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِن ضَرِيعٍ (6) لَّا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِن جُوعٍ (297) .

قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): « الّذي نفس محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بيده لو أنّ قطرة من الزّقوم قطرت على جبال الأرض، لساخت إلى أسفل سبع أرضين ولما أطاقته فكيف من هو طعامه » (298) .

إنّ الماء الّذي يشربه أهل جهنّم ليس سوى الحميم الغسّاق الّذي يسيل من حديدهم فكلّما طلب أهل جهنّم الماء من شدّة العطش يعطون هذا المشروب الوبيء.

يقول الله سبحانه: ﴿ لَّا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلَا شَرَاباً (24) إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً (25) جَزَاءً وِفَاقاً (299) .

يقول الله سبحانه في هذا السّياق: ﴿ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ (300) .

ويقول أيضًا سبحانه: ﴿ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً (301) .

 

 

 

إنّ على أهل جهنّم ألبسة من نار وهم يوضعون في السّلاسل والأغلال ثمّ تصبّ المواد الذّائبة على رؤوسهم يقول الله عزّ وجلّ:

﴿ هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُواْ فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُواْ قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19) يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20) وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (21) كُلَّمَا أَرَادُواْ أَن يَخْرُجُواْ مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُواْ فِيهَا وَذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ (302) .

ويقول سبحانه أيضًا: ﴿ خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ (303) .

 

إنّ جهنّم مثل الخيمة تحيط بالكافرين من جميع الجهات والأطراف وهم يحترقون في النّار، يقول الله عزّ وجلّ: ﴿ يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ (304) .

 

 

 

إنّ في جهنّم لا يوجد موت والجهنّميّون يطلبون الموت من شدّة العذاب الّذي يعانون منه ولكن لا موت هناك يقول الله سبحانه: ﴿ إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى (305) .

ويقول سبحانه في هذا السّياق: ﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106) خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ (306) .

 

إنّ جلود الجهنّميّين ولحومهم تشوى في جهنّم ولكنّها سرعان ما تتجدّد حتّى يذوقوا العذاب جيّدًا يقول الله عزّ وجلّ: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُم بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً (307) .

 

 

 

إنّ الّذين يدّخرون الذّهب والفضّة ويكنزون أموالهم ولا يؤدّون الحقوق الواجبة تذوب تلك الأموال في جهنّم وتكوى بها وجوه أصحابها، وجنوبهم وظهورهم، يقول الله سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيراً مِّنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ  ﴾ (308) .

 

يقول الله سبحانه: ﴿ بَلَى مَن كَسَبَ سَيّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (309) .

إنّ الأمور المذكورة نماذج من خصائص العذاب الّذي يعذّب به المسيئون في جهنّم.

هذا مضافًا إلى أنّ جهنّم وصفت في القرآن الكريم وعلى سبيل الإجمال بأنّها مكان سيّىء ومظلم جدًّا وتجد هذا النّوع من التّعابير والألفاظ بوفرة في الكتاب العزيز.

﴿ عَذَابٌ مُّهِينٌ ، ﴿ عَذَابٌ أَلِيمٌ ، ﴿ عَذَابٌ شَدِيدٌ ، ﴿ عَذَابٌ عَظِيمٌ ، ﴿ عَذَابَ الْحَرِيقِ ، ﴿ عَذَابٌ مُّقِيمٌ ، ﴿ عَذَابَ الْهُونِ ، ﴿ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ، ﴿ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ ، ﴿ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ، ﴿ وَسَاءَتْ مَصِيراً ، ﴿ ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ ، ﴿ عَذَابٌ غَلِيظٌ ، وما يشابهها من الأوصاف الّتي وصف بها عذاب جهنّم الرّهيب ونختم بقصّة لنعتبر أكثر.

 

بينما رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ذات يوم كان قاعدًا إذ جاء جبرائيل (عليه السّلام) وهو كئيب حزين متغيّر اللّون فقال له رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): يا جبرائيل مالي أراك باكيًا حزينًا؟ فقال: يا محمّد فكيف لا أكون كذلك، وإنّما وضعت منافيخ جهنّم اليوم، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): وما منافيخ جهنّم يا جبرائيل؟ فقال: إنّ الله تعالى أمر بالنّار فأوقد عليها ألف عام حتّى احمرّت ثمّ أمر بها فأوقد عليها ألف عام حتّى ابيضت ثمّ أمر بها فأوقد عليها ألف عام حتّى اسودّت وهي سوداء مظلمة فلو أنّ حلقة من السّلسلة الّتي لها سبعون ذراعًا وضعت على الدّنيا لذابت من حرّها ولو أنّ قطرة من الزّقوم والضّريع قطرت في شراب أهل الدّنيا لمات أهل الدّنيا من نتنها، قال: فبكى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وبكى جبرائيل، فبعث الله إليهما ملكًا فقال: إنّ ربّكما يقرئكما السّلام ويقول: قد أمنتكما من أن تذنبا ذنبًا فأعذبّكما عليه.

اللّهم عفوك عفوك قبل جهنّم والنّيران، اللّهم عفوك عفوك قبل سرابيل القطران، اللّهم عفوك عفوك قبل أن تغلّ الأيدي إلى الأعناق يا أرحم الرّاحمين وخير الغافرين آمين ربّ العالمين.

 

 


(215) سورة النّساء، الآية: 145.

(216) سورة المنافقون، الآية: 4.

(217) سورة المنافقون، الآية: 1.

(218) سورة المنافقون، الآية: 2.

(219) سورة المنافقون، الآية: 3.

(220) سورة المنافقون، الآية: 4.

(221) سورة المنافقون، الآية: 5.

(222) سورة المنافقون، الآية: 6.

(223) سورة المنافقون، الآية: 7.

(224) سورة المنافقون، الآية: 8.

(225) سورة المنافقون، الآية: 8.

(226) سورة المنافقون، الآية: 9.

(227) سورة البقرة، الآيات: 8 - 15.

(228) سورة المنافقون، الآية: 10.

(229) سورة المنافقون، الآيتان: 11 - 12.

(230) سورة المنافقون، الآية: 13.

(231) سورة البقرة، الآية: 15.

(232) سورة النّساء، الآيتان: 142 - 143.

(233) سورة التّوبة، الآية: 81.

(234) سورة التّوبة، الآية:50.

(235) سورة البقرة، الآيات: 204 - 206.

(236) سورة التّوبة، الآية: 68.

(237) سورة النّساء، الآيتان: 135 - 146.

(238) سورة التّوبة، الآية: 74.

(239) سورة آل عمران، الآية: 185.

(240) سورة البقرة، الآية: 28.

(241) سورة النّحل، الآية: 21.

(242) سورة إبراهيم، الآية: 17.

(243) سورة الجمعة، الآية: 8.

(244) أخرجه ابن ماجة تحت رقم 4258.

(245) سورة البقرة، الآية: 94.

(246) سورة البقرة، الآية: 95.

(247) سورة الملك، الآية: 2.

(248) سورة الأنبياء، الآية: 34.

(249) سورة الزّمر، الآية: 30.

(250) سورة الأعراف، الآية: 34.

(251) سورة الأنبياء، الآية: 34.

(252) سورة الجمعة، الآية: 8.

(253) سورة الأعراف، الآية: 34.

(254) سورة النّحل، الآية: 32.

(255) سورة حم السّجدة، الآية: 30.

(256) سورة القيامة، الآيات: 26 - 30.

(257) سورة آل عمران، الآيتان: 156 - 157.

(258) مستدرك سفينة البحار: ص 1.

(259) سورة النّساء، الآية: 18.

(260) سورة النّساء، الآية: 17.

(261) سورة البقرة، الآية: 132.

(262) ميزان الحكمة: ج 17 ، ص153.

(263) سورة السّجدة، الآية: 11.

(264) سورة لقمان، الآية: 4.

(265) سورة الإسراء، الآيتان: 18 - 19.

(266) سورة البقرة، الآيتان: 200 - 201.

(267) سورة القصص، الآية: 77.

(268) ميزان الحكمة: ج 1، ص 29.

(269) سورة النّمل، الآية: 3.

(270) سورة القصص، الآية: 83.

(271) سورة يوسف، الآية: 57.

(272) سورة يوسف، الآية: 109.

(273) سورة الإسراء، الآية: 21.

(274) سورة التّوبة، الآية: 38.

(275) سورة النّساء، الآية: 74.

(276) سورة البقرة، الآية: 102.

(277) سورة آل عمران، الآية: 22.

(278) سورة البقرة، الآية: 94.

(279) سورة البقرة، الآية: 86.

(280) سورة البقرة، الآية: 114.

(281) سورة سبأ، الآية: 8.

(282) ميزان الحكمة: ج 1، ص 29.

(283) سورة الصّفّ، الآية: 12.

(284) المحجّة البيضاء.

(285) سورة النّبأ: الآيات: 21 - 30.

(286) سورة مريم، الآيتان: 71 - 72.

(287) سورة النّساء، الآية: 145.

(288) رواه مسلم: ص 135.

(289) سورة الفرقان، الآيات: 11 - 14.

(290) سورة الملك، الآيات: 6 - 11.

(291) سورة اللّيل، الآية: 16.

(292) سورة الأعراف، الآية: 179.

(293) سورة التّحريم، الآية: 6.

(294) سورة الأنبياء، الآيات: 98 - 100.

(295) سورة البقرة، الآية: 24.

(296) سورة الدّخان، الآيات: 43 - 48.

(297) سورة الغاشية، الآيتان: 6 - 7.

(298) مستدرك سفينة البحار: الباب 290/ ص 1.

(299) سورة النّبأ، الآيات: 24 - 26.

(300) سورة الأنعام، الآية: 70.

(301) سورة الكهف، الآية: 29.

(302) سورة الحجّ، الآيات: 19 - 22.

(303) سورة الحاقّة، الآيات: 30 - 32.

(304) سورة العنكبوت، الآية: 54.

(305) سورة طه، الآية: 74.

(306) سورة هود، الآيتان: 106 - 107.

(307) سورة النّساء، الآية: 56.

(308) سورة التّوبة، الآيتان: 34 - 35.

(309) سورة البقرة، الآية: 81.